الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 30 سبتمبر 2023

الطعن 294 لسنة 34 ق جلسة 18 /4 / 1968 مكتب فني 19 ج 2 ق 116 ص 801

جلسة 18 من إبريل سنة 1968

برياسة السيد المستشار/ محمود توفيق إسماعيل نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: الدكتور محمد حافظ هريدي، والسيد عبد المنعم الصراف، وسليم راشد أبو زيد، ومحمد صدقي البشبيشي.

-----------------

(116)
الطعن رقم 294 لسنة 34 القضائية

(أ) حكم. "حجية الحكم". أهلية. وصية.
لا حجية للحكم إلا فيما يكون قد فصل فيه بين الخصوم بصفة صريحة أو بصفة ضمنية حتمية سواء في المنطوق أو في الأسباب المتصلة به اتصالاً وثيقاً والتي لا يقوم المنطوق بدونها. القضاء بصحة العقد في نزاع يدور حول صدوره من المتصرف وهو في كامل الأهلية أم أنه كان عديم الأهلية لعته. عدم حجية هذا القضاء في المنازعة في هذه التصرفات بأنها تخفي وصايا. اختلاف المنازعتين سبباً. الطعن في التصرف بأنه يخفي وصية يفترض صدوره من ذي أهلية.
(ب) محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل". حكم. "كفاية التسبيب". دعوى. "الحكم في الدعوى".
محكمة الموضوع ليست ملزمة بالرد على كل ما يقدمه إليها الخصوم من مستندات وحسبها أن تقيم حكمها على ما يصلح من الأدلة لحمله.
(ج) نقض "أسباب الطعن".
النعي الموجه إلى ما ورد بأسباب الحكم الابتدائي مما لم يأخذ به الحكم المطعون فيه. غير مقبول.
(د) وصية. "قرينة المادة 917 مدني". إثبات. صورية. إرث.
قرينة المادة 917 مدني. مناطها اجتماع شرطين: احتفاظ المتصرف بحيازة العين التي تصرف فيها واحتفاظه بحقه في الانتفاع بها مدى حياته. خلو العقد من النص عليهما لا يمنع محكمة الموضوع من التحقق من توافرهما. للوارث إثبات أن العقد يخفي وصية احتيالاً على أحكام الإرث بكافة طرق الإثبات.

-------------------
1 - لا حجية للحكم إلا فيما يكون قد فصل فيه بين الخصوم بصفة صريحة أو بصفة ضمنية حتمية سواء في المنطوق أو في الأسباب المتصلة به اتصالاً وثيقاًَ والتي لا يقوم المنطوق بدونها، فإذا كان الثابت أن النزاع بين الخصوم قد انحصر أولاً فيما إذا كانت العقود الصادرة من المورث لابنه الطاعن قد صدرت منه وهو في كامل أهليته أم أنه كان منعدم الأهلية بسبب العته الشيخوخي الذي أصابه فقضت محكمة الموضوع بصحة تلك العقود واقتصر بحثها في أسباب الحكم على الطعن في العقود بانعدام أهلية المتصرف ولم تعرض في هذه الأسباب إلى ما أثاره المطعون ضدهم بشأن إخفاء هذه التصرفات لوصايا كما لم يتضمن منطوقها فصلاً في هذه المسألة، فإن هذا الحكم لا تكون له حجية فيها لأن ما لم تنظر فيه المحكمة بالفعل لا يمكن أن يكون موضوعاً لحكم يحوز قوة الأمر المقضي ولأن الطعن في التصرفات بأنها تخفي وصية لا يتعارض مع الحكم بصدور العقد من ذي أهلية بل أن الطعن بالوصية يفترض صدور التصرف من ذي أهلية. والطعن على التصرف بأنه في حقيقته وصية يعتبر سبباً مختلفاً عن الطعن فيه بانعدام أهلية المتصرف.
2 - محكمة الموضوع ليست ملزمة بالرد على كل ما يقدمه إليها الخصوم من مستندات وحسبها أن تقيم حكمها على ما يصلح من الأدلة لحمله.
3 - إذ كان النعي موجهاً إلى ما ورد في أسباب الحكم الابتدائي مما لم يأخذ به الحكم المطعون فيه فإن هذا النعي يكون غير مقبول.
4 - وإن كان صحيحاً أن القرينة التي نصت عليها المادة 917 من القانون المدني لا تقوم إلا باجتماع شرطين: هما احتفاظ المتصرف بحيازة العين التي تصرف فيها واحتفاظه بحقه في الانتفاع بها مدى حياته إلا أن خلو العقد من النص عليهما لا يمنع قاضي الموضوع؛ إذا تمسك الورثة الذين أضر بهم التصرف بتوافر هذين الشرطين رغم عدم النص عليهما في العقد؛ من استعمال سلطته في التحقيق من توافرهما للوقوف على حقيقة العقد المتنازع عليه وقصد المتصرف من تصرفه وذلك في ضوء ظروف الدعوى وملابساتها غير متقيد في ذلك بما ورد في العقد من نصوص صريحة دالة على تنجيزه لأن للوارث أن يثبت بطريق الإثبات كافة مخالفة هذه النصوص للواقع متى كان قد طعن في العقد بأنه يخفي وصية احتيالاً على أحكام الإرث.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن المطعون ضدهن أقمن الدعوى رقم 33 سنة 1958 كلي الفيوم على الطاعن والسيدة لوليه مرقص عبد المسيح بطلب الحكم لهن بتثبيت ملكيتهن لأنصبتهن الشرعية البالغ قدرها 12 و3/ 5 قيراط من 24 قيراطاً في العقارات والمنقولات المتروكة عن والدهن والمبينة بصحيفتها وصحيفتي تعديل الطلبات مثالثة بينهن وتسليم هذه الحصص إليهن - وقلن شرحاً لهذه الدعوى إنه بتاريخ 28 فبراير سنة 1957 توفى المرحوم عياد صليب عن تركة وورثه هم زوجته لوليه مرقص وأولاده الطاعن والمطعون ضدهن وكان المورث قد أصيب قبل الوفاة بمدة طويلة بمرض ألزمه الدار ثم بعته شيخوخي أفقده الإرادة و الإدراك ومنذ ذلك الحين استأثر ولده الطاعن بممتلكات أبيه وانتهز فرصة ضعف قواه العقلية ليستصدر منه عقوداً صورية تفيد تصرفه إليه في بعض أملاكه فتقدمن إلى محكمة الأحوال الشخصية بطلب الحجر على والدهن وإذ توفى قبل الانتهاء من تحقيق هذا الطلب والبت فيه أقمن هذه الدعوى بطلباتهن سالفة البيان. وأجاب الطاعن بأنه لا يعارض في الحكم للمطعون ضدهن بنصيبهن في الأموال المتروكة عن والدهن التي حددها في مذكرته دون غيرها من الأعيان والعقارات التي اشتراها من المورث بعقود صحيحة صدرت منه وهو أهل للتعاقد وفي حالة صحة - وفي 5 إبريل سنة 1960 قضت المحكمة "بندب مكتب الخبراء للاطلاع على ملف الدعوى ومستندات الطرفين وبيان ما تركه مورث الطرفين من الأموال والأعيان المبينة بصحيفتي افتتاح الدعوى وتعديل الطلبات وذلك بعد استبعاد ما تصرف فيه للمدعى عليه الأول (الطاعن) وتقدير قيمة هذه التركة وواضع اليد عليها من الورثة وتحديد نصيب المدعيات (المطعون ضدهن) فيما يثبت أنه متروك عن المورث. وبررت المحكمة قضاءها باستبعاد هذه التصرفات بما ثبت لها من مطالعة صورة تحقيق نيابة الأحوال الشخصية في القضية رقم أ ب سنة 1957 كلي أحوال شخصية الفيوم من أن وكيل النيابة المحقق لم يثبت أية ظاهرة من ظواهر ضعف العقل في المورث واستدلت بذلك على أن المورث لم يكن معتوهاً وقت تقديم طلب الحجر في سنة 1957 أو في أي مدة سابقة عليه. وبعد أن باشر الخبير هذه المأمورية تمسك المطعون ضدهن بأن بعض الأعيان والممتلكات الموضحة بصحيفة تعديل الطلبات اشتراها المورث صورياً باسم ولده الطاعن وأن البعض الآخر تم بيعه من المورث للطاعن بموجب عقود بيع صورية قصد بها الإيصاء وحرمانهم من نصيبهن الشرعي في تركة هذا المورث. كما تمسكن بأن الطاعن قد استولى على نصيبهن في الغلال والمواشي والنقود المتروكة عن المورث. ورد الطاعن على ذلك بأن المحكمة إذ انتهت في أسباب حكمها المؤرخ 5/ 4/ 1960 إلى القضاء بصحة العقود الصادرة له من المورث لاكتمال أهليته وكان قضاؤها في هذا الصدد قطعياً ونهائياً فإنها بذلك تكون قد استنفدت ولايتها في هذا الخصوص ولا يجوز لها أن تعود وتبحث هذه المسائل من جديد. وفي 27 فبراير سنة 1962 حكمت المحكمة (أولاً) برفض الدفع المبدى بعدم قبول الدعوى لسبق الفصل فيها. (ثانياً) وقبل الفصل في الموضوع بإحالة الدعوى إلى التحقيق لتثبت المدعيات (المطعون ضدهن) بكافة طرق الإثبات أن عقود البيع الصادرة من مورثهن إلى المدعى عليه الأول (الطاعن) عقود صورية قصد بها الإيصاء. (ثالثاً) توجيه اليمين الحاسمة للمدعى عليه بالصيغة الواردة في منطوق هذا الحكم، وبعد حلف اليمين وسماع شهود الطرفين قضت المحكمة في 19 يونيو سنة 1962 قبل الفصل في الموضوع "بإعادة الأوراق إلى مكتب الخبراء لتقييم تركة المورث بما في ذلك العقارات موضوع العقود المطعون عليها بالصورية المنوه عنها بهذا الحكم والحكم الصادر في 27/ 2/ 1962 وبيان ما إذا كانت هذه العقارات تبلغ في قيمتها ثلث التركة أم لا فإن كانت تزيد عن الثلث فعلى الخبير تعيين القدر الزائد" وأقامت المحكمة قضاءها في النزاع الدائر حول التصرفات الصادرة للطاعن من المورث والغير بأنها في حقيقتها تبرع مضاف إلى ما بعد الموت وليست بيعاً منجزاً استأنف الطاعن هذا الحكم لدى محكمة استئناف بني سويف بالاستئناف رقم 308 سنة 1 قضائية وفي 8 مارس سنة 1964 حكمت تلك المحكمة بإلغاء الحكم المستأنف فيما قضى به بالنسبة للتصرفات الصادرة إلى المستأنف (الطاعن) من الغير في الأطيان والعقارات المبينة بصحيفتي افتتاح الدعوى وتعديل الطلبات واعتبار هذه التصرفات صحيحة غير مشوبة بأي بطلان وتأييد الحكم المستأنف فيما انتهى إليه بالنسبة للتصرفات الأخرى الصادرة إلى المستأنف من المورث في الأطيان والعقارات المبينة الحدود والمعالم بصحيفتي افتتاح الدعوى والتعديل على مقتضى ما ورد بالأسباب. فطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة مذكرة رأت فيها بطلان الطعن بالنسبة للمطعون ضدها الثانية ورفضه موضوعاً بالنسبة للمطعون ضدهما الأولى والثالثة وبالجلسة المحددة لنطر الطعن تمسكت النيابة بهذا الرأي.
وحيث إن النيابة أسست الدفع ببطلان الطعن بالنسبة للمطعون ضدها الثانية على أن الطاعن لم يقم بإعلانها به في الميعاد القانوني.
وحيث إن هذا الدفع صحيح ذلك أن الطعن رفع في 6/ 5/ 1964 وقد أدركه قانون السلطة القضائية رقم 43 لسنة 1965 قبل أن يعرض على دائرة فحص الطعون ولما كانت المادة الثالثة من هذا القانون الذي عمل به من تاريخ نشره في 22 يوليو سنة 1965 قد نصت في فقرتها الثانية على أن تتبع الإجراءات التي كان معمولاً بها قبل إنشاء دوائر فحص الطعون وكانت المادة 431 من قانون المرافعات قبل تعديله بالقانون رقم 401 سنة 1955 الذي أنشأ دوائر فحص الطعون قد أوجبت على الطاعن أن يعلن الطعن إلى جميع الخصوم الذين وجه إليهم في الخمسة عشر يوماً التالية لتقرير الطعن وإلا كان الطعن باطلاً وحكمت المحكمة من تلقاء نفسها ببطلانه وإذ كانت أوراق الطعن قد خلت مما يثبت قيام الطاعن بإعلان المطعون ضدها الثانية خلال الخمسة عشر يوماً التالية لتاريخ العمل بالقانون المذكور وحتى انقضى الميعاد الذي منحه إياه القانون رقم 4 لسنة 1967 لاستكمال ما لم يتم من الإجراءات التي يقتضيها تطبيق نص الفقرة الثانية من المادة الثالثة من القانون رقم 43 لسنة 1965 ولتصحيح ما لم يصح منها وفقاً لحكم تلك الفقرة فإنه يتعين إعمال الجزاء المنصوص عليه في المادة 431 مرافعات سالفة البيان والحكم ببطلان الطعن بالنسبة للمطعون ضدها الثانية ولما كان الموضوع الذي فصل فيه الحكم المطعون فيه مما يقبل التجزئة فإن البطلان يقتصر عليها ولا يمتد إلى المطعون ضدهما الأخريين اللتين صح إعلانهما بالطعن.
وحيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية بالنسبة للمطعون ضدهما الأولى والثالثة.
وحيث إنه أقيم على سبعة أسباب ينعى الطاعن في السبب الثاني منها على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون وفي بيان ذلك يقول إن النزاع في صورته الواردة بصحيفة افتتاح الدعوى يقوم على طلب بطلان تصرفات المورث للطاعن استناداً إلى العته والصورية وتمسكت المطعون عليهن في المذكرة المقدمة لجلسة 22 مارس سنة 1960 بتطبيق المادة 917 من القانون المدني وفي 5 إبريل سنة 1960 حكمت المحكمة بندب مكتب الخبراء لبيان ما تركه مورثهما من الأموال والأعيان المبينة وذلك بعد استبعاد ما تصرف فيه للمدعى عليه الأول (الطاعن) وهذا الحكم وإن كان قد انتهى إلى ندب خبير إلا أنه أنهى الخصومة بين الطرفين حول صحة التصرفات المطعون عليها وحسم الوصف القانوني لهذه التصرفات وإذ عادت المحكمة الابتدائية وأصدرت حكمها المستأنف على خلاف ما قضى به حكمها السابق وأيدت محكمة الاستئناف هذا الحكم على الرغم من تمسك الطاعن أمامها بحجية الأمر المقضي التي حازها حكم 5 إبريل سنة 1960 فإن الحكم المطعون فيه يكون مخطئاًَ في تطبيق القانون.
وحيث إن هذا النعي مردود بأن الحكم المطعون فيه رد على ما تمسك به الطاعن في خصوص حجية الحكم الصادر بتاريخ 5/ 4/ 1960 بقوله "إن أساس الدفع المبدى من المستأنف عليهن (المطعون ضدهن) ببطلان عقود البيع الصادرة إليه من المورث على أساس صورية هذه العقود وأنها في حقيقتها وصية في حين أنهن أسسن البطلان في الدفع الأول المقضى فيه بالحكم الصادر في 5 إبريل سنة 1960 على انعدام أهلية المورث وأنه بذلك يكون السبب مختلفاًَ في الحالين ويكون ما ذهب إليه الحكم الصادر من محكمة أول درجة بتاريخ 5/ 4/ 1960 برفض هذا الدفع في محله" وهذا الذي قرره الحكم وأقام عليه قضاءه صحيح في القانون ذلك أنه لا حجية للحكم إلا فيما يكون قد فصل فيه بين الخصوم بصفة صريحة أو بصفة ضمنية حتمية سواء في المنطوق أو في الأسباب المتصلة به اتصالاً وثيقاًَ والتي لا يقوم المنطوق بدونها ولما كان الثابت من الأوراق أن النزاع انحصر أولاً بين الخصوم فيما إذا كانت العقود الصادرة من المورث لابنه الطاعن قد صدرت منه وهو في كامل أهليته أو أنه كان منعدم الأهلية بسبب العته الشيخوخي الذي أصابه وكانت المحكمة قد قضت في 5/ 4/ 1960 بصحة تلك العقود واقتصر بحثها في الأسباب على الطعن في العقود بانعدام أهلية المتصرف ولم تعرض في هذه الأسباب إلى ما أثاره المطعون ضدهن بشأن إخفاء هذه التصرفات لوصايا كما لم يتضمن منطوقها فصلاً في هذه المسألة فإن هذا الحكم لا يكون له أية حجية فيها لأن ما لم تنظر فيه المحكمة بالفعل لا يمكن أن يكون موضوعاً لحكم يحوز قوة الأمر المقضي ولأن الطعن في التصرفات بأنها تخفي وصية لا يتعارض مع ما قطعت به المحكمة في حكمها الصادر في 5 إبريل سنة 1960 من صدورها من ذي أهلية بل إن الطعن بالوصية يفترض صدور التصرف من ذي أهلية والطعن على التصرف بأنه في حقيقته وصية يعتبر سبباً مختلفاً عن الطعن فيه بانعدام أهلية المتصرف.
وحيث إن الطاعن ينعى في السببين الأول والسادس على الحكم المطعون فيه فساد الاستدلال والقصور في التسبيب وفي بيان ذلك يقول إن الحكم الابتدائي الذي أيده الحكم المطعون فيه وأحال إلى أسبابه انتهى إلى القول بصورية التصرفات الصادرة من المورث لولده الطاعن أخذاً بأقوال شهود المطعون ضدهن في حين أن هذه الأقوال لا تفيد هذا الاستخلاص كما أخذت المحكمة بأقوال بعض الشهود بالنسبة لبعض العقود على أن هذه الأقوال تتناول العقود جميعاً وأسست قضاءها على تلك الأقوال وأغفلت الرد على النقد الذي وجهه إليها الطاعن فجاء حكمها بذلك قاصر البيان.
وحيث إن هذا النعي غير سديد ذلك أنه يبين من الحكم الابتدائي الذي أيده الحكم المطعون فيه وأحال إلى أسبابه أنه حصل ما ذكره الشهود في قوله "ومن حيث إن المحكمة سمعت شهود الطرفين فقرر محمد كيلاني الشاهد الأول للمدعيات أنه توسط في النزاع بين الطرفين وقبل المدعى عليه (الطاعن) التنازل عن التصرفات الصادرة إليه من والده وقرر خليل إبراهيم الشاهد الثاني أن المدعى عليه أشهده على العقود الخاصة بمنزلي الإسكندرية وسنورس وماكينة الطحين والأرض الفضاء وأنه لم يدفع ثمناً لهذه العقارات في حضوره وإن كان البائع قد أقر بقبض الثمن وقرر شفيق حسنين الشاهد الثالث أن المورث اشترى منزل شارع الغندقلي باسم المدعى عليه ودفع الثمن من جيبه الخاص وأضاف أن الأخير كان يعيش مع والده المورث في معيشة واحدة ويدير تجارته ولم يكن لديه أموال خاصة وقرر داود يعقوب الشاهد الرابع أن المدعى عليه كان يشارك والده معيشته ويباشر معه تجارته ولم يكن له تجارة خاصة وأنه لم يتعامل معه شخصياً إلا بعد وفاة والده وخلصت المحكمة إلى أنه "يبين من أقوال شهود المدعيات الذين تطمئن المحكمة إلى أقوالهم وتأخذ بها أن المدعى عليه كان يدير أموال والده وتجارته ولم يكن لديه تجارة خاصة حتى يتوفر لديه المال اللازم لسداد أثمان العقارات المتنازع عليها وعلى ذلك تكون التصرفات المذكورة في حقيقتها تبرعاً مضافاً إلى ما بعد الموت أي وصية" ولما كان هذا الذي حصلته المحكمة من أقوال الشهود بالإضافة إلى القرينتين اللتين ساقتهما وهما أن المورث كان ثرياً طاعناً في السن ولم يكن في حاجة إلى بيع أملاكه وأن الطاعن هو ابنه الوحيد الذي كان يعاونه في أعماله وإدارة أمواله مما يدخل في نطاق سلطتها التقديرية للتدليل وكان ما استخلصته من أقوال الشهود هو استخلاص سائغ يؤدي إلى النتيجة التي انتهت إليها ولا مخالفة فيه للثابت في أقوالهم وكان أخذ المحكمة بأقوال هؤلاء الشهود وما ذكرته عن اطمئنانها إليها يتضمن الرد المسقط للنقد الذي وجهه إليها الطاعن فإن النعي على الحكم المطعون فيه بهذين السببين يكون على غير أساس.
وحيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه بالسببين الثالث والسابع مخالفة الثابت بالأوراق والقصور في التسبيب ويقول في بيان ذلك إنه قدم للمحكمة شهادة رسمية من السجل التجاري تفيد أو والده اعتزل التجارة منذ سنة 1941 ومع ذلك قالت المحكمة إن الطاعن كان يعاون والده في تجارته. وأن الأموال الجارية باسمه في التجارة كانت في الواقع لحساب والده واستخلصت المحكمة من هذا الذي قررته أن نية المورث قد انصرفت إلى الإيصاء للطاعن بالأموال والعقارات موضوع العقود المتنازع عليها في حين أن الوالد قد توفى في 28 من فبراير سنة 1957 وتمت التصرفات المطعون عليها بعد اعتزاله التجارة بسنوات طويلة وكان حرياً بمحكمة الموضوع وقد قضت على خلاف الثابت بهذه الشهادة الرسمية القاطعة أن تتناولها بالرد وإذ هي لم تفعل فإن حكمها يكون مشوباً بالقصور.
وحيث إن هذا النعي في غير محله ذلك أن الحكم المطعون فيه إذ أقام قضاءه بأن التصرفات الصادرة من المورث لابنه الطاعن في حقيقتها وصايا على أقوال الشهود وقرائن الأحوال التي استخلصها من وقائع الدعوى وعناصرها وكانت هذه الأدلة والقرائن تكفي لحمل النتيجة التي انتهى إليها فإنه لا يعيب الحكم التفاته عن الرد على الشهادة المقدمة من الطاعن الدالة على اعتزال المورث التجارة منذ مدة طويلة سابقة على وفاته إذ المحكمة ليست ملزمة بالرد على كل ما يقدمه إليها الخصوم من مستندات وحسبها أن تقيم حكمها على ما يصلح من الأدلة لحمله.
وحيث إن حاصل السبب الرابع الخطأ في تطبيق القانون وفي بيان ذلك يقول الطاعن إنه تمسك أمام المحكمة الابتدائية بأنه اشترى الأطيان والعقارات المبيعة من والده من ماله الخاص وذكر أنه حتى بفرض أن المورث قد وهبه المال اللازم للشراء فإن هذه الهبة تكون صحيحة بالقبض عملاً بالفقرة الثانية من المادة 488 مدني إلا أن المحكمة الابتدائية اعتبرت هذا الافتراض بمثابة إقرار منه بالهبة ورتبت عليه النتيجة التي وصلت إليها في حكمها وبذلك تكون قد غيرت سبب الدعوى من تلقاء نفسها وهو أمر لا تملكه وإذ جاء الحكم المطعون فيه مؤيداً لهذا القضاء فإنه يكون قد خالف القانون بما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي غير مقبول لأنه موجه إلى ما ورد في أسباب الحكم الابتدائي مما لم يأخذ به الحكم المطعون فيه إذ أن محكمة الاستئناف لم تؤسس قضاءها على الافتراض المشار إليه في سبب النعي وإنما أسسته على أقوال الشهود والقرائن التي استخلصتها من وقائع الدعوى وعناصرها - وفقاً لما سلف بيانه عند الرد على السبب الأول - هذا إلى أن هذا النعي يعتبر سبباً جديداً لعدم التمسك به أمام محكمة الاستئناف فلا يجوز التحدي به لأول مرة أمام محكمة النقض.
وحيث إن الطاعن ينعى بالسبب الخامس على الحكم المطعون فيه الخطأ في القانون ذلك أنه أجرى تطبيق المادة 917 من القانون المدني مع أنه يشترط لتطبيقها أن يظل المورث حائزاً للعين المبيعة وأن يحتفظ لنفسه بحق الانتفاع طيلة حياته في حين أن الثابت في العقود أن حيازة الأموال المبيعة قد انتقلت إلى الطاعن في حياة المورث وفور صدور البيع كما لم يحتفظ فيها البائع لنفسه بحق الانتفاع بأية طريقة كانت.
وحيث إن هذا النعي مردود بأنه وإن كان صحيحاً أن القرينة التي نصت عليها المادة 917 من القانون المدني لا تقوم إلا باجتماع شرطين هما احتفاظ المتصرف بحيازة العين التي تصرف فيها واحتفاظه بحقه في الانتفاع بها مدى حياته إلا أن خلو العقد من النص عليهما لا يمنع قاضي الموضوع من استعمال سلطته في التحقق من توافر هذين الشرطين للوقوف على حقيقة العقد المتنازع عليه وقصد المتصرف من تصرفه وذلك في ضوء ظروف الدعوى وملابساتها غير متقيد في ذلك بما ورد في العقد من نصوص صريحة دالة على تنجيزه لأن للوارث أن يثبت بطريق الإثبات كافة مخالفة هذه النصوص للواقع متى كان قد طعن في العقد بأنه يخفي وصية احتيالاً على أحكام الإرث. لما كان ذلك وكان الثابت من الاطلاع على الحكم الابتدائي أنه قضى باعتبار التصرفات محل النزاع مضافة إلى ما بعد الموت وقصد بها الاحتيال على قواعد الإرث وتسري عليها أحكام الوصية بناء على ما استخلصه من أقوال الشهود ومن الظروف التي أحاطت بتحريرها ومن أن المورث لم يكن في حاجة إلى المال المتحصل من البيع وأن الطاعن لم يكن في حالة تسمح له بالشراء وكان من شأن هذه الأدلة أن تؤدي إلى النتيجة التي انتهى إليها الحكم من أن نية الطرفين قد انصرفت إلى الوصية لا إلى البيع فإن الحكم المطعون فيه إذ أيد الحكم الابتدائي وأحال إلى أسبابه في هذا الخصوص لا يكون قد خالف القانون أو أخطأ في تطبيقه.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن برمته على غير أساس.

الطعن 471 لسنة 37 ق جلسة 30 / 1 / 1973 مكتب فني 24 ج 1 ق 23 ص 119

جلسة 30 من يناير سنة 1973

برياسة السيد المستشار/ عباس حلمي عبد الجواد، وعضوية السادة المستشارين: عدلي بغدادي، ومحمود المصري، وأحمد سميح طلعت، ومصطفى الفقي.

---------------

(23)
الطعن رقم 471 لسنة 37 القضائية

(1)، (2) - بيع. وصية. "قرينة المادة 917 مدني" إثبات. صورية. إرث.
(1) مجرد بيع المورث حق الانتفاع بالعقار لوارث بعد تصرفه في حق الرقبة إليه غير مانع من اعتبار التصرف وصية. م 917 مدني.
(2) قرينة م 917 مدني. مناطها: احتفاظ المتصرف بحيازة العين التي تصرف فيها وبحق الانتفاع بها مدى حياته. خلو العقد من النص عليهما لا يمنع محكمة الموضوع من التحقيق من توافرهما. للوارث إثبات أن العقد يخفي وصية احتيالاً على أحكام الإرث بكافة طرق الإثبات.
(3)، (4). محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل." إثبات. "قرائن قضائية". حكم "القصور في التسبيب. ما يعد كذلك".
(3) التفات الحكم عن التحدث عن المستندات التي قدمها الخصم مع ما قد يكون لها من الدلالة. قصور.
(4) استقلال محكمة الموضوع بتقدير القرائن القضائية. محله اطلاعها عليها وإخضاعها لتقديرها. عدم بحثها. قصور.
(5) إرث. وصية. "حكم". "القصور في التسبيب". نقض.
دفاع الورثة بأن تصرف المورث لأحدهم يخفي وصية استناداً إلى مستندات وقرائن. دفاع جوهري. إغفال الرد عليه. قصور.

---------------
1 - مجرد بيع المورث حق الانتفاع بالعقارات موضوع الدعوى إلى ولديه القاصرين بعد أن كان قد تصرف إليهما في حق الرقبة، لا يمنع من اعتبار التصرف وصية وفقاً للمادة 917 من القانون المدني، إذ لا يعدو ذلك أن يكون بمثابة بيع الرقبة وحق الانتفاع ابتداء مع النص على تنجيز التصرف، وهو ما لا يحول بين الطاعنات - باقي الورثة - وبين إثبات مخالفة هذا النص للواقع.
2 - من المقرر - في قضاء هذه المحكمة - أنه وإن كان صحيحاً أن القرينة التي نصت عليها المادة 917 من القانون المدني، لا تقوم إلا باجتماع شرطين هما احتفاظ المتصرف بحيازة العين التي تصرف فيها وبحقه في الانتفاع بها مدى حياته، إلا أن خلو العقد من النص عليها لا يمنع قاضي الموضوع من استعمال سلطته في التحقق من توفر هذين الشرطين للوقوف على حقيقة العقد المتنازع عليه وقصد المتصرف من تصرفه وذلك في ضوء ظروف الدعوى وملابساتها غير متقيد في ذلك بما ورد في العقد من نصوص صريحة دالة على تنجيزه، لأن للوارث أن يثبت بطرق الإثبات كافة مخالفة هذه النصوص للواقع، متى كان قد طعن في العقد بأنه يخفي وصية احتيالاً على أحكام الإرث.
4 - القول باستقلال محكمة الموضوع بتقدير القرائن القضائية وبإطراح ما لا ترى الأخذ به منها محله أن تكون قد اطلعت عليها وأخضعتها لتقديرها فإذا بان من الحكم أن المحكمة لم تطلع على تلك القرائن، وبالتالي لم تبحثها فإن حكمها يكون قاصراً قصوراً يبطله.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن تتحصل في أن الطاعنات أقمن ضد المطعون عليها عن نفسها وبصفتها الدعوى رقم 342 سنة 1963 مدني كلي بني سويف، وطلبن الحكم بتثبيت ملكيتهن إلى 21 فداناً و14 قيراطاً شيوعاً في 43 فداناً و12 قيراطاً و23 سهماً أطياناً زراعية وإلى 145.5 متراً شيوعاً في منزل مساحته 300 متر مربع مبينة جميعها بصحيفة الدعوى وقلن بياناً لذلك إن مورث الطرفين تصرف في معظم ما يملك من عقارات إلى المطعون عليها وولديها منه تصرفاً صورياً لم ينفذ حال حياته بل ظل واضعاً اليد على ما تصرف فيه حتى وفاته، وإذ استأثرت المطعون عليها بالتركة عقب وفاته وأنكرت على الطاعنات حقهن الشرعي في الميراث، فقد أقمن عليها هذه الدعوى بالطلبات سالفة البيان، وفي 3/ 1/ 1966 قضت المحكمة الابتدائية بإحالة الدعوى إلى التحقيق لإثبات ونفي أن تصرفات المورث هي في حقيقتها وصية، وبعد أن سمعت المحكمة شهود الطرفين قضت في 13/ 2/ 1972 ببطلان كافة التصرفات الصادرة من المورث إلى المطعون عليها وولديها القاصرين واعتبار العقارات المتصرف فيها تركة للمورث تقسم بين ورثته. استأنفت المطعون عليها عن نفسها وبصفتها هذا الحكم بالاستئناف رقم 26 سنة 5 قضائية بني سويف وبعد أن نظرت محكمة الاستئناف الدعوى بجلسة 9/ 5/ 1967 حددت للنطق بالحكم جلسة 11/ 6/ 1967 وصرحت لمن يشاء من الخصوم بتقديم مذكرة خلال أسبوعين، وفي 7/ 6/ 1967 قضت بإلغاء الحكم المستأنف وبرفض الدعوى فيما تناولته العقود الصادرة من المورث إلى ولديه. طعنت الطاعنات في هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن وبالجلسة المحددة لنظره التزمت رأيها. وحيث إن مما تنعاه الطاعنات على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه والقصور في التسبيب، وفي بيان ذلك يقلن إنهن تمسكن في مذكراتهن المقدمة إلى محكمة الاستئناف لجلسة 11/ 6/ 1967 التي كانت محددة للنطق بالحكم بأن التصرفات محل النزاع الصادرة من مورث الطرفين إلى ولديه القاصرين تعتبر وصية في حقهن، إذ احتفظ لنفسه بحيازة ما تصرف فيه وبحقه في الانتفاع به مدى حياته، وأن عقود الإيجار التي استدلت بها المطعون عليها على أن المورث كان يؤجر بعض الأطيان المتصرف فيها بصفته ولياً طبيعياً على ولديه المذكورين هي عقود صورية اصطنعت على غير الحقيقة إبان مرضه لاتخاذها دليلاً على تنجيز تلك التصرفات وقد شهد الشهود أمام محكمة الدرجة الأولى بمحالفة هذه العقود للواقع، وقدمت الطاعنات تدليلاً على ذلك عقود إيجار وأوامر أداء وإيصالات صادرة من المورث تفيد أنه ظل يقوم بتأجير ما تصرف فيه لحسابه الخاص. غير أن الحكم المطعون فيه لم يعن باستعراض هذه الأدلة أو مناقشتها واقتصر في تسبيب قضائه على القول بأن عقود الإيجار المقدمة من المطعون عليها تفيد أن المورث كان يؤجر الأطيان المتصرف فيها بصفته ولياً طبيعياً على ولديه وليس بصفته الشخصية، وأنه بعد أن كان قد احتفظ بحقه في الانتفاع بها عاد فباع هذا الحق إليهما بعقد مشهر في سنة 1956، وهو فيما ترى الطاعنات قول مرسل لا يصلح سبباً لإطراح ما تمسكن به من أن التصرفات محل النزاع تعتبر وصية وأن العقود المقدمة من المطعون عليها صورية مما يعيب الحكم بمخالفة القانون والخطأ في تطبيقه والقصور في التسبيب.
وحيث إن هذا النعي صحيح، ذلك أنه يبين من الاطلاع على الصورة الرسمية للمذكرة المقدمة من الطاعنات إلى محكمة الاستئناف لجلسة 11/ 6/ 1967 والمودعة ملف الطعن أنهن تمسكن فيها بأن التصرفات الصادرة من المورث إلى ولديه القاصرين تخفي وصية احتيالاً على أحكام الإرث، وأن عقود الإيجار المقدمة من المطعون عليها هي عقود صورية، وقدمن إثباتاً لذلك المستندات والقرائن المشار إليها في سبب النعي على النحو السالف بيانه، ولما كان الحكم المطعون فيه لم يعرض لهذا الدفاع إلا بقوله "إنه بالاطلاع على عقود الإيجار المقدمة من المستأنفة المطعون عليها بحافظها رقم 15 ملف ابتدائي يبين أن المورث كان يؤجر الأطيان التي تصرف فيها لولديه القاصرين بصفته ولياً طبيعياً عليهما ولم يكن يؤجرها بصفته الشخصية وأن حيازته لهذه الأطيان لم تكن لحسابه بل لحساب ولديه القاصرين اللذين باع لهما هذه الأطيان، وأنه بعد أن كان المورث قد احتفظ بحق الانتفاع مدى الحياة عاد فباع هذا الحق لابنيه بالعقد المشهر في 29 أغسطس سنة 1956، وأنه مما سبق بيانه يتضح أن الشرطين اللازمين لاعتبار العقود الصادرة من المورث لولديه وصية غير متوفرين، الأمر الذي يتعين معه ضرورة اعتبارها بيوعاً منجزة" وكان مجرد بيع المورث حق الانتفاع بالعقارات موضوع الدعوى بعد تصرفه في حق الرقبة إلى ولديه القاصرين لا يمنع من اعتبار التصرف وصية وفقاً للمادة 917 من القانون المدني إذ لا يعدو ذلك أن يكون بمثابة بيع الرقبة وحق الانتفاع ابتداء مع النص على تنجيز التصرف، وهو ما لا يحول بين الطاعنات وبين إثبات مخالفة هذا النص للواقع، لما هو مقرر في قضاء هذه المحكمة من أنه وإن كان صحيحاً أن القرينة التي نصت عليها المادة آنفة الذكر لا تقوم إلا باجتماع شرطين هما احتفاظ المتصرف بحيازة العين التي تصرف فيها وبحقه في الانتفاع بها مدى حياته، إلا أن خلو العقد من النص عليهما لا يمنع قاضي الموضوع من استعمال سلطته في التحقق من توفر هذين الشرطين للوقوف على حقيقة العقد المتنازع عليه وقصد المتصرف من تصرفه، وذلك في ضوء ظروف الدعوى وملابساتها غير متقيد في ذلك بما ورد في العقد من نصوص صريحة دالة على تنجيزه، لأن للوارث أن يثبت بطرق الإثبات كافة مخالفة هذه النصوص للواقع متى كان قد طعن في العقد بأنه يخفي وصية احتيالاً على أحكام الإرث، وكان ما أقام عليه الحكم قضاءه مما سلفت الإشارة إليه يفيد أن المحكمة لم تطلع على ما ركنت إليه الطاعنات من مستندات وقرائن تمسكن بدلالتها على أن المورث ظل واضعاً اليد على ما تصرف فيه لولديه حتى وفاته، وكان من المقرر في قضاء هذه المحكمة أنه متى قدم الخصم إلى محكمة الموضوع مستندات وتمسك بدلالتها فالتفت الحكم عن التحدث عنها بشيء مع ما قد يكون لها من الدلالة، فإنه يكون مشوباً بالقصور كما أن القول باستقلال محكمة الموضوع بتقدير القرائن القضائية وبإطراح ما لا ترى الأخذ به منها محله أن تكون قد اطلعت عليها وأخضعتها لتقديرها فإذا بان من الحكم أن المحكمة لم تطلع على تلك القرائن وبالتالي لم تبحثها فإن حكمها يكون أيضاً قاصراً قصوراً يبطله. لما كان ذلك وكان دفاع الطاعنات بأن التصرفات الصادرة من المورث إلى ولديه القاصرين تخفي وصية استناداً إلى المستندات والقرائن المشار إليها، وأن عقود الإيجار التي قدمتها المطعون عليها للتدليل بها على تنجيز تلك التصرفات هي عقود صورية تخالف حقيقة الواقع هو دفاع جوهري من شأنه لو صح أن يتغير به وجه الرأي في الدعوى، فإن إغفال المحكمة الرد على هذا الدفاع من شأنه أن يعيب الحكم بالقصور في التسبيب ومخالفة القانون بما يستوجب نقضه لهذا السبب دون حاجة إلى بحث باقي أسباب الطعن.

الطعن 223 لسنة 34 ق جلسة 18 /4 / 1968 مكتب فني 19 ج 2 ق 115 ص 795

جلسة 18 من إبريل سنة 1968

برياسة السيد المستشار/ محمود توفيق إسماعيل نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: السيد عبد المنعم الصراف، وسليم راشد أبو زيد، ومحمد صدقي البشبيشي، ومحمد سيد أحمد حماد.

--------------

(115)
الطعن رقم 223 لسنة 34 القضائية

حكم. "حجية الأحكام". قوة الأمر المقضي. إثبات. "حجية الشيء المحكوم فيه".
للحكم القطعي حجية الشيء المحكوم فيه من يوم صدوره ولو كان قابلاً للطعن. هذه الحجية تمنع الخصوم من رفع دعوى جديدة وليس للمحكمة التي أصدرته ولا لمحكمة غيرها أن تعيد النظر فيما قضى به - إذا تمسك الخصم الآخر بالحجية - ما لم تكن هي المحكمة التي يحصل التظلم إليها منه بإحدى طرق الطعن. وقف حجية الحكم بمجرد رفع استئناف عنه حتى يقضى بتأييده فنعود له حجيته أو بإلغائه فتزول عنه. عدم تقيد المحكمة المرفوع إليها النزاع بحجية حكم طعن فيه بالاستئناف طالما لم يقض برفضه قبل أن تصدر حكمها في الدعوى. المادة 397 مرافعات. جواز استئناف الأحكام الصادرة في حدود النصاب الانتهائي على خلاف حكم سابق لم يجز قوة الشيء المحكوم به لعدم صيرورته انتهائياً.

---------------
لكل حكم قضائي قطعي حجية الشيء المحكوم فيه من يوم صدوره ولو كان قابلاً للطعن فيه. وهذه الحجية تمنع الخصوم من رفع دعوى جديدة بادعاءات تناقض ما قضى به هذا الحكم ولا يجوز معها للمحكمة التي أصدرته ولا لمحكمة غيرها أن تعيد النظر فيما قضي به إذا تمسك الخصم الآخر بحجيته إلا إذا كانت هي المحكمة التي يحصل التظلم إليها منه بإحدى طرق الطعن القانونية، إلا أن هذه الحجية مؤقتة وتقف بمجرد رفع استئناف عن هذا الحكم وتظل موقوفة إلى أن يقضى في الاستئناف فإذا تأيد الحكم عادت إليه حجيته، وإذا ألغي زالت عنه هذه الحجية. ويترتب على وقف حجية الحكم نتيجة لرفع الاستئناف عنه أن المحكمة التي يرفع إليها نزاع فصل فيه هذا الحكم لا تتقيد بهذه الحجية طالما لم يقض برفض هذا الاستئناف قبل أن تصدر حكمها في الدعوى. وقد أعمل قانون المرافعات هذه القاعدة في المادة 397 منه فأجاز استئناف جميع الأحكام الصادرة في حدود النصاب الانتهائي إذا كان الحكم صادراً على خلاف حكم سابق لم يحز قوة الشيء المحكوم به ويطرح الحكم السابق على المحكمة الاستئنافية إذا لم يكن قد صار انتهائياً عند رفع الاستئناف. ومفاد ذلك أن المحكمة التي يرفع إليها الاستئناف عن الحكم الثاني المخالف لحجية الحكم الأول لا تتقيد بهذه الحجية بل إن لها أن تعيد النظر في الحكمين غير متقيدة بأيهما طالما أن الحكم الأول لم يكن قد صار انتهائياً وقت صدور الحكم الثاني لأنه بهذه الانتهائية يصبح حائزاً لقوة الأمر المقضي التي لا تجوز مخالفتها.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن الهيئة العامة للسكك الحديدية "الطاعنة" أقامت الدعوى رقم 1897 سنة 1952 مدني كلي القاهرة على المطعون ضدهم طالبة الحكم عليهم متضامنين الأول من ماله الخاص والباقين من تركة مورثهم المرحوم سيد أحمد آدم بأن يدفعوا لها مبلغ 5640 ج والفوائد القانونية وقالت شرحاً لها إنه بمقتضى عقد بيع مؤرخ 5 من نوفمبر سنة 1944 اشترى منها المطعون ضده الأول والمرحوم سيد أحمد آدم مورث باقي المطعون ضدهم الفحم الرجوع الناتج من منطقة القباري في المدة من أول يناير سنة 1945 إلى 31 أكتوبر سنة 1945 بسعر المتر المكعب 5 ج و500 م - وأنهما امتنعا عن استلام كميات الفحم المتعاقد عليها والتي بلغ حجمها 1880 متراً مكعباً وذلك على الرغم من التنبيه عليهما مراراً باستلام هذه الكميات ودفع ثمنها مما اضطرها إلى إعادة بيعها بالمزاد على حسابهما عملاً بالبند العاشر من عقد البيع فرسا مزادها على المدعو جمعه محمد مندور بسعر المتر المكعب 2 ج و500 م وإذ كان هذا السعر ينقص عن السعر المتعاقد عليه بمقدار ثلاثة جنيهات فإن مجموع الخسارة التي أصابتها في كمية الفحم كلها تكون 5640 ج وقد طالبت المطعون ضده الأول ومورث الباقين بالوفاء لها بهذا المبلغ فامتنعا وأقاما عليها الدعوى رقم 720 سنة 1946 مدني كلي القاهرة بطلب فسخ العقد وإلزامها بأن ترد إليهما التأمين والثمن المدفوعين منهما مع التعويض وقد قضي للمطعون ضده الأول في هذه الدعوى بتاريخ 27 مايو سنة 1951 بمبلغ 390 ج قيمة نصيبه بحق النصف في التأمين المدفوع والمعجل من ثمن الفحم الذي لم يتسلمه ورفضت المحكمة القضاء له بالتعويض تأسيساً على ما سجلته في حكمها من عدم وقوع خطأ من الهيئة الطاعنة وثبوت التقصير في جانبه - وعلى أثر صدور هذا الحكم أقامت الهيئة الطاعنة الدعوى الحالية بطلباتها سالفة الذكر كما استصدرت أمراً بتوقيع الحجز تحت يدها على ما للمطعون ضدهم في ذمتها وفاء للمبلغ المطالب به وطلبت في الدعوى رقم 3318 سنة 1952 مدني كلي القاهرة الحكم بصحة هذا الحجز وجعله نافذاً. وضمت محكمة القاهرة الابتدائية الدعويين ليصدر فيهما حكم واحد وطلب المطعون ضدهم رفضهما تأسيساً على أن الهيئة الطاعنة هي التي أخلت بالتزاماتها بأن امتنعت عن تسليم الفحم المبيع مما حدا بالمطعون ضده الأول ومورث الباقين إلى رفع الدعوى رقم 720 سنة 1946 المشار إليها فيما سبق على الهيئة الطاعنة وفي 24 إبريل سنة 1962 قضت محكمة القاهرة الابتدائية برفض الدعويين فاستأنفت الهيئة الطاعنة هذا الحكم لدى محكمة استئناف القاهرة بالاستئناف رقم 1778 سنة 79 ق وكان ضمن ما تمسكت به في صحيفة استئنافها وفي مذكراتها أن الحكم الابتدائي صدر على خلاف حكم سابق هو الحكم الصادر في دعوى المطعون ضدهم رقم 720 سنة 1946 مدني كلي القاهرة والذي قضى برفض طلب التعويض تأسيساً على أن المشتريين (المطعون ضده الأول ومورث باقي المطعون ضدهم) هما اللذان أخلا بالتزاماتهما الناشئة عن العقد المؤرخ 5 نوفمبر سنة 1944. وأضافت الطاعنة أن هذا الحكم السابق قد أصبح نهائياً لأنها وإن كانت قد استأنفته بالاستئناف رقم 710 سنة 68 ق إلا أنه قضى بتاريخ 7 مارس سنة 1963 بوقف السير فيه وظل هذا الاستئناف موقوفاً مدة زادت على خمس سنوات فانقضت بذلك الخصومة فيه عملاً بالمادة 307 مرافعات مما يترتب عليه صيرورة الحكم الابتدائي نهائياً وحائزاً لقوة الأمر المقضي وفي 4 فبراير سنة 1964 قضت محكمة استئناف القاهرة بتأييد الحكم المستأنف - وبتقرير تاريخه 4 إبريل سنة 1964 طعنت الهيئة الطاعنة في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة ثلاث مذكرات رأت في الأولى منها نقض الحكم المطعون فيه وعدلت في المذكرتين الثانية والثالثة عن هذا الرأي وطلبت رفض الطعن وبالجلسة المحددة لنظره تمسكت النيابة برأيها الأخير.
وحيث إن الطعن أقيم على سبب واحد حاصله أن الحكم المطعون فيه خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وتأويله وفي بيان ذلك تقول الهيئة الطاعنة إن الحكم المطعون فيه أقام قضاءه على أنها هي التي قصرت في الوفاء بالتزاماتها الناشئة عن العقد المؤرخ 5 نوفمبر سنة 1944 بأن امتنعت عن تسليم الفحم المبيع للمشتريين "المطعون ضده الأول ومورث الباقين" وفقاً لما هو متفق عليه في العقد وأنه لذلك لا يكون لها حق الرجوع عليهما بأي تعويض - وإذ كان الحكم الصادر بتاريخ 27 مايو سنة 1951 في الدعوى رقم 720 سنة 1946 مدني كلي القاهرة والتي كان قد رفعها المطعون ضده الأول ومورث الباقين على الطاعنة بطلبات منها طلب إلزامها بالتعويض بسبب عدم تنفيذها التزاماتها الناشئة عن نفس العقد قد قضي برفض طلبهم التعويض تأسيساً على ما سجله في أسبابه المرتبطة بالمنطوق من أن المشتريين هما اللذان تراخيا بغير عذر مقبول في استلام الفحم المبيع بمقتضى ذلك العقد فإنه بذلك يكون قد قطع بعدم وقوع تقصير من جانب الهيئة الطاعنة في تنفيذ التزاماتها ويكون الحكم المطعون فيه إذ قضى برفض دعواها - على أساس وقوع التقصير منها في تنفيذ هذه الالتزامات - قد فصل في النزاع على خلاف ما جرى به قضاء الحكم السابق وأخطأ بذلك في تطبيق القانون ولا يشفع له في مخالفة الحكم السابق ما قرره من أن الحكم المذكور لم يصبح انتهائياً ذلك لأن عدم انتهائيته لا تمنع من اكتسابه حجية الشيء المحكوم فيه ويتعين على جهة القضاء التي يثار أمامها النزاع من جديد أن تلتزم هذه الحجية وأن تعمل حكمها.
وحيث إن هذا النعي غير سديد ذلك بأنه وإن كان كل حكم قضائي قطعي تكون له حجية الشيء المحكوم فيه من يوم صدوره ولو كان قابلاً للطعن فيه، وهذه الحجية تمنع الخصوم من رفع دعوى جديدة بادعاءات تناقض ما قضى به هذا الحكم ولا يجوز معها للمحكمة التي أصدرته ولا لمحكمة غيرها أن تعيد النظر فيما قضي به إذا تمسك الخصم الآخر بحجيته إلا إذا كانت هي المحكمة التي يحصل التظلم إليها منه بإحدى طرق الطعن القانونية إلا أن هذه الحجية مع ذلك مؤقتة وتقف بمجرد رفع استئناف عن هذا الحكم وتظل موقوفة إلى أن يقضى في الاستئناف فإذا تأيد الحكم عادت إليه حجيته وإذا ألغي زالت عنه هذه الحجية ويترتب على وقف حجية الحكم نتيجة لرفع الاستئناف عنه أن المحكمة التي يرفع إليها نزاع فصل فيه هذا الحكم لا تتقيد بهذه الحجية طالما لم يقض برفض هذا الاستئناف قبل أن تصدر حكمها في الدعوى. وقد أعمل قانون المرافعات هذه القاعدة في المادة 397 منه فأجاز استئناف جميع الأحكام الصادرة في حدود النصاب الانتهائي إذا كان الحكم صادراً على خلاف حكم سابق لم يحز قوة الشيء المحكوم به ويطرح الحكم السابق على المحكمة الاستئنافية إذا لم يكن قد صار انتهائياً عند رفع الاستئناف - مفاد ذلك أن المحكمة التي يرفع إليها الاستئناف عن الحكم الثاني المخالف لحجية الحكم الأول لا تتقيد بهذه الحجية بل إن لها أن تعيد النظر في الحكمين غير متقيدة بأيهما طالما أن الحكم الأول لم يكن قد صار انتهائياً وقت صدور الحكم الثاني لأنه بهذه الانتهائية يصبح حائزاً لقوة الأمر المقضي التي لا تجوز مخالفتها. لما كان ذلك وكان الثابت أن الحكم الأول - الصادر في الدعوى رقم 720 سنة 1946 مدني كلي القاهرة - لم يكن قد صار انتهائياًَ إلى أن صدر الحكم المطعون فيه لأن المطعون ضده الأول كان قد استأنفه ولما يكن قد فصل في هذا الاستئناف، فإن الحكم المطعون فيه إذ بحث مسئولية الهيئة الطاعنة من جديد وانتهى إلى وقوع التقصير منها في تنفيذ ما التزمت به في عقد البيع من تسليم المبيع وفق الحدود التي رسمها هذا العقد ونفي التقصير في جانب المشتريين (المطعون ضده الأول ومورث باقي المطعون ضدهم) وذلك على خلاف ما انتهى إليه الحكم الصادر في الدعوى رقم 720 سنة 1946 مدني كلي القاهرة وقال الحكم المطعون فيه في تبرير هذه المخالفة "إنه لا يغير من النظر الذي انتهى إليه أن تذهب محكمة القاهرة الابتدائية في الحكم الصادر منها في الدعوى رقم 720 سنة 1946 المذكورة إلى أن المشتريين قد تراخيا بغير عذر مقبول في استلام الفحم الرجوع المبيع إذ أن هذا الحكم لم يعد انتهائياً فقد استأنفه المستأنف عليه الأول (المطعون ضده الأول) كما يقول المستأنفان في صحيفة استئنافهما بالاستئناف رقم 710 سنة 68 ق القاهرة الذي قضى بوقف السير فيه ولما يقض فيه بانقضاء الخصومة بعد حتى يسوغ القول بأن ذلك الحكم قد أصبح انتهائياً" لما كان ذلك وكانت الطاعنة لم تضمن أسباب طعنها أن الحكم الأول الصادر في الدعوى رقم 720 لسنة 1946 كان قد صار انتهائياً وقت صدور الحكم المطعون فيه فإن هذا الحكم لا يكون مخالفاً للقانون.
وحيث إنه لذلك يتعين رفض الطلب.

الطعن 284 لسنة 5 ق جلسة 19 / 11 / 1960 إدارية عليا مكتب فني 6 ج 1 ق 21 ص 139

جلسة 19 من نوفمبر سنة 1960

برياسة السيد/ سيد علي الدمراوي نائب رئيس المجلس وعضوية السادة مصطفى كامل إسماعيل وعبد المنعم سالم مشهور ومحمد مختار العزبي وأبو الوفا زهدي محمد المستشارين.

-----------------

(21)

القضية رقم 284 لسنة 5 القضائية

عقد إداري - مناقصة - تأمين ابتدائي 

- البند (21) من المادة 137 من لائحة المخازن والمشتريات المصدق عليها من مجلس الوزراء في 6/ 6/ 1948 - نصه على وجوب تقديم العطاء مصحوباً بالتأمين المؤقت كاملاً - مقصود به تحقيق أمرين - هما ضمان جدية العطاءات، والمساواة بين المتناقصين - الأثر المترتب على مخالفة هذا النص الآمر - هو عدم الالتفات إلى العطاء واستبعاده قبول الإدارة هذا العطاء - غير صحيح ولا ينتج أثراً ولا يتم به العقد الإداري - أساس ذلك.

---------------
إن البند الحادي والعشرين من المادة 137 من لائحة المخازن والمشتريات المصدق عليها من مجلس الوزراء في 6 من يونيه سنة 1948 قد نص على أنه "يجب أن يقدم مع كل عطاء تأمين مؤقت بواقع 2% من مجموع قيمة العطاء ولا يلتفت إلى العطاءات غير المصحوبة بتأمين مؤقت كامل - ثم جاء الشرط الوارد في العطاء تحت عنوان "ملحوظة" ترديداً لنص اللائحة المشار إليه حيث قال "يرفض كل عطاء يقدم وليس معه تأمين ابتدائي كامل بواقع 2% من جملته ولا ينظر إليه". "واضح مما تقدم أن هذه النصوص الآمرة قصد بها تحقيق مصلحة عامة متعلقة بجدية العطاءات والمساواة بين المتقدمين في المناقصات. هذه النصوص قررت الأثر المترتب على العطاء غير المصحوب بالتأمين المؤقت كاملاً وهو عدم الالتفات إليه وبالتالي استبعاده وكأنه لم يقدم فليس يجوز للإدارة مع هذه الضوابط القانونية الموضوعة لحماية المصلحة العامة في المناقصات أن تهدر أحكام تلك النصوص في اللائحة والشروط بقبول عطاء واجب الاستبعاد؛ ومن ثم فإن الحكم المطعون فيه إذ قضى بعدم الالتفات إلى عطاء المدعى عليه يكون صحيحاً مطابقاً للقانون، ولا مقنع فيما ذهب إليه الطعن من أن الإيجاب المقدم من المدعى عليه يكون قد صادفه قبول من الإدارة ينعقد به العقد الإداري وينتج كافة الآثار القانونية - لا مقنع في ذلك كما جاء في الطعن ذاته من أن اشتراط تقديم العطاء مصحوباً بالتأمين الابتدائي مقصود به تحقيق أمرين: ضمان جدية العطاءات، والمساواة بين المتقدمين - وظاهر أن تحقيق هذين الأمرين يقتضي استبعاد العطاء ويكون قبوله - والحالة هذه - إجراء خاطئاً من جانب الإدارة لا يترتب عليه قبول صحيح منتج لآثاره.


إجراءات الطعن

في يوم 10 من فبراير سنة 1959 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية المحكمة عريضة طعن في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (هيئة العقود الإدارية وطلبات التعويض) بجلسة 14 من ديسمبر سنة 1958 في الدعوى رقم 731 سنة 11 القضائية - والمضمومة لها دعوى تثبيت أمر الحجز التحفظي رقم 1 لسنة 13 القضائية والمرفوعتين من مجلس مديرية الغربية ضد (1) محمود حسين عنان (2) مصلحة المساحة، والذي قضى "أولاً - برفض الدعوى رقم 731 لسنة 11 القضائية، ثانياً - بإلغاء أمر الحجز التحفظي رقم 1 لسنة 13 الصادر من رئيس محكمة القضاء الإداري بتاريخ 6 من أكتوبر سنة 1958 وبإلغاء الحجز الموقع بناء عليه تحت يد مدير مصلحة المساحة واعتباره كأن لم يكن، ثالثاً - إلزام الحكومة المصروفات ومبلغ 300 قرش مقابل أتعاب المحاماة". وطلب رئيس هيئة المفوضين للأسباب التي استند إليها في عريضة الطعن "الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء بإلزام المدعى عليه بأن يدفع لمدير الغربية بصفته مبلغ 35 جنيهاً و503 مليمات والفوائد القانونية بواقع 4% من تاريخ المطالبة الرسمية مع تثبيت الحجز التحفظي الموقع على ما للمدعى عليه تحت يد مدير مصلحة المساحة وجعله نافذاً وإلزام المدعى عليه بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة". وقد أعلن الطعن لمجلس مديرية الغربية في 20 من إبريل سنة 1959 ولمصلحة المساحة في 2 من مارس سنة 1959 وتحدد لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون جلسة 21 من فبراير سنة 1960. وفي 31 من يناير سنة 1960 أخطر ذوو الشأن بميعاد هذه الجلسة وفيها قررت المحكمة إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا وحددت لذلك جلسة 9 من إبريل سنة 1960 وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه الموضح بالمحضر ثم أرجأت النطق بالحكم إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة - حسبما يبين من الأوراق تتحصل في أن مجلس مديرية الغربية أقام الدعوى رقم 731 لسنة 11 القضائية بعريضة أودعها سكرتيرية محكمة القضاء الإداري في 4 من إبريل سنة 1957 قال فيها إنه أشهر مناقصة عن توريد وتركيب أجهزة المياه الساخنة لمبنى مؤسسة البنين بالمحلة الكبرى وحدد لفتح مظاريفها يوم 31 من يناير سنة 1955 وقدم المدعى عليه في 30 من يناير سنة 1955 عطاءه عن هذه المناقصة بمبلغ 130 جنيهاً ودفع مبلغ جنيهين تأميناً ابتدائياً، وقد رأت اللجنة المختصة قبول عطائه وإرساء المناقصة عليه، وطالب المجلس بتاريخ 8 من فبراير سنة 1955 المدعى عليه بدفع التأمين النهائي وقدره 10% والحضور لتوقيع العقد، فلم يأبه لذلك فأخطره المجلس ثانية بخطاب موصى عليه بضرورة توريد التأمين النهائي والحضور لتوقيع العقد وحدد له عشرة أيام من تاريخ 16 من فبراير سنة 1955 حتى لا يضطر المجلس لاتخاذ الإجراءات القانونية فلم ينفذ شيئاً ولحاجة المؤسسة لهذه الأجهزة قام المجلس بمصادرة التأمين الابتدائي المقدم من المدعى عليه، وأعاد إشهار المناقصة على حسابه فرست في 10 من مارس سنة 1955 على المقاول محمد شبل بمبلغ 165 جنيهاً و503 مليمات صرف له في 5 مايو سنة 1955 أي بفرق 35 جنيهاً و503 مليمات وطالب المجلس المدعى عليه بهذا الفرق بالكتب المؤرخة 23 من أكتوبر، 25 من نوفمبر، 10 و19 من ديسمبر سنة 1956 دون جدوى، لهذا يطلب المجلس إلزام المدعى عليه بدفع مبلغ 35 جنيهاً و503 مليمات والفوائد والمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة.
ورد المدعى عليه على هذه الدعوى بمذكرة ضمنها أن العقد الإداري لا ينعقد إلا بتوافر إرادتين وإذا كان تقديم العطاء يعتبر إيجاباً إلا أن ذلك مشروط بأن يكون العطاء مصحوباً بتأمين ابتدائي قدره 2% وهذا ما نصت عليه شروط المناقصة محل النزاع وما تنص عليه لائحة المخازن والمشتريات، وهذه النصوص تجعل تقديم التأمين الابتدائي إلزامياً، فإذا لم يقدم مع العطاء التأمين الابتدائي الكامل تعين عدم الالتفات إلى العطاء ووجب استبعاده وإلا كان تصرف الإدارة باطلاً ومخالفاً لنص اللائحة. وختم المدعى عليه مذكرته بطلب الحكم برفض الدعوى مع الحكم له برد التأمين المؤقت الذي دفعه.
ثم عقب مجلس المديرية على مذكرة المدعي بمذكرة حاصلها أنه بمجرد إخطار مقدم العطاء بقبول عطائه يصبح التعاقد تاماً بينه وبين الوزارة أو المصلحة طبقاً للشروط، أما دفع التأمين النهائي وتوقيع العقد فما هو إلا لضمان تنفيذ التعاقد، وأما التأمين المؤقت فمقرر سداده لضمان جدية العطاء، فهو بهذه المثابة مشروط تقديمه لصالح الوزارة، فإذا تجاوزت الوزارة عن التأخير في تقديمه أو عن النقص في قيمته فلا يكون هناك محل لما يثيره المدعى عليه بشأن التأمين.
وبتاريخ 5 من أكتوبر سنة 1958 أودع مجلس مديرية الغربية سكرتيرية محكمة القضاء الإداري صحيفة طلب توقيع حجز تحفظي قيدت برقم 1 لسنة 13 القضائية ضد محمود حسين عنان ومدير مصلحة المساحة، ضمنها أنه أقام أمام محكمة القضاء الإداري الدعوى رقم 731 لسنة 11 القضائية ضد المدعى عليه الأول لمطالبته بمبلغ 35 جنيهاً و503 مليمات والفوائد القانونية والمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة، وذلك لأن مجلس المديرية سبق أن شهر مناقصة عن توريد أجهزة المياه الساخنة لمبنى مؤسسة البنين بالمحلة الكبرى وقدم المدعى عليه الأول عطاءه عن هذه المناقصة بمبلغ 130 جنيهاً ودفع تأميناً قدره 2% وقررت لجنة البت قبول عطائه ثم طالبه المجلس مراراً بدفع التأمين النهائي وقدره 10% من قيمة العطاء والحضور لتوقيع العقد إلا أنه لم يأبه، فأعاد المجلس إشهار المناقصة على حسابه ورست على المقاول محمد شبل بمبلغ 165 جنيهاً و503 مليمات صرفت له أي بفرق 35 جنيهاً و503 مليمات يلزم به المدعى عليه الأول، ويقول المدعي أن حقه في المبلغ المذكور ثابت من شروط عطائه وأوراق إعادته المناقصة على حسابه، ويحق له طلب توقيع الحجز التحفظي فوراً على ما للمدعى عليه الأول تحت يد المدعى عليه الثاني وفاء للمبلغ المطلوب وعشره نظير المصروفات الاحتمالية، وذكر المدعي أنه رفع الدعوى رقم 731 لسنة 11 القضائية أمام محكمة القضاء الإداري ضد المدعى عليه الأول لمطالبته بالمبلغ المذكور وحدد لها جلسة 12 من أكتوبر سنة 1958 وطلب الأمر بتوقيع الحجز التحفظي ما للمدين لدى الغير فوراً وبدون تنبيه وتحت مسئولية الطالب على ما للمدعى عليه الأول تحت يد المدعى عليه الثاني وفاء لمبلغ 35 جنيهاً و503 مليمات وعشرة نظير المصاريف الاحتمالية. وتحديد جلسة 12 من أكتوبر سنة 1958 ليسمع المدعى عليه الأول الحكم بإلزامه بأن يدفع للمدعي مبلغ 35 جنيهاً و503 مليمات والفوائد القانونية بواقع 4% من وقت المطالبة الرسمية حتى السداد والمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة مع تثبيت الحجز التحفظي وجعله نافذاً.
وبتاريخ 6 من أكتوبر سنة 1958 أصدر السيد رئيس محكمة القضاء الإداري أمره بتقدير دين مجلس مديرية الغربية تقديراً مؤقتاً بمبلغ 35 جنيهاً و503 مليمات وبتوقيع الحجز التحفظي فوراً وتحت مسئولية الطالب على ما تحت يد المدعى عليه الثاني بصفته مديراً لمصلحة المساحة من أموال مستحقة للمدعى عليه الأول وذلك وفاء للمبلغ سالف الذكر وعشره نظير المصاريف الاحتمالية وحدد جلسة 12 من أكتوبر سنة 1958 لنظر صحة وتثبيت هذا الحجز مع تكليف الطالب باستيفاء الإجراءات القانونية.
وبالجلسة المذكورة نظرت المحكمة دعوى الموضوع ودعوى تثبيت الحجز وقررت المحكمة ضم قضية الحجز إلى قضية الموضوع.
وبجلسة 14 من ديسمبر سنة 1958 حكمت المحكمة (أولاً) برفض الدعوى رقم 731 لسنة 11 القضائية (ثانياً) بإلغاء أمر الحجز التحفظي رقم 1 لسنة 13 الصادر من رئيس محكمة القضاء الإداري بتاريخ 6 من أكتوبر سنة 1958 وبإلغاء الحجز الموقع بناء عليه تحت يد مدير مصلحة المساحة وباعتباره كأن لم يكن (ثالثاً) إلزام الحكومة المصروفات وبمبلغ 300 قرش مقابل أتعاب المحاماة - وأقامت المحكمة قضاءها على أنه لما كان عطاء المدعى عليه بمبلغ مائة وثلاثين جنيهاً فقد كان يجب عليه أن يودع معه تأميناً ابتدائياً يوازي 2% من قيمة العطاء أي جنيهين وستمائة مليم ولكنه لم يودع معه سوى جنيهين فقط مما كان يتعين معه رفض عطائه وعدم النظر فيه طبقاً للشرط الوارد في العطاء تحت عنوان "ملحوظة"، وإلا فيم كان هذا الشرط خصوصاً إذا روعيت صيغة التأكيد التي صيغ بها، فقد استهل بعبارة "برفض كل عطاء" ثم عند ذكر التأمين الابتدائي: اشترط أن يكون كاملاً وأخيراً اختتم الشرط بما يفيد أن العطاء غير المصحوب بالتأمين الابتدائي كاملاً لن ينظر فيه، وهذا كله بالإضافة إلى أن هذا الشرط إن هو إلا ترديد لما ورد في البند الحادي والعشرين من المادة 137 من لائحة المخازن والمشتريات المصدق عليها من مجلس الوزراء في 6 من يونيه سنة 1948 والذي ينص على أنه "يجب أن يقدم مع كل عطاء تأمين مؤقت بواقع 2% من مجموع قيمة العطاء ولا يلتفت إلى العطاءات غير المصحوبة بتأمين مؤقت كامل" وأنه كان يتعين لما تقدم على لجنة العطاءات بالمجلس إغفال العطاء المقدم من المدعى عليه، ولذلك يكون قبول المجلس لهذا العطاء ثم طرح العملية في مناقصة جديدة على حساب المدعى عليه قد وقع مخالفاً للقانون ومن ثم فلا حق للمجلس في الرجوع على المدعى عليه بالفرق بين السعر الوارد في عطاء المدعى عليه وبين السعر الذي رست به العملية في المناقصة الثانية، مما يتعين معه الحكم برفض الدعوى ويترتب على ذلك أن يكون طلب تثبيت الحجز الصادر به أمر رئيس محكمة القضاء الإداري في 6 من أكتوبر سنة 1958 لا مبرر له وتعين الحكم بإلغاء أمر الحجز المذكور والحجز المتوقع بناء عليه تحت يد مصلحة المساحة واعتباره كأن لم يكن مع إلزام مجلس المديرية بالمصروفات.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن الحكم المطعون بني على أنه كان يجب على الإدارة استبعاد عطاء المدعى عليه وفقاً للملحوظة الواردة في نهاية شروط العطاء ما دام لم يقدم التأمين الابتدائي بواقع 2% من جملة العطاء، إلا أن ما ذهب إليه الحكم المطعون فيه غير سليم؛ ذلك أن التأمين الابتدائي مقصود به تحقيق أمرين: أولهما ضمان جدية العطاءات، والثاني تحقيق مبدأ المساواة بين المتقدمين في أي قضية، ولذلك فلا يقبل الاحتجاج بعدم دفع التأمين الابتدائي المشروط إلا لمن شرع تقديم التأمين ضماناً لحقوقه أي لجهة الإدارة، لأن التأمين مشروط لصالحها حتى تضمن جدية العطاءات المقدمة ثم للمتقدمين الآخرين الذين قدموا تأميناً كاملاً، لأن في قبول عطاء غير مصحوب بالتأمين إخلالاً بمبدأ المساواة بين المتقدمين في المناقصة أما من قبل عطاؤه فلا يجوز له التحدي بعدم قيامه بدفع التأمين الابتدائي كاملاً، لأن التأمين ليس مشروطاً لمصلحته وذلك بالتطبيق للمبدأ الوارد في المادة 138 من القانون المدني والتي تنص على أنه "إذا جعل القانون لأحد المتعاقدين حقاً في إبطال العقد فليس للمتعاقد الآخر أن يتمسك بهذا الحق"، كما أنه لا يجوز للمدعي أن يستفيد من تقصيره لأن في ذلك خروجاً على مبدأ تنفيذ العقود بحسن نية، وأنه لما كان الثابت من الأوراق أن جهة الإدارة قامت بعد إرساء المناقصة على المدعى عليه بإخطاره بقبول عطائه في خلال المدة المعينة لسريان العطاء، فمن ثم فإن الإيجاب المقدم من المدعى عليه يكون قد صادفه قبول من الإدارة ينعقد به العقد الإداري بين الطرفين منتجاً لكافة الآثار القانونية المترتبة على ذلك وأخصها خضوع العقد للنظام القانوني للعقود الإدارية وهو يعطي للإدارة سلطة توقيع جزاءات على المتعاقد معها إذا ما قصر في تنفيذ التزامه بالكامل أو تأخر في تنفيذه، كما يعطيها الحق في أن تستعمل وسائل الضغط لإجبار المتعاقد المقصر على تنفيذ التزاماته المتصلة بالمرفق العام بأن تحل بنفسها محله أو أن تعمل على إحلال شخص آخر محله في تنفيذ الالتزام، ومن الأمور المسلمة أن هذا الإجراء الأخير لا يتضمن إنهاء العقد بالنسبة للمتعاقد المقصر، بل يظل هذا المتعاقد مسئولاً أمام جهة الإدارة وتتم العملية لحسابه وعلى مسئوليته، ويضاف إلى ما تقدم أنه ثابت من أوراق الدعوى أن الإدارة لم تلجأ إلى إعادة المناقصة على حساب المدعى عليه إلا بعد أن نكل عن تنفيذ التزامه وبعد إعذاره، فمن ثم فإن الإجراء الذي اتخذته الإدارة يكون صحيحاً مطابقاً للقانون وتكون الإدارة محقة في الرجوع على المدعى عليه بالمبالغ التي تكبدتها نتيجة لإعادة المناقصة على حسابه وإذ كانت المبالغ المطلوبة معلومة المقدار وقت الطلب، فمن ثم فإنها تدخل في منطقة استحقاق الفوائد بالتطبيق لنص المادة 226 من القانون المدني، وتكون جهة الإدارة المدعية محقة في مطالبة المدعى عليه بالمبالغ المضمنة عريضة الدعوى وبفوائدها القانونية بواقع 4% من تاريخ المطالبة القضائية وفي المطالبة بتثبيت الحجز التحفظي الموقع على ما للمدعى عليه تحت يد مدير المساحة بصفته وجعله نافذاً، وإذ ذهب الحكم المطعون فيه مذهباً مخالفاً فإنه يكون قد أخطأ في تأويل القانون وتطبيقه متعيناً الطعن فيه.
ومن حيث إنه يبين مما تقدم أن المسألة مثار النزاع في هذا الطعن هو الأمر المترتب على تقديم عطاء غير مصحوب بكامل التأمين المؤقت - وهل يجوز لجهة الإدارة قبوله أم يجب عليها عدم الالتفات إليه واستبعاده؟
ومن حيث إن البند الحادي والعشرين من المادة 137 من لائحة المخازن والمشتريات المصدق عليها من مجلس الوزراء في 6 من يونيه سنة 1948 قد نص على أنه "يجب أن يقدم مع كل عطاء تأمين مؤقت بواقع 2% من مجموع قيمة العطاء ولا يلتفت إلى العطاءات غير المصحوبة بتأمين مؤقت كامل" - ثم جاء الشرط الوارد في العطاء تحت عنوان "ملحوظة" ترديداً لنص اللائحة المشار إليه حيث قال "يرفض كل عطاء يقدم وليس معه تأمين ابتدائي كامل بواقع 2% من جملته ولا ينظر إليه".
وحيث إنه واضح مما تقدم أن هذه النصوص الآمرة قصد بها تحقيق مصلحة عامة متعلقة بجدية العطاءات والمساواة بين المتقدمين في المناقصات - هذه النصوص قررت الأثر المترتب على العطاء غير المصحوب بالتأمين المؤقت كاملاً وهو عدم الالتفات إليه وبالتالي استبعاده وكأنه لم يقدم، فليس يجوز للإدارة مع هذه الضوابط القانونية الموضوعة لحماية المصلحة العامة في المناقصات أن تهدر أحكام تلك النصوص في اللائحة والشروط بقبول عطاء واجب الاستبعاد. ومن ثم فإن الحكم المطعون فيه، إذ قضى بعدم الالتفات إلى عطاء المدعى عليه، يكون صحيحاً مطابقاً للقانون، ولا مقنع فيما ذهب إليه الطعن من أن الإيجاب المقدم من المدعى عليه يكون قد صادفه قبول من الإدارة ينعقد به العقد الإداري وينتج كافة الآثار القانونية - لا مقنع في ذلك لما جاء في الطعن ذاته من أن اشتراط تقديم العطاء مصحوباً بالتأمين الابتدائي مقصود به تحقيق أمرين: ضمان جدية العطاءات، والمساواة بين المتقدمين. وظاهر أن تحقيق هذين الأمرين يقتضي استبعاد العطاء ويكون قبوله - والحالة هذه - إجراء خاطئاً من جانب الإدارة لا يترتب عليه قبول صحيح منتج لآثاره.
وحيث إنه لما تقدم يكون الحكم المطعون فيه سليماً مطابقاً للقانون ويكون الطعن في غير محله متعيناً القضاء برفضه.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وبرفضه موضوعاً.

الطعن 80 لسنة 34 ق جلسة 18 /4 / 1968 مكتب فني 19 ج 2 ق 114 ص 788

جلسة 18 من إبريل سنة 1968

برياسة السيد المستشار/ محمود توفيق إسماعيل نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: الدكتور محمد حافظ هريدي، والسيد عبد المنعم الصراف، وسليم راشد أبو زيد، ومحمد سيد أحمد حماد.

-----------------

(114)
الطعن رقم 80 لسنة 34 القضائية

(أ) نزع الملكية للمنفعة العامة. "الاستيلاء المؤقت". استيلاء. تعويض. مسئولية.
استيلاء جهة الإدارة على أرض مؤقتاً بقصد نزع الأتربة اللازمة لمشروع ذي منفعة عامة. التزامها بتعويض ذوي الشأن عن قيمة الأتربة ومقابل عدم الانتفاع وعما نقص من خصوبتها بسبب نزع تلك الأتربة. قيام هذا الالتزام سواء قامت جهة الإدارة بتنفيذ المشروع بنفسها بالطريق المباشر أو بواسطة مقاول عهدت إليه بالتنفيذ.
(ب) مسئولية. "مسئولية مصدرها القانون". "مسئولية تقصيرية". قانون. نزع الملكية للمنفعة العامة.
مسئولية جهة الإدارة على أساس المادتين 17 و18 من القانون 577 لسنة 1954 مصدرها القانون. الحكم بالتعويض ليس بحاجة إلى الاستناد إلى أحكام المسئولية التقصيرية.

---------------
1 - أجازت المادة 17 من القانون رقم 577 لسنة 1954 لجهة الإدارة الاستيلاء مؤقتاً على العقارات اللازمة لخدمة مشروع ذي منفعة عامة على أن تعين المصلحة طالبة الاستيلاء خلال أسبوع من تاريخ الاستيلاء قيمة التعويض المستحق لذوي الشأن مقابل عدم انتفاعهم بالعقار المستولى عليه وأوجبت المادة 18 على هذه المصلحة إعادة العقار في نهاية مدة الاستيلاء مع تعويض كل تلف أو نقص في قيمته. فإذا كانت الوزارة الطاعنة قد استولت على عقار المطعون ضده مؤقتاً بقصد أخذ الأتربة اللازمة لمشروع ذي منفعة عامة فإنها تكون ملزمة قانوناً بتعويض المطعون ضده عن قيمة الأتربة المستولى عليها من هذا العقار وعن مقابل عدم الانتفاع بالأرض وعما نقص من خصوبتها بسبب نزع تلك الأتربة منها إذ أن هذا النقص يعتبر تلفاً أصاب العقار ونقصاً في قيمته. ويقوم التزام الطاعنة بهذا التعويض سواء قامت بتنفيذ المشروع بنفسها بالطريق المباشر أو بواسطة مقاول عهدت إليه بالتنفيذ وأياً كان مدى إشرافها على هذا المقاول.
2 - إذا كانت مسئولية جهة الإدارة (الطاعنة) على أساس المادتين 17 و18 من القانون رقم 577 لسنة 1954 مصدرها هذا القانون فإن الحكم المطعون فيه لا يكون بحاجة إلى الاستناد إلى أحكام المسئولية التقصيرية للقضاء بالتعويض.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن المطعون ضده أقام في 10 من ديسمبر سنة 1960 الدعوى رقم 5281 سنة 1960 كلي مصر على الطاعن "وزير المواصلات" بصفته طالباً الحكم بإلزامه بأن يدفع له مبلغ 511 ج و500 م قيمة ما يستحقه من ثمن الأتربة المستولى عليها من أرضه وتعويض عن فقد خصوبتها والثابتين بتقرير الخبير الحكومي المقدم في دعوى إثبات الحالة رقم 10 سنة 1960 مستعجل دمنهور وقال المطعون ضده في بيان دعواه إنه في سبيل تنفيذ المشروع رقم 272 طرق الخاص بتمهيد ورصف طريق دمنهور شبرا خيت استولى الطاعن في 2/ 10/ 1958 على أتربة من أرضه المجاورة لهذا الطريق والمبينة بالعريضة والبالغ مساحتها خمسة أفدنة وذلك بعمق يزيد في بعض القطع على 60 سم مما أدى إلى هلاك ما كان عليها من المحاصيل وإلي بوار الأرض وضعف خصوبتها لهذا فقد رفع الدعوى رقم 10 سنة 1960 مستعجل دمنهور لإثبات حالتها وبيان ما أصابها من تلف وضرر وقيمة الأتربة المستولى عليها وإذ ثبت من تقرير الخبير المنتدب في تلك الدعوى أن ما يخصه مقابل الأتربة وما أصابه من ضرر هو مبلغ 511 ج و500 م بواقع 102 ج و300 م عن الفدان فقد رفع الدعوى الحالية للمطالبة بهذا المبلغ - وطلبت الوزارة الطاعنة رفض الدعوى تأسيساً على أن الشركة الفنية للمقاولات (تيكو) هي التي قامت بتنفيذ المشروع وذلك بمقتضى عقد مقاولة أبرمته معها الوزارة وأن الأخيرة لا تسأل عما تكون هذه الشركة قد ارتكبته أثناء تنفيذ عملية المقاولة من أخطاء ترتب عليها ضرر للمدعي لأن الشركة بوصفها مقاولاً لا تعتبر تابعة لها - وبتاريخ 27 نوفمبر سنة 1961 قضت محكمة أول درجة بإلزام المدعى عليه بصفته "الطاعن" بأن يدفع للمدعي "المطعون ضده" مبلغ 511 ج و500 م فاستأنف الطاعن بصفته هذا الحكم لدى محكمة استئناف القاهرة بالاستئناف رقم 235 سنة 79 ق طالباً إلغاء الحكم المستأنف والقضاء أصلياً بعدم اختصاص محكمة الدرجة الأولى بنظر الدعوى واحتياطياً بعدم قبولها لرفعها على غير ذي صفة ومن باب الاحتياط الكلي برفضها وبتاريخ 8 ديسمبر سنة 1963 قضت محكمة الاستئناف برفض الدفع بعدم اختصاص المحكمة الكلية بنظر الدعوى وباختصاصها بنظرها وبرفض الدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها على غير ذي صفة لثبوت هذه الصفة وبرفض الاستئناف موضوعاً وتأييد الحكم المستأنف. وبتقرير تاريخه 6 فبراير سنة 1964 طعن الطاعن بصفته في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن وصممت على هذا الرأي بالجلسة المحددة لنظر الطعن.
وحيث إن الطعن بني على أربعة أسباب تنعى الوزارة الطاعنة في أولها على الحكم المطعون فيه الفساد في الاستدلال وفي بيان ذلك تقول إن الحكم المطعون فيه استدل على قيامها بتنفيذ المشروع بالطريق المباشر لا بواسطة مقاول بما ذكره مندوب كل من مصلحة الطرق والكباري ومصلحة المساحة أمام خبير دعوى إثبات الحالة وإذ كان ما ذكره أولهما من أن المدعين لا يستحقون إلا تعويض الأتربة وما قرره الثاني من أنهم سيقومون بصرف التعويض عن الأتربة لمستحقيها لا يعدو أن يكون ترديداً لأحكام القانون رقم 577 سنة 1954 الذي يرتب التعويض عن الأتربة التي تنزع من الأرض المجاورة لطريق يتم تنفيذه بالتطبيق لأحكام ذلك القانون وبالإجراءات التي رسمها ولم تنازع الحكومة في التزامها بمقتضى أحكام هذا القانون بأداء التعويض عن الأتربة التي أخذت في حدود العمق الذي اشترطت على المقاول الذي قام بتنفيذ المشروع عدم تجاوزه أما ما أخذ من الأتربة من عمق يزيد على المنسوب المتفق عليه فإن المقاول هو الذي يكون مسئولاً عنه ولا يغير من ذلك ما أضافه مندوب مصلحة المساحة في أقواله أمام الخبير من أن مصلحة المساحة لم تعلن بالدعوى وأن مصلحة الطرق هي التي باشرت تنفيذ المشروع وتقوم بتشغيله وإتلاف الزراعات وأخذ المتارب اللازمة لأن هذا القول من قبيل نفي المسئولية عن مصلحة المساحة ولا يمكن أن يستخلص منه ما استخلصه الحكم المطعون فيه من أن مصلحة الطرق قامت بتنفيذ المشروع الذي أخذت الأتربة من أجله بالطريق المباشر وليس بطريق التعاقد مع مقاول ومن ثم يكون ما استخلصه الحكم من أقوال مندوبي مصلحتي المساحة والطرق أمام خبير دعوى إثبات الحالة مشوباً بفساد في الاستدلال. ويتحصل (السبب الثاني) في أن الحكم المطعون فيه خالف الثابت بالأوراق فيما قرره من أن الطاعنة لم تقدم الدليل على أنها عهدت بالفعل إلى مقاول بتنفيذ المشروع ذلك لأن المطعون ضده أقر بصحيفة دعوى إثبات الحالة المرفوعة منه والتي كانت مضمومة الدعوى الحالية أمام محكمة الاستئناف بأن مصلحة الطرق نفذت المشروع عن طريق شركة المقاولات كما أن الوزارة الطاعنة أودعت ضمن حافظتها المقدمة لمحكمة الاستئناف في 19/ 5/ 1963 كشفاً بقائمة الأثمان عن ذات الطريق دالاً على طرح العملية في مناقصة عامة لإرسائها على أحد المقاولين ويتحصل (السبب الثالث) في أن الحكم المطعون فيه شابه قصور في التسبيب إذ أن الوزارة الطاعنة تمسكت أمام محكمة الموضوع بدرجتيها بانعدام علاقة التبعية بينها وبين الشركة التي باشرت تنفيذ المشروع وقد أغفلت المحكمة تحقيق هذا الدفاع مكتفية بما استخلصته خطأ من أقوال مندوب الوزارة أمام خبير دعوى إثبات الحالة من أن الوزارة قامت بتنفيذ المشروع بالطريق المباشر دون الاستعانة بمقاول وهو ما تبين فساده في شرح السبب الأول وإذ كان تحقيق هذا الدفاع والفصل فيه منتجاً في الدعوى ومؤثراً في نتيجة الحكم فيها إذ لا يكفي لتقرير مسئولية الحكومة عن أعمال المقاول ثبوت قيامها بالإشراف على عمله وإنما يتعين أن يبين الحكم مدى هذا الإشراف لمعرفة ما وقع من موظفيها من خطأ في عملية المقاولة وأثر هذا الخطأ في سير الأعمال وعلاقته بالضرر الذي وقع وهل تجاوز الإشراف التنفيذ وتدخلت الحكومة تدخلاً فعلياً في تنفيذ عملية المقاولة بتسييرها المقاول كما شاءت فإن إغفال محكمة الاستئناف تحقيق دفاع الطاعنة آنف الذكر يجعل حكمها المطعون فيه مشوباً بالقصور ويتحصل (السبب الأخير) في أن الحكم المطعون فيه خالف القانون ذلك أن لو صح ما صدر من مندوب الطرق والكباري من أقوال أمام الخبير رأت فيها المحكمة دليلاً على توفر المسئولية في جانب الطاعنة فإن هذه الأقوال لا ترقى إلى مستوى الإقرار الملزم لصدوره ممن لا يملك قانوناً الإقرار لعدم صدور وكالة خاصة إليه من الطاعنة في الإقرار طبقاً لما تشترطه المادة 705 من القانوني المدني ولصدور هذه الأقوال منه في دعوى أخرى وهي دعوى إثبات حالة خاصة بتهيئة الدليل فحسب، هذا إلى أنه لو صح اعتبار تلك الأقوال إقراراً فإنه لا يجوز تجزئته؛ وإذ ذهب الحكم المطعون فيه في قضائه إلى خلاف هذا المذهب فإنه يكون مخالفاً للقانون.
وحيث إن النعي بجميع هذه الأسباب غير منتج ذلك لأنه لما كانت الوزارة قد أقرت في طلب فتح باب المرافعة المقدم منها إلى محكمة الاستئناف لجلسة 8 ديسمبر سنة 1963 والذي أشار إليه الحكم المطعون فيه أن الأتربة المطالب بالتعويض عنها قد تم الاستيلاء عليها طبقاً لقانون نزع الملكية رقم 577 سنة 1954 وأن مصلحة المساحة قامت بحصر العقارات والأتربة المستولى عليها طبقاً للإجراءات المنصوص عليها في هذا القانون كما أقرت الطاعنة بذلك في السبب الأول من أسباب الطعن وسلمت بالتزامها طبقاً لأحكام القانون المذكور بأداء التعويض عن الأتربة التي استولت عليها مصلحة الطرق والكباري من أرض المطعون ضده بتنفيذ مشروع تمهيد طريق دمنهور - شبرا خيت وإن كانت الطاعنة قد ذهبت إلى حصر التزامها هذا في حدود التعويض عن الأتربة التي أخذت طبقاً لمنسوب العمق المتفق عليه بينها وبين المقاول الذي ادعت بأنها عهدت إليه بتنفيذ هذا المشروع - لما كان ذلك وكانت المادة 17 من القانون رقم 577 سنة 1954 المذكور قد أجازت لجهة الإدارة الاستيلاء مؤقتاً على العقارات اللازمة لخدمة مشروع ذي منفعة عامة على أن تعين المصلحة طالبة الاستيلاء خلال أسبوع من تاريخ الاستيلاء قيمة التعويض المستحق لذوي الشأن مقابل عدم انتفاعهم بالعقار المستولى عليه وأوجبت المادة 18 على هذه المصلحة إعادة العقار في نهاية مدة الاستيلاء بالحالة التي كان عليها وقت الاستيلاء مع تعويض كل تلف أو نقص في قيمته، لما كان ذلك فإن الوزارة الطاعنة تكون ملزمة طبقاً لأحكام ذلك القانون بتعويض المطعون ضده الذي استولى على عقاره مؤقتاً بقصد أخذ الأتربة اللازمة للمشروع منه عن قيمة الأتربة التي أخذت من هذا العقار وعن مقابل عدم الانتفاع بالأرض وعما نقص من خصوبتها بسبب نزع تلك الأتربة منها لأن هذا النقص يعتبر تلفاً أصاب العقار ونقصاً من قيمته مما تنص المادة 18 على التزام جهة الإدارة التي تم الاستيلاء بناء على طلبها بتعويضه، ويقوم التزام الطاعنة بهذا التعويض سواء قامت بتنفيذ المشروع بنفسها بالطريق المباشر أو بواسطة مقاول عهدت إليه بالتنفيذ وأياً كان مدى إشرافها على هذا المقاول وإذ انتهى الحكم المطعون فيه إلى تعويض المطعون ضده عن مقابل الأتربة التي أخذت من أرضه وعن مقابل عدم انتفاعه بالأرض التي نزعت منها هذه الأتربة وعما أصاب هذه الأرض من ضعف في خصوبتها بسبب نزع الأتربة منها وقدر التعويض المستحق عن ذلك كله وفقاً لتقدير خبير دعوى إثبات الحالة الذي اطمأنت إليه المحكمة ولم تطعن الطاعنة على هذا التقدير لا أمام محكمة الموضوع ولا في أسباب الطعن فإن الحكم المطعون فيه يكون قد انتهى إلى نتيجة صحيحة في القانون وذلك على أساس انطباق أحكام القانون رقم 577 سنة 1954 وإذ كانت مسئولية الطاعنة مصدرها هذا القانون فإن الحكم المطعون فيه لم يكن بحاجة إلى التدليل بأقوال مندوبي مصلحة المساحة ومصلحة الطرق والكباري أمام خبير دعوى إثبات الحالة على أحقية المطعون ضده في التعويض ما دامت الطاعنة قد سلمت بأن الأتربة قد أخذت من أرضه المستولى عليها مؤقتاً لخدمة المشروع كما لم يكن الحكم المطعون فيه بحاجة إلى الاستناد إلى أحكام المسئولية التقصيرية وبحث ما إذا كانت الوزارة الطاعنة قد قامت بتنفيذ المشروع بنفسها أو عهدت به إلى مقاول أو بحث مدى مسئوليتها عن خطأ المقاول إن صح أنها استعانت به في تنفيذ المشروع وإذ كان النعي في جميع أسبابه وارداً على ما عرض إليه الحكم المطعون فيه من ذلك كله مما لم تكن المحكمة بحاجة إليه للفصل في الدعوى وكان قضاؤها يستقيم على الأساس القانوني الذي بينته المحكمة وهو أحكام القانون رقم 577 سنة 1954 وهذا الأساس لم تتناوله أسباب الطعن بأي تعييب بل سلمت به الطاعنة في السبب الأول وإن كانت قد حصرت مسئوليتها طبقاً لهذه الأحكام في حدود الأتربة التي أخذت من عمق معين دون غيرها ودون التلف الذي أصاب الأرض من جزاء نزع الأتربة منها وهو الأمر الذي يخالف صريح أحكام المادة 18 من ذلك القانون، لما كان ذلك فإن النعي بجميع أسبابه يكون - حتى بفرض صحته - غير منتج.

الطعن 431 لسنة 37 ق جلسة 27 / 1 / 1973 مكتب فني 24 ج 1 ق 22 ص 114

جلسة 27 من يناير سنة 1973

برياسة السيد المستشار/ محمد صادق الرشيدي نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: أحمد سميح طلعت، وأديب قصبجي، ومحمد فاضل المرجوشي، وحافظ الوكيل.

----------------

(22)
الطعن رقم 431 لسنة 37 القضائية

(1) عمل. "الأجر". صلح. بطلان.
الاتفاق بالصلح أو التنازل بين رب العمل وعماله. مناط بطلانه. المساس بحقوق تقررها قوانين العمل. مثال بشأن استبدال أجر ثابت بعمولة.
(2) استئناف. "ميعاد الاستئناف". عمل. "ميعاد استئناف الدعوى العمالية".
ميعاد الاستئناف المنصوص عليه في المادة 75 ق 91 لسنة 1959. قاصر على الأحكام الصادرة في دعاوى التعويض عن الفصل بلا مبرر التي ترفع وفقاً لها. ما عداها باق على أصله.

----------------
1 - الاتفاق بالصلح أو التنازل بين رب العمل والعامل - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة (1) - لا يكون باطلاً إلا أن يمس حقوقاً تقررها قوانين العمل. وإذ كان الاتفاق الذي انعقد بين الشركة الطاعنة والمطعون ضده، والذي تضمن استبدال أجر ثابت بالعمولة التي كان يتقاضاها المطعون ضده، لم يمس حقوقاً قررتها قوانين العمل، وكان الحكم المطعون فيه قد خالف هذا النظر وجرى في قضائه على "أن العمولة التي يتقاضاها المطعون ضده جزء من الأجر تعلق به حق المستأنف عليه - المطعون ضده - ولا يجوز المساس به أو الاتفاق على مبلغ أقل منه" فإنه يكون قد خالف القانون.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر، والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن المطعون ضده أقام الدعوى رقم 857 لسنة 1964 عمال كلي القاهرة طالباً الحكم على الشركة الطاعنة ببطلان عقد تعديل عقد العمل المؤرخ 29/ 10/ 1963 وبإلزامها بأن تؤدي له مبلغ 222 ج و610 م قيمة فروق مرتبه من 1/ 1/ 1962 حتى أخر مارس سنة 1964، وقال شرحاً لدعواه إنه التحق بالعمل لدى الشركة الطاعنة بأجر شهري مقداره 20 ج زيد إلى 35 ج بالإضافة إلى عمولة توزيع بنسبة 1% من مبيعات سوق القاهرة واستمر يتقاضى المرتب والعمولة إلى أن اضطرته الشركة إلى توقيع تعديل للعقد السابق ألغت فيه العمولة وأضافت 10ج إلى مرتبه الشهري ليكون 45 ج في حين أن متوسط العمولة التي كان يتقاضاها شهرياً علاوة على مرتبه خلال السنوات الثلاث السابقة بلغت 54 ج و922 م، مما يعد هذا الاتفاق تخفيضاً لأجر الطاعن ومن ثم فهو اتفاق باطل عملاً بالمادة السادسة من القانون رقم 91 لسنة 1959 وبجلسة 27/ 12/ 1965 حكمت محكمة القاهرة الابتدائية (أولاً) ببطلان عقد تعديل عقد العمل المؤرخ 29/ 10/ 1963 (وثانياً) وقبل الفصل في موضوع الشق الخاص بطلب فرق العمولة بندب الخبير الحسابي بمكتب خبراء وزارة العدل لتقدير العمولة. استأنفت الشركة الطاعنة الشق الأول من الحكم وقيد استئنافها برقم 3 سنة 83 أمام محكمة استئناف القاهرة، وبعد أن قدم الخبير تقريره أمام محكمة أول درجة قضت بإلزام الطاعنة بأن تدفع للمطعون ضده مبلغ 168ج و150 م فاستأنفت الشركة هذا الحكم أمام ذات المحكمة، وقيد استئنافها برقم 879 سنة 84 ق - وبجلسة 22/ 6/ 1967 قضت محكمة الاستئناف في الاستئناف رقم 3 سنة 83 ق برفضه وتأييد الحكم المستأنف وفي الاستئناف رقم 879 سنة 84 ق بسقوط حق الطاعنة في الاستئناف. طعنت الطاعنة في هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة العامة مذكرة طلبت فيها نقض الحكم، وبالجلسة المحددة لنظر الطعن صممت على رأيها.
وحيث إن مما تنعاه الشركة الطاعنة على الحكم المطعون فيه في شقه الخاص بالاستئناف رقم 3 سنة 83 ق مخالفته للقانون والخطأ في تطبيقه، وفي بيان ذلك تقول إن الحكم المطعون فيه استند في قضائه ببطلان الاتفاق الخاص بتعديل عقد العمل المؤرخ 29/ 10/ 1963 على مخالفته للمادة السادسة من قانون العمل رقم 91 لسنة 1959، لأنه تضمن إلغاء العمولة التي كان يتقاضاها المطعون ضده والتي تعتبر جزءاً لا يتجزأ من الأجر، هذا في حين أن الاتفاق لم يتضمن إلغاء العمولة كلياً وإنما اتفق على استبدالها بأجر ثابت يبرره نظام العمل بالشركة وللظروف الاقتصادية التي لابست أوضاعها، ومثل هذا الاتفاق الذي هو وليد إرادة الطرفين لا يكون باطلاً، ولا يوجد في أحكام قانون العمل ما يقيد حرية العامل وصاحب العمل في تعديل شروط العقد، ولم يتضمن ذلك القانون تحديداً لمقدار الأجر سوى تحديد الحد الأدنى له، وعلى ذلك فإن تحديد قدر الأجر فيما جاوز الحد الأدنى متروك لإرادة المتعاقدين، ويجب احترام إرادتهما عملاً بالمادة 147/ 1 من القانون المدني التي تنص على أن العقد قانون المتعاقدين ويجوز تعديله بإرادة طرفيه، وطالما أن الشركة الطاعنة لم تخفض الأجر عن الحد الأدنى المقرر قانوناً فإن الحكم المطعون فيه إذ قضى ببطلان التعديل يكون قد أخطأ في تطبيق القانون.
وحيث إن هذا النعي سديد، ذلك لأن الاتفاق بالصلح أو التنازل بين رب العمل والعامل - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - لا يكون باطلاً إلا أن يمس حقوقاً تقررها قوانين العمل وإذ كان الاتفاق الذي انعقد بين الشركة الطاعنة والمطعون ضده والمؤرخ 29/ 10/ 1963 والذي تضمن استبدال أجر ثابت بالعمولة التي كان يتقاضاها المطعون ضده لم يمس حقوقاً قررتها قوانين العمل وكان الحكم المطعون فيه قد خالف هذا النظر وجرى في قضائه على "أن العمولة التي يتقاضاها المطعون ضده جزء من الأجر تعلق به حق المستأنف عليه - المطعون ضده - ولا يجوز المساس به أو الاتفاق على مبلغ أقل منه" فإنه يكون قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه بما يوجب نقضه لهذا السبب دون حاجة لبحث باقي الأسباب الموجهة إلى هذا الشق من الحكم المطعون فيه.
وحيث إنما مما تنعاه الشركة الطاعنة على الحكم في شقه الآخر في الاستئناف رقم 879 سنة 84 ق أنه قضى بسقوط حق الشركة الطاعنة في استئناف الحكم الصادر من محكمة القاهرة الابتدائية بجلسة 10/ 4/ 1967، لأنه رفع بعد الميعاد المنصوص عليه في المادة 75 من القانون 91 لسنة 1959 وهو عشرة أيام من تاريخ صدور الحكم المستأنف، وهذا من الحكم خطأ في تطبيق القانون، لأن الأصل في ميعاد استئناف الأحكام التي تصدر في جميع الدعاوى بما فيها دعاوى العمل ستون يوماً من تاريخ صدورها، وذلك عملاً بالمادة 402 من قانون المرافعات السابق معدلة بالقانون رقم 100 لسنة 1962 والاستثناء وهو ما نصت عليه الفقرة الأخيرة من المادة 75 من قانون العمل من أن ميعاد استئناف الأحكام الصادرة في الموضوع والتي تحال من قاضي الأمور المستعجلة هو عشرة أيام، وهذا الاستثناء يقتصر نطاقه على الدعاوى الموضوعية التي تحال من قاضي الأمور المستعجلة، ولا يتعداه إلى الدعاوى التي ترفع ابتداء إلى محكمة الموضوع وبالأوضاع العادية، وإذ كانت دعوى المطعون ضده غير محالة إلى محكمة الموضوع من قاضي الأمور المستعجلة وقضى الحكم المطعون فيه على الرغم من ذلك بأن ميعاد استئناف الحكم الصادر فيها عشرة أيام من تاريخ النطق به فإنه يكون قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه.
وحيث إن هذا النعي في محله، ذلك أن ميعاد الاستئناف المنصوص عليه في المادة 75 من قانون العمل رقم 91 لسنة 1959 - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - قصد به الأحكام التي تصدر في دعاوى التعويض التي ترفع بالتزام الأوضاع الواردة فيها، وما عداها باق على أصله ويلتزم في استئناف الأحكام الصادرة فيه اتباع القواعد المنصوص عليها في قانون المرافعات السابق، وإذ كانت الدعوى لم ترفع بالتزام الأوضاع المنصوص عليها في هذه المادة فإن ميعاد استئناف الحكم الصادر فيها يكون ستين يوماً يبدأ من تاريخ صدور الحكم وفقاً للمادتين 379 و402 من قانون المرافعات السابق بعد تعديلهما بالقانون رقم 100 لسنة 1962 إذ كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه لم يلتزم هذا النظر وجرى في قضائه على أن ميعاد الاستئناف هو عشرة أيام فإنه يكون قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه بما يوجب نقضه دون حاجة لبحث باقي الأسباب الموجهة إلى هذا الشق من الحكم المطعون فيه.


[(1)] نقض 17/ 5/ 1967 مجموعة المكتب الفني س 18 ص 1018.

الطعن 241 لسنة 5 ق جلسة 19 / 11 / 1960 إدارية عليا مكتب فني 6 ج 1 ق 20 ص 133

جلسة 19 من نوفمبر سنة 1960

برياسة السيد/ سيد علي الدمراوي نائب رئيس المجلس وعضوية السادة/ سيد إبراهيم الديواني ومصطفى كامل إسماعيل والدكتور ضياء الدين صالح وعبد الفتاح بيومي نصار المستشارين.

---------------

(20)

القضية رقم 241 لسنة 5 القضائية

دعوى - نظر الدعوى 

- حكم - حجية الأمر المقضي - صدور حكم في المنازعة حول الماهية التي يستحقها العامل عند نقله من سلك اليومية إلى سلك الدرجات وما إذا كانت تعادل أجره اليومي الذي يتقاضاه أم أول مربوط الدرجة المنقول إليها - اختلاف هذه المنازعة سبباً وموضوعاً عن المنازعة حول ما يستحقه هذا العامل من أجر يومي - الحكم في المنازعة الأولى - لا يحوز حجية بالنسبة للثانية - جواز نظر الدعوى بشأنها - أساس ذلك.

----------------
إذا كان الثابت من الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري في الدعوى رقم 84 لسنة 8 القضائية ومن قرار اللجنة القضائية الذي صدر في شأنه هذا الحكم أن الواقعة التي كانت مطروحة أمام اللجنة وكذا أمام المحكمة هي مدى استحقاق المدعي ماهية تعادل ما كان يتقاضاه من أجر يومي طبقاً لأحكام كادر العمال وذلك عند نقله إلى سلك الدرجات في أول فبراير سنة 1950 وهل يستحق ماهية تعادل هذا الأجر أم يستحق أول مربوط الدرجة التي عين فيها، ولم تمتد المنازعة إلى مقدار ما يستحقه المدعي من أجر يومي وهل هو 180 مليماً كما صدر بذلك الحكم الصادر في الدعوى رقم 84 لسنة 8 القضائية أم 240 مليماً كما يدعي المدعي في الدعوى الحالية، فإن محل هذه الدعوى يختلف في حقيقته عن محل الدعوى رقم 84 لسنة 8 القضائية إذ لم يثر المدعي ولا الحكومة نزاعاً حول مطابقة هذا الأجر الفعلي لما يستحقه المدعي طبقاً للقانون، بل كان أجره عند نقله إلى سلك الدرجات أمراً مسلماً استمدته المحكمة من ملف خدمته ولم يثر المدعي نزاعاً في شأنه، وبالتالي لا يعتبر ما حكمت به المحكمة في هذا الخصوص حاسماً للنزاع إذا ما تبين للمدعي بعد ذلك أن الحكومة عندما قامت بتسوية حالته في سنة 1956 لم تحسب مدة خدمته منذ سنة 1934 كما كان يظن بل حسبتها من سنة 1941 إذ اعتبرته مفصولاً من عمله قبل هذا التاريخ في حين أنه يقول إنه كان موقوفاً عن عمله وليس مفصولاً منه، ومن ثم فإذا كانت الدعوى الحالية شاملة لنزاع في هذا الموضوع لم يسبق عرضه أمام القضاء ولم يقطع فيه بحكم، بعد بحثه وتحقيقه فإنها والحالة هذه تكون قائمة على أسباب جديدة ووقائع جديدة لم يسبق عرضها على القضاء.


إجراءات الطعن

في يوم 28 من يناير سنة 1959 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية المحكمة عريضة طعن في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية لوزارات الصحة والأوقاف والشئون البلدية بجلسة 6 من ديسمبر سنة 1958 في القضية رقم 59 لسنة 5 القضائية المرفوعة من السيد/ أحمد شبل نجم ضد وزارة الصحة، والقاضي بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها بنفس الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري في الدعوى رقم 84 لسنة 8 القضائية وألزمت المدعي بالمصروفات. وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين للأسباب الواردة في عريضة طعنه "الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وإعادة الدعوى إلى المحكمة الإدارية للفصل في موضوعها" - وقد أعلن الطعن للحكومة في 11 من فبراير سنة 1959 وللمدعي في 18 منه وعين لنظره جلسة 21 من فبراير سنة 1960 أمام هيئة فحص الطعون وأحيل للمرافعة لجلسة 9 من إبريل سنة 1960 وفيها وفي الجلسات التالية سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات وأرجئ النطق بالحكم لجلسة اليوم ورخصت في تقديم مذكرات.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن وقائع هذه المنازعة - حسبما يبين من الأوراق - تتحصل في أن المدعي أقام هذه الدعوى بعريضة أودعها سكرتيرية المحكمة الإدارية في 9 من ديسمبر سنة 1957 طلب فيها تسوية حالته باستحقاقه للدرجة الأولى (5 - 8 جنيهات) شهرياً وما يترتب على ذلك من آثار وإلزام الحكومة بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة - وقال شرحاً لذلك إنه التحق بخدمة مصلحة الصحة الوقائية في 11 من نوفمبر سنة 1934 بوظيفة عامل بأجر يومي قدره ستون مليماً ثم أوقف عن عمله في 20 من يوليه سنة 1940 لاتهامه مع آخرين في جريمة تزوير ثم أعيد لعمله في 4 من فبراير سنة 1941 بوظيفة تمورجي معزل وسويت حالته طبقاً لأحكام كادر العمال في الدرجة (140/ 300 مليم).
وفي أول فبراير سنة 1950 نقل إلى سلك الخدمة خارج الهيئة بالدرجة الرابعة بمرتب شهري قدره 3 جنيهات فتقدم إلى اللجنة القضائية بتظلم قيد برقم 663 لسنة 1 القضائية طالباً تصحيح حالته بمنحه مرتباً شهرياً يعادل أجره اليومي وقتئذ (230 مليماً) مضروباً في 25 يوماً وذلك من تاريخ تعيينه بالدرجة الرابعة خارج الهيئة وتسوية حالته طبقاً لقواعد كادر العمال مع رد الـ 12% التي خصمت منه اعتباراً من أول مايو سنة 1945 وصرف جميع العلاوات المستحقة له والفروق المترتبة على ذلك.
وبجلسة 23 من مايو سنة 1953 قضت اللجنة برفض تظلمه فطعن في قرارها أمام محكمة القضاء الإداري وقيد هذا الطعن برقم 84 لسنة 8 القضائية مطالباً بإلغاء القرار المذكور والحكم له بطلباته. وقد قضي في هذا الطعن بجلسة 21 من مارس سنة 1955بإلغاء قرار اللجنة السالف الذكر وبتسوية حالته على أساس استحقاقه لراتب شهري يعادل أجره اليومي وقدره 180 مليماً مضروباً في 25 يوماً من تاريخ نقله من سلك اليومية إلى سلك الدرجات وما يترتب على ذلك من آثار - ولما تبين له أن هذا الحكم قد بني على أسباب خاطئة قدمتها المصلحة للمحكمة، إذ كان ملف خدمته التي تقدمت به المصلحة في ذلك الحين مشتملاً على المدة التي قضاها في عمله اعتباراً من 4 من فبراير سنة 1941 وهو تاريخ إعادته إلى العمل وأغفلت المصلحة ضم مدة خدمته السابقة على هذا التاريخ اعتباراً من تاريخ تعيينه الأول في 11 من نوفمبر سنة 1934، ولما تظلم للمصلحة قامت بتسوية حالته تسوية خاطئة في أغسطس سنة 1956 وقال أن الأساس الصحيح الذي يجب أن تسوى عليه حالته هو وضعه في الدرجة 140/ 300 مليم اعتباراً من تاريخ التحاقه بالخدمة في 11 من نوفمبر سنة 1934 ثم يدرج أجره إلى أن يصل إلى 240 مليماً يومياً في أول يوليه سنة 1949 وهو الأجر الذي يستحقه عند نقله إلى سلك الدرجات في أول إبريل سنة 1950 مضروباً في 25 يوماً أي يكون مرتبه الشهري 600 قرش وهو ما يعادل الدرجة الأولى الممتازة القديمة التي أصبحت الدرجة الأولى (5 - 8 جنيهات) وبإضافة الاثني عشر في المائة التي يجب أن ترد إلى أجره يصبح جملة ما يجب أن يتقاضاه 6 جنيهات و750 مليماً شهرياً. وطلب الحكم بتسوية حالته باستحقاقه للدرجة الأولى (5 - 8 جنيهات) وما يترتب على ذلك من آثار مع إلزام الوزارة بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة - ثم عدل المدعي طلباته في جلسة 6 من مارس سنة 1958 طالباً الحكم بمنحه ما يوازي أجراً يومياً قدره 240 مليماً مضروباً في 25 يوماً عند نقله إلى سلك الدرجات في أول فبراير سنة 1950 وقرر أن الإدارة قامت بتسوية حالته في هذا التاريخ على أساس أجر يومي قدره 180 مليماً وأهملت مدة خدمته التي بدأت من 11 من نوفمبر سنة 1934 إلى 4 من فبراير سنة 1941 تاريخ إعادته للعمل. وقد ردت الوزارة على ذلك بأن المدعي فصل من الخدمة بأمر من لجنة التحقيق الإداري لاتهامه في واقعة تزوير استمارات أجور العمال ولما قضت محكمة طنطا الابتدائية الكلية في 23 من أكتوبر سنة 1940 ببراءته، أعادت الوزارة تعيينه من جديد في وظيفة تمورجي، وفي أول فبراير سنة 1950 نقل إلى سلك الخدم الخارجين عن الهيئة في الدرجة الرابعة، وفي 13 من فبراير سنة 1956 قامت بتسوية حالته بمقتضى الحكم الصادر له في القضية رقم 84 لسنة 4 القضائية. وقالت إن المدعي عين في سنة 1934 في وظيفة باليومية المؤقتة هي عامل صيدلية وهي غير واردة بالكادر وبعد فصله أعيد تعيينه من جديد في وظيفة جديدة وهي تمورجي وتختلف في طبيعتها عن الوظيفة الأولى - وطلبت بصفة أصلية عدم قبول الدعوى لسابقة الفصل فيها واحتياطياً برفضها وإلزام المدعي بمصروفاتها - وقد عقب المدعي على ذلك بإنكاره أنه فصل من الخدمة في 20 من يوليه سنة 1940 وقرر أنه أوقف فقط لما وجه إليه من اتهام وأن الوظيفة التي عين فيها في سنة 1941 هي ذات الوظيفة التي كان يشغلها منذ تعيينه في 11 من نوفمبر سنة 1934 - وبجلسة 6 من ديسمبر سنة 1958 قضت المحكمة بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها في القضية رقم 84 لسنة 8 القضائية من محكمة القضاء الإداري وألزمت المدعي بالمصروفات. وأقامت قضاءها على أن المدعي يهدف من طلبه تعديل ما قضت به محكمة القضاء الإداري في هذا الخصوص فيهدر بذلك حجية الحكم السابق صدوره منها، وأن ما يزعمه المدعي من أن الحكومة لم تقدم ملف خدمته المشتمل على خدمته السابقة غير صحيح، لأن تاريخ تعيينه الأول كان تحت نظر المحكمة ومحل تقديرها وبحثها وهي تقضي في الطعن المشار إليه فلم يكن هناك أي إغفال أو تقديم بيانات خاطئة من جانب الحكومة كما يدعي.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أنه يبين من الاطلاع على الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري في القضية رقم 84 لسنة 8 القضائية أنه لم يتعرض للمنازعة الحالية لا في منطوقه ولا في حيثياته فقد استندت في حكمها إلى أنه قد ثبت من ملف خدمة المدعي أن حالته قد سويت بعد نفاذ كادر العمال وفقاً لأحكامه ووصل أجره في سنة 1950 إلى 180 مليماً يومياً فلا تملك المصلحة بعد ذلك خفض راتبه عند نقله من سلك اليومية إلى سلك الدرجات ذلك لأن عمال اليومية تسوى أجورهم عند نقلهم إلى سلم الدرجات على أساس أجورهم اليومية ولا يجوز خفض الراتب إلا بعد اتخاذ الإجراءات التأديبية ولذلك قضت بتسوية حالة المدعي على أساس استحقاقه راتباً شهرياً معادلاً لأجره اليومي وقدره 180 مليم مضروباً في 25 يوماً من تاريخ نقله إلى سلك الدرجات ورفضت طلبه الاحتياطي الخاص بإعادته إلى اليومية. وهذا الحكم يفصل في نزاع يختلف عن النزاع الحالي الذي ينازع فيه المدعي في التسوية التي يستحقها خلال مدة عمله باليومية وليس في المعاملة التي يعامل بها عند نقله إلى سلك الدرجات الشهرية، كما أن السبب في المنازعتين مختلف ذلك أن السبب في النزاع الحالي هو أن خدمته باليومية تبدأ من سنة 1934 وأنه لم يفصل في عام 1940 كما تقول الوزارة بل أوقف فقط عن عمله ولذلك كان يتعين تدرج أجره من سنة 1934 فيصل بذلك إلى 240 مليماً يومياً. أما النزاع السابق فلم يثر فيه هذا البحث بل كان مقدار أجره عند نقله إلى سلك الدرجات الشهرية قضية مسلمة استمدتها المحكمة من واقع الملف ولم يثر المدعي نزاعاً في شأنها ولذلك فإن هذه الدعوى تتناول وقائع جديدة وأسباب جديدة لم يفصل فيها الحكم السابق، وإذا كان الحكمان قد اتحدا في الخصومة ويؤديان إلى غرض واحد هو تحديد ماهيته عند نقله إلى الشهرية فإنهما قد اختلفا سبباً وموضوعاً فلا يحوز الحكم السابق حجيته في هذه المنازعة. وإذ ذهب الحكم المطعون فيه غير ذلك فإنه يكون قد خالف القانون.
ومن حيث إنه يبين من الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري في الدعوى رقم 84 لسنة 8 القضائية ومن قرار اللجنة القضائية الذي صدر في شأنه هذا الحكم أن الواقعة كانت مطروحة أمام اللجنة وكذا أمام المحكمة هي واقعة مدى استحقاق المدعي ماهية تعادل ما كان يتقاضاه من أجر يومي طبقاً لأحكام كادر العمال وذلك عند نقله إلى سلك الدرجات في أول فبراير سنة 1950 وهل يستحق ماهية تعادل هذا الأجر أم يستحق أول مربوط الدرجة التي عين فيها، ولم تمتد المنازعة إلى مقدار ما يستحقه المدعي من أجر يومي وهل هو 180 مليماً كما صدر بذلك الحكم الصادر في الدعوى رقم 84 لسنة 8 القضائية أم 240 مليماً كما يدعي المدعي في الدعوى الحالية، ومن ثم فإن هذه الدعوى يختلف في حقيقته عن محل الدعوى رقم 84 لسنة 8 إذ لم يثر المدعي ولا الحكومة نزاعاً حول مطابقة هذا الأجر الفعلي لما يستحقه المدعي طبقاً للقانون، بل كان أجره عند نقله إلى سلك الدرجات أمراً مسلماً استمدته المحكمة من ملف خدمته ولم يثر المدعي نزاعاً في شأنه، وبالتالي لا يعتبر ما حكمت به المحكمة في هذا الخصوص حاسماً للنزاع إذا ما تبين للمدعي بعد ذلك أن الحكومة عندما قامت بتسوية حالته في سنة 1956 لم تحسب مدة خدمته منذ سنة 1934 كما كان يظن بل حسبتها من سنة 1941 إذ اعتبرته مفصولاً من عمله قبل هذا التاريخ في حين أنه يقول إنه كان موقوفاً عن عمله وليس مفصولاً منه، ومن ثم فإذا كانت الدعوى الحالية شاملة لنزاع في هذا الموضوع لم يسبق عرضه أمام القضاء ولم يقطع فيه بحكم بعد بحثه وتحقيقه، فإنها والحالة هذه تكون قائمة على أسباب جديدة ووقائع جديدة لم يسبق عرضها على القضاء وإذ ذهب الحكم المطعون فيه غير ذلك فإنه يكون قد أخطأ في تأويل القانون وتطبيقه.
ومن حيث إن الدعوى صالحة للفصل فيها.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق أن المدعي قد فصل من الخدمة اعتباراً من يوم 20 من يوليه سنة 1940 بناء على أمر لجنة التحقيق الإدارية لاتهامه بتزوير استمارات أجور منصرفة إلى من يدعي حسين محمد حسن في القضية رقم 1561 لسنة 1939 قسم أول طنطا ورقم 860 لسنة 1939 وأخلى طرفه من العمل، ثم أعيد إلى عمله في 4 من فبراير سنة 1941 بعد صدور حكم ببراءته من هذه التهمة وعين في وظيفة تمورجي معزل. وقد حدد كادر العمال لهذه الوظيفة أجراً قدره 140 مليماً يومياً، فإن تسوية حالته بالتطبيق لأحكام كادر العمال تبدأ من تاريخ تعيينه في هذه الوظيفة في 4 من فبراير سنة 1941 وقد قامت الوزارة فعلاً بتسوية حالته على هذا الأساس فاعتبرت أجره اليومي 140 مليماً في 4 من فبراير سنة 1941 وهو المقرر في الكادر لوظيفة تمورجي ومنح علاوة 15 مليماً في أول مايو سنة 1943 وعلاوة أخرى في أول مايو سنة 1945 مع خصم 12% طبقاً لأحكام الكادر المذكور فأصبح أجره 150 مليماً ومنح علاوة أخرى في أول مايو سنة 1947 ثم علاوة في أول مايو سنة 1949 فأصبح أجره اليومي 180 مليماً ثم نقل إلى سلك الدرجات في أول فبراير سنة 1950 وهو ما سبق أن قضت فيه محكمة القضاء الإداري في الدعوى رقم 84 لسنة 8 القضائية. وبهذه المثابة تكون دعوى المدعي قد قامت على غير أساس سليم من القانون ويتعين القضاء برفضها وإلزام المدعي بالمصروفات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وبجواز نظر الدعوى وبرفضها موضوعاً، وألزمت المدعي بالمصروفات.

الطعن 189 لسنة 33 ق جلسة 18 /4 / 1968 مكتب فني 19 ج 2 ق 113 ص 780

جلسة 18 من إبريل سنة 1968

برياسة السيد المستشار/ محمود توفيق إسماعيل نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: الدكتور محمد حافظ هريدي، والسيد عبد المنعم الصراف، وسليم راشد أبو زيد، ومحمد صدقي البشبيشي.

---------------

(113)
الطعن رقم 189 لسنة 33 القضائية

(أ) تزوير. "غرامة التزوير".
عدم إلزام المدعي بالتزوير بالغرامة المنصوص عليها في المادة 288 مرافعات في حالة النزول عن الادعاء بالتزوير. لا يحكم بهذه الغرامة إلا في حالة الحكم بسقوط حق مدعي التزوير في ادعائه أو برفضه.
(ب) بيع. "بيع ملك الغير". بطلان. "إجازة العقد القابل للإبطال".
تسجيل عقد البيع لا ينقل الملكية إلى المشتري إلا إذا كان البائع مالكاً لما باعه. بيع ملك الغير قابل للإبطال لمصلحة المشتري وحده ولا يسري في حق المالك الحقيقي إلا إذا أقره في أي وقت شاء. صحة العقد في حق المشتري بهذا الإقرار أو بأيلولة ملكية المبيع للبائع بعد العقد.

---------------
1 - لا محل لإلزام مدعي التزوير بالغرامة المنصوص عليها في المادة 288 من قانون المرافعات في حالة النزول عن الادعاء بالتزوير لأنه لا يحكم بها طبقاً لهذه المادة إلا في حالة الحكم بسقوط حق مدعي التزوير في ادعائه أو برفضه.
2 - لئن كان صحيحاً أن تسجيل عقد البيع لا ينقل الملكية إلى المشتري إلا إذا كان البائع مالكاً لما باعه إلا أن بيع ملك الغير قابل للإبطال لمصلحة المشتري وحده ولا يسري في حق المالك الحقيقي ولهذا المالك أن يقر البيع في أي وقت فيسري عندئذ في حقه وينقلب صحيحاً في حق المشتري. كما ينقلب العقد صحيحاً في حق المشتري إذا آلت ملكية المبيع إلى البائع بعد صدور العقد. فإذا كان الطاعنون - ورثة المشتري في عقد بيع ملك الغير - قد طلبوا ثبوت ملكيتهم استناداً إلى هذا العقد المسجل فإنهم يكونون بذلك قد أجازوا العقد ولا يكون بعد لغير المالك الحقيقي أن يعترض على هذا البيع ويطلب عدم سريانه في حقه. ومن ثم فلا يكفي لعدم إجابة الطاعنين إلى طلبهم أن يثبت المدعى عليهم المنازعون لهم أن البائع لمورث الطاعنين غير مالك لما باعه بل يجب أن يثبتوا أيضاً أنهم هم أو البائع لهم الملاك لهذا المبيع إذ لو كان المالك سواهم لما قبلت منهم هذه المنازعة.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن الطاعنين أقاموا على المطعون ضدهم وآخرين الدعوى رقم 212 سنة 1955 مدني كلي بنها طلبوا فيها الحكم بتثبيت ملكيتهم إلى 83 متراً مربعاً الموضحة بصحيفة الدعوى وقالوا شرحاً لدعواهم إنهم يملكون هذا القدر بموجب عقد بيع مسجل صادر لمورثهم المرحوم مرسي محمد النجار من حسن محمد الحلفاوي في 19/ 10/ 1929 ومسجل في 25/ 10/ 1929 وقد تضمن هذا العقد شراء مورثهم 124 ذراعاً معمارياً مربعاً ونص بالبند الرابع منه على أن البائع تملك 109 ذراعاً من القدر المبيع بالميراث عن والده الحاج محمد الحلفاوي المتوفى سنة 1903 والذي كان يملكها بوضع اليد المدة الطويلة المكسبة للملكية. وتملك البائع الباقي منه وقدره 15 ذراعاً بطريق الشراء من المرحومة مستناس هانم عبد الله بموجب عقد بيع تاريخه 21/ 7/ 1907 ومسجل في 14 يناير سنة 1909 وأضاف الطاعنون أن العقار الذي يطلبون الحكم بثبوت ملكيتهم له قد أدرج في محضر جرد تركة مورثهم المرحوم مرسي محمد النجار ضمن الأعيان التي سلمت إلى الوصية في سنة 1935 وانتهوا في دعواهم إلى أنه إذا كان المدعى عليهم ينازعونهم في ملكية هذا العقار فقد رفعوا عليهم الدعوى بطلباتهم السابقة. وأجاب محمد علي النجار مورث الفريق الثاني من المطعون عليهم على الدعوى بأنه اشترى العقار محل النزاع بعقد بيع مسجل في 24/ 6/ 1955 صادر إليه من المطعون ضده الأول الذي كان قد اشترى هذا العقار من متولي سيد أحمد النجار بعقد مسجل في 26/ 10/ 1929 وأن رافعي الدعوى (الطاعنين) ومن تلقوا الحق عنهم لم يضعوا اليد عليه. وبتاريخ 9 يناير سنة 1957 قضت محكمة الدرجة الأولى قبل الفصل في الموضوع بندب خبير لمعاينة أرض النزاع وتطبيق مستندات الطرفين عليها لمعرفة ما إذا كانت تدخل في مستندات الطاعنين أم المطعون ضده الثاني وبيان مظاهر الملكية وتحقيق وضع اليد وسببه ومظهره - قدم الخبير تقريره منتهياً فيه إلى أن أرض النزاع تدخل في مستندات الطرفين وأن حسن محمد فهمي الحلفاوي كان مالكاً لهذه الأرض وقت أن باعها لمورث الطاعنين في 19/ 10/ 1929 وأن مصدر ملكية شراؤه 15 ذراعاً منها بعقد مسجل برقم 367 سنة 1909 قليوبية برهون مصر وأيلولة الباقي له بطريق الميراث عن والده المرحوم محمد الحلفاوي الذي كان يملكه بوضع اليد المدة الطويلة. وذكر الخبير أنه لم يجد في المستندات التي اطلع عليها أو أقوال الشهود الذين سمعهم ما يؤيد أن متولي سيد أحمد النجار كان مالكاً لأرض النزاع وقال إنها أرض فضاء ليس عليها مبان وليست بها أوجه انتفاع استغلالية هادئة تقطع بوضع اليد عليها وبتاريخ 18 نوفمبر سنة 1959 قضت محكمة الدرجة الأولى بإحالة الدعوى إلى التحقيق ليثبت محمد علي النجار (مورث الفريق الثاني من المطعون ضدهم) وضع يده على أرض النزاع المدة الطويلة المكسبة للملكية وصرحت للطاعنين بالنفي. وبعد أن سمعت المحكمة شهود الطرفين قضت في 14 مايو سنة 1961 بتثبيت ملكية الطاعنين لأرض النزاع مؤسسة قضاءها على أن محمد علي النجار (مورث الفريق الثاني من المطعون ضدهم) قد فشل في إثبات ادعاءه وضع اليد المكسب للملكية على أرض النزاع وأن الثابت من تقرير الخبير أن حسن محمد الحلفاوي كان مالكاً للأرض المذكورة وقت أن باعها لمورث الطاعنين في 19/ 10/ 1929 - استأنف المطعون ضده الأول وورثة المرحوم محمد علي النجار (الفريق الثاني من المطعون ضدهم) الحكم المذكور وقيد الاستئناف برقم 1594 سنة 79 ق القاهرة. ومحكمة الاستئناف قضت في 30 مارس سنة 1963 بإلغاء الحكم المستأنف وبرفض الدعوى. طعن الطاعنون في هذا الحكم بطريق النقض وقدم المطعون ضده الأول والفريق الثاني من المطعون ضدهم (ورثة المرحوم محمد علي النجار) مذكرة دفعوا فيها ببطلان الطعن لعدم إعلانهم به في الميعاد القانوني وادعوا في قلم كتاب هذه المحكمة بتزوير ورقة إعلانهم فيما تضمنته من أن المحضر توجه إلى مساكنهم فوجدها مغلقة ولم يجد بها أحداً منهم وقدمت النيابة العامة مذكرتين أبدت في الأولى منهما الرأي بنقض الحكم وعدلت في المذكرة الثانية عن هذا الرأي وطلبت قبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً مع رفض الادعاء بالتزوير وبالجلسة المحددة لنظر الطعن صممت النيابة على رأيها الأخير.
وحيث إن المطعون ضده الأول وورثة المرحوم محمد علي النجار المطعون ضدهم المذكورين تحت "ثانياً" ادعوا في قلم كتاب هذه المحكمة بتاريخ 14 من أغسطس سنة 1965 بتزوير محاضر إعلانهم السابقة على إعلانهم لجهة الإدارة غير أنه بعد مناقشة هذه المحكمة لمحاميهم بجلسة 28 مارس سنة 1968 في هذا الادعاء بالتزوير قرر بنزوله عنه ويتعين لذلك إثبات هذا النزول ولا محل لإلزام مدعي التزوير بالغرامة لأنه لا يحكم بها طبقاً للمادة 288 مرافعات إلا في حالة الحكم بسقوط حق مدعي التزوير في ادعائه أو برفضه.
وحيث إن المطعون ضده الأول وورثة المرحوم محمد علي النجار أسسوا دفعهم ببطلان الطعن على أن المحضر لم يسلك السبيل التي نصت عليها المادة 12 من قانون المرافعات فلم يتحقق من محال إقامتهم وما إذا كانوا موجودين بها مكتفياً بقوله إنه وجدها مغلقة. كما خلت صور الإعلانات المسلمة إليهم من جهة الإدارة من ذكر توقيع شيخ البلدة الذي سلمه المحضر هذه الصور.
وحيث إن هذا الدفع غير سديد ذلك أن الثابت من مطالعة أصل إعلان تقرير الطعن وصوره المقدمة من هؤلاء المطعون ضدهم. أن المحضر انتقل إلى منزل كل منهم بميت خلفا مركز قليوب صباح يوم أول أغسطس سنة 1965 مسترشداً في ذلك بشيخ البلد إبراهيم الديب فوجد منازلهم مغلقة ولم يجدهم بها ولم يجد من يتسلم صور الإعلانات عنهم قانوناً فأعلن كلاً منهم في ذات التاريخ لجهة الإدارة مخاطباً مع شيخ البلد المذكور الذي وقع على أصل الإعلان بما يفيد تسلمه الصورة كما أثبت المحضر في محضر الإعلان أنه أخطر المراد إعلانهم في نفس اليوم بكتاب موصى عليه بتسليم الصورة إلى جهة الإدارة. لما كان ذلك وكان المطعون ضدهم مقدمو الدفع قد نزلوا عن ادعائهم بتزوير ورقة إعلانهم فيما تضمنته من البيانات المتقدمة فإن الإعلان يكون قد تم صحيحاً وفقاً لنص المادة 12 من قانون المرافعات وإذ كان المطعون ضدهم مقدمو الدفع قد تسلموا فعلاً صور الإعلان الخاصة بهم من جهة الإدارة وقدموا مذكرة بدفاعهم في الميعاد القانوني فإن الدفع ببطلان الطعن المبدى منهم يكون على غير أساس متعيناً رفضه.
وحيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن مما ينعاه الطاعنون بالسبب الرابع على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون وفي بيان ذلك يقولون إن المرحوم محمد علي النجار مورث المطعون ضدهم المذكورين تحت (ثانياً) كان قد نازعهم أمام محكمة الدرجة الأولى في ملكية ما آل إلى مورثهم بالشراء من حسن محمد الحلفاوي بعقد مسجل في 25/ 10/ 1929 وكان مبنى منازعته أنه تملك العقار المبيع بوضع اليد المدة الطويلة المكسبة للملكية فأحالت تلك المحكمة الدعوى إلى التحقيق ليثبت مورث المطعون ضدهم المذكورين وضع يده على عين النزاع المدة الطويلة المكسبة للملكية. وإذ ثبت لتلك المحكمة فشله في إثبات ذلك فقد قضت بتثبيت ملكية الطاعنين للعين المذكورة مؤسسة قضاءها على شراء مورثهم لها بعقد مسجل في 25/ 10/ 1929 وأن مورث المطعون ضدهم المذكورين قد عجز عن إثبات تملكه لها بوضع اليد المدة الطويلة المكسبة للملكية لكن الحكم المطعون فيه ألغى الحكم الابتدائي استناداً على ما قاله من أنه لا يبين من الأوراق أنه كان للبائع لمورث الطاعنين ولا لمورثه من قبله المرحوم محمد الحلفاوي وضع يد ظاهر ومملك على أرض النزاع. وهذا من الحكم ينطوي على خطأ في تطبيق القانون. ذلك بأن مورث الفريق الثاني من المطعون ضدهم المكلف من محكمة الدرجة الأولى بإثبات منازعته ومبناها ملكيته لأرض النزاع بوضع يده عليها المدة الطويلة المكسبة للملكية وإذ عجز عن إثبات ذلك فقد كان يتعين على محكمة الاستئناف أن تعتد بعقد البيع الصادر لمورث الطاعنين والذي انتقلت بموجبه الملكية إليه منذ تسجيله سنة 1929 لأنه أسبق تسجيلاً من عقد المنازعين ويعتبر عقداً صحيحاً نافذاً ويجب الأخذ به ما لم يثبت المنازع أنه المالك الحقيقي للأرض المبيعة بموجبه وإذ أخفق مورث المطعون ضدهم في إثبات ذلك فإنه كان يتعين على محكمة الاستئناف أن تجيب الطاعنين إلى طلباتهم.
وحيث إن هذا النعي صحيح ذلك أن الواقع في الدعوى كما سجله الحكم المطعون فيه هو أن الطاعنين استندوا في دعواهم إلى أن مورثهم اشترى الأرض التي طلبوا ثبوت ملكيتهم لها بعقد مسجل في 25 من أكتوبر سنة 1929 وأنها آلت إليهم بطريق الميراث عنه وقد نازعهم المرحوم محمد علي النجار مورث المطعون ضدهم المذكورين تحت "ثانياً" في ملكية هذه الأرض مدعياً أنه المالك لها على أساس أنه اشتراها من المطعون ضده الأول بعقد مسجل في 24 يونيه سنة 1955 وأن هذا البائع اشتراها بدوره بعقد مسجل في 26 أكتوبر سنة 1929 من متولي سيد أحمد النجار وأنكر على الطاعنين ومورثهم من قبلهم وضع يدهم على هذه الأرض وادعى أنه هو الواضع اليد عليها وأنه تملكها بالتقادم الطويل المكسب للملكية علاوة على تملكه لها بالعقد وقد أحالت المحكمة الابتدائية الدعوى إلى التحقيق ليثبت مورث المطعون ضدهم المنازع تملكه الأرض محل النزاع بالتقادم الطويل وإذ أخفق في هذا الإثبات فقد قضت تلك المحكمة للطاعنين بثبوت ملكيتهم للأرض محل النزاع استناداً إلى عقدهم المسجل الأسبق تسجيلاً على عقد مورث المطعون ضدهم المنازع لهم غير أن محكمة الاستئناف قضت بإلغاء هذا الحكم وبرفض دعوى الطاعنين مقيمة قضاءها بذلك على قولها في حكمها المطعون فيه "إن التسجيل لا ينقل الملكية إلا إذا استند إلى عقد صحيح صادر من مالك ولا يحول دون الطعن على العقد بالبطلان لصدوره من غير المالك وعليه فإذا كان الثابت من أوراق الدعوى أن المستأنفين (المطعون ضده الأول وورثة محمد علي النجار) دفعوا طلب تثبيت الملكية المستند إلى هذا العقد المسجل بأنه صدر من غير مالك فإنه يكون متعيناً قانوناً أن يثبت المستأنف عليهم (الطاعنون) المتمسكون بالعقد المذكور أن البائع لمورثهم هو المالك للعقار المبيع ملكية مصدرها الأصلي تملك مورثه لذلك العقار بوضع اليد المدة الطويلة حسبما ورد بالعقد المذكور - ولما كان يبين من أوراق الدعوى أن المستأنف عليهم (الطاعنين) لم يقدموا هذا الدليل على ملكية البائع لهم وعلى العكس من ذلك فإن الثابت أن أرض النزاع لم تكن في وضع يد أحد إطلاقاً طوال الثلاثين سنة السابقة على سنة 1954 لا من فريق المستأنف عليهم ولا من فريق المستأنفين على السواء وأن أحداً من الفريقين لم يظهر على تلك الأرض بمظهر المالك بل إن النزاع حول الملكية كان محتدماً بينهما في تلك الفترة الطويلة.... وكان لا يبين من الأوراق أنه كان للبائع لمورث المستأنف عليهم (الطاعنين) ولا لمورثه من قبله المرحوم محمد الحلفاوي وضع يد ظاهر ومملك على أرض النزاع في المدة السابقة على تاريخ التصرف الحاصل في سنة 1929 كما لم يكن لمورث المستأنف عليهم المشتري منه ولا لورثته من بعده مثل تلك الحيازة أيضاً إلى أن رفعت الدعوى في 16 يونيه سنة 1955 فإن الحكم المستأنف إذ قضى بثبوت ملكية المستأنف عليهم لأرض النزاع استناداً على عقد البيع المسجل الصادر لصالح مورثهم في 19 أكتوبر سنة 1929 وعلى عجز المستأنفين المدعى عليهم عن إثبات تملكهم لتلك الأرض بالتقادم الطويل بعد تكليفهم بتقديم هذا الإثبات يكون قد أخطأ في تطبيق القانون مما يتعين معه إلغاؤه ورفض دعوى المستأنف عليهم" - وهذا الذي أقام عليه الحكم المطعون فيه قضاءه برفض دعوى الطاعنين ينطوي على خطأ في تطبيق القانون ذلك أنه وإن كان صحيحاً أن تسجيل عقد البيع لا ينقل الملكية إلى المشتري إلا إذا كان البائع مالكاً لما باعه إلا أن بيع ملك الغير قابل للإبطال لمصلحة المشتري وحده ولا يسري في حق المالك الحقيقي ولهذا المالك أن يقر البيع في أي وقت فيسري عندئذ في حقه وينقلب صحيحاً في حق المشتري كما ينقلب العقد صحيحاً في حق المشتري إذا آلت ملكية المبيع إلى البائع بعد صدور العقد - ومقتضى هذه القواعد أنه ما دام الطاعنون قد طلبوا ثبوت ملكيتهم للأرض المبيعة لمورثهم بعقد مسجل في سنة 1929 استناداً إلى هذا العقد فإنه بفرض صحة ما ذهب إليه الحكم المطعون فيه من أن البائع لمورثهم لم يكن مالكاً لما باعه فإن الطاعنين بطلبهم ثبوت ملكيتهم استناداً إلى عقد البيع المسجل الصادر إلى مورثهم يكونون بذلك قد أجازوا هذا العقد ولا يكون بعد لغير المالك الحقيقي أن يعترض على هذا البيع ويطلب عدم سريانه في حقه ومن ثم فإذا نازع المرحوم محمد علي النجار وورثته - المطعون ضدهم - من بعده الطاعنين بدعوى أن عقد البيع الصادر إلى مورث الطاعنين قد صدر إليه من غير مالك فإن هذه المنازعة لا تقبل منهم ولا يكون لها أثر على عقد مورث الطاعنين إلا إذا أثبت هؤلاء المنازعين أنهم أو البائع لهم الملاك للأرض المبيعة لمورث الطاعنين وليس على الطاعنين في هذه الحالة أن يثبتوا أن البائع لمورثهم هو المالك لأن عقد شراء هذا المورث الأسبق تسجيلاً على عقد المنازعين الملكية وعلى عقد البائع لهم من شأنه أن ينقل إلى مورث الطاعنين الملكية في الظاهر وادعاء هؤلاء المنازعين أن البائع لمورث الطاعنين غير مالك لما باعه وأنهم دونه الملاك له هو منهم دعوى على خلاف الظاهر من الأمر فعليهم إذن عبء إثباتها وليس يكفي لعدم إجابة الطاعنين لطلباتهم أن يثبت المنازعون لهم أن البائع لمورث الطاعنين غير مالك لما باعه بل يجب أن يثبتوا أيضاً أنهم هم أو البائع لهم الملاك لهذا المبيع إذ لو كان المالك سواهم لما قبلت منهم هذه المنازعة لأن المالك وحده هو الذي له أن يتمسك بعدم سريان البيع في حقه إذا شاء كما له أن يقره فيسري عندئذ في حقه - لما كان ذلك فإن الحكم المطعون فيه إذ اعتبر الطاعنين هم المكلفون بإثبات أن البائع لمورثهم هو المالك للعقار المبيع وقضي برفض دعواهم المستندة إلى العقد المسجل الصادر إلى مورثهم لمجرد أنهم لم يقدموا الدليل على ملكية البائع لهم وذلك على الرغم من تسليم الحكم بأن المطعون ضدهم المنازعين لهم قد أخفقوا في إثبات ما ادعوه من تملكهم الأرض المبيعة لمورث الطاعنين بالتقادم المكسب الطويل المدة ودون أن يثبت الحكم أن هؤلاء المنازعين قد تملكوا هذه الأرض بطريق آخر من طرق كسب الملكية المنصوص عليها في القانون فإنه يكون مخطئاً في القانون بما يستوجب نقضه دون حاجة لبحث باقي أسباب الطعن.