جلسة 22 من نوفمبر سنة 1949
برياسة سعادة أحمد حسن باشا رئيس المحكمة وحضور حضرات: أحمد فهمي إبراهيم بك وأحمد حسني بك وفهيم عوض بك ومحمد أحمد غنيم بك المستشارين.
--------------
(33)
القضية رقم 1263 سنة 19 القضائية
1 - اختلاس أموال أميرية.
صول بلوكات النظام. أذون صرف بدل السفر للعساكر. اختلاسه إياها. عقابه بمقتضى المادة 112 ع.
ب - نقض.
تقديم شخص لمحاكمته عن تهمتي ارتكاب تزوير في أوراق رسمية وتزوير في أوراق عرفية. اعتبار المحكمة الأوراق المزورة كلها رسمية. توقيع عقوبة واحدة عليه. نعيه على الحكم أنه شدد التهمة الموجهة إليه في أمر الإحالة. لا يجديه.
2 - إذا قدم شخص للمحاكمة لاشتراكه في تهمتين إحداهما ارتكاب تزوير في أوراق رسمية والأخرى ارتكاب تزوير في أوراق عرفية فاعتبرت المحكمة أن الأوراق التي زورت كلها رسمية وأوقعت عليه عقوبة واحدة بعد أن طبقت المادة 32 من قانون العقوبات، فلا مصلحة له من النعي على الحكم أنه شدد عليه الموجهة إليه في أمر الإحالة.
الوقائع
اتهمت النيابة العامة كلا من 1 - حافظ سيد منصور (الطاعن) و2 - محمد علي يوسف (الغائب) بأنهما: (الأول) أولا: بصفته موظفاً عمومياً (صول ببلوكات نظام الأقاليم) من عمله توريد أذونات بدل السفر في الدفتر المعد لها اختلس الأذونات بأن أغفل توريدها وسلمها للمتهم الثاني ليتولى صرف قيمتها.
ثانياً: اشترك مع المتهم الثاني بطريق الاتفاق على ارتكاب جرائم التزوير المنوه عنها في التهمتين الأولى والثالثة المنسوبتين للمتهم الثاني على النحو الوارد بهاتين التهمتين فوقعت هذه الجرائم بناء على هذا الاتفاق. (والثاني) أولا: ارتكب تزويراً في أوراق رسمية هي أذونات الصرف المحررة باسم حضرة محمود حسن راشد بك بصفته قومنداناً لبلوكات نظام الأقاليم ليتولى صرف قيمتها وتوزيعها على الجنود المستحقين لبدل السفر طبقاً للاستمارات التي تحررت بمقتضاها هذه الأذونات بأن اتخذ لنفسه صفة الوكيل من القومندان وحرر بخطه صيغة التوكيل على ظهر كل إذن في الخانة المعدة لذلك ووقع في نهايتها بتوقيع مزور نسب صدوره لمحمود حسن راشد بك وصرف قيمة هذه الأذونات من مكتب بريد العباسية المسحوبة عليه.
ثانًيا: استعمل الأذونات الأحد عشر المزورة المشار إليها في التهمة الأولى بأن قدمها لمكتب بريد العباسية وصرف قيمتها مع علمه بتزويرها.
ثالثاً: ارتكب تزويراً عرفياً في أذونات بأسماء الجنود حمزة إبراهيم جوده وزكي ليفي، ومحمد المنيرى الشيمي ومحمد أحمد محمود ونور الدين محمد أحمد وأحمد محمود سليمان بأن زور توقيعاتهم على ظهر هذه الأذونات وتمكن من صرف قيمتها بصفته وكيلا عنهم.
رابعاً: استعمل الأذونات المزورة المشار إليها في التهمة السابقة: بأن صرف قيمته من مكتب بريد العباسية مع علمه بتزويرها.
خامساً: اشترك مع الأول (حافظ سيد منصور) في اختلاس قيمة الأذونات المشار إليها في التهم السابقة بطريق الاتفاق والمساعدة بأن اتفق معه على عدم إثبات هذه الأذونات بالدفاتر الخاصة بها، وساعده على الانتفاع بقيمتها بأن ارتكب التزوير المنوه عنه بالتهم السابقة وصرفها من مكتب بريد العباسية فوقعت جريمة الاختلاس بناء على هذا الاتفاق وتلك المساعدة.
وطلبت من حضرة قاضي الإحالة إحالتهما إلى محكمة الجنايات لمحاكمتهما بالمواد 40/ 2 و 3، 41، 112، 211، 212، 214، 215 من قانون العقوبات، فقرر إحالتهما إليها لمحاكمتهما بالمواد سالفة الذكر.
وفي أثناء نظر هذه الدعوى أمام محكمة جنايات مصر طلبت النيابة تعديل وصف التهمة بالنسبة للأوراق العرفية وجعلها تزويراً في أوراق رسمية.
والمحكمة المذكورة بعد أن أتمت سماعها قضت فيها عملا بمواد الاتهام مع تطبيق المادة 32 عقوبات، حضورياً للأول وغيابياً للثاني، بمعاقبة كل من حافظ سيد منصور ومحمد على يوسف بالأشغال الشاقة لمدة خمس سنوات وبغرامة قدرها 788 مليماً و 296 جنيهاً وبإلزامهما متضامنين بأن يردا لخزانة الدولة المبلغ المختلس وقدره 788 مليماً و296 جنيهاً.
فطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض الخ الخ.
المحكمة
وحيث إن أوجه الطعن تتحصل في القول (أولا) بأن المحكمة اعتبرت الطاعن أميناً على الودائع ودانته بجناية اختلاس أذون الصرف على هذا الأساس مع أنه ليس من الصيارفة أو مأموري التحصيل أو الأمناء على الودائع بمقتضى وظيفته، ومن ثم كان يجب مؤاخذته على أساس أن ما وقع منه إن صح يدخل في عداد الجنح ولا ينطبق عليه وصف جناية الاختلاس المنصوص عليها في المادة 112 من قانون العقوبات (وثانياً) بأنها دانته بجريمة لم توجه له في قرار الاتهام وأمر الإحالة ولم تطرح على بساط البحث في الجلسة وهي اشتراكه مع المتهم في استعمال أوراق رسمية مزورة (وثالثاً) بأنها شددت التهمة المبينة في أمر الإحالة بتعديل الوصف من جنحة تزوير في أوراق عرفية إلى جناية تزوير في أوراق رسمية متمشية في ذلك مع ما طلبته النيابة من تعديل الوصف بالجلسة دون أن تلفت نظر الدفاع إلى هذا التعديل كما يقضي بذلك نص المادة 38 من قانون تشكيل محاكم الجنايات، وفي كل هذا خطأ في تطبيق القانون يعيب الحكم (ورابعاً) بأن المحكمة استندت في إدانة الطاعن كفاعل أصلي في جناية اختلاس الأذون إلى فروض من عندها دون أن يكون لهذه الفروض سند من شهادة الشهود أو أوراق الدعوى على الرغم من أن المتهم الثاني مقر في التحقيقات بارتكاب الأفعال المادية المكونة لهذه الجريمة ولجرائم التزوير التي اعتبرت الطاعن شريكاً فيها مع ذلك المتهم من غير سند أيضاً، على أن ما أسست عليه قضاءها بالإدانة من أدلة وقرائن لا تؤدي بذاتها إلى النتيجة التي انتهت إليها من ثبوت التهمة على الطاعن ولا من ثبوت نية الاختلاس لديه ولم ترد على دفاع الطاعن رداً سديداً يدحضه (وخامساً) بأن الحكم المطعون فيه قد تناقضت أسبابه واعتمد على أدلة لا أصل لها في التحقيقات.
وحيث إن ما جاء في الأوجه الثلاثة الأولى من الطعن مردود بأن المحكمة دانت الطاعن بجناية اختلاس أذون الصرف بصفته فاعلا أصلياً وبالاشتراك مع متهم آخر حكم عليه في تزوير أوراق رسمية هي تلك الأذون ولم تدنه في استعمال تلك الأوراق المزورة خلافاً لما زعم. هذا وقد أثبت الحكم المطعون فيه فيما أورده من وقائع أن الطاعن بوصف كونه صول بلوكات النظام ورئيس مكتب رئاسة البلوكات المذكورة، كان من مقتضى عمله فتح المظاريف المسجلة الواردة من وزارة الداخلية والتي تحوي أذون صرف بدل السفر للعساكر ورصد هذه الأذون في دفتر خاص ثم يؤشر عليها ويتولى عرضها على القومندان. وإذن فهو أمين على هذه الأوراق من وقت تسلمها حتى يعرضها على رئيسه ثم يتولى تسليمها لذويها وهو بذلك يعتبر في القانون أميناً على الودائع ما دام قد أؤتمن بسبب وظيفته على حفظ هذه الأذون في الفترة السالف بيانها فإذا هو اختلسها حق عليه العقاب بمقتضى المادة 112 من قانون العقوبات وكان عمله جناية اختلاس لا جنحة تبديد كما ذهب إليه الطاعن في طعنه، وأما ما قاله بصدد تشديد التهمة الموجهة إليه في أمر الإحالة فمصلحته فيه منتفية. ذلك لأنه كان متهماً - كما يبين من قرار الاتهام وأمر الإحالة - بالاشتراك مع المتهم الثاني في تهمتين إحداهما ارتكاب تزوير في أوراق رسمية والأخرى ارتكاب تزوير في أوراق عرفية فاعتبرت المحكمة أن الأوراق التي زورت كلها رسمية، ووقعت على الطاعن عقوبة واحدة بعد أن طبقت المادة 32 من قانون العقوبات. ومتى كان كل ذلك كذلك فإن ما أثاره الطاعن في هذه الأوجه لا يكون له محل.
وحيث إنه عن باقي أوجه الطعن فإن الحكم المطعون فيه حين دان الطاعن بجناية الاختلاس والاشتراك مع آخر في تزوير أوراق رسمية قد بين الواقعة بما يتوافر فيه جميع العناصر القانونية لهذه الجريمة بما في ذلك القصد الجنائي وذكر في منطق سليم الأدلة والاعتبارات التي استخلصت المحكمة منها ثبوت وقوع هذه الواقعة منه وهذه الأدلة والاعتبارات من شأنها أن تؤدي ما رتب عليها ولها أصلها في التحقيقات التي أجريت في الدعوى خلافاً لما ذهب إليه، ثم تعرضت المحكمة لدفاعه ففندته بأدلة وقرائن سائغة. كل ذلك في غير تناقض أو تخاذل.
ومتى كان الأمر كذلك فإن ما أثاره الطاعن في هذين الوجهين لا يكون له من مبرر لأنه في الواقع وحقيقة الأمر ليس إلا مجادلة يراد بها إثارة الجدل حول موضوع الدعوى وتقدير الأدلة فيها مما لا شأن لمحكمة النقض به.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن على غير أساس ويتعين رفضه موضوعاً.