جلسة 8 من ديسمبر سنة 1998
برئاسة السيد المستشار/ صلاح عطية نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ رضوان عبد العليم وعبد الرحمن أبو سليمة وسلامة أحمد عبد المجيد نواب رئيس المحكمة. وفؤاد حسن.
-----------------
(201)
الطعن رقم 60883 لسنة 59 القضائية
(1) إثبات "بوجه عام". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
بيان الحكم واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة. وإيراد مؤدى الأدلة التي استخلص منها الإدانة في بيان واف. لا قصور.
(2) إثبات "شهود". حكم "ما لا يعيبه في نطاق التدليل".
تناقض أقوال الشهود. لا يعيب الحكم. ما دام استخلص الإدانة منها بما لا تناقض فيه.
(3) إثبات "شهود". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل".
للمحكمة الأخذ بأقوال المجني عليه. وهو يحتضر. متى اطمأنت إليها وقدرت الظروف التي صدرت فيها.
(4) "ضرب أفضى إلى موت" رابطة السببية. محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". مسئولية جنائية.
رابطة السببية في المواد الجنائية. علاقة مادية تبدأ بالفعل الذي اقترفه الجاني وترتبط من الناحية المعنوية بما يجب أن يتوقعه من النتائج المألوفة لفعله إذا ما أتاه عمداً. تقدير توافرها. موضوعي.
مسئولية المتهم في جريمة الضرب المفضي إلى الموت. عن جميع النتائج المحتملة لفعله ولو كانت عن طريق غير مباشر. كالتراخي في العلاج. ما لم تكن وليدة تعمد من جانب المجني عليه.
مثال.
(5) إجراءات "إجراءات المحاكمة". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
النعي على المحكمة قعودها عن إجراء لم يطلب منها أو الرد على دفاع لم يثر أمامها. غير مقبول. مثال.
(6) ضرب "أفضى إلى الموت". مسئولية جنائية. سبق إصرار. فاعل أصلي. حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
متى يعتبر الجاني فاعلاً أصلياً في جريمة ضرب أفضى إلى الموت؟
مثال لتسبيب سائغ في التدليل على مسئولية الجاني عن جريمة الضرب المفضي إلى الموت.
------------------
1 - لما كان الحكم قد بين الواقعة بما تتوافر به العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعن بارتكابها وأورد مؤدى الأدلة السائغة التي استخلص منها إدانته في بيان واف يكفي للتدليل على ثبوت الصورة التي اقتنعت بها المحكمة واستقرت في وجدانها. فإنه ينحسر عن الحكم دعوى القصور في البيان.
2 - الأصل أن ما يشوب أقوال شهود الإثبات من تناقض - بفرض حصوله - لا يعيب الحكم ما دام أنه استخلص الإدانة من أقوالهم استخلاصاً سائغاً لا تناقض فيه.
3 - من المقرر أنه لا تثريب على المحكمة إن هي أخذت بأقوال المجني عليه وهو يحتضر ما دامت قد اطمأنت إليها وقدرت الظروف التي صدرت فيها.
4 - من المقرر أن علاقة السببية في المواد الجنائية علاقة مادية تبدأ بالفعل الذي اقترفه الجاني وترتبط من الناحية المعنوية بما يجب عليه أن يتوقعه من النتائج المألوفة لفعله إذا ما أتاه عمداً، وكانت هذه العلاقة مسألة موضوعية ينفرد قاضي الموضوع بتقديرها ومتى فصل فيها إثباتاً ونفياً فلا رقابة لمحكمة النقض عليه ما دام قد أقام قضاءه في ذلك على أسباب تؤدى إلى ما انتهى إليه، وإذ ما كان الحكم المطعون فيه قد أثبت في حق الطاعن أنه أحدث بالمجني عليه عمداً إصابة بالعين اليمنى بأن ضربة بقطعة من الحديد، ودلل على توافر رابطة السببية بين الإصابة والوفاة بما حصله من تقرير الصفة التشريحية من أن إصابة المجني عليه بالرأس رضية تنشأ عن المصادمة بجسم صلب راض أياً كان ويكفي لحصول إصابة الرأس ضربة واحدة يمثل قطعة حديد على منطقة العين اليمنى في وقت معاصر لدخوله المستشفى وإن كان هذا لا ينفى احتمال حصول ضربة أخرى غير شديدة على الرأس اقتصرت على كدم رضي بالفروة زال أثره بمرور الوقت وتعزى الوفاة إلى إصابة العين اليمنى بما أدت إليه من تجمع دموي خلف المقلة اليمنى وتكدم ونزيف بالمخ والسحايا وما ضاعف الحالة من تقيح أدى إلى خراج في مقدم الفص الجبهي للمخ على الجانب الأيمن والتهاب رئوي رقاوي مزدوج، فإن الطاعن يكون مسئولاً عن جميع النتائج المحتمل حصولها عن الإصابة التي أحدثها ولو كانت عن طريق غير مباشر كالتراخي في العلاج أو الإهمال فيه ما لم يثبت أن المجني عليه كان يتعمد التجسيم في المسئولية وهو ما لم يقل به الطاعن ولا سند له في الأوراق، ومن ثم فإن ما ينعاه الطاعن على الحكم في هذا الصدد يكون غير سديد.
5 - لما كان من المقرر أنه ليس للطاعن أن ينعى على المحكمة قعودها عن إجراء تحقيق لم يطلب منها أو الرد على دفاع لم يثره أمامها، وكان الثابت من الرجوع إلى محضر جلسة المحاكمة أن الطاعن أو المدافع عنه لم يطلب مناقشة الطبيب الشرعي ولم يوجه أي اعتراض على تقريره فليس له أن يعيب على المحكمة سكوتها عن إجابته إلى طلب لم يبده أو الرد على دفاع لم يثره أمامها، وإذ ما كانت المحكمة قد اطمأنت إلى التقرير الطبي الشرعي ورأت التعويل عليه فإنه لا يقبل من الطاعن ما ينعاه من التفاتها عن مناقشة الطبيب الشرعي طالما أنه لم يطلب إليها مناقشته ولم تر هي من جانبها محلاً لإجراء هذه المناقشة اكتفاء منها بما أثبته في تقريره وقدرت - بغير معقب عليها في ذلك - صلاحية الدعوى للفصل فيها بحالتها.
6 - من المقرر أن الجاني لا يسأل بصفته فاعلاً في جريمة الضرب المفضي إلى الموت إلا إذا كان هو الذي أحدث الضربة أو الضربات التي أفضت إلى الوفاة أو أسهمت في ذلك، أو أن يكون هو قد اتفق مع غيره على ضرب المجني عليه ولو لم يكن هو محدث الضرب أو الضربات التي سببت الوفاة بل كان غيره ممن اتفق معهم هو الذي أحدثها - لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه بعد أن بين واقعة الدعوى وعرض لأدلة الثبوت فيها استبعد توافر ظرف سبق الإصرار في حق المتهمين جميعاً، وكانت واقعة الدعوى كما حصلها الحكم وأقوال الشهود كما أوردها قد خلت من وجود اتفاق بين المطعون ضدهم على مقارفة الاعتداء بالضرب على المجني عليه - لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد حدد الضربات التي وقعت من كل من المطعون ضدهم، وكان ما أورده عن تقرير الصفة التشريحية يفيد أن الضربة التي أحدثها المطعون ضده الأول هي التي تسببت في إحداث الوفاة، فإن الحكم إذ رتب مسئوليته عن الحادث ودانه باعتباره الفاعل بضرب المجني عليه عمداً ضرباً أدى إلى وفاته يكون قد أصاب محجة الصواب ولا مخالفة فيه للقانون.
الوقائع
اتهمت النيابة العامة كلاً من 1 - ... (طاعن) 2 - ... 3 - ...، 4 - .... بأنهم ضربوا.... بقطع من حديد ولم يقصدوا من ذلك قتلاً ولكن الضرب أفضى إلى موته وكان ذلك ناشئاً عن سبق إصرار. وأحالتهم إلى محكمة جنايات الإسكندرية لمعاقبتهم طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة. وادعت.... أرملة المجني عليه مدنياً قبل المتهمين بمبلغ مائه وواحد جنيه على سبيل التعويض المؤقت. والمحكمة المذكورة قضت حضورياً عملاً بالمادة 236/ 1 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم الأول بالسجن ثلاث سنوات وبإلزامه بأن يؤدى للمدعية بالحقوق المدنية مبلغ مائه وواحد جنيه على سبيل التعويض المؤقت. وببراءة المتهمين الآخرين ورفض الدعوى المدنية قبلهم.
فطعن كل من المحكوم عليه والنيابة العامة في هذا الحكم بطريق النقض..... إلخ.
المحكمة
أولاً: الطعن المقدم من المحكوم عليه:
حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة الضرب المفضي إلى الموت قد شابه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال ذلك بأنه لم يورد مؤدى الأدلة التي تساند إليها في قضائه، وعول على أقوال شهود الإثبات دون أن يفطن إلى التناقض بين أقوالهم، كما عول على أقوال المجني عليه بمحضر الضبط على الرغم أنه لم يكن في مقدوره أن يقطع بما يعنيه حينذاك. ولم يستظهر رابطة السببية بين الفعل المنسوب إلى الطاعن ووفاة المجني عليه ولم يعن الحكم ببيان ما إذا كانت الإصابة التي أحدثها الطاعن هي التي أدت إلى وفاته سيما وأن تقرير الصفة التشريحية أثبت إصابته بمؤخرة الرأس نتيجة ضربة أخرى فضلاً عن خروجه من المستشفى قبل استكمال علاجه. ولم تناقش المحكمة الطبيب الشرعي للوقوف يقيناً على سبب الوفاة - رغم ما لذلك كله من دلالة وأهمية في تحديد رابطة السببية بين الفعل المسند إلى الطاعن والنتيجة التي وقعت - مما يعيب الحكم بما يستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى - بالنسبة إلى الطاعن - بما يجمل في أنه اعتدى على المجني عليه بالضرب بقطعة من الحديد على عينه اليمنى وأحدث إصاباته التي أودت بحياته في شجار وقع بين أهليتهما لنزاع على ترميمات عقار، وساق الحكم على ثبوت الواقعة على هذه الصورة في حق الطاعن أدلة استمدها من أقوال شهود الإثبات التي حصلها بما لا يخرج في مضمونه عما تقدم ومما جاء بتقرير الصفة التشريحية وقد نقل عنه قوله و"أورى تقرير الصفة التشريحية لجثة المجني عليه أن الوفاة تعزى إلى إصابة العين اليمنى بما أدت إليه من جميع دموي خلف المقلة اليمنى وتكدم ونزيف بالمخ والسحايا وما ضاعف الحالة من تقيح أدى إلى خراج بمقدم الفص الجبهي للمخ على الجانب الأيمن والتهاب رئوي رقاوي مزدوج". لما كان ذلك، وكان الحكم قد بين الواقعة بما تتوافر به العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعن بارتكابها وأورد مؤدى الأدلة السائغة التي استخلص منها إدانته في بيان واف يكفي للتدليل على ثبوت الصورة التي اقتنعت بها المحكمة واستقرت في وجدانها. فإنه ينحسر عن الحكم دعوى القصور في البيان. ويكون ما يثيره الطاعن في هذا الصدد في غير محله. لما كان ذلك، وكان الأصل أن ما يشوب أقوال شهود الإثبات من تناقض - بفرض حصوله - لا يعيب الحكم ما دام أنه استخلص الإدانة من أقوالهم استخلاصاً سائغاً لا تناقض فيه. كما أنه من المقرر أنه لا تثريب على المحكمة إن هي أخذت بأقوال المجني عليه وهو يحتضر ما دامت قد اطمأنت إليها وقدرت الظروف التي صدرت فيها. وكان الحكم قد أورد ما تساند إليه من أقوال شهود الإثبات بما لا شبهة فيه لأي تناقض وبما لا يماري الطاعن من أن له أصله في الأوراق، فإن منعاه في هذا الصدد لا يكون مقبولاً. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن علاقة السببية في المواد الجنائية علاقة مادية تبدأ بالفعل الذي اقترفه الجاني وترتبط من الناحية المعنوية بما يجب عليه أن يتوقعه من النتائج المألوفة لفعله إذا ما أتاه عمداً، وكانت هذه العلاقة مسألة موضوعية ينفرد قاضي الموضوع بتقديرها ومتى فصل فيها إثباتاً ونفياً فلا رقابة لمحكمة النقض عليه ما دام قد أقام قضاءه في ذلك على أسباب تؤدى إلى ما انتهى إليه، وإذ ما كان الحكم المطعون فيه قد أثبت في حق الطاعن أنه أحدث بالمجني عليه عمداً إصابة بالعين اليمنى بأن ضربة بقطعة من الحديد، ودلل على توافر رابطة السببية بين الإصابة والوفاة بما حصله من تقرير الصفة التشريحية من أن إصابة المجني عليه بالرأس رضية تنشأ عن المصادمة بجسم صلب راض أياً كان ويكفي لحصول إصابة الرأس ضربة واحدة يمثل قطعة حديد على منطقة العين اليمنى في وقت معاصر لدخوله المستشفى وإن كان هذا لا ينفي احتمال حصول ضربة أخرى غير شديدة على الرأس اقتصرت على كدم رضي بالفروة زال أثره بمرور الوقت وتعزى الوفاة إلى إصابة العين اليمنى بما أدت إليه من تجمع دموي خلف المقلة اليمنى وتكدم ونزيف بالمخ والسحايا وما ضاعف الحالة من تقيح أدى إلى خراج في مقدم الفص الجبهي للمخ على الجانب الأيمن والتهاب رئوي رقاوي مزدوج، فإن الطاعن يكون مسئولاً عن جميع النتائج المحتمل حصولها عن الإصابة التي أحدثها ولو كانت عن طريق غير مباشر كالتراخي في العلاج أو الإهمال فيه ما لم يثبت أن المجني عليه كان يتعمد التجسيم في المسئولية وهو ما لم يقل به الطاعن ولا سند له في الأوراق، ومن ثم فإن ما ينعاه الطاعن على الحكم في هذا الصدد يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكان المقرر أنه ليس للطاعن أن ينعى المحكمة قعودها عن إجراء تحقيق لم يطلب منها أو الرد على دفاع لم يثره أمامها، وكان الثابت من الرجوع إلى محضر جلسة المحاكمة أن الطاعن أو المدافع عنه لم يطلب مناقشة الطبيب الشرعي ولم يوجه أي اعتراض على تقريره فليس له أن يعيب على المحكمة سكوتها عن إجابته إلى طلب لم يبده أو الرد على دفاع لم يثره أمامها، وإذ ما كانت المحكمة قد اطمأنت إلى التقرير الطبي الشرعي ورأت التعويل عليه فإنه لا يقبل من الطاعن ما ينعاه من التفاتها عن مناقشة الطبيب الشرعي طالما أنه لم يطلب إليها مناقشته ولم تر هي من جانبها محلاً لإجراء هذه المناقشة اكتفاء منها بما أثبته في تقريره وقدرت - بغير معقب عليها في ذلك - صلاحية الدعوى للفصل فيها بحالتها. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.
ثانياً: الطعن المقدم من النيابة العامة:
حيث إن ما تنعاه النيابة العامة على الحكم المطعون فيه هو القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال ذلك بأنه وقد نفى توافر ظرف سبق الإصرار - وقف عند هذا الحد - ودان المطعون ضده الأول بجريمة الضرب المفضي إلى الموت وببراءة باقي المطعون ضدهم - دون أن يعرض لوجود اتفاق بينهم على الاعتداء من عدمه، على الرغم من أنه حصل واقعة الدعوى وأورد أقوال الشهود بما يؤكد قيام هذا الاتفاق - مما يعيبه ويستوجب نقضه.
وحيث إنه من المقرر أن الجاني لا يسأل بصفته فاعلاً في جريمة الضرب المفضي إلى الموت إلا إذا كان هو الذي أحدث الضربة أو الضربات التي أفضت إلى الوفاة أو أسهمت في ذلك، أو أن يكون هو قد اتفق مع غيره على ضرب المجني عليه ولو لم يكن هو محدث الضرب أو الضربات التي سببت الوفاة بل كان غيره ممن اتفق معهم هو الذي أحدثها - لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه بعد أن بين واقعة الدعوى وعرض لأدلة الثبوت فيها استبعد توافر ظرف سبق الإصرار في حق المتهمين جميعاً، وكانت واقعة الدعوى كما حصلها الحكم وأقوال الشهود كما أوردها قد خلت من وجود اتفاق بين المطعون ضدهم على مقارفة الاعتداء بالضرب على المجني عليه. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد حدد الضربات التي وقعت من كل من المطعون ضدهم، وكان ما أورده عن تقرير الصفة التشريحية يفيد أن الضربة التي أحدثها المطعون ضده الأول هي التي تسببت في إحداث الوفاة، فإن الحكم إذ رتب مسئوليته عن الحادث ودانه باعتباره الفاعل بضرب المجني عليه عمداً ضرباً أدى إلى وفاته يكون قد أصاب محجة الصواب ولا مخالفة فيه للقانون. لما كان ما تقدم، فإن الطعن يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.