جلسة 13 من أكتوبر سنة 1999
برئاسة السيد المستشار/ عبد اللطيف علي أبو النيل نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ يحيى محمود خليفة ومحمد علي رجب ومحمد عيد سالم نواب رئيس المحكمة.
------------------
(120)
الطعن رقم 21761 لسنة 67 القضائية
(1) إضرار عمدي. تربح. جريمة "أركانها". قصد جنائي. حكم "تسبيبه. تسبيب معيب". نقض "أسباب الطعن. ما يقبل منها".
جريمتا الإضرار العمدي والحصول للغير بدون حق على ربح أو منفعة من الوظيفة. عمدية. القصد الجنائي فيها. مناط تحققه؟
عدم استظهار الحكم القصد الجنائي في جريمتي الحصول للغير على ربح بدون حق والشروع في الإضرار العمدي وبيانه اتجاه إرادة المتهم للحصول على ربح أو منفعة للغير وإلحاق الضرر بأموال الجهة التي يعمل بها. قصور. لا يغير من ذلك اعتبار الجرائم المسندة للطاعن مرتبطة ومعاقبته بالعقوبة المقررة للجريمة الأشد وهي التزوير في محررات رسمية واستعمالها. علة ذلك؟
(2) اشتراك. إثبات "بوجه عام".
الاشتراك في الجريمة يتم دون مظاهر محسوسة يمكن الاستدلال به عليه. كفاية الاعتقاد بحصوله من ظروف الدعوى وملابساتها وقرائن الحال.
(3) إثبات "قرائن". اشتراك. جريمة "أركانها". محكمة النقض "سلطتها".
إثبات الاشتراك بالقرائن. مناطه: ورود القرينة على واقعة الاتفاق على ارتكاب الجريمة أو المساعدة في حد ذاتها مع صحة الاستنتاج وسلامته.
(4) حكم "بياناته" "تسبيبه. تسبيب معيب". تزوير "أوراق رسمية". اشتراك. تربح. نقض "أسباب الطعن. ما يقبل منها".
وجوب بناء الأحكام الجنائية على الجزم واليقين لا على الظن والاحتمال. عدم استظهار الحكم عناصر الاشتراك وطريقته والأدلة الدالة عليه. واتخاذه من مجرد تمسك الطاعنين بالمستندات المزورة وكونهما صاحبي المصلحة في التزوير ومحاولة الحصول على الربح. قصور. علة ذلك؟
2 - لما كان من المقرر أن الاشتراك في الجريمة يتم غالباً دون مظاهر محسوسة يمكن الاستدلال بها عليه ويكفي لثبوته أن تكون المحكمة قد اعتقدت بحصوله من ظروف الدعوى وملابساتها ولها أن تستقي عقيدتها في ذلك من قرائن الحال.
3 - لما كان من المقرر أن مناط جواز إثبات الاشتراك بطريق الاستنتاج استناداً إلى القرائن أن تكون هذه القرائن منصبة على واقعة الاتفاق على ارتكاب الجريمة أو التحريض أو المساعدة في ذاتها، وأن يكون استخلاص الحكم للدليل المستمد منها لا يتجافى مع العقل والمنطق فإذا كانت الأسباب التي اعتمد عليها الحكم لا تؤدي إلى ما انتهى إليه فعندئذ يكون لمحكمة النقض بما لها من حق الرقابة على صحة تطبيق القانون أن تتدخل وتصحح هذا الاستخلاص بما يتفق مع المنطق والقانون.
4 - لما كان من المقرر أن الأحكام الجنائية يجب أن تبنى على الجزم واليقين من الواقع الذي يثبته الدليل المعتبر ولا تؤسس على الظن والاحتمال من الفروض والاعتبارات المجردة وإذ كان الحكم لم يستظهر عناصر اشتراك الطاعنين الآخرين في الجرائم التي دان الطاعن الأول بها وطريقته ولم يبين الأدلة على ذلك بياناً يوضحها ويكشف عن قيامها وذلك من واقع الدعوى وظروفها وكان مجرد تمسك الطاعنين بالمستندات المزورة، وكونهما صاحبي المصلحة في التزوير وفي محاولة الحصول على الربح لا ينصب على واقعة الاتفاق والمساعدة في ارتكاب تلك الجرائم ولا يكفي بمجرده في ثبوت اشتراك الطاعنين الآخرين فيها، فإن الحكم يكون مشوباً بالقصور في التسبيب والفساد في الاستدلال مؤسساً على الظن والاحتمال من الفروض والاعتبارات المجردة بما يعيبه.
الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعنين بوصف أنهم: - المتهم الأول: بصفته موظفاً عاماً "مأمور ضرائب بمأمورية ضرائب...." التابعة لوزارة المالية اختلس أوراقاً لجهة عمله هي مذكرة تقدير الأرباح ونموذج 18 ضرائب وإخطار علم الوصول المرفق بالملف رقم....... والمخصص عن نشاط المتهم الثاني ومذكرة تقدير الأرباح ونموذج 18 و19 ضرائب وإخطار علم الوصول المرفق بالملف رقم..... والمخصص عن نشاط المتهم الثالث والتي وجدت في حيازته بسبب وظيفته وقد ارتبطت هذه الجريمة بجريمتي تزوير محررات رسمية واستعمالها ارتباطاً لا يقبل التجزئة ذلك أنه في ذات المكان والزمان وبصفته السالفة ارتكب أثناء تأدية وظيفته تزويراً في محررات رسمية لجهة عمله هي مذكرة تقدير الأرباح ونموذجي 18 و19 ضرائب المرفقين بملفي المتهمين الثاني والثالث وكان ذلك بطريق الاصطناع وتقليد التوقيعات وجعل واقعة مزورة في صورة واقعة صحيحة حال تحريرها المختص بوظيفته بأن اصطنع مذكرتي تقدير الأرباح ونموذجي 18 ضرائب سالفة البيان على غرار الصحيح منها ووضع عليها توقيعات نسبها زوراً لمأموري الضرائب المختصين بفحص تلك الملفات ومراجعتها وهم ..... و.... و.... و..... وأثبتت بنموذج 19 ضرائب المرفق بملف المتهم الثاني بيانات وعبارات تتفق وتلك التي ضمنها المحررات التي اصطنعها بملف المتهم الثاني - خلافاً للحقيقة - واستعمل المحررات المزورة سالفة الذكر كل فيما زور من أجله بأن أرفقهما بملف المتهمين الثاني والثالث لدى جهة عمله وقدمهما للمختصين بها احتجاجاً بما ورد بها مع علمه بتزويرها. ثانياً: بصفته السالفة حاول أن يحصل للمتهمين الثاني والثالث: على ربح من عمل من أعمال وظيفته دون وجه حق بأن ارتكب الجريمة موضوع التهمة الأولى قاصداً منها إنقاص الضرائب المستحقة على نشاطهما بمقدار 44218.720 للمتهم الثاني و24747.200 للمتهم الثالث وذلك على النحو المبين بالتحقيقات. ثالثاً: بصفته السالفة شرع في الإضرار عمداً بأموال ومصالح الجهة التي يعمل بها وذلك بأن ارتكب الجريمة موضوع التهمة الأولى بنية إضاعة الضرائب المستحقة على نشاط كل من المتهمين الثاني والثالث بمقدار 68965.920 وأوقف أثر الجريمة لسبب لا دخل لإرادته فيه وهو ضبط الواقعة وذلك على النحو المبين بالتحقيقات. المتهمان الثاني والثالث: اشتركا بطريقي الاتفاق والمساعدة مع الأول على ارتكاب الجنايات موضوع الاتهامات أولاً وثانياً وثالثاً وذلك بأن اتفقا معه على ارتكابها وساعداه بأن أمداه بالبيانات المتعلقة بملفاتهما الضريبية فوقعت الجرائم السالفة بناء على هذا الاتفاق وتلك المساعدة وعلى النحو المبين بالتحقيقات وأحالتهم إلى محكمة جنايات........ لمعاقبتهم طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة، والمحكمة المذكورة قضت حضورياً عملاً بالمواد 40/ ثانياً وثالثاً، 41/ 1، 45/ 1، 46/ 1، 115، 116 مكرراً/ 1، 118، 118 مكرر، 119/ أ، 119 مكرراً/ أ، 211، 212، 213 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهمين بالحبس مع الشغل لمدة سنة واحدة وعزل الأول من وظيفته وتغريم كل منهم مبلغ ثمانية وستين ألف وتسعمائة وخمسة وستون جنيهاً وتسعمائة وعشرين مليماً وبمصادرة المحررات المزورة المضبوطة وأمرت بوقف تنفيذ العقوبات المقضي بها.
فطعن الأستاذ/ ...... المحامي عن الأستاذ/ ...... المحامي عن الطاعنين الثاني والثالث في هذا الحكم بطريق النقض. كما طعن الأستاذ/ ..... المحامي عن الطاعن الأول في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.
المحكمة
من حيث إن مما ينعاه الطاعنون على الحكم المطعون فيه أنه إذ دان أولهم بجرائم التزوير في محررات رسمية واستعمالها ومحاولة الحصول لغيره بدون حق على ربح من أعمال وظيفته والشروع في الإضرار العمدي بأموال ومصالح الجهة التي يعمل بها ودان الآخرين بالاشتراك في هذه الجرائم قد شابه القصور في التسبيب. ذلك أنه لم يستظهر القصد الجنائي في هذه الجرائم ولم يدلل على توافره في حق الطاعن الأول، ولم يدلل على توافر الاشتراك في حق الطاعنين الآخرين بأي طريق من طرق الاشتراك بما يعيبه ويستوجب نقضه.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما يجمل في أن الطاعن الأول يعمل مأموراً للضرائب بمأمورية ضرائب مرسى مطروح وقد أراد إنقاص مبلغ الضريبة المستحقة على نشاط الطاعنين الآخرين فاتفق معهما على تزوير المرفقات المودعة بملفاتهما الضريبية وساعداه بأن أمداه بالبيانات المتعلقة بملفاتهما، فقام باصطناع مذكرتي تقدير الأرباح ونموذجي 19 ضرائب ووضع عليها توقيعات نسبها زوراً لمأموري الضرائب المختصين بفحص تلك الملفات ومراجعتها، وأثبت بنموذج 19 ضرائب المرفق بملف المتهمين بيانات وعبارات تتفق وتلك المحررات التي اصطنعها والتي تضمنت تقديراً للضريبة المستحقة على المتهمين الآخرين مخالفاً للواقع وكان من شأنها إنقاص الضريبة المستحقة على أرباحهما بمبلغ 68965.920 وكان ذلك بنية إضاعة هذا المبلغ على جهة عمله، واستدل الحكم على ثبوت الواقعة على الصورة المتقدم بيانها في حق الطاعنين بأدلة استمدها من أقوال مدير عام ومأموري ضرائب مرسى مطروح وما ثبت بتقرير قسم أبحاث التزييف والتزوير وما أقر به الطاعن الأول بالتحقيقات، وحصل أقوال مدير عام الضرائب بما مفاده أن الطاعن الأول تسلم ملفي الطاعنين الآخرين وكان مرفقاً بالملف الأول مذكرة تقدير الأرباح عن الأعوام من 1984 حتى 1988 ونموذج 18 ضرائب وإخطار بعلم الوصول ومرفقاً بالملف الثاني مذكرة تقدير الأرباح عن نفس الأعوام ونموذجي 18 و19 ضرائب وإخطار بعلم الوصول، وقد تبين له عند فحص الطعنين المقدمين منهما أن الملفين ينطويان على أوراق مصطنعة تتضمن تقديراً وربطاً للضرائب يخالف الحقيقة وما تم فحصه من قبل وأن تلك الأفعال التي ارتكبت كان من شأنها إنقاص الضريبة المستحقة على الطاعنين الآخرين بالقدر السالف بيانه، وحصل أقوال باقي الشهود بما يتفق ومضمون ما أورده من أقوال الشاهد الأول وأن مأموري الضرائب المعزو إليهم التوقيع على الأوراق المزورة لم يوقعوا عليها، كما أورد فحوى تقرير قسم أبحاث التزييف والتزوير بما مفاده أن الطاعن الأول هو المحرر لعبارات مذكرتي تقدير الأرباح ونماذج 18 و19 ضرائب وهو المحرر للتوقيعات المنسوب صدورها إليه أسفل لفظ المأمور بنموذج 19 ضرائب ملف المتهم الثاني وأن المأمورين الذين نسبت إليهم التوقيعات على النماذج المذكورة لم يوقعوا عليها كما أورد الحكم أن الطاعن الأول أقر بالتحقيقات بأنه قام بالتوقيع على نموذج 19 ضرائب الخاص بملف المتهم الثاني، لما كان ذلك، وكانت جريمة محاولة الحصول للغير بدون حق على ربح أو منفعة من عمل من أعمال الوظيفة جريمة عمدية يشترط لتوافر القصد الجنائي فيها علم الموظف أن من شأن فعله تحقيق ربح أو منفعة وأن ذلك بدون حق واتجاه إرادته إلى إتيان هذا الفعل وإلى الحصول على الربح أو المنفعة، كما أن جريمة الإضرار العمدي أيضاً جريمة عمدية يشترط لقيامها توافر القصد الجنائي وهو إرادة الموظف إلى إلحاق الضرر بأموال ومصالح الجهة التي يعمل بها أو يتصل بها بحكم وظيفته أو بأموال الأفراد ومصالحهم المعهود بها إلى تلك الجهة مع علمه بذلك فيجب أن يثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن الموظف العام أراد هذا الضرر وعمل من أجله إحداثه، ولما كان الحكم المطعون فيه لم يعن باستظهار القصد الجنائي في جريمتي محاولة الحصول للغير على ربح بدون حق من عمل من أعمال وظيفة الطاعن الأول والشروع في الإضرار العمدي بأموال ومصالح الجهة التي يعمل بها وخلت مدوناته من بيان اتجاه إرادة الطاعن الأول إلى الحصول على الربح أو المنفعة للغير، واتجاه هذه الإرادة إلى إلحاق الضرر بأموال ومصالح الجهة التي يعمل بها، ولم يقم الدليل على توافر هذا القصد الجنائي في حق الطاعن من واقع أوراق الدعوى، بل اكتفى في ذلك بعبارات مجملة لا يبين منها حقيقة مقصود الحكم في شأن الواقع المعروض الذي هو مدار الأحكام ولا يتحقق بها الغرض الذي قصده الشارع من إيجاب تسبيبها، فإن الحكم المطعون فيه يكون معيباً بالقصور بما يوجب نقضه والإعادة، ولا يغير من هذا أن يكون الحكم قد اعتبر الجرائم التي دان الطاعن الأول بها جرائم مرتبطة ببعضها ارتباطاً لا يقبل التجزئة وعاقبه بالعقوبة المقرر لأشدها، وأن العقوبة التي أوقعها على الطاعن تدخل في الحدود المقررة قانوناً لجريمتي التزوير في المحررات الرسمية واستعمالها اللتين دين بها الطاعن، ذلك أن الحكم قضى بعقوبة الغرامة وهي عقوبة غير مقررة لأي من جريمتي التزوير والاستعمال ولا تحمل إلا على جريمة محاولة الحصول للغير على الربح التي دين بها الطاعن. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن الاشتراك في الجريمة يتم غالباً دون مظاهر محسوسة يمكن الاستدلال بها عليه ويكفي لثبوته أن تكون المحكمة قد اعتقدت بحصوله من ظروف الدعوى وملابساتها ولها أن تستقي عقيدتها في ذلك من قرائن الحال، إلا أنه من المقرر أن مناط جواز إثبات الاشتراك بطريق الاستنتاج استناداً إلى القرائن أن تكون هذه القرائن منصبة على واقعة الاتفاق على ارتكاب الجريمة أو التحريض أو المساعدة في ذاتها، وأن يكون استخلاص الحكم للدليل المستمد منها لا يتجافى مع العقل والمنطق فإذا كانت الأسباب التي اعتمد عليها الحكم لا تؤدي إلى ما انتهى إليه فعندئذ يكون لمحكمة النقض بما لها من حق الرقابة على صحة تطبيق القانون أن تتدخل وتصحح هذا الاستخلاص بما يتفق مع المنطق والقانون، وكان من المقرر كذلك أن الأحكام الجنائية يجب أن تبنى على الجزم واليقين من الواقع الذي يثبته الدليل المعتبر ولا تؤسس على الظن والاحتمال من الفروض والاعتبارات المجردة وإذ كان الحكم لم يستظهر عناصر اشتراك الطاعنين الآخرين في الجرائم التي دان الطاعن الأول بها وطريقته ولم يبين الأدلة على ذلك بياناً يوضحها ويكشف عن قيامها وذلك من واقع الدعوى وظروفها وكان مجرد تمسك الطاعنين بالمستندات المزورة وكونهما صاحبي المصلحة في التزوير وفي محاولة الحصول على الربح لا ينصب على واقعة الاتفاق والمساعدة في ارتكاب تلك الجرائم ولا يكفي بمجرده في ثبوت اشتراك الطاعنين الآخرين فيها، فإن الحكم يكون مشوباً بالقصور في التسبيب والفساد في الاستدلال مؤسساً على الظن والاحتمال من الفروض والاعتبارات المجردة بما يعيبه ويوجب نقضه والإعادة، وذلك دون حاجة إلى بحث باقي أوجه الطعن.