الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 25 سبتمبر 2023

الطعن 492 لسنة 5 ق جلسة 13 / 6 / 1959 إدارية عليا مكتب فني 4 ج 3 ق 132 ص 1543

جلسة 13 من يونيه سنة 1959

برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة سيد علي الدمراوي والسيد إبراهيم الديواني وحسن أبو علم ومصطفى كامل إسماعيل المستشارين.

-----------------

(132)

القضية رقم 492 لسنة 5 القضائية

تأمين وادخار 

- القانون رقم 419 لسنة 1955 بإنشاء صندوق للتأمين وآخر للادخار للعمال الخاضعين لأحكام قانون عقد العمل الفردي - إلزامه أصحاب الأعمال بالاشتراك في صندوق التأمين والادخار مع إعفاء من يكون منهم مرتبطاً بأنظمة خاصة أكثر رعاية للعمال - اشتراط المادة 36 من القانون لإفادة أصحاب الأعمال من هذا الإعفاء تقديم طلب به في خلال المدة التي حددتها، وإجازتها مد هذه المدة بقرار من اللجنة التي يقدم إليها الطلب - الحكمة من تحديد المواعيد المذكورة - التأخر في تقديم طلب الإعفاء أو في طلب مد المدة المحددة في المادة 36 المذكورة - لا يترتب عليه بذاته عدم قبول الطلب أو بطلانه.

-----------------
إن القانون رقم 419 لسنة 1955 بإنشاء صندوق للتأمين وآخر للادخار للعمال الخاضعين لأحكام المرسوم بقانون رقم 317 لسنة 1952 بشأن عقد العمل الفردي إنما يستهدف، كما أفصحت عن ذلك مذكرته الإيضاحية، "حماية الطبقات العاملة عن طريق تطبيق نظم التأمين الاجتماعي بما يحقق إشاعة الطمأنينة بين أفراد هذه الطبقة ويخلق روح الاستقرار في نفوسهم، فينصرفون إلى أعمالهم ويزداد إنتاجهم"؛ وتحقيقاً لهذه الغاية فرض القانون المذكور نظام التأمين والادخار بالنسبة إلى كل صاحب عمل وعامل وجعله إلزامياً، كما تقضي بذلك المادة 22 منه. على أنه - كما تقول المذكرة الإيضاحية - "لما كان النظام المنشأ بمقتضى أحكام هذا القانون هو بديل لمكافأة نهاية الخدمة، فقد قضت المادة المذكورة باستمرار الأنظمة القائمة التي ترتب للعمال امتيازات تكميلية بالإضافة إلى الالتزام القانوني. ومن البدهى أن استمرار هذه الأنظمة سيكون بالإضافة إلى الاشتراك بالمؤسسة"؛ ولذا نصت المادة 22 على وجوب مراعاة أحكام المادة 36 من القانون، وهي تقضي في فقرتها الأولى بأن "يستثنى من أحكام الفقرة الأولى من المادة 22 وما يترتب عليها من التزامات أصحاب الأعمال والعمال إذا كانوا وقت العمل بهذا القانون مرتبطين بتنفيذ أنظمة خاصة، سواء في شكل صناديق ادخار أو عقود تأمين جماعية أو نظم معاشات"، وقد جاء في المذكرة الإيضاحية في هذا الخصوص بياناً لذلك ما يلي: "ونظراً إلى أن بعض طوائف العمال يتمتعون حالياً وقبل صدور القانون بنظم أكثر رعاية من النظام المقترح؛ لذلك فقد استثنت المادة 36 أصحاب الأعمال والعمال المرتبطين بتنفيذ مثل هذه الأنظمة من الخضوع للالتزام الوارد في المادة 22 بشروط خاصة". ومن بين هذه الشروط أن تعتمد النظام لجنة تشكل لهذا الغرض برياسة وكيل وزارة الشئون الاجتماعية وعضوية كل من مدير عام الإدارة العامة للعمل ورئيس مصلحة التأمين بوزارة المالية والاقتصاد، وهذه اللجنة هي المختصة بفحص الموضوع والبت فيه، ويجب عليها أن تخطر صاحب العمل بقرارها خلال ستة أشهر على الأكثر من تاريخ تقديم الطلب، وإلا اعتبر النظام معتمداً، ولها أن تفرض من التعديلات ما تراه مناسباً لإقرار النظام. فإذا لم يتم إجراء هذه التعديلات خلال شهر على الأكثر من تاريخ إخطار صاحب العمل بقرار اللجنة اعتبر النظام مرفوضاً. ويبين مما سلف إيراده أن سياسة القانون رقم 419 لسنة 1955 المشار إليه إنما تقوم على رعاية مصلحة العمال، وهم الجانب الأضعف في عقد العمل الفردي، كما تقوم على الأخذ بالنظام السابق الارتباط به عند نفاذ القانون متى كان أصلح لهم. وغني عن القول أن موقف الحكومة في هذا الشأن هو موقف المنفذ للقانون بنصوصه وروحه المحقق لأهدافه، وأنه يتعين عليها أن تنزل على مقتضاه بتحقيق مصلحة العمال التي يهدف القانون إلى حمايتها؛ ومن ثم لزم أن يكون المناط في تأويل النصوص الإجرائية الخاصة بمواعيد تقديم طلبات الإعفاء ومد المهلة على أساس هذا الفهم. وإذا كانت المادة 36 من القانون تقضي بأن "يقدم صاحب العمل طلبه إلى اللجنة المذكورة خلال شهر على الأكثر من تاريخ العمل بهذا القانون مرفقاً به تقرير من خبير في رياضيات التأمين على الحياة (اكتوارى) يوضح فيه القواعد الخاصة بالنظام، ومدى ملاءمة الأموال المكونة والاشتراكات المقررة للمزايا التي تعود من تطبيقه والأسس الفنية التي اتبعت في التقدير"، كما تقضي بأنه "يجوز للجنة بناء على طلب صاحب العمل مد مهلة الشهر المشار إليها لأسباب تقدرها بحيث لا تجاوز ثلاثة أشهر"، فإنها لم تنص على الجزاء المترتب على التأخير في تقديم أي من هذين الطلبين، ولم تقض بعدم قبول الطلب في هذه الحالة أو بطلانه. ومن المسلم أنه لا سقوط ولا بطلان إلا بنص؛ الأمر الذي يدل على أن هذه المواعيد هي في حقيقة الأمر تنظيم لبحث هذه المواضيع، وحث لأصحاب الأعمال على المبادرة بتقديم النظم المشار إليها حتى تتم تصفية هذه الشئون التي لا بد من تصفيتها لإمكان تطبيق القانون وتنفيذه على النحو ووفقاً للأغراض التي يستهدفها. يقطع في أن المناط في تأويل تلك النصوص هو رعاية مصلحة العمال والأخذ بما هو أصلح لهم، ما نصت عليه المادة 36 آنفة الذكر من أنه "يجب أن يكون قرار اللجنة في حالة الاعتراض مسبباً ومبنياً على عدم كفاية المزايا الممنوحة للعمال أو عدم ملاءمة الاشتراكات لهذه المزايا". وغني عن البيان أنه لو رأت اللجنة عدم قبول الطلب لتقديمه بعد الميعاد دون بحث الموضوع والموازنة بين النظامين وأيهما أصلح للعمال، وكان النظام المرتبط بتنفيذه صاحب العمل والعمال وقت نفاذ القانون أكثر رعاية لهؤلاء من النظام القانوني المفروض، لكان في هذا تفويت لمصلحة ظاهرة للعمال، وهو ما لا يتسق أساساً مع السياسة التي يقوم عليها القانون، بل ما يتعارض معها ويخرج على أهدافه، بينما جعل الشارع المناط في قرار اللجنة والأساس الذي يقوم عليه هذا القرار هو مراعاة المزايا الأصلح للعمال.


إجراءات الطعن

في 12 من مارس سنة 1959 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم 492 لسنة 5 القضائية في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (هيئة منازعات الأفراد والهيئات) بجلسة 13 من يناير سنة 1959 في الدعوى رقم 923 لسنة 11 القضائية المقامة من شركة ويلس وشركاه ببور سعيد ضد كل من: (1) السيد وكيل وزارة الشئون الاجتماعية والعمل بصفته رئيس لجنة اعتماد الأنظمة الخاصة بالتأمينات الجماعية، و(2) السيد الوكيل المساعد لوزارة الشئون الاجتماعية المختص بشئون العمل. و(3) السيد مدير الإدارة العامة للعمل، و(4) السيد رئيس مصلحة التأمين بوزارة المالية والاقتصاد، بصفتهم أعضاء اللجنة سالفة الذكر، و(5) السيد وزير الشئون الاجتماعية. وهو الحكم القاضي "بإلغاء القرار الصادر في 14 من إبريل سنة 1957 من لجنة الإعفاء المنصوص عليها في القانون رقم 419 لسنة 1955 برفض طلب مد المهلة، وما يترتب عليه من آثار، وألزمت الحكومة بالمصروفات وبمبلغ خمسمائة قرش مقابل أتعاب المحاماة". وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين، للأسباب التي استند إليها في صحيفة طعنه، "الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء برفض الدعوى، مع إلزام الشركة المدعية المصروفات". وقد أعلن هذا الطعن إلى وزارة الشئون الاجتماعية والإدارة العامة للعمل في 22 من مارس سنة 1959، وإلى مصلحة التأمين بوزارة المالية في 24 منه، وإلى شركة ويلس وشركاه ببور سعيد في 29 منه، وبعد أن انقضت المواعيد القانونية المقررة دون أن يقدم أي من الطرفين مذكرة بملاحظاته عين لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة جلسة 4 من إبريل سنة 1959. وفي 21 من مارس سنة 1959 أبلغ الطرفان بميعاد هذه الجلسة، وفيها قررت الدائرة إحالة الدعوى إلى المحكمة الإدارية العليا بجلسة 25 من إبريل سنة 1959، وبعد أن سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة قررت إرجاء النطق في الطعن إلى جلسة اليوم. وقد أودعت الشركة المطعون عليها حافظة مستندات ومذكرة بملاحظاتها انتهت فيها إلى طلب "رفض الطعن، وتأييد الحكم الابتدائي المطعون فيه، مع إلزام الوزارة المطعون لمصلحتها بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة".


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة، حسبما يبين من أوراق الطعن، تتحصل في أن شركة ويلس وشركاه ببور سعيد أقامت الدعوى رقم 923 لسنة 11 القضائية ضد كل من: (1) السيد وكيل وزارة الشئون الاجتماعية والعمل بصفته رئيس لجنة اعتماد الأنظمة الخاصة بالتأمينات الجماعية، و(2) السيد الوكيل المساعد لوزارة الشئون الاجتماعية المختص بشئون العمل، و(3) السيد مدير الإدارة العامة للعمل، و(4) السيد رئيس مصلحة التأمين بوزارة المالية والاقتصاد بصفتهم أعضاء اللجنة سالفة الذكر، و(5) السيد وزير الشئون الاجتماعية؛ وذلك أمام محكمة القضاء الإداري بعريضة أودعتها سكرتيرية المحكمة في 29 من مايو سنة 1957 ذكرت فيها أن القانون رقم 419 لسنة 1955 بإنشاء صندوق للتأمين وآخر للادخار للعمال الخاضعين لأحكام المرسوم بقانون رقم 317 لسنة 1952 بشأن عقد العمل الفردي صدر ونشر في 3 من سبتمبر سنة 1955، ونص في المادة 21 منه على أنه "يجب على صاحب العمل أن يورد الاشتراكات المقتطعة من أجور عماله وتلك التي يؤديها لحسابهم إلى المؤسسة وذلك خلال الخمسة عشر يوماً الأولى من الشهر التالي"، كما نص في المادة 22 منه على أن "يكون الاشتراك في صندوق التأمين إلزامياً بالنسبة إلى كل صاحب عمل، كما يكون الاشتراك في صندوق الادخار إلزامياً بالنسبة إلى كل صاحب عمل وعامل، وذلك مع مراعاة أحكام المادة 36 من هذا القانون"، وحكمة هذا التحفظ الأخير هي احتمال أن تكون هناك أوضاع تتحقق بها مصلحة الطبقة العاملة بشكل أقوى وأبلغ أثراً مما لو طبق عليها القانون؛ ومن ثم لم يجعل حكمه عاماً وإنما استثنى منه أصحاب الأعمال الذين كانوا قبل صدوره يسيرون على نظم مماثلة لما ورد فيه، فنص في المادة 36 منه المعدلة بالقانون رقم 597 لسنة 1955 على أن "يستثنى من أحكام الفقرة الأولى من المادة 22 وما يترتب عليها من التزامات أصحاب الأعمال والعمال إذا كانوا مرتبطين بتنفيذ أنظمة خاصة سارية المفعول قانوناً قبل 7 من ديسمبر سنة 1955، سواء في شكل صناديق ادخار أو عقود تأمين جماعية أو نظم معاشات"، كما نظم في الفقرة الثانية من هذه المادة طريقة الإعفاء من الاشتراك في مؤسسة صناديق التأمين والادخار، وأتاح لصاحب العمل أن يقدم طلباً بذلك إلى اللجنة المختصة خلال شهر من تاريخ العمل بالقانون مرفقاً به تقرير من خبير في رياضيات التأمين على الحياة، وأجاز للجنة مد مهلة الشهر لأسباب تقدرها بما لا يجاوز ثلاثة أشهر، كما خولها حق فرض تعديلات تتم خلال شهر من تاريخ إخطار صاحب العمل بها وإلا اعتبر طلبه مرفوضاً. على أن يجوز لها مد هذه المهلة بحيث لا تجاوز ثلاثة أشهر. وقد صدر في 6 من ديسمبر سنة 1956 القرار الوزاري رقم 114 لسنة 1956 بتطبيق أحكام القانون رقم 419 لسنة 1955، ونشر بالوقائع المصرية في 10 من ديسمبر سنة 1956، وكانت مدينة بور سعيد محتلة بالجيوش الأجنبية، والأحوال فيها مضطربة نتيجة للاعتداء الغادر، سواء على أرض الدولة أو على ممتلكات الشركات والأفراد، مما ترتب عليه عدم وصول هذا القرار إلى علم الشركة. وظل الحال كذلك مدة طويلة تعطلت فيها كافة المرافق بما يعد مثالاً صارخاً للقوة القاهرة التي تنتفي إزاءها أية مسئولية، حتى إن الحكومة نفسها تدخلت بإصدار العديد من القوانين لمساعدة أهل بور سعيد، معطلة بها نصوص القانون العام أو الخاص، بل إن الأداة الحكومية لم تبدأ في مباشرة أوجه نشاطها إلا في النصف الثاني من شهر يناير سنة 1957؛ وانبنى على هذه الحالة أن الشركة، التي كانت قد فقدت أوراقها ودفاترها فلم تستطع لم شعثها إلا بعد جهد بالغ، تقدمت في 4 من فبراير سنة 1957 بطلب إلى اللجنة المنصوص عليها في المادة 36 من القانون لإعفائها من الاشتراك في صناديق التأمين والادخار، وأرفقت به صوراً من عقد التأمين الجماعي لموظفيها وعمالها، وهو المبرم مع شركة الإسكندرية للتأمين على الحياة والذي بدأ سريانه من أول أغسطس سنة 1955، وكذا صوراً من تقرير خبير الشركة المذكورة في رياضيات التأمين. إلا أن إدارة التأمين والادخار بوزارة الشئون الاجتماعية ردت في 30 من مارس سنة 1957 بأن اللجنة المختصة رفضت هذا الطلب لمخالفته لنص الفقرة "ج" من البند (ثانياً) من المادة 36 من القانون رقم 419 لسنة 1955. وفي 2 من إبريل سنة 1957 أرسلت الشركة التماساً تطلب فيه إلى اللجنة مد المهلة بالنسبة إليها ثلاثة أشهر؛ مستندة في ذلك إلى حالة القوة القاهرة، وإلى الطلب الذي تقدمت به نقابة عمالها وموظفيها إلى اللجنة باعتماد نظام التأمين المقترح لكون مزاياه تفوق الأنظمة الأخرى المنصوص عليها في القانون، وكذا إلى البيان الذي بعثت به شركة التأمين في 24 من مارس سنة 1957 إلى اللجنة مبدية فيه استعدادها لمنح مزايا أخرى علاوة على تلك الموجودة بالإضافة إلى المادة العاشرة من عقد التأمين. وإذ رفضت اللجنة الأخذ بهذه الاعتبارات، وأصرت على التمسك بموقفها تنفيذاً لحرفية القانون قولاً منها بأن قرارها نهائي، فإنها تكون قد أهدرت الحكمة التي قام عليها هذا القانون، وجاوزتها إلى الغرض الثانوي وهو عدم إضعاف مركز المؤسسة المنشأة بمقتضاه من الناحية المالية، دون نظر إلى ما في هذا من إجحاف بحقوق العمال، ويكون قراراها الصادران في 30 من مارس سنة 1957 و15 من إبريل سنة 1957 برفض الإعفاء ورفض مد المهلة قد وقعا مشوبين بإساءة استعمال السلطة لتعطيلهما حكم القانون رقم 419 لسنة 1955 الذي قصد به حماية الطبقة العاملة بتوفير أحسن النظم لها بالنسبة إلى التأمين والادخار، بعدم منح الشركة المدعية الإعفاء المقرر بمقتضاه، على الرغم من ارتباطها بنظام جماعي للتأمين أكثر مزايا من قبل صدور هذا القانون، ولأن رفض طلب مد المهلة من شهر إلى ثلاثة أشهر هو إجراء تعسفي إزاء حالة القوة القاهرة الثابت قيامها في بور سعيد، ولو أن هذا المد هو رخصة خولها المشرع للجنة. ولما كان هذا الرفض قد ترتب عليه أن أصبحت الشركة مهددة بتوقيع العقوبة المنصوص عليها في المادة 42 من القانون، وهي الغرامة التي لا تقل عن مائتي قرش ولا تزيد على ألفي قرش بالنسبة إلى كل عامل خولفت في حقه أحكام القانون، وكانت الشركة قد سددت الأقساط المستحقة عليها لشركة الإسكندرية للتأمين في 14 من مايو سنة 1955 و4 من فبراير سنة 1957، فإنها تطلب: "الحكم أولاً، وبصفة مستعجلة، بوقف نفاذ القرارين الصادرين بتاريخي 30 من مارس سنة 1957 و15 من إبريل سنة 1957 فيما تضمنه الأول من رفض طلب الإعفاء، وفيما تضمنه الثاني من رفض طلب مد المهلة. ثانياً، وفي الموضوع، بإلغاء القرارين سالفي الذكر، مع إلزام المدعى عليهم بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة".
ومن حيث إن وزارة الشئون الاجتماعية والعمل ردت على هذه الدعوى بأنه في 6 من ديسمبر سنة 1956 صدر القرار الوزاري رقم 114 لسنة 1956 بسريان القانون رقم 419 لسنة 1955 الخاص بإنشاء صندوق للتأمين وآخر للادخار للعمال الخاضعين لأحكام المرسوم بقانون رقم 317 لسنة 1952 في بشأن عقد العمل الفردي على سائر جمهورية مصر، ونشر في الوقائع المصرية في 10 من ديسمبر سنة 1956، على أن يعمل به اعتباراً من أول يناير سنة 1957. وقد ورد للجنة الخاصة بالنظر في طلبات الإعفاء التي نصت عليها الفقرة الأولى من المادة 36 من القانون والمعدلة بالمادة 2 من القانون رقم 597 لسنة 1955 خطاب مقدم من الشركة المدعية تاريخه 4 من فبراير سنة 1957 بطلب استثنائها من الاشتراك في صندوقي التأمين والادخار المنشأين بالتطبيق لأحكام القانون المشار إليه؛ وذلك لوجود عقد تأمين جماعي مبرم بينهما وبين شركة الإسكندرية للتأمين على الحياة لصالح موظفيها وعمالها في 14 من مايو سنة 1955، ويبدأ مفعوله في أول أغسطس سنة 1955، وقد عرض عقد التأمين المذكور مع خطاب الشركة على لجنة الإعفاء المنعقدة في 26 من مارس سنة 1957، فقررت رفض طلب الإعفاء لتقديمه بعد الميعاد القانوني، وأخطرت الشركة بذلك بكتابها المؤرخ 30 من مارس سنة 1957. وفي 2 و14 من إبريل سنة 1957 ورد خطابان من الشركة بالتماس إعادة النظر في طلبها السابق الذي تقرر رفضه، وذكرت أن أسباب تأخيرها في تقديم هذا الطلب كانت ترجع لظروف قاهرة خارجة عن إرادتها نتيجة للعدوان على مدينة بور سعيد. ولما كان قرار اللجنة نهائياً بمقتضى أحكام المادة 36 من القانون رقم 419 لسنة 1955، فقد حرر للشركة بذلك، وطلب منها مراعاة تنفيذ أحكام هذا القانون.
ومن حيث إن الشركة المدعية قدمت مذكرتين بدفاعها أضافت فيهما إلى ما جاء بصحيفة دعواها أن العدوان الغادر على مدينة بور سعيد هو عين القوة القاهرة المعدمة للمسئولية؛ إذ غدا إرسال الخطابات إبان هذا العدوان وفي أعقابه مستحيلاً، وقد ظل الأمر بعزل بور سعيد عن الدولة المصرية وبعدم جواز التنقل فيها أو السفر إليها قائماً لم يلغ إلا في 8 من مايو سنة 1957، كما أن الاحتلال تناول - إلى جانب تخريب مرافق البلد كلها وأولها البريد والسكك الحديدية - المنازل والشركات والورش التي احترقت مستنداتها وبعثرت دفاترها وانتثرت أوراقها في شوارع المدينة وفوق صفحة القناة. وكان واجباً على اللجنة المختصة بالنظر في طلبات الإعفاء إزاء كل هذه الظروف التي لا يمكن أن يكون للقوة القاهرة من معنى غيرها، إن لم تجد هذا مبرراً كافياً لقبول طلب الإعفاء، أن توافق على الأقل على مد المهلة المنصوص عليها في القانون، أما ردها بأن قرارها نهائي فهو رد خاطئ مشوب - إلى جانب إساءة استعمال السلطة - بعيب مخالفة القانون؛ وذلك أن معيار تقدير القوة القاهرة هو معيار ذاتي لا شخصي، بمعنى أنه متى توافرت أركان هذه القوة وجب الأخذ بها وتأجيل المواعيد ووقف تنفيذ الالتزام بتقديم طلب الإعفاء حتى يزول الحادث. وليس من العدالة في شيء أن يحرم عمال بور سعيد من المزايا التي تضمنتها عقود التأمين الجماعية لمجرد الفرض جدلاً بأن طلب الإعفاء قدم بعد الميعاد. كما أنه ليس من المصلحة جر الشركة المدعية إلى الإفلاس بعد أن ظلت أعمالها معطلة طوال فترة الاعتداء، وبعد أن خربت مكاتبها ومنشآتها بما أورثها حالة مالية سيئة. وأضافت الشركة أنها قدمت المستندات الدالة على أفضلية نظام التأمين المتفق عليه بينها وبين شركة الإسكندرية للتأمين لصالح العمال والموظفين على النظام المقرر بمقتضى القانون رقم 419 لسنة 1955 والقرارات الوزارية والقوانين اللاحقة له، وأن مقتضى إلغاء قرار لجنة الإعفاء قيام حق الشركة في إجراء التعديل بعد رفض نظامها المبتدأ؛ وذلك باعتبار أن المهلة لا زالت منفسحة أمامها.
ومن حيث إن محكمة القضاء الإداري (الهيئة الأولى) قضت بجلسة 25 من يونيه سنة 1957 "بوقف تنفيذ القرار المؤرخ 14 من إبريل سنة 1957 فيما تضمنه من رفض طلب المدعي مد المهلة المنصوص عليها في الفقرة "ج" من البند الثاني من المادة 36 من القانون رقم 419 لسنة 1955"، واستندت في ذلك إلى أن طلب الشركة قد أرسل إلى الوزارة في 4 من فبراير سنة 1957، أي بعد الميعاد بأربعة أيام فقط، ولا جدال في أنه قد قدم بعد الميعاد، إلا أن مد المهلة قد رخص فيه القانون للجنة، وهو تصرف مستقل عن قرارها برفض الطلب لتقديمه بعد الميعاد، فإذا كان القرار الأول صحيحاً لفوات الميعاد، فإن هذا لا يمنع اللجنة من إعمال الرخصة التي خولها إياها القانون بمد المهلة، خصوصاً وأن الظروف التي أحاطت بمدينة بور سعيد، وهي ظروف معلومة للجميع، تبرر طلب الشركة مد المهلة. وعلى ذلك يكون القرار الصادر برفض طلب مد المهلة مخالفاً للقانون؛ الأمر الذي يبرر إجابة الشركة إلى طلب وقف تنفيذه؛ نظراً لما يترتب عليه من نتائج يتعذر تداركها.
ومن حيث إن السيد مفوض الدولة أودع تقريراً بالرأي القانوني مسبباً انتهى فيه - للأسباب التي أبداها به - إلى أنه يرى "الحكم بقبول الدعوى شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء القرار الصادر في 14 من إبريل سنة 1957 فيما تضمنه من رفض طلب المدعي مد المهلة المنصوص عليها في الفقرة "ج" من البند الثاني من المادة 36 من القانون رقم 419 لسنة 1955، مع إلزام الحكومة بالمصروفات".
ومن حيث إن الحكومة قدمت مذكرة بملاحظاتها قالت فيها إن المشرع في القانون رقم 419 لسنة 1955 جعل الاشتراك في صناديق التأمين والادخار إلزامياً على كل صاحب عمل وعامل على النحو الذي جاء في المادة 22 من القانون، إلا أنه استثنى من ذلك بنص المادة 36 أصحاب العمل والعمال المرتبطين بأنظمة خاصة سارية المفعول، بشرط أن يكون النظام نافذاً قبل 6 من ديسمبر سنة 1955، وأن يتقدم طالب الإعفاء بطلبه خلال شهر من تاريخ العمل بالقانون، أي اعتباراً من أول يناير سنة 1957 في ميعاد غايته يوم أول فبراير سنة 1957، مع جواز مد مهلة الشهر إلى ثلاثة أشهر لأسباب تقدرها لجنة الإعفاء. وقد تقدمت الشركة المدعية بطلب إعفائها من الاشتراك في صناديق التأمين والادخار في 4 من فبراير سنة 1957، أي بعد الميعاد الذي نص عليه القانون، فقررت اللجنة بجلستها المنعقدة في 26 من مارس سنة 1957 رفض هذا الطلب لتقديمه بعد الميعاد القانوني، وأخطرت الشركة بذلك في 30 من مارس سنة 1957، فتظلمت الشركة من هذا القرار طالبة مد المهلة بالنسبة لها إلى ثلاثة أشهر، وعللت تأخرها في تقديم الطلب بقيام ظروف خارجة عن إرادتها نتيجة للعدوان الثلاثي على بور سعيد، إلا أن اللجنة قررت رفض التظلم لنهائية القرار. وقد صدر قرارا رفض الطلب ورفض التظلم مطابقين للقانون وبريئين من عيب عدم المشروعية؛ ذلك أن المشرع قد رسم الطريق الواجب على طالب الإعفاء سلوكه حتى يجاب إلى طلبه، واستلزم تقديم الطلب إلى لجنة الإعفاء خلال شهر على الأكثر من تاريخ العمل بالقانون رقم 419 لسنة 1955 الذي عمل به اعتباراً من أول يناير سنة 1957، أي في ميعاد غايته أول فبراير سنة 1957، بيد أن الشركة لم تقدم هذا الطلب إلا في 4 من فبراير سنة 1957، أي بعد الميعاد القانوني المقرر، وإذ كان في هذا مخالفة للشكل المطلوب، فلا يمكن بحال التمسك بحكم التشريع أو بحكمته مع إغفال استيفاء هذا الإجراء الشكلي؛ ومن ثم فإن طلب إلغاء قرار اللجنة برفض الإعفاء يكون غير قائم على أساس سليم من الواقع أو القانون مستحق الرفض. وليس صحيحاً ما تذهب إليه الشركة من أن رفض طلب مد المهلة المنصوص عليها في المادة 36 من القانون يعد تعسفاً من اللجنة يجعل قرارها مشوباً بعيب الانحراف؛ ذلك أن اللجنة ما كانت تستطيع بحال مد المهلة على النحو الذي تزعمه الشركة والذي سايرها فيه الحكم الصادر في طلب وقف التنفيذ؛ إذ أجاز لها المشرع مد المهلة لأسباب تقدرها وبناء على طلب صاحب الشأن، بحيث لا تجاوز ثلاثة أشهر من تاريخ العمل بالقانون، أي أنها لا يمكن أن تمنح أجلاً يجاوز يوم أول إبريل سنة 1957؛ ومرد ذلك أن المادة 36 من القانون وردت تحت باب "أحكام عامة وانتقالية"، وقد أراد المشرع بها أن يوجد فترة انتقال بين العهد السابق على صدور القانون والعهد اللاحق لسريانه، وحدد هذه الفترة الانتقالية بالنسبة إلى تقديم طلب الإعفاء بشهر يمكن مده إلى ثلاثة أشهر لأسباب تقدرها لجنة الإعفاء، فإذا ما انتهت هذه المهلة فلا يجوز مدها إلا بتشريع، ولا تملك اللجنة ذلك إطلاقاً لخروجه عن حدود الرخصة المخولة لها، ولما كانت الشركة - بعد إذ أخطرت في 30 من مارس سنة 1957 بقرار لجنة الإعفاء الصادر بجلسة 16 من مارس سنة 1957 برفض طلب الإعفاء المقدم منها بعد الميعاد القانوني في 4 من فبراير سنة 1957 - قد أرسلت التماساً في 2 من إبريل سنة 1957 تطلب فيه مد المهلة بالنسبة لها إلى ثلاثة أشهر، وكان تاريخ تقديم هذا الالتماس يخرج عن نطاق الرخصة التي خولها إياها المشرع والتي انتهت في أول إبريل سنة 1957، فإن اللجنة ما كانت تستطيع بحال وقت تقديم الالتماس المشار إليه أن تمنح الشركة أي أجل؛ إذ لا يملك هذا الحق سوى المشرع وحده إذا وجد من الظروف ما يبرر ذلك؛ بهذا يكون القرار المطعون فيه قد جاء صحيحاً متفقاً وأحكام القانون، ولا حجة من الناحية الواقعية لما تقول به الشركة المدعية من أنها كانت واقعة تحت ظروف قاهرة منعتها من تقديم طلبها في الميعاد القانوني؛ ذلك أن العدوان الثلاثي على مدينة بور سعيد قد وقع في 29 من أكتوبر سنة 1956 وانتهى في يوم 7 من نوفمبر سنة 1956، وتم جلاء القوات المعتدية عن بور سعيد في 20 من ديسمبر سنة 1956 وبينما لم يعمل بالقانون رقم 419 سنة 1955 إلا اعتباراً من أول يناير سنة 1957، أي بعد خروج القوات المعتدية من أرض الوطن، كما أن توزيع البريد داخل بور سعيد وخارجها قد استؤنف بانتظام منذ 22 من ديسمبر سنة 1956، ومع ذلك لم تقدم الشركة طلبها إلا في 4 من فبراير سنة 1957، أي بعد هذا التاريخ بزهاء شهر ونصف، ودون عذر مقبول. وقد نص القرار الوزاري رقم 114 لسنة 1956 الصادر تنفيذاً للقانون رقم 419 لسنة 1955 في مادته الأولى على سريان أحكام هذا القانون على سائر أنحاء جمهورية مصر، كما نص في مادته الثالثة على العمل به اعتباراً من أول يناير سنة 1957، وقد صدر هذا القرار في 10 من ديسمبر سنة 1956، ولو كان المشرع يريد استثناء مدينة بور سعيد نتيجة للظروف التي تحتج بها الشركة لنص على ذلك صراحة، ولكنه كان يعلم وقتذاك أن الحالة التي كانت تكتنف بور سعيد إبان العدوان الثلاثي قد زالت، بل إن الشركة المدعية لم يصبها أي اعتداء في غضون هذا العدوان؛ بدليل أنها لم تتقدم بأي طلب للتعويض. وهذا إلى أن شركات كثيرة في بور سعيد قد تقدمت بطلب إعفائها في الميعاد القانوني على الرغم من أنها كانت في ظروف مماثلة لظروف الشركة المدعية، على أن الطلب الذي يعتد به في مد المهلة هو الذي تقدمه الشركة قبل تقديم طلب الإعفاء، أما الذي يقدم بعد رفض طلب الإعفاء فلا يمكن الاعتداد به قانوناً؛ ومن ثم يكون رفض لجنة الإعفاء لطلب الشركة لتقديمه بعد الميعاد وكذا رفضها المهلة قد استند إلى أسباب واقعية وقانونية سليمة، وانتهت الحكومة من هذا إلى طلب الحكم برفض الدعوى، وبإلزام رافعها بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.
ومن حيث إن الشركة المدعية قصرت طلباتها على إلغاء القرار الصادر في 14 من إبريل سنة 1957 من لجنة الإعفاء برفض منحها المهلة القانونية التي يسمح بها القانون رقم 419 لسنة 1955.
ومن حيث إنه بجلسة 13 من يناير سنة 1959 قضت محكمة القضاء الإداري (هيئة منازعات الأفراد والهيئات) "بإلغاء القرار الصادر في 14 من إبريل سنة 1957 من لجنة الإعفاء المنصوص عليها في القانون رقم 419 لسنة 1955 برفض طلب مد المهلة، وما ترتب عليه من آثار، وألزمت الحكومة بالمصروفات وبمبلغ خمسمائة قرش مقابل أتعاب المحاماة". وأقامت قضاءها على أنه لا جدال في أن حالة الاعتداء على بور سعيد وما أعقبه من احتلالها بقوات أجنبية ظلت حتى منتصف ديسمبر سنة 1956، وانقطاع "سبل المواصلات بينها وبين باقي البلاد واختلال أعمال الشركات فيها وارتباكها بسبب هجرة عمالها من المدينة، كل ذلك مع صدور القرار رقم 114 لسنة 1956 بسريان أحكام القانون رقم 419 لسنة 1955 في هذه الفترة الحرجة يجعل العلم به أو تنفيذه متعذراً، ويعتبر من الظروف القاهرة التي تحول بين الشركة وبين تقديمها طلب الإعفاء في الميعاد؛ ومن ثم تكون معذورة إذا ما قدمت هذا الطلب في 4 من فبراير سنة 1957، أي بعد انقضاء مهلة الشهر المحددة لتقديم طلب الإعفاء بأربعة أيام، فكان يتعين على اللجنة إزاء هذه الظروف الثابتة والمعلومة لها وللجميع، والتي تعتبر أكمل صورة للظروف والاعتبارات التي تبرر مد المهلة، أن تجيب الشركة إلى طلبها في هذا الخصوص؛ وتكون اللجنة - إذ رفضت هذا الطلب - قد أساءت استعمال السلطة المخولة لها وتعسفت في تطبيقها، ولم تستهدف من قرارها وجه المصلحة العامة؛ مما يجعل قرارها واجب الإلغاء، ولا يغير من هذا النظر ما استندت إليه اللجنة من أن قرارها بالرفض نهائي؛ لأن منح المهلة قد رخص فيه القانون للجنة، وهو تصرف مستقل بذاته عن قرارها برفض الطلب لتقديمه بعد الميعاد، ولم يكن ثمة ما يمنع اللجنة من إعمال الرخصة التي خولها إياها القانون بمد المهلة في الظروف الاستثنائية التي تستوجب ذلك، وبمنح هذه المهلة للشركة يعتبر الطلب المقدم منها في الميعاد، وكان يتعين عليها أن تعيد النظر فيه من جديد باعتباره مقدماً في الميعاد؛ ومن ثم تكون دعوى المطالبة بإلغاء قرار رفض مد المهلة الذي صدر مشوباً بسوء استعمال السلطة على أساس سليم من القانون، مما يتعين معه القضاء بإلغاء هذا القرار مع جميع ما ترتب عليه من آثار.
ومن حيث إن السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة طعن في هذا الحكم بعريضة أودعها سكرتيرية هذه المحكمة في 12 من مارس سنة 1959 طلب فيها "الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء برفض الدعوى، مع إلزام الشركة المدعية المصروفات". واستند في أسباب طعنه إلى أنه في 6 من ديسمبر سنة 1956 صدر القرار الوزاري رقم 114 لسنة 1956 بسريان أحكام القانون رقم 419 لسنة 1955 على سائر أنحاء الجمهورية اعتباراً من أول يناير سنة 1957، وقد نشر هذا القرار في الوقائع المصرية في 10 من ديسمبر سنة 1956، وكان متعيناً على الشركة المدعية أن تتقدم بطلب الإعفاء قبل انقضاء شهر يناير سنة 1957، وإذ هي لم تقدم هذا الطلب إلا في 4 من فبراير سنة 1957 فإنها تكون قد قدمته بعد الميعاد، ويكون رفض اللجنة إياه لهذا السبب سليماً، على أن الشركة وقد تقدمت بطلب الإعفاء فلا يتصور أن تعود وتطلب المهلة التي نص عليها القانون. ومع ذلك فلو صح هذا جدلاً فإن طلب المهلة يجب أن يقدم خلال شهر يناير سنة 1957 حتى يمكن الترخيص في المد، وهو الميعاد الذي كان يتعين أن تلتزمه الشركة المدعية ولكنها لم تفعل. والحكم المطعون فيه لا يجحد هذا الأصل القانوني، ولكنه أحل الشركة من التزامه؛ بحجة أن العدوان الثلاثي على بور سعيد قد صاحبته ظروف تعد بمثابة القوة القاهرة التي توقف سريان الميعاد الذي حدده القانون لتقديم طلب الإعفاء أو طلب منح المهلة على السواء، فإذا ما تبين أن الجيوش الأجنبية قد جلت عن بور سعيد نهائياً في يوم 23 من ديسمبر سنة 1956، أي قبل سريان الميعاد الذي حدده القانون، فإن العلة في قيام القوة القاهرة تكون منتفية، ويكون القرار المطعون فيه سليماً. وإذ أخذ الحكم المطعون فيه بغير هذا النظر فإنه يكون قد خالف القانون.
ومن حيث إن الشركة المدعية عقبت على طعن السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة بمذكرة قالت فيها إن تاريخ العمل بالقانون رقم 419 لسنة 1955 هو أول يناير سنة 1957، وأن انتهاء مهلة الشهر يقع في أول فبراير سنة 1957 طبقاً للفقرة "ج" من المادة 36 من القانون المذكور، وأن انتهاء رخصة الامتداد الأول لهذه المهلة هو أول مايو سنة 1957 طبقاً لذات الفقرة، وانتهاء مدة الامتداد الثاني للمهلة عينها هو أول أغسطس سنة 1957، وأن الشركة قدمت طلبها في 4 من فبراير سنة 1957، أي بعد ثلاثة أيام فقط من انقضاء مهلة الشهر، في حين أن المشرع قد حرص على إجازة امتداد المهلة لستة شهور بعد ذلك. وعلى ذلك كان للشركة أن تقدم طلبها في أول أغسطس سنة 1957، ما دامت الأسباب القهرية المبررة لذلك قائمة في منطقة بور سعيد. إذا كانت هناك مخالفة لنص الفقرة "ج" من المادة 36 من القانون رقم 419 لسنة 1955 فهي من جانب اللجنة التي ما كان لها، ما دامت أسباب القوة القاهرة متجلية، أن تهدر امتداد المهلة الذي قصد المشرع انتفاع المواطنين به أمام مشقة الظروف القهرية التي تجلب التيسير شرعاً وقانوناً وتقضي بوجوب التسامح في هذا المد، وهو تسامح لم يقرره المشرع عبثاً، بل راعى فيه ظروف مدينة بور سعيد بالذات في تلك الآونة. ولا حجة في استلزام طلب مد المهلة خلال شهر يناير؛ لأن المفروض أن الطلب المقدم فعلاً في هذا الشهر لا يحتاج مقدمه لامتداد المهلة؛ لأنه مقدم فعلاً في الميعاد. فطلب مد المهلة لا يمكن تصوره إلا من الشخص الذي لم يستطع تقديم طلبه خلال الشهر المقرر. ولو سلم في الجدل بأن جلاء الجيوش الأجنبية عن بور سعيد قد تم على الورق في 23 من ديسمبر سنة 1956، فإن هذا الجلاء النظري لم يبعث في المدينة حياتها بين يوم وليلة؛ إذ انقطع وصول الوقائع المصرية إليها وإلى شركاتها مدة طويلة، وانقطع تبعاً لذلك علم الكافة بالقانون رقم 419 لسنة 1955 وقراراته ومواعيده. ومن المقرر أن المواعيد يرد عليها الوقف إذ وقع حادث قهري استحال معه القيام بالإجراء المطلوب خلال الميعاد، وأبلغ مثل لذلك هو القوة القاهرة الناشئة عن الحرب. وليس أدل على اتجاه المشرع إلى مراعاة ظروف حرب بور سعيد من قرار رئيس الجمهورية الصادر بالقانون رقم 389 لسنة 1956 بوقف الإجراءات المترتبة على التأخير في أداء الديون وما جاء بمذكرته الإيضاحية. وبعد أن استعرضت الشركة المدعية بعض مبادئ الفقه والقضاء في أثر القوة القاهرة كحالة الحرب في وقف سريان المواعيد خلصت إلى طلب "رفض الطعن، وتأييد الحكم الابتدائي المطعون فيه، مع إلزام الوزارة المطعون لمصلحتها بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة".
ومن حيث إن القانون رقم 419 لسنة 1955 بإنشاء صندوق للتأمين وآخر للادخار للعمال الخاضعين لأحكام المرسوم بقانون رقم 317 لسنة 1952 بشأن عقد العمل الفردي، وهو الذي صدر في 31 من أغسطس سنة 1955 ونشر في الجريدة الرسمية في 3 من سبتمبر سنة 1955، نص في الفقرة الأولى من المادة الأولى منه على أن "ينشأ صندوق للتأمين وآخر للادخار لجميع العمال الخاضعين لأحكام المرسوم بقانون رقم 317 لسنة 1952 المشار إليه"، كما نص في الفقرة الأولى من المادة 22 منه على أن "يكون الاشتراك في صندوق التأمين إلزامياً بالنسبة إلى كل صاحب عمل، كما يكون الاشتراك في صندوق الادخار إلزامياً بالنسبة إلى كل صاحب عمل وعامل، وذلك مع مراعاة أحكام المادة 36 من هذا القانون"، كذلك نص في المادة 36 منه على أن "يستثنى من أحكام الفقرة الأولى من المادة 22 وما يترتب عليها من التزامات، أصحاب الأعمال والعمال إذا كانوا وقت العمل بهذا القانون مرتبطين بتنفيذ أنظمة خاصة، سواء في شكل صناديق ادخار أو عقود تأمين جماعية أو نظم معاشات. ويجب لإقرار هذا الإعفاء أن تتوافر في هذه الأنظمة القائمة الشروط الآتية: أولاً - ... ثانياً - فيما يتعلق بالعقود الجماعية ونظم المعاشات التي يترتب على وجودها الإعفاء من الاشتراك في صندوق التأمين والادخار المنشأين بمقتضى أحكام هذا القانون: ( أ )..... (ب)..... (ج) أن يقدم صاحب العمل طلبه إلى اللجنة المذكورة خلال شهر على الأكثر من تاريخ العمل بهذا القانون مرفقاً به تقرير من خبير في رياضيات التأمين على الحياة (اكتوارى) يوضح فيه القواعد الخاصة بالنظام ومدى ملاءمة الأموال المكونة والاشتراكات المقررة للمزايا التي تعود من تطبيقه والأسس الفنية التي اتبعت في التقدير. ويجوز للجنة بناء على طلب صاحب العمل مد مهلة الشهر المشار إليه لأسباب تقدرها بحيث لا تجاوز ثلاثة أشهر. ويجب علي اللجنة أن تخطر صاحب العمل بقرارها خلال ستة أشهر على الأكثر من تاريخ تقديم الطلب، وإلا اعتبر النظام معتمداً....."، ونص في المادة 45 منه على أن "على الوزراء كل فيما يخصه تنفيذ هذا القانون، وعلى وزير الشئون الاجتماعية أن يصدر ما يقتضيه العمل به من القرارات واللوائح التنفيذية. ويعمل به اعتباراً من أول الشهر التالي لانقضاء ستة أشهر على نشره في الجريدة الرسمية، وذلك بالنسبة للمؤسسات التي يوجد مركزها الرئيسي في محافظتي القاهرة والإسكندرية وفي الجهات التي يصدر بتعيينها تباعاً قرارات من وزير الشئون الاجتماعية. على أن يتم سريانه على جميع أنحاء الجمهورية في المدة التي يقررها مجلس الوزراء بناء على اقتراح وزير الشئون الاجتماعية". وفي 6 من ديسمبر سنة 1956 صدر قرار وزارة الشئون الاجتماعية والعمل رقم 144 لسنة 1956 بسريان القانون رقم 419 لسنة 1955 على سائر أنحاء جمهورية مصر، ونص في مادته الأولى على أن "تسري أحكام القانون رقم 419 لسنة 1955 المشار إليه على سائر أنحاء جمهورية مصر"، كما نص في مادته الثالثة على أن "ينشر هذا القرار في الجريدة الرسمية ويعمل به اعتباراً من أول يناير سنة 1957"، وقد نشر في عدد الوقائع المصرية رقم 99 في 10 من ديسمبر سنة 1956.
ومن حيث إنه يخلص مما تقدم أن مثار المنازعة هو ما إذا كان عدم تقديم صاحب العمل إلى اللجنة المختصة طلب إعفائه من الاشتراك في صندوقي التأمين والادخار المنشأين بمقتضى أحكام القانون رقم 419 لسنة 1955 استناداً إلى حكم المادة 36 من هذا القانون في ميعاد الشهر المنصوص عليه في هذه المادة لارتباطه هو والعمال وقت العمل بالقانون المذكور بتنفيذ أنظمة خاصة هي أصلح للعمال، أو عدم تقديمه طلب مد مهلة الشهر المشار إليه في الميعاد المقرر لذلك، يترتب عليه حتماً عدم النظر في الطلب موضوعاً، حتى ولو كان النظام المرتبط بتنفيذه صاحب العمل والعمال من قبل أجدى لهؤلاء وأكثر رعاية، أم أن مقتضى حكم القانون أنه لا يحتم في هذه الحالة عدم قبول الطلب، وأن الأمر لا يعدو أن يكون تنظيماً لبحث تلك الشئون، وحثاً لأصحاب العمل؛ حتى يقوموا من جانبهم باستيفاء كل ما يلزم لإنفاذ أحكام القانون حرصاً على مصلحة العمال.
ومن حيث إنه يجب التنبيه بادئ ذي بدء إلى أن القانون رقم 419 لسنة 1955 إنما يستهدف - كما أفصحت عن ذلك مذكرته الإيضاحية - "حماية الطبقات العاملة عن طريق تطبيق نظم التأمين الاجتماعي بما يحقق إشاعة الطمأنينة بين أفراد هذه الطبقة ويخلق روح الاستقرار في نفوسهم، فينصرفون إلى أعمالهم ويزداد إنتاجهم". وتحقيقاً لهذه الغاية فرض القانون المذكور نظام التأمين والادخار بالنسبة إلى كل صاحب عمل وعامل وجعله إلزامياً، كما تقضي بذلك المادة 22 منه. على أنه - كما تقول المذكرة الإيضاحية - "لما كان النظام المنشأ بمقتضى أحكام هذا القانون هو بديل لمكافأة نهاية الخدمة، فقد قضت المادة المذكورة باستمرار الأنظمة القائمة التي ترتب للعمال امتيازات تكميلية بالإضافة إلى الالتزام القانوني بالمكافأة. ومن البدهى أن استمرار هذه الأنظمة سيكون بالإضافة إلى الاشتراك بالمؤسسة"؛ ولذا نصت المادة 22 على وجوب مراعاة أحكام المادة 36 من القانون، وهي تقضي في فقرتها الأولى بأنه "يستثنى من أحكام الفقرة الأولى من المادة 22 وما يترتب عليها من التزامات، أصحاب الأعمال والعمال إذا كانوا وقت العمل بهذا القانون مرتبطين بتنفيذ أنظمة خاصة، سواء في شكل صناديق ادخار أو عقود تأمين جماعية أو نظم معاشات"، وقد جاء في المذكرة الإيضاحية في هذا الخصوص بياناً لذلك ما يلي: "ونظراً إلى أن بعض طوائف العمال يتمتعون حالياً وقبل صدور القانون بنظم أكثر رعاية من النظام المقترح، لذلك فقد استثنت المادة 36 أصحاب الأعمال والعمال المرتبطين بتنفيذ مثل هذه الأنظمة من الخضوع للالتزام الوارد في المادة 22 بشروط خاصة"، ومن بين هذه الشروط أن تعتمد النظام لجنة تشكل لهذا الغرض برياسة وكيل وزارة الشئون الاجتماعية وعضوية كل من مدير عام الإدارة العامة للعمل ورئيس مصلحة التأمين بوزارة المالية والاقتصاد، وهذه اللجنة هي المختصة بفحص الموضوع والبت فيه، ويجب عليها أن تخطر صاحب العمل بقرارها خلال ستة أشهر على الأكثر من تاريخ تقديم الطلب، وإلا اعتبر النظام معتمداً، ولها أن تفرض من التعديلات ما تراه مناسباً لإقرار النظام. فإذا لم يتم إجراء هذه التعديلات خلال شهر على الأكثر من تاريخ إخطار صاحب العمل بقرار اللجنة اعتبر النظام مرفوضاً.
ومن حيث إنه يبين مما سلف إيراده أن سياسة القانون رقم 419 لسنة 1955 إنما تقوم على رعاية مصلحة العمال، وهم الجانب الأضعف في عقد العمل الفردي، كما تقوم على الأخذ بالنظام السابق الارتباط به عند نفاذ القانون متى كان أصلح لهم. وغني عن القول إن موقف الحكومة في هذا الشأن هو موقف المنفذ للقانون بنصوصه وروحه المحقق لأهدافه، وأنه يتعين عليها أن تنزل على مقتضاه بتحقيق مصلحة العمال التي يهدف القانون إلى حمايتها؛ ومن ثم لزم أن يكون المناط في تأويل النصوص الإجرائية الخاصة بمواعيد تقديم طلبات الإعفاء ومد المهلة على أساس هذا الفهم. وإذا كانت المادة 36 من القانون تقضي بأن "يقدم صاحب العمل طلبه إلى اللجنة المذكورة خلال شهر على الأكثر من تاريخ العمل بهذا القانون مرفقاً به تقرير من خبير في رياضيات التأمين على الحياة (اكتوارى) يوضح فيه القواعد الخاصة بالنظام ومدى ملاءمة الأموال المكونة والاشتراكات المقررة للمزايا التي تعود من تطبيقه والأسس الفنية التي اتبعت في التقدير"، كما تقضي بأنه "يجوز للجنة بناء على طلب صاحب العمل مد مهلة الشهر المشار إليه لأسباب تقدرها بحيث لا تجاوز ثلاثة أشهر"، فإن هذه المادة لم تنص على الجزاء المترتب على التأخر في تقديم أي من هذين الطلبين، ولم تقض بعدم قبول الطلب في هذه الحالة أو بطلانه، ومن المسلم أنه لا سقوط ولا بطلان إلا بنص؛ الأمر الذي يدل على أن هذه المواعيد هي في حقيقة الأمر تنظيم لبحث هذه المواضيع، وحث لأصحاب الأعمال على المبادرة بتقديم النظم المشار إليها؛ حتى تتم تصفية هذه الشئون التي لا بد من تصفيتها لإمكان تطبيق القانون وتنفيذه على النحو ووفقاً للأغراض التي يستهدفها. يقطع في أن المناط في تأويل تلك النصوص هو رعاية مصلحة العمال والأخذ بما هو أصلح لهم، ما نصت عليه المادة 36 آنفة الذكر من أنه "يجب أن يكون قرار اللجنة في حالة الاعتراض مسبباً ومبنياً على عدم كفاية المزايا الممنوحة للعمال أو عدم ملاءمة الاشتراكات لهذه المزايا". وغني عن البيان أنه لو رأت اللجنة عدم قبول الطلب لتقديمه بعد الميعاد، دون بحث الموضوع والموازنة بين النظامين وأيهما أصلح للعمال، وكان النظام المرتبط بتنفيذه صاحب العمل والعمال وقت نفاذ القانون أكثر رعاية لهؤلاء من النظام القانوني المفروض، لكان في هذا تفويت لمصلحة ظاهر للعمال، وهو ما لا يتسق أساساً مع السياسة التي يقوم عليها القانون، بل ما يتعارض معها ويخرج على أهدافه، بينما جعل الشارع المناط في قرار اللجنة والأساس الذي يقوم عليه هذا القرار هو مراعاة المزايا الأصلح للعمال.
ومن حيث إنه لكل ما تقدم يكون قرار لجنة الإعفاء - إذ قام على عدم نظر طلب مد المهلة المقدم إليها من الشركة المدعية بحجة تقديمه بعد الميعاد دون بحث الموضوع والموازنة بين مزايا النظام السابق ارتباط الشركة المذكورة وعمالها بتنفيذه ومزايا النظام القانوني المفروض، وتقرير أيهما أكثر رعاية لصالح العمال - قد أخطأ في تأويل القانون وتطبيقه؛ فيتعين القضاء بإلغائه، وعلى اللجنة بحث هذا الموضوع على الأساس المشار إليه بالسلطات المخولة لها طبقاً للقانون على التفصيل الوارد به من رفض أو إقرار أو تعديل حسبما تراه أصلح للعمال، ويكون حكم محكمة القضاء الإداري المطعون فيه قد جاء سليماً في النتيجة التي انتهى إليها من إلغاء القرار المذكور؛ ومن ثم فإنه يتعين قبول الطعن شكلاً، ورفضه موضوعاً.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وبرفضه موضوعاً.

الطعن 2110 لسنة 54 ق جلسة 15 / 12 / 1985 مكتب فني 36 ج 2 ق 231 ص 1121

جلسة 15 من ديسمبر سنة 1985

برياسة السيد المستشار/ أحمد ضياء عبد الرازق نائب رئيس المحكمة؛ وعضوية السادة المستشارين: الدكتور على فاضل حسن، طلعت أمين صادق، محمد سمير عبد القادر ومحمد السيد الحواش.

---------------

(231)
الطعن رقم 2110 لسنة 54 القضائية

عمل "تصحيح أوضاع العاملين"، تسوية "تقييم المؤهلات".
شهادة إتمام الدراسة الإعدادية الصناعية. تقييمها كشهادة أقل من المتوسطة تتيح لحامليها شغل وظيفة من الفئة (162 - 360 حجم). قرار وزير التنمية الإدارية 83 لسنة 1975 اتساقه مع أحكام القانون 11 لسنة 1975 التشريع الأعلى.

--------------
مؤدى نص المادتين الخامسة والسابعة من القانون رقم 11 لسنة 1975 بشأن تصحيح أوضاع العاملين المدنيين بالدولة والقطاع العام أن هذا القانون ناط بالوزير المختص بالتنمية الإدارية سلطة إصدار قرارات بيان الشهادات والمؤهلات الدراسية المشار إليها به ومستواها المالي ومدة الأقدمية الإضافية المقررة طبقاً للقواعد المنصوص عليها في المادتين 5 و6 من ذلك القانون، وكان الوزير المختص بالتنمية الإدارية قد أصدر القرار رقم 83 لسنة 1975 بتقييم المؤهلات الدراسية تنفيذاً لأحكام القانون رقم 11 لسنة 1975، ونصت المادة الخامسة من هذا القرار على أن "...." ونصت المادة السابعة على أن "...." ونصت المادة الثامنة على أن "....." مما مفاده أن المادة الخامسة من القانون رقم 11 لسنة 1975 حددت المستوى المالي لحملة الشهادات أقل من المتوسطة ومنها شهادة إتمام الدراسة الإعدادية أو ما يعادلها بالفئة (162 - 360 حجم) وحددت الفئة (180 - 360 حجم) لحملة الشهادات الدراسية التي توقف منحها وكانت مدة الدراسة اللازمة للحصول عليها ثلاث سنوات دراسية على الأقل بعد الحصول على شهادة إتمام الدراسة الابتدائية القديمة أو ما يعادلها وأن وزير التنمية الإدارية وهو الجهة المنوط بها إصدار القرارات ببيان تقييم المؤهلات الدراسية قد أورد بالمادة الثامنة من قراره رقم 83 لسنة 1975 شهادة إتمام الدراسة الإعدادية الصناعية بين الشهادات المعتمدة مؤهلاً دراسياً أقل من المتوسط وصلاحيتها للتعيين في وظائف الفئة (162 - 360 حجم) متسقاً في ذلك مع القانون رقم 11 لسنة 1975 وهو التشريع الأعلى، والأصل أن التشريع لا يلغى إلا بتشريع لاحق له أعلى منه أو مساو له في الدرجة ينص صراحة على ذلك أو يتعارض معه في الحكم وهو الأمر الذي حرصت على بيانه المذكرة الإيضاحية للقانون رقم 11 لسنة 1975 خاصاً بالقرارات التي يصدرها وزير التنمية الإدارية إعمالاً لنص المادة السابعة من القانون ببيان المؤهلات الدراسية ومستواها المالي ومدة الأقدمية الإضافية المقررة لها فأوردت المذكرة الإيضاحية أنه من المسلم به أن التعليمات التنفيذية ليست لها قيمة قانونية إلا بحسب مدى تطابقها مع التشريعات التي تصدر هذه التعليمات بناء عليها.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
حيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق أن الطاعنين أقاما الدعوى رقم 397 لسنة 1981 عمال كلي طنطا على الشركة المطعون ضدها طالبين الحكم بتسوية حالتيهما باعتبارهما في الفئة (180 - 360) المنصوص عليها في الفقرة حـ من المادة الخامسة من القانون رقم 11 لسنة 1975 اعتباراً من تاريخ تعيين كل منهما لدى المطعون ضدها مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام المطعون ضدها بأداء الفروق المالية المترتبة على التسوية، وقال بياناً للدعوى إنهما يعملان لدى المطعون ضدها ولما صدر القانون رقم 11 لسنة 1975 أجرت تسوية حالتيهما وفقاً لأحكام المادة 5 فقرة حـ من القانون المذكور إلا أنها عادت وسحبت تلك التسوية، وإذ كان كل منهما حاصلاً على شهادة إتمام الدراسة الإعدادية الصناعية وقد صدر قرار وزير التنمية الإدارية رقم 83 لسنة 1975 باعتبارها معادلة من الناحية العلمية لشهادة إتمام الدراسة الابتدائية للصناعات وكان قرار وزير التنمية الإدارية رقم 83 لسنة 1975 قد اعتبر شهادة إتمام الدراسة الابتدائية للصناعات مؤهلات متوسطا فإن شهادة إتمام الدراسة الإعدادية الصناعية تعتبر مؤهلاً متوسطاً ولذلك أقاما الدعوى بطلباتهما سالفة البيان، ندبت المحكمة خبيراً في الدعوى وبعد أن قدم الخبير تقريره حكمت في 28/ 2/ 1983 بأحقية كل من الطاعنين في التسكين على الفئة 180 - 360 من تاريخ تعيينه وبإلزام المطعون ضدها بأداء مبلغ الفروق الواردة بمنطوق الحكم لكل منهما، استأنفت المطعون ضدها هذا الحكم أمام محكمة استئناف طنطا وقيد استئنافها برقم 64 لسنة 33 ق طنطا، وبتاريخ 15/ 5/ 1984 قضت المحكمة بإلغاء الحكم المستأنف وبرفض الدعوى. طعن الطاعنان في هذا الحكم بطريق النقض. وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن. وعرض الطعن على هذه المحكمة في غرفة مشورة فحددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على سبب واحد ينعى الطاعنان به على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون وتأويله، وبياناً لذلك يقولان أنهما حصلا على شهادة إتمام الدراسة الابتدائية القديم ثم حصلا بعد دراسة مدتها ثلاث سنوات على شهادة إتمام الدراسة الإعدادية الصناعية وهو مؤهل يتعين تقييمه باعتباره من الشهادات المتوسطة طبقاً لنص الفقرة حـ من المادة الخامسة من القانون رقم 11 لسنة 1975 وتحديد مستواها المالية بالفئة 180 - 360، وإذ امتنعت المطعون ضدها عن تصحيح أوضاعهما باعتبار الشهادة الحاصلين عليها من المؤهلات أقل من المتوسطة وسايرها الحكم المطعون فيه في ذلك فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون وتأويله.
وحيث إن هذا النعي غير سديد، ذلك لأنه لما كانت المادة الخامسة من القانون رقم 11 لسنة 1975 بشأن تصحيح أوضاع العاملين المدنيين بالدولة والقطاع العام تنص على أن "يحدد المستوى المالي والأقدمية للحاصلين على المؤهلات الدراسية على النحو الآتي: ( أ ) الفئة (162 - 360) لحملة الشهادات أقل من المتوسطة (شهادة إتمام الدراسة الابتدائية القديمة وشهادات إتمام الدراسة الإعدادية أو ما يعادلهما) (ب) الفئة (180 - 360) لحملة الشهادات المتوسطة التي يتم الحصول عليها بعد دراسة مدتها ثلاث سنوات تالية لشهادة إتمام الدراسة الإعدادية أو ما يعادلها وكذلك الشهادات التي يتم الحصول عليها بعد دراسة مدتها خمس سنوات تالية لشهادة إتمام الدراسة الابتدائية القديمة أو ما يعادلها. (جـ) الفئة (180 - 360) لحملة الشهادات الدراسية المتوسطة التي توقف منحها وكانت مدة الدراسة اللازمة للحصول عليها ثلاث سنوات دراسية على الأقل بعد الحصول على شهادة إتمام الدراسة الابتدائية القديمة أو ما يعادلها...." ونصت المادة السابعة على أن "مع مراعاة أحكام المادة (12) من هذا القانون ببيان المؤهلات الدراسية المشار إليها مع بيان مستواها المالي ومدة الأقدمية الإضافية المقررة لها وذلك طبقاً للقواعد المنصوص عليها في المادتين (5)، (6) من قرار وزير التنمية الإدارية بعد موافقة اللجنة المنصوص عليها في الفقرة الثانية من المادة الثامنة من القانون رقم 58 لسنة 1971 بشأن نظام العاملين المدنيين بالدولة. وهو ما مؤداه أن القانون رقم 11 لسنة 1975 المشار إليه ناط بالوزير المختص بالتنمية الإدارية سلطة إصدار قرارات ببيان الشهادات والمؤهلات الدراسية المشار إليها به ومستواها المالي ومدة الأقدمية الإضافية المقررة طبقاً للقواعد المنصوص عليها في المادتين 5، 6 من ذلك القانون، وكان الوزير المختص بالتنمية الإدارية قد أصدر القرار رقم 83 لسنة 1975 بتقييم المؤهلات الدراسية تنفيذاً لأحكام القانون رقم 11 لسنة 1975 سالف الذكر، ونصت المادة الخامسة من هذا القرار على أن: "تعتمد الشهادات والمؤهلات الدراسية المتوسطة الآتي ذكرها فيما يلي والتي يتم الحصول عليها بعد دراسة مدتها ثلاث سنوات دراسية تالية لشهادة إتمام الدراسة الإعدادية أو ما يعادلها، وكذلك الشهادات التي يتم الحصول عليها بعد دراسة مدتها خمس سنوات تالية لشهادة إتمام الدراسة الابتدائية القديمة أو ما يعادلها للتعيين في وظائف الفئة (180 - 360)... (100) شهادة إتمام الدراسة من المدارس الثانوية الصناعية. ونصت المادة السابعة على أن "تعتمد الشهادات والمؤهلات الدراسية المتوسطة الآتي ذكرها فيما يلي والتي توقف منحها وكانت مدة الدراسة اللازمة للحصول عليها ثلاث سنوات دراسية على الأقل بعد الحصول على شهادة إتمام الدراسة الابتدائية القديمة أو ما يعادلها للتعيين في وظائف الفئة (180 - 360) (1) شهادة المدارس الصناعية (نظام قديم) (1) شهادة المدارس الصناعية نظام 3 سنوات الذي يبدأ سنة 1929.... (6) شهادة المدارس الابتدائية للصناعات... ونصت المادة الثامنة على أن.... "تعتمد الشهادات والمؤهلات الدراسية أقل من المتوسطة (شهادة إتمام الدراسة الابتدائية القديمة وشهادة إتمام الدراسة الإعدادية أو ما يعادلها الآتي ذكرها فيما يلي للتعيين في وظائف الفئة (162 - 360)...... (2) شهادة إتمام الدراسة بالمدارس الإعدادية الصناعية.... مما مفاده أن المادة الخامسة من القانون 11 لسنة 1975 سابق البيان حددت المستوى المالي لحملة الشهادات أقل من المتوسطة ومنها شهادات إتمام الدراسة الإعدادية أو ما يعادلها بالفئة (162 - 360) وحددت الفئة (180 - 360) لحملة الشهادات المتوسطة التي يتم الحصول عليها بعد دراسة مدتها ثلاث سنوات تالية لشهادة إتمام الدراسة الإعدادية أو ما يعادلها وكذلك الشهادات المسماة بالثانوية الصناعية التي يتم الحصول عليها بعد دراسة مدتها خمس سنوات تالية لشهادة إتمام الدراسة الابتدائية القديمة أو ما يعادلها وحددت الفئة (180 - 360) لحملة الشهادات الدراسية التي توقف منحها وكانت مدة الدراسة اللازمة للحصول عليها ثلاث سنوات دراسية على الأقل بعد الحصول على شهادة إتمام الدراسة الابتدائية القديمة أو ما يعادلها، وأن وزير التنمية الإدارية وهو الجهة المنوط بها إصدار القرارات ببيان تقييم المؤهلات الدراسية قد أورد بالمادة الثامنة من قراره رقم 83 لسنة 1975 شهادة إتمام الدراسة بالمدارس الإعدادية الصناعية بين الشهادات المعتمدة مؤهلاً دراسياً أقل من المتوسط وصلاحيتها للتعيين في وظائف الفئة (162 - 360) متسقاً في ذلك مع القانون رقم 11 لسنة 1974 وهو التشريع الأعلى والأصل أن التشريع لا يلغى إلا بتشريع لاحق له أعلى منه أو مساو له في الدرجة ينص صراحة على ذلك أو يتعارض معه في الحكم، وهو الأمر الذي حرصت على بيانه المذكرة الإيضاحية للقانون رقم 11 لسنة 1975 خاصاً بالقرارات التي يصدرها وزير التنمية الإدارية إعمالاً لنص المادة السابقة من القانون ببيان المؤهلات الدراسية ومستواها المالي ومدة الأقدمية الإضافية المقررة لها فأوردت المذكرة الإيضاحية أنه من المسلم به أن التعليمات التنفيذية ليست لها قيمة قانونية إلا بحسب مدى تطابقها مع التشريعات التي تصدر هذه التعليمات بناء عليها. لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد التزم هذا النظر وقضى برفض دعوى الطاعنين تأسيساً على أن مؤهلهما الدراسي "شهادة إتمام الدراسة الإعدادية الصناعية" يعتبر مؤهلاً أقل من المتوسط فإن النعي عليه بالخطأ في تطبيق القانون وتأويله يكون في غير محله.
وحيث إنه لما تقدم يتعين رفض الطعن.

الطعن 1297 لسنة 49 ق جلسة 9 / 12 / 1985 مكتب فني 36 ج 2 ق 230 ص 1116

جلسة 9 من ديسمبر سنة 1985

برياسة السيد المستشار/ د. جمال الدين محمود نائب رئيس المحكمة؛ وعضوية السادة المستشارين: محمود مصطفى نائب رئيس المحكمة، شمس ماهر، أحمد زكي غرابة ومحمد السيد رضوان.

---------------

(230)
الطعن رقم 1297 لسنة 49 القضائية

(1 - 2) عمل "إعانة غلاء المعيشة".
(1) إعانة غلاء المعيشة للعاملين بالقطاع الخاص. ق 40 لسنة 75. عدم استهلاكها من الزيادات التي تطرأ على الأجر. علة ذلك.
(2) زيادة أجور العاملين زيادة تشمل إعانة غلاء المعيشة بأقصى فئاتها المنصوص عليها في الأمر العسكري رقم 99 لسنة 1950. مؤداه. عدم جواز المطالبة بزيادة الإعانة المذكورة تبعاً لتغير الحالة الاجتماعية.

-----------------
1 - مفاد نص المادتين الأولى والثانية من القانون رقم 40 لسنة 75 بشأن تقرير إعانة غلاء المعيشة للعاملين بالقطاع الخاص أن الشارع أفرد طائفة معينة من العاملين بالقطاع الخاص دون سائر الطوائف الأخرى بأحكام خاصة نتيجة لقلة أجورهم بهدف رفع شأنهم وتوفير العيش الكريم لهم وتشجيعهم على العمل وزيادة الإنتاج، وهم أولئك الذين يتقاضون أجراً يقل عن خمسين جنيهاً في الشهر من غير المتدرجين أو المتدربين لما كان ذلك وكانت التسويات التي أجرتها الطاعنة بزيادة أجور العاملين لديها لا تبسط على هذه الطائفة ما تغياه الشارع من حماية ولا تحقق ما رمى إليه من غاية طالما وجد بعد التسويات من يتقاضون أجوراً تقل عن خمسين جنيهاً في الشهر، وكان القانون رقم 40 لسنة 1975 لم يرخص لصاحب العمل باستهلاك إعانة غلاء المعيشة من الزيادات التي تطرأ على الأجر فإن هذه الإعانة تظل سارية بعد التسويات ولا يحق للطاعنة استهلاكها.
2 - لما كان الثابت في الدعوى أن الطاعنة أصدرت القرارين رقمي 8، 13 بتاريخ 12/ 1/ 1977، 3/ 4/ 1977 بتسوية أجور العاملين لديها اعتباراً من أول يناير سنة 1977 بهدف زيادتها، وأن نسبة هذه الزيادة بلغت 89.4% في السنة المالية 1977/ 1978 وشملت إعانة غلاء المعيشة بأقصى فئاتها المنصوص عليها في الأمر العسكري رقم 99 لسنة 1950 فإنه لا يحق للمطعون ضدها من بعد أن تطلب زيادة هذه الإعانة تبعاً لتغير الحالة الاجتماعية لهؤلاء العاملين.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر نائب رئيس المحكمة والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن المطعون ضدها - النقابة..... - أقامت على الطاعنة...... - النزاع رقم 10 سنة 1978 تحكيم استئناف القاهرة طالبة الحكم بأحقية العاملين لدى الطاعنة في إضافة غلاء المعيشة إلى أجورهم طبقاً للأمر العسكري رقم 99 لسنة 1950 اعتباراً من 1/ 5/ 1976 مع الاستمرار في تطبيق القانون رقم 40 لسنة 1975، وقالت بياناً لها إن الطاعنة طبقت قرار المجلس الأعلى للصحافة في شأن الحد الأدنى لأجور العاملين من غير الصحفيين اعتباراً من 1/ 5/ 1976 ولم تضم إلى هذه الأجور إعانة غلاء المعيشة المنصوص عليها في الأمر العسكري رقم 99 لسنة 1950، وإذ كانت الأجور المنصوص عليهم في القرار لا تشمل إعانة غلاء المعيشة ويتعين إضافتها إليها مع الاستمرار في تطبيق القانون رقم 40 لسنة 1975 بشأن تقرير إعانة غلاء المعيشة للعاملين بالقطاع الخاص، فقد أقامت الدعوى بطلباتها آنفة البيان، وبتاريخ 11/ 4/ 1979 قررت هيئة التحكيم اعتبار المرتبات التي قررها المجلس الأعلى للصحافة للعاملين لدى الطاعنة من غير الصحفيين شاملة إعانة غلاء المعيشة طبقاً للحالة الاجتماعية لكل عامل عند تطبيقها مع الاستمرار في تطبيق القانون رقم 40 لسنة 1975 وما يترتب على ذلك من آثار، طعنت الطاعنة في هذا القرار بطريق النقض، وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي بنقضه، وعرض الطعن على المحكمة في غرفة مشورة فحددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على ثلاثة أسباب تنعى الطاعنة بالسبب الثالث منها على القرار المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون وفي بيان ذلك تقول إنه لما كان القرار قد قضى بأحقية العاملين لدى الطاعنة في الاستمرار في صرف إعانة غلاء المعيشة المقررة بالقانون رقم 40 لسنة 1975 وعدم جواز استهلاكها، في حين أن من يعين بعد العمل بهذا القانون يفترض أن أجره شامل لإعانة غلاء المعيشة بأقصى فئاتها، وأن عدم الاستهلاك مقصور على العاملين بالقطاع العام طبقاً لقرار رئيس الجمهورية رقم 390 لسنة 1975، فإن القرار يكون قد أخطأ في تطبيق القانون.
وحيث إن هذا النعي في غير محله ذلك أنه لما كان النص في المادة الأولى من القانون رقم 40 لسنة 1975 بشأن تقرير إعانة غلاء المعيشة للعاملين بالقطاع الخاص على أنه (مع عدم الإخلال بالأنظمة الخاصة التي تقرر إعانة غلاء معيشة أكثر سخاء تمنح اعتباراً من أول مايو سنة 1975 إعانة غلاء معيشة للعاملين الخاضعين لأحكام قانون العمل الصادر بالقانون رقم 91 لسنة 1959 طبقاً للنسب التالية..) وفي المادة الثانية من ذات القانون على أن (لا يسري حكم المادة الأولى على العمال المتدرجين أو المتدربين كما لا يسري على العامل الذي يتقاضى أجراً مقداره خمسون جنيهاً في الشهر...) مفاده أن الشارع أفرد طائفة معينة من العاملين بالقطاع الخاص دون سائر الطوائف الأخرى بأحكام خاصة نتيجة لقلة أجورهم بهدف رفع شأنهم وتوفير العيش الكريم لهم وتشجيعهم على العمل وزيادة الإنتاج، وهم أولئك الذين يتقاضون أجراً يقل عن خمسين جنيهاً في الشهر من غير المتدرجين أو المتدربين، وكانت التسويات التي أجرتها الطاعنة بزيادة أجور العاملين لديها لا تبسط على هذه الطائفة ما تغياه الشارع من حماية ولا تحقق ما رمى إليه من غاية طالما وجد بعد التسويات من يتقاضون أجوراً تقل عن خمسين جنيهاً في الشهر، وكان القانون رقم 40 لسنة 1975. لم يرخص لصاحب العمل باستهلاك إعانة غلاء المعيشة من الزيادات التي تطرأ على الأجر، فإن هذه الإعانة تظل سارية بعد التسويات ولا يحق للطاعنة استهلاكها، وإذ انتهى القرار المطعون فيه إلى هذه النتيجة فإن النعي عليه بهذا السبب يكون على غير أساس.
وحيث إن الطاعنة تنعى بالسببين الأول والثاني على القرار المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون وفي بيان ذلك تقول إنه لما كان القرار قد جرى في قضائه على أن الطاعنة لا تملك تحويل الزيادة في الأجر الناجمة عن التسويات إلى إعانة غلاء المعيشة لأن هذه الزيادة قررها المجلس الأعلى للصحافة للارتقاء بمستوى الأداء، في حين أنها حددت بقرار صادر من الطاعنة وبقدر يجاوز إعانة غلاء المعيشة وزيادتها، ومن حق الطاعنة اعتبارها شاملة هذه الإعانة بأقصى فئاتها، فإن القرار المطعون فيه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون.
وحيث إن هذا النعي سديد ذلك أنه لما كان الثابت في الدعوى أن الطاعنة أصدرت القرارين رقمي 8، 13 بتاريخ 12/ 1/ 1977، 3/ 4/ 1977 بتسوية أجور العاملين لديها اعتباراً من أول يناير سنة 1977 بهدف زيادتها، وأن نسبة هذه الزيادة بلغت 89.4% في السنة المالية 1977/ 1978 وشملت إعانة غلاء المعيشة بأقصى فئاتها المنصوص عليها في الأمر العسكري رقم 99 لسنة 1950 فإنه لا يحق للمطعون ضدها من بعد أن تطلب زيادة هذه الإعانة تبعاً لتغير الحالة الاجتماعية لهؤلاء العاملين، وإذ خالف القرار المطعون فيه هذا النظر وقضى بأحقيتهم لهذه الزيادة على سند من القول بأن تسوية أجورهم انتظمت إعانة غلاء المعيشة المقررة لحالتهم الاجتماعية وقت إجراء التسوية فحسب، فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون بما يوجب نقضه لهذا السبب.
وحيث إن الموضوع صالح للفصل فيه، ولما تقدم يتعين الحكم في المنازعة رقم 11 سنة 1978 تحكيم استئناف القاهرة برفضها في خصوص طلب زيادة إعانة غلاء المعيشة طبقاً للأمر العسكري رقم 99 لسنة 1950.

الطعن 93 لسنة 5 ق جلسة 13 / 6 / 1959 إدارية عليا مكتب فني 4 ج 3 ق 131 ص 1533

جلسة 13 من يونيه سنة 1959

برياسة السيد/ السيد علي الدمراوي نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة السيد إبراهيم الديواني وعلي إبراهيم بغدادي ومصطفى كامل إسماعيل وعبد المنعم سالم مشهور المستشارين.

----------------

(131)

القضية رقم 93 لسنة 5 القضائية

(أ) دعوى - حكم فيها 

- إلزام المحكمة من تلقاء نفسها لخصم لم يكن ممثلاً في الدعوى بمصروفاتها - خطأ يعيب الحكم ويؤدي إلى بطلانه.
(ب) دعوى - صفة في الدعوى 

- الدعوى التي يتصل موضوعها بمجلس بلدى معصرة ملوى - رفعها ضد وزارة الشئون البلدية والقروية - غير مقبول لانعدام صفة الوزارة في تمثيل المجلس المذكور - وجوب توجيه مثل هذه الدعوى إلى المجلس باعتباره شخصاً إدارياً عاماً يمثله رئيسه في التقاضي.

-----------------
1 - متى وضح أن المحكمة من تلقاء نفسها وهي التي ألزمت مجلس معصرة ملوى البلدي بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة دون أن يكون ذلك المجلس ممثلاً في الدعوى، الأمر الذي ما كان يجوز إلا بصحيفة تعلن إلى ذلك المجلس، فإن ذلك يعيب الحكم ويؤدي إلى بطلانه.
2 - متى كان الثابت أن المدعي موظف بمجلس معصرة ملوى البلدي، وهذا المجلس شخص إداري عام له الشخصية المعنوية وله ميزانيته المستقلة وله أهلية التقاضي ويمثله في ذلك رئيسه؛ وبهذه المثابة يكون هو صاحب الصفة في المنازعة الإدارية، وهو الذي توجه إليه الدعوى بحسبانه الجهة الإدارية المختصة بالمنازعة أي المتصلة بها موضوعاً، وهو بطبيعة الحال وبحكم قيامه على المرفق العام يستطيع الرد على الدعوى وإعداد البيانات وتقديم المستندات الخاصة بها، وكذلك تسوية المنازعة صلحاً أو تنفيذ الحكم في ميزانيته عند الاقتضاء؛ وعلى مقتضى ما تقدم فإن الدعوى، إذ رفعت ضد وزارة الشئون البلدية والقروية، تكون قد رفعت على غير ذي صفة، ويتعين الحكم بعدم قبولها.


إجراءات الطعن

في 14 من ديسمبر سنة 1958 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة طعناً في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية لوزارة الشئون البلدية والقروية بجلسة أول نوفمبر سنة 1958 في الدعوى رقم 169 لسنة 5 القضائية المرفوعة من نجيب سعد الله شحاتة ضد وزارة الشئون البلدية والقروية، والقاضي بأحقية المدعي في أن يتقاضى مرتباً شهرياً قدره ثمانية جنيهات في الدرجة الثامنة اعتباراً من أول إبريل سنة 1952، وما يترتب على ذلك من آثار، وصرف الفروق المالية اعتباراً من 4 من مارس سنة 1953، وذلك بالتطبيق لكادر عمال القنال، وألزمت مجلس معصرة ملوى البلدي المصروفات ومبلغ مائتي قرش مقابل أتعاب المحاماة. وطلب رئيس هيئة المفوضين - للأسباب التي استند إليها في عريضة الطعن - (أولاً) الحكم بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه، و(ثانياً) أصلياً: الحكم بقبول الطعن شكلاً، وبعدم قبول الدعوى شكلاً لرفعها على غير ذي صفة. واحتياطياً: بقبول الطعن شكلاً، وبرفض الدعوى، وإلزام رافعها بالمصروفات. وقد أعلن الطعن لبلدية القاهرة في 17 من ديسمبر سنة 1958، ولوزارة الشئون البلدية والقروية في 21 منه، وللمدعى في 25 منه، وتحدد لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون جلسة 6 من يونيه سنة 1959، وفي 25 من مايو سنة 1959 أبلغت بلدية القاهرة والمدعي بميعاد هذه الجلسة، وفيها قررت المحكمة إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا، وحددت لذلك جلسة 13 من يونيه سنة 1959، وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه الموضح بالمحضر، وأرجأت النطق بالحكم إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة، حسبما هو مستفاد من الأوراق، تتحصل في أن المدعي أقام دعواه بعريضة أودعها سكرتارية المحكمة الإدارية في 4 من مارس سنة 1958 طالباً الحكم بأحقيته في أن يتقاضى مرتباً شهرياً قدره ثمانية جنيهات مصرية اعتباراً من أول إبريل سنة 1952 بخلاف إعانة غلاء المعيشة المستحقة له، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وعلى الأخص إلزام المدعى عليها بأن تدفع له الفروق المستحقة له اعتباراً من التاريخ المذكور، وكذلك المصروفات والأتعاب. وقال شرحاً لدعواه إنه حاصل على شهادة الكفاءة ومن عمال القنال الكتبة، وعين بتاريخ 12 من نوفمبر سنة 1951 بوظيفة كاتب حسابات بمجلس بلدى معصرة ملوى بمرتب شهري قدره ستة جنيهات، مع أن المرتب الذي يستحقه اعتباراً من أول إبريل سنة 1952 على أساس القواعد التي وضعتها لجنة إعادة توزيع عمال الجيش البريطاني هو ثمانية جنيهات شهرياً بخلاف إعانة غلاء المعيشة. ويذكر أن الوزارة المدعى عليها احتجت بأنه عين على وظيفة متعمدة بالميزانية قبل أول إبريل سنة 1952، أي قبل التاريخ المحدد لسريان الكادر الذي وضعته لجنة إعادة توزيع عمال الجيش البريطاني، فلا تطبق عليه أحكامه. ويقول المدعي إن كتاب وزارة المالية المؤرخ 25 من مارس سنة 1952 قد نص على أن "تنفذ القواعد الخاصة بتحديد الأجور اعتباراً من أول إبريل سنة 1952، ما لم تكن قد نفذت قبل هذا التاريخ"، وهذه العبارة الأخيرة تنطبق بالبداهة على الموظفين المعينين قبل التاريخ المحدد لبدء العمل بالقواعد المشار إليها، وهو أول إبريل سنة 1952، فمن كان منهم قد سبق أن طبقت عليه القواعد المذكورة بمنحه الأجر المقرر بموجبها انتهى الأمر بالنسبة إليه، ومن كان منهم لم تطبق عليه بعد هذه القواعد وجب أن يعامل بها اعتباراً من أول إبريل سنة 1952 بصرف النظر عن تاريخ تعيينه. ويستطرد المدعي قائلاً إن هذا هو ما أخذت به المحاكم الإدارية في القضايا المماثلة؛ من ذلك الحكم الصادر في القضية رقم 1542 لسنة 1 القضائية محاكم الصادر من المحكمة الإدارية لوزارة الشئون البلدية بجلسة 21 من نوفمبر سنة 1955 في القضية المرفوعة من نجيب فرج ندا، وهي مماثلة لحالته. وردت الإدارة العامة لشئون البلديات على الدعوى بأن المدعي كان بخدمة الجيش البريطاني، والتحق بمجلس معصرة ملوى البلدي بوظيفة كاتب حسابات من الدرجة الثامنة الكتابية بماهية قدرها 6 ج شهرياً اعتباراً من 12 من نوفمبر سنة 1951، وهي الماهية التي كانت مقررة لشهادة الكفاءة الحاصل عليها عام 1931 طبقاً لقواعد الإنصاف، وكان يخصم بماهيته على ميزانية المجلس، ولما صدر قانون المعادلات رقم 371 لسنة 1953 سويت حالته بالتطبيق لأحكام ذلك القانون، فمنح ماهية قدرها 500 م و6 ج من 12 من نوفمبر سنة 1951 تاريخ تعيينه زيدت إلى 500 م و7 ج بعد سنتين، أي من 12 من نوفمبر سنة 1953. وتقول الوزارة: أما عن طلبه منحه ماهية قدرها 8 ج شهرياً من أول إبريل سنة 1952 أسوة بزملائه من عمال القنال لحصوله على شهادة الكفاءة فإن لجنة توزيع عمال القنال رأت وضع الكتبة والمخزنجية في الدرجة 140 - 360 م أو 160 - 360 م بعلاوة قدرها 20 م كل سنتين، على أن يمنح الحاصل على شهادة الكفاءة أجراً يومياً يعادل 8 ج في الشهر، وذلك اعتباراً من أول إبريل سنة 1952، وأن تصرف أجورهم خصماً على حساب وزارة الشئون الاجتماعية. فمن ذلك يتبين أن تقدير اللجنة كان قاصراً على عمال الجيش البريطاني الذين يشغلون وظائف كتبة أو مخزنجية باليومية ويخصمون بأجورهم على حساب وزارة الشئون الاجتماعية؛ إذ وضعتهم في درجات كادر عمال اليومية، وهذا يتعارض وحالة المدعي الذي عين على درجة ثامنة بالماهية المقررة لشهادته وقدرها 6 ج أسوة بزملائه من موظفي الحكومة، كما أنه يخصم بماهيته على ميزانية المجلس بخلاف عمال القنال المعينين باليومية. ويضاف إلى ذلك أن ماهيته قد ارتفعت بتسوية حالته بقانون المعادلات الذي لم يطبق أصلاً على عمال القنال باليومية.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه - إذ قضى بأحقية المدعي في أن يتقاضى مرتباً شهرياً قدره ثمانية جنيهات في الدرجة الثامنة اعتباراً من أول إبريل سنة 1952، وما يترتب على ذلك من آثار وصرف الفروق المالية اعتباراً من 4 من مارس سنة 1953 وذلك بالتطبيق لكادر عمال القنال، وبإلزام مجلس معصرة ملوى البلدي المصروفات ومبلغ مائتي قرش مقابل أتعاب المحاماة - يقوم على أن الفصل في الدعوى يقتضى البحث فيما إذا كان لعامل القنال الذي عين على درجة من درجات الكادر العام مباشرة منذ إلحاقه بالخدمة حق مكتسب في الإفادة من أحكام هذا الكادر. ويقول الحكم إن كادر عمال القنال الذي وضعته لجنة إعادة توزيع عمال الجيش البريطاني على الوزارات والمصالح المشكلة طبقاً لقرار مجلس الوزراء الصادر في 18 من نوفمبر سنة 1951 والمخول لها الحق في إعادة النظر في أجورهم طبقاً لقرار المجلس المذكور في 2 من ديسمبر سنة 1951، يقضي بأنه في حالة شغل الوظائف الخالية الخارجة عن هيئة العمال بتعيين عمال الجيش البريطاني تكون القاعدة العامة لتحديد ماهياتهم في الدرجات التي يعينون فيها هي الأجرة اليومية مضروبة في 25 يوماً ولو تجاوزت بهذا الأجر مربوط الدرجات المطلوبة تعيينهم فيها، وبأن هذه القاعدة تطبق أيضاً على الكتبة عند تعيينهم في الدرجات الدائمة والمؤقتة التي تجيز مؤهلاتهم الدراسية التعيين فيها. ويستطرد الحكم قائلاً إن مفاد ذلك أن القواعد التنظيمية التي تضمنها الكادر المذكور عامة يستفيد منها جميع عمال القنال، يستوي في ذلك من عين منهم على درجة بالميزانية أو باليومية ومن عين منهم قبل نفاذ ذلك الكادر وبعد نفاذه، ومقتضى ذلك النظر أن هذه القواعد هي الواجبة الاتباع في حالة ما إذا عين عامل القنال باليومية ثم نقل إلى وظيفة خالية بالميزانية، سواء أكانت من الوظائف الخارجة عن الهيئة أو الداخلة فيها، دائمة أو مؤقتة، أو عين مباشرة في تلك الوظيفة؛ إذ لا وجه للتفرقة بين الحالتين لعموم النص وشموله، والقاعدة أن العام يؤخذ على إطلاقه ما لم يرد ما يخصصه؛ وعليه فإن تخصيص المدعى عليها الحكم الوارد بقواعد كادر عمال القنال بالعمال الذين يعينون أولاً باليومية دون من يعينون مباشرة على درجات بالميزانية يكون تخصيصاً بلا مخصص، ويجب عدم الاعتداد به في هذا الشأن، هذا فضلاً عن أن الاستناد إلى قواعد الإنصاف في تحديد المرتب لا يجدي؛ إذ أن المشرع بتحديده أجوراً معينة مراعى فيها الارتفاع عما تضمنته هذه القواعد يكون قد أفصح عن نيته في معاملة عمال القنال معاملة خاصة تبررها ظروفهم وتضحياتهم؛ ومن ثم فإن المدعي يكون على حق في تسوية حالته طبقاً لأحكام كادر عمال القنال. ويذكر الحكم أن القواعد التي تضمنها هذا الكادر تقضي بوضع الكتبة والمخزنجية في الدرجة 140/ 360 م أو 160/ 360 م بعلاوة قدرها عشرون مليماً كل سنتين، على أن يمنح الحاصلون على شهادات دراسية معينة الأجور المقررة في هذه القواعد، ومن بينها أن يمنح الحاصل على شهادة الكفاءة أو ما يعادلها أجراً يومياً يعادل ثمانية جنيهات شهرياً بخلاف إعانة غلاء المعيشة التي تمنح بمقتضى القواعد المعمول بها وبحسب الحالة الاجتماعية لكل عامل. ويستنتج الحكم من ذلك أنه يشترط لإمكان استفادة عامل القنال من حكم هذه القواعد ثلاثة شروط، الأول: أن يكون حاصلاً على الشهادة المذكورة، الثاني: أن يكون قد قام بعمل كاتب أو مخزنجي بالجيش البريطاني، الثالث: أن يكون قد ألحق بخدمة الحكومة في هذه الوظيفة كذلك. ويقول الحكم إنه بتطبيق هذه الشروط على حالة المدعي وبالاطلاع على الأوراق وملف خدمته يتضح أنه حاصل على شهادة الدراسة الثانوية قسم أول (الكفاءة) سنة 1931، وأنه كان يشغل وظيفة Cierk بالجيش البريطاني، وعين بمجلس معصرة ملوى البلدي بوظيفة كاتب حسابات؛ ومن ثم فإنه - كما يقول الحكم - يكون قد استوفى الشروط المطلوبة، وبالتالي فإنه يستحق تسوية حالته طبقاً للقواعد السالفة الذكر. وعن الفروق المالية المستحقة يذكر الحكم أن المدعي رفع هذه الدعوى بصحيفة أودعها في 4 من مارس سنة 1958؛ ومن ثم فإنه يستحق الفروق المالية اعتباراً من 4 من مارس سنة 1953؛ لسقوط حقه في الفروق السابقة بمضي خمس سنوات دون ثبوت تظلمه إدارياً؛ وفقاً للمادة 50 من القسم الثاني من اللائحة المالية للميزانية والحسابات.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن الحكم المطعون فيه صادر ضد وزارة الشئون البلدية والقروية ومجلس بلدى القاهرة، مع أنهما لا دخل لهما في النزاع، وكان يجب رفع الدعوى ضد مجلس بلدى معصرة ملوى؛ إذ أن المجالس البلدية هي أشخاص اعتبارية متميزة بعضها عن بعض وعن وزارة الشئون البلدية والقروية ولكل منها استقلالها وذمتها الخاصة؛ ومن ثم فإن الدعوى تكون قد رفعت على غير ذي صفة، ويتعين الحكم بعدم قبولها.
ومن حيث الموضوع يقول الطعن إن مقطع النزاع هو في تعرف نطاق قواعد عمال القنال، وهل يقتصر نطاقها على الوزارات والمصالح الحكومية فحسب أم يمتد كذلك إلى المجالس البلدية وسائر الأشخاص الإقليمية، فتلتزم هذه الهيئات بتطبيقها على عمالها ومستخدميها. ويقول الطعن إن الواضح - من قرار مجلس الوزراء الصادر في 18 من نوفمبر سنة 1951 لإعادة توزيع عمال الجيش البريطاني الذين تركوا الخدمة في منطقة السويس بالجيش البريطاني على مختلف الوزارات والمصالح الحكومية والخصم بأجورهم بعد استنفاد الاعتمادات المخصصة للأجور في ميزانية الدولة على بند 13 (الخاص بمساعدات الضمان الاجتماعي بميزانية وزارة الشئون الاجتماعية)، ومن تقرير لجنة توزيع هؤلاء العمال - أن هذه القواعد إنما تنصرف أصلاً إلى وزارات الحكومة ومصالحها، ولم يرد بها ذكر للمجالس البلدية ونحوها من الأشخاص الإقليمية، كما كانت تكاليف هذا القرار على عاتق الحكومة ولم تتحمله كل جهة على حدة، وكان الصرف عليه من بند خاص في ميزانية الدولة هو بند المساعدات بمصلحة الضمان الاجتماعي بميزانية وزارة الشئون الاجتماعية وغيره من البنود التي خصصت بعد ذلك لهذا الغرض، إلى أن صدر القانون رقم 569 لسنة 1955 بتعيين هؤلاء العمال على درجات بالميزانية. ويذكر الطعن أن المجالس البلدية هي أشخاص اعتبارية مستقلة عن الحكومة المركزية، ولا تتقيد بقواعدها المطبقة فيها إلا إذا ألزمها القانون أو قررت ذلك في ضوء ظروفها وإمكانياتها المالية، ولا يستفاد هذا الإلزام من المادة الأولى من لائحة استخدام موظفي المجالس البلدية وعمالها التي تنص على أن "تتبع بالنسبة لموظفي ومستخدمي وعمال المجالس البلدية جميع القواعد المقررة أو التي ستقرر لموظفي ومستخدمي وعمال الحكومة فيما يتعلق بشروط التعيين ومنح العلاوات والترقيات والنقل والإجازات وبدل السفر، وذلك بغير إخلال بالأحكام الخاصة الواردة في هذه اللائحة"؛ إذ أن هذا النص قد حدد الموضوعات والمسائل التي تسري أحكامها وقواعدها على موظفي المجالس البلدية وعمالها على سبيل الحصر، وليس من بينها المرتبات والأجور التي تقررها الحكومة لموظفيها ومستخدميها وعمالها، كما أن المجالس البلدية لم تصدر قرارات بتطبيق كادر عمال القنال على من التحقوا بها من هؤلاء العمال، وبالتالي لم تلتزم به. وإذا كانت هذه المجالس قد قبلت بعض عمال القنال عند توزيعهم عليها كسائر المصالح والوزارات الحكومية فإن الحكومة قد تكفلت بصرف أجور هؤلاء العمال من ميزانيتها ولم تتحملها هذه المجالس، وأما الذين عينوا فيها بداءة - كالمدعي - على درجات في ميزانية هذه المجالس فلا إلزام على هذه المجالس في أن تتحمل ما يزيد من أجورهم على مربوط الدرجات التي عينوا فيها في ميزانيتها، ولا محل إذن في هذا المجال للقول بإلزام المجالس البلدية هذه القواعد دون أن يلزمها القانون أحكامها، ودون أن تتخذ من جانبها قراراً بسريانها على من يلتحقون بها. ويضيف الطعن إلى ذلك قوله بأنه فضلاً عن ذلك فإن ما انتهى إليه الحكم المطعون فيه من تسوية المدعي على الدرجة الثامنة مع استحقاقه الأجور المنصوص عليها في كادر عمال القنال فيه مخالفة صريحة لأحكام هذا الكادر الذي نص على أن يمنح للكاتب أو المخزنجي الحاصل على شهادة الكفاءة أو ما يعادلها - كالمدعي - أجراً يومياً يعادل ثمانية جنيهات شهرية بخلاف إعانة الغلاء في الدرجة 140/ 360 أو 160/ 360، وليس في الدرجة الثامنة، كما قضى الحكم المطعون فيه. ويذكر الطعن أن طلب الإدارة وقف تنفيذ هذا الحكم يبرره تجنبها مخاطر عدم تحصيل ما تضطر لصرفه للمدعي تنفيذاً لهذا الحكم ومشقة هذا التحصيل، فضلاً عن احتمال إلغاء الحكم المطعون فيه.
ومن حيث إنه يبين من استظهار ملف خدمة المدعي أنه حاصل على شهادة الدراسة الثانوية قسم أول في شهر يوليه سنة 1931، وأنه كان مستخدماً بالجيش البريطاني ورشحته مصلحة البلديات في 11 من نوفمبر سنة 1951 للتعيين في وظيفة كاتب بمجلس المعصرة القروي على أن يمنح الماهية المقررة لمؤهله، واستلم عمله في 12 من نوفمبر سنة 1951، ووافق مجلس قروي معصرة ملوى بتاريخ 3 من ديسمبر سنة 1952 على تثبيته واشتراكه في صندوق التوفير، ووافقت مصلحة البلديات في يوليه سنة 1953 على تثبيته واشتراكه في الصندوق اعتباراً من يوليه سنة 1953، وسويت حالته في 4 من يوليه سنة 1954 طبقاً لقانون المعادلات باعتباره في الدرجة الثامنة من بدء تعيينه في 12/ 11/ 1951 بماهية 500 م و6 ج، و500 م و7 ج من 12/ 11/ 1953، على ألا تصرف الفروق المالية المترتبة على تنفيذ حكم المادة الأولى من القانون رقم 371 لسنة 1953 إلا من تاريخ هذا التنفيذ وعن المدة التالية فقط.
ومن حيث إنه يبين من الأوراق أن المدعي أقام دعواه بصحيفتها المودعة سكرتارية المحكمة الإدارية في 4 من مارس سنة 1958 ضد وزارة الشئون البلدية والقروية، والمحكمة الإدارية - عندما تبينت أن المدعي موظف بمجلس معصرة ملوى البلدي - قضت من تلقاء نفسها، دون ما طلب من المدعي، بإلزام مجلس معصرة ملوى البلدي بالمصروفات وبمبلغ مائتي قرش مقابل أتعاب المحاماة، كما ذكرت في ديباجة الحكم أن الدعوى مرفوعة ضد وزارة الشئون البلدية والقروية وبلدية القاهرة، وكانت المحكمة تقصد بلدية معصرة ملوى.
ومن حيث إن الخلاف في اسم البلدية صاحبة الشأن لا يعدو أن يكون خطأ مادياً كتابياً بحتاً ظاهر الوضوح مردود على وجهه الصحيح في كل من وقائع الحكم وأسبابه؛ ومن ثم فهو خطأ كتابي محض قابل للتصحيح لا يعيب الحكم عيباً جوهرياً، ولا يفضي إلى بطلانه.
ومن حيث إنه قد وضح أن المحكمة من تلقاء نفسها هي التي ألزمت مجلس معصرة ملوى البلدي بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة، دون أن يكون ذلك المجلس ممثلاً في الدعوى، فما كان يجوز ذلك إلا بصحيفة تعلن إلى ذلك المجلس؛ الأمر الذي يعيب الحكم، ويؤدي إلى بطلانه.
ومن حيث إنه ثابت من الأوراق أن المدعي موظف بمجلس معصرة ملوى البلدي، وهذا المجلس شخص إداري عام له الشخصية المعنوية وله ميزانيته المستقلة وله أهلية التقاضي، ويمثله في ذلك رئيسه؛ وبهذه المثابة يكون هو صاحب الصفة في المنازعة الإدارية، وهو الذي توجه إليه الدعوى بحسبانه الجهة الإدارية المختصة بالمنازعة، أي المتصلة بها موضوعاً، وهو بطبيعة الحال وبحكم قيامه على المرفق العام يستطيع الرد على الدعوى وإعداد البيانات وتقديم المستندات الخاصة بها، وكذلك تسوية المنازعة صلحاً أو تنفيذ الحكم في ميزانيته عند الاقتضاء. وعلى مقتضى ما تقدم فإن الدعوى تكون قد رفعت على غير ذي صفة، ويتعين الحكم بعدم قبولها.
ومن حيث إنه لذلك يكون الطعن قد قام على أساس سليم، ويكون الحكم المطعون فيه قد وقع مخالفاً للقانون، ويتعين من أجل ذلك إلغاؤه.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبعدم قبول الدعوى لرفعها على غير ذي صفة، وألزمت المدعي بالمصروفات.

الطعن 752 لسنة 49 ق جلسة 9 / 12 / 1985 مكتب فني 36 ج 2 ق 229 ص 1112

جلسة 9 من ديسمبر سنة 1985

برياسة السيد المستشار/ د. جمال الدين محمود نائب رئيس المحكمة؛ وعضوية السادة المستشارين: محمود مصطفى سالم نائب رئيس المحكمة، أحمد طارق البابلي، شمس ماهر، وأحمد زكي غرابة.

---------------

(229)
الطعن رقم 752 لسنة 49 القضائية

تأمينات اجتماعية. "التأمين الإضافي".
التأمين الإضافي. حالات استحقاقه المبينة بالقرار بق 116 لسنة 1964. تخلف ذلك. أثره. عدم التزام إدارة التأمين والمعاشات للقوات المسلحة بصرف التأمين، وكذا عدم الالتزام بالميعاد والإجراءات المنصوص عليهما في المادة 78 من القرار بق سالف الذكر.

---------------
لما كان مؤدى نصوص المواد 1/ 1، 31، 95 من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 116 لسنة 1964 في شأن المعاشات والمكافآت والتأمين والتعويض للقوات المسلحة إن إدارة التأمين والمعاشات للقوات المسلحة لا تلزم بصرف التأمين الإضافي لأفراد الاحتياط المستبقين أو المستدعين للخدمة بالقوات المسلحة من الموظفين العموميين أو للمستحقين عنهم إلا في حالات الإصابة أو الوفاة أو الفقد في العمليات الحربية ومشروعات التدريب بالذخيرة الحية أو اقتحام المواقع أو بث الألغام أو الإنزال الجوي أو أثناء الأسر إذا ثبتت براءة الأسير طبقاً للقواعد والأوامر المتبعة في القوات المسلحة أو في الحالات الأخرى التي يصدر بها قرار من نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، وكان الثابت في الدعوى أن مورث المطعون ضدهما الأول والثانية كان من أفراد الاحتياط المستبقين بالقوات المسلحة من الموظفين العموميين الذين يعملون لدى المؤسسة العامة للكهرباء، وأن وفاته حدثت لدى عودته من إجازته الميدانية أي في غير الحالات المنصوص عليها في المادتين 31، 95 السالف الإشارة إليهما فإن إدارة التأمين والمعاشات للقوات المسلحة لا تكون ملزمة بصرف التأمين المطالب به ويكون المطعون ضدهما الأول والثانية في حل من التزام الميعاد والإجراءات المنصوص عليها في المادة 87 من القرار القانون السالف الذكر.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن تتحصل في أن المطعون ضدهما الأول والثانية أقاما على الطاعنة - الهيئة العامة للتأمين والمعاشات - والمطعون ضده الثالث - مدير...... - الدعوى رقم 774 سنة 1974 مدني كلي المنصورة وطلباً الحكم بإلزام الطاعنة بأن تدفع لهما مبلغ 700 ج تأميناً إضافياً، 84 ج متأخر معاش عن الفترة من 1/ 9/ 1973 إلى 31/ 3/ 1974 وما يستجد اعتباراً من 1/ 4/ 1974 بواقع 12 ج شهرياً. وقالا بياناً لها أن مورثهما المرحوم.... كان من جند الاحتياط واستدعي للخدمة بالقوات المسلحة أثناء عمله لدى المطعون ضدها الثالثة، وفي 18/ 9/ 1973 أصيب أثناء عودته من إجازته إصابة أودت بحياته، وإذ كانا يستحقان تأميناً إضافياً مقداره 700 ج، ومعاشاً بواقع 12 ج شهرياً وتجمد لهما منه مبلغ 84 ج عن الفترة من 1/ 9/ 1973 إلى 31/ 3/ 1974 فقد أقاما الدعوى بطلباتهما آنفة البيان، وفي 18/ 11/ 1975 ندبت المحكمة خبيراً، وبعد أن قدم تقريره حكمت في 15/ 11/ 1977 بإلزام الطاعنة بأن تدفع للمطعون ضدهما الأول والثانية مبلغ 216 ج تأميناً إضافياً بحق النصف لكل منهما وبعدم اختصاصها ولائياً بنظر الدعوى بالنسبة لطلب المعاش... استأنفت الطاعنة هذا الحكم لدى محكمة استئناف المنصورة وقيد الاستئناف برقم 622 سنة 29 ق، وفي 8/ 2/ 1979 حكمت المحكمة بتأييد الحكم المستأنف، طعنت الطاعنة في هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن، وعرض الطعن على المحكمة في غرفة مشورة فحددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على أربعة أسباب تنعى بها الطاعنة على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والقصور في التسبيب وفي بيان ذلك تقول إنه لما كان الحكم قد أيد الحكم الابتدائي الذي قضى بإلزامها بأن تؤدي إلى المطعون ضدهما الأول والثانية التأمين الإضافي على أساس أن مورثها كان من الموظفين المدنيين الذين يعملون بالقوات المسلحة، وأن الطاعنة صرفت جزءاً من هذا التأمين، ولم يرد على ما أبدته من أن حقهما في المبلغ محل التداعي سقط طبقاً للمادة 87 من القانون رقم 116 لسنة 1964 لعدم اتخاذ الإجراءات القانونية للمطالبة به خلال سنتين من تاريخ الوفاة، وأن إدارة التأمين والمعاشات للقوات المسلحة هي الملزمة قانوناً بصرفه ولا يغير من ذلك أن الطاعنة صرفت جزءاً منه على سبيل الخطأ لأن المتوفى كان من أفراد الاحتياط المتبقين للخدمة بالقوات المسلحة وتوفى أثناء عودته إلى وحدته العسكرية من إجازة ميدانية، فإن الحكم يكون قد خالف القانون وشابه القصور في التسبيب.
وحيث إن هذا النعي في غير محله ذلك أنه لما كان مؤدى نصوص المواد 1/ 1، 31، 95 من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 116 لسنة 1964 في شأن المعاشات والمكافآت والتأمين والتعويض للقوات المسلحة أن إدارة التأمين والمعاشات للقوات المسلحة لا تلزم بصرف التأمين الإضافي لأفراد الاحتياط المتبقين أو المستدعين للخدمة بالقوات المسلحة من الموظفين العموميين أو للمستحقين عنهم إلا في حالات الإصابة أو الوفاة أو الفقد في العمليات الحربية ومشروعات التدريب بالذخيرة الحية أو اقتحام المواقع أو بث الألغام أو الإنزال الجوي أو أثناء الأسر إذا ثبتت براءة الأسير طبقاً للقواعد والأوامر المتبعة في القوات المسلحة أو في الحالات الأخرى التي يصدر بها قرار من نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، وكان الثابت في الدعوى أن مورث المطعون ضدهما الأول والثانية كان من أفراد الاحتياط المتبقين للخدمة بالقوات المسلحة من الموظفين العموميين الذين يعملون لدى المؤسسة....، وأن وفاته حدثت لدى عودته من إجازته الميدانية أي في غير الحالات المنصوص عليها في المادتين 31، 95 السالف الإشارة إليهما، فإن إدارة التأمين والمعاشات للقوات المسلحة لا تكون ملزمة بصرف التأمين المطالب به ويكون المطعون ضدهما الأول والثانية في حل من التزام الميعاد والإجراءات المنصوص عليها في المادة 87 من القانون السالف الذكر، وإذ انتهى الحكم المطعون فيه إلى هذه النتيجة فإن النعي عليه بأسباب الطعن يكون على غير أساس، ولا ينال من ذلك ما اشتملت عليه أسبابه من أخطاء قانونية إذ لهذه المحكمة أن تصححها دون أن تنقضه.
وحيث إنه لما تقدم يتعين رفض الطعن.

الطعن 750 لسنة 51 ق جلسة 9 /12 / 1985 مكتب فني 36 ج 2 ق 227 ص 1106

جلسة 9 من ديسمبر سنة 1985

برياسة السيد المستشار/ يحيى الرفاعي نائب رئيس المحكمة؛ وعضوية السادة المستشارين: محمد طموم، زكي المصري، منير توفيق وأحمد مكي.

---------------

(227)
الطعن رقم 750 لسنة 51 القضائية

ضرائب "ضريبة التركات".
الأراضي البور الداخلة ضمن عناصر التركة. وجوب تقدير قيمتها حكمياً متى قدرت لها قيمة إيجارية واتخذت هذه القيمة أساساً لربط الضريبة عليها.

---------------
النص في المادة 36 من القانون رقم 142 لسنة 1944 بفرض رسم أيلولة على التركات - بعد تعديله بالقانون رقم 217 لسنة 1951 على أن "تقدر قيمة الأطيان الزراعية بما يعادل عشرة أمثال القيمة الإيجارية المتخذة أساساً لربط الضريبة"، وفي المادة الأولى من القانون رقم 113 لسنة 1939 - الخاص بضريبة الأطيان - على أن "تفرض ضريبة الأطيان على جميع الأراضي الزراعية المنزرعة فعلاً أو القابلة للزراعة على أساس الإيجار السنوي المقدر لهذه الأراضي، وفي المادة العاشرة من هذا القانون على أن "ترفع ضريبة الأطيان في الأحوال الآتية: 7 - الأراضي البور التي لم يسبق زراعتها وتكون محرومة من وسائل الري والصرف أو محتاجة إلى إصلاحات جسيمة ومصروفات كبيرة"، وفي المادة الحادية عشر منه على أنه "لا ترفع الضريبة في الأحوال المنصوص عليها في المادة السابعة إلا بناء على طلب صاحب الشأن من تاريخ قيام سبب الرفع" يدل على أن الشارع أراد بنص المادة 36 من القانون رقم 142 لسنة 1944 أن يجعل من القيمة الإيجارية المتخذة أساساً لربط الضريبة معياراً حكمياً لتقدير قيمة الأراضي الزراعية الداخلية ضمن عناصر التركة بصرف النظر عما إذا كانت منزرعة فعلاً أو كانت بوراً قابلة للزراعة طالما قدرت لها قيمة إيجارية واتخذت هذه القيمة أساساً لربط الضريبة عليها.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن تتحصل في أن مأمورية ضرائب التركات بالإسكندرية قدرت قيمة الأراضي البور المخلفة عن مورث المطعون ضدهم تقديراً فعلياً بواقع مائة جنيه للفدان الواحد وإذ اعترضوا على تقديرات المأمورية ورفع الخلاف إلى لجنة الطعن قررت في 4/ 10/ 1978 تقدير قيمة الأراضي المشار إليها تقديراً حكمياً على أساس عشرة أمثال القيمة الإيجارية المتخذة أساساً لربط الضريبة عليها. طعنت مصلحة الضرائب في هذا القرار بالدعوى رقم 1669 لسنة 1978 تجاري كلي الإسكندرية ابتغاء الحكم بإلغاء وتأييد قرار المأمورية تأسيساً على أن الأراضي البور لا تخضع للتقدير الحكمي ومحكمة أول درجة حكمت في 2/ 1/ 1980 بتأييد قرار اللجنة، استأنفت المصلحة هذا الحكم فقضت محكمة الاستئناف بتأييد الحكم المستأنف. طعنت المصلحة في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة العامة مذكرة رأت فيها نقض الحكم المطعون فيه وإذ عرض الطعن على هذه المحكمة في غرفة مشورة حددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن حاصل سبب الطعن أن الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه أقام قضاءه بتأييد قرار لجنة الطعن على أن الأطيان المخلفة عن المورث وهي من الأراضي البور تقدر قيمتها تقديراً فعلياً طبقاً لنص المادة 37 من القانون رقم 142 لسنة 1944. وإذ كانت لجنة الطعن قد قدرت قيمتها تقديراً حكمياً طبقاً لنص المادة 36 من القانون لسبق تقدير قيمتها الإيجارية واتخاذها أساساً لربط الضريبة عليها فإن الحكم يكون قد أخطأ في تطبيق القانون وشابه التناقض والقصور في التسبيب.
وحيث إن هذا النعي غير مقبول ذلك أن النص في المادة 36 من القانون رقم 142 لسنة 1944 بفرض رسم أيلولة على التركات بعد تعديله بالقانون رقم 217 لسنة 1951 على أن "تقدر قيمة الأطيان الزراعية بما يعادل عشرة أمثال القيمة الإيجارية المتخذة أساساً لربط الضريبة" وفي المادة الأولى من القانون رقم 113 لسنة 1939 الخاص بضريبة الأطيان على أن "تفرض ضريبة الأطيان على جميع الأراضي الزراعية المنزرعة فعلاً أو القابلة للزراعة على أساس الإيجار السنوي المقدر لهذه الأراضي" وفي المادة العاشرة من هذا القانون على أن "ترفع ضريبة الأطيان في الأحوال الآتية: 7 - الأراضي البور التي لم يسبق زراعتها وتكون محرومة من وسائل الري والصرف أو محتاجة إلى إصلاحات جسيمة ومصروفات كبيرة "وفي المادة الحادية عشر منه على أنه "لا ترفع الضريبة في الأحوال المنصوص عليها في المادة السابعة إلا بناء على طلب صاحب الشأن من تاريخ قيام سبب الرفع" يدل على أن الشارع أراد بنص المادة 36 من القانون رقم 142 لسنة 1944 أن يجعل من القيمة الإيجارية المتخذة أساساً لربط الضريبة معياراً حكمياً لتقدير قيمة الأراضي الزراعية الداخلة ضمن عناصر التركة بصرف النظر عما إذا كانت منزرعة فعلاً أو كانت بوراً قابلة للزراعة طالما قدرت لها قيمة إيجارية واتخذت هذه القيمة أساساً لربط الضريبة عليها، لما كان ذلك، وكانت محكمة الموضوع بدرجتيها قد انتهت إلى تأييد قرار لجنة الطعن لأسبابه التي التزمت هذا النظر فإن النعي على الحكم بما ورد في أسبابه الأخرى من الاستناد خطأ إلى نص المادة 37 من القانون رقم 142 لسنة 1944 التي لا تنطبق على الواقعة موضوع الدعوى يكون غير منتج ما دام منطوقه جاء موافقاً للتطبيق الصحيح للقانون على الواقعة الثابتة فيه ومن ثم يتعين رفض الطعن.

الطعن 752 لسنة 4 ق جلسة 13 / 6 / 1959 إدارية عليا مكتب فني 4 ج 3 ق 130 ص 1514

جلسة 13 من يونيه سنة 1959

برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة سيد علي الدمراوي والسيد إبراهيم الديواني ومحيي الدين حسن والدكتور ضياء الدين صالح المستشارين.

-----------------

(130)

القضية رقم 752 لسنة 4 القضائية

(أ) جامعات 

- ترقية إلى وظيفة أستاذ مساعد - تحدد شروطها وفقاً للقواعد الواردة في قرارات لجنة التنسيق بين جامعتي القاهرة والإسكندرية باعتبارها قواعد خاصة تقيد القواعد العامة في ترقيات الموظفين - مناط الترقية وفقاً للقرارات المذكورة هو الأفضلية في الإنتاج العلمي، على أن يعتد عند التساوي فيه بالأقدمية في وظيفة مدارس (أ).
(ب) جامعات 

- ترقية إلى أستاذ مساعد - تقدير النواحي العلمية الفنية المتصلة بكفاية المرشح للترقية، والترجيح بينه وبين غيره من المرشحين - من الملاءمات المتروكة لمجلس الجامعة.

----------------

1 - لئن صح ما يدعيه المدعي من أنه أقدم في تخرجه من بعض المرشحين للترقية في القرار المطعون فيه القاضي بترقية بعض المدرسين بكلية الهندسة إلى وظيفة أستاذ مساعد، إلا أنه لا محل لإعمال قاعدة الأقدمية ولو صاحبتها الجدارة عندما تجري بما يناهضها قاعدة أخرى أخص منها في مقام الترقية بالنسبة إلى فئة من الموظفين بذاتها، كأعضاء هيئة التدريس بالجامعات المصرية الذين انتظمت ترقياتهم قواعد تنظيمية معينة أقرتها وضبطتها لجنة التنسيق الجامعية؛ فمن المبادئ المقررة أن الخاص يقيد العام، ولا عكس.والقواعد التي وضعتها لجنة التنسيق الجامعية إنما قصد بها ولا ريب التحلل من قواعد الترقية العامة، وسنّ ضوابط وأسس جديدة تجري على مقتضاها ترقيات أعضاء هيئة التدريس بالجامعات على نهج يحقق تناسقها مع طبيعة وظائفهم ورسالتهم.وقد قررت لجنة التنسيق بين جامعتي القاهرة والإسكندرية بجلساتها المنعقدة في 28 من يوليه و24 و31 من أغسطس سنة 1948 وضع قواعد تنظيمية عامة في هذا الشأن من مقتضاها "أنه عند الترقية من وظيفة مدارس ( أ ) إلى وظيفة أستاذ مساعد (ب) يرجح من كان أفضل في الإنتاج العلمي، فإذا تساوى المرشحون في الإنتاج العلمي يفضل الأقدم في وظيفة مدرس ( أ )، فإذا تساووا في وظيفة مدرس ( أ ) يفضل الأقدم في وظيفة مدرس (ب)"، كما قررت اللجنة أيضاً أنه "عند الترقية من أستاذ مساعد إلى أستاذ يفضل صاحب الإنتاج العلمي، فإذا تساوى المرشحون في الإنتاج العلمي فضل الأقدم في وظيفة أستاذ مساعد، وإذا تساووا في وظيفة أستاذ مساعد فضل الأقدم في الدرجة الثالثة...".ولما كانت لجنة التنسيق بين الجامعتين هي لجنة مشكلة بقرار وزاري لاقتراح ما تراه من القواعد للتنسيق بين الجامعتين، فاقترحت هذه القواعد في خصوص تنظيم ترقيات أعضاء هيئات التدريس، ثم عرضت اقتراحاتها على مجلس إدارة الجامعة فوافق عليها، وصدق وزير المعارف على ذلك باعتباره الرئيس الأعلى للجامعات، فأصبحت تلك الأصول قواعد تنظيمية عامة في هذا الشأن، أي بمثابة اللائحة أو القانون.
2 - إن السلطات الجامعية، وهي تباشر اختصاصها عند النظر في الترقية إلى وظيفة أستاذ مساعد (ب)، إنما تترخص في تقدير النواحي العلمية الفنية المتصلة بالكفاية والترجيح، وهذا من الملاءمات المتروكة لتقدير الجامعة بلا معقب عليها من هذه المحكمة، ما دام تقديرها قد خلا من إساءة استعمال السلطة، ولم يقيدها القانون بنظام معين يجب التزامه في كيفية تقدير هذه العناصر.


إجراءات الطعن

في 20 من يوليه سنة 1958 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم 752 لسنة 4 القضائية في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (الهيئة الثالثة "ب") بجلسة 22 من مايو سنة 1958 في الدعوى رقم 20 لسنة 9 القضائية المقامة من لبيب إقلاديوس ضد جامعة القاهرة، والذي قضى "برفض الدعوى، وبإلزام المدعي بالمصروفات".وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين - للأسباب التي استند إليها في صحيفة طعنه - "الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء بإلغاء القرار المطعون فيه، مع إلزام الجامعة بالمصروفات" وقد أعلن هذا الطعن إلى جامعة القاهرة في 3 من أغسطس سنة 1958، وإلى المطعون لصالحه في 6 منه، وعين لنظره أمام هذه المحكمة جلسة 31 من يناير سنة 1959، وقد انقضت المواعيد القانونية دون أن يقدم أي من الطرفين مذكرة بملاحظاته.وفي 17 من يناير سنة 1959 أعلن الطرفان بميعاد الجلسة، وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقدم المطعون لصالحه في 15 من مارس سنة 1959 مذكرة بملاحظاته على صحيفة الطعن، خلص منها إلى طلب القضاء بإلغاء الحكم المطعون فيه، وفي الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه، وذلك فيما تضمنه من تخطيه في الترقية إلى وظيفة أستاذ مساعد، مع إلزام جامعة القاهرة بالمصروفات ومقابل الأتعاب.ثم قررت المحكمة إرجاء النطق بالحكم إلى جلسة 2 من مايو سنة 1959، ومنها مدت أجل النطق بالحكم إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة، حسبما يبين من أوراق الطعن، تتحصل في أن المطعون لصالحه أقام الدعوى رقم 20 لسنة 9 ق أمام محكمة القضاء الإداري بعريضة أودعها سكرتيرية تلك المحكمة في 4 من أكتوبر سنة 1954 طلب فيها الحكم بإلغاء قرار مجلس الجامعة الصادر في أول مارس سنة 1953 فيما تضمنه من تخطيه في الترقية إلى درجة أستاذ مساعد (ب)، مع إلزام جامعة القاهرة بالمصروفات ومقابل الأتعاب.وقال شرحاً لدعواه إنه قدم تظلماً إلى اللجنة القضائية المختصة قيد تحت رقم 4499 لسنة 1 قضائية طعناً في قرار مجلس كلية الهندسة الصادر في يناير سنة 1953 بتخطيه في الترقية إلى وظيفة أستاذ مساعد (ب)، وأقام تظلمه على أنه أمضى أربع سنوات ونصف في وظيفة مدرس ( أ )، وله أكثر من سبع سنوات في وظيفة مدرس، وهو يسبق أقدم المرشحين بأربع سنوات في التخرج؛ ذلك أنه تخرج في مايو سنة 1934، وقد حصل على درجة الماجستير سنة 1945، وله أبحاث منشورة في أشهر المجلات العلمية العالمية.وقال إنه لو روعيت القواعد التي اتخذت أساساً للترقية بين أعضاء هيئة التدريس في الجامعة وأهمها الأقدمية، فإنه يكون قد استوفى كل مسوغات الترقية، وأن الكلية وافقت في السنوات الأخيرة على ترقية بعض السادة الأساتذة من مدرسين إلى أساتذة مساعدين (ب) طبقاً للأقدمية المطلقة.ويقول المدعي إن الجامعة ردت على تظلمه فقالت إن أبحاثه، وهو حاصل على درجة الماجستير فقط، لم ترق إلى مرتبة البحوث التي تقدم بها من وافقت اللجنة على ترقيتهم إلى وظيفة أستاذ مساعد (ب) قبله، واستندت الكلية في هذا الرد على قرار أصدرته لجنة البحوث والترقيات المشكلة من ثلاثة من أساتذة الكلية.ويقول المدعي إنه قد فات مجلس الكلية أن هذه اللجنة الثلاثية هي بالذات وبنفس أعضائها قررت أن البحث الذي نشره المدعي في مجلة (الطبيعة) له جديته وأهميته الخاصة في الكيمياء العضوية.ويقول المدعي إن مجلس الكلية لم يراع في غالبية ترشيحاته القواعد التي اتخذت أساساً للترقية فيما مضى.ولا الأحكام التي أصدرها مجلس الدولة في القضايا المماثلة.وبجلسة 5 من إبريل سنة 1954 أصدرت اللجنة القضائية قرارها برفض طلب المدعي.فأقام المدعي أمام محكمة القضاء الإداري الدعوى رقم 20 لسنة 9 ق بإيداع صحيفتها سكرتارية تلك المحكمة في 4 من أكتوبر سنة 1954، وهو ينعى على قرار اللجنة القضائية برفض دعواه بما يأتي: "(1) فات اللجنة القضائية أن لجنة البحوث نفسها هي التي قدرت الإنتاج العلمي للمدعي، ولم يكن هناك مرشحون عندما قدرت هذا الإنتاج في المرة الثانية.(2) فات اللجنة أقدمية المدعي في التخرج وفي التعيين، ولهذا أهميته ودلالته؛ لأن لجنة التنسيق الجامعية قد راعت هذا الأمر وفضلته المحاكم الإدارية على الإنتاج، والذين تواضعوا على تسميته بالإنتاج الرفيع.(3) لا يجوز إطلاق يد مجلس الكلية في التقدير؛ وبذلك يتخطى الحقوق الثابتة لأربابها؛ إذ أن من الجائز أن الإدراك العلمي قد يفوته الغرض عن إصابة الواقع.وأنه لمن العجب أن كيمائياً متخصصاً كالمدعي يكون عرضة لهوى لجنة البحوث، فتارة تخذله، وتارة أخرى تنصره، وهذا يجعلنا في مقام الأخذ بالهوى، وهو أمر لا ترضى به محكمة القضاء الإداري".وخلص المدعي من استئنافه إلى طلب الحكم بقبول الدعوى شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء قرار مجلس الجامعة الصادر في أول مارس سنة 1953 فيما تضمنه من تخطيه في الترقية إلى وظيفة أستاذ مساعد (ب)، مع إلزام جامعة القاهرة بالمصروفات ومقابل الأتعاب.وقد ردت جامعة القاهرة على الدعوى فقالت إن من أهم واجبات أعضاء هيئة التدريس بالجامعة القيام بالبحوث العلمية الجديدة، والعمل على نشرها في المجلات العلمية المعترف بها، والاطلاع على ما قد يستجد من التطور في فروع تخصصهم؛ الأمر الذي دعا مجلس الجامعة إلى أن يطلب من الكليات مقارنة البحوث والإنتاج العلمي الذي يتقدم به أعضاء هيئة التدريس الذين استوفوا شرط المدة الزمنية للترقية، بعد آخر ترقية، عند النظر في ترقياتهم؛ ولذلك شكلت لجان ثلاثية لفحص البحوث المقدمة من السادة المدرسين ( أ ) بالكلية ممن استوفوا شرط المدة اللازمة للترقية إلى وظيفة أستاذ مساعد (ب).وقد قامت لجنة البحوث والترقيات بجلستها المنعقدة في 18 من ديسمبر سنة 1952، بعد أن اطلعت على كتاب الجامعة في أول يوليه سنة 1952 والذي تطلب فيه مقارنة الإنتاج العلمي بين السادة المدرسين المستوفين لشرط مدة الترقية، باستعراض أبحاث كل منهم، كما قامت اللجنة بالمقارنة بينها مستعينة بلجان الفحص التي ألفتها، والتي تضم كل منها ثلاثة من الأساتذة المتخصصين، ووازنت اللجنة بين الشهادات العلمية الحاصلين عليها، كما أخذت اللجنة بعين الاعتبار وفرة الإنتاج وجدية البحوث وقيمتها العلمية، وقررت اللجنة التقدم لمجلس الكلية بالتوصية على ترقية السادة المدرسين الآتية أسماؤهم إلى وظيفة أستاذ مساعد (ب) طبقاً للترتيب الآتي": (1) الدكتور خليل حسن خليل (2) الدكتور حسين كمال الدين (3) الدكتور يوسف محفوظ والي (4) الدكتور كمال الدين سامح (5) الدكتور فؤاد علي عسل (6) الدكتور عبد الكريم عطا (7) الدكتور أحمد عزت (8) الدكتور نصيف مرقص رأفت.ثم وافق مجلس الكلية بجلسته المنعقدة في 11 من يناير سنة 1953 على قرار لجنة البحوث والترقيات.وتقول الجامعة إن المدعي، وهو أخصائي في الكيمياء وحاصل على درجة الماجستير فقط، له بحوث في مادته، ولكن اللجنة لم تر أنها تصل إلى مرتبة البحوث التي تقدم بها السادة الذين وافقت اللجنة على ترقيتهم إلى وظيفة أستاذ مساعد (ب) من حيث القيمة العلمية.وللتدليل على ذلك تقول الجامعة إن المدعي لو أدرك أن لأبحاثه قيمة ذات مستوى علمي عال لما تردد في أن يتقدم بها للحصول على درجة الدكتوراه في مادته، ويقول عميد كلية الهندسة (الدكتور إبراهيم أدهم الدمرداش) في المذكرة المتضمنة دفاع الجامعة إنه طلب من المدعي الاستمرار في البحث الجدي، وأظهر له استعداد الكلية لمعاونته في السفر إلى الخارج في مهمة عملية، فبادر المدعي إلى تقديم طلب للعميد وافق عليه وأقره مجلس الكلية، وسافر المدعي فعلاً على مقتضاه إلى الخارج للحصول على درجة الدكتوراه في فرعه العلمي وللاستزادة من العلم ورفع مستوى أبحاثه حتى يكون أهلاً للترقية إلى وظيفة أستاذ مساعد (ب)، وهي مرتبة علمية رفيعة، ولها من القيمة الجامعية ما يجعلها تقرب من وظيفة الأستاذية.وتقول الجامعة إن القرار المطعون فيه بالإلغاء صدر بالتطبيق لقوانين الجامعة ولوائحها ولتوصيات لجنة التنسيق بين الجامعات التي قررت أن يفضل عند الترقية الأفضل إنتاجاً، فإذا تساوى الإنتاج فيفضل عندئذ الأقدم.وخلصت الجامعة إلى طلب رفض الدعوى وإلزام المدعي بالمصروفات.وقد قدمت هيئة مفوضي الدولة أمام محكمة القضاء الإداري تقريراً بالرأي القانوني انتهت فيه إلى طلب الحكم بقبول الاستئناف شكلاً، وفي الموضوع برفضه، وإلزام المدعي بالمصروفات.وفي 6 من إبريل سنة 1958 عقب المدعي على تقرير هيئة المفوضين بمذكرة شارحة أبان فيها أن له بحثاً مبتكراً بعد آخر ترقية نشر في مجلة علمية عالمية، وأن هذا البحث له أهميته الخاصة في الكيمياء العضوية، اعترف به كل من الدكاترة أحمد كامل وهبى ومحمود عمر ومحمد محمود إبراهيم، وعلى الرغم من ذلك فإنه لما أن شكلت لجنة البحوث والترقيات من رؤساء أقسام كلية الهندسة، ولكي تختار من تنطبق عليه شروط الترقية، فإذا بها تختار حملة الدكتوراه دون غيرهم، ودون أن يكون لفريق منهم بحث علمي مبتكر، وإذ ذكرت هذه اللجنة في قرارها أنها راجعت الأبحاث وقارنت بينها، وأخذت بعين الاعتبار وفرة الإنتاج وجدية البحوث وقيمتها العلمية، فإن هذه اللجنة على الرغم من ذلك تضم رؤساء الأقسام، وكل رئيس قسم لا يدري عن باقي الأقسام شيئاً، وإذ روجعت الأبحاث في لجان الفحص الثلاثية فما كان يجوز مراجعتها من جديد من أشخاص غير مختصين؛ إذ أن لجنة الترقيات على النحو الذي شكلت به لا تستطيع أن تؤدي مهمتها على الوجه الأكمل، كما أنها أبانت في تقريرها أنها وازنت بين الشهادات التي يحملها المرشحون للترقية واختارت حملة الدكتوراه؛ ومن ثم فقد خانها التوفيق في ذلك؛ لأن شرط الترقية هو الأقدمية والأبحاث العلمية، ولا شأن للشهادات إطلاقاً بالترقية.وخلص المدعي إلى أن لجنة الفحص الثلاثية أقرت ترقيته، وكان هو الوحيد الذي قرظته في تقرير مشرف، وأن أبحاث الدكتور عسل ومقالات الدكتور محفوظ لا تصل إلى مرتبة البحث العلمي المبتكر الذي قام المدعي بنشره.وبجلسة 22 من مايو سنة 1958 حكمت محكمة القضاء الإداري (الهيئة الثالثة "ب") "برفض الدعوى، وبإلزام المدعي بالمصروفات"، وأقامت قضاءها على أنه ولئن كان الثابت من الأوراق أن المدعي هو أقدم من كل من الدكاترة عطا وعسل وسامح وخليل ورأفت في وظيفة مدرس، إلا أن ما يتذرع به في شأن الأقدمية لا يصلح وحده سنداً فيما يذهب إليه من أحقيته في الترقية إلى وظيفة أستاذ مساعد (ب) بالقرار المطعون فيه؛ لأن الأساس الأول هو الكفاية العلمية مع توافر الشروط الأخرى، وأن الجهة الإدارية - إذ تباشر اختصاصها عند الترشيح للتعيين في وظيفة أستاذ أو أستاذ مساعد أو وظائف سائر أعضاء هيئة التدريس أو ترقيتهم - فإنها تترخص في تقدير النواحي الفنية، تلك المتصلة بالكفاية والبحوث المبتكرة، بلا معقب عليها، ما دام قد خلا تقديرها من إساءة استعمال السلطة.ولا يجدي المدعي الاحتجاج بأقدميته في هذا المجال؛ إذ لا اعتداد بالأقدمية إلا في حالة التساوي في الإنتاج العلمي والكفاية الفنية.والجهة الإدارية قد استعرضت حالة جميع المرشحين للترقية إلى وظيفة أستاذ مساعد (ب)، ولم ترشح المدعي بناء على ما ارتأته بمقتضى سلطتها التقديرية، بعد وزن كفايته بالمقارنة بينه وبين من رشحتهم.ولا حجة في أن مجلس الكلية عاد بعد ذلك، على حد زعم المدعي، وأوصى بجلسته المنعقدة في 3 من ديسمبر سنة 1953 بترقيته عند خلو أول وظيفة أستاذ مساعد (ب) لأقدميته ولإنتاجه العلمي؛ ذلك أن استبعاده في الترقية الأولى بالقرار المطعون فيه إنما كان بعد المفاضلة والموازنة بينه وبين المطعون في ترقيتهم، والترجيح بين أبحاث علمية تقدمت بها فئة معينة في فترة معينة، وبالتالي فإنه بداهة إذا لم يكن أهلاً للترقية في الحركة الأولى فليس ثمة ما يمنع أن يضحى المدعي أهلاً لترقية لاحقة بعد مقارنته بمرشحين آخرين غير من عقدت بينه وبينهم المقارنة الأولى والتي صدر على أساسها القرار المطعون فيه.وخلصت محكمة القضاء الإداري إلى أنه قد تخلف شرط جوهري في حالة المدعي يمنعه من الترقية في ذلك القرار؛ ومن ثم يكون قرار اللجنة القضائية الصادر بجلسة 5 من إبريل سنة 1954 برفض تظلم المدعي قد صادف وجه الحق، وصدر مطابقاً للقانون.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن حكم المادة الخامسة من القانون رقم 21 لسنة 1933 والمعدلة بالقانون رقم 97 لسنة 1935 يقتضي بالضرورة أن يقدم المدرس المرشح للترقية إلى أستاذ مساعد (ب) البحث أو البحوث التي يعتمد عليها في ترشيحه؛ لتبدي فيها الرأي الهيئة أو الهيئات المختصة.فإذا لم تكن هناك أبحاث علمية مبتكرة قد طرحت على لجان الفحص العلمي لتقديرها فقد تخلف بذلك أحد الشروط القانونية للترقية إلى وظيفة أستاذ مساعد (ب).والثابت أن أحد المرقين في القرار المطعون فيه - وهو الدكتور محمد فؤاد عسل - لم يقدم إلى لجنة البحوث والترقيات أي بحث، وكل ما قالته في شأنه لجنة فحص البحوث أنه قدم تلغرافاً ورد إليه حديثاً من مكتب تسجيل البحوث بمدينة ميونخ في ألمانيا يطلب فيه إرسال رسوم التسجيل اللازمة عن البحث الذي قام به بالاشتراك مع الأستاذ (سيدل)، ولم يثبت أن اللجنة قد فحصت بحثاً ما تقدم به الدكتور عسل، وفضلاً عن ذلك فالمفروض في البحوث العلمية المبتكرة التي يقدمها المدرس المرشح للترقية إلى أستاذ مساعد (ب) أن يكون قد قام بها خلال عمله كمدرس، بحيث لا يغني في هذا السبيل تقديم بحث الدكتوراه الذي على أساسه عين مدرساً؛ إذ يعد متخلفاً عندئذ شرط البحث العلمي؛ وهو شرط آخر مغاير لشرط الحصول على الدكتوراه، وثابت أن الدكتورين أحمد عزت ونصيف رأفت قد رقيا إلى وظيفة أستاذ مساعد (ب) على أساس بحث الدكتوراه وحده.وتأسيساً على ما تقدم فإن القرار المطعون فيه يكون قد صدر مخالفاً للقانون فيما تضمنه من ترقية بعض من لم يتوافر في شأنهم شرط تقديم أبحاث علمية مبتكرة، وإذ أخذ الحكم المطعون فيه بغير ذلك يكون قد خالف القانون، ويتعين القضاء بإلغائه، والحكم بإلغاء القرار المطعون فيه.
ومن حيث إن المدعي أودع في 15 من مارس سنة 1959 مذكرة بملاحظاته على تقرير هذا الطعن، ردد فيها دفاعه السابق إبداؤه في مذكراته المقدمة منه إلى محكمة القضاء الإداري، وقال إنه قدم بحثاً عرض على لجنة البحوث الثلاثية، وهي مكونة من متخصصين في الكيمياء، تلك المادة التي يباشر المدعي تدريسها، فوضعت اللجنة تقريراً جاء فيه أن "سيادته قدم بحثاً في مجلة الطبيعة Nature في عددها الصادر سنة 1950، وقد أوضح في هذا البحث طرقاً جديدة للتحضير العلمي.وأشار سيادته في ذات المقال المنشور إلى أنه سيقوم بتوضيح ميكانيكية التعامل في مقال آخر سوف ينشر قريباً في مجلة الجمعية الكيمائية بلندن".ويقول المدعي إنه لما كانت هذه المجلة العلمية الإنجليزية هي مجلة عالمية فإن نشر المقال فيها يعتبر خير ضمان لجدية البحوث.ثم يعرض المدعي إلى تقرير اللجنة عن الدكتور عسل، فيقول إنه تضمن العبارة الآتية "أن سيادته قدم تلغرافاً ورد إليه حديثاً من مكتب تسجيل البحوث بميونخ يطلب فيه أن يرسل رسوم التسجيل اللازمة عن البحث الذي قام به بالاشتراك مع البروفسور سيديل، ومن المقرر أن لا يقبل أمثال هذا المكتب تسجيل بحث لا يكون جديداً، فضلاً عن أن البحوث لا تسجل إلا إذا كانت لها قيمة تطبيقية".ويقول المدعي إن اللجنة ذكرت عن كل من الدكتورين أحمد عزت ونصيف رأفت "أنه قد حصل على درجة الدكتوراه بناء على بحث له، وحصوله على الدكتوراه شهادة كافية على قيمة البحث".ويقول المدعي إن الذي يلفت النظر هو أن اللجنة أوصت بترقية من يحملون درجة الدكتوراه العلمية دون غيرهم من باقي المرشحين، وقد اعتمد مجلس الكلية قرار اللجنة، ثم أقره مجلس الجامعة؛ وناقش المدعي نص المادة الخامسة من القانون رقم 21 لسنة 1933، وقال إن الدكتور عسل ليست له أبحاث مبتكرة، وأن الدكتوراه لا علاقة لها بالترقية إلى وظيفة أستاذ مساعد (ب)، وما دام أنه أقدم من أولئك جميعاً وأنه يفضلهم في البحث العلمي والابتكار فإن الحكم المطعون فيه يكون غير صائب وواجب الإلغاء على مقتضى تقرير هذا الطعن، ويطلب الحكم بإلغاء القرار المطعون فيه فيما تضمنه من تخطيه في الترقية إلى وظيفة أستاذ مساعد (ب)، وإلزام جامعة القاهرة المصروفات ومقابل الأتعاب.
ومن حيث إنه في 26 من أغسطس سنة 1927 صدر القانون رقم 42 بإعادة تنظيم جامعة فؤاد الأول (القاهرة)، ونص في المادة الثانية منه على أنه "من اختصاص جامعة فؤاد الأول كل ما يتعلق بالتعليم العالي الذي تقوم به الكليات التابعة لها، وعلى وجه العموم فإن عليها مهمة تشجيع البحوث العلمية والعمل على رقي الآداب والعلوم في البلاد"، ونصت الفقرة الخامسة من المادة 11 من هذا القانون على أن ينظر في مسائل "تعيين الأساتذة وسائر أعضاء هيئة التدريس وترقيتهم تأديبهم ونقلهم من الجامعة" مجلس إدارة الجامعة، كما نصت المادة 18 من هذا القانون، معدلة بالقانون رقم 97 في 29 من أغسطس سنة 1935، على أن شروط توظف أعضاء هيئة التدريس وتأديبهم وشروط منح الدرجات العلمية والدبلومات وخطط الدراسة تصدر بقانون، وقد صدر هذا القانون برقم 21 في 30 من إبريل سنة 1933، ونصت المادة الثانية منه على أنه يشترط فيمن يعين مدرساً أن يكون حاصلاً على درجة دكتور من جامعة فؤاد الأول، وفي الجراحة وجراحة طب الأسنان والصيدلة على درجة ماجستير، أو أن يكون حاصلاً على درجة تعتبر معادلة لها من جامعة أجنبية أو معهد معترف بهما.ومع ذلك يجوز بصفة استثنائية أن يعفى المرشح من شرط حصوله على هذه الدرجة إذا كانت لديه إجازات علمية أخرى تعتبر كافية، واشترطت المادة الثالثة من هذا القانون فيمن يعين أستاذاً مساعداً أن يكون حاصلاً على درجة من الدرجات المذكورة في المادة السابقة، وهي المادة الثانية السالف ذكرها، وأن يكون قد شغل وظيفة مدرس مدة أربع سنوات على الأقل في إحدى كليات الجامعة أو في معهد على من طبقتها، وأن يكون قد قضى في خدمة الحكومة ثماني سنوات أو مضت عشر سنوات على حصوله على درجة بكالوريوس أو ليسانس، ويجوز استثناء أن يعين مرشحون من غير المدرسين، واستحدثت المادة الخامسة من هذا القانون - بعد تعديلها بالقانون رقم 97 الصادر في 29 من أغسطس سنة 1935 - شرطاً جديداً له أهميته البالغة في تحقيق رسالة الجامعة وبلوغ أهدافها، فأصبحت هذه المادة بعد تعديلها "علاوة على الشروط المتقدمة يشترط في المدرس الذي يرشح لوظيفة أستاذ مساعد وفي الأستاذ المساعد الذي يرشح لوظيفة أستاذ ذي كرسي، أن يكون له أبحاث قيمة مبتكرة"، وقصد المشرع من ذلك أن يدفع رجال التدريس بالجامعات إلى الاسترسال في الأبحاث الشخصية التي تكشف للعلم عن جديد وتخلق للبشرية فائدة محققة، فترقى العلوم والآداب في البلاد عن طريق الكتب القيمة والبحث المقارن العميق الذي قد يرقى به المجدّ إلى حد الابتكار ومرتبة الابتداع.وفي 23 من أغسطس سنة 1935 صدر المرسوم بقانون رقم 91 بإدماج مدرسة الهندسة الملكية في جامعة فؤاد الأول، وفي 10 من سبتمبر سنة 1938 صدر القانون رقم 80 بوضع اللائحة الأساسية لكلية الهندسة، وفي 19 من إبريل سنة 1948 صدر مرسوم بإنشاء دبلومات للدراسات العليا بكلية الهندسة بالجامعة المذكورة.
ومن حيث إنه إعمالاً لما تقدم من نصوص تشريعية، وبمناسبة خلو وظائف لأساتذة مساعدين بكلية الهندسة بجامعة القاهرة خلال عام 1952، أرسل السيد عميد كلية الهندسة في 4 من يونيه سنة 1952 إلى السادة المدرسين المرشحين للترقية كتاباً يقول فيه "بما أنكم استوفيتم المدة المشروطة لإمكان ترقيتكم للوظيفة التالية لوظيفتكم الحالية فالرجاء موافاتنا بأي بحوث تكونون قد قمتم بها بعد آخر ترقية علاوة على ما سبق أن قدمتموه لإمكان فحصها، واتخاذ اللازم نحو إجراء الترقية لمن يستحقها".وشكلت الكلية لجاناً ثلاثية من الأساتذة المتخصصين لفحص تلك البحوث.ويبين من استقراء محضر لجنة البحوث والترقيات المنعقدة يوم الخميس 18 من ديسمبر سنة 1952 أنها اجتمعت برياسة العميد الدكتور إبراهيم أدهم الدمرداش وحضور الأساتذة الدكتور الخولي والدكتور كامل إسكندر والدكتور وهبى والدكتور عبد العزيز صالح والأستاذ محمد محمود إبراهيم، واعتذر عن الاجتماع الأستاذ علي لبيب جبر"، واتخذت اللجنة القرار الآتي "راجعت اللجنة قراراتها السابقة وكذلك قرارات مجلس الكلية، واطلعت على كتاب الجامعة في أول يوليه سنة 1952 رقم م 18/ 592 والذي طلبت فيه الجامعة مقارنة الإنتاج العلمي بين السادة المدرسين المستوفين لشروط المدة وموافاتها بأبحاثهم، وقامت اللجنة باستعراض أبحاث السادة المدرسين فئة ( أ ) المستوفين لشرط المدة، كما قامت بالمقارنة بينها مستعينة بلجان الفحص من الأساتذة المتخصصين في الفروع المختلفة، كما وازنت بين الشهادات العلمية الحاصلين عليها من دكتوراه أو ماجستير أو دراسة عليا، كما أخذت بعين الاعتبار وفرة الإنتاج وجدية البحوث وقيمتها العلمية، وقررت التقدم للمجلس بالتوصية على ترقية السادة المدرسين فئة ( أ ) إلى وظيفة أستاذ مساعد فئة (ب) الآتي ذكرهم طبقاً للترتيب الآتي ليشغلوا الثماني درجات الخالية الآن، وهم (1) الدكتور خليل (2) الدكتور كمال الدين (3) الدكتور والي (4) الدكتور سامح (5) الدكتور عسل (6) الدكتور عطا (7) الدكتور عزت (8) الدكتور نصيف رأفت".كما يبين للمحكمة من الاطلاع على محضر الجلسة الثامنة لمجلس كلية الهندسة المنعقدة في 11 من يناير سنة 1953 أن المجلس انتقل إلى النظر في ترقية المدرسين ( أ ) إلى وظائف أستاذ مساعد (ب)، وبعد أن استعرض قرارات لجنة البحوث والترقيات وافق على ما جاء بها.وعرضت كلية الهندسة قراراتها على مجلس الجامعة فوافق عليها بجلسته المنعقدة في أول مارس سنة 1953 من غير أن يدخل عليها تعديلاً.وقد تضمنت المذكرة المقدمة من الكلية بطلب الموافقة على ترقية الثمانية من المدرسين ( أ ) بالكلية إلى وظيفة أستاذ مساعد (ب) بيان حالة كل منهم حسبما خلصت إليه لجان الفحص الثلاثية، وذكرت قرين كل اسم منهم مؤهلاته العلمية والعملية، ثم انتهت إلى ذكر بحوثه العلمية؛ فقالت عن (1) الدكتور خليل حسن خليل إنه حاصل على بكالوريوس في الهندسة الميكانيكية من جامعة القاهرة سنة 1942، وعلى ماجستير في الهندسة عام 1945، وعلى دكتور في الفلسفة من جامعة القاهرة سنة 1946، وأنه قدم رسالة للحصول على درجة أعلى من جامعة جلاسجو، وأنه من يوليه لغاية 2 من سبتمبر سنة 1944 أجرى تمريناً عملياً بورش الجيش البريطاني بالقاهرة، وأنه زار بعض المصانع بجلاسجو، وأن له بحوثاً علمية متعددة أشادت اللجنة بذكرها.وقالت اللجنة عن (2) الدكتور حسين كمال الدين إنه حاصل على بكالوريوس في الهندسة من جامعة القاهرة سنة 1938 وماجستير في الهندسة سنة 1944، ودكتور في الفلسفة عام 1950، وأنه من يوليه لغاية نوفمبر سنة 1938 عمل مهندساً بمصلحة السكك الحديدية، ثم انتدب للتدريس بجامعة الهندسة ببغداد من فبراير سنة 1945 لغاية سبتمبر سنة 1946، وأشارت اللجنة إلى أهم بحوثه وما نشر منها.وقالت اللجنة عن (3) الدكتور يوسف محفوظ والى أنه حاصل على بكالوريوس في العلوم من جامعة مانشستر سنة 1940، وماجستير من تلك الجامعة سنة 1941، ودكتور في الفلسفة في ديسمبر سنة 1943، وقام بدراسة عملية لمدة ثماني شهور بشركة الصناعات الكيماوية الإمبراطورية بمانشستر علاوة على قيامه بعدة زيارات لمصانع إنتاج الحرير الصناعي بإنجلترا، وتوصل سيادته إلى طريقة جديدة لقياس قوة الاختزال في المواد غير القابلة للذوبان، ومن ديسمبر سنة 1942 لغاية نوفمبر سنة 1944 عمل مدرساً لمادتي الكيمياء العضوية والصباغة بجامعة مانشستر، وخبير بحث كيماوي لشركة الصناعات الكيماوية الإمبراطورية، ومن ديسمبر سنة 1944 لغاية يونيه سنة 1945 عمل رئيساً للمعمل الكيمائي بشركة الملح والصودا بكفر الزيات، وأشارت اللجنة إلى بحوثه ومحاضراته التي ألقاها في الأوساط العلمية بالقاهرة والإسكندرية.وقالت اللجنة عن (4) الدكتور كمال الدين سامح إنه حاصل على بكالوريوس في العمارة من جامعة القاهرة سنة 1936، وعلى دبلوم معهد الآثار الإسلامية من كلية الآداب بجامعة القاهرة سنة 1941، وعلى دكتوراه في الآثار الإسلامية من كلية الآداب سنة 1947، وأشارت اللجنة إلى بحوثه المختلفة.وقالت عن (5) الدكتور فؤاد علي عسل إنه حاصل على دبلوم جامعة الهندسة بميونخ سنة 1942، ودكتوراه من جامعة الهندسة بميونخ عام 1944، وقالت اللجنة قرين اسمه إنه سجل بمصلحة التسجيل بمدينة ميونخ بألمانيا في أغسطس سنة 1951 بحثاً بالاشتراك مع البروفسور سيديل، وذكرت باللغة الألمانية موضوع هذا البحث.وقالت اللجنة عن (6) الدكتور عبد الكريم محمد عطا إنه حاصل على بكالوريوس في الهندسة المدنية من جامعة القاهرة سنة 1940، وماجستير في الهندسة عام 1945، ودكتوراه من جامعة (بيردو) سنة 1951، وعمل مهندساً بإدارة البلديات بوزارة الصحة من 13 من يوليه سنة 1940 لغاية ديسمبر سنة 1942، وأشارت اللجنة إلى بحوثه.وقالت عن (7) الدكتور أحمد عزت إنه حاصل على بكالوريوس في الهندسة من جامعة القاهرة سنة 1938، وماجستير في الهندسة سنة 1948، ودكتور في الفلسفة من جامعة لندن في 16 من يوليه سنة 1952، وأشارت في بحوثه إلى بحثه للدكتوراه، وذكرت بالإنجليزية موضوع هذا البحث العلمي الفني.وقالت عن (8) الدكتور نصيف مرقص رأفت إنه حاصل على دبلوم مدرسة الهندسة بالجيزة سنة 1934، وعلى دبلوم الكلية الإمبراطورية بلندن سنة 1941، ودكتور في الفلسفة من لندن في سبتمبر سنة 1952، وقام أثناء دراسته بالكلية الإمبراطورية في المدة من أكتوبر سنة 1937 لغاية سنة 1938 - بعمل تجارب على آلات القياس الموجودة بالكلية، وقام بدراسة علم جديد في التصوير عقب حصوله على دبلوم الكلية بلندن من يوليه سنة 1941 إلى سنة 1942، وأشارت اللجنة في بحوثه إلى بحثه للدكتوراه سنة 1952.وقد وقع هذا التقرير، المقدم من اللجنة إلى مجلس الكلية ثم إلى مجلس الجامعة، السيد عميد الكلية الدكتور الدمرداش.وقد بان للمحكمة، من الاطلاع على كتاب الآثار العلمية لأعضاء هيئة التدريس بكلية الهندسة بجامعة فؤاد الأول والمطبوع في ديسمبر سنة 1950 (صفحة 40)، أن المدعي "لبيب أقلاديوس أفندي مدرس حاصل على بكالوريوس علوم سنة 1934، وماجستير في العلوم سنة 1945، وأنه قام بعدة أبحاث عن الفيتامين ( أ ) في الأغذية المصرية، وتقديرات جديدة للكاروتين (الجزر) في الأطعمة المصرية وبعض الخضروات، وكتب العجالة رقم 45 لوزارة الزراعة عن الزبدين سنة 1936، والعجالة رقم 46 عن السابوتا سنة 1936".ولا شك أن هذه البحوث كانت تحت نظر لجنة فحص البحوث عند المفاضلة بينها، فلم تشد اللجنة بذكرها، وأغفلت اسم صاحبها في كشف الترشيح للترقية؛ ذلك لأنها قدرت أن مثل هذه الأبحاث المألوفة العادية لم تأت في مجال الكيمياء الزراعية بجديد، ولم تر اللجنة المختصة الارتقاء بها إلى مدارج الكشف والابتكار.وتلاحظ المحكمة أن اسم المدعي قد جاء ذكره بعد ذلك في مجلد الآثار العلمية لأعضاء هيئة التدريس بجامعة القاهرة طبعة سنة 1958 صفحة 622، وأضيف إلى مؤهلاته العلمية لقب دكتوراه في العلوم وقد حصل عليها سنة 1956.وأشير إلى عدد جديد من البحوث العلمية نشرها المدعي على التعاقب في المجلات العلمية العالمية باللغات الأجنبية خلال السنوات الأخيرة، وبعد تخطيه في الترقية بالقرار المطعون فيه، وبلغ عددها ستة بحوث فيما بين سنة 1954 وسنة 1958.ولا شك أنها كانت كلها تحت نظر لجنة الفحص بالكلية للترقيات التي أعقبت صدور القرار محل هذا الطعن؛ فقد بلغ من حرص المشرع على أن يجعل من معيار (الأبحاث القيمة المبتكرة) المناط الأول في الترقية من "وظيفة المدرس" إلى "وظيفة الأستاذ المساعد" بين أعضاء هيئة التدريس بالجامعات المصرية، وأن يضبط الطريقة التي يقدر بها هذا الإنتاج العلمي، إن أصدر في 20 من ديسمبر سنة 1953 القانون رقم 633 بإنشاء اللجان العلمية الدائمة، واستند في ديباجته إلى القانون رقم 21 لسنة 1933 بشروط توظيف أعضاء هيئة التدريس بجامعة القاهرة وترقياتهم وتأديبهم والقوانين المعدلة له؛ فنصت المادة الأولى من هذا القانون على أن "تنشأ لجان علمية دائمة تخصص كل لجنة منها لعلم من العلوم الجامعية، وتلحق هذه اللجان من الناحية الإدارية بالمجلس الاستشاري للجامعات، ويجوز عند الضرورة أن تؤلف لجنة واحدة لأكثر من علم من العلوم المتقاربة".وجاء في الفقرة الأولى من المادة الثانية "تؤلف اللجنة العلمية الدائمة من عدد من العلماء البارزين في العلم الذي تخصصت له اللجنة، لا يقل عن ثلاثة ولا يزيد على عشرة، يمثلون بقدر الإمكان فروع العلم المختلفة، ويشترط في عضو اللجنة أن يكون ضليعاً في علمه، وأن يكون مقيماً في مصر"، وحددت المادة الرابعة من القانون اختصاص هذه اللجان العلمية الدائمة وأوضحت معالم ولايتها، فنصت على أن "تختص اللجان العلمية الدائمة في حدود العلوم التي تخصصت لها بالمسائل الآتية: أولاً - النظر في الإنتاج العلمي الذي يقدمه المرشحون للتعيين في هيئات التدريس بالجامعات المصرية، والمرشحون للترقية إلى لقب أعلى في هذه الهيئات، وكذلك في تقدير كفايتهم العلمية بوجه عام، وتؤلف اللجنة الدائمة لجاناً مؤقتة لفحص ما يعرض عليها من إنتاج.ويجوز أن يكون من بين أعضاء اللجنة المؤقتة أعضاء من اللجنة الدائمة.وتنظر اللجنة الدائمة في تقارير اللجان المؤقتة، ويكون حكم اللجنة نهائياً من حيث القيمة العلمية للإنتاج والكافية.ولا يجوز الطعن فيه أمام أية هيئة قضائية.ثانياً - اقتراح منح أعضاء هيئات التدريس بالجامعات المصرية إجازات لمهمات علمية مؤقتة، بعد التثبت من مقدرتهم على الإنتاج العلمي الممتاز.ثالثاً - تقديم المشورة العلمية في المسائل التي تلتمس فيها مشورتها بناء على طلب وزير المعارف العمومية أو طلب إحدى الجامعات.رابعاً - اقتراح ما تراه مفيداً لتقدم العلم والتعليم على الهيئات المختلفة".وغني عن القول إن هذه المادة جاءت مقننة للقاعدة التي جرت عليها الجامعة من قبل في مجال تقدير الأبحاث العلمية المبتكرة بين أعضاء هيئة التدريس فيها منذ أن أدخل هذا المعيار بالقانون رقم 97 لسنة 1935 للمفاضلة بين المرشحين للترقية من وظيفة مدرس ( أ ) إلى وظيفة أستاذ مساعد (ب)، وكذلك للترقية من هذه الوظيفة الأخيرة إلى وظيفة أستاذ ذي كرسي، وقد جاء في المذكرة الإيضاحية للقانون رقم 633 لسنة 1953 ما يؤكد هذه المعاني؛ إذ قالت "رأت لجنة التعليم الجامعي ضمن ما اقترحته في تقريرها أن تنشأ هيئة علمية عليا تضم أقطاب العلماء المتخصصين من المصريين والأجانب لتبدي رأيها في المسائل العلمية، وتقضي في قيمة الإنتاج العلمي لأعضاء هيئات التدريس، وحددت المادة الرابعة اختصاصات هذه اللجان، وأهمها النظر في الإنتاج العلمي الذي يقدمه المرشحون للتعيين في هيئات التدريس بالجامعات المصرية والمرشحون للترقية إلى لقب أعلى، وكذلك في تقدير كفايتهم العلمية بوجه عام.وقد نص على أن تقوم بفحص كل إنتاج يقدم لجنة مؤقتة تؤلفها اللجنة الدائمة، ويكون حكم اللجنة الدائمة على أساس التقرير المقدم من اللجنة المؤقتة نهائياً من حيث القيمة العلمية للإنتاج والكفاية، ولا يجوز الطعن فيه أمام أية هيئة قضائية.كذلك نصت المادة الخامسة على أن يقسم أعضاء اللجان العلمية الدائمة، قبل مباشرة أعمالهم، يميناً أمام رئيس الجمهورية بأنهم يؤدون أعمالهم بالأمانة والصدق".
ومن حيث إن ما ينعاه المدعي على ترقية بعض من زملائه المدرسين من الفئة ( أ ) إلى وظائف أساتذة مساعدين من الفئة (ب) بالقرار الصادر من مجلس الجامعة في 29 من مارس سنة 1953 ينحصر في أقدميته على بعض المرقين، وفي أنه لا يشترط للترقية إلى تلك الوظائف الخالية الحصول على درجة الدكتوراه، وفي أن لجنة الترقيات المكونة من رؤساء الأقسام ليس من حقها مراجعة الأبحاث المقدمة.
ومن حيث إنه ولئن صح ما يدعيه المدعي من أنه أقدم في تخرجه من بعض المرشحين للترقية في القرار المطعون فيه؛ إذ حصل على بكالوريوس العلوم في مايو سنة 1934، وأمضى أربع سنوات ونصف في وظيفة مدرس ( أ )، وقضى سبع سنوات في وظيفة مدرس بوجه عام، إلا أنه لا محل لإعمال قاعدة الأقدمية - ولو صاحبتها الجدارة - عندما تجرى بما يناهضها قاعدة أخرى أخص منها في مقام الترقية بالنسبة إلى فئة من الموظفين بذاتها كأعضاء هيئة التدريس بالجامعات المصرية الذين انتظمت ترقياتهم قواعد تنظيمية معينة أقرتها وضبطتها لجنة التنسيق الجامعية، فمن المبادئ المقررة أن الخاص يقيد العام، ولا عكس.والقواعد التي وضعتها لجنة التنسيق الجامعية إنما قصد بها، ولا ريب، التحلل من قواعد الترقية العامة وسن ضوابط وأسس جديدة تجري على مقتضاها ترقيات أعضاء هيئة التدريس بالجامعات على نهج يحقق تناسقها مع طبيعة وظائفهم ورسالتهم.وقد قررت لجنة التنسيق بين جامعتي القاهرة والإسكندرية بجلساتها المنعقدة في 28 من يوليه و24 و31 من أغسطس سنة 1948 وضع قواعد تنظيمية عامة في هذا الشأن من مقتضاها "أنه عند الترقية من وظيفة مدارس ( أ ) إلى وظيفة أستاذ مساعد (ب) يرجح من كان أفضل في الإنتاج العلمي، فإذا تساوى المرشحون في الإنتاج العلمي يفضل الأقدم في وظيفة مدرس ( أ ) فإذا تساووا في وظيفة مدرس ( أ ) يفضل الأقدم في وظيفة مدرس (ب)"، كما قررت اللجنة أيضاً أنه "عند الترقية من أستاذ مساعد إلى أستاذ يفضل صاحب الإنتاج العلمي، فإذا تساوى المرشحون في الإنتاج العلمي فضل الأقدم في وظيفة أستاذ مساعد، وإذا تساووا في وظيفة أستاذ مساعد فضل الأقدم في الدرجة الثالثة...".ولما كانت لجنة التنسيق بين الجامعتين هي لجنة مشكلة بقرار وزاري لاقتراح ما تراه من القواعد للتنسيق بين الجامعتين، وقد اقترحت هذه القواعد في خصوص تنظيم ترقيات أعضاء هيئات التدريس، ثم عرضت اقتراحاتها على مجلس إدارة الجامعة فوافق عليها وصدق وزير المعارف على ذلك باعتباره الرئيس الأعلى للجامعات، فأصبحت تلك الأصول قواعد تنظيمية عامة في هذا الشأن، أي بمثابة اللائحة أو القانون وقد التزمتها إدارة الجامعة مع المدعي وطبقتها على من شملهم القرار المطعون فيه تطبيقاً سليماً.
ومن حيث إن السلطات الجامعية، وهي تباشر اختصاصها عند النظر في الترقية إلى وظيفة أستاذ مساعد (ب)، إنما تترخص في تقدير النواحي العلمية الفنية المتصلة بالكفاية والترجيح، وهذا من الملاءمات المتروكة لتقدير الجامعة بلا معقب عليها من هذه المحكمة، ما دام تقديرها قد خلا من إساءة استعمال السلطة، ولم يقيدها القانون بنظام معين يجب التزامه في كيفية تقدير هذه العناصر، ولا تثريب على لجان الفحص العلمي إن هي راعت المؤهل العلمي، وأدخلت في عناصر تقديرها درجة الدكتوراه والبحث العلمي المقدم للحصول على تلك الدرجة العلمية العالية، ووفرة الإنتاج وجدية البحوث وقيمتها الفنية.ولا جناح على لجنة البحوث والترقيات إن هي راجعت الأبحاث بعد لجنة الفحص التي لا تعدو أن تكون فرعاً منها وتمهيداً لما يصدر عنها من ترشيحات.وكل أولئك ما دامت لجنة البحوث والترقيات قد ترخصت في استعمال ولايتها الفنية في الحدود التي أملتها المصلحة العلمية العامة؛ إعمالاً لنص القانون وروحه.
ومن حيث إنه لما تقدم يكون القرار المطعون فيه قد صدر سليماً بالتطبيق لأحكام اللوائح والقوانين، ويكون الحكم محل هذا الطعن قد أصاب الحق فيما قضى به من رفض الدعوى، وإلزام المدعي بالمصروفات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وبرفضه موضوعاً.

الطعن 419 لسنة 4 ق جلسة 13 / 6 / 1959 إدارية عليا مكتب فني 4 ج 3 ق 129 ص 1505

جلسة 13 من يونيه سنة 1959

برياسة السيد/ السيد علي الدمراوي نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة السيد إبراهيم الديواني وعلي إبراهيم بغدادي والدكتور ضياء الدين صالح وعبد المنعم سالم مشهور المستشارين.

----------------

(129)

القضية رقم 419 لسنة 4 القضائية

ترقية 

- التزام ترتيب الأقدمية في الترقية - محله أن تكون الترقية في نسبة الأقدمية وإلى درجات وظائف متعددة من نوع واحد في طبيعتها - لا وجه لهذا الالتزام إذا كانت الترقية إلى درجة وظيفة مخصصة مما يقتضي إعمال الاختيار في التعيين فيها قبل النظر في الترقية إليها.

---------------
إن التزام الأقدمية في النسبة المقررة لها إنما يكون في الترقيات التي تتم إلى درجات وظائف متعددة من نوع واحد في طبيعتها، ولا يمكن أن يجرى على ترقية إلى درجة وظيفة وحيدة بذاتها في الميزانية لها من الطبيعة الخاصة والمقومات ما استدعى تعيين ذاتية الوظيفة وتخصيص درجة معينة لها بما يستوجب ابتداء إعمال الاختيار للتعيين فيها قبل النظر في الترقية إليها.


إجراءات الطعن

في يوم 16 من إبريل سنة 1958 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية المحكمة عريضة طعن في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بجلسة 20 من فبراير سنة 1958 في القضية رقم 3920 لسنة 9 القضائية المرفوعة من السيد/ صلاح الدين بكير ضد وزارة المواصلات ومصلحة السكك الحديدية، والقاضي "برفض الدفع بعدم قبول الدعوى، وبقبولها، وفي الموضوع برفضها، وبإلزام المدعي بالمصروفات". وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين - للأسباب الواردة في عريضة طعنه - "الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء للمدعي بطلباته، مع إلزام الهيئة العامة للسكك الحديدية بالمصروفات". وقد أعلن الطعن للمدعي في 26 من إبريل سنة 1958، وللحكومة في 28 منه، وعين لنظره جلسة 28 من فبراير سنة 1959، وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات على الوجه المبين بالمحضر، وأرجئ النطق بالحكم لجلسة 28 من مارس سنة 1959، ثم تأجل لجلسة اليوم، ورخصت في تقديم مذكرات.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة - حسبما يبين من الأوراق - تتحصل في أن المدعي أقام الدعوى رقم 3920 لسنة 9 القضائية بعريضة أودعها سكرتيرية محكمة القضاء الإداري في 29 من أغسطس سنة 1955 طالباً الحكم بإلغاء القرار الصادر من مدير عام مصلحة السكك الحديدية في 29 من يناير سنة 1955 بترقية السيد/ عبد الرحمن محمود صبري بالأقدمية المطلقة من الدرجة الخامسة الإدارية إلى الدرجة الرابعة بذات الكادر المقيد على ربطها، وذلك فيما تضمنه من تخطيه في الترقية إلى الدرجة، وما يترتب على ذلك من آثار، مع إلزام المدعى عليها بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وقال شرحاً لدعواه إنه تخرج في كلية الحقوق بجامعة القاهرة في عام 1941، ومارس المحاماة، ثم عين في 11 من نوفمبر سنة 1942 في إحدى الوظائف بمصلحة السكك الحديدية، ثم أخذ يتدرج في وظائفها إلى أن رقي إلى الدرجة الخامسة الإدارية اعتباراً من 31 من أكتوبر سنة 1948، وفي 31 من يناير سنة 1955 أصدر مدير عام مصلحة السكك الحديدية القرار رقم 26 بترقية السيد/ عبد الرحمن محمود صبري من الدرجة الخامسة الإدارية بميزانية الإدارة العامة إلى الدرجة الرابعة بنفس الكادر المقيد على ربطها وذلك بالأقدمية المطلقة، وقد نشر هذا القرار بالنشرة الإدارية للمصلحة رقم 1133 المؤرخ 28 من فبراير سنة 1955 والمعلن لجميع فروع المصلحة في 8 من مايو سنة 1955، ولما كان المدعي يسبق السيد/ عبد الرحمن صبري في أقدمية الدرجة الخامسة الإدارية، فقد قدم تظلماً من هذا القرار إلى السيد وزير المواصلات، ولما مضى الميعاد القانوني دون أن يصدر الوزير فيه قراراً، الأمر الذي يعتبر بمثابة رفض للتظلم، فقد بادر إلى رفع هذه الدعوى. واستطرد فقال إنه لا حجة فيما استندت إليه المصلحة من أن حقه في التظلم قد سقط لتقديمه بعد الميعاد؛ بمقولة إن المطعون في ترقيته سبق أن صدر قرار في 17 من أغسطس سنة 1954 بقيده على الدرجة الرابعة الإدارية، ونشر في سبتمبر سنة 1954، ولم يتقدم المدعي بالطعن فيه في الميعاد القانوني، لا حجة في ذلك؛ لأن القيد على الدرجة لا يكسب الموظف حقاً فيها، مما يجوز التظلم منه أو الطعن فيه، وإنما هو قرار مؤقت يمكن العدول عنه في أي وقت. وقد نعى المدعي على قرار الترقية المطعون فيه مخالفته لقانون ربط ميزانية الدولة لسنة 1954/ 1955؛ إذ أن الدرجة الخامسة التي يشغلها في إدارة التحقيقات والمباحث العامة والدرجة الرابعة موضوع النزاع مدرجتان تحت قسم واحد بميزانية المصلحة؛ إذ وردت درجات إدارة التحقيقات والمباحث ضمن درجات الإدارة العامة، فصل 10، بند 1، فرع 1، وليست درجات مستقلة في ميزانية المصلحة، وإنما هي جزء غير منفصل عن درجات الإدارة العامة، وأن الدرجة التي يشغلها ليست لها صبغة خاصة أو طبيعة خاصة، بل هي متفقة في طبيعتها مع الدرجة الرابعة الإدارية المتنازع عليها التي أدرجت ضمن درجات الوظائف الإدارية، ولما كان هو أقدم موظفي الدرجة الخامسة الإدارية ويسبق السيد/ عبد الرحمن صبري، وكانت الدرجة الرابعة المذكورة من الدرجات المخصصة للترقية بالأقدمية في درجات الإدارة العامة، كما هو ظاهر من القرار المطعون فيه؛ فمن ثم يستحق الترقية إليها بالأقدمية المطلقة دون المطعون في ترقيته، ولا وجه للتحدي في هذه الحالة بأن هذه الدرجة متميزة بطبيعتها لأنها مخصصة لوظيفة مدير مكتب المدير العام، وأن المطعون في ترقيته كان يقوم بعملها منذ سنة 1950، وأن الدرجة لا تمنح، طبقاً للمادة 22 من قانون نظام موظفي الدولة، إلا لمن يقوم بعملها فعلاً - لا وجه ذلك؛ لأنه يشترط لتطبيق المادة 22 المشار إليها بعد تعديلها بالقانون رقم 579 لسنة 1953 الشروط الآتية: (1) أن يكون الموظف قائماً بأعباء وظيفة موجودة فعلاً ودرجتها أعلى من درجته. (2) أن يكون قيامه بأعباء هذه الوظيفة حاصلاً عن طريق الندب أو القيد أو رفع الدرجة. (3) أن يكون قد قام بأعباء هذه الوظيفة مدة سنة كاملة. (4) أن يكون الموظف مستوفياً شروط الترقية إلى درجة هذه الوظيفة التي هي أعلى من درجته. وهذه الوظيفة لم تنشأ إلا في ميزانية 1954/ 1955، وأدرجت لها درجة خاصة وهي الدرجة الرابعة الإدارية اعتباراً من أول يوليه سنة 1954، ولم يصدر قرار الترقية المطعون فيه إلا في 29 من يناير سنة 1955 وبذلك تخلف شرط مضي سنة على القيام بأعباء هذه الوظيفة، فضلاً عن أن المطعون في ترقيته لم يكن مستوفياً لشروط الترقية إلى الدرجة الرابعة الإدارية وقت صدور القرار المطعون فيه؛ إذ أصدر المدير العام قرارات بنقل بعض الموظفين من إدارة لأخرى كي يتيح للمدعي فرصة الترقية بالأقدمية من بين موظفي الإدارة العامة، باعتبارها في نظر المصلحة إدارة مستقلة في الميزانية عن إدارة التحقيقات والمباحث التي يشغل المدعي إحدى درجاتها، وأن نقل المطعون في ترقيته إلى الإدارة العامة وشغله لإحدى الدرجات الخامسة الإدارية بها قد وقع باطلاً؛ لأنه كان يشغل درجة خامسة كتابية بميزانية مكتب التفتيش الهندسي بلندن. وقد ردت المصلحة على ذلك بأن المدعي حصل على ليسانس القوانين في سنة 1941، والتحق بخدمتها في 11 من مارس سنة 1942 بوظيفة باليومية ثم عين في 8 من يوليه سنة 1942 بوظيفة في الدرجة السابعة بعقد مؤقت لمدة سنة بماهية قدرها 120 ج سنوياً، ثم أدركه الإنصاف فسويت حالته باعتباره في الدرجة السادسة الشخصية منذ بدء تعيينه، وفي 31 من أكتوبر سنة 1948 رقي إلى الدرجة الخامسة المخصصة لوظيفة مفتش تحقيقات التي كانت مرتبة في الكادر الفني العادي بإدارة المباحث، وفي ميزانية سنة 1954/ 1955 المالية نقلت درجته من الكادر الفني المتوسط إلى الكادر الإداري ضمن وظائف الكادر الإداري بإدارة التحقيقات والمباحث. أما السيد/ عبد الرحمن محمود صبري فقد حصل على شهادة البكالوريا في سنة 1933، والتحق بخدمة المصلحة في 4 من نوفمبر سنة 1933، وظل يتدرج في وظائفها المختلفة، وفي 4 من يوليه سنة 1946 ندب سكرتيراً لمساعد مدير عام المصلحة، وفي 10 من نوفمبر سنة 1948 ندب سكرتيراً لوكيل وزارة المواصلات، ثم ندب مديراً لمكتب مدير عام المصلحة اعتباراً من 13 من ديسمبر سنة 1949. وقد دفعت المصلحة الدعوى بعدم قبولها شكلاً؛ لرفعها بعد الميعاد. وأسست ذلك على أن المدعي قدم تظلمه بعد الميعاد القانوني، ولا حجة فيما ذهب إليه من أنه لم يعلم بالقرار المطعون فيه إلا من النشرة الإدارية التي لم تصله إلا في 8 من مايو سنة 1955؛ وذلك لأن حقيقة الأمر أن القرار الصادر في 17 من أغسطس سنة 1954 بقيد السيد/ عبد الرحمن صبري على الدرجة الرابعة المخصصة لوظيفته والقائم بعملها فعلاً منذ ديسمبر سنة 1949 نشر بالنشرة الإدارية في سبتمبر سنة 1954، ولم يتقدم المدعي بأي تظلم من هذا القرار، ثم قالت إن السيد المذكور رقي إلى الدرجة الرابعة الإدارية في 21 من يناير سنة 1955 بالقرار رقم 26 الذي نشر عقب صدوره مباشرة بلوحة الإعلانات بالإدارة العامة التي تنشر بها عادة جميع القرارات التي تهم موظفي الإدارة العامة دون غيرهم، أما النشرة الإدارية التي يشير إليها المدعي فهي خاصة بنشر التعليمات المصلحية التي يهم الجميع معرفتها. ثم قالت عن الموضوع إن الدرجة التي يشغلها المدعي هي لمحقق ( أ ) في إدارة التحقيقات والمباحث، أما الدرجة الرابعة الإدارية موضوع النزاع فهي درجة مخصصة لمدير مكتب المدير العام بالإدارة العامة، وكل من هاتين الإدارتين قسم مستقل عن الآخر استقلالاً تاماً، وكل منهما منفصلة عن الأخرى وطبيعة عملهما مختلفة، فلا يجوز ترقية موظفي الإدارة العامة إلى وظائف محققين، كما لا يجوز أن يأخذ المحققون الدرجات المالية الخاصة بموظفي الإدارة العامة، ومع ذلك فإنه حتى لو اعتبرت إدارة التحقيقات مندمجة في الإدارة العامة، فإنه يبقى بعد ذلك مجال للقول بأن من الدرجات ما يستلزم بطبيعته أن يخصص لوظائف فنية بالذات، وهذا الاعتبار لم يكن خافياً عند وضع كادر 1939، فنصت الفقرة الثامنة من المادة الثانية من منشور المالية رقم 4 لسنة 1939 على أنه لا يجوز ترقية موظف إداري على وظيفة فنية ولا موظف فني إلى وظيفة إدارية، كما لا يجوز ترقية موظف في قسم خاص من العمل إلى درجة في قسم آخر من نفس المصلحة، ما دام عمل القسمين مختلفا. ومن المسلم أن الوظيفة تتلازم مع الدرجة المخصصة لها؛ إذ الوظيفة هي الأصل والدرجة هي الفرع، فطالما أن المطعون في ترقيته قد وقع عليه الاختيار للقيام بعمل الوظيفة منذ عام 1949 وقام بأعبائها خير قيام كما تشهد بذلك تقاريره السرية؛ فهو لذلك أحق بدرجتها، وقد كانت درجات المحققين مثبتة في مختلف أقسام المصلحة، إلى أن أفردت لها المصلحة في ميزانية سنة 1949/ 1950 ضمن الدرجات الدائمة بالإدارة العامة قسم أ إدارة خاصة تحت عنوان إدارة التحقيقات والمباحث، وصدر قرار في 27 من أغسطس سنة 1949 بتسوية حال موظفي هذه الإدارة على الدرجات التي خصصت لهم في الميزانية المشار إليها اعتباراً من أول مارس سنة 1948، ومن بينهم المدعي؛ فقطعت بذلك الصلة بينهم وبين درجات الإدارة العامة والفروع التي كانوا يتبعونها، وقد نصت المادة 22 من قانون نظام موظفي الدولة على ألا تمنح الدرجة المخصصة للوظيفة إلا لمن يقوم بعملها فعلاً، ولم يقم المدعي بعمل وظيفة مدير مكتب المدير العام التي يتولاها المطعون في ترقيته بكل جدارة وكفاية، بل كان يقوم، حتى رفع هذه الدعوى، بعمله في إدارة التحقيقات كمحقق، وهو بذلك يطالب بدرجة مخصصة لوظيفة لا تمت بصلة لمؤهله الدراسي الحاصل عليه ولا بعمله الذي يقوم به. وإذا أجيز هذا الوضع لجاز ذات الحق لطبيب بالإدارة الطبية أن يرقى إلى درجة مخصصة لمحقق أو لجاز للمطعون في ترقيته أن يرقى إلى درجة محقق أو طبيب أو صيدلي وجميعها واردة تحت باب الوظائف الإدارية بأقسام الإدارة العامة. وقد أفتى قسم الرأي المجتمع بمجلس الدولة بجلستيه المنعقدتين في 8 و15 من فبراير سنة 1955 وكذلك ديوان الموظفين بكتابه رقم 181/ 9/ 6/ ج في 3 من يوليه سنة 1955 باعتبار كل من الإدارة العامة والمراقبة العامة للإيرادات والمصروفات وإدارة المخازن وإدارة التحقيقات والمباحث وحدة مستقلة بذاتها؛ إذ انتظمت عدداً من الدرجات في تسلسل هرمي. ثم قالت إن الدرجة المتنازع عليها هي درجة متميزة مخصصة في الميزانية لوظيفة مدير مكتب المدير العام التي يقوم المطعون في ترقيته بأعبائها، وكان قد تم نقلها في ميزانية سنة 1954/ 1955، من ميزانية المراقبة العامة للإيرادات والمصروفات إلى ميزانية الإدارة العامة، وخصصت لمدير مكتب المدير العام في سلك الوظائف الإدارية. وفضلاً عن ذلك فإن وظيفة مدير مكتب المدير العام يترك اختيار شاغلها للمدير العام شخصياً، مثلها في ذلك مثل وظائف مديري مكاتب الوزراء؛ لأنها ليست من الوظائف العامة التي يجوز شغلها بأي موظف. وخلصت المصلحة من ذلك إلى أن دعوى المدعي قد بنيت على أساس غير سليم من القانون، ويتعين رفضها، وإلزامه بالمصروفات. وبجلسة 20 من فبراير سنة 1958 قضت المحكمة برفض الدفع بعدم قبول الدعوى وبقبولها، وفي الموضوع برفضها، وبإلزام المدعي بالمصروفات. وأسست قضاءها على أن وظيفة مدير مكتب المدير العام ووظائف إدارة التحقيقات والمباحث تندرج معاً في الميزانية ضمن وظائف الإدارة العامة، إلا أن وظيفة مدير مكتب المدير العام - حسبما يبين من الميزانية ووفقاً لطبيعتها ومع وصفها بأنها وظيفة إدارية بحتة - هي بطبيعتها من الوظائف المتميزة التي تتطلب في شاغلها صلاحية معينة، وبالتالي لا تجري الترقية إليها طبقاً للقواعد العامة من بين الشاغلين للدرجة الخامسة الإدارية بالأقدمية المطلقة؛ ذلك أن إعمال الأقدمية في الترقية على إطلاقه لا يكون بداهة إلا في الوظائف غير المتميزة هذا التميز الخاص، وإلا كان ذلك متعارضاً مع وجه المصلحة العامة الذي قصدت إليه الميزانية من هذا التخصيص، بل تجد الأقدمية حدها الطبعي في إعمال أثرها فيما بين المرشحين الذين تتوافر فيهم الصلاحية المعينة التي يتطلبها تخصيص الميزانية لوظيفة معينة ولو انتظمتهم جميعاً أقدمية مشتركة في وحدة إدارية قائمة بذاتها في خصوص الترقية.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن المحكمة، إذ أقامت قضاءها على أساس أن الدرجة المطعون في الترقية إليها متميزة بطبيعتها وتتطلب في شاغلها صلاحية معينة وبالتالي لا تجرى الترقية إليها طبقاً للقواعد العامة، قد فاتها أن هذا التميز الخاص يقتضي - بحسب تخصيص الميزانية له - تأهيلاً خاصاً وصلاحية معينة. وواضح أن شرط التأهيل الخاص لا يتوافر في وظيفة مدير مكتب مدير مصلحة السكك الحديدية بحكم طبيعة عمل هذه الوظيفة، وبحكم أن المطعون في ترقيته - قد شغل هذه الوظيفة من سنة 1949 - هو من حملة شهادة البكالوريا؛ ومن ثم فإن الحكم المطعون فيه، إذ استبعد تطبيق أحكام المواد 38 و39 و40 من قانون نظام موظفي الدولة وأهدر تطبيق القواعد العامة في الترقية إلى الدرجة المذكورة بدعوى أنها مخصصة لوظيفة متميزة بطبيعتها، يكون بذلك قد صدر مخالفاً للقانون، متعيناً الطعن فيه.
ومن حيث إنه يبين من الاطلاع على ميزانية مصلحة السكك الحديدية لسنة 1954/ 1955 التي صدر القرار المطعون فيه خلالها أن درجات إدارة التحقيقات والمباحث قد أدرجت في القسم ( أ ) من البند (1) من الفصل (1) الإدارة العامة، وتضمن البيان التفصيلي لهذه الدرجات نوعين منها، وهما الدرجات الإدارية والدرجات الفنية المتوسطة؛ مما يدل على أنها لا تعدو أن تكون جزءاً من الإدارة العامة وليست مستقلة عنها؛ ومن ثم فإن موظفي إدارة التحقيقات والمباحث يندمجون مع موظفي الإدارة العامة في أقدمية مشتركة وتجري الترقية بينهم على قدم المساواة وفقاً لأحكام القانون باعتبارهم وحدة واحدة.
ومن حيث إنه يبين من الأوراق أن السيد/ عبد الرحمن صبري قد منح الدرجة الخامسة في عام 1950، أي أن أقدميته فيها لاحقة لأقدمية المدعي، إلا أنه قيد على الدرجة الرابعة المخصصة لوظيفة مدير مكتب المدير العام للمصلحة التي كان يقوم بعملها والتي أنشئت في ميزانية المصلحة لعام 1954/ 1955، وذلك بقرار صدر من المدير العام في 17 من أغسطس سنة 1954، ثم عين عليها ورقي إليها في 17 من يناير سنة 1955، وقد كان يقوم بهذا العمل منذ سنة 1949، ولو أن هذه الوظيفة لم يكن لها كيان قانوني في ميزانية المصلحة وقتئذ.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه قد أصاب الحق في النتيجة التي انتهى إليها للأسباب التي بني عليها والتي تأخذ بها هذه المحكمة، وتضيف إليها أن الدرجة المطعون في قيد السيد/ عبد الرحمن صبري عليها ثم ترقيته إليها بعد ذلك هي درجة رابعة خصصت في الميزانية لوظيفة وحيدة بذاتها هي وظيفة مدير مكتب مدير عام المصلحة والترقية إلى درجة مثل هذه الوظيفة لا يمكن أن تقع إلا بعد التعيين في الوظيفة ذاتها؛ ذلك لأن الوظيفة هي العمل، أما الدرجة فهي الأجر، ولا يمكن انتزاع الدرجة من الوظيفة ليرقى إليها بالترقية غير من يتولاها فعلاً بالتعيين، والتعيين في وظيفة بذاتها لها مقوماتها الخاصة في الميزانية مناطه الاختيار الذي تترخص فيه الإدارة دون معقب عليها ما دام قد خلا من إساءة استعمال السلطة. والثابت من الأوراق أن اختيار السيد/ عبد الرحمن صبري لهذه الوظيفة كان رائده مصلحة العمل لتمرسه في أعمالها منذ سنة 1949، وقت أن لم يكن لها وضع خاص في الميزانية، وقيامه بأعبائها في عهد مديري المصلحة المتعاقبين ثم قيده على درجة هذه الوظيفة في 17 من أغسطس سنة 1954، وندبه للقيام بها تمهيداً لتعيينه فيها. ولا وجه للقول بالتزام الأقدمية في الترقية إلى درجة هذه الوظيفة المخصصة لمدير المكتب؛ ذلك أن التزام الأقدمية في النسبة المقررة لها إنما يكون في الترقيات التي تتم إلى درجات وظائف متعددة من نوع واحد في طبيعتها، ولا يمكن أن يجرى على الترقية إلى درجة وظيفة وحيدة بذاتها في الميزانية لها من الطبيعة الخاصة والمقومات ما استدعى تعيين ذاتية الوظيفة وتخصيص درجة معينة لها بما يستوجب ابتداء إعمال الاختيار للتعيين فيها قبل النظر في الترقية إليها؛ ومن ثم يكون الطعن قد قام على أساس غير سليم من القانون، متعيناً رفضه.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وبرفضه موضوعاً.