القضية رقم 5 لسنة 10 ق "دستورية ".
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة في يوم السبت 19 يونية سنة 1993 الموافق 29
ذو الحجه 1413 هــ .
برئاسة السيد المستشار الدكتور/ محمد إبراهيم أبوالعينين رئيس الجلسة
وحضور السادة المستشارين: عبد الرحمن نصير وسامى فرج يوسف والدكتور
عبد المجيد فياض ومحمد على سيف الدين وعدلى محمود منصور ومحمد عبد القادر عبد
الله. أعضاء
وحضور السيد المستشار/ محمد خيرى طه عبد المطلب النجار رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد/ رأفت محمد عبد الواحد أمين السر
أصدرت الحكم الآتي
في القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 5 لسنة 10
قضائية "دستورية ".
بعد ان أحالت المحكمة الادارية العليا بمجلس الدولة ملف الطعن رقم 908
لسنة 32 " قضائية "
المقامة من
..........
ضد
1 - السيد / وزير المالية
2 - السيد / وزير الاسكان
3 - السيد / محافظ الجيزة
4 - السيد / رئيس المجلس المحلى بشمال الجيزة
الإجراءات
بتاريخ 13 من يناير سنة 1988 ورد إلى قلم كتاب المحكمة الحكم الصادر
من المحكمة الإدارية العليا بجلسة 7 نوفمبر سنة 1987 في الطعن رقم 908 لسنة 32
قضائية، قاضيا بوقف نظر هذا الطعن وإحالة الأوراق بغير رسوم إلى المحكمة الدستورية
العليا للفصل في دستورية نص الفقرة الأولى من المادة 3 مكرراً وكذلك نص المادة 3
مكرراً (2) من القانون رقم 107 لسنة 1976 بإنشاء صندوق تمويل مشروعات الإسكان الاقتصادي
المعدل بالقانون رقم 34 لسنة 1978.
و قدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى .
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار
الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة .
حيث إن الوقائع- على ما يبين من حكم الإحالة وسائر الأوراق- تتحصل في أن
المدعى كان قد أقام أمام محكمة القضاء الإداري الدعوى رقم 4957 لسنة 36 قضائية
طالبا الحكم بإلغاء القرار الصادر في 17 يونيو سنة 1982 من لجنة المراجعة عن شياخة
الحوتية بمأمورية الضرائب العقارية بالدقي محافظة الجيزة، والمتضمن تحديد الضريبة
السنوية على الأرض الفضاء التي يملكها بواقع 265ر363 جنيه اعتباراً من سنة 1980
بالإضافة إلى غرامة قدرها 90,816 جنيه. وإذ قضت محكمة القضاء الإداري برفض دعواه،
فقد طعن في هذا الحكم بالطعن رقم 98 لسنة 32 قضائية أمام المحكمة الإدارية العليا،
التي تراءى لها بحكمها الصادر بجلسة 7 نوفمبر سنة 1987 عدم دستورية نص الفقرة
الأولى من المادة 3 مكرراً، والمادة 3 مكرراً (2) المضافين للقانون رقم 107 لسنة
1976 بالقانون رقم 34 لسنة 1978، على سند من أن خضوع الأرض الفضاء التي لا تغل
دخلاً لضريبة سنوية مستمرة بواقع 2% من قيمتها، وزيادة هذه القيمة بمقدار 7%
سنوياً حتى نهاية السنة السابقة مباشرة على استحقاق الضريبة، يؤدى بالضرورة إلى أن
تستغرق الضريبة قيمة الأرض الفضاء ذاتها في وقت غير بعيد، وهو ما يعنى في الحقيقة
مصادرتها بالمخالفة للمادة 36 من الدستور، ويقع مخالفا كذلك للمادة 38 من الدستور التي
تقيم النظام الضريبي على أساس العدالة الاجتماعية ، فقضت بإحالتها إلى هذه المحكمة
للفصل في دستورية النصين سالفي الذكر.
وحيث إن البين من تقصى التنظيم التشريعي للضريبة على الأرض الفضاء أن
المشرع أخضع الأراضي الفضاء المستغلة والمستعملة للضريبة على العقارات المبنية منذ
فترة طويلة ، وكانت المادة الأولى من القانون رقم 56 لسنة 1954 تسوى في حكم الخضوع
للضريبة بين العقارات المبنية والأراضي الفضاء المستغلة أو المستعملة . أما الأراضي
الفضاء غير المستغلة أو المستعملة والتي لا تدر دخلاً فلم تكن تخضع لأية ضريبة حتى
أصدر المشرع القانون رقم 34 لسنة 1978 معدلاً بعض أحكام القانون رقم 107 لسنة 1976
بإنشاء صندوق تمويل مشروعات الإسكان الاقتصادي ومضيفا إليه بعض النصوص من بينها
المادة 3 مكرراً التي تنص فقرتها الاولى على أن "تفرض على الأراضي الفضاء
الواقعة داخل نطاق المدن في المناطق المتصلة بالمرافق العامة الأساسية من مياه
ومجار وكهرباء، والتي لا تخضع للضريبة على العقارات المبنية أو الضريبة على
الأطيان الزراعية ، ضريبة سنوية مقدارها 2% من قيمة الأرض الفضاء" والمادة 3
مكرراً (2) التي تنص على أن "يتم تحديد قيمة الأرض الفضاء الخاضعة لأحكام هذا
القانون على أساس القيمة الواردة بالعقود المسجلة، وإذا لم توجد عقود مسجلة ، فيتم
تحديد هذه القيمة على أساس تقدير مصلحة الضرائب لعناصر التركة إذا كان من بين
عناصرها أرض فضاء، وذلك ما لم تنقض على التسجيل أو التقدير خمس سنوات على استحقاق
الضريبة المنصوص عليها في هذا القانون، على أن تزاد قيمة الأرض بواقع 7% سنوياً من
أول السنة التالية لتاريخ التسجيل أو التقدير حتى نهاية السنة السابقة مباشرة على
استحقاق الضريبة ، وفي الحالات التي لا تسرى عليها أحكام الفقرة السابقة يكون
تقدير قيمة الأرض الفضاء وفقاً لثمن المثل في عام 1974 مع زيادة سنوية مقدارها 7%
منذ ذلك التاريخ حتى نهاية السنة السابقة مباشرة على استحقاق الضريبة ".
وتضمنت باقى النصوص المضافة الأحكام الأخرى المتعلقة بهذه الضريبة سواء فيما يتعلق
بحصر الأراضي الخاضعة لها، وموعد وضمانات أدائها، وأيلولة حصيلتها إلى صندوق تمويل
مشروعات الإسكان الاقتصادي، وأحوال وقف استحقاقها. وبتاريخ 15 مارس سنة 1984 نشر
بالجريدة الرسمية القانون رقم 13 لسنة 1984 مستبدلاً بنص المادتين 3 مكرراً ( 5
) نصين جديدين، وإن كان الثابت ان النص الجديد للمادة 3 مكرراً قد ورد بذات
ألفاظ وعبارات وأحكام النص السابق إذ ينحصر ما طرأ على النص الجديد في إيراده كلمة
"بجميع" قبل عبارة "المرافق العامة الأساسية من مياه ومجار
وكهرباء"، لمجرد تأكيد أمر ثابت من قبل في ظل العمل بالنص السابق وهو اشتراط
اتصال المنطقة الكائنة بها الأرض الفضاء الخاضعة للضريبة بالمرافق العامة الأساسية
الثلاثة المشار إليها، ومن ثم فلا يتسنى - والحالة هذه- اعتبار نصى الفقرة الأولى
من المادة 3 مكرراً سالفة البيان مغايراً في حكمه لما كان عليه قبل تعديلها
بالقانون رقم 13 لسنة 1984 المشار إليه. وبالتالي فإن الدعوى الدستورية الماثلة
تنبسط لتشمل الطعن بعدم دستورية الفقرة الأولى من المادة 3 مكرراً قبل وبعد
تعديلها بالقانون رقم 13 لسنة 1984.
وحيث إنه يستفاد من التنظيم التشريعي سالف البيان أن الضريبة على
الأرض الفضاء ضريبة مباشرة على رأس مال لا يغل دخلاً، يتمثل في الأرض الفضاء
الواقعة داخل نطاق المدن في المناطق المتصلة بالمرافق العامة الأساسية من مياه
ومجار وكهرباء والتي لا تخضع لأى من الضريبة على العقارات المبنية أو الضريبة على
الأطيان الزراعية، وأنها ضريبة دورية متجددة تستحق سنويا طالما لم تتغير طبيعتها
بالبناء عليها أو بزراعتها فتخضع بذلك لضريبة أخرى . كما يبين كذلك من التنظيم التشريعي
سالف البيان، أن وعاء الضريبة على الأرض الفضاء لا يقتصر على القيمة الأصلية للأرض
الفضاء حسبما وردت في عقد شرائها المشهر أو في تقدير مصلحة الضرائب لها ضمن عناصر
التركة أو وفقاً لثمن مثلها في سنة 1974 حسب الأحوال، وإنما يشمل الوعاء زيادة
افترض المشرع تحققها في قيمة هذه الأرض قدرها بنسبة 7% سنوياً حتى نهاية السنة
السابقة مباشرة على استحقاق الضريبة . وهذه الزيادة المفترضة تسرى على جميع الأراضي
الخاضعة للضريبة بغض النظر عن مساحتها أو موقعها أو صقعها. وان الضريبة لا يقتصر
فرضها على الأرض الفضاء التي توافرت لها شروط الخضوع للضريبة عند العمل بالقانون
الذى فرضها، وإنما تسرى أيضا على الأرض الفضاء التي توافرت لها تلك الشروط بعد
العمل بذلك القانون اعتباراً من أول يناير التالي لانقضاء سنة على تاريخ خضوعها
لأحكامه. هذا فضلاً عن أن الزيادة السنوية التي افترضها المشرع في قيمة الأرض
الفضاء تؤدى إلى زيادة وعاء الضريبة مما يفضى بدوره إلى ارتفاع قيمة الضريبة
السنوية المستحقة ، وأن الضريبة المشار إليها تسرى على الأرض الفضاء أيا كانت
مساحتها ولو كانت ملكيتها شائعة بين عدة ملاك.
وحيث إن الفقرة الأولى من المادة 3 مكرراً بفرضها ضريبة سنوية على
الأرض الفضاء بواقع 2% من قيمتها، والمادة 3 مكرراً (2) بوضعها ضوابط تحديد تلك
القيمة باعتبارها وعاء للضريبة ، فإنه لا يتسنى - في مقام الفصل في الدستورية - أن
ينفك أحد النصين عن الآخر، وهو ما حدا بمحكمة الموضوع إلى إحالة الأوراق إلى
المحكمة الدستورية ، للفصل في دستورية النصين معاً.
وحيث إن الأصل في الضريبة أنها فريضة مالية تقتضيها الدولة جبراً بما
لها من سيادة ، وقد ارتبط فرض الضرائب من الناحية التاريخية بوجود المجالس
التشريعية لما ينطوي عليه من تحميل المكلفين بها أعباء مالية تقتطع من ثرواتهم مما
يتعين معه تقريرها بموازين دقيقة ولضرورة تقتضيها، لذلك نص الدستور- في المادة
119- على أن "إنشاء الضرائب العامة وتعديلها أو إلغاءها لا يكون إلا بقانون،
ولا يعفى أحد من أدائها إلا في الأحوال المبينة في القانون"؛ وكان فرض
الضريبة يقع مخالفاً للدستور كلما كان معدلها وأحوال فرضها وتحديد وعائها مناقضا
للأسس الموضوعية التي ينبغي أن تقوم عليها، مجاوزاً للأغراض المقصودة منها ولو كان
الغرض من فرضها زيادة موارد الدولة لمقابلة مصلحة مشروعة .
و حيث إن الدستور قد حرص في مادته الرابعة والثلاثين على النص على صون
الملكية الخاصة والمتمثلة - وفقاً لمادته الثانية والثلاثين- في رأس المال غير
المستغل، فكفل عدم المساس بها إلا على سبيل الاستثناء وفى الحدود وبالقيود التي
أوردها، باعتبار أنها - في الأصل - ثمرة مترتبة على الجهد الخاص الذى بذله الفرد،
وبوصفها حافزاً له على الانطلاق والتقدم، فيختص دون غيره بالأموال التي يملكها
وبتهيئتها للانتفاع المفيد بما لتعود إليه ثمارها . بحسبان أن الأموال التي يرد
عليها حق الملكية تعد من مصادر الثروة القومية التي لا يجوز التفريط فيها. وإذ
كانت الملكية في إطار النظم الوضعية الحديثة - لم تعد حقا مطلقا يستعصى على
التنظيم التشريعي ، فقد غدا سائغاً تحميلها بالقيود التي تقتضيها وظيفتها
الاجتماعية التي يتحدد نطاقها ومرماها بمراعاة الموازنة التي يجريها المشرع- في ضوء
أحكام الدستور- بين المصلحة الخاصة للمالك والصالح العام للمجتمع، ذلك أن القيود التي
تفرضها الوظيفة الاجتماعية على حق الملكية للحدة من إطلاقه، لا تعتبر مقصودة
لذاتها وإنما غايتها تحقيق الخير المشترك للفرد والجماعة . متى كان ذلك فإنه وإن
صح أن تتخذ الضريبة وسيلة لتوزيع أعباء النفقات العامة على المواطنين وفقاً للأسس
عادلة ، إلا أنه لا يجوز أن تفرض الضريبة ويحدد وعاؤها بما يؤدى إلى زوال رأس
المال المفروضة عليه كلية أو الانتقاص منه بدرجة جسيمة، فما لذلك الغرض شرعت
الضريبة، وما قصد الدستور أن تؤدى في نهاية مطافها إلى أن يفقد المواطن رأس المال
المحمل بعبئها ليؤول تنفيذها في النهاية إلى فقدان وعائها أو الانتقاص الجسيم منه.
ومن أجل ذلك كان الدخل- باعتباره من طبيعة متجددة ودورية - هو الذى يشكل على
اختلاف مصادره- الوعاء الأساسي للضريبة، إذ هو التعبير الرئيس عن المقدرة
التكليفية للممول، بينما يشكل رأس المال وعاء تكميليا للضرائب لا يلجأ المشرع إلى
فرض الضريبة عليه إلا استثناء ولمرة واحدة أو لفترة محددة بحيث لا تؤدى الضريبة
بوعائها كليا أو تمتص جانباً جسيماً منه. وقد يرى المشرع أحياناً فرض ضريبة على
رأس مال يغل دخلاً ويراعى أن يتم الوفاء بهذه الضريبة من دخل رأس المال الخاضع
للضريبة . أما فرض ضريبة على رأس مال لا يغل دخلاً وبطريقة دورية متجددة ، ولفترة
غير محددة مع زيادة تحكمية مفترضة في قيمة الضريبة السنوية المستحقة عليه، فإنه ينطوي
على عدوان على الملكية بالمخالفة لنص المادة 34 من الدستور، كما يناقض مفهوم
العدالة الاجتماعية الذى نصت المادة 38 من الدستور على قيام النظام الضريبي على
أساسه وهو ما يوجب القضاء بعدم دستورية النصين المطعون عليهما.
وحيث إنه بالنسبة لباقي أحكام التنظيم التشريعي لضريبة الأرض الفضاء،
فإنها إذ ترتبط ارتباطا وثيقاً لا يقبل التجزئة بالنصين المطعون عليهما في الدعوى
الماثلة ومن ثم يترتب لزوماً على القضاء بعدم دستوريتهما سقوط الأحكام المشار
إليها، ذلك أن الفقرة الثانية من المادة 3 مكرراً تحدد الجهات التي لا تخضع الأراضي
الفضاء المملوكة لها لهذه الضريبة . وتنظم المادة 3 مكرراً (1) مواعيد أداء تلك
الضريبة . وتبين المادة 3 مكرراً (3) كيفية حصر الأراضي الخاضعة للضريبة، وتحظر
المادة 3 مكرراً (4) صرف تراخيص البناء أو البناء أو إقامة مبان على هذه الأراضي
أو شهر التصرفات التي تتناولها إلا بعد تقديم ما يفيد سداد الضريبة . وتقضى المادة
3 مكرراً (5) بوقف استحقاق الضريبة متى تم البناء على الأرض أو شغل وربط بالضريبة
على العقارات المبنية أو خضعت للضريبة على الأرض الزراعية ، كما ينص البند (4) من
المادة 36 من قانون الإدارة المحلية الصادر بالقانون رقم 43 لسنة 1979 والمعدل
بالقانون رقم 50 لسنة 1981 على أن تكون حصيلة هذه الضريبة مورداً من موارد الحساب
الخاص بتمويل مشروعات الإسكان الاقتصادي والذى ينشأ بكل محافظة، ومن ثم تسقط
النصوص سالفة الذكر ترتيبا على القضاء بعدم دستورية النصين المطعون عليهما في الدعوى
الراهنة .
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة :
أولاً: بعدم دستورية نص الفقرة الأولى من المادة 3 مكرراً والمادة 3
مكرراً (2) من القانون رقم 107 لسنة 1976 بإنشاء صندوق تمويل مشروعات الإسكان الاقتصادي
المعدل بالقانونين رقمي 34 لسنة 1978 و13 لسنة 1984.
ثانياً: بسقوط أحكام الفقرة الثانية من المادة 3 مكرراً والمادة 3
مكرراً (1) والمادة (3) مكرراً (3) والمادة 3 مكرراً (4) والمادة 3 مكرراً (5)
والبند (4) من المادة (36) من قانون الإدارة المحلية الصادر بالقانون رقم 43 لسنة
1979 والمعدل بالقانون رقم 50 لسنة 1981.
صدر هذا الحكم من الهيئة المبينة بصدرة اما السيد المستشار محمد ولي
الدين جلال الذي سمع المرافعة و حضر المداولة و وقع مسودة هذا الحكم فقد جلس بدلة
عند تلاوته السيد المستشار سامي فرج يوسف .