جلسة 8 من يونيه 1963
برئاسة السيد/ الإمام الإمام الخريبي نائب رئيس المجلس وعضوية السادة/ مصطفى كامل إسماعيل وحسن السيد أيوب والدكتور ضياء الدين صالح ومحمد مختار العزبي المستشارين.
----------------
(121)
القضية رقم 1423 لسنة 7 القضائية
(أ) بريد
- التعليمات العمومية عن الأشغال البريدية - نصها في المادة 274 على أن المراسلات المستعجلة التي لم يتسن توزيعها في أول دورة تفقد صفة الاستعجال وتوزع بالطريق العادي - التحدي بأن المادتين 275 و276 توجبان توزيع المراسلات المستعجلة بمحلات الإقامة - لا محل له متى كان الخطاب المستعجل قد فقد صفة الاستعجال طبقاً للمادة 274 - وجوب توزيع الخطاب في هذه الحالة بالطريق العادي المشار إليه في المواد 233 و234 و236 بوضعه في الصندوق المخصوص ما دام عليه رقم هذا الصندوق.
(ب) موظف - تأديب
- لائحة تقسيم العمل الداخلي وتوزيع الاختصاصات بالهيئة العامة للبريد - اختصاصات الشباك الخامس - فقد المراسلة صفة الاستعجال يوجب توزيعها بالطريق العادي - حفظها بالشباك الخامس تحت طلب المرسل إليه - يعتبر خطأ من الموظف يوجب مسئوليته الإدارية.
----------------
1 – إن المادة 284 من التعليمات العمومية عن الأشغال البريدية في الجزء الأول المتعلق بالمراسلات تنص على أن "المراسلات المستعجلة التي لم يتسن توزيعها في أول دورة تفقد صفة الاستعجال وتوزع بالطريق العادي. وكذلك تعامل المراسلات المستعجلة المعنونة لجهات خارجية في دائرة التوزيع" والمادة 233 منها تنص على أن "المراسلات التي يجب أن توزع في الصناديق المخصوصة هي المراسلات الواردة برسم الأشخاص الذين يكونوا قد اشتركوا فيها لدى مكتب البريد.. وكذا المراسلات التي تكون محررة عليها نمرة هذه الصناديق". والمادة 234 من التعليمات صريحة في عبارتها عندما ترد مراسلة معنونة بمحل إقامة المرسلة إليه، وعليها مع ذلك نمرة الصندوق المخصوص المشترك فيه، فيجب وضعها في الصندوق المخصوص، وتفيد المادة (236) أن الأصل في المراسلات أن تكون حسب الصناديق المحررة عليها أما إذا وردت مراسلات برسم أحد المشتركين في الصناديق المخصوصة، ولم يكن عليها عنوان، ولا رقم فتوزع في الصندوق الخاص بالمشترك إذا كان المستخدمون يذكرون نمرة الصندوق، وإلا فيؤجل توزيعها إذا كان الوقت ضيقاً إلى الدورة التالية لتوزيعها بالصندوق الخاص بالمشترك. ومفاد هذه النصوص أن الخطاب الذي يحمل مظروفه رقم صندوق الخطابات الخاص به لا بد وأن يودع في الصندوق المخصوص، ومعنى ذلك أن يحول مباشرة إلى الشباك رقم (واحد) وبمفهوم هذه المخالفة لا يجوز تحويله وحفظه بالشباك الخامس. ولا محل بعد ذلك، ومع وضوح عبارات هذه النصوص، لأن يتمسك المطعون عليه بأحكام المادتين (275 - 276) من التعليمات المذكورة، والتي تقضي بأن المراسلات المستعجلة التي ترد معنونة بمحل الإقامة ويكون عليها مع ذلك نمرة الصندوق المخصوص أو عبارة - يحفظ بشباك البريد - توزع بمحلات الإقامة، وأن المراسلات المستعجلة التي ترد غير مستكملة العنوان توزع إلى المرسل إليهم بمحلات إقامتهم إذا كانت معروفة حتى ولو كانوا من المشتركين في الصناديق المخصوصة أو ممن يستلمون مراسلاتهم من الشبابيك.. لا محل لذلك لأن هاتين المادتين متعلقتان بالمراسلات المستعجلة وحدها. أما الخطاب الوارد من ألمانيا موضوع هذا التحقيق، فإنه ولئن كان في الأصل قد ورد متصفاً بصفة الاستعجال إلا أنه ما لبث أن فقد هذه الصفة وزال عنه هذا التكييف بعد إذ ثبت أنه لم يتسن توزيعه في أول دورة بواسطة موزع البريد الذي سجل على الخطاب أن الشقة مغلقة (محل إقامة المكتب) وأضاف أن للشركة صندوق بريد خاص رقم 937 وأعاد الموزع هذا الخطاب إلى مكتب البريد، ومن ثم فقد زايلته صفة الاستعجال وأصبح خطاباً (يوزع بالطريق العادي) وبذلك يخرج عن نطاق تطبيق المادتين (275، 276، من التعليمات) بمقتضى حكم المادة 274 من التعليمات. وصار هذا الخطاب من المراسلات التي يجرى توزيعها بالطريق العادي وفقاً لأحكام المواد (233، 234، 236) فكان يتعين وضعه في الصندوق المخصوص رقم 937 حسبما هو ثابت على المظروف.
2 - لا محل لما يدفع به المطعون عليه المسئولية الإدارية عن نفسه فيقول أنه، وهو المنوط به أعمال الشباك الخامس، لا يملك مخالفة تأشيرات ملاحظ قسم الموزعين ووكيل الوردية (بالنظر) أي بالحفظ في الشباك رقم (5) فهذا دفاع مردود، لا يستقيم وصريح بنود جدول تقسيم الأعمال الذي يحدد ويوضح اختصاصات كل موظف بقلم التوزيع. فقد جاء بالفقرة الثانية من اختصاصات الشباك الخامس أي شباك حفظ المراسلات المقيدة بقسم التوزيع: (استلام المراسلات المسجلة قسم التسجيل الوارد بموجب إيصال مؤقت عن المراسلات المسجلة المعنونة - شباك البريد - سواء أكانت معنونة باللغة العربية أو الإفرنجية برسم مصريين أو أجانب - ثم استلام جميع المراسلات المرتدة من قسم السعاة بالتسجيل الوارد بعد التأكد من صحة التأشيرات المبينة عليها) ثم جاء في فقرة أخرى من اختصاصات الشباك الخامس في جدول تقسيم الأعمال: (وعمل المجهود اللازم من مداومة البحث عن المراسلات الخالية من العنوان أو الغير معروف عناوين أصحابها لتوزيع ما يمكن توزيعه منها، وذلك بالاشتراك مع حضرة رئيس الوردية بالتسجيل الوارد) فالمطعون عليه مكلف، بمقتضى لائحة تقسيم العمل الداخلي وتوزيع الاختصاصات، بمراجعة صحة التأشيرات المبينة على المراسلات، ومن الواجب عليه تلافي ما قد يكون بها من أخطاء. ولو كان المطعون عليه قد اتبع هذه التعليمات والتزم حدود أحكامها وبذل من العناية والدقة قدراً يسيراً لما فاته أن الخطاب وقد انقلب تكييفه من مستعجل له طرق وتوزيع معينة، إلى عادي تجرى عليه أحكام التعليمات المتعلقة بطرق التوزيع العادي والخطاب في ذات الوقت يحمل تأشيرة الموزع الأول بأن الشقة (محل إقامة المكتب) مغلقة ولكن للشركة صندوق بريد معروف رقم 937 فكان يتعين عليه لزاماً أن يرجع إلى من أشاروا قبله بالتوجيه الخاطئ المخالف للوائح والتعليمات، ولاستطاع أن يدرك أنه لا يجوز الاحتفاظ بمثل هذه المراسلة في إدراج الشباك الخامس لأن هذه المراسلة ليست من نصيب هذا الشباك في التوزيع اللائحي السليم. وتأسيساً على ذلك يكون المطعون عليه قد أهمل في أداء وظيفته ويكون القرار الوزاري بتوقيع الجزاء الإداري عليه قد قام على سببه.
إجراءات الطعن
في 6 من يوليه سنة 1961 أودع السيد محامي الحكومة سكرتيرية المحكمة تقرير طعن أمام هذه المحكمة قيد جدولها تحت رقم 1423 لسنة 7 القضائية في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية بالإسكندرية بجلسة 8 من مايو سنة 1961 في الدعوى رقم 1339 لسنة 7 القضائية المقامة من محمد السيد محمد عطا ضد هيئة البريد والذي قضى: (بإلغاء القرار الصادر من وزير المواصلات في 26/ 3/ 1960 بمجازاة المدعي بخصم تسعة أيام من راتبه، وما يترتب على ذلك من آثار وألزمت الحكومة المصروفات). وطلب السيد محامي الحكومة للأسباب التي استند إليها في تقرير طعنه "الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء برفض دعوى المطعون عليه، وإلزامه المصاريف ومقابل الأتعاب عن الدرجتين". وقد أعلن هذا الطعن إلى المطعون عليه في 13 من يوليه سنة 1961 وعين لنظره أمام دائرة فحص الطعون جلسة 21 من يناير سنة 1963، ثم قررت الدائرة بجلسة 23 من مارس سنة 1963 إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا للمرافعة بجلسة 11 من مايو سنة 1963 وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة، ثم قررت المحكمة إرجاء النطق بالحكم إلى جلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة، حسبما يبين من أوراق الطعن، تتحصل في أن المطعون عليه أقام الدعوى رقم 1339 لسنة 7 القضائية أمام المحكمة الإدارية بالإسكندرية ضد هيئة البريد بعريضة أودعت قلم كتاب تلك المحكمة في 18 من سبتمبر سنة 1960 بعد إذ تقرر في 12/ 9/ 1960، قبول طلب الإعفاء من الرسوم القضائية المقدم منه في 10/ 7/ 1960. وقال المدعي في دعواه أنه يعمل بقلم التوزيع بهيئة البريد بالإسكندرية، ويقوم بالعمل بالشباك الخاص بتسجيل الوارد. وقد ورد خطاب مستعجل من ألمانيا الغربية برقم 273 برسم مدير عام شركة ادفينا بالإسكندرية بعنوان رقم 66 طريق الحرية بتلك المدينة.
فاتخذت بشأن ذلك الخطاب إجراءات التوزيع القانونية ولما لم يتيسر تسليم الخطاب لصاحبه المرسل إليه بالإسكندرية أعيد ذلك الخطاب بالتالي مرتداً إلى مرسله بألمانيا. وثارت من أجل ذلك ضجة صحفية، وأجرى تحقيق إداري في الموضوع خلصت منه هيئة البريد إلى توقيع جزاء إداري على المدعي بخصم أجر تسعة أيام من مرتبه كما وقعت جزاءات إدارية متفاوتة على موظفين آخرين مع المدعي بمقولة أنه كان يتعين على رافع هذه الدعوى عدم قبول المسجل (الخطاب) المذكور بالشباك رقم (5) وإعادته إلى الشباك رقم (1) حتى يتمكن المرسل إليه من استلامه بدلاً من رده إلى ألمانيا. ويقول المدعي أن الواقع أنه قد اتخذت بشأن الخطاب المذكور إجراءات التسليم المقررة على العنوان الموضح على ظرف ذلك الخطاب وذلك بأن تسلمه الموزع المختص فور وصول الخطاب من ألمانيا وتوجه به إلى مقر الشركة بالعنوان رقم 66 طريق الحرية فوجده مغلقاً فأعلن الموزع الشركة بصندوقها الخاص بالعمارة المذكورة وأشر الموزع بذلك الإجراء على الخطاب ثم أعاده إلى وكيل الوردية الذي قام بتوجيه الخطاب إلى قسم الموزعين للخطابات العادية بعد إذ فقد الخطاب المذكور صفة الاستعجال لعدم تسلمه إلى صاحبه في أول مرة توزيع طبقاً للمادة 274 من كتاب التعليمات. ثم تسلم ملاحظ الموزعين الخطاب وسلمه من جديد للفراز ليقيده بالدفتر رقم (21 ف) ويسلم للموزع العادي المختص. وتبادل حمل الخطاب المذكور اثنان من الموزعين تردداً على مقر الشركة دورات التوزيع المقررة في الفترة من (7 نوفمبر إلى 9 منه) فوجدا مقرها مغلقاً، فأعلناها بصندوقها بالعمارة وأشر بذلك على الخطاب ثم تركاه لفراز القسم بعد أن استوفى مرات توزيعه بمعرفتهما، ثم قام الفراز بعرض الخطاب على ملاحظ قسم الموزعين الذي رأى أنه يتعين عليه طبقاً للتعليمات المصلحية توجيه الخطاب إلى الشباك الخامس (رقم 5) الذي يقوم على العمل به رافع هذه الدعوى وذلك بعد أن أشر عليه الملاحظ بكلمة (نظر) بخطه وتوقيعه. ومعنى لفظ (نظر) أن الخطاب يحفظ بالشباك الخاص تحت طلب الشركة المرسل إليها الخطاب للمدة القانونية التي بعدها يرد الخطاب إلى مرسله بألمانيا. وأعاد الملاحظ الخطاب إلى فراز القسم لقيده مرة أخرى بالدفتر رقم (21 ف)، محولاً على الشباك الخامس، ووقع وكيل الوردية بالدفتر بما يفيد صحة الإجراءات السابقة وسلامة التوجيه. واستطردت صحيفة الدعوى قائلة أن الإجراءات التي تمت بشأن توزيع الخطاب المذكور مطابقة للتعليمات إذ كان يتحتم توزيعه بمقر الشركة بطريق الحرية بالإسكندرية طبقاً لحكم المادتين (257، 276) من لائحة أعمال البريد وأنه ترتيباً على ذلك لا يقبل القول بأنه كان يتعين توزيع الخطاب بالصندوق الخاص بالشركة أي الشباك رقم (1) طالما أن الخطاب لم يكن يحمل رقم الصندوق، وهذا الرأي يخالف التعليمات الواردة بالمادة (234) وأن إيداع الخطاب المذكور، وحفظه بالشباك الخامس ليكون تحت طلب الشركة المرسل إليها هو إجراء مطابق للقانون، وكان يتعين على المدعي تنفيذ هذا الإيداع بالشباك رقم (5) بناء على توجيه المختصين المسئولين عن هذا التوجيه. ثم أضاف المدعي أن الشركة المرسل إليها هي المسئولة عن عدم استلامها هذا الخطاب إذ وضعت في صندوقها بالعمارة سبعة إشعارات عن هذا الخطاب كما حفظ الخطاب المذكور بالشباك رقم (5) مدة شهر دون أن تسأل عنه الشركة، وبعد ذلك أعيد الخطاب إلى مرسله بألمانيا. فالخطاب المذكور قد اتبعت في شأنه كافة الإجراءات والتعليمات وأنه حول إلى الشباك الخامس بواسطة الموظف المختص وهو (الملاحظ) وهذا الموظف متفرغ لهذه العملية ومسئول عن توجيه كل خطاب مرتد إليه إلى الجهة التي يراها متمشية مع التعليمات من حيث تحويل خطاب من عنوان إلى آخر أو من قسم إلى آخر فإذا كان الملاحظ قد وجه الخطاب المذكور إلى الشباك رقم (5) الذي يعمل به المدعي، وذلك بعد أن أشر عليه الملاحظ بكلمة (نظر) وقيد بالدفتر رقم (21 ف) فإن ذلك يكون مطابقاً للتعليمات ولا يكون المدعي مسئولاً عن حفظ الخطاب المذكور بالشباك رقم (5) المدة القانونية ثم رده إلى ألمانيا بعد ذلك وخلص المدعي إلى طلب الحكم بإلغاء القرار الصادر من السيد وزير المواصلات في 26/ 3/ 1960 بخصم تسعة أيام من مرتبه وما يترتب على ذلك من آثار وإلزام الإدارة المصروفات ومقابل الأتعاب.
وعقبت هيئة البريد على الدعوى فقالت أن المدعي من موظفي الدرجة السابعة الكتابية (بالمرتبة الثالثة) ويشغل وظيفة معاون بقلم توزيع بريد القاهرة. وأنه في 9/ 3/ 1960 نشرت مجلة آخر ساعة شكوى من أحد المواطنين الموجودين بألمانيا تحت عنوان (المرجو من مصلحة البريد أن تتحقق هذا الإهمال) فقامت المصلحة بفحص الشكوى والتحقيق فيها فاتضح أن المواطن الشاكي من ألمانيا كان قد أرسل خطاباً بالبريد المستعجل المسجل برسم السيد/ مدير عام شركة ادفينا بالإسكندرية ولم يسلم هذا الخطاب إلى المرسل إليه رغم أهمية الشركة وشهرتها ثم أعيد الخطاب بالتالي بعد زمن طويل إلى المواطن الشاكي في ألمانيا. وقد تبين للمصلحة من التحقيق الإداري الدقيق أن الموظف المدعي في هذه الدعوى أهمل في أداء واجبات وظيفته، وقد أدى إهماله هذا إلى إعادة الخطاب المذكور إلى مرسله في ألمانيا. وفي 26 من مارس سنة 1960 وافق السيد وزير المواصلات على مجازاة المدعي بخصم تسعة أيام من راتبه فتظلم المدعي إلى السيد/ مفوض الدولة بوزارة المواصلات برقم 144 لسنة 1960 في 3/ 4/ 1960 فقرر المفوض رفض هذا التظلم وأعلن المدعي في 28/ 5/ 1960 برفض تظلمه. ثم قالت هيئة البريد أن القرار المطعون فيه بالإلغاء قد صدر ممن يملك إصداره وفي حدود سلطته واختصاصاته المخولة له قانوناً بعد تحقيق دفاع المدعي وسماع أقواله وأن قرار الجزاء قام على سببه. وطلبت هيئة البريد الحكم برفض الدعوى وإلزام المدعي بالمصروفات.
وبجلسة 8 من مايو سنة 1961 حكمت المحكمة الإدارية بالإسكندرية (بإلغاء القرار الصادر من وزير المواصلات في 26/ 3/ 1960 بمجازاة المدعي بخصم تسعة أيام من راتبه وما يترتب على ذلك من آثار وألزمت الحكومة المصروفات). وأقامت قضاءها هذا على أنه لا أساس لما ذهبت إليه الإدارة من إدانة المدعي بمقولة أنه كان يتعين عليه عدم قبول الخطاب المسجل موضوع الخصومة وإعادته للشباك الأول الخاص بالصناديق الخصوصية. لا أساس له من الصحة في هذا القول لأنه كان يتعين على المدعي، وهو يعمل بالشباك الخاص، تنفيذ التأشيرات الصادرة إليه بإيداع الخطاب المذكور في شباكه رقم (5) تحت طلب المرسل إليه طبقاً للتعليمات. وطبقاً للمادة (275) من تعليمات مصلحة البريد العمومية، كان يتعين في كل الأحوال عدم وضع الخطاب محل هذه الخصومة، في صندوق الشركة المرسل إليها، وإنما تسلمه لها في محل إقامتها فقط لأن هذا الخطاب من الخطابات (المستعجلة والمسجلة) معاً. فضلاً عن ذلك فإن رقم الصندوق الذي وضع على مظروف الخطاب إنما وضع بمعرفة ساعي البريد العادي، وليس بمعرفة الراسل في ألمانيا. وليس في اللوائح ما يوجب على عامل الشباك الخامس احترام مثل هذه التأشيرة. ومن هذا يتضح أن المدعي لم يخالف أحكام اللوائح المعمول بها في هيئة البريد وأنه قام بجميع واجباته المقررة بالنسبة للخطاب المذكور، ومن ثم يكون تكييف الإدارة لاختصاصات المدعي غير متفق مع أحكام اللوائح، ويكون القرار المطعون فيه قد أعوزه السبب ووجب الحكم بإلغائه لمخالفته للقانون.
وفي 6 من يوليه سنة 1961 طعنت الحكومة في الحكم المذكور وطلبت إلغاءه والقضاء برفض الدعوى لأنه جاء مخالفاً للقانون. فقد أخل المطعون عليه بالواجب المفروض عليه والمحدد في اختصاصه والمبين في جدول تقسيم العمل بالمصلحة، وذلك فضلاً عن مخالفة المدعي للتعليمات المصلحية وفي مقدمتها البند رقم (234) الذي ينص على أنه "عندما ترد مراسلة بعنوان بمحل إقامة المرسل إليه وعليها مع ذلك نمرة الصندوق المخصوص المشترك، فيجب وضعها في الصندوق المخصوص". والثابت أن الخطاب المذكور وصل إلى المطعون عليه في الشباك رقم (5) وعليه رقم الصندوق المخصوص وعلى الرغم من ذلك فإن المطعون عليه لم يرفض قبوله كما تأمره المادة، الأمر الذي انتهى بترك الخطاب مهملاً لمدة شهر في الشباك رقم (5) ثم أعيد بعد ذلك إلى ألمانيا رغم وجود عنوان الشركة المرسل إليها بالكامل على المظروف، ورغم وجود الصندوق المخصوص لشركة ادفينا على المظروف كذلك.
ومن حيث إنه يبين من الاطلاع على أوراق التحقيق الإداري الذي أمر السيد وزير المواصلات بإجرائه في 10 من أكتوبر سنة 1960 في شأن عدم وصول الخطاب المسجل المستعجل رقم (273) الوارد من ألمانيا إلى المرسل إليه بالإسكندرية ورده إلى الراسل بألمانيا بعد شهرين من بقائه في إدراج هيئة البريد بالإسكندرية، وهو الموضوع الذي طلعت به الصحف والمجلات على الرأي العام بمصر ولاكته الألسن ونحى الناس فيه باللائمة على هيئة البريد تصرف بعض موظفيها بالإسكندرية في هذا الشأن، يبين من أقوال السيد الدكتور مدير عام شركة ادفينا - المرسل إليها الخطاب المذكور - أنه يوجد دائماً ساع بمكتب الشركة رقم (66) طريق الحرية بالإسكندرية، وذلك بين الساعة 9.30 صباحاً والساعة 1.30 بعد الظهر من كل يوم. ومن عادة هذا الساعي أن يتوجه يومياً إلى مكتب البريد حوالي الساعة التاسعة صباحاً لاستلام خطابات ومراسلات الشركة من صندوق البوستة الخاص بشركة ادفينا رقم 937. كما أن هذا الساعي يتسلم المراسلات المسجلة الواردة برسم الشركة بعنوان هذا الصندوق إذ أن هذا الساعي موكل رسمياً باستلام كافة مراسلات شركة ادفينا بالإسكندرية ومراسلات موظفيها وبعد ذلك يعود الساعي من مكتب البريد إلى مكتب الشركة في مقرها رقم (66) بطريق الحرية في عمارة من أضخم وأهم العمارات بالإسكندرية ويظل الساعي بالمكتب إلى حين انصرافه في الساعة الواحدة والنصف بعد الظهر. وقبل ذهابه إلى مصنع الشركة (بالرأس السوداء بالإسكندرية) يأخذ معه كل المراسلات والإشعارات التي تكون بصندوق الخطابات بالعمارة وكذلك مراسلات الشركة الواردة باسمها إلى صندوق البريد ويقوم الساعي بتسليم كل ذلك إلى الموظف المختص بمصنع الشركة، وتسجل كل هذه المراسلات في سجل خاص بالشركة قبل توزيعها على الموظفين المختصين لدراستها والرد عليها. أما عن الإشعارات التي قيل بأنها تركت في صندوق البريد بالعمارة فإنه يستحيل على الساعي أن يتركها ولا يأخذها معه مع باقي الخطابات إلى المصنع. لأنه أمين ودقيق في العمل وآية ذلك أنه قد وصل فعلاً إلى الشركة الكثير من المراسلات والخطابات والإشعارات المختلفة عن خطابات أخرى ولكن الإشعارات المتعلقة بهذا الخطاب المردود إلى ألمانيا لم تصل قط إلى الشركة. وأضاف السيد مدير الشركة إلى أقواله في التحقيق أن عدداً كبيراً من الخطابات التي أرسلها عميل الشركة السيد/ حبيب من ألمانيا قد وصل بالفعل إلى الشركة رغم أنه يكتب دائماً على المظروف عنوان الشركة بالإسكندرية (في مقرها رقم 66 طريق الحرية) والخطاب الأول الذي وصل منه فعلاً من ألمانيا كان في 21/ 5/ 1959 والخطاب الثاني في 7/ 6/ 1959. والثالث في 9/ 8/ 1959 كذلك وصل إلى الشركة خطاب مؤرخ في 3/ 10/ 1959 وأخيراً في 17/ 11/ 1959 وبعض هذه الخطابات كانت بالبريد العادي وبعضها بالبريد المسجل المستعجل وكلها وصلت إلى مصانع الشركة رغم أن العنوان على مظاريفها هو دائماً (66 طريق الحرية) وهذا يؤكد أن الشركة المرسل إليها الخطاب المردود معروفة تماماً لمصلحة البريد بالإسكندرية. وأفاد السيد مدير الشركة أن لشركة ادفينا اشتراك في صندوق بريد خاص بها رقم 937 وقد اعتادت مصلحة البريد أن تودع فيه خطابات الشركة - وجاء بالتحقيق الإداري المذكور أنه بسؤال السيد/ عزيز بسطوروس عطا الله موزع البريد الذي كان يعمل بالمنطقة التي تقع بها العمارة التي بها مكتب شركة ادفينا في أوائل نوفمبر سنة 1959 أفاد أنه كلف بالقيام بتوزيع الخطاب الوارد من ألمانيا رقم 273 في يوم 8/ 11/ 1959 فوجد أن الشقة الموجود بها مكتب الشركة المذكورة مغلقة وقال أنه يوجد لهذه الشركة صندوق بريد رقم 937 وقد قام بنفسه بالتأشير بذلك على مظروف الخطاب حتى يتنبه إلى ذلك رجال مكتب البريد المسئولون عن التوزيع وقال رداً على سؤال المحقق (هل تعرف أن للشركة صندوق خطابات، وهل اطلعت على تعليمات تفيد ذلك). (الجواب) نعم أعرف أن لهذه الشركة صندوق خطابات خاص بها من واقع التعليمات التي تأخذ بها علم، ولذلك فقد أشرت بذلك على مظروف الخطاب بعد تأشيرتي بأن الشقة مغلقة. ثم سلمت الخطاب إلى الفراز المختص بالقلم وهو السيد أنور هلال حتى يراعي توجيه الخطاب إلى الشباك رقم واحد). وبسؤال السيد/ أنور هلال الفراز بقلم التوزيع أجاب بما يفيد أن الموزع أشر على الظرف بأن الشقة مغلقة ثم أضاف الموزع بخطه على الظرف أيضاً بأن للشركة صندوق خطابات رقم 937 وأكد السيد/ هلال بأن مكتب البريد يعرف أن للشركة المذكورة صندوق خطابات خاص بها. وقال أنه عرض الخطاب المذكور بعد ذلك على السيد الملاحظ وهو الذي أحاله إلى الشباك الخامس بعد التأشير عليه بكلمة (نظر) وبسؤال السيد الملاحظ (أحمد عادل عصمت) أفاد بأنه لاحظ أنه مكتوب على ظرف الخطاب المذكور أن للشركة صندوق خطابات رقم 937 ولكنه لاحظ أن هذا الرقم مشطوب عليه. فظن أن هذا الخطاب سبق تحويله إلى الشباك رقم (واحد) المتعلق بالخطابات التي لها صناديق بريد خاصة بمكتب البريد ثم تبين للموظف الخاص بهذا الشباك أن الخطاب المذكور ليس من اختصاصه فشطب على الرقم 937 - وبسؤال السيد/ إبراهيم متولي مرسي الموظف المختص بالشباك رقم (واحد) المتعلق بالصناديق الخصوصية ومن بينها الصندوق رقم 937 أفاد هذا الموظف بأن الخطاب موضوع التحقيق لم يعرض عليه أصالة وأضاف قائلاً (علماً بأن هذه الشركة معروفة لدينا جيداً وخطاباتها كثيرة وتسلم إليها يومياً. فلو أن هذا الخطاب عرض علي لكنت قمت بالإجراءات اللازمة من حيث قيده بدفتر الشباك رقم (واحد) ولقمت بإعلانه وتسليمه للشركة على غرار باقي مراسلاتها. ولكن من المؤكد أن هذا الخطاب الوارد من ألمانيا لم يعرض علي إطلاقاً). وبسؤال هذا الموظف عن شطب الرقم (937) الذي كان مكتوباً على الظرف قال: أنا لم أشطب هذا الرقم لأن هذا الخطاب لم يعرض علي أبداً ولا أملك شطب رقم صندوق صحيح وموجه توجيهاً صحيحاً. أما عن أقوال المدعي ودفاعه في التحقيق فإنه ينحصر في أنه لم يخطئ وأن الخطاب أحيل إليه من الملاحظ مؤشراً عليه بكلمة (نظر) فقام بحفظ الخطاب في الشباك رقم (5) المسئول هو عنه وما كان عليه أن يراجع ما سبق من إجراءات، فاحتفظ بالخطاب في الشباك الخامس لمدة شهر وقام برده ثانية إلى ألمانيا بعنوان الراسل.
ومن حيث إن المادة 274 من التعليمات العمومية عن الأشغال البريدية في الجزء الأول المتعلق بالمراسلات تنص على أن "المراسلات المستعجلة التي لم يتسن توزيعها في أول دورة تفقد صفة الاستعجال وتوزع بالطريق العادي. وكذلك تعامل المراسلات المستعجلة المعنونة لجهات خارجة عن دائرة التوزيع". والمادة 223 منها تنص على أن "المراسلات التي يجب أن توزع في الصناديق المخصوصة هي المراسلات الواردة برسم الأشخاص الذين يكونون قد اشتركوا فيها لدى مكتب البريد.. وكذا المراسلات التي تكون محررة عليها نمر هذه الصناديق". والمادة (234) من التعليمات صريحة في عبارتها (عندما ترد مراسلة معنونة بمحل إقامة المرسلة إليه، وعليها مع ذلك نمرة الصندوق المخصوص المشترك فيه، فيجب وضعها في الصندوق المخصوص). وتفيد المادة 236 أن الأصل في المراسلات أن تكون حسب الصناديق المحررة عليها أما إذا وردت مراسلات برسم أحد المشتركين في الصناديق المخصوصة، ولم يكن عليها عنوان، ولا رقم الصندوق فتوزع في الصندوق الخاص بالمشترك إذا كان المستخدمون يذكرون نمرة الصندوق، وإلا فيؤجل توزيعها إذا كان الوقت ضيقاً إلى الدورة التالية لتوزيعها بالصندوق الخاص بالمشترك). ومفاد هذه النصوص أن الخطاب الذي يحمل مظروفه رقم صندوق الخطابات الخاص به لا بد وأن يودع في الصندوق المخصوص، ومعنى ذلك أن يحول مباشرة إلى الشباك رقم (واحد) وبمفهوم هذه المخالفة لا يجوز تحويله وحفظه بالشباك الخامس. ولا محل بعد ذلك، ومع وضوح عبارات هذه النصوص، لأن يتمسك المطعون عليه بأحكام المادتين (275، 276) من التعليمات المذكورة، والتي تقضي بأن (المراسلات المستعجلة التي ترد معنونة بمحل الإقامة ويكون عليها مع ذلك نمرة الصندوق المخصوص أو عبارة - يحفظ بشباك البريد - توزع بمحلات الإقامة) وأن المراسلات المستعجلة التي ترد غير مستكملة العنوان توزع إلى المرسلة إليهم بمحلات إقامتهم إذا كانت معروفة حتى ولو كانوا من المشتركين في الصناديق المخصوصة أو ممن يستلمون مراسلاتهم من الشبابيك..) لا محل لذلك لأن هاتين المادتين متعلقتان بالمراسلات المستعجلة وحدها. أما الخطاب الوارد من ألمانيا موضوع هذا التحقيق، فإنه ولئن كان في الأصل قد ورد متصفاً بصفة الاستعجال إلا أنه ما لبث أن فقد هذه الصفة وزال عنه هذا التكييف بعد أن ثبت أنه لم يتسن توزيعه في أول دورة بواسطة موزع البريد (عزيز بسطوروس عطا الله) الذي سجل على الخطاب أن الشقة مغلقة (محل إقامة مكتبها) وأضاف أن للشركة صندوق بريد خاص رقم 937 وأعاد الموزع هذا الخطاب إلى مكتب البريد، ومن ثم فقد زايلته صفة الاستعجال وأصبح خطاباً (يوزع بالطريق العادي) وبذلك يخرج عن نطاق تطبيق المادتين (275، 276) من التعليمات بمقتضى حكم المادة (274) من التعليمات. وصار هذا الخطاب من المراسلات التي يجرى توزيعها بالطريق العادي وفقاً لأحكام المواد 233، 234، 236 فكان يتعين وضعه في الصندوق المخصوص رقم (937) حسبما هو ثابت على المظروف.
ومن حيث إنه لا محل كذلك لما يدفع به المطعون عليه المسئولية الإدارية عن نفسه فيقول أنه، وهو المنوط به أعمال الشباك الخامس، لا يملك مخالفة تأشيرات ملاحظ قسم الموزعين ووكيل الوردية (بالنظر) أي بالحفظ في الشباك رقم (5) فهذا دفاع مردود، لا يستقيم وصريح بنود جدول تقسيم الأعمال الذي يحدد ويوضح اختصاصات كل موظف بقلم التوزيع. فقد جاء بالفقرة التالية من اختصاصات الشباك الخامس أي شباك حفظ المراسلات المقيدة بقسم التوزيع جاء بها: (استلام المراسلات المسجلة من قسم التسجيل الوارد بموجب إيصال مؤقت عن المراسلات المسجلة المعنونة - شباك البريد - سوء أكانت معنونة باللغة العربية أو الإفرنجية برسم مصريين أو أجانب - ثم استلام جميع المراسلات. المرتدة من قسم السعادة بالتسجيل الوارد بعد التأكد من صحة التأشيرات المبينة عليها) ثم جاء في فقرة أخرى من اختصاصات الشباك الخامس في جدول تقسيم الأعمال: (وعمل المجهود اللازم من مداومة البحث عن المراسلات الخالية من العنوان أو الغير معروف عنوان أصحابها لتوزيع ما يمكن توزيعه منها، وذلك بالاشتراك مع حضرة رئيس الوردية بالتسجيل الوارد). فالمطعون عليه مكلف، بمقتضى لائحة تقسيم العمل الداخلي وتوزيع الاختصاصات، بمراجعة صحة التأشيرات المبينة على المراسلات، ومن الواجب عليه تلافي ما قد يكون بها من أخطاء. ولو كان المطعون عليه قد اتبع هذه التعليمات والتزام حدود أحكامها وبذل من العناية والدقة قدراً يسيراً لما فاته أن الخطاب وقد انقلب تكييفه من مستعجل له طرق توزيع معينة، إلى عادي تجرى عليه أحكام التعليمات المتعلقة بطرق التوزيع العادي والخطاب في ذات الوقت يحمل تأشيرة الموزع الأول بأن الشقة (محل إقامة المكتب) مغلقة ولكن للشركة صندوق بريد معروف رقم 937 فكان يتعين عليه لزاماً أن يرجع إلى من أشاروا قبله بالتوجيه الخاطئ المخالف للوائح والتعليمات، ولاستطاع أن يدرك أنه لا يجوز الاحتفاظ بمثل هذه المراسلة في إدراج الشباك الخامس لأن هذه المراسلة ليست من نصيب هذا الشباك في التوزيع اللائحي السليم. وتأسيساً على ذلك يكون المطعون عليه قد أهمل في أداء واجبات وظيفته ويكون القرار الوزاري بتوقيع الجزاء الإداري عليه قد قام على سببه.
ويتعين البقاء عليه، لأنه سليم وصحيح، وإذ ذهب الحكم المطعون فيه مذهباً مخالفاً فإنه يكون قد أخطأ تطبيق القانون وتأويله ويكون الطعن فيه قد قام على سند سليم من القانون.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى وألزمت المدعي بالمصروفات.