جلسة 26 من مايو سنة 1997
برئاسة السيد المستشار/ محمد مصباح شرابيه نائب
رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ فتحي محمود السيد، سعيد غرياني، حسين
السيد متولي نواب رئيس المحكمة وحسن حسن منصور.
---------------
(158)
الطعن رقم 175 لسنة 63
القضائية "أحوال شخصية"
(1)دستور "المحكمة الدستورية العليا".
قانون "عدم دستورية القوانين".
المحكمة الدستورية هي
الجهة المنوط بها - دون غيرها - مهمة الرقابة على دستورية القوانين. مؤداه. ليس
لغيرها من المحاكم الامتناع عن تطبيق نص ما لم يقض بعدم دستوريته. إذا تراءى لها
ذلك في دعوى مطروحة عليها. تعين وقفها وإحالتها إلى المحكمة الدستورية العليا
للفصل في المسألة الدستورية. المادتان 175/ 1 من الدستور، 29 من ق 48 لسنة 1979.
(2)دعوى "المسائل التي تعترض سير الخصومة: الوقف التعليقي".
الوقف التعليقي للدعوى. م
129 مرافعات. جوازي للمحكمة حسبما تستبينه من مدى جدية المنازعة في المسألة
الأولية الخارجة عن اختصاصها. النعي بعدم استعمالها لتلك الرخصة. غير جائز.
(3)أحوال شخصية "دعوى الأحوال الشخصية". إثبات.
إجراءات الإثبات في مسائل
الأحوال الشخصية والوقف. خضوعها لقانون المرافعات. قواعد الإثبات المتصلة بذات
الدليل. خضوعها لأحكام الشريعة الإسلامية. م 5، 6 ق 462 لسنة 1955، م 280 من لائحة
ترتيب المحاكم الشرعية.
(4)أحوال شخصية "دعوى الأحوال الشخصية". إثبات "البينة:
اليمين".
البيّنة على المدعي
واليمين على من أنكر. مؤداه. عدم جواز اللجوء لليمين إذا كان للمدعي بيّنة حاضرة.
إقامة المدعي البيّنة على دعواه. طلب المدعى عليه بعد ذلك يمينه على أنه محق في
دعواه أو أن الشهود محقون في الشهادة. لا يجاب إليه. علة ذلك. اليمين حق للمدعي
على المدعى عليه لا يستوفي إلا بطلب المدعي عند عجزه عن إقامة البينة.
(5)دعوى "الدفاع في الدعوى: الدفاع الجوهري". حكم "عيوب
التدليل: ما لا يعد عيباً".
الدفاع الجوهري المنتج في
الدعوى. التزام المحكمة بتحقيقه أو الرد عليه. عدم استناد الدفاع إلى سند صحيح
وعدم تأثيره في النتيجة السليمة التي انتهى إليها. إغفال الرد عليه. لا عيب.
(6)حكم "تسبيب الحكم". نقض "أسباب الطعن: السبب غير
المنتج".
إقامة الحكم على عدة
دعامات. كفاية إحداها لحمل قضاءه. النعي على عداها. غير منتج.
(7)أحوال شخصية "دعوى الأحوال الشخصية: حضانة: مسكن الزوجية".
حكم "تسبيبه".
إقامة الطاعنة الدعوى
بطلب الاستقلال بمسكن الزوجية. مفاده. أنها اختارت ذلك. عدم تخيير الحكم المطعون
فيه لها بين الاستقلال بمسكن الزوجية وتقرير أجر مسكن للحضانة. لا عيب.
2 - المقرر - في قضاء هذه المحكمة - أن الوقف التعليقي للدعوى طبقاً لنص المادة 129 من قانون المرافعات أمر جوازي متروك لمطلق تقديرها حسبما تستبينه من مدى جدية المنازعة في المسألة الأولية الخارجة عن اختصاصها، فلا يجوز النعي على حكمها بعدم استعمالها لتلك الرخصة.
3 - المقرر - في قضاء هذه المحكمة - أنه لما كان مفاد نص المادتين الخامسة والساسة من القانون رقم 462 لسنة 1955، والمادة 280 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية أن المشرع فرق في الإثبات بين الدليل وإجراءات الدليل في مسائل الأحوال الشخصية والوقف، فأخضع إجراءات الإثبات كبيان الوقائع وكيفية التحقيق وسماع الشهود وغير ذلك من الإجراءات الشكلية لقانون المرافعات، أما قواعد الإثبات المتصلة بذات الدليل كبيان الشروط الموضوعية اللازمة لصحته وبيان قوته وأثره القانوني فقد أبقاها المشرع على حالها خاضعة لأحكام الشرعية الإسلامية.
4 - المقرر - في فقه الحنفية - أنه إذا أقام المدعي البيّنة على دعواه ثم طلب المدعى عليه بعد ذلك يمينه أنه محق في دعواه أو أن الشهود محقون في الشهادة فإن القاضي لا يجيبه إلى طلبه لأن اليمين حق للمدعي على المدعى عليه لقول الرسول صلى الله عليه وسلم " البيّنة على المدعي واليمين على من أنكر" فقسم بين الخصمين، والقسمة تنافي الشركة، وهذا الحق لا يستوفي إلا بطلب المدعي إذا عجز عن إقامة البيّنة، لقوله صلى الله عليه وسلم في قضية الحضرمي والكندي: ألك بيّنة. قال لا، فقال صلى الله عليه وسلم: لك يمينه، والشهادة إخبار صدق لإثبات حق وهي حجة لها قوة الإظهار لأنها كلام من ليس بخصم في حين أن اليمين لا تصلح حجة مظهرة للحق، إلا أنها حجة للمدعى عليه إذا وجهها له المدعي الذي لا بيّنة له، إذ أنه في هذه الحالة يكون الطاهر مع المدعى عليه فتكون يمينه حجة على المدعي الذي لم يثبت خلاف الظاهر، ولذا ذهب أبو حنيفة إلى أنه لا يجوز اللجوء لليمين إذا كان للمدعي بيّنة حاضرة.
5 - الدفاع الذي تلتزم المحكمة بتحقيقه أو الرد عليه هو الدفاع الجوهري المنتج في الدعوى، فأن عدم رد الحكم المطعون فيه على طلب الطاعن استحلاف المطعون ضدها - بعد أن أثبت دعواها بأقوال شاهديها التي اطمأنت إليها المحكمة - لا يعيبه إذ لا يستند هذا الدفاع إلى سند صحيح ولا يؤثر في النتيجة السليمة التي انتهى إليها الحكم.
6 - المقرر - في قضاء هذه المحكمة - أن الحكم إذا أقيم على عدة دعامات وكانت إحداها كافية لحمل قضاءه فإن النعي على عداها يكون غير منتج.
7 - لا يعيب الحكم عدم تخيير المطعون ضدها بين الاستقلال بمسكن الزوجية وتقدير أجر مسكن للحضانة إذ أن إقامتها الدعوى بطلب الاستقلال بمسكن الزوجية مفاده أنها اختارت ذلك.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه
السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى
أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما
يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن المطعون ضدها أقامت
الدعوى رقم 80 لسنة 1987 كلي أحوال شخصية شمال القاهرة على الطاعن بطلب الحكم
باستقلالها بمسكن الزوجية المبين بصحيفة الدعوى ؛ وقالت بياناً لذلك، إنها كانت
زوجاً له وطُلقت منه بائناً للضرر بعد أن رُزقت منه بالصغيرتين.... وعمرها ثماني
سنوات،.... وعمرها أربع سنوات وهما في حضانته، وإذ لم يهيئ لهما مسكناً فمن ثم
أقامت الدعوى. أحالت المحكمة الدعوى إلى التحقيق، وبعد سماع شهود الطرفين حكمت
بتاريخ 27/ 2/ 1988 باستقلال المطعون ضدها ومحضونتيها.... و.... بمسكن الزوجية
المبين بالصحيفة. استأنف الطاعن هذا الحكم بالاستئناف رقم 69 لسنة 106 ق القاهرة
وأحالت المحكمة الاستئناف للتحقيق، وبعد أن استمعت إلى شهود الطرفين قضت بتاريخ 6/
3/ 1993 بتأييد الحكم المستأنف. طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت
النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن، عُرض الطعن على المحكمة في غرفة مشورة
حددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن أُقيم على
سببين، ينعى الطاعن بالأول منهما على الحكم المطعون فيه البطلان، وفي بيان ذلك
يقول إنه تمسك أمام محكمة الاستئناف بوقف الدعوى لحين الفصل في الدعوى رقم 7 لسنة
8 ق "دستورية" المرفوعة أمام المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية نص
المادة 18 مكرراً ثالثاً المضافة بالقانون رقم 100 لسنة 1985، وهو ما يعد تمسكاً
منه بعدم دستورية هذه المادة، وإذ أطرح الحكم المطعون فيه هذا الدفع، وأقام قضاءه
بتأييد الحكم المستأنف استناداً لنص المادة المذكورة رغم عدم دستوريتها فإنه يكون
معيباً بالبطلان بما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي في غير
محله ذلك بأن من المقرر - في قضاء هذه المحكمة - أن نص المادتين 175/ 1 من
الدستور، 29 من قانون المحكمة الدستورية العليا رقم 48 لسنة 1979 يدل على أن
المحكمة الدستورية العليا هي الجهة المنوط بها - دون غيرها - مهمة الرقابة على دستورية
القوانين فلا يكون لغيرها من المحاكم الامتناع عن تطبيق نص في القانون لم يقض بعدم
دستوريته، وإنما إذا تراءى لها ذلك في دعوى مطروحة عليها تعين وقفها وإحالتها إلى
المحكمة الدستورية العليا للفصل في المسألة الدستورية؛ لما كان ذلك، وإذ لم تقض
تلك المحكمة بعد دستورية نص المادة 18 مكرراً ثالثاً من القانون رقم 25 لسنة 1929
المضافة بالقانون رقم 100 لسنة 1985، فإنه ما كان لمحكمة الاستئناف أن تمتنع عن
تطبيق ذلك النص، ولا عليها إذ لم توقف الدعوى لحين الفصل في دعوى بعدم دستوريته
ليس من خصومها طرفا الدعوى، ذلك بأن من المقرر - في قضاء هذه المحكمة - أن الوقف
التعليقي للدعوى طبقاً لنص المادة 129 من قانون المرافعات أمر جوازي متروك لمطلق
تقديرها حسبما تستبينه من مدى جدية المنازعة في المسألة الأولية الخارجة عن
اختصاصها، فلا يجوز النعي على حكمها بعدم استعمالها لتلك الرخصة، هذا فضلاً عن أنه
قضى في القضية رقم 7 لسنة 8 ق "دستورية" بتاريخ 15/ 5/ 1993 بعدم قبول
الدعوى بالنسبة للطعن بعدم دستورية النص المذكور، ومن ثم فإن النعي يكون على غير
أساس.
وحيث إن الطاعن ينعى
بالوجه الثاني على الحكم المطعون فيه الإخلال بحق الدفاع؛ وفي بيان ذلك يقول إنه
طلب بمذكرته المقدمة لجلسة 4/ 12/ 1989 على سبيل الاحتياط توجيه اليمين للمطعون
ضدها إلا أن الحكم التفت عن هذا الطلب بما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي في غير
محله؛ ذلك بأن من المقرر - في قضاء هذه المحكمة - أنه لما كان مفاد نص المادتين
الخامسة والسادسة من القانون رقم 462 لسنة 1955 والمادة 280 من لائحة ترتيب
المحاكم الشرعية أن المشرع فرق في الإثبات بين الدليل وإجراءات الدليل في مسائل
الأحوال الشخصية والوقف، فأخضع إجراءات الإثبات كبيان الوقائع وكيفية التحقيق
وسماع الشهود وغير ذلك من الإجراءات الشكلية لقانون المرافعات، أما قواعد الإثبات
المتصلة بذات الدليل كبيان الشروط الموضوعية اللازمة لصحته وبيان قوته وأثره
القانوني فقد أبقاها المشرع على حالها خاضعة لأحكام الشرعية الإسلامية؛ لما كان
ذلك، وكان النزاع يدور بشأن مسكن حضانة باعتبار أن ذلك مما يلتزم به الأب شرعاً
نحو أولاده المحضونين، وكان من المقرر في فقه الحنفية أنه إذا أقام المدعي البيّنة
على دعواه ثم طلب المدعى عليه بعد ذلك يمينه أنه محق في دعواه أو أن الشهود محقون
في الشهادة فإن القاضي لا يجيبه إلى طلبه لأن اليمين حق للمدعي على المدعى عليه
لقول الرسول صلى الله عليه وسلم "البيّنة على المدعي واليمن على من
أنكر" فقسم بين الخصمين، والقسمة تنافي الشركة، وهذا الحق لا يستوفي إلا بطلب
المدعي إذا عجز عن إقامة البيّنة، لقوله صلى الله عليه وسلم للمدعي في قضية
الحضرمي والكندي: ألك بيّنة، قال لا، فقال صلى الله عليه وسلم: لك يمينه، والشهادة
إخبار صدق لإثبات حق وهي حجة لها قوة الإظهار لأنها كلام من ليس بخصم في حين أن
اليمين لا تصلح حجة مظهرة للحق، إلا أنها حجة للمدعى عليه إذا وجهها له المدعي
الذي لا بيّنة له، إذ أنه في هذه الحالة يكون الظاهر مع المدعى عليه فتكون يمينه حجة
على المدعي الذي لم يثبت خلاف الظاهر، ولذا ذهب أبو حنيفة إلى أنه لا يجوز اللجوء
لليمين إذا كان للمدعي بيّنة حاضرة؛ لما كان ذلك, وكان الدفاع الذي تلتزم المحكمة
بتحقيقه أو الرد عليه هو الدفع الجوهري المنتج في الدعوى، فإن عدم رد الحكم
المطعون فيه على طلب الطاعن استحلاف المطعون ضدها - بعد أن أثبت دعواها بأقوال
شاهديها التي اطمأنت إليها المحكمة - لا يعيبه إذ لا يستند هذا الدفاع إلى سند
صحيح ولا يؤثر في النتيجة السليمة التي انتهى إليها الحكم؛ ومن ثم فإن النعي يكون
على غير أساس.
وحيث إن الطاعن ينعى
بالوجه الأول من السبب الثاني على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون، والفساد في
الاستدلال، والقصور وفي بيان ذلك يقول إن الحكم أقام قضاءه بتأييد الحكم المستأنف
على سند من أقوال شاهدي المطعون ضدها في حين أن شاهدها الأول شقيقها والثاني
شهادته سماعية، كما التفت الحكم عن المستندات المقدمة من الطاعن التي تدل على أن
شقة النزاع ليست هي شقة الزوجية؛ دون أن تُخير المطعون ضدها بين الاستقلال بذلك
المسكن وتقدير أجر مسكن لها وللصغيرتين رغم تمسك الطاعن بذلك، فإن الحكم يكون
معيباً بما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي مردود؛
ذلك بأن من المقرر - في قضاء هذه المحكمة - أن الحكم إذا أقيم على عدة دعامات
وكانت إحداها كافية لحمل قضائه فإن النعي على عداها يكون غير منتج؛ لما كان ذلك،
وكان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه بتأييد الحكم المستأنف فيما قضى به من
استقلال المطعون ضدها وبنتيها منه بشقة النزاع باعتبارها مسكن الزوجية على ثلاث
دعامات الأولى شهادة شاهديها أمام محكمة أول درجة، والثانية إقرار المطعون ضده
بالمحضر رقم 2428 لسنة 1984 إداري مدينة نصر بأن مسكن النزاع هو مسكن الزوجية وأن
المطعون ضدها تقيم فيه، والثالثة توجيه إنذار الطاعة للمطعون ضدها على هذا المسكن،
وكانت الدعامة الثانية كافية لحمل قضائه، فإن النعي إذ يدور حول تعييب الحكم في
الدعامة الأولى المتمثلة في أقوال الشهود - أياً ما كان وجه الرأي فيه - يكون غير
منتج، ومن ثم غير مقبول، ولا يعييب الحكم عدم تخيير المطعون ضدها بين الاستقلال
بمسكن الزوجية وتقدير أجر مسكن للحضانة إذ أن إقامتها الدعوى بطلب الاستقلال بمسكن
الزوجية مفاده أنها اختارت ذلك.
ولما تقدم يتعين رفض
الطعن.