القضية رقم
13 لسنة 37 ق " دستورية
باسم الشعب
المحكمة الدستورية
العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الثالث من يونيو سنة 2017م، الموافق الثامن من
رمضان سنة 1438 هـ.
برئاسة السيد المستشار / عبد الوهاب عبد الرازق
رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: الدكتور حنفى على جبالى وسعيد مرعى عمــرو والدكتور
حمـــــدان حسن فهمى وحاتم حمـــــد بجاتو والدكتور محمد عماد النجار والدكتور عبد
العزيز محمد سالمان
نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور / طارق عبد الجواد شبل
رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع
أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 13
لسنة 37 قضائية " دستورية
المقامة من
أحمد
محمد عبده الخطيب
ضد
1 - رئيس الجمهورية
2 - رئيس مجلس الوزراء
3 - النائب العام
الإجراءات
بتاريخ الخاس من فبراير سنة 2015، أودع المدعى صحيفة هذه
الدعوى قلم كتاب المحكمـة الدستورية العليا، طالبًا الحكم بعدم دستورية نص المادة
(375 مكررًا) من قانون العقوبات الصادر بالقانون رقم 58 لسنة 1937، المضافة
بالمرسوم بقانون رقم 10 لسنة 2011.
وقدمت هيئة
قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت
الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة
السادس من مايو سنة 2017، ثم قررت مد أجل إصدار الحكم لجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة .
حيث إن
الوقائع تتحصل - على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - فى أن النيابة
العامة كانت قد اتهمت المدعى، وآخرين، فى الجناية رقم 5228 لسنة 2014 المعادى،
بأنهم فى يوم 25/1/2014، بدائرة قسم شرطة المعادي - محافظة القاهرة:
أولاً :
أحرزوا هم وآخرون مجهولون مفرقعات قبل الحصول على ترخيص بذلك على النحو المبين
بالتحقيقات.
ثانيًا :
اشتركوا هم وآخرون مجهولون فى تجمهر مؤلف من أكثر من خمسة أشخاص من شأنه أن يجعل
السلم العام فى خطر، وكان الغرض منه ارتكاب جرائم الاعتداء على الأشخاص والممتلكات
العامة والخاصة والتأثير على رجال السلطة العامة فى أداء أعمالهم بالقوة والعنف
حال حملهم مفرقعات وأدوات من شأنها إحداث الموت إذا ما استعملت، وقد وقعت تنفيذًا
للغرض المقصود من التجمهر مع علمهم به الجرائم الآتية :
(1) اشتركوا هم وآخرون مجهولون فى تظاهرة غير مخطر بها أخلت بالأمن العام وعرضت
مصالح المواطنين للخطر وأثرت على سير المرافق العامة وعرضت الممتلكات العامة للخطر
حال إحرازهم مفرقعات ومواد حارقة وأدوات حادة وذلك على النحو المبين بالتحقيقات.
(2) قاموا هم وآخرون مجهولون باستعراض القوة والتلويح بالعنف ضد العامة من
المواطنين ورجال الضبط المتواجدين بشارع 77 بالمعادى لتعطيل تنفيذ القوانين وتكدير
الأمن والسكينة العامة حال كونهم أكثر من شخصين ويحملون أدوات تعدّ (مفرقعات، مواد
حارقة، أدوات حادة) بأن احتشدوا مرددين هتافات مسيئة لمؤسسات الدولة لفرض سطوتهم
وكان من شأن ذلك إلقاء الرعب فى أنفس العامة وتكدير أمنهم وسكينتهم والمساس
بحريتهم الشخصية على النحو المبين بالتحقيقات.
(3) أحرزوا
هم وآخرون مجهولون أدوات (زجاجات مولوتوف، شوكة حديدية، نبلة حديدية) مما تستعمل
فى الاعتداء على الأشخاص بدون مسوغ من الضرورة الشخصية أو الحرفية على النحو
المبين بالتحقيقات.
وطلبت
النيابة العامة معاقبته, وباقى المتهمين، بالمادتين (102 (أ)، 375 مكررًا) من
قانون العقوبات، والمواد (1، 2، 3 مكررًا/1) من القانون رقم 10 لسنة 1914 بشأن
التجمهر، والمواد (1، 25 مكررًا/1، 30/1) من القانون 394 لسنة 1954 المعدل
بالقانونين رقمي 26 لسنة 1978، 165 لسنة 1981، والبند رقم (7) من الجدول رقم 1
الملحق بالقانون الأول والمستبدل بقرار وزير الداخلية رقم 1756 لسنة 2007،
والبندين رقمي (69، 77) من قرار وزير الداخلية رقم 2225 لسنة 2007 بشأن المواد التي
تعتبر فى حكم المفرقعات، والمواد (6، 7، 8، 17، 19، 21، 22) من قرار رئيس
الجمهورية بالقانون رقم 107 لسنة 2013 بشأن تنظيم الحق فى الاجتماعات العامة
والمواكب والتظاهرات السلمية، والمواد أرقام (95، 111، 122) من قانون الطفل الصادر
بالقانون رقم 12 لسنة 1996 والمعدل بالقانون رقم 126 لسنة 2008. وتدوولت الدعوى
أمام محكمة جنايات القاهرة، وبجلسة 12 من نوفمبر سنة 2014 دفع الحاضر عن المدعى
بعدم دستورية نص المادة (375 مكررًا) من قانون العقوبات، فقررت المحكمة تأجيل نظر
الجناية لجلسة 13 من نوفمبر سنة2014، وبتلك الجلسة، إذ قدرت المحكمة جدية الدفع،
قررت تأجيل نظر الدعوى لجلسة التاسع من فبراير سنة 2015، وصرحت للمدعى بإقامة
الدعوى الدستورية، فأقام الدعوى المعروضة.
وحيث إن
قضاء هذه المحكمة، قد جرى على أن المصلحة الشخصية المباشرة، وهى شرط لقبول الدعوى
الدستورية، مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة فى الدعوى الموضوعية،
وذلك بأن يكون الفصل فى المسألة الدستورية لازمًا للفصل فى الطلبات الموضوعية
المرتبطة بها والمطروحة أمام محكمة الموضوع. لما كان ذلك، وكانت الدعوى الموضوعية
يدور رحاها حول اتهام المدعى وآخرين بارتكاب عدد من الجرائم، من بينها استعراض
القوة والتلويح بالعنف ضد العامة من المواطنين ورجال الضبط لتعطيل تنفيذ القوانين
وتكدير الأمن والسكينة العامة، حال كونهم أكثر من شخصين ويحملون أدوات تعدّ
(مفرقعات، مواد حارقة، أدوات حادة) قاصدين التأثير على إرادتهم لفرض سطوتهم، وكان
من شأن ذلك إلقاء الرعب فى أنفس العامة وتكدير أمنهم وسكينتهم والمساس بحريتهم
الشخصية، وهى الجريمة المؤثمة بالمادة (375 مكررًا) من قانون العقوبات المضافة
بالمرسوم بقانون رقم 10 لسنة 2011، ومن ثم فإن الفصل فى دستورية ذلك النص يرتب
انعكاس أكيد ومباشر على الطلبات فى الدعوى الموضوعية، وقضاء محكمة الموضوع فيها،
الأمر الذى يتوافر معه شرط المصلحة الشخصية المباشرة فى الدعوى المعروضة، ويتحدد
نطاقها فى هذه المادة.
وحيث إن
المادة (375 مكررًا) من قانون العقوبات الصادر بالقانون رقم 58 لسنة 1937، المضافة
بالمرسوم بقانون رقم 10 لسنة 2011 تنص على أن : "مع عدم الإخلال بأية عقوبة
أشـد واردة فى نص آخــــــر، يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة كل من قام بنفسه أو
بواسطة الغير باستعراض القوة أو التلويح بالعنف أو التهديد بأيهما أو استخدامه ضد
المجنى عليه أو مع زوجه أو أحد أصوله أو فروعه، وذلك بقصد ترويعه أو التخويف بإلحاق
أى أذى مـدى أو معنوي به أو الإضرار بممتلكاته أو سلب ماله أو الحصول على منفعة
منه أو التأثير فى إرادته لفرض السطوة عليه أو إرغامه على القيام بعمل أو حمله على
الامتناع عنه أو لتعطيل تنفيذ القوانين أو التشريعات أو مقاومة السلطات أو منع
تنفيذ الأحكام، أو الأوامر أو الإجراءات القضائية واجبة التنفيذ أو تكدير الأمن أو
السكينة العامة، متى كان من شــأن ذلك الفعل أو التهديد إلقاء الرعب فى نفس المجنى
عليه أو تكدير أمنه أو سكينته أو طمأنينته أو تعريض حياته أو سلامته للخطر أو
إلحاق الضرر بشيء من ممتلكاته أو مصالحه أو المساس بحريته الشخصية أو شرفه أو
اعتباره.
وتكون
العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنتين ولا تجاوز خمس سنوات إذا وقع الفعل من شخصين
فأكثر، أو باصطحاب حيوان يثير الذعر، أو بحمل أسلحة أو عصى أو آلات أو أدوات أو
مواد حارقة أو كاوية أو غازية أو مخدرات أو منومة أو أية مواد أخرى ضارة، أو إذا
وقع الفعل على أنثى، أو على من لم يبلغ ثمانى عشرة سنة ميلادية كاملة.
ويقضى فى
جميع الأحوال بوضع المحكوم عليه تحت مراقبة الشرطة مدة مساوية لمدة العقوبة
المحكوم بها ".
وحيث إن
المدعى ينعى على النص المطعون فيه غموضه إذ صيغَ بألفاظ فضفاضة متميعة على نحو
يتعذر على المخاطبين بها تحديد الأفعال المؤثمة، وهو ما يخل بمبدأ مشروعية النصوص
العقابية، فضلاً عن مخالفته لمبدأ اليقين القانوني، وعدم وجود ضرورة اجتماعية
لتجريم تلك الأفعال، بما ينحل عدوانًا على الحرية الشخصية وإخلالاً بمبدأ
المساواة، إضافة إلى سلبه القاضي سلطة تفريد العقوبة من وجهين، الأول : سلب القاضي
سلطة وقف تنفيذ عقوبة الحبس إذا توافرت الظروف المشددة المبينة في الفقرة الثانية
من نص المادة المطعون عليها، والثاني : حرمان القاضي من سلطة تقدير عقوبة الوضع
تحت مراقبة الشرطة؛ بالمخالفة لنصوص المواد (4, 5, 9, 51, 53, 54, 59، 92, 94, 95,
96/1, 99/1, 184, 186) من الدستور.
وحيث إنه
من المقرر فى قضاء هذه المحكمة أن القانون الجنائي، وإن اتفق مع غيره من القوانين
فى سعيها لتنظيم علائق الأفراد فيما بين بعضهم البعض، وعلى صعيد صلاتهم بمجتمعهم،
إلا أن هذا القانون يفارقها فى اتخاذه الجزاء الجنائي أداة لحملهم على إتيان
الأفعال التى يأمرهـم بها، أو التخلي عن تلك التى ينهاهم عن مقارفتها، وهو بذلك
يتغيّا أن يحـدد من منظور اجتماعي، ما لا يجوز التسامح فيه من مظاهر سلوكهم، بما
مؤداه أن الجزاء على أفعالهم لا يكون مخالفًا للدستور، إلا إذا كان مجاوزًا حدود
الضرورة التى اقتضتها ظروف الجماعة فى مرحلة من مراحل تطورها، فإذا كان مبررًا من
وجهة اجتماعية انتفت عنه شبهة المخالفة الدستورية، ومن ثم يتعين على المشرع،
دومًا، إجراء موازنة دقيقة بين مصلحة المجتمع والحرص على أمنه واستقراره من جهة،
وحريات وحقوق الأفراد من جهة أخرى. وكان من المقرر، أيضًا، وجوب صياغة النصوص
العقابية بطريقة واضحة محددة لا خفاء فيها أو غموض، فلا تكون هذه النصوص شباكًا أو
شراكًا يلقيها المشرع متصيّدًا باتساعها أو بخفائها من يقعون تحتها أو يخطئون
مواقعها، وهى ضمانات غايتها أن يكون المخاطبون بالنصوص العقابية على بيّنة من حقيقتها،
فلا يكون سلوكهم مجافيًا لها، بل اتساقًا معها ونزولاً عليها.
وحيث إن
قالة المدعى بعدم وجود ضرورة اجتماعية لتجريم الأفعال محل النص المطعون فيه، وتميع
ألفاظه وغموضها على نحو يتعذر معه على المخاطبين به الوقوف على حقيقة الأفعال
المؤثمة والمعاقب عليها، فذلك مردود عليه بأن تأثيم الأفعال الواردة بهذا النص،
يجد ضرورته الاجتماعية فى حماية الآمنين من الترويع، ومنع الافتئات على النواميس،
وصون دولة القانون، مما يُعد مسوغًا دستوريًّا لتأثيمها. كذلك فإن الجرائم الواردة
فى هذا النص يؤبه فيها، بالأساس، لخطورة الأفعال المؤثمة وما يمكن أن تحدثه من
مساس أو عدوان على الحقوق والحريات، والمصالح الاجتماعية محل الحماية الجنائية،
وهى جميعًا حقوق وحريات ومصالح اجتماعية معتبرة، قدر المشرع، صائبًا، أن حمايتها
من أى أفعال من شأنها المساس بها أو النيل منها، يسوغ التجريم، وقد أورد الدستور
جلها كالحق فى الحياة الآمنة والكرامة، والحق فى سلامة الجسد، والحرية الشخصية،
والحق فى صون الشرف والاعتبار، وحق الملكية، والحق فى الأمن والسكينة، والتي حرص
الدستور على توكيدها فى المواد (33، 35، 51، 54، 59، 60) منه، بحيث صار لكل من
الألفاظ الواردة فى النص، سواء المحددة للفعل أو للحقوق والحريات والمصالح
المحمية، معنى محدد منضبط، ومن ثم تنداح عنها قالة الاتساع والتميع، وتنتفى عنها
شبهة الخفاء والغموض. ولا تثريب على النص المطعون عليه إذ اتخذ من تعدد الجناة، أو
اصطحاب الجانى لحيوان يثير الذعر، أو حمله لأسلحة أو عصى أو آلات أو أدوات ما
تستخدم فى العدوان؛ ظروفًا توجب تشديد العقاب، لما فى التعدد واستخدام الأسلحة أو
الحيوانات من تقوية لعزم الجناة وتشجيعهم على مقارفة الجريمة، وتثبيط لهمم المجنى
عليهم والنيل من عزائمهم وإلقاء الروع فى نفوسهم. ولا تثريب كذلك على النص إن اتخذ
من صفة المجنى عليه، وهى الأنوثة والطفولة، ظرفًا مشددًا بحسبانهما، فى غالب
الأحوال، أقل قدرة على مقاومة أفعال البلطجة وأكثر تأثرًا بالتهديد والعنف. وغنى
عن البيان أن الجريمة المقررة فى المادة المطعون عليها هى جريمة عمدية، ولا يجزئ
فى التأثيم الخطأ مهما كانت صورته أو بلغت درجته، فلا تقع الجريمة إلا إذا
ارتُكِبَ الفعل عن علم بطبيعته وإرادة إتيانه، واتجهت إرادة الجانى، متبصرًا، إلى
التهديد بالإضرار بأحد الحقوق والحريات والمصالح الواردة بهذه المادة. فضلاً عن
تطلبها توافر قصد خاص من القصود المتعددة التى تضمنها النص، وغنى عن البيان أيضًا،
أن صياغة هذه المادة قد كرست شخصية المسؤلية، فلا يسأل عن الجريمة سوى من قارفها
بالفعل، فالإثم شخصى لا يقبل الاستنابة. لما كان ذلك، فإن نص المادة (375 مكررًا)
من قانون العقوبات يكون منضبطًا بالضوابط الدستورية للتجريم، ولا يخالف المواد
(54/1، 73، 92/2، 95) من الدستور.
وحيث إن
المقرر فى قضاء هذه المحكمة أن الأصل فى العقوبة هو معقوليتها، فلا يكون التدخل
فيها إلا بقدر، نأيًا بها عن أن تكون إيلامًا غير مبرر، يؤكد قسوتها فى غير ضرورة.
وكان من المقرر أيضًا، أن المتهمين لا تجوز معاملتهم بوصفهم نمطًا ثابتًا، أو
النظر إليهم باعتبار أن صورة واحدة تجمعهم لتصبهم فى قالبها، بما مؤداه أن الأصل
فى العقوبة هو تفريدها لا تعميمها، ذلك أن مشروعية العقوبة، من زاوية دستورية،
مناطها أن يباشر كل قاض سلطته فى مجال التدرج بها وتجزئتها، تقديرًا لها، فى
الحدود المقررة قانونًا، فذلك وحده الطريق إلى معقوليتها وإنسانيتها جبرًا لآثار
الجريمة من منظور عادل يتعلق بها وبمرتكبها.
وحيث إن الدستور الحالي إذ نص فى المادة (94) منه على خضوع الدولة للقانون
وأن استقلال القضاء، وحصانته، وحيدته، ضمانات أساسية لحماية الحقوق والحريات، كما
أكد على هذه المبادئ فى المادتين (184) و(186) منه، فقد دلَّ على أن الدولة
القانونية هى التى تتقيد فى كافة مظاهر نشاطها، وأيًّا كانت طبيعة سلطاتها، بقواعد
قانونية تعلو عليها وتكون بذاتها ضابطًا لأعمالها وتصرفاتها فى أشكالها المختلفة،
ذلك أن ممارسة السلطة لم تعد امتيازًا شخصيًّا لأحد ولكنها تباشر نيابة عن الجماعة
ولصالحها، ولأن الدولة القانونية هى التى يتوافر لكل مواطن فى كنفها الضمانة
الأولية لحماية حقوقه وحرياته، ولتنظيم السلطة وممارستها فى إطار من المشروعية،
وهى ضمانة يدعمها القضاء من خلال استقلاله وحصانته لتصبح القاعدة القانونية محورًا
لكل تنظيم، وحدًّا لكل سلطة، ورادعًا ضد كل عدوان.
وحيث إنه من المقرر فى قضاء هذه المحكمة أن العقوبة التخييرية، أو استبدال
عقوبة أخف أو تدبير احترازى بعقوبة أصلية أشد - عند توافر عذر قانوني جوازي مخفف
للعقوبة - أو إجازة استعمال الرأفة فى مواد الجنايات بالنزول بعقوبتها درجة واحدة
أو درجتين إذا اقتضت أحوال الجريمة ذلك التبديل عملاً بنص المادة (17) من قانون
العقوبات، أو إيقـاف تنفيذ عقوبتي الغرامة أو الحبس الذى لا تزيد مدته على سنة إذا
رأت المحكمة من الظروف الشخصية للمحكوم عليه أو الظروف العينية التي لابست الجريمة
ما يبعث على الاعتقاد بعدم العودة إلى مخالفة القانون، على ما جرى به نص المادة
(55) من قانون العقوبات، إنما هي أدوات تشريعية يتساند القاضي إليها - بحسب ظروف
كل دعوى - لتطبيق مبدأ تفريد العقوبة، ومن ثم ففى الأحوال التي يمتنع فيها إعمال
إحدى هذه الأدوات، فإن الاختصاص الحصري بتفريد العقوبة المعقود للقاضي يكون قد
استغلق عليه تمامًا، بما يفتئت على استقلاله، ويسلبه حريته فى تقدير العقوبة، ويفقده
جوهر وظيفته القضائية، وينطوى على تدخل محظور فى شئون العدالة والقضايا.
وحيث إن العقوبة المقررة بمقتضى نص المادة (375 مكررًا) من قانون العقوبات،
هى الحبس مدة لا تقل عن سنة، وتغلظ العقوبة إلى الحبس مدة لا تقل عن سنتين ولا
تجاوز خمس سنين، إذا توافرت الظروف المشددة المنصوص عليها فى الفقرة الثانية من
هذه المادة، مما يجعلها من العقوبات المقررة للجنح لا الجنايات، وهى عقوبات تتناسب
مع خطورة وفداحة الإثم المجرّم فى المادة المطعون عليها دون غلوّ أو تفريط. وقد
أعطت هذه المادة للقاضي سلطة تفريد العقوبة واختيار العقوبة التى يوقعها على كل
متهم على حدة، بحسب الظروف التي ارتكب فيها الجريمة أو ظروفه الشخصية، فله أن يقضى
بالحبس مراوحًا بين حدّين أدنى وأقصى، كما لم تسلبه المادة خيار وقف تنفيذ العقوبة
المقررة فى الفقرة الأولى من هذا النص؛ إن هو قدر ذلك. ولا يقدح في ذلك ما ينعاه
المدعى من أن النص سلب القاضي سلطة تفريد عقوبة الوضع تحت مراقبة الشرطة، ذلك أن
مدة هذه العقوبة كما قررها النص تساوى مدة عقوبة الحبس المقضي بها، ومن ثم يظل
زمام تقديرها رهنًا بالقاضي، إذ يضعها بحسبانه حال تقدير عقوبة الحبس، بحيث تتكامل
العقوبتين بما يحقق الردع الخاص، في كل واقعة على حدة، ولتتضامم مدتي عقوبتي الحبس
والوضع تحت مراقبة الشرطة، وصولاً للغاية من العقوبة، وهى تحقيق الردع العام
والخاص. متى كان ما تقدم؛ فإن النص المطعون فيه لا يكون قد خالف المواد (54/1، 94،
95، 96/1، 184، 186) من الدستور.
وحيث إن
النص المطعون فيه لا يخالف أى نص آخر في الدستور.
فلهذه
الأسباب
حكمت المحكمة برفض الدعوى، وبمصادرة الكفالة، وألزمت المدعى المصروفات ومبلغ
مائتى جنيه مقابل أتعاب المحاماة.
أمين
السر
رئيس المحكمة