برياسة السيد المستشار/ حسن فهمي البدوي رئيس المحكمة, وعضوية السادة
المستشارين: محمد أبو الفضل حفني, وإبراهيم أحمد الديواني, ومحمد السيد الرفاعي,
ومحمد ماهر محمد حسن.
--------------
- 1 إثبات " شهود". حكم "
تسبيب الحكم . التسبيب غير المعيب". دفاع " الاخلال بحق الدفاع . ما لا
يوفره". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل".
استقلال محكمة الموضوع بتقدير ضرورة سماع شاهد النفي . رفض المحكمة
سماع شاهد النفي لأسباب سائغة لا تثريب عليها .
إن تقدير ضرورة سماع شاهد النفي، أمر تستقل به محكمة الموضوع، إذ هو
يتعلق بسلطتها في تقدير الدليل. ومن ثم فإنه إذا كان الحكم قد رفض طلب سماع
المقاول الذي أعاد إقامة البرج المنهار بسبب أنه لم يشترك في التنفيذ الأول موضوع
الاتهام، وأن التقرير الفني الخاص بالموضوع تعرض لكافة الاحتمالات التي أحاطت
بالحادث، فإنه لا تثريب على المحكمة إن هي اطمأنت إلى التقرير الفني المقدم في
الدعوى، ورفضت سماع شاهد النفي ما دامت قد عللت هذا الرفض تعليلاً مقبولاً.
- 2 إثبات " بوجه عام".
استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى. موضوعي. مادام سائغا.
لمحكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة
أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدى إليه اقتناعها،
وأن تطرح ما يخالفه من صور أخرى، ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة
في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق.
- 3 إثبات " خبرة". حكم "تسبيب
الحكم - التسبيب غير المعيب".
إقامة الحكم قضاءه استنادا إلى رأى أهل الخبرة كفايته . مثال .
إذا كان ما أورده الحكم من أدلة سائغة نقلاً عن الخبراء الفنيين، قد
أثبت بغير معقب أنه لا علاقة لانهيار البرج بتصلب الخرسانة، فإن ذلك استدلال سائغ
وكاف لحمل ما انتهى إليه الحكم المطعون فيه من أن الانهيار لا علاقة له بتصلب
الخرسانة.
-------------
الوقائع
اتهمت النيابة العامة كلا من 1- .... 2-....3-... 4-.... بأنهم في
يوم 16 يونيه سنة 1965 بدائرة قسم كفر الشيخ (أولا) المتهمون من الثاني إلى الرابع
بصفتهم مستخدمين بإحدى المؤسسات العامة (الشركة ....... بكفر الشيخ) تسببوا بخطئهم
الجسيم في إلحاق ضرر جسيم بأموال الشركة التي يعملون بها بأن كان ذلك ناشئا عن
إهمالهم الجسيم في مراعاة الأصول الهندسية الفنية والمبينة تفصيلا بالتقرير
الهندسي المرفق في تنفيذ عملية إنشاء برج التبريد بمصنع ....... بكفر الشيخ مما
أدى إلى انهياره وحصول الضرر الجسيم نتيجة ذلك. (ثانيا) المتهمون الأربعة 1- تسببوا
بخطئهم في موت ....... و ...... و....... إذ اخلوا إخلالا جسيما بما تفرضه أصول
مهنتهم والمبينة تفصيلا في التقرير الهندسي مما أدى إلى انهيار برج التبريد بمصنع
...... بكفر الشيخ على المجني عليهم فأصابهم نتيجة ذلك بالإصابات المبينة لكل
بالتقرير الطبي وقد أودت إصابات المجني عليه الأول بحياته, وطلبت عقابهم بالمواد
111 ,116/1 مكرر ب ,119 و238/1 و244/2 من قانون العقوبات. ومحكمة كفر الشيخ
الجزئية قضت حضوريا عملا بالمادة 304/1 من قانون الإجراءات الجنائية بالنسبة إلى
المتهمين من الثاني إلى الرابع عن التهمة الأولى والمادتين 238 و244/32 من قانون
العقوبات بالنسبة إلى المتهمين الأول والثالث عن التهمة الثانية (أولا) بالنسبة
للتهمة الأولى المنسوبة إلى المتهمين من الثاني إلى الرابع ببراءتهم منها (ثانيا)
وبالنسبة للتهمة الثانية المنسوبة إلى جميع المتهمين بتغريم المتهم الأول مائة
جنيه وتغريم الثالث خمسين جنيها وبراءة المتهمين الثاني والرابع بلا مصاريف
جنائية. فاستأنف كل من المتهمين الأول والثالث وكذلك النيابة العامة هذا الحكم.
ومحكمة كفر الشيخ الابتدائية - بهيئة استئنافية - قضت حضوريا وبإجماع الآراء:
(أولا) بقبول الاستئنافين من النيابة والمتهمين الأول والثالث. (ثانيا) برفض
الاستئناف من المتهمين الأول والثالث. (ثالثا) بتأييد الحكم المستأنف فيما قضى به
من براءة المتهمين الثاني والثالث والرابع بالنسبة للتهمة الأولى المنسوبة إليهم.
فطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.
----------------
المحكمة
حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ أدان الطاعن بجريمتي
القتل والإصابة الخطأ، قد انطوى على إخلال بحق الدفاع وران عليه القصور، ذلك بأنه
التفت عن دفاع تقدم به الطاعن لينفي الخطأ الذي نسبه الحكم إليه في تصميم البناء
وتنفيذ خوازيق البرج الذي انهار على المجني عليهم مؤداه أنه أعاد بناء البرج
الجديد على ذات الخوازيق التي وصفها الحكم بأنها غير صالحة بما يدحضه، ولم يعرض
الحكم المطعون فيه بالرد على دفاع الطاعن في شأن أن استعمال الأسمنت الحديدي بدلاً
من الأسمنت البورتلاندي كان سبباً للانهيار وكذلك سرعة التنفيذ، وبذلك يكون الحكم
معيباً بما يستوجب نقضه.
وحيث إنه يبين مما أورده الحكم الابتدائي المكمل بالحكم المطعون فيه
أنه استظهر وقائع الدعوى ثم حصل ما دفع به الطاعن من أنه أشرف على إعادة بناء
البرج الجديد على ذات الخوازيق التي قال الحكم المطعون فيه أنها غير صالحة وطلب
تحقيق دفاعه ورد الحكم على ذلك بقوله ((كما استشهد هذا المتهم (الطاعن) بالمقاول
الذي عهد إليه بإعادة بناء البرج بعد انهياره وإذ تبين عدم حضوره بدأ دفاع هذا
المتهم مرافعته وبعد انتهاء المرافعة في الدعوى طلب سؤال هذا الشاهد بشأن إعادة
إقامة البرج المنهار وفقاً للرسومات التي وضعها المتهم .....)) ثم استطرد الحكم
إلى القول ((كما لم تر المحكمة ضرورة لسؤال شاهد المتهم الأول وهو المقاول الذي
أعاد إقامة البرج ولم يشترك في التنفيذ الأول إذ أن الواقعة الخاصة بهذه المحاكمة
قاصرة على ما أنجز من أعمال حتى انهيار البرج ولا شأن للشاهد بها خاصة وأن التقرير
الفني الخاص بالحادث تعرض لكافة الاحتمالات الخاصة بالحادث كما أن المحكمة لم تجد
ما يسوغ إجابة الطلب الخاص بإجراء تجربة التحميل المشار إليها بطلب المتهم الأول
المقدم للنيابة العامة لكفاية ما يثبت في خصوص ذلك من التقرير الفني الخاص
بالحادث. كما حصل الحكم المطعون فيه ما دفع به الطاعن من أن سبب الانهيار كان
مرجعه تنفيذ البرج في مدة قصيرة وعدم بقاء الشدة الخشبية المدة الكافية ورد الحكم
على ذلك بقوله ((وأنه بالنسبة لتعليل المتهم الأول للحادث بأنه حدث نتيجة عدم
كفاية الوقت اللازم لتصلب جوانب البرج المنهار قبل فك الشدة إذ أن التنفيذ بما في
ذلك فك الشدة حدث في مدة أقل من 25 يوماً وهو ما نفاه المتهم الثالث بزعم أن العمل
السابق استغرق مدة 45 يوماً فإن التقرير بعد أن ذكر أن عملية تنفيذ البرج جميعها
والتي شيدت قبل الانهيار لا يمكن أن تتم في مدة تقل عن 25 يوماً وإذا كان الذي ثبت
من التحقيق حدوث الانهيار بعد فك الشدة بعد خمسة أيام فإن الانهيار لا علاقة له
بتصلب الخرسانة)) وما أورده الحكم من أدلة سائغة نقلاً عن الخبراء الفنيين قد أثبت
بغير معقب أنه لا علاقة للانهيار بتصلب الخرسانة وهو استدلال سائغ وكاف لحمل
النتيجة التي انتهى إليها الحكم كما أن تقدير ضرورة سماع شاهد نفي أمر تستقل به
محكمة الموضوع إذ هو يتعلق بسلطتها في تقدير الدليل، فإذا كان الحكم قد رفض طلب
سماع المقاول الذي أعاد إقامة البرج بسبب أنه لم يشترك في التنفيذ الأول موضوع الاتهام
وأن التقرير الفني الخاص بالموضوع تعرض لكافة الاحتمالات التي أحاطت بالحادث، فإنه
لا تثريب على المحكمة إن هي اطمأنت إلى التقرير الفني المقدم في الدعوى ورفضت طلب
سماع شاهد نفي ما دامت قد عللت هذا الرفض تعليلاً مقبولاً. لما كان ذلك، وكان
لمحكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط
البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفه
من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق
ولها أصلها في الأوراق. لما كان ما تقدم، وكان الحكم المطعون فيه قد بين واقعة
الدعوى بحسب ما اطمأنت إليه عقيدة المحكمة واستقر في وجدانها وتناولت الرد على
دفاع الطاعن في منطق مقبول وأحاط بعناصر جريمتي القتل والإصابة الخطأ اللتين أدان
الطاعن بهما، فإن ما يثيره الطاعن في وجهي طعنه لا يكون له محل ويتعين رفض الطعن
موضوعاً ومصادرة الكفالة.