الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 15 نوفمبر 2023

الطعن 1990 لسنة 3 ق جلسة 4 / 3 / 1935 مج عمر ج 3 ق 341 ص 436

جلسة 4 مارس سنة 1935

برياسة سعادة عبد الرحمن سيد أحمد باشا, وبحضور حضرات مصطفى محمد بك, وزكي برزي بك, وأحمد أمين بك, وعبد الفتاح السيد بك.

-------------------

(341)

الطعن 1990 لسنة 3 ق

(1) حكم .

اعتبار المعارضة كأن لم تكن. استئنافه والطعن فيه بطريق النقض. يشمل أيهما الحكم الغيابي الأول.

(2) مشتبه فيه.

إنذار الاشتباه. عدم قابليته للسقوط. 

(المادة التاسعة من القانون رقم 24 لسنة 1923)

------------------

1 - إن استئناف حكم اعتبار المعارضة كأن لم تكن والطعن فيه بطريق النقض يشمل كل منهما الحكم الغيابي الأول.

2 - إن المادة التاسعة من قانون المتشردين والأشخاص المشتبه فيهم لم تحدد مدة معينة لسقوط إنذار الاشتباه، بل جاء نصها عاماً دالاً بنفسه على عدم قابلية هذا الإنذار للسقوط بمضي المدة.

-------------

الوقائع

اتهمت النيابة العمومية...... بأنه في يوم 11 ديسمبر سنة 1932 بدائرة مصر الجديدة عاد لحالة الاشتباه بأن حكم عليه في جريمة سرقة مع سابقة الحكم عليه في اشتباه بتاريخ 12 نوفمبر سنة 1928. وطلبت من محكمة جنح الوايلي الجزئية عقابه بالمواد 2 و9 و11 من القانون رقم 24 لسنة 1923. سمعت المحكمة هذه الدعوى ثم حكمت غيابيا في 28 فبراير سنة 1933 عملا بالمواد المذكورة بوضع المتهم تحت مراقبة البوليس لمدة سنة واحدة وأمرت بالنفاذ من تاريخ التنفيذ عليه فعلا. فعارض في الحكم وقضي بتاريخ 14 مارس سنة 1933 باعتبار المعارضة كأن لم تكن. فاستأنف هذا الحكم في 18 مارس سنة 1933، ومحكمة مصر الابتدائية الأهلية نظرت القضية بهيئة استئنافية وقضت غيابيا في 6 مايو سنة 1933 بقبول الاستئناف شكلا وفي الموضوع ببراءة المتهم عملا بالمادة 172 من قانون تحقيق الجنايات. فطعن حضرة رئيس نيابة مصر في هذا الحكم بطريق النقض في 23 مايو سنة 1933 وقدم حضرته تقريرا بالأسباب في التاريخ المذكور.

-----------------

المحكمة
بعد سماع المرافعة الشفوية والاطلاع على الأوراق والمداولة قانوناً.
من حيث إن الطعن حاز شكله القانوني.
ومن حيث إن محصل الوجه الأول من وجهي الطعن أن الحكم المطعون فيه إذ قضى بإلغاء الحكم الغيابي الابتدائي قد أخطأ في تطبيق القانون لأن المتهم لم يستأنف ذلك الحكم الغيابي بل كان استئنافه قاصراً على حكم اعتبار المعارضة كأن لم تكن, ولا يمكن القول بأن استئناف هذا الحكم الأخير ينسحب إلى الحكم الغيابي الأول.
ومن حيث إن مسألة انسحاب الطعن في حكم اعتبار المعارضة كأن لم تكن بطريق الاستئناف أو بطريق النقض إلى الحكم الغيابي الأول مسألة قام عليها الخلاف قديماً. فقال فريق من الشراح إن حكم اعتبار المعارضة كأن لم تكن مستقل عن الحكم الغيابي ومختلف معه تمام الاختلاف, إذ الحكم الأول شكلي نتيجته زوال المعارضة وأثرها بدون أي بحث في الموضوع, وإذ الثاني "أي الحكم الغيابي" موضوعي نتيجته ثبوت التهمة على المتهم واستحقاقه لما حكم به عليه, فلا يمكن أن يندمج أحدهما في الآخر, وقال الفريق الثاني إن حكم اعتبار المعارضة كأن لم تكن غير منفصل في الواقع عن الحكم الغيابي إذ هو يضيف إليه معنى جديداً هو صيرورته قابلاً للتنفيذ, وإن أثر الحكم باعتبار المعارضة كأن لم تكن هو نفس الأثر الذي يترتب على الحكم برفض المعارضة موضوعاً. لذلك كانت جميع الأحكام الغيابية والأحكام الصادرة في المعارضة فيها سواء أحضر المعارض ليقدم أدلة براءته أو لم يحضر كلها متداخلة ومندمجة بعضها في البعض الآخر مما يترتب عليه أن استئناف حكم اعتبار المعارضة كأن لم تكن يطرح أمام محكمة الاستئناف كل الموضوع كما يطرح الطعن بطريق النقض في حكم اعتبار المعارضة كأن لم تكن الحكم الغيابي الصادر في الموضوع. وعلى هذا المبدأ سار كل من القضائين الفرنسي والبلجيكي باطراد واستمرار, كما سارت عليه محكمة النقض المصرية إلى عهد قريب, ولكنها رأت أخيراً العدول عن هذا الرأي والأخذ بالرأي القائل بعدم الإدماج, وقضت فعلاً بأن الطعن في حكم اعتبار المعارضة كأن لم تكن وحده لا يشمل الطعن في الحكم الغيابي الأول. فاعترض على هذا القضاء الأخير في حالة الطعن بالاستئناف بأن قصر مدى الطعن في حكم اعتبار المعارضة كأن لم تكن على هذا الحكم وحده وعدم شموله بطريق اللزوم للطعن في الحكم الغيابي ربما فوت على المستأنف مواعيد الطعن في الحكم الغيابي المذكور لأن ميعاد استئناف الحكم الغيابي يجوز أن يكون قد مضى قبل الحكم في المعارضة باعتبارها كأن لم تكن, فرفض هذا الاعتراض بالقول إن الواقع أن ميعاد استئناف الحكم الغيابي لا يبدأ إلا من اليوم الذي لا تكون فيه المعارضة مقبولة عملاً بالمادة 177 من قانون تحقيق الجنايات, فهو إذن يتحد في مبدئه ونهايته مع ميعاد استئناف حكم اعتبار المعارضة كأن لم تكن لأن تاريخ هذا الحكم هو تاريخ تصبح فيه المعارضة غير مقبولة, وإذن فما على المستأنف إن كان يريد الاحتياط لنفسه سوى أن يذكر في تقرير الاستئناف أنه يستأنف الحكم الغيابي الصادر في الموضوع أو أنه يستأنف الحكمين الغيابي والصادر باعتبار المعارضة كان لم تكن معاً. ذلك كان الرد على الاعتراض السابق ولكن هذا الرد لا يستند إلى تفسير صحيح للمادة 177 من قانون تحقيق الجنايات سالفة الذكر إذ المفهوم من قول هذه المادة "من اليوم الذي لا تكون فيه المعارضة مقبولة" إن المحكوم عليه لم يعارض أصلاً وأنه فوت على نفسه ميعاد المعارضة فأصبحت معارضته بعد هذا الميعاد غير مقبولة, فمن هذا الوقت أي من اليوم الرابع لإعلان الحكم الغيابي يبدأ ميعاد الاستئناف. أما إذا حصلت المعارضة فعلاً وفصل فيها فلا يمكن أن يقال بأن هذا الفصل هو الذي جعل المعارضة غير مقبولة حالة أنها رفعت في الواقع وكانت محل نظر المحكمة. ومما هو جدير بالذكر في هذه المناسبة أنه لا يمكن في هذه الحالة الأخيرة أن يستأنف المحكوم عليه الحكم الغيابي إلا إذا تنازل صراحة عن المعارضة وكان استئنافه حاصلاً في الميعاد أي في بحر الثلاثة عشر يوماً التالية لإعلان الحكم الغيابي, فإذا سار في المعارضة ولم يرفع الاستئناف إلا بعد مضي الثلاثة عشر يوماً المذكورة كان استئنافه لا محالة غير مقبول لحصوله بعد الميعاد. ويظهر من ذلك أن الاعتراض بأن القول بعدم إدماج الحكم الغيابي في حكم اعتبار المعارضة كأن لم تكن قد فوت على المستأنف ميعاد استئنافه اعتراض صحيح قائم إذ أنه يقتضي حرمان المتهم الذي لم يحضر في المعارضة أمام محكمة أول درجة من رفع موضوع اتهامه إلى محكمة الاستئناف التي يقتصر بحثها تبعاً لهذا الرأي على الأسباب المباشرة لحكم اعتبار المعارضة كأن لم تكن أي على أسباب عدم حضور المعارض فقط أمام محكمة المعارضة. أما الحكم الغيابي الأول الصادر في الموضوع فلا يمكن رفعه لمحكمة الاستئناف لأن ميعاد الاستئناف يكون في أغلب الأحوال قد انقضى قبل الحكم باعتبار المعارضة كأن لم تكن, وهي نتيجة غير مقبولة ولم يقصدها المشرع بأية حال.
ومن حيث إنه لا محل من جهة أخرى للقول بأن المحكوم عليه يستطيع أن يتفادى الحرج السابق بيانه بأن يقرن معارضته باستئناف احتياطي للحم الغيابي المعارض فيه إذ القانون الجنائي لا يعرف مثل هذا الطعن الاحتياطي ولا يبيح الجمع بين طريقي الطعن بالمعارضة وبالاستئناف في آن واحد.
ومن حيث إنه إزاء هذا الحرج الذي يستتبعه العمل بمبدأ عدم الإدماج وإزاء جواز تعرض بعض المتهمين للحكم عليهم بدون محاكمة إذا أخذ بظاهر طعنهم بطريق الاستئناف أو النقض في حكم اعتبار المعارضة كأن لم تكن دون الرجوع إلى حقيقة غرضهم من الطعن, وقد يكون هذا الغرض صريحاً لا شك فيه في حالة الطعن بطريق النقض في حكم اعتبار المعارضة كأن لم تكن عند قصر أسباب الطعن على الحكم الغيابي, وإزاء الأسباب الوجيهة التي يستند إليها أصحاب الرأي الثاني القائل بالإدماج والتي سبق بيانها - إزاء كل تلك الاعتبارات المؤسسة على القانون وعلى العدالة لا يسع هذه المحكمة إلا الرجوع في قضائها الأخير إلى قضائها الأول والتقرير بأن استئناف حكم اعتبار المعارضة كأن لم تكن والطعن فيه بطريق النقض يشمل كل منهما الحكم الغيابي. ولذلك يكون الحكم المطعون فيه إذ جعل استئناف المحكوم عليه لحكم اعتبار المعارضة كأن لم تكن شاملاً للحكم الغيابي الأول أصاب الحقيقة ويكون وجه الطعن في ذلك متعين الرفض.
ومن حيث إن محصل الوجه الثاني أن الحكم المطعون فيه استند في براءة المتهم إلى أن إنذار الاشتباه قد سقط بمضي المدة إذ مضى أكثر من ثلاث سنوات على آخر حكم صدر على المتهم قبل ارتكابه الجريمة الأخيرة مع أن إنذار الاشتباه مستديم الأثر, لا يسقط بأي مدة كانت, ولذلك تكون المحكمة الاستئنافية قد أخطأت في تطبيق القانون.
ومن حيث إن المادة التاسعة من قانون المتشردين والأشخاص المشتبه فيهم لم تحدد مدة معينة لسقوط إنذار الاشتباه, بل جاء نصها عاماً دالاً بنفسه على عدم قابلية هذا الإنذار للسقوط بمضي المدة, وقد استقر قضاء هذه المحكمة (محكمة النقض) على ذلك. ومن ثم يكون الحكم المطعون فيه إذ قضى بسقوط إنذار الاشتباه المعطى للمتهم بمضي أكثر من ثلاث سنين قد أخطأ في تطبيق القانون فيتعين نقضه.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه صدر غيابياً ولأسباب قانونية بدون التعرض للموضوع فيتعين إحالة القضية إلى محكمة مصر الأهلية للحكم فيها مجدداً من دائرة أخرى.

الطعن 3938 لسنة 85 ق جلسة 18 / 8 / 2020

باسم الشعب
محكمة النقض
الدائرة المدنية
دائرة الثلاثاء (ه)
برئاسة السيد المستشار / معتز احمد محمد " نائب رئيس المحكمة " وعضوية السادة المستشارين/ محمد بدر عزت نائب رئيس المحكمة هشام عز الدين ، محمد فاروق وإيهاب طنطاوى
وبحضور رئيس النيابة السيد / أحمد عبدالرازق.
وأمين السر السيد / إسلام محمد.
بالجلسة العلنية المنعقدة بمقر المحكمة بدار القضاء العالي بمدينة القاهرة.
فى يوم الثلاثاء ٢٨ من ذو الحجة سنة ١٤٤١هـ الموافق ١٨ من أغسطس سنة ٢٠٢٠ م.
أصدرت الحكم الآتى:
فى الطعن المقيد فى جدول المحكمة برقم ٣٩٣٨ لسنة ٨٥ ق.

--------------

المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر / محمد بدر عزت نائب رئيس المحكمة، والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع تتحصل على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق – في أن المطعون ضدها الأولى أقامت على الطاعنة والمطعون ضده الثانى الدعوى رقم ….. لسنة ٢٠١٢ محكمة المحلة الابتدائية بطلب الحكم بإلزامهما بقيمة الريع المستحق عن استغلال الشقة المبينة بالصحيفة بواقع ٤٠٠ جنيه شهرياً من تاريخ استلام الطاعنة لها في المحضر رقم ….. لسنة ٢٠٠٢ إدارى مركز المحلة، وإلزام الأخيرة بتحرير عقد إيجار للشقة بقيمة إيجارية مقدارها ٤٠٠ جنيه من تاريخ رفع الدعوى وحتى نهاية تاريخ حضانة الصغيرين على سند من أنها بموجب عقد بيع مؤرخ ٥/٤/٢٠٠٢ اشترت من المطعون ضده الثانى تلك الشقة وقامت بتأجيرها لأحد أقاربها عقب استلامها، إلا أنها فوجئت بتاريخ ١٧/٣/٢٠٠٣ بصدور قرار تمكين للطاعنة بمشاركة الزوج- المطعون ضده الثانى- وتم تنفيذ القرار وانتقلت الحيازة لهما، فأقامت دعوى طرد للغصب قضى فيها بالرفض، ثم دعوى عدم اعتداد بقرار التمكين قضى فيها بعدم القبول، وإذ عادت الطاعنة إلى زوجها مما يترتب عليه زوال آثار قرار التمكين فأقامت الدعوى. حكمت المحكمة بعدم قبول الدعوى بحكم استأنفته المطعون ضدها الأولى برقم …. لسنة ٨ ق طنطا مأمورية المحلة الكبرى وفيه قضت المحكمة بإلغاء الحكم المستأنف وبإلزام الطاعنة والمطعون ضده الثانى متضامنين بسداد مبلغ مقداره ٤٠٠ جنية شهرياً مقابل الانتفاع بشقة التداعى اعتبارا من ١٧/٨/٢٠٠٣ . طعنت الطاعنة في هذا الحكم بطريق النقض وأودعت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي بنقض الحكم المطعون فيه، وإذ عرض الطعن على هذه المحكمة في غرفة مشورة فحددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على ثلاثة أسباب تنعى الطاعنة بالسبب الثانى منها على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والقصور في التسبيب، إذ تمسكت أمام محكمة الموضوع بدرجتيها بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها بالحكم الصادر في الدعوى رقم ….. لسنة ٢٠٠٦ محكمة المحلة الابتدائية واستئنافها رقم ١٨٤٢ لسنة ١ ق طنطا مأمورية المحلة الكبرى وهى دعوى طرد للغصب ومقابل الانتفاع بالشقة وقضى فيها بالرفض إلا أن الحكم المطعون فيه التفت عن دفعها مما يعيبه ويستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعى مردود، ذلك أن المقرر في قضاء هذه المحكمة- أن مناط حجية الحكم الصادر في إحدى الدعاوى في دعوى تالية سواء كان الحكم السابق صادراً في ذات الموضوع أو في مسألة كلية شاملة أو في مسألة أساسية واحدة في الدعويين أن يكون الحكم السابق صادراً بين الخصوم أنفسهم في الدعوى التالية مع اتحاد الموضوع والسبب في الدعويين فلا تقوم الحجية متى كان الخصمان في الدعوى الأولى قد تغير أحدهما أو كلاهما في الدعوى التالية. لما كان ذلك وكان البين من الأوراق أن المطعون ضده الثانى لم يكن خصماً في الدعوى الأولى المدفوع بسابقة الفصل بها وقضى برفض دعوى المطعون ضدها الأولى بشأن طرد الطاعنة للغصب تأسيساً على أن إقامتها بها كانت بناء على سند قانونى وهو قرار النيابة العامة بتمكينها من الشقة باعتبارها حاضنة وكانت المطعون ضدها الأولى أقامت الدعوى الحالية بطلب إلزام الطاعنة بقيمة الريع المستحق عن استغلال الشقة محل التداعى من تاريخ استلام الطاعنة لها – طبقا لقرار النيابة العامة – وإلزام الأخيرة بتحرير عقد إيجار للشقة من تاريخ رفع الدعوى وحتى انتهاء حضانة الصغيرين ومن ثم فإن الدعوى الأولى تختلف عن الدعوى الثانية خصوماً وموضوعاً وسبباً وبالتالي فان الحكم الصادر في الدعوى الأولى لا يحوز حجية في النزاع المتعلق بالدعوى الحالية ولا يعيب الحكم المطعون فيه التفاته عن دفع الطاعنة الوارد بسبب النعى لأنه لا يستند على أساس قانونى سليم ويضحى النعى عليه بهذا السبب على غير أساس.
وحيث إن مما تنعاه الطاعنة على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب إذ تمسكت في دفاعها بأن المطعون ضده الثانى طردها من شقة النزاع منزل الزوجية على إثر خلافات بينهما فتقدمت بشكوى في ٢٧/١/٢٠٠٢ قيدت برقم ….. لسنة ٢٠٠٢ إدارى المحلة صدر بناء عليها قرار بتمكينها منها باعتبارها حاضنة لولدى المطعون ضده الثانى الذى قام بتطليقها وإنها لم تعلم ببيع تلك الشقة إلا من خلال رفع المطعون ضدها الدعوى رقم ….. لسنة ٢٠٠٦ محكمة المحلة وأن واقعة البيع هي حيلة لاسترداد مسكن الزوجية منها إلا أن الحكم المطعون فيه التفت عن دفاعها وإلزامها بمقابل الانتفاع بالتضامن مع المطعون ضده الثانى في حين أنها غير ملزمة بهذا المبلغ باعتبارها حاضنة لولديه وأيهما مطلقها هو الملزم بهذا المبلغ مما يعيب الحكم المطعون فيه ويستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعى في محله، ذلك بأنه لما كان النص فى المادة 18 مكرراً ثالثاً من القانون رقم 25 لسنة 1929 المعدل بالقانون رقم 100 لسنة 1985 على أنه " على الزوج المطلق أن يهيئ لصغاره من مطلقته ولحاضنتهم المسكن المستقل المناسب ، فإذا لم يفعل خلال فترة العدة ، استمروا فى شغل مسكن الزوجية دون المطلق مدة الحضانة . وإذا كان مسكن الزوجية غير مؤجر ، كان من حق الزوج المطلق أن يستقل به إذا هيأ لهم المسكن المستقل المناسب بعد انقضاء العدة . ويخير القاضى الحاضنة بين الاستقلال بمسكن الزوجية ، وبين أن يقرر لها أجر مسكن مناسب للمحضونين ولها .... " يدل على أنه لما كانت نفقة الصغار بأنواعها وبالقدر اللازم منها لضمان كفايتهم على ضوء ما يليق بأمثالهم مسئولية الأب لا يشاركه فيها غيره ولا تسقط عنه ولو كان معسراً مادام قادراً على الكسب وإن امتنع عن أدائها حبس بخلاف سائر الديون ، وكان هذا الالتزام على عاتق الأب من الأصول الثابتة شرعاً التى لا تحتمل الجدال أو التأويل باعتبار أن فى إنفاقه على صغاره إحياءً لهم وفى إحيائهم إحياء لنفسه لتحقق الجزئية والعصبية ، وكان توفير مسكن ملائم للصغار حقاً لهم على أبيهم لأنه جزء من نفقتهم ، لذلك حرص المشرع على تأكيد وتنظيم هذا الحق بوصفه من الحاجات الضرورية التى لا غنى عنها اللازمة لصيانة وحفظ الصغار وذلك بالنص فى المادة 18 مكرراً ثالثاً سالفة البيان على الضوابط التى تكفل لهم استيفاء ذلك الحق فأنشأ بهذا النص التزاماً تخييرياً وجعل الخيرة للزوج المطلق بين محلين أحدهما أن يهيئ لصغاره من مطلقته وحاضنتهم المسكن المستقل المناسب والثانى استمرارهم فى شغل مسكن الزوجية دونه مدة الحضانة ، فاذا أسقط الزوج المطلق خياره بعدم إعداد المسكن المناسب المستقل لصغاره وحاضنتهم انقلب ذلك الالتزام التخييرى إلى التزام بسيط غير موصوف له محل واحد هو استقلال المطلقة الحاضنة مع صغارها بمسكن الزوجية مدة الحضانة متى طلبت ذلك ، ولا يثبت لهم هذا الحق من تاريخ إسقاط الزوج المطلق لخياره بل من تاريخ الطلاق ، ذلك أن ما يترتب على هذا الإسقاط من قصر محل الالتزام علي الاستمرار فى مسكن الزوجية يكون له أثر رجعى بحيث يعتبر الالتزام بسيطاً منذ نشوئه له محل واحد هو مسكن الزوجية لأن حق الخيار يعد بمثابة شرط واقف متى تحقق انصرف أثره إلى الماضى ، وذلك الحق للصغار وحاضنتهم فى الاستمرار فى شغل مسكن الزوجية مصدره المباشر نص القانون فى المادة 18 مكرراً ثالثاً سالفة البيان وهو من النصوص الآمرة المتعلقة بالنظام العام باعتبار أن الأحكام التى تنظم الأحوال الشخصية فى مجموعها تتعلق بالنظام العام ، لما للشخص ولأسرته من اتصال وثيق بكيان الجماعة ويهدف المشرع من تنظيم أحكامها تحقيق المصلحة العامة ومن أخص هذه الأحكام تلك التى تتعلق بالحقوق والواجبات التى تنشأ من الأبوة ومنها النفقة بمختلف أنواعها لأنها تستند إلى نصوص قاطعة فى الشريعة الإسلامية فلا يجوز الاتفاق على مخالفتها أو التحايل عليها ، ومن ثم لا يجوز للزوج المطلق التحايل على أحكام القانون بهدف اسقاط حق الصغار وحاضنتهم فى شغل مسكن الزوجية مدة الحضانة بعد ثبوته لهم عن طريق التصرف بأى صورة للغير فى هذا المسكن بغية التوصل إلى طردهم منه دون أن يوفر لهم المسكن المستقل المناسب ، فإن هذا التصرف لا يسرى ولا ينفذ فى حق الصغار وحاضنتهم متى كان لاحقاً على ثبوت حقهم فى شغل مسكن الزوجية ، وكان المتصرف إليه يعلم وقت إبرام التصرف بهذا الحق لأنه يعد بمثابة اتفاق على مخالفة أحكام القانون الآمرة المتعلقة بالنظام العام ، ويجوز إثبات ذلك التحايل بكافة طرق الإثبات بما فيها البينة والقرائن. لما كان ذلك، وكانت الطاعنة تمسكت بدفاعها الوارد بسبب النعى أمام محكمة الموضوع إلا أن الحكم المطعون فيه التفت عن هذا الدفاع ولم يعن بتحقيقة رغم جوهريته والذى من شأنه – لو صح – أن يتغير به وجه الرأي في الدعوى كما الزمها بالتضامن مع المطعون ضده الثانى بمقابل الانتفاع المقضى به رغم أن الملتزم بسداد ذلك الريع هو المطعون ضده الثانى فقط لأنه هو المسئول عن تدبير المسكن أو أجر المسكن باعتباره ولى أمر الصغيرين ودون أن يورد بأسبابه الأساس الذى استند عليه في ترتيب تلك المسئولية التضامنية فإنه يكون قد ران عليه القصور المبطل الذى جره إلى مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه مما يعيبه ويستوجب نقضه دون حاجه لبحث باقى أسباب الطعن.
لذلك
نقضت المحكمة الحكم المطعون فيه، وأحالت القضية إلى محكمة استئناف طنطا مأمورية المحلة الكبرى وألزمت المطعون ضدها الأولى المصاريف ومبلغ مائتى جنيه مقابل أتعاب المحاماه.


الثلاثاء، 14 نوفمبر 2023

الطعن 1 لسنة 19 ق جلسة 3 / 10 / 1998 دستورية عليا مكتب فني 9 منازعة تنفيذ ق 2 ص 1124

جلسة 3 أكتوبر سنة 1998

برئاسة السيد المستشار/ محمد ولي الدين جلال - رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: فاروق عبد الرحيم غنيم وحمدي محمد علي وعبد الرحمن نصير وسامي فرج يوسف والدكتور عبد المجيد فياض ومحمد علي سيف الدين، وحضور السيد المستشار/ عبد الوهاب عبد الرازق - رئيس هيئة المفوضين، وحضور السيد/ حمدي أنور صابر - أمين السر.

-----------------

قاعدة رقم (2)
القضية رقم 1 لسنة 19 قضائية "منازعة تنفيذ"

1 - دعوى "تكييفها".
المحكمة - بما لها من هيمنة على الدعوى - هي التي تعطيها وصفها الحق وتكييفها القانوني الصحيح.
2 - منازعة التنفيذ "تدخل المحكمة الدستورية العليا".
تدخل المحكمة الدستورية العليا لإزاحة عوائق التنفيذ التي تعترض أحكامها يفترض أن تكون هذه العوائق حائلاً دون تنفيذ أحكامها تنفيذاً صحيحاً مكتملاً أو مقيدة لنطاقها.
3 - المحكمة الدستورية العليا "حكم: حجيته - عقبة تنفيذ".
الدعائم التي قام عليها الحكم الصادر في الدعوى الدستورية رقم 48 لسنة 17 ق بعدم قبولها لها حجيتها المطلقة باعتبارها فصلاً في مسألة دستورية - انهدام الجزاء الجنائي وفقاً لها الذي فرضه نص المادة 77 من القانون رقم 49 لسنة 1977 من منظور دستوري منذ العمل بالقانون رقم 4 لسنة 1996 - الحكم الصادر من الهيئة العامة للمواد الجنائية بمحكمة النقض في الطعن رقم 11838 لسنة 60 ق على خلاف الحكم المشار إليه من شأنه إعادة إحياء هذه العقوبة - عدم الاعتداد بتلك العقبة التي تعطل تنفيذ حكم المحكمة الدستورية العليا المشار إليه.

-----------------
1 - المقرر قانوناً أن المحكمة - بما لها من هيمنة على الدعوى - هي التي تعطيها وصفها الحق وتكييفها القانوني الصحيح متقصية في سبيل ذلك طلبات الخصوم مستظهرة حقيقة مراميها وأبعادها، وكان ما يقصده المدعي في واقع الأمر إنما يتحصل في طلب الاستمرار في تنفيذ حكم المحكمة الدستورية العليا السالف الإشارة إليه والذي بني علي اعتبار القانون رقم 4 لسنة 1996 قانوناً أصلح للمتهم في الدعوى الموضوعية التي أثيرت الدعوى الدستورية بمناسبتها، وباعتبار أن حكم الهيئة العامة للمواد الجنائية بمحكمة النقض المشار إليه إنما يمثل عقبة قانونية تحول دون جريان تنفيذ مقتضى حكم المحكمة الدستورية العليا سالف الذكر بالنسبة للمدعي، ومن ثم فإن طلبات المدعي تندرج - بهذه المثابة - في عداد المنازعات التي عنتها المادة 50 من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 بنصها على اختصاص هذه المحكمة دون غيرها بالفصل في كافة المنازعات المتعلقة بتنفيذ الأحكام والقرارات الصادرة منها.
2 - قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن قوام "منازعة التنفيذ" أن يكون تنفيذ الحكم القضائي لم يتم وفقاً لطبيعته، وعلى ضوء الأصل فيه، بل اعترضته عوائق تحول قانوناً - بمضمونها أو أبعادها - دون اكتمال مداه ؛ وتعطل بالتالي ؛ أو تقيد اتصال حلقاته وتضاممها بما يعرقل جريان آثاره كاملة دون نقصان. ومن ثم، تكون عوائق التنفيذ القانونية هي ذاتها موضوع منازعة التنفيذ؛ تلك الخصومة التي تتوخى في غايتها النهائية إنهاء الآثار القانونية المصاحبة لتلك العوائق؛ أو الناشئة عنها؛ أو المترتبة عليها؛ ولا يكون ذلك إلا بإسقاط مسبباتها، وإعدام وجودها لضمان العودة بالتنفيذ إلي حالته السابقة علي نشوئها. وكلما كان التنفيذ متعلقاً بحكم صادر في دعوى دستورية؛ فإن حقيقة مضمونة، ونطاق القواعد القانونية التي احتواها؛ والآثار المتولدة عنها، هي التي تحدد جميعها شكل التنفيذ، وتبلور صورته الإجمالية؛ وتعين كذلك ما يكون لازماً لضمان فعاليته. بيد أن تدخل المحكمة الدستورية العليا لإزاحة عوائق التنفيذ التي تعترض أحكامها ؛ وتنال من جريان آثارها في مواجهة الكافة ودون تمييز؛ بلوغاً للغاية المبتغاة منها في تأمين الحقوق لأفراد؛ وصون حرياتهم؛ إنما يفترض أن تكون هذه العوائق - سواء بطبيعتها أو بالنظر إلي نتائجها - حائلة فعلاً دون تنفيذ أحكامها تنفيذاً صحيحاً مكتملاً أو مقيدة لنطاقها.
3 - يبين من الحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا بجلسة 22 فبراير 1997 في الدعوى الدستورية رقم 48 لسنة 17 قضائية أنه قد تناول تحديد "نطاق الدعوى الدستورية" فحصره في نص الفقرة الأولي من المادة السادسة من القانون رقم 136 لسنة 1981 بعد ربطها بالعقوبة على مخالفتها المقررة بنص المادة 77 من القانون رقم 49 لسنة 1977؛ ثم عمد إلى تحقيق شرط المصلحة الشخصية المباشرة في الدعوى؛ استمساكاً بما استقر عليه قضاء هذه المحكمة من أن عينية الدعوى الدستورية لا تعني اعتبار هذا الشرط منفكاً عنها؛ بل هو مناط قبولها، فلا يكفي أن يتوافر عند رفعها بل يتعين أن يظل قائماً إلى حين الفصل فيها، توكيداً لمبدأ حاصله أن "المصلحة الشخصية المباشرة هي شرط ابتداء واستمرار لقبول الدعوى الدستورية". واستظهاراً لهذا الشرط في إطار ذلك؛ وبمراعاة أن الدعوى الدستورية رقم 48 لسنة 17 قضائية - الصادر فيها الحكم المطلوب الاستمرار في تنفيذه - قد صادفها أثناء نظرها القانون رقم 4 لسنة 1996 فقد أقامت المحكمة منطوق قضائها "بعدم قبول الدعوى" على خمس دعامات رئيسية؛ لا قوام لهذا المنطوق دونها وتكون معه كلاً واحداً لا يقبل التجزئة؛ مداها الدستور؛ نصاً وروحاً؛ لحمتها "مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات"، وسداها "صون الحرية الشخصية"؛ وبنيتها تقدير "الضرورة الاجتماعية" التي أملتها "سياسة تشريعية" يتعين على المحكمة استنباط مقاصدها؛ ورصد غاياتها، متلائمة معها، ملتزمة بها؛ غير قاصرة على مفاهيم حرفية عفا عليها الزمن، بمنهجية تأخذ في اعتبارها دوماً أن الدستور وثيقة تقدمية نابضة بالحياة؛ فلا تصد عن التطور آفاقه الرحبة.
وإذ كانت المحكمة الدستورية العليا؛ قد شيدت حكمها بانتفاء مصلحة المدعي في الطعن بعدم دستورية نص الفقرة الأولى من المادة 6 من القانون رقم 136 لسنة 1981 وما يرتبط به من نص المادة 77 من القانون رقم 49 لسنة 1977، على انهدام الجزاء الجنائي الذي فرضه النص الأخير - من منظور دستوري - منذ العمل بالقانون رقم 4 لسنة 1996 - المشار إليه؛ فإن حكمها هذا يكون مرتبطاً بهذين النصين في الإطار الذي حددته لهما؛ بما مؤداه وجوب القضاء - في أية منازعة متعلقة بتنفيذ ذلك الحكم - بإهدار جميع أشكال العوائق التي يكون من شأنها إعادة إحياء العقوبة المقررة بنص المادة 77 من القانون رقم 49 لسنة 1977، وهي تلك العقوبة التي انتهى الحكم سالف الذكر إلى سقوطها في مجال تطبيق الفقرة الأولى من المادة السادسة من القانون رقم 136 لسنة 1981. وإذ عاد سيف الاتهام يتهدد المدعي بسبب صدور حكم الهيئة العامة للمواد الجنائية المشار إليه، وتوافرت للمدعي بذلك مصلحة شخصية ومباشرة في منازعة التنفيذ الراهنة؛ فإنه يكون متعيناً القضاء بالاستمرار في تنفيذ حكم المحكمة الدستورية العليا على الوجه المبين بأسبابه؛ وأخصها سقوط نص المادة 77 من القانون رقم 49 لسنة 1977 في مجال تطبيق نص الفقرة الأولى من المادة السادسة من القانون رقم 136 لسنة 1981؛ اعتباراً من تاريخ العمل بالقانون رقم 4 لسنة 1996؛ دون ما حاجة إلى التعرض لما تضمنه حكم الهيئة العامة للمواد الجنائية المشار إليه في تدويناته من تقريرات لا تطاول الحجية المطلقة لأحكام المحكمة الدستورية العليا في الدعاوى الدستورية سواء كان الحكم قد قضى بعدم دستورية النص الطعين أو برفض الدعوى أو بعدم قبولها فصلاً في مسألة دستورية؛ بما يلزم كل سلطة في الدولة - بما فيها الجهات القضائية على اختلافها - باحترام قضائها وتنفيذ مقتضاه على وجهه الصحيح امتثالاً للمادتين 72، 178 من الدستور، والفقرة الأولى من المادة 49 من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 وبما مؤداه عدم الاعتداد بأي عقبة تكون قد عطلت من هذا التنفيذ أو انحرفت بجوهره أو حدت من مداه.


الإجراءات

بتاريخ العشرين من أكتوبر سنة 1997، أودع المدعي صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة، طالباً للحكم:
أولاً: بفض النزاع القائم حول تنفيذ الحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا بتاريخ 22 فبراير سنة 1997 في القضية رقم 48 لسنة 17 قضائية دستورية؛ والحكم الصادر من الهيئة العامة للمواد الجنائية بمحكمة النقض بتاريخ 13 إبريل 1997 في الطعن رقم 11838 لسنة 60 قضائية، مع إلزام محكمة النقض بتنفيذ حكم المحكمة الدستورية العليا. وثانياً: بوقف تنفيذ حكم محكمة النقض سالف الذكر؛ فيما تضمنه من عدم اعتبار القانون رقم 4 لسنة 1996 بشأن سريان أحكام القانون المدني على الأماكن التي لم يسبق تأجيرها، هو القانون الأصلح للمتهم.
وبتاريخ العاشر من ديسمبر سنة 1997 قرر المستشار رئيس المحكمة رفض طلب وقف التنفيذ.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت في ختامها الحكم بعدم قبول الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع - على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - تتحصل في أن المدعي - وإبان نظر قضية الجنحة المستأنفة رقم 7204 لسنة 1993 الجيزة - التي كان متهماً فيها بتقاضي مقدم إيجار يزيد على أجرة سنتين - كان قد أقام الدعوى الدستورية رقم 48 لسنة 17 قضائية؛ التي تحدد نطاقها بالفقرة الأولى من المادة 6 من القانون رقم 136 لسنة 1981 في شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، بعد ربطها بالعقوبة المقررة على مخالفتها طبقاً للمادة 77 من القانون رقم 49 لسنة 1977 في شأن تأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر.
وبجلستها المعقودة في 22 فبراير سنة 1997 قضت هذه المحكمة "بعدم قبول الدعوى". وأقامت قضاءها على أن الواقعة محل الاتهام الجنائي إذ لم تعد معاقباً عليها - بصدور القانون رقم 4 لسنة 1996 المشار إليه - فقد تعين الحكم بانتفاء مصلحة المدعي بعد أن غض المشرع بصره عن بعض التدابير الاستثنائية للعلائق الإيجارية التي انبنى التجريم عليها وخرج من صلبها؛ وأن قضاءها باعتبار القانون رقم 4 لسنة 1996 أصلح للمتهم وقد انبنى على التطبيق المباشر للقواعد الدستورية التي تناولها الحكم، يسبغ عليه الحجية المطلقة المقررة قانوناً للأحكام الصادرة في الدعاوى الدستورية بما تعنيه من إلزام للناس كافة ولكل سلطة في الدولة بما في ذلك جهات القضاء على اختلافها، وقد نشر هذا الحكم في الجريدة الرسمية بتاريخ 6 مارس 1997. ثم أصدرت الهيئة العامة للمواد الجنائية بمحكمة النقض بتاريخ 13 إبريل 1997 حكماً في الطعن المقيد بجدولها برقم 11838 لسنة 60 قضائية؛ على خلاف حكم المحكمة الدستورية العليا السابق عليه؛ مستنداً إلى نظر حاصله أن القانون رقم 4 لسنة 1996 المشار إليه؛ لا ينعطف بأثره إلى الوقائع السابقة على صدوره، بما مؤداه عدم اعتبار هذا القانون قانوناً أصلح للمتهم مما حدا بالمدعي - وقد أعادت سلطة الاتهام تقديمه إلى المحاكمة - إلى إقامة الدعوى الماثلة.
وحيث إن المقرر قانوناً أن المحكمة - بما لها من هيمنة على الدعوى - هي التي تعطيها وصفها الحق وتكييفها القانوني الصحيح متقصية في سبيل ذلك طلبات الخصوم مستظهرة حقيقة مراميها وأبعادها، وكان ما يقصده المدعي في واقع الأمر إنما يتحصل في طلب الاستمرار في تنفيذ حكم المحكمة الدستورية العليا السالف الإشارة إليه والذي بني علي اعتبار القانون رقم 4 لسنة 1996 قانوناً أصلح للمتهم في الدعوى الموضعية التي أثيرت الدعوى الدستورية بمناسبتها، وباعتبار أن حكم الهيئة العامة للمواد الجنائية بمحكمة النقض المشار إليه إنما يمثل عقبة قانونية تحول دون جريان تنفيذ مقتضى حكم المحكمة الدستورية العليا سالف الذكر بالنسبة للمدعي، ومن ثم فإن طلبات المدعي تندرج - بهذه المثابة - في عداد المنازعات التي عنتها المادة 50 من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 بنصها على اختصاص هذه المحكمة دون غيرها بالفصل في كافة المنازعات المتعلقة بتنفيذ الأحكام والقرارات الصادرة منها.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن قوام "منازعة التنفيذ" أن يكون تنفيذ الحكم القضائي لم يتم وفقاً لطبيعته، وعلى ضوء الأصل فيه، بل اعترضته عوائق تحول قانوناً - بمضمونها أو أبعادها - دون اكتمال مداه؛ وتعطل بالتالي؛ أو تقيد اتصال حلقاته وتضاممها بما يعرقل جريان آثاره كاملة دون نقصان. ومن ثم، تكون عوائق التنفيذ القانونية هي ذاتها موضوع منازعة التنفيذ؛ تلك الخصومة التي تتوخى في غايتها النهائية إنهاء الآثار القانونية المصاحبة لتلك العوائق؛ أو الناشئة عنها؛ أو المترتبة عليها؛ ولا يكون ذلك إلا بإسقاط مسبباتها، وإعدام وجودها لضمان العودة بالتنفيذ إلي حالته السابقة علي نشوئها. وكلما كان التنفيذ متعلقاً بحكم صادر في دعوى دستورية؛ فإن حقيقة مضمونة، ونطاق القواعد القانونية التي احتواها؛ والآثار المتولدة عنها، هي التي تحدد جميعها شكل التنفيذ، وتبلور صورته الإجمالية؛ وتعين كذلك ما يكون لازماً لضمان فعاليته. بيد أن تدخل المحكمة الدستورية العليا لإزاحة عوائق التنفيذ التي تعترض أحكامها؛ وتنال من جريان آثارها في مواجهة الكافة ودون تمييز؛ بلوغاً للغاية المبتغاة منها في تأمين الحقوق للأفراد؛ وصون حرياتهم؛ إنما يفترض أن تكون هذه العوائق - سواء بطبيعتها أو بالنظر إلي نتائجها - حائلة فعلاً دون تنفيذ أحكامها تنفيذاً صحيحاً مكتملاً أو مقيدة لنطاقها.
وحيث إنه يبين من الحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا بجلسة 22 فبراير 1997 في الدعوى الدستورية رقم 48 لسنة 17 قضائية أنه قد تناول تحديد "نطاق الدعوى الدستورية" فحصره في نص الفقرة الأولي من المادة السادسة من القانون رقم 136 لسنة 1981 بعد ربطها بالعقوبة على مخالفتها المقررة بنص المادة 77 من القانون رقم 49 لسنة 1977؛ ثم عمد إلى تحقيق شرط المصلحة الشخصية المباشرة في الدعوى؛ استمساكاً بما استقر عليه قضاء هذه المحكمة من أن عينية الدعوى الدستورية لا تعني اعتبار هذا الشرط منفكاً عنها؛ بل هو مناط قبولها، فلا يكفي أن يتوافر عند رفعها بل يتعين أن يظل قائماً إلى حين الفصل فيها، توكيداً لمبدأ حاصله أن "المصلحة الشخصية المباشرة هي شرط ابتداء واستمرار لقبول الدعوى الدستورية". واستظهاراً لهذا الشرط في إطاره ذلك؛ وبمراعاة أن الدعوى الدستورية رقم 48 لسنة 17 قضائية - الصادر فيها الحكم المطلوب الاستمرار في تنفيذه - قد صادفها أثناء نظرها القانون رقم 4 لسنة 1996 فقد أقامت المحكمة منطوق قضائها "بعدم قبول الدعوى" على خمس دعامات رئيسية؛ لا قوام لهذا المنطوق دونها وتكون معه كلاً واحداً لا يقبل التجزئة؛ مداها الدستور؛ نصاً وروحاً؛ لحمتها "مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات"، وسداها "صون الحرية الشخصية"؛ وبنيتها تقدير "الضرورة الاجتماعية" التي أملتها "سياسة تشريعية" يتعين على المحكمة استنباط مقاصدها؛ ورصد غاياتها، متلائمة معها، ملتزمة بها؛ غير قاصرة على مفاهيم حرفية عفا عليها الزمن، بمنهجية تأخذ في اعتبارها دوماً أن الدستور وثيقة تقدمية نابضة بالحياة؛ فلا تصد عن التطور آفاقه الرحبة. وحاصل تلك الدعامات:
أولاً: أن ثمة قاعدتين تجريان معاً وتتكاملان؛ أولاهما: أن مجال سريان القانون الجنائي ينحصر أصلاً في الأفعال اللاحقة لنفاذه. وثانيتهما: سريان القانون اللاحق على وقائع كان يؤثمها قانون سابق كلما كان القانون الجديد أكثر يسراً. وتكامل هاتين القاعدتين مؤداه أن الثانية فرع من الأولى ونتيجة حتمية لها. وكلتاهما معاً تعتبران امتداداً لازماً لقاعدة شرعية الجرائم والعقوبات، ولهما معاً القيمة الدستورية ذاتها.
ثانياً: أن صون الحرية الشخصية التي كفلها الدستور بنص المادة 41 منه هي التي تقيم قاعدة "القانون الأصلح للمتهم" وترسيها؛ ومن ثم يحل القانون الجديد - وقد صار أكثر رفقاً بالمتهم وأعون على صون الحرية الشخصية التي اعتبرها الدستور حقاً طبيعياً لا يمس - محل القانون القديم؛ فلا يتداخلان، بل ينحى ألحقهما أسبقهما؛ إعلاءً للقيم التي انحاز إليها القانون الجديد؛ بعد أن صار أكفل لحقوق المخاطبين بالقانون القديم وأصون لحرياتهم.
ثالثاً: أن القوانين الجزائية التي تُقارن ببعضها تحديداً لأصلحها للمتهم؛ تفترض اتفاقها جميعاً مع الدستور. وتزاحمها على محل واحد؛ وتفاوتها فيما بينها في عقوباتهم يقتضي ألا تغلب المحكمة من صور الجزاء التي تتعامد على الحل الواحد؛ إلا تلك التي تكون في محتواها أو شرائطها أو مبلغها أقل بأساً من غيرها؛ وأهون أثراً.
رابعاً: أن الضرورة الاجتماعية التي انطلق منها الجزاء المقرر بالقانون القديم وتولد عنها، قد أسقطتها فلسفة جديدة - تبناها المجتمع في طور أكثر تقدماً - قوامها حرية التعاقد، فلا يكون الجزاء الجنائي - وقد لابس القيود التي فرضها القانون القديم على هذه الحرية - إلا منهدماً بعد العمل بالقانون الجديد.
خامساً: أن إعمال الأثر الرجعي للقانون الأصلح للمتهم تعتبر ضمانة جوهرية للحرية الشخصية؛ تبلورها السياسة العقابية الجديدة للسلطة التشريعية التي تتحدد على ضوء فهمها للحقائق المتغير للضرورة الاجتماعية؛ وهي بعد ضرورة ينبغي أن يحمل عليها كل جزاء جنائي؛ وإلا فقد علة وجوده. وإذ كانت الواقعة محل الاتهام الجنائي في الدعوى الموضوعية التي أقيمت بشأنها الدعوى الدستورية لم تعد معاقباً عليها - بصدور القانون رقم 4 لسنة 1996 المشار إليه - فقد تعين الحكم بانتفاء مصلحة المدعي في الدعوى الدستورية المشار إليها؛ بعد أن غض المشرع بصره عن بعض التدابير الاستثنائية للعلائق الإيجارية التي انبنى التجريم عليها؛ وخرج من صلبها.
متى كان ذلك؛ وكانت المحكمة الدستورية العليا؛ قد شيدت حكمها بانتفاء مصلحة المدعي في الطعن بعدم دستورية نص الفقرة الأولى من المادة 6 من القانون رقم 136 لسنة 1981 وما يرتبط به من نص المادة 77 من القانون رقم 49 لسنة 1977، على انهدام الجزاء الجنائي الذي فرضه النص الأخير - من منظور دستوري - منذ العمل بالقانون رقم 4 لسنة 1996 - المشار إليه؛ فإن حكمها هذا يكون مرتبطاً بهذين النصين في الإطار الذي حددته لهما؛ بما مؤداه وجوب القضاء - في أية منازعة متعلقة بتنفيذ ذلك الحكم - بإهدار جميع أشكال العوائق التي يكون من شأنها إعادة إحياء العقوبة المقررة بنص المادة 77 من القانون رقم 49 لسنة 1977، وهي تلك العقوبة التي انتهى الحكم سالف الذكر إلى سقوطها في مجال تطبيق الفقرة الأولى من المادة السادسة من القانون رقم 136 لسنة 1981. وإذ عاد سيف الاتهام يتهدد المدعي بسبب صدور حكم الهيئة العامة للمواد الجنائية المشار إليه، وتوافرت للمدعي بذلك مصلحة شخصية ومباشرة في منازعة التنفيذ الراهنة؛ فإنه يكون متعيناً القضاء بالاستمرار في تنفيذ حكم المحكمة الدستورية العليا على الوجه المبين بأسبابه؛ وأخصها سقوط نص المادة 77 من القانون رقم 49 لسنة 1977 في مجال تطبيق نص الفقرة الأولى من المادة السادسة من القانون رقم 136 لسنة 1981؛ اعتباراً من تاريخ العمل بالقانون رقم 4 لسنة 1996؛ دون ما حاجة إلى التعرض لما تضمنه حكم الهيئة العامة للمواد الجنائية المشار إليه في تدويناته من تقريرات لا تطاول الحجية المطلقة لأحكام المحكمة الدستورية العليا في الدعاوى الدستورية سواء كان الحكم قد قضى بعدم دستورية النص الطعين أو برفض الدعوى أو بعدم قبولها فصلاً في مسألة دستورية؛ بما يلزم كل سلطة في الدولة - بما فيها الجهات القضائية على اختلافها - باحترام قضائها وتنفيذ مقتضاه على وجهه الصحيح امتثالاً للمادتين 72، 178 من الدستور، والفقرة الأولى من المادة 49 من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 وبما مؤداه عدم الاعتداد بأي عقبة تكون قد عطلت من هذا التنفيذ أو انحرفت بجوهره أو حدت من مداه.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بالاستمرار في تنفيذ حكم المحكمة الدستورية العليا الصادر بجلسة 22 من فبراير 1997 في الدعوى الدستورية رقم 48 لسنة 17 قضائية فيما فصل فيه من اعتبار القانون رقم 4 لسنة 1996 المشار إليه قانوناً أصلح للمتهم مع ما يترتب على ذلك من آثار وألزمت الحكومة المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

الطعن 13 لسنة 10 ق جلسة 11 / 10 / 2001 دستورية عليا مكتب فني 9 دستورية ق 129 ص 1064

جلسة 11 أكتوبر سنة 1997

برئاسة السيد المستشار الدكتور/ عوض محمد عوض المر - رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: الدكتور محمد إبراهيم أبو العينين ومحمد ولي الدين جلال ونهاد عبد الحميد خلاف وفاروق عبد الرحيم غنيم وعبد الرحمن نصير وسامي فرج يوسف، وحضور السيد المستشار الدكتور/ حنفي علي جبالي - رئيس هيئة المفوضين، وحضور السيد/ حمدي أنور صابر - أمين السر.

-----------------

قاعدة رقم (129)
القضية رقم 13 لسنة 10 قضائية "دستورية"

1 - دستور سنة 1956 "المادة 191" - المحكمة العليا - المحكمة الدستورية العليا.
تقيد الحكمة الدستورية العليا بقضاء المحكمة العليا في شأن مفهوم هذه المادة.
2 - دعوى دستورية "المصلحة الشخصية المباشرة: مناطها".
مناط المصلحة الشخصية المباشرة - وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية - ارتباطها عقلاً بالمصلحة التي يقوم بها النزاع الموضوعي، وذلك بأن يكون الحكم في المسائل الدستورية لازماً للفصل في الطلبات الموضوعية المتصلة بها.
3 - حصانة "نطاقها".
من المتعين أن يتقيد مجال الحصانة التي يضفيها الدستور على أعمال بذواتها بما يرتبط عقلاً بالأغراض التي تفرضها.
4 - دستور - مصادرة "أموال أسرة محمد علي" - حق الملكية.
المصادرة التي قررها الدستور في شأن أموال أسرة علي تجب موازنتها بحقوق الملكية التي كفلها.
5 - دستور "حضانة" - تشريع "المادتان 14 و15 من القانون رقم 598 لسنة 1953 بشأن أموال أسرة محمد علي المصادرة".
الحصانة التي تضمنتها المادة 191 من دستور سنة 1956 كانت المدخل لتقرير الأحكام التي تضمنتها هاتان المادتان فيما قررته أولاهما من عدم جواز سماع الدعاوى المتعلقة بالأموال محلها وثانيهما من عدم جواز الرجوع بتعويض على الدولة في شأنها.
6 - مصادرة "أموال أسرة محمد علي - حق الملكية".
القول بامتداد المصادر التي قضى بها قرار مجلس قيادة الثورة في 8/ 11/ 1953 إلى كل أموال المشمولين بها من أفراد أسرة محمد علي، لا يلتئم والأغراض التي توختها - إخلاله كذلك بالحماية التي كفلها الدستور لحق الملكية كلما كان مصدرها مشروعاً.
7 - مصادرة "أموال أسرة محمد علي - استثناء".
المصادرة التي تضمنها قرار مجلس قيادة الثورة في 8/ 11/ 1953 لا شأن لها بأموال أشخاص غير منتمين لأسرة محمد علي، أو مرتبطين بها ولكن اكتسابهم لهذه الأموال تم عن غير طريقها، كذلك إذا كان مصدرها أعمالاً قانونية لا دخل لهذه الأسرة بها.
8 - تشريع "المادتان 14 و15 من القانون رقم 598 لسنة 1953: ضمانة التقاضي".
استهداف هاتين المادتين تعطيل ضمانة التقاضي.
9 - دستور - ضمانة التقاضي.
مؤدى صون الدستور لهذه الضمانة امتناع إهدارها بعمل تشريعي.
10 - دستور "حصانة: نطاقها" - مصادرة.
الحصانة التي بسطها دستور سنة 1956 على التدابير التي اتخذها مجلس قيادة الثورة في مجال تأمينها يلزم أن يتحدد نطاقها في إطار علاقة منطقية تصلها على الأخص بأهدافها - ليس من شأن هذه الحصانة تعطيل حقوق لا صلة لها بأموال لا شأن لأسرة محمد علي بها.
11 - تشريع "المادتان 14 و15 من القانون رقم 598 لسنة 1953: ضمانة التقاضي" - السلطة القضائية.
إسقاط هاتين المادتين ضمانه التقاضي المكفولة في الدستور، تعطيل السلطة القضائية - من ثم عن مباشرة مهامها المنوطة بها دستورياً، انتقاص المادة 14 كذلك من قيمة الأحكام الصادرة عن هذه السلطة.

-----------------
1 - قضاء المحكمة العليا - التي تتقيد المحكمة الدستورية العليا بأحكامها على ما جرى به قضاؤها - مؤداه أن دستور 1956 لم يتخذ موقفاً واحداً من التشريعات السابقة على العمل به، بل غاير بينها على ضوء أهميتها لثورة يوليو 1952، فما كان منها ملبياً متطلباتها الرئيسية، وكاشفاً عن تدابير ثورية استثنائية، فإن حصانتها من الطعن عليها أو التعويض عنها أمام أية جهة، تكون نهائية لا رجوع فيها على ما تقضي به المادة 191 من هذا الدستور؛ وما كان من تشريعاتها في درجة أدنى، فإن حمايتها تكون أقل، إذ تبقى نافذة مع جواز إلغائها أو تعديلها وفقاً للقواعد والإجراءات المقررة في الدستور، فلا يكون نفاذها عملاً بنص المادة 190 من ذلك الدستور، مؤدياً إلى تحصينها، بما يحول دون الطعن عليها.
2 - المصلحة الشخصية المباشرة - وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية - مناطها ارتباطها عقلاً بالمصلحة التي يقوم بها النزاع الموضوع، وذلك بأن يكون الحكم في المسائل الدستورية لازماً للفصل في الطلبات الموضوعية المتصلة بها.
3، 4 - كل حصانة يُضفيها الدستور على أعمال بذواتها بما يحول دون طلب إلغائها أو التعويض عنها، يتعين أن يتقيد مجالها بما يرتبط عقلاً بالأغراض التي توختها، وأن ينظر إليها على ضوء طبيعتها الاستثنائية، وبمراعاة أن الأصل في نصوص الدستور أنها تتكامل فيما بينها، فلا يكون لبعضها مضمون أو نطاق يعارض سواها. وهو ما يعني أن المصادرة التي قررها الدستور في شأن أموال أسرة محمد علي المصادرة، تجب موازنتها بحقوق الملكية التي كفلها، والتي ينظر إليها عادة بوصفها أحد العناصر المبدئية لضمان الحرية الشخصية التي لا يستقيم بنيانها إلا إذا تحرر اقتصادياً من يطلبونها، وكان بوسعهم بالتالي الاستقلال بشئونهم والسيطرة عليهاA self - Governing Life.
5 - الحصانة التي تضمنتها المادة 191 من دستور 1956، هي التي اتخذها القانون رقم 598 لسنة 1953 بشأن أموال أسرة محمد علي المصادرة، مدخلاً لتقرير الأحكام التي تضمنتها المادتان 14 و15 من هذا القانون، التي تقضي أولاهما بعدم جواز سماع الدعاوى المتعلقة بالأموال التي صدر قرار مجلس قيادة الثورة في 8/ 11/ 1953 بمصادرتها، وتنص ثانيتهما على عدم جواز الرجوع بتعويض على الدولة لجبر الأضرار الناشئة عن تنفيذ هذا القرار بعد أن صار نائباً عن الإلغاء والتعويض بمقتضى المادة 191 المشار إليها، والتي لا زال حكمها - وعلى حد تعبير المحكمة العليا - قائماً حتى بعد سكوت ما تلاه من الدساتير عن النص عليها، بالنظر إلى استنفادها لأغراض.
6 - القول بامتداد المصادرة التي قضى بها قرار مجلس قيادة الثورة الصادر في 8/ 11/ 1953 إلى كل أموال المشمولين بها من أفراد أسرة محمد علي، لا يلتئم والأغراض التي توختها؛ ولا يوفر كذلك نوع الحماية التي كفلها الدستور لحق الملكية كلما كان مصدرها مشروعاً، ولأن الأموال موضوعها لا تتساقط في الأعم من الأحوال على أصحابها دون جهد يبذل من جانبهم، ولكنها الأعمال التي يباشرونها - سواء في مجال تكوينها أو إنمائها - هي التي أنتجتها، فلا يكون تجريدهم منها بغير حق إلا عدواناً بئيساً عليها.
7 - المصادرة التي يعنيها قرار مجلس قيادة الثورة، لا شأن لها بأموال تملكها أشخاص لا ينتمون إلى أسرة محمد علي، أو يرتبطون بها ولكن اكتسابها تم عن غير طريقها، ويندرج تحتها تلك التي تلقوها عن آخرين قبل انضمامهم إلى أسرة محمد علي أياً كان سند كسبهم لملكيتها، وكذلك إذا كان مصدرها أعمالاً قانونية ارتبطوا بها بعد انضمامهم إليها، ولم يكن لهذه الأسرة دخل بها، ويتأكد هذا المعنى على ضوء أمرين أولهما: أن قرار مجلس قيادة الثورة الصادر في 8/ 11/ 1953، لا يتوخى غير استرداد أموال وصفها بأنها من أموال الشعب من هذه الأسرة، فلا تكون يدها عليها إلا غصباً وانتهازاً من منظور هذا القرار، وانتهابها على هذا النحو، يحتم مصادرتها ضماناً لنقل ملكيتها نهائياً إلى الدولة التي تمثل مصالح مواطنيها: ثانيهما: أن رئيس مجلس الوزراء كان قد شكل - بمقتضى قراره رقم 906 لسنة 1977 - لجنة اختصها بإجراء ما تراه لازماً من أعمال التحقيق لتحديد مصدر الأموال المصادرة فصلاً في تأتيها من أسرة محمد علي أو من غيرها، على أن تقدم لرئيس مجلس الوزراء - وبعد دراستها للحالات التي تقدم إليها - مقترحاتها في شأن ما تراه لازماً في مجال تسويتها والتعويض عن الأضرار التي لابستها.
8، 9، 10 - توخى المشرع بالفقرة الأولى من المادة 14، وكذلك بنص المادة 15 المطعون عليهما، تعطيل ضمانة التقاضي في مجال تطبيقها في شأن الأموال التي قرر مجلس قيادة الثورة في 8/ 11/ 1953 مصادرتها من أسرة محمد علي، سواء تعلق الأمر بسماع الدعاوى التي ينازع بها أصحابها في مشروعية هذه المصادرة في ذاتها، أو تلك التي يرفعونها للتعويض عن الأضرار الناشئة عن تنفيذ هذا القرار، ومن البدهي، فإن صون الدستور لهذه الضمانة، مؤداه امتناع هدمها أو انتقاصها بعمل تشريعي. ومن ثم حرص دستور 1956 على إسقاطها من خلال الحصانة التي بسطها بنص المادة 191 على التدابير التي اتخذها مجلس قيادة الثورة في مجال تأمينها، فلا تكون النصوص المطعن عليها - وبقدر تعلقها بتلك الحصانة التي تستمد أصلها من الدستور - إلا ترديداً لحكم المادة 191 التي أدرجها في صلبه. ويبقى بعدئذ أن نحدد لهذه الحصانة نطاقها، فمن ناحية لا يجوز تفسيرها بما يخرجها عن الأغراض المقصودة منها، ولا تطبيقها تطبيقاً مرناً بما يوسع من دائرتها، ولا تغليبها في شأن أموال تملكها أصحابها بطريق مشروع وفقاً للدستور أو القانون، كذلك لا يجوز من ناحية أخرى أن تكون آثارها نكالاً بأفراد هذه الأسرة من خلال مصادرة تحيط بأموالهم جميعها، فلا يبقى منها بعدئذ ما يعولون عليه من معاشهم. وإنما يتعين أن يكون لهذه الحصانة نطاقها في إطار علاقة منطقية تصلها على الأخص بأهدافها، فلا يكون تسليطها على هذه الأسرة نافياً لوجودها، ولا مهدراً حقها في الحياة، ولا معطلاً جريان حقوق لا صلة لها بأموال انتهبتها، ويندرج تحتها أموال لا شأن لهذه الأسرة بها، بل تلقاها عن غير طريقها أشخاص ينتمون إليها، أو اكتسبها أغيار لا يعتبرون من أعضائها، فلا تجوز مصادرتها إلا بحكم قضائي عملاً بنص المادة 36 من الدستور.
(11) الإخلال بضمانة التقاضي المنصوص عليها في المادة 68 من الدستور، قد آل إلى إسقاطها بمقتضى المادتين 14/ 1 و15 المطعون عليهما، وإلى حرمان السلطة القضائية بفروعها - على اختلافها - من تقديم الترضية القضائية التي يطلبها مواطنون لرد عدوان على الحقوق التي يدعونها، وعطل بذلك هذه السلطة عن مباشرة مهامها التي ناطها الدستور بها، كذلك فإن الفقرة الثانية من المادة 14 المطعون عليها، تنال من قيمة الأحكام الصادرة عن السلطة القضائية التي اختصها الدستور بالفصل في المنازعات جميعها، ذلك أن أحكامها الصادرة قبل 8/ 11/ 1953 ضد الأشخاص المصادرة أموالهم، لا تعتبر وفقاً لهذه الفقرة، أكثر من مجرد سندات، فلا تكون حجة بما تضمنتها إلا إذا كانت نهائية، ولا صورية فيها، وبشرط أن تعتمد تنفيذها، اللجنة العليا المنصوص عليها في المادة 11 من القانون رقم 598 لسنة 1953 المشار إليه. ولا يعدو ذلك أن يكون امتهاناً للسلطة القضائية من خلال ازدراء أحكامها، وافتراض صوريتها بما يصمها بالتواطؤ، وكذلك عن طريق تعليق تنفيذها على قرار يصدر عن لجنة إدارية بطبيعتها، هي اللجنة العليا التي شكلها مجلس قيادة الثورة وفقاً للمادة 11 من هذا القانون فلا تكون لها حجيتها التي تستمدها من نصوص الدستور ذاتها، تقديراً بأن تجريدها منها - ولو لم تكن نهائية - إنما يحيل الخصومة القضائية عبثاً، ويقوض مدخلها ممثلاً في حق التقاضي.


الإجراءات

بتاريخ 1/ 3/ 1988 أودع المدعون قلم كتاب المحكمة صحيفة الدعوى الماثلة، طالبين الحكم بعدم دستورية المادتين 14 و15 من القانون رقم 598 لسنة 1953 بشأن أموال أسرة محمد علي المصادرة.
وقدمت هيئة قضايا الدولة، مذكرة طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع - على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - تتحصل في أن المدعين أقاموا الدعوى رقم 3134 لسنة 1986 مدني جنوب القاهرة الابتدائية، بطلب الحكم بتثبيت ملكيتهم - كل فيما يخصه - للعقارات المبينة الحدود والمعالم بالصحيفة.
وقالوا بياناً لذلك أنهم يمتلكون أعياناً بعضها بطريق الميراث الشرعي عن والدتهم التي تمتلكها بدورها ميراثاً عن والدتها ومنها ما آل إليهم وقفاً، أو بطريق الشراء بعقود مسجلة.
وبتاريخ 8/ 11/ 1953 أصدر مجلس قيادة الثورة قراراً بمصادرة أموال أسرة محمد علي وما آل منها إلى غيرهم إرثاً أو مصاهرة أو قرابة. وإذ فوجئ المدعى عليه الأول - الذي لا ينتمي إلى هذه الأسرة - بإدراج اسمه ضمن أفرادها الذين صودرت أموالهم، وكان ليس ثمة مال تلقاه عن طريق أحدهم، فقد تقدم بتظلم إلى اللجنة المشكلة وفقاً لأحكام القانون رقم 598 لسنة 1953 بشأن أموال أسرة محمد علي المصادرة، طلب فيه الإفراج عن ممتلكاته التي صودرت، فأجابته اللجنة إلى طلبه بالنسبة إلى ما آل إليه منها بطريق الوقف أو الشراء أو الاكتساب الشخصي. أما ما آل إليه ميراثاً عن والدته، فقد اعتبرته اللجنة من أموال أسرة محمد علي بمقولة أن جدته كانت قد تزوجت من أحد أفرادها. وقد تأيد هذا القرار من اللجنة العليا التي لم تتحقق من مصدر أموال المدعين، ومن ثم فقد أقاموا دعواهم الموضوعية التي دفعوا أثناءً نظرها بعدم دستورية المادتين 14 و15 من القانون رقم 598 لسنة 1953 بشأن أموال أسرة محمد علي المصادرة. وبجلسة 9/ 2/ 1988 قررت المحكمة التأجيل لجلسة 19/ 4/ 1988، ليتمكن المدعون من رفع الدعوى الدستورية، فأقاموا الدعوى الماثلة.
وحيث إنه أثناء نظر هذه الدعوى توفى إلى رحمة الله كل من السيد/ إسماعيل حسين شيرين وشقيقته السيدة/ ماهوش حسين شيرين والسيدة/ شهرزاد إسماعيل راتب - المدعون الأصليون - وبعد أن قضت المحكمة بانقطاع سير الخصومة في الدعوى لوفاتهم تم تعجيلها على النحو المبين بالأوراق.
وحيث إن المدعين ينعون على المادتين 14 و15 من القانون رقم 598 لسنة 1953 المشار إليه، مخالفتهما لحكم المادة 68 من الدستور التي تحظر النص على تحصين أي عمل أو قرار من رقابة القضاء، وتكفل للناس كافة حق التقاضي إلغاءً وتعويضاً باعتباره الوسيلة التي رسمها الدستور لحماية حقوق الأفراد وضمان تمتعهم بها، ورد العدوان عليها. وهي بعد ضمانة لها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام التي يجب مراعاتها وإهدار ما يخالفها من تشريعات. ولو كانت سابقة على العمل بالدستور القائم. ولأن ما عناه دستور 1956 بنص المادة 191 منه، لا يعدو مجرد استمرار نفاذ التشريعات السابقة على هذا الدستور - تجنباً لفراغ تشريعي – وذلك دون تحصينها من الطعن عليها بعدم الدستورية.
وحيث إن المادة 191 من دستور 1956، تقضي بأن جميع القرارات التي صدرت عن مجلس قيادة الثورة، وجميع القوانين والقرارات التي تتصل بها وصدرت مكملة أو منفذة لها، وكذلك كل ما صدر من الهيئات التي أمر المجلس بتشكيلها من قرارات أو أحكام، وجميع الإجراءات والأعمال والتصرفات التي صدرت من هذه الهيئات أو من أية هيئة أخرى من الهيئات التي أنشئت بقصد حماية الثورة ونظام الحكم، لا يجوز الطعن فيها أو المطالبة بإلغائها أو التعويض عنها بأي وجه من الوجوه، وأمام أية هيئة كانت.
وحيث إن قضاء المحكمة العليا - التي تتقيد المحكمة الدستورية العليا بأحكامها على ما جرى به قضاؤها - مؤداه أن دستور 1956 لم يتخذ موقفاً واحداً من التشريعات السابقة على العمل به، بل غاير بينها على ضوء أهميتها لثورة يوليو 1952، فما كان منها ملبياً متطلباتها الرئيسية، وكاشفاً عن تدابير ثورية استثنائية، فإن حصانتها من الطعن عليها أو التعويض عنها أمام أية جهة، تكون نهائية لا رجوع فيها على ما تقضي به المادة 191 من هذا الدستور؛ وما كان من تشريعاتها في درجة أدنى، فإن حمايتها تكون أقل، إذ تبقى نافذة مع جواز إلغائها أو تعديلها وفقاً للقواعد والإجراءات المقررة في الدستور، فلا يكون نفاذها عملاً بنص المادة 190 من ذلك الدستور، مؤدياً إلى تحصينها، بما يحول دون الطعن عليها.
ولئن كان المشرع الدستوري لم ينقل حكم المادة 191 من دستور 1956 إلى الدساتير اللاحقة عليه، فذلك بالنظر إلى استنفادها لأغراضها، فلا يكون تكرار النص عليها مفيداً أو لازماً.
وحيث إن مجلس قيادة الثورة - وبناء على الإعلان الدستوري المنشور في 18/ 6/ 1953 - كان قد أصدر بتاريخ 8/ 11/ 1953 قراراً باسترداد أموال الشعب وممتلكاته من أسرة محمد علي، وذلك بمصادرة أموالها وممتلكاتها، وكذلك مصادرة ما يكون قد انتقل منها من أفرادها إلى غيرها عن طريق الوراثة أو المصاهرة أو القرابة.
وحيث إن المادتين 14 و15 من القانون رقم 598 لسنة 1953 بشأن أموال أسرة محمد علي المصادرة - المطعون عليهما - تجريان على النحو الآتي: -
مادة 14:
(فقرة أولى) استثناء من حكم المادة 12 من قانون نظام القضاء والمادتين 3 و10 في قانون مجلس الدولة، لا يجوز للمحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها سماع الدعاوى المتعلقة بالأموال لتي صدر قرار مجلس قيادة الثورة في 8/ 11/ 1953 بمصادرتها. ويسري ذلك على الدعاوى المنظورة أمام المحاكم وقت العمل بهذا القانون، ولو لم يكن الأشخاص المصادرة أموالهم خصوماً فيها.
(فقرة ثانية) ولا تعتبر الأحكام التي صدرت قبل 8/ 11/ 1953 ضد الأشخاص متقدمي الذكر إلا مجرد سندات إلا إذا كانت تلك الأحكام انتهائية غير مشوبة بالصورية، فإنها تكون حجة بما تضمنتها بعد صدور قرار اللجنة المنصوص عليها في المادة الحادية عشرة بتنفيذها.
مادة: 15:
لا يجوز الرجوع على الدولة بأي تعويض ناشئ عن إجراءات اتخذت أو تتخذ بصدد قرار مجلس قيادة الثورة الصادر في 8/ 11/ 1953.
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة - وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية - مناطها ارتباطها عقلاً بالمصلحة التي يقوم بها النزاع الموضوعي، وذلك بأن يكون الحكم في المسائل الدستورية لازماً للفصل في الطلبات الموضوعية المتصلة بها.
وحيث إن المدعين، وإن نعوا على المادتين 14 و15 من القانون رقم 598 لسنة 1953 بشأن أموال أسرة محمد علي المصادرة، مخالفتهما للدستور، ابتغاء تجريدهما من قوة نفاذهما في مجال سريانهما في شأن أموال اكتسبها أشخاص من غير أسرة محمد علي، أو كانوا من أعضائها لكنهم تلقوا أموالهم عن غير طريقها؛ وكانت مناعيهم هذه تجمعها بنص المادة 11 من هذا القانون وحدة لا تتجزأ، تقديراً بأن اللجنة العليا المنصوص عليها فيها، هي التي تسلط رقابتها على أعمال اللجنة الابتدائية - المنصوص بمقتضى المادة العاشرة على تشكيلها - سواء بتأييد قراراتها الصادرة في نزاع يتعلق بالأموال المصادرة أو بتعديلها أو بإلغائها؛ وكان قرار اللجنة العليا في ذلك مما لا يقبل الطعن فيه؛ وكان قضاء هذه المحكمة في شأن دستورية المادتين 14 و15 المطعون عليهما - فيما لو خلص إلى بطلانها - لن يزحزح الحصانة المانعة من الطعن التي أسبغتها المادة 11 من هذا القانون على قرارات اللجنة العليا، فقد صار متعيناً النظر إلى هذه المواد جميعها لتقرير صحتها أو بطلانها على ضوء تكامل أحكامها.
وحيث إن كل حصانة يُضفيها الدستور على أعمال بذواتها بما يحول دون طلب إلغائها أو التعويض عنها، يتعين أن يتقيد مجالها بما يرتبط عقلاً بالأغراض التي توختها، وأن ينظر إليها على ضوء طبيعتها الاستثنائية، وبمراعاة أن الأصل في نصوص الدستور أنها تتكامل فيما بينها، فلا يكون لبعضها مضمون أو نطاق يعارض سواها. وهو ما يعني أن المصادرة التي قررها الدستور في شأن أموال أسرة محمد علي المصادرة، تجب موازنتها بحقوق الملكية التي كفلها، والتي ينظر إليها عادة بوصفها أحد العناصر المبدئية لضمان الحرية الشخصية التي لا يستقيم بنيانها إلا إذا تحرر اقتصادياً من يطلبونها، وكان بوسعهم بالتالي الاستقلال بشئونهم والسيطرة عليهاA self - Governing Life.
وحيث إن الحصانة التي تضمنتها المادة 191 من دستور 1956، هي التي اتخذها القانون رقم 598 لسنة 1953 بشأن أموال أسرة محمد علي المصادرة، مدخلاً لتقرير الأحكام التي تضمنتها المادتان 14 و15 من هذا القانون، التي تقضي أولاهما بعدم جواز سماع الدعاوى المتعلقة بالأموال التي صدر قرار مجلس قيادة الثورة في 8/ 11/ 1953 بمصادرتها، وتنص ثانيتهما على عدم جواز الرجوع بتعويض على الدولة لجبر الأضرار الناشئة عن تنفيذ هذا القرار بعد أن صار نائياً عن الإلغاء والتعويض بمقتضى المادة 191 المشار إليها، والتي لا زال حكمها - وعلى حد تعبير المحكمة العليا - قائماً حتى بعد سكوت ما تلاه من الدساتير عن النص عليها، بالنظر إلى استنفادها لأغراضها.
وحيث إن القول بامتداد المصادرة التي قضى بها قرار مجلس قيادة الثورة الصادر في 8/ 11/ 1953 إلى كل أموال المشمولين بها من أفراد أسرة محمد علي، لا يلتئم والأغراض التي توختها؛ ولا يوفر كذلك نوع الحماية التي كفلها الدستور لحق الملكية كلما كان مصدرها مشروعاً، ولأن الأموال موضوعها لا تتساقط في الأعم من الأحوال على أصحابها دون جهد يبذل من جانبهم، ولكنها الأعمال التي يباشرونها - سواء في مجال تكوينها أو إنمائها - هي التي أنتجتها، فلا يكون تجريدهم منها بغير حق إلا عدواناً بئيساً عليها.
وحيث إن المصادرة التي يعنيها قرار مجلس قيادة الثورة، لا شأن لها بأموال تملكها أشخاص لا ينتمون إلى أسرة محمد علي، أو يرتبطون بها ولكن اكتسابها تم عن غير طريقها، ويندرج تحتها تلك التي تلقوها عن آخرين قبل انضمامهم إلى أسرة محمد علي أياً كان سند كسبهم لملكيتها، وكذلك إذا كان مصدرها أعمالاً قانونية ارتبطوا بها بعد انضمامهم إليها، ولم يكن لهذه الأسرة دخل بها.
وحيث إن هذا المعنى يتأكد على ضوء أمرين أولهما: أن قرار مجلس قيادة الثورة الصادر في 8/ 11/ 1953، لا يتوخى غير استرداد أموال وصفها بأنها من أموال الشعب من هذه الأسرة، فلا تكون يدها عليها إلا غصباً وانتهازاً من منظور هذا القرار، وانتهابها على هذا النحو، يحتم مصادرتها ضماناً لنقل ملكيتها نهائياً إلى الدولة التي تمثل مصالح مواطنيها: ثانيهما: أن رئيس مجلس الوزراء كان قد شكل - بمقتضى قراره رقم 906 لسنة 1977 - لجنة اختصها بإجراء ما تراه لازماً من أعمال التحقيق لتحديد مصدر الأموال المصادرة فصلاً في تأتيها من أسرة محمد علي أو من غيرها، على أن تقدم لرئيس مجلس الوزراء - وبعد دراستها للحالات التي تقدم إليها - مقترحاتها في شأن ما تراه لازماً في مجال تسويتها والتعويض عن الأضرار التي لابستها.
وحيث إن المشرع قد توخى بالفقرة الأولى من المادة 14، وكذلك بنص المادة 15 المطعون عليهما، تعطيل ضمانة التقاضي في مجال تطبيقها في شأن الأموال التي قرر مجلس قيادة الثورة في 8/ 11/ 1953 مصادرتها من أسرة محمد علي، سواء تعلق الأمر بسماع الدعاوى التي ينازع بها أصحابها في مشروعية هذه المصادرة في ذاتها، أو تلك التي يرفعونها للتعويض عن الأضرار الناشئة عن تنفيذ هذا القرار.
ومن البدهي، فإن صون الدستور لهذه لضمانة، مؤداه امتناع هدمها أو انتقاصها بعمل تشريعي. ومن ثم حرص دستور 1956 على إسقاطها مع خلال الحصانة التي بسطها بنص المادة 191 على التدابير التي اتخذها مجلس قيادة الثورة في مجال تأمينها، فلا تكون النصوص المطعن عليها - وبقدر تعلقها بتلك الحصانة التي تستمد أصلها من الدستور - إلا ترديداً لحكم المادة 191 التي أدرجها في صلبه. ويبقى بعدئذ أن نحدد لهذه الحصانة نطاقها، فمن ناحية لا يجوز تفسيرها بما يخرجها عن الأغراض المقصودة منها، ولا تطبيقها تطبيقاً مرناً بما يوسع من دائرتها، ولا تغليبها في شأن أموال تملكها أصحابها بطريق مشروع وفقاً للدستور أو القانون.
كذلك لا يجوز من ناحية أخرى أن تكون آثارها نكالاً بأفراد هذه الأسرة من خلال مصادرة تحيط بأموالهم جميعها، فلا يبقى منها بعدئذ ما يعولون عليه من معاشهم. وإنما يتعين أن يكون لهذه الحصانة نطاقها في إطار علاقة منطقية تصلها على الأخص بأهدافها، فلا يكون تسليطها على هذه الأسرة نافياً لوجودها، ولا مهدراً حقها في الحياة، ولا معطلاً جريان حقوق لا صلة لها بأموال انتهبتها، ويندرج تحتها أموال لا شأن لهذه الأسرة بها، بل تلقاها عن غير طريقها أشخاص ينتمون إليها، أو اكتسبها أغيار لا يعتبرون من أعضائها، فلا تجوز مصادرتها إلا بحكم قضائي عملاً بنص المادة 36 من الدستور.
وحيث إن الإخلال بضمانة التقاضي المنصوص عليها في المادة 68 من الدستور، قد آل إلى إسقاطها بمقتضى المادتين 14/ 1 و15 المطعون عليهما، وإلى حرمان السلطة القضائية بفروعها - على اختلافها - من تقديم الترضية القضائية التي يطلبها مواطنون لرد عدوان على الحقوق التي يدعونها، وعطل بذلك هذه السلطة عن مباشرة مهامها التي ناطها الدستور بها.
وحيث إن الفقرة الثانية من المادة 14 المطعون عليها، تنال من قيمة الأحكام الصادرة عن السلطة القضائية التي اختصها الدستور بالفصل في المنازعات جميعها، ذلك أن أحكامها الصادرة قبل 8/ 11/ 1953 ضد الأشخاص المصادرة أموالهم، لا تعتبر وفقاً لهذه الفقرة، أكثر من مجرد سندات، فلا تكون حجة بما تضمنتها إلا إذا كانت نهائية، ولا صورية فيها، وبشرط أن تعتمد تنفيذها، اللجنة العليا المنصوص عليها في المادة 11 من القانون رقم 598 لسنة 1953 المشار إليه. ولا يعدو ذلك أن يكون امتهاناً للسلطة القضائية من خلال ازدراء أحكامها، وافتراض صوريتها بما يصمها بالتواطؤ، وكذلك عن طريق تعليق تنفيذها على قرار يصدر عن لجنة إدارية بطبيعتها، هي اللجنة العليا التي شكلها مجلس قيادة الثورة وفقاً للمادة 11 من هذا القانون فلا تكون لها حجيتها التي تستمدها من نصوص الدستور ذاتها، تقديراً بأن تجريدها منها - ولو لم تكن نهائية - إنما يحيل الخصومة القضائية عبثاً، ويقوض مدخلها ممثلاً في حق التقاضي.
وحيث إنه على ضوء ما تقدم، يكون النصان المطعون عليهما، مخالفين لأحكام المواد 32 و34 و36 و68 و72 و165 و166 من الدستور.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة:
أولاً: بعدم دستورية ما تنص عليه المادة 11 من القانون رقم 598 لسنة 1953 بشأن أموال أسرة محمد علي المصادرة، من عدم جواز الطعن بأي طريق في قرارات اللجنة العليا الصادرة بتأييد أو تعديل أو إلغاء قرارات اللجنة الابتدائية المنصوص عليها في المادة العاشرة من هذا القانون، والصادرة في شأن المنازعات المتعلقة بمصادرة أموال أسرة محمد علي.
ثانياً: بعدم دستورية الفقرة الأولى من المادة 14 من القانون رقم 598 لسنة 1953 بشأن أموال أسرة محمد علي المصادرة، وذلك فيما تضمنته من عدم جواز سماع الدعاوى المتعلقة بمصادرة أموال أسرة محمد علي، ولو كان موضوعها أموال تلقاها - عن غير طريقها - أشخاص ينتمون إليها، أو اكتسبها أشخاص من غير أفرادها.
ثالثاً: بعدم دستورية الفقرة الثانية من المادة 14 من هذا القانون بكامل أجزائها.
رابعاً: بعدم دستورية نص المادة 15 من هذا القانون في مجال تطبيقها بالنسبة إلى أموال تمت مصادرتها، إذا كان أصحابها لا ينتمون لأسرة محمد علي، أو يرتبطون بها وتلقوها من غير طريقها.
خامساً: بإلزام الحكومة المصروفات، ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

الطعن 54 لسنة 19 ق جلسة 7 / 3 / 1998 دستورية عليا مكتب فني 9 دستورية ق 132 ص 1094

جلسة 7 مارس سنة 1998

برئاسة السيد المستشار الدكتور/ عوض محمد عوض المر - رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: سامي فرج يوسف والدكتور عبد المجيد فياض وماهر البحيري ومحمد علي سيف الدين وعدلي محمود منصور ومحمد عبد القادر عبد الله، وحضور السيد المستشار الدكتور/ حنفي علي جبالي - رئيس هيئة المفوضين، وحضور السيد/ حمدي أنور صابر - أمين السر.

---------------

قاعدة رقم (132)
القضية رقم 54 لسنة 19 قضائية "دستورية"

1 - ضريبة "فريضة مالية - مقدرة تكليفية".
الضريبة فريضة مالية تقتضيها الدولة جبراً من المكلفين بأدائها دون نفع خاص يعود عليهم من وراء تحملهم بها - ارتباط فرض الضريبة بالمقدرة التكليفية للممول.
2 - الضريبة العامة "مفهومها".
اعتبار الضريبة عامة إذا كان تحقق الواقعة المنشئة لها على امتداد النطاق الإقليمي للدولة - وبغض النظر عن تقسيماتها الإدارية - مرتباً لدينها في ذمة الممول.
3 - دستورية - ضريبة "أداؤها".
الضريبة الواجب أداؤها قانوناً - إعمالاً للمادتين 61 و91 من الدستور - يلزم أن يتوافر لها قوالبها الشكلية وأسسها الموضوعية وتقوم على العدالة الاجتماعية.
4 - الضريبة العامة "دستوريتها: وظائف الدولة - النفع العام".
تتحدد دستورية الضريبة العامة على ضوء أمرين؛ أولهما: اتصالها بوظائف الدولة الحيوية؛ ومقتضى ذلك: ضرورة ربط الموارد في جملتها بمصارفها تفصيلاً وإحكام الرقابة عليها واعتبار ذلك التزاماً دستورياً يقيد السلطة التشريعية. وثانيهما: أن يكون النفع العام شرطاً أولياً لاقتضاء الدولة ضرائبها ورسومها؛ ومؤدى ذلك: اعتبار المنفعة الجماعية قيداً على إنفاق الدولة لإيراداتها.
5 - ضريبة "أغراض التمويل: تخصيص".
تعتبر أغراض التمويل قيداً على السلطة الضرائبية وحداً دستورياً على ضوابط إنفاق المال العام - يشترط لجواز تحويل الدولة بعض مواردها إلى جهة معينة أن تكون أغراضها متصلة بمصالح المواطنين في مجموعهم وأن يكون دعم هذه الجهة مالياً مطلوباً لتحقيق أهدافها؛ مؤدى ذلك: أن دعم جهة بعينها مالياً لتحقيق أهدافها لا يجوز أن يتم عن طريق فرض الضريبة ابتداءً لصالحها وإنما من خلال رصد ما يكفيها بقانون الموازنة العامة وفقاً لأحكام الدستور.
6 - ضريبة "تشريع: نص الفقرة (1) من البند (4) من المادة 79 من قانون نقابة المهن العلمية – انعدامه".
الأصل في الضريبة أيلولة مبلغها إلى الخزانة العامة على أساس أن حصيلتها تعتبر إيراداً عاماً - النص المشار إليه فرض الضريبة المقررة بموجبه لصالح هذه النقابة بذاتها لتؤول حصيلتها مباشرة إليها ولا تدخل خزانة الدولة ضمن مواردها؛ اعتبار هذه الضريبة في حقيقتها معونة مالية رصدتها الدولة لتلك النقابة؛ مؤدى ذلك: قيام تلك الضريبة بدور يخرجها عن مجال وظائفها ومن ثم افتقادها لمقوماتها وانحلالها عدماً.

--------------
1 - الضريبة فريضة مالية تقتضيها الدولة جبراً من المكلفين بأدائها، إسهاماً من جهتهم في أعبائها وتكاليفها العامة. وهم يدفعونها لها بصفة نهائية، ودون أن يعود عليهم نفع خاص من وراء التحمل بها، فلا تقابلها خدمة محددة بذاتها، يكون الشخص العام قد بذلها من أجلهم، وعاد عليهم مردودها. ومن ثم كان فرضها مرتبطاً بمقدرتهم التكليفية، ولا شأن لها بما آل إليهم من فائدة بمناسبتها، وإلا كن ذلك خلطاً بينها وبين الرسم، إذ يستحق مقابلاً لنشاط خاص أتاه الشخص العام - وعوضاً عن تكلفته - وإن لم يكن بمقدارها. متى كان ذلك، وكان الرسم المفروض بمقتضى قانون نقابة المهن العلمية على إنتاج كل طن من الأسمنت، لا تقابله خدمة فعلية، تكون النقابة قد بذلتها لمن يتحملون بها، فإنه ينحل إلى ضريبة من الناحية القانونية.
2 - الضريبة المشار إليها لا يقتصر نطاق تطبيقها على رقعة إقليمية معينة تمتد إليها دون سواها، ويتحدد المخاطبون بها في إطار هذه الدائرة وحدها، بل يعتبر تحقق الواقعة المنشئة لها على امتداد لنطاق الإقليمي للدولة - وبغض النظر عن تقسيماتها الإدارية - مرتباً لدينها في ذمة الممول، مما مؤداه تكافؤ الممولين في الخضوع لها دون تمييز، وسريانها بالتالي - والقوة ذاتها - كلما توافر مناطها في أية جهة داخل حدودها الإقليمية، وهو ما يعني أنها ضريبة عامة يقوم التماثل فيما بين الممولين بصددها، على وحدة تطبيقها من الناحية الجغرافية، وليس بالنظر إلى مقدار الضريبة التي يؤدونها، ذلك أن التعادل بينهم في نطاقها ليس فعلياً، بل جغرافياً.
3 - لما كانت الضريبة التي يكون أداؤها واجباً وفقاً للقانون - وعلى ما تدل عليه المادتان 61 و119 من الدستور - هي التي تتوافر لها قوالبها الشكلية والأسس الموضوعية التي لا تقوم إلا بها، وبشرط أن تكون العدالة الاجتماعية التي ينبني عليها النظام الضريبي ضابطاً لها في الحدود المنصوص عليها في المادة 38 من الدستور، فإن أصل الحق في الضريبة محل النزاع الماثل، يكون مطروحاً على المحكمة الدستورية العليا بقوة النصوص الدستورية ذاتها، لتقول كلمتها في شأن دستوريتها.
4 - الضريبة العامة يحكمها أمران لا ينفصلان عنها، بل تتحدد دستوريتها على ضوئهما معاً: أولهما: أن الأموال التي تجبيها الدولة من ضرائبها، وثيقة الاتصال بوظائفها الحيوية، وبوجه خاص ما تعلق منها بتأمين مجتمعها، والعمل على تطويره. وقيامها على وظائفها هذه، يقتضيها أن توفر بنفسها - ومن خلال الضريبة وغيرها من الموارد - المصادر اللازمة لتمويل خططها وبرامجها. والرقابة التي تفرضها السلطة التشريعية - بوسائلها - على هذه الموارد ضبطاً لمصارفها، هي الضمان لإنفاذ سياستها المالية التي لا يجنح الاقتصاد معها نحو أعاصير لا تؤمن عواقبها، وبوجه خاص في نطاق العمالة، وضمان استقرار الأسعار، وصون معدل معقول للتنمية، وكذلك حد أدنى لمواجهة أعباء الحياة. وهذه القواعد والضوابط التي تهيمن بها السلطة التشريعية على الإنفاق العام، هي التي يتعين أن تنزل عليها السلطة التنفيذية، فلا تحيد عنها أو تعدل فيها، لضمان ألا يكون هذا الإنفاق إسرافاً أو تبديداً أو إرشاءً أو إغواء، بل أميناً، مقتصداً ورشيداً. وهي بعد قواعد لا يجوز على ضوئها جر مبالغ من الخزانة العامة قبل تخصيصها وفقاً للقانون، بما يكفل رصدها على الأغراض التي حددها، والتي لا يجوز أن تتحول السلطة التنفيذية عنها، ولا أن تعدل فيها بإرادتها المنفردة، بما مؤداه أن ربط الموارد في جملتها، بمصارفها تفصيلاً، وإحكام الرقابة عليها، يعد التزاماً دستورياً يقيد السلطة التشريعية، فلا يجوز لها أن تناقض فحواه بعمل من جانبها، إذ هو جوهر اختصاصها في مجال ضبطها لمالية الدولة، وإرساء قواعدها وفقاً لأحكام المواد 115 و116 و120 من الدستور. وثانيهما: أن الضريبة العامة - وبغض النظر عن جوانبها التنظيمية التي تعتبر من أثارها العرضية غير المباشرة - لا تزال مورداً مالياً - بل هي كذلك أصلاً وابتداء. ومن ثم تتضافر مع غيرها من الموارد التي تستخدمها الدولة لمواجهة نفقاتها الكلية، سواء في ذلك تلك التي يكون طابعها منتظماً أو طارئاً، بما مؤداه أن استخدامها لمواردها تلك، لا ينفصل عن واجباتها الدستورية التي تقتضيها أن تكون مصارفها مسخرة لتحقيق النفع العام لمواطنيها، ومن ثم يكون النفع العام – أو ما يعبر عنه أحياناً بأكبر منفعة جماعية - قيداً على إنفاقها لإيراداتها، وكذلك شرطاً أولياً لاقتضائها لضرائبها ورسومها.
5 - أغراض التمويل تعتبر قيداً على السلطة الضرائبية يقارنها ولا يفارقها، وحداً من الناحية الدستورية على ضوابط إنفاق المال العام. ولا يعني ما تقدم أن الدولة لا تستطيع تحويل بعض مواردها إلى الجهة التي تراها لتعينها بها على النهوض بمسئولياتها وتطوير نشاطها، بل يجوز ذلك بشرطين: أولهما: أن تكون الأغراض التي تقوم عليها هذه الجهة وفقاً لقانون إنشائها، وثيقة الاتصال بمصالح المواطنين في مجموعهم؛ أو تؤثر على قطاع عريض من بينهم، مما يجعل دورها في الشئون التي تعنيهم حيوياً. وثانيهما: أن يكون دعمها مالياً مطلوباً لتحقيق أهدافها، على أن يتم ذلك - لا عن طريق الضريبة التي تفرضها السلطة التشريعية ابتداء لصالحها لتعود إليها مباشرة غلتها - بل من خلال رصد ما يكفيها بقانون الموازنة العامة وفقاً للقواعد التي نص عليها الدستور، وفي إطار الأسس الموضوعية التي يتحدد مقدار هذا الدعم على ضوئها.
6 - الأصل في الضريبة - وباعتبار أن حصيلتها تعد إيراداً عاماً - أن يؤول مبلغها إلى الخزانة العامة ليندمج مع غيره من الموارد التي تم تدبيرها، لتفقد كل منها ذاتيتها، ولتشكل جميعها نهراً واحداً لإيراداتها الكلية Consolidated Funds؛ وكان النص المطعون فيه قد فرض الضريبة المتنازع عليها لصالح نقابة بذاتها، واختصها بحصيلتها التي تؤول مباشرة إليها، فلا تدخل خزانة الدولة، أو تقع ضمن مواردها ليمتنع استخدامها في مجابهة نفقاتها، فإنها تكون في حقيقتها معونة مالية رصدتها الدولة لتلك النقابة - لا عن طريق الضوابط التي فرضها الدستور في شأن الإنفاق العام - ولكن من خلال قيام الضريبة المطعون عليها بدور يخرجها عن مجال وظائفها، ويفقدها مقوماتها لتنحل عدماً.


الإجراءات

بتاريخ 19 مارس سنة 1997، أقام المدعي بصفته الدعوى الماثلة بإيداع صحيفتها قلم كتاب المحكمة، طالباً في ختامها الحكم بعدم دستورية الفقرة أ من البند الرابع مع المادة 79 من القانون رقم 80 لسنة 1969 بشأن نقابة المهن العلمية، المعدل بالقانون رقم 120 لسنة 1983.
وقدمت هيئة قضايا الدولة، ونقابة المهن العلمية مذكرة بدفاعها.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع - على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - تتحصل في أن الشركة المدعية، كانت قد أقامت الدعوى رقم 14129 لسنة 1996 مدني، أمام محكمة شمال القاهرة الابتدائية، طالبة الحكم بإلزام نقابة المهن العلمية برد مبلغ 476937.622 جنيهاً والفوائد القانونية اعتباراً من صيرورة هذا الحكم نهائياً وحتى تاريخ السداد، ذلك ابتناء على أن هذا المبلغ كانت قد سددته الشركة المدعية إعمالاً لنص الفقرة أ من البند الرابع من المادة 79 من القانون رقم 80 لسنة 1969 بشأن نقابة المهن العلمية، والمعدل بالقانون رقم 120 لسنة 1983، وبجلسة 24/ 2/ 1997 دفعت الشركة المدعية، بعدم دستورية هذا النص، وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية هذا الدفع، فقد صرحت للمدعية برفع الدعوى الدستورية فأقامتها. وبجلسة 30/ 6/ 1997 قضت بوقف الدعوى تعليقاً لحين الفصل في الطعن الراهن بعدم الدستورية.
وحيث إن المادة 79 من القانون رقم 80 لسنة 1969 بشأن نقابة المهن العلمية، والمعدل بالقانون رقم 120 لسنة 1983 تنص على أن تشمل إيرادات النقابة ما يأتي: -
- ............
4 - ما تحصله النقابة من فئات دمغات المهن العلمية التي تنتجها الشركات المنتجة للكيماويات الصناعية، وتعتبر جزءاً من عناصر التكلفة على النحو التالي: -
( أ ) طن الأسمنت...... 2 قرش".
وحيث إن من المقرر - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن الضريبة فريضة مالية تقتضيها الدولة جبراً من المكلفين بأدائها، إسهاماً من جهتهم في أعبائها وتكاليفها العامة. وهم يدفعونها لها بصفة نهائية، ودون أن يعود عليهم نفع خاص من وراء التحمل بها، فلا تقابلها خدمة محددة بذاتها، يكون الشخص العام قد بذلها من أجلهم، وعاد عليهم مردودها. ومن ثم كان فرضها مرتبطاً بمقدرتهم التكليفية، ولا شأن لها بما آل إليهم من فائدة بمناسبتها، وإلا كان ذلك خلطاً بينها وبين الرسم، إذ يستحق مقابلاً لنشاط خاص أتاه الشخص العام - وعوضاً عن تكلفته - وإن لم يكن بمقدارها. متى كان ذلك، وكان الرسم المفروض بمقتضى قانون نقابة المهن العلمية على إنتاج كل طن من الأسمنت، لا تقابله خدمة فعلية، تكون النقابة قد بذلتها لمن يتحملون بها، فإنه ينحل إلى ضريبة من الناحية القانونية.
وهي بعد ضريبة لا يقتصر نطاق تطبيقها على رقعة إقليمية معينة تمتد إليها دون سواها، ويتحدد المخاطبون بها في إطار هذه الدائرة وحدها، بل يعتبر تحقق الواقعة المنشئة لها على امتداد النطاق الإقليمي للدولة - وبغض النظر عن تقسيماتها الإدارية - مرتباً لدينها في ذمة الممول، مما مؤداه تكافؤ الممولين في الخضوع لها دون تمييز، وسريانها بالتالي - وبالقوة ذاتها - كلما توافر مناطها في أية جهة داخل حدودها الإقليمية، وهو ما يعني أنها ضريبة عامة يقوم التماثل فيما بين الممولين بصددها، على وحدة تطبيقها من الناحية الجغرافية، وليس بالنظر إلى مقدار الضريبة التي يؤدونها، ذلك أن التعادل بينهم في نطاقها ليس فعلياً، بل جغرافياً.
وحيث إن من المقرر أن الضريبة التي يكون أداؤها واجباً وفقاً للقانون - وعلى ما تدل عليه المادتان 61 و119 من الدستور - هي التي تتوافر لها قوالبها الشكلية والأسس الموضوعية التي لا تقوم إلا بها، وبشرط أن تكون العدالة الاجتماعية التي ينبني عليها النظام الضريبي ضابطاً لها في الحدود المنصوص عليها في المادة 38 من الدستور، فإن أصل الحق في الضريبة محل النزاع الماثل، يكون مطروحاً علياً لمحكمة الدستورية العليا بقوة النصوص الدستورية ذاتها، لتقول كلمتها في شأن دستوريتها.
وحيث إن الضريبة العامة يحكمها أمران لا ينفصلان عنها، بل تتحدد دستوريتها على ضوئهما معاً:
أولهما: أن الأموال تجبيها الدولة من ضرائبها، وثيقة الاتصال بوظائفها الحيوية، وبوجه خاص ما تعلق منها بتأمين مجتمعها، والعمل على تطويره. وقيامها على وظائفها هذه، يقتضيها أن توفر بنفسها - ومن خلال الضريبة وغيرها من الموارد - المصادر اللازمة لتمويل خططها وبرامجها.
والرقابة التي تفرضها السلطة التشريعية - بوسائلها - على هذه الموارد ضبطاً لمصارفها، هي الضمان لإنفاذ سياستها المالية التي لا يجنح الاقتصاد معها نحو أعاصير لا تؤمن عواقبها، وبوجه خاص في نطاق العمالة، وضمان استقرار الأسعار، وصون معدل معقول للتنمية، وكذلك حد أدنى لمواجهة أعباء الحياة.
وهذه القواعد والضوابط التي تهمين بها السلطة التشريعية على الإنفاق العام، هي التي يتعين أن تنزل عليها السلطة التنفيذية، فلا تحيد عنها أو تعدل فيها، لضمان ألا يكون هذا الإنفاق إسرافاً أو تبديداً أو إرشاءً أو إغواء، بل أميناً، مقتصداً ورشيداً. وهي بعد قواعد لا يجوز على ضوئها جر مبالغ من الخزانة العامة قبل تخصيصها وفقاً للقانون، بما يكفل رصدها على الأغراض التي حددها، والتي لا يجوز أن تتحول السلطة التنفيذية عنها، ولا أن تعدل فيها بإرادتها المنفردة.
بما مؤداه أن ربط الموارد في جملتها، بمصارفها تفصيلاً، وإحكام الرقابة عليها، يعد التزاماً دستورياً يقيد السلطة التشريعية، فلا يجوز لها أن تناقض فحواه بعمل من جانبها، إذ هو جوهر اختصاصها في مجال ضبطها لمالية الدولة، وإرساء قواعدها وفقاً لأحكام المواد 115 و116 و120 من الدستور.
ثانيهما: أن الضريبة العامة - وبغض النظر عن جوانبها التنظيمية التي تعتبر من أثارها العرضية غير المباشرة - لا تزال مورداً مالياً - بل هي كذلك أصلاً وابتداء. ومن ثم تتضافر مع غيرها من الموارد التي تستخدمها الدولة لمواجهة نفقاتها الكلية، سواء في ذلك تلك التي يكون طابعها منتظماً أو طارئاً، بما مؤداه أن استخدامها لمواردها تلك، لا ينفصل عن واجباتها الدستورية التي تقتضيها أن تكون مصارفها مسخرة لتحقيق النفع العام لمواطنيها.
ومن ثم يكون النفع العام - أو ما يعبر عنه أحياناً بأكبر منفعة جماعية - قيداً على إنفاقها لإيراداتها، وكذلك شرطاً أولياً لاقتضائها لضرائبها ورسومها.
وحيث إن ما تقدم مؤداه، أن أغراض التمويل تعتبر قيداً على السلطة الضرائبية يقارنها ولا يفارقها، وحداً من الناحية الدستورية على ضوابط إنفاق المال العام. ولا يعني ما تقدم أن الدولة لا تستطيع تحويل بعض مواردها إلى الجهة التي تراها لتعينها بها على النهوض بمسئولياتها وتطوير نشاطها، بل يجوز ذلك بشرطين:
أولهما: أن تكون الأغراض التي تقوم عليها هذه الجهة وفقاً لقانون إنشائها، وثيقة الاتصال بمصالح المواطنين في مجموعهم؛ أو تؤثر على قطاع عريض من بينهم، مما يجعل دورها في الشئون التي تعنيهم حيوياً.
ثانيهما: أن يكون دعمها مالياً مطلوباً لتحقيق أهدافها، على أن يتم ذلك - لا عن طريق الضريبة التي تفرضها السلطة التشريعية ابتداء لصالحها لتعود إليها مباشرة غلتها - بل من خلال رصد ما يكفيها بقانون الموازنة العامة وفقاً للقواعد التي نص عليها الدستور، وفي إطار الأسس الموضوعية التي يتحدد مقدار هذا الدعم على ضوئها.
وحيث إن الأصل في الضريبة - وباعتبار أن حصيلتها تعد إيراداً عاماً - أن يؤول مبلغها إلى الخزانة العامة ليندمج مع غيره من الموارد التي تم تدبيرها، لتفقد كل منها ذاتيتها، ولتشكل جميعها نهراً واحداً لإيراداتها الكلية Consolidated Funds؛ وكان النص المطعون فيه قد فرض الضريبة المتنازع عليها لصالح نقابة بذاتها، واختصها بحصيلتها التي تؤول مباشرة إليها، فلا تدخل خزانة الدولة، أو تقع ضمن مواردها ليمتنع استخدامها في مجابهة نفقاتها، فإنها تكون في حقيقتها معونة مالية رصدتها الدولة لتلك النقابة - لا عن طريق الضوابط التي فرضها الدستور في شأن الإنفاق العام - ولكن من خلال قيام الضريبة المطعون عليها بدور يخرجها عن مجال وظائفها، ويفقدها مقوماتها لتنحل عدماً، وهو ما يقتضي الحكم بعدم دستوريتها لمخالفتها أحكام المواد 61 و115 و116 و119 و120 من الدستور.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بعدم دستورية الفقرة ( أ ) من البند (4) من المادة 79 من القانون رقم 80 لسنة 1969 بشأن نقابة المهن العلمية المعدل بالقانون رقم 120 لسنة 1983، فيما نص عليه من تخويلها حق اقتضاء رسم دمغة قدره قرشان على إنتاج كل طن أسمنت، وألزمت الحكومة المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

الاثنين، 13 نوفمبر 2023

الطعن 42 لسنة 19 ق جلسة 7 / 2 / 1998 دستورية عليا مكتب فني 9 دستورية ق 131 ص 1087

جلسة 7 فبراير سنة 1998

برئاسة السيد المستشار الدكتور/ عوض محمد عوض المر - رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: محمد ولي الدين جلال ونهاد عبد الحميد خلاف وحمدي محمد علي وسامي فرج يوسف والدكتور عبد المجيد فياض ومحمد علي سيف الدين، وحضور السيد المستشار الدكتور/ حنفي علي جبالي - رئيس هيئة المفوضين، وحضور السيد/ حمدي أنور صابر - أمين السر.

--------------

قاعدة رقم (131)
القضية رقم 42 لسنة 19 قضائية "دستورية"

1 - عقوبة "تفريدها".
الأصل في العقوبة هو تفريدها - مناط مشروعية العقوبة دستورياً أن يباشر كل قاض سلطته في مجال التدرج بها وتجزئتها تقديراً لها في الحدود المقررة قانوناً وفق ظروف كل جريمة.
2 - عقوبة "تفريدها: وقف تنفيذها".
سلطة القاضي في مجال وقف تنفيذ العقوبة فرع من تفريدها - التفريد يتصل بالمفاهيم المعاصرة للسياسة الجنائية - تفريد العقوبة يردها إلى جزاء يعايش الجريمة ويتناسب مع ظروفها.
3 - عقوبة "تفريد عقوبة الغرامة" - الوظيفة القضائية.
تفريد عقوبة الغرامة يجنبها عيوبها - ينبغي أن يكون للقاضي الكلمة الأخيرة في شأن إيقافها؛ مؤدى ذلك: تجريده من هذا الاختصاص يعد عدواناً على الوظيفة القضائية.
4 - غرامة "طبيعتها: عقوبة" – الضريبة.
الغرامة تعد عقوبة جنائية ولا تعتبر عوضاً مالياً عن الجريمة - الضريبة لا تقابل جرماً ولا يُقصد بها أن تكون إيلاماً للمكلفين بها.
5 - تشريع "المادة الثانية من القانون رقم 430 لسنة 1955 المعدل بالقانون رقم 38 لسنة 1992: وظيفة قضائية - حرية شخصية - محاكمة منصفة".
نص هذه المادة على عدم جواز وقف تنفيذ عقوبة الغرامة يتضمن تدخلاً في شئون الوظيفة القضائية ويقيد الحرية الشخصية ويهدر ضوابط المحاكمة المنصفة.

----------------
1 - جرى قضاء هذه المحكمة على أن المتهمين لا يجوز معاملتهم بوصفهم نمطاً ثابتاً، أو النظر إليهم باعتبار أن صورة واحدة تجمعهم لتصبهم في قالبها، تقديراً بأن الأصل في العقوبة هو تفريدها لا تعميمها. وتقرير استثناء من هذا الأصل - أياً كانت الأغراض التي يتوخاها - مؤداه أن المذنبين جميعهم تتوافق ظروفهم؛ وأن عقوبتهم ينبغي أن تكون واحدة في كل تطبيقاتها، بما يجردها من تناسبها مع وزن الجريمة وملابساتها؛ ويحيلها جزاء بغير ضرورة؛ متضمناً تقييداً للحرية الشخصية دون مقتض، ومنتهياً إلى حرمان كل قاض من سلطته في مجال التدرج بالعقوبة الجنائية وتجزئتها، تقديراً لها في الحدود المقررة قانوناً، فلا يكون تطبيقها كافلاً معقوليتها وإنسانيتها، ولا جابراً لآثار الجريمة من منظور موضوعي يتعلق بها وبمرتكبها.
2 - الجزاء الجنائي لا يجوز أن يكون تطبيقه عشوائياً أو آلياً، ذلك أن تفريده لا ينفصل عن المفاهيم المعاصرة للسياسة الجنائية التي تأبى إنزال عقوبة فرضها المشرع بصورة مجردة - شأنها في ذلك شأن القواعد القانونية جميعها - على الجريمة محل التداعي؛ وتفريد العقوبة - ويندرج تحتها الأمر بإيقافها - هي التي تخرجها من قوالبها الصماء، وتردها إلى جزاء يعايش الجريمة ومرتكبها، ويتصل بها اتصال قرار.
3 - تفريد عقوبة الغرامة - وهو أكثر مرونة من تفريد العقوبة السالبة للحرية - يجنبها عيوبها، ومن بينها أنها أثقل على الفقراء منها على الأغنياء؛ ومن المقرر أن شخصية العقوبة وتناسبها مع الجريمة محلها، إنصافاً لواقعها وحال مرتكبها، يرتبطان بمن يعد قانوناً مسئولاً عن مقارفتها، على ضوء دوره فيها، ونواياه التي قارنتها، وما نجم عنها من ضرر؛ فلا يكون جزاء الجناة عن جريمتهم إلا موافقاً لخياراتهم بشأنها؛ وكان لا يجوز على الإطلاق أن تفقد النصوص العقابية اتصالها بمحيطها ضماناً لموضوعية تطبيقها؛ فلا يكون إنفاذها دالاً على قسوتها، جامداً فجاً منافياً لقيم الحق والعدل، مؤكداً شذوذها أو مجاوزاً حدود الاعتدال التي ينبغي معها أن يكون للقاضي الكلمة الأخيرة في شأنها إيقافها، فلا يكون تجريده من هذا الاختصاص إلا عدواناً على الوظيفة القضائية بما يخل بمقوماتها.
4 - تجريم أفعال بذاتها لا يتم إلا من خلال عقوبة جنائية تمثل جزاء قدره المشرع عند مقارفتها. ولا يعتبر هذا الجزاء - وتلك طبيعته - عوضاً مالياً عن الجريمة التي عينها المشرع، بل جزءاً منها لا ينفصل عنها، فلا جريمة بغير عقوبة، ولا عقوبة إلا عن فعل أو امتناع أخل بقيم الجماعة أو نقضها؛ وصار مؤثماً ضماناً لصونها، فلا تُقَابَل الجرائم - أياً كان نوعها - بتعويض يكون مكافئاً للضرر الناجم عنها، وإنما يتحدد جزاؤها بقدر خطورتها ووطأتها؛ فلا يكون مجاوزاً قدر الضرورة الاجتماعية التي يقتضيها، ولا واقعاً دون متطلباتها أما الضريبة فلا تقابل جرماً، ولا يفترض فيما نشأ عنها من إيراد، أن يكون متأتياً من مصدر غير مشروع. ولا يقصد بها كذلك أن تكون إيلاماً للمكلفين بها، وإنما يقع عبؤها على أموال بوصفهم مواطنين يسهمون عدلاً في تحمل نصيبهم من التنمية وتطوير مجتمعهم، بما يؤكد تضامنهم. ولا كذلك الغرامة المطعون عليها التي فرضها المشرع متوخياً بها أن تكون عقاباً زاجراً، حائلاً بمداه دون الجريمة التي نهى عند ارتكابها، ومحيطاً بها بعد وقوعها من خلال جزاء جنائي يناسبها.
5 - حدد المشرع بنص المادة الثانية من القانون رقم 430 لسنة 1955 المعدل بالقانون رقم 38 لسنة 1992 المشار إليهما، أركان جريمة أداء المصنفات السمعية والبصرية بمكان عام، وكذلك عرضها وإذاعتها، بدون ترخيص؛ ناهياً بنص المادة 15 من هذا القانون، عن وقف تنفيذ عقوبة الغرامة المقررة بها؛ وبذلك يكون النص المطعون عليه متضمناً تدخلاً مباشراً في شئون الوظيفة القضائية بما ينال من جوهرها، ويقيد كذلك الحرية الشخصية في غير ضرورة، ولا يقيم المحاكمة المنصفة وفق متطلباتها.


الإجراءات

بتاريخ 10 مارس سنة 1997، أودع المدعي صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة، طالباً الحكم بعدم دستورية المادة 15 من القانون رقم 430 لسنة 1955 بتنظيم الرقابة على الأشرطة السينمائية ولوحات الفانوس السحري والأغاني والمسرحيات والمنولوجات والأسطوانات وأشرطة التسجيل الصوتي المعدل بالقانون رقم 38 لسنة 1992 وذلك فيما تضمنته من عدم جواز الحكم بوقف تنفيذ عقوبة الغرامة.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع - على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - تتحصل في أن النيابة العامة كانت قد أقامت ضد المدعي الدعوى الجنائية رقم 1547 لسنة 1996 - أمام محكمة فوة الجزئية، بتهمة أنه بتاريخ 9/ 3/ 1996 قام بأداء أحد المنصفات البصرية من خلال عرضها في مكان عام "مقهى" بغير ترخيص بذلك من الجهة المختصة، وطلبت عقابه بالمواد 1، 2 ثانياً و15، 17 من القانون رقم 430 لسنة 1955 بتنظيم الرقابة على الأشرطة السينمائية ولوحات الفانوس السحري والأغاني والمسرحيات والمنولوجات والأسطوانات وأشرطة التسجيل الصوتي المعدل بالقانون رقم 38 لسنة 1992. وإذ قضت المحكمة غيابياً بتغريم المدعي مبلغ خمسة آلاف جنيه والمصادرة والمصاريف، فقد طعن المدعي في هذا الحكم بطريق المعارضة، ودفع - أثناء نظر المعارضة - بعدم دستورية نص المادة 15 من القانون رقم 430 لسنة 1955 - المعدل بالقانون رقم 38 لسنة 1992 - المشار إليه، وذلك فيما تضمنته من عدم جواز الحكم بوقف تنفيذ عقوبة الغرامة، وإذ كانت محكمة الموضوع قد قدرت جدية الدفع، فقد خولته رفع دعواه الدستورية، فأقام الدعوى الماثلة.
وحيث إن المدعي ينعى على نص المادة 15 - المطعون عليها - مخالفتها للمواد 86 و119 فقرة أولى و165 و166 من الدستور، وذلك فيما تضمنته من عدم جواز وقف تنفيذ عقوبة الغرامة، وذلك تأسيساً على ما يأتي:
أولاً: أن وقف تنفيذ العقوبة جزء من تفريدها. فإذا حال المشرع دون مباشرة السلطة القضائية لولايتها هذه، كان ذلك افتئاتاً عليها.
ثانياً: أن السلطة التشريعية لا تتقيد في ممارستها لولايتها في مجال إقرار القوانين بغير الضوابط التي ألزمها الدستور بمراعاتها. فإذا كان تنظيمها لموضوع معين على خلافها، كان ذلك إهداراً منها الدستور.
ثالثاً: أن النص المطعون فيه يتمحض عن ضريبة بلا قانون، ذلك أن السياسة التي انتهجها لمواجهة عرض المصنفات دون ترخيص، لم تكن غايتها الردع أو الإيلام، وإنما استهدفت أغراضها تمويلية بحتة، وضمان توفير الموارد التي يقتضيها دعم الأغراض التي يقوم عليها صندوق التنمية الثقافية بوزارة الثقافة.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن المتهمين لا يجوز معاملتهم بوصفهم نمطاً ثابتاً، أو النظر إليهم باعتبار أن صورة واحدة تجمعهم لتصبهم في قالبها، تقديراً بأن الأصل في العقوبة هو تفريدها لا تعميمها. وتقرير استثناء من هذا الأصل - أياً كانت الأغراض التي يتوخاها - مؤداه أن المذنبين جميعهم تتوافق ظروفهم؛ وأن عقوبتهم ينبغي أن تكون واحدة في كل تطبيقاتها، بما يجردها من تناسبها مع وزن الجريمة وملابساتها؛ ويحيلها جزاء بغير ضرورة؛ متضمناً تقييداً للحرية الشخصية دون مقتض، ومنتهياً إلى حرمان كل قاض من سلطته في مجال التدرج بالعقوبة الجنائية وتجزئتها، تقديراً لها في الحدود المقررة قانوناً، فلا يكون تطبيقها كافلاً معقوليتها وإنسانيتها، ولا جابراً لآثار الجريمة من منظور موضوعي يتعلق بها وبمرتكبها.
وحيث إن الجزاء الجنائي على ضوء ما تقدم، لا يجوز أن يكون تطبيقه عشوائياً أو آليا، ذلك أن تفريده لا ينفصل عن المفاهيم المعاصرة للسياسة الجنائية التي تأبى إنزال عقوبة فرضها المشرع بصورة مجردة - شأنها في ذلك شأن القواعد القانونية جميعها - على الجريمة محل التداعي؛ وتفريد العقوبة - ويندرج تحتها الأمر بإيقافها - هي التي تخرجها من قوالبها الصماء، وتردها إلى جزاء يعايش الجريمة ومرتكبها، ويتصل بها اتصال قرار؛ وكان تفريد عقوبة الغرامة - وهو أكثر مرونة من تفريد العقوبة السالبة للحرية - يجنبها عيوبها، ومن بينها أنها أثقل على الفقراء منها على الأغنياء؛ ومن المقرر أن شخصية العقوبة وتناسبها مع الجريمة محلها، إنصافاً لواقعها وحال مرتكباً، يرتبطان بمن يعد قانوناً مسئولاً عن مقارفتها، على ضوء دوره فيها، ونواياه التي قارنتها، وما نجم عنها من ضرر؛ فلا يكون جزاء الجناة عن جريمتهم إلا موافقاً لخياراتهم بشأنها؛ وكان لا يجوز على الإطلاق أن تفقد النصوص العقابية اتصالها بمحيطها ضماناً لموضوعية تطبيقها؛ فلا يكون إنفاذها دالاً على قسوتها، جامداً فجاً منافياً لقيم الحق والعدل، مؤكداً شذوذها أو مجاوزاً حدود الاعتدال التي ينبغي معها أن يكون للقاضي الكلمة الأخيرة في شأنها إيقافها، فلا يكون تجريده من هذا الاختصاص إلا عدواناً على الوظيفة القضائية بما يخل بمقوماتها.
وحيث إن ما ينعاه المدعي من أن الغرامة المحكوم بها وفقاً لنص المادة 15 من القانون رقم 430 لسنة 1955 المعدل بالقانون رقم 38 لسنة 1992 المشار إليهما؛ هي في حقيقتها ضريبة فرضها المشرع، متوخياً بها توفير الموارد التي يقتضيها دعم صندوق التنمية الثقافية وكذلك الإنفاق منها على جهة الرقابة على المصنفات بوزارة الثقافة، مردود أولاً: بأن تجريم أفعال بذاتها لا يتم إلا من خلال عقوبة جنائية تمثل جزاء قدره المشرع عند مقارفتها. ولا يعتبر هذا الجزاء - وتلك طبيعته - عوضاً مالياً عن الجريمة التي عينها المشرع، بل جزءاً منها لا ينفصل عنها، فلا جريمة بغير عقوبة، ولا عقوبة إلا عن فعل أو امتناع أخل بقيم الجماعة أو نقضها؛ وصار مؤثماً ضماناً لصونها، فلا تُقَابَل الجرائم - أياً كان نوعها - بتعويض يكون مكافئاً للضرر الناجم عنها، وإنما يتحدد جزاؤها بقدر خطورتها ووطأتها؛ فلا يكون مجاوزاً قدر الضرورة الاجتماعية التي يقتضيها، ولا واقعاً دون متطلباتها.
ومردود ثانياً: بأن الضريبة لا تقابل جرماً، ولا يفترض فيما نشأ عنها من إيراد، أن يكون متأتياً من مصدر غير مشروع. ولا يقصد بها كذلك أن تكون إيلاماً للمكلفين بها، وإنما يقع عبؤها على أموالهم بوصفهم مواطنين يسهمون عدلاً في تحمل نصيبهم من التنمية وتطوير مجتمعهم، بما يؤكد تضامنهم. ولا كذلك الغرامة المطعون عليها التي فرضها المشرع متوخياً بها أن تكون عقاباً زاجراً، حائلاً بمداه دون الجريمة التي نهى عن ارتكابها، ومحيطاً بها بعد وقوعها من خلال جزاء جنائي يناسبها.
وحيث إنه متى كان ذلك؛ وكان المشرع قد حدد بنص المادة الثانية من القانون رقم 430 لسنة 1955 المعدل بالقانون رقم 38 لسنة 1992 المشار إليهما، أركان جريمة أداء المصنفات السمعية والبصرية بمكان عام، وكذلك عرضها وإذاعتها، بدون ترخيص؛ ناهياً بنص المادة 15 من هذا القانون، عن وقف تنفيذ عقوبة الغرامة المقررة بها؛ فإن النص المطعون عليه، يكون متضمناً تدخلاً مباشراً في شئون الوظيفة القضائية بما ينال من جوهرها، ويقيد كذلك الحرية الشخصية في غير ضرورة، ولا يقيم المحاكمة المنصفة وفق متطلباتها، ومخالفاً بالتالي أحكام المواد 41 و67 و165 و166 من الدستور.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بعدم دستورية نص المادة (15) من القانون رقم 430 لسنة 1955 بتنظيم الرقابة على الأشرطة السينمائية ولوحات الفانوس السحري والأغاني والمسرحيات والمنولوجات والأسطوانات وأشرطة التسجيل الصوتي وذلك فيما نصت عليه من عدم جواز وقف تنفيذ عقوبة الغرامة، وألزمت الحكومة المصروفات، ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة.