صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ عَلَى رَوْحٌ وَالِدِيَّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَغَفَرَ لَهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا وَقْفِيَّة عِلْمِيَّة مُدَوَّنَةٌ قَانُونِيَّةٌ مِصْرِيّة تُبْرِزُ الْإِعْجَازَ التَشْرِيعي لِلشَّرِيعَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ وروائعِ الْفِقْهِ الْإِسْلَامِيِّ، مِنْ خِلَالِ مَقَاصِد الشَّرِيعَةِ . عَامِلِةَ عَلَى إِثرَاءٌ الْفِكْرِ القَانُونِيِّ لَدَى الْقُضَاة. إنْ لم يكن للهِ فعلك خالصًا فكلّ بناءٍ قد بنيْتَ خراب ﴿وَلَقَدۡ وَصَّلۡنَا لَهُمُ ٱلۡقَوۡلَ لَعَلَّهُمۡ يَتَذَكَّرُونَ﴾ القصص: 51
الصفحات
- الرئيسية
- أحكام النقض الجنائي المصرية
- أحكام النقض المدني المصرية
- فهرس الجنائي
- فهرس المدني
- فهرس الأسرة
- الجريدة الرسمية
- الوقائع المصرية
- C V
- اَلْجَامِعَ لِمُصْطَلَحَاتِ اَلْفِقْهِ وَالشَّرَائِعِ
- فتاوى مجلس الدولة
- أحكام المحكمة الإدارية العليا المصرية
- القاموس القانوني عربي أنجليزي
- أحكام الدستورية العليا المصرية
- كتب قانونية مهمة للتحميل
- المجمعات
- مُطَوَّل اَلْجُمَلِ فِي شَرْحِ اَلْقَانُونِ اَلْمَدَنِيِّ
- تسبيب الأحكام الجنائية
- الكتب الدورية للنيابة
- وَسِيطُ اَلْجُمَلِ فِي اَلتَّعْلِيقِ عَلَى قَانُونِ اَلْعَمَلِ
- قوانين الامارات
- مُطَوَّل اَلْجُمَلِ فِي اَلتَّعْلِيقِ عَلَى قَانُونِ اَلْمُرَافَعَاتِ
- اَلْمُذَكِّرَة اَلْإِيضَاحِيَّةِ لِمَشْرُوعِ اَلْقَانُونِ اَلْمَدَنِيِّ اَلْمِصْرِيِّ 1948
- مُطَوَّل اَلْجُمَلِ فِي اَلتَّعْلِيقِ عَلَى قَانُونِ اَلْعُقُوبَاتِ
- محيط الشرائع - 1856 - 1952 - الدكتور أنطون صفير
- فهرس مجلس الدولة
- المجلة وشرحها لعلي حيدر
- نقض الامارات
- اَلْأَعْمَال اَلتَّحْضِيرِيَّةِ لِلْقَانُونِ اَلْمَدَنِيِّ اَلْمِصْرِيِّ
- الصكوك الدولية لحقوق الإنسان والأشخاص الأولى بالرعاية
بحث هذه المدونة الإلكترونية
الثلاثاء، 8 أغسطس 2023
الفهرس الموضوعي للنقض المدني المصري / ت / تأمينات اجتماعية - مواعيد الاعتراض
الطعن 892 لسنة 3 ق جلسة 6 / 12 / 1958 إدارية عليا مكتب فني 4 ج 1 ق 24 ص 303
جلسة 6 من ديسمبر سنة 1958
برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة السيد إبراهيم الديواني وحسن أبو علم ومحيى الدين حسن وعلي إبراهيم بغدادي المستشارين.
-----------------
(24)
القضية رقم 892 لسنة 3 القضائية
محاكمة تأديبية
- المادة 86 مكرراً من القانون رقم 210 لسنة 1951 قبل تعديلها بالقانون رقم 73 لسنة 1957 - المناط في تعيين مجلس التأديب المختص طبقاً لأحكامها هو محل وقوع الجريمة - اختصاص المجلس التأديبي الخاص بالوزارة التي كان يتبعها الموظف عند وقوع الجريمة ولو كان تابعاً عند المحاكمة لوزارة أخرى - عدم انطباق هذه القاعدة إذا كانت الوزارة التي يتبعها الموظف عند المحاكمة قد حلت محل الوزارة الأولى في القيام على المرفق الذي وقعت في شأنه الجريمة التأديبية - مثال.
إجراءات الطعن
في 18 من يوليه سنة 1957 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة طعناً في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية لوزارة التربية والتعليم بجلسة 21 من مايو سنة 1957 في الدعوى رقم 125 لسنة 3 ق المرفوعة من عبد الوهاب أحمد هاشم ضد وزارة التربية والتعليم, القاضي "بإلغاء القرار الصادر بتاريخ 5 من يوليه سنة 1954 من مجلس التأديب الاستئنافي لموظفي الوزارة فيما تضمنه من تأييد قرار مجلس التأديب الابتدائي لموظفي وزارة المعارف الصادر في 14 من مايو سنة 1953, مع ما يترتب على ذلك من آثار, وإلزام الوزارة بالمصروفات". وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين - للأسباب التي استند إليها في صحيفة الطعن - الحكم "بقبول الطعن شكلاً, وفي الموضوع أولاً - وأصلياً: بإلغاء الحكم المطعون فيه, والقضاء برفض دعوى المدعي مع إلزامه بالمصروفات, ثانياً - واحتياطياً: بتعديل الحكم المطعون فيه, والقضاء بإلغاء قرار مجلس تأديب وزارة التربية والتعليم الصادر في 14 من مايو سنة 1953 بخصم شهر من راتب المدعي, وتأييد الحكم فيما عدا ذلك, مع إلزام الحكومة بالمصروفات". وقد أعلن الطعن للحكومة في 7 من ديسمبر سنة 1957, وللمدعي في 21 منه, وعين لنظره جلسة 8 من نوفمبر سنة 1958، وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات, ثم أرجأت النطق بالحكم لجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة - حسبما يبين من الأوراق - تتحصل في أنه بصحيفة أودعت سكرتيرية محكمة القضاء الإداري في 30 من نوفمبر سنة 1954 أقام المدعي الدعوى رقم 547 لسنة 9 ق ضد وزارة المعارف, طالباً الحكم بإلغاء القرار الصادر من مجلس التأديبي الاستئنافي لموظفي وزارة المعارف في 5 من يوليه سنة 1954 بجميع أجزائه واعتباره كأن لم يكن مع إلزام الوزارة بالمصروفات. وقال في بيان ذلك إنه في أواخر سنة 1950 طلب مجلس مديرية المنوفية استئجار مكان جديد لمدرسة بناء منشاة صبري التي كانت تابعة لهذا المجلس قبل انتقال تبعيتها لوزارة المعارف, وقد تشكلت لجنة من مدير التعليم بمجلس المديرية ومن المدعي بصفته مهندساً لهذا المجلس ومن طبيب وزارة المعارف بالمنطقة ومأمور المركز وعمدة الناحية لمعاينة الأمكنة المعروضة من أصحابها لهذا الغرض. وفي 16 من نوفمبر سنة 1950 انتقلت اللجنة بكامل هيئتها إلى ناحية منشأة صبري وعاينت عدة أماكن ومنها المكان المعروض من المهندس عبد العزيز إبراهيم خليل, والذي استقر رأي اللجنة على أنه أصلح الأمكنة المعروضة من حيث الموقع والمساحة والأجرة المطلوبة. وتحرر بذلك محضر معاينة تضمن وصفاً شاملاً للمكان المقترح تأجيره ورأي اللجنة في شأنه, ووقع على هذا المحضر جميع أعضاء اللجنة بغير استثناء, ثم رفع إلى الجهات المختصة للتصرف. وما أن علم أصحاب المكان الذي كانت تشغله المدرسة بما استقر عليه رأي اللجنة حتى سارعوا إلى تقديم عدة شكاوي إلى وزارة الداخلية التي كان يتبعها مجلس المديرية ضد المدعي وباقي أعضاء اللجنة, زعموا فيها أن المكان المقترح لا يصلح للمدرسة, وأن ما جاء بمحضر المعاينة لا يطابق الواقع, وأن اختيار اللجنة لهذا المكان كان مجاملة منها لمالكه بوصفه زميلاً للمدعى في المهنة. وقد أجرت وزارة الداخلية تحقيقاً في تلك الشكاوى مع المدعي وطبيب المنطقة, وانتهى التحقيق باتهامهما بإحداث تزوير في محضر المعاينة سالفة الذكر, بأن دون الأول به مواصفات غير مطابقة للحقيقة ومغايرة للواقع مجاملة منه لصاحب المبنى, ووقع عليه الثاني مع علمه بأن البيانات المدونة به كاذبة ومغايرة للواقع, وفي تلك الأثناء أنشأت وزارة المعارف منطقة التعليم بمديرية المنوفية وانتقلت إليها اختصاصات إدارة التعليم بمجلس المديرية, كما نقل إليها موظفو هذه الإدارة ومن بينهم المدعي, وأصبحوا بذلك تابعين مباشرة لوزارة المعارف بدلاً من وزارة الداخلية, وترتب على ذلك إحالة أوراق التحقيق إلى وزارة المعارف للتصرف. وفي 8 من يونيه سنة 1952 صدر القرار الوزاري رقم 10762 بإحالة المدعي إلى مجلس التأديب الابتدائي لموظفي الوزارة لمحاكمتهما على التهمة المنسوبة إليهما, وفي 14 من مايو سنة 1953 أصدر المجلس قراره بمعاقبة المدعي بخصم شهر من راتبه, والطبيب بخصم خمسة أيام من راتبه, استناداً إلى أنه وإن كان التغيير الحاصل في المحضر لا يرقى إلى مرتبة التزوير لعدم توافر أركانه القانونية, إلا أنه يعتبر تقصيراً من الناحية الإدارية لعدم اتباع واجبات الوظيفة, والبعد عن الكذب وتغيير الحقائق في المحررات الرسمية مهما كانت المبررات والبواعث الملجئة لذلك. وقد استأنف المدعي هذا القرار أمام مجلس التأديب الاستئنافي لوزارة المعارف, وعين لنظره جلسة 5 من يوليه سنة 1954, وفيها أصدر المجلس قراره بتأييد القرار الابتدائي. وينعي المدعي على ذلك القرار مخالفته للقانون وبطلانه بطلاناً مطلقاً لصدوره من جهة غير مختصة بإصداره, ذلك أن ما نسب إلى المدعي قد وقع - بفرض صحته - وقت أن كان مهندساً بمجلس مديرية المنوفية الذي كان تابعاً وقتذاك لوزارة الداخلية, أي عندما كان تابعاً لوزارة الداخلية وقبل نقله إلى وزارة المعارف, وكان الفعل المنسوب إليه متعلقاً بعمل من الأعمال الإدارية الخاصة بالوزارة التي كان تابعاً لها في ذلك الحين, وعملاً بحكم المادة 86 من قانون موظفي الدولة كان يتعين محاكمته أمام المجلس التأديبي الخاص بموظفي وزارة الداخلية التي كان تابعاً لها وقت وقوع الفعل المنسوب إليه, حتى ولو كان تابعاً لوزارة المعارف وقت المحاكمة؛ إذ الاختصاص يتحدد بالوزارة التي وقعت فيها الجريمة لا الوزارة التي يتبعها الموظف وقت المحاكمة, هذا إلى أن المدعي لم يرتكب أي تقصير في أداء مأموريته على النحو الذي جاء بالقرار؛ وبيان ذلك أن العبارات التي ذكرها في محضر المعاينة المقول بحصول تغيير الحقيقة فيها تدل دلالة واضحة على هذه الحقيقة كما كانت تماماً بغير تحريف أو تغيير, ولا يقدح في ذلك تأويل هذه العبارات تأويلاً غير الذي كان يقصده المدعي, فقد أورد هذا في محضر المعاينة مواصفات المنزل المقترح تأجيره حسبما هي وأضحية في الرسم الهندسي الذي تقدم به صاحبه لا حسب الطبيعة الراهنة في حينه؛ مما يدل على قصده الحقيقي وأنه لم يقصد على الإطلاق تصوير الأشياء تصويراً خاطئاً؛ ومن ثم يكون القرار المطعون فيه قد جاء مخالفاً للقانون. وردت الوزارة على الدعوى بأن المدقق في نص المادة 86 يستبين له أمر آخر خلاف ما يقول به المدعي؛ إذ أن إدارة التعليم بمجلس المديرية قد انتقلت إلى وزارة التربية والتعليم بمن فيها من الموظفين وبميزانيتها, أي أنه يجب في مجال إعمال نص المادة 86 التفرقة بين نقل الموظف من وزارة إلى أخرى وبين نقل المصلحة بمن يتبعها من الموظفين وإلحاقها بوزارة أخرى, أي أن هناك فارقاً بين نقل الموظف نفسه وبمفرده حيث ينطبق النص وبين نقل مصلحة برمتها حيث لا ينطبق النص. ولما كان القانون رقم 108 لسنة 1950 قد نقل اختصاص مجالس المديريات بشئون التعليم إلى الوزارة, فإنه يكون قد نقل إلى الوزارة الاختصاص بشئون الموظفين وتكون بذلك هي المختصة بمحاكمة الموظفين المنقولين إليها تأديبياً عما يقع منهم من مخالفات؛ ومن ثم تكون محاكمة المدعي أمام مجلس التأديب لموظفي التربية والتعليم سليمة لا مطعن عليها. ثم قالت الوزارة إن المدعي يأخذ على القرار المطعون فيه نسبة التقصير إليه مدعياً أن العبارات التي أوردها بمحضر المعاينة إن هي إلا مواصفات المنزل المقترح تأجيره حسبما هي واضحة في الرسم الهندسي الذي تقوم به صاحبة لا حسب الطبيعة, وهنا يناقض المدعي نفسه بنفسه حيث ذكر بعريضة دعواه أنه انتقل مع اللجنة المشكلة لمعاينة الأمكنة, أي أنه استقى البيانات من واقع الطبيعة لا من الأوراق كما يقول, وإلا ما كانت تسمى معاينة, وخلصت الوزارة من ذلك إلى أن دعوى المدعي لا تقوم على أساس سليم من القانون. وقد أحيلت الدعوى بعد ذلك إلى المحكمة الإدارية لوزارة التربية والتعليم عملاً بأحكام المادة 73 من القانون رقم 165 لسنة 1955, وبجلسة 21 من مايو سنة 1957 حكمت المحكمة المذكورة "بإلغاء القرار الصادر بتاريخ 5 من يوليه سنة 1954 من مجلس التأديب الاستئنافي لموظفي الوزارة فيما تضمنه من تأييد قرار مجلس التأديب الابتدائي لموظفي وزارة المعارف الصادر في 14 من مايو سنة 1953, مع ما يترتب على ذلك من آثار, وألزمت الحكومة بالمصروفات". وأقامت المحكمة قضاءها على أنه يبين من الاطلاع على نص المادة 86 من قانون موظفي الدولة "أن هدف الشارع والحكمة التي تغياها هو أن الوزارة التي وقعت فيها الجريمة هي الجهة الأقدر من غيرها على تبيان ظروف الجريمة ووقائعها ومدى مخالفة الموظف لأصول وظيفته وتقدير الجزاء المناسب للجريمة, فالنص على النحو المشار إليه في صريح عبارته والحكمة منه لا يدع مجالاً للشك في أن العبرة بتحديد اختصاص مجلس التأديب هو بالوزارة التي حدثت فيها الجريمة, بصرف النظر عن تبعية الموظف وقت المحاكمة لوزارة أو لأخرى, وسواء أكانت هذه التبعية قد نشأت بناء على نقل الموظف بمفرده من وزارة لأخرى أو كأثر لنقل الإدارة التي يعمل بها من وزارة إلى أخرى, فإن النص يشمل الصورتين في إطلاقه وعموم لفظه, وإلا كان القول بغير ذلك تخصيصاً بغير مخصص وتقييداً لحكم النص, هذا بالإضافة إلى أن المدعي لم يكن في مجلس مديرية المنوفية موظفاً تابعاً لمرفق التعلم بالمجلس, بل كان يباشر اختصاصه في مجلس المديرية بصفته مهندساً يسند إليه من أعمال المجلس ما عسى أن يكون متصلاً بفئة", وأنه لما كانت "الجريمة التأديبية موضوع المحاكمة قد وقعت في مجلس مديرية المنوفية التابع لوزارة الداخلية فيكون مجلس التأديب المختص بهذه المحاكمة طبقاً للنص سالف الذكر هو مجلس التأديب الخاص بوزارة الداخلية، وتكون إحالة المدعي إلى المحاكمة التأديبية أمام مجلس التأديب الخاص بموظفي وزارة التربية والتعليم وما يتبعها من إجراءات قد صدرت على غير مقتضى النص؛ ومن ثم يكون القرار المطعون فيه قد صدر من جهة غير مختصة قانوناً بإصداره مما يتعين معه الحكم بإلغائه".
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن المادة 86 من القانون رقم 210 لسنة 1951 المضافة بالقانون رقم 94 لسنة 1953 تنص على أن "تكون محاكمة الموظف أو الموظفين المتهمين بارتكاب جريمة واحدة أو جرائم مرتبطة بعضها أمام مجلس التأديب الخاص بالوزارة التي وقعت فيها الجريمة أو الجرائم المذكورة، ولو كانوا تابعين عند المحاكمة لوزارات أخرى", والمقصود من هذا النص انعقاد الاختصاص في المحاكمة التأديبية لمجلس تأديب الوزارة التي وقعت فيها الجريمة؛ لأن هذه الوزارة أقدر على الإحاطة بظروف الجريمة وعناصرها وأكثر إدراكاً لمداها في مجال العمل وأثرها فيه, وهذا الحكم يتعين إنفاذه إذا ارتكب الموظف الجريمة في وزارة يعمل فيها بطريق الندب وظل ندبه قائماً أو ألغي قبل المحاكمة التأديبية, أو إذا ارتكب الموظف الجريمة في وزارة ثم نقل إلى وزارة أخرى, ففي جميع هذه الحالات ينعقد الاختصاص لمجلس تأديب الوزارة التي وقعت فيها الجريمة, أما إذا كانت الوزارة التي نقل منها الموظف قد حلت محلها في إدارة المرفق الذي وقعت فيه الجريمة الوزارة التي نقل إليها فعندئذ يصبح مجلس تأديب الوزارة التي نقل إليها الموظف هو المختص بمحاكمته تأديبياً, وترتيباً على ما تقدم يكون مجلس تأديب وزارة التربية والتعليم هو المختص بمحاكمة المدعي ابتدائياً واستئنافياً؛ لأن القانون رقم 108 لسنة 1950 أقام هذه الوزارة على مرفق التعليم بمجلس مديرية المنوفية, ولأن المدعي نقل من المجلس إلى الوزارة عملاً بهذا القانون, وبالتالي فإن هذه الحالة تخرج من نطاق تطبيق المادة 86 من القانون رقم 210 لسنة 1951, ويكون الحكم المطعون فيه قد خالف القانون. على أنه إذا أخذ بدفاع المدعي من أنه كان مهندساً للمجلس ولم يكن موظفاً بإدارة التعليم به وأن نقله إلى الوزارة قد تم باختياره وموافقته, فإنه بالتطبيق لحكم المادة 86 مكرراً من القانون رقم 210 لسنة 1951 تكون محاكمة المدعي من اختصاص مجلس تأديب وزارة الداخلية, ويتعين - والحالة هذه - القضاء بإلغاء قرار مجلس التأديب الابتدائي؛ ومن ثم فإن الحكم المطعون فيه - إذ قصر قضاءه على إلغاء قرار مجلس التأديب الاستئنافي - يكون قد خالف القانون.
ومن حيث إن المادة 86 مكرراً من القانون رقم 210 لسنة 1951 قبل تعديلها بالقرار بقانون رقم 73 لسنة 1957 كانت تنص على أن "تكون محاكمة الموظف أو الموظفين المتهمين بارتكاب جريمة واحدة أو جرائم مرتبطة ببعضها أمام مجلس التأديب الخاص بالوزارة التي وقعت فيها الجريمة أو الجرائم المذكورة ولو كانوا تابعين عند المحاكمة لوزارات أخرى, فإذا تعذر تعيين الوزارة على الوجه السابق تكون المحاكمة أمام مجلس التأديب الخاص بالوزارة التي يتبعها العدد الأكبر من الموظفين، فإذا تساوى العدد عين رئيس مجلس الوزراء مجلس التأديب المختص, ويكون مجلس التأديب الاستئنافي في هذه الحالة هو المجلس المختص بنظر الطعن في قرارات المجلس الذي تولى المحاكمة". ومفاد ذلك أن المناط في تعيين مجلس التأديب المختص هو بمحل وقوع الجريمة التي يحاكم الموظف من أجلها, أي أن المجلس التأديبي المختص بمحاكمة الموظف هو المجلس التأديبي الخاص بالوزارة التي كان يتبعها الموظف عند وقوع الجريمة ولو كان تابعاً عند المحاكمة لوزارة أخرى, ولا يصدق هذا القول بطبيعة الحال إلا إذا كانت الوزارة التي يتبعها الموظف عند وقوع الجريمة والوزارة التي يتبعها عند المحاكمة منفصلة كل منهما عن الأخرى, ولم تحل إحداهما قانوناً محل الأخرى في القيام على المرفق العام الذي وقعت في شأنه الجريمة التأديبية, أما إذا كانت الوزارة التي يتبعها الموظف عند المحاكمة قد حلت محل الوزارة الأولى في القيام على هذا المرفق, فيكون مجلس تأديب الوزارة التي يتبعها الموظف أخيراً هو المختص نتيجة حلول تلك الوزارة محل الوزارة الأخرى في اختصاصاتها في هذا الشأن.
ومن حيث إنه ترتيباً على ما تقدم فإنه ولئن كانت الجريمة المنسوبة إلى المدعي قد وقعت في وقت كان فيه موظفاً بمجلس مديرية المنوفية التابع لوزارة الداخلية, وكان هذا المجلس يقوم على مرفق التعليم الذي وقعت في شأنه الجريمة التأديبية, إلا أنه لما كان نقل المدعي بعد ذلك إلى وزارة التربية والتعليم إنما يرجع إلى حلول تلك الوزارة محل مجلس مديرية المنوفية في القيام على مرفق التعليم تنفيذاً للقانون رقم 108 لسنة 1950 الذي نقل اختصاص مجالس المديريات بشئون التعليم إلى وزارة التربية والتعليم, فإن مجلس التأديب الخاص بموظفي وزارة التربية والتعليم أصبح بحكم القانون هو المختص بمحاكمة المدعي نتيجة لحلول وزارة التربية والتعليم محل مجلس مديرية المنوفية التابع لوزارة الداخلية في هذا الشأن.
ومن حيث إنه يبين من الأوراق أن مجلس مديرية المنوفية رغب في استئجار مكان جديد لمدرسة بنات منشأة صبري بدلاً من مكانها القديم, وفي 30 من أكتوبر سنة 1950 قدم السيد/ عبد العزيز إبراهيم خليل المهندس ببلدية شبين الكوم طلباً إلى رئيس مجلس مديرية المنوفية يعرض فيه منزلاً مملوكاً له بمنشأة صبري لتأجيره للمجلس لاستعماله مقراً للمدرسة الجديدة, وقرر أنه يشتمل على ثماني حجرات متسعة وصالتين كبيرتين وفناء وحديقة, وطلب معاينته وتقدير أجرته, فأشر المدعي على الطلب بكلمة معاينة. وفي 2 من نوفمبر سنة 1950 أشر بأنه بالمعاينة وجد أن المنزل صالح لأن يكون مدرسة, وفي 16 من نوفمبر سنة 1950 انتقلت لجنة الإيجارات المشكلة من مأمور المركز ومدير التعليم وطبيب المعارف بالمنطقة والمدعى وعمدة الناحية لمعاينة المبنى وحررت تقريراً بنتيجة معاينتها جاء به ما يأتي:".... ثم انتقلت اللجنة إلى المنزل المعروض من حضرة عبد العزيز إبراهيم خليل فوجدته يحتوي على تسع حجرات, 6 منها صالحة لأن تكون فصولاً دراسية, والثلاث الأخرى لسكن المدرسات والناظرة والمخزن وبه دورة مياه بها خمس مراحيض صحية وفناء متسع وحديقة بها أشجار وبه مضختان, وموصل إليه مياه البلدية, وذلك بحسب الرسم المقدم, وقد اتفقت اللجنة مع المالك على أن يقوم بتسليم المبنى تاماً بعد شهر من تاريخ الاعتماد نظير إيجار شهري قدره عشرة جنيهات مصرية شهرياً, وترى أن هذا الإيجار مناسب جداً نظراً لما يحتوي عليه من حجرات ومنافع ولأنه صالح في جملته لأن يكون مدرسة؛ لذلك توصي باعتماد محضرها". وقد وقع أعضاء لجنة الإيجارات - ومن بينهم المدعي - على هذا المحضر, وقد قدم وكيل مالك المكان الذي تشغله المدرسة شكوى إلى الوزارة تتحصل في أن المكان الذي تشغله المدرسة يفضل المكان المطلوب استئجاره من جميع النواحي بناء ومشتملات، فأحيلت الشكوى إلى إدارة التفتيش العام لوزارة الداخلية لبحث الموضوع, وقد تبين من معاينة مفتش الداخلية للمبنى المذكور أنه يحتوي على ست حجرات ثلاث منها متسعة وكاملة البناء وتامة البياض وثلاث أخرى واقعة في فناء المنزل للمواشي والدواجن ومخزن للحبوب وبه مرحاض وحمام, ولا يليق لأن يكون مدرسة إلا إذا حصلت فيه إصلاحات كثيرة بالهدم وبالبناء. وقد أجرى التحقيق مع المدعي في شأن إثباته في محضر لجنة الإيجارات بيانات تخالف الواقع وكان مما جاء بإجاباته في التحقيق ما يأتي: "طبيعي أن المالك بعد اعتماد الحضر سيقوم بتسليم المبنى تاماً أي صالحاً للاستعمال ولأن يكون مدرسة وعلى حسب الرسم المعمول بمعرفتي, وقد ذكر في المحضر أن بالمبنى دورة مياه صحية بها خمسة مراحيض وهي ليست موجودة إطلاقاً بالمبنى, وإنما المفروض أن يقوم المالك بإنشائها بعد اعتماد المحضر كما يقوم بعمل التعديلات والإصلاحات المطلوبة بعد الاعتماد أيضاً؛ إذ لا داعي لأن يقوم المالك بصرف مئات الجنيهات على مبناه قبل التأكد من الاعتماد". وسئل المدعي عما إذا كان قد أخذ تعهداً كتابياً من مالك المبنى لإعادة بناء الزرائب والمخازن الموجودة في ملكه لتصبح سكناً للمدرسات وفصولاً للمدرسة وهل وقع بإمضائه على الخريطة بأنه سيقوم بتسليم مبناه على أساسها, فرد بأنه "لم نتعود أخذ إقرارات كتابية من الملاك, وطبيعي لم نأخذ مثل هذا الإقرار من عبد العزيز خليل, كما أن الرسم هو الذي قدمه ورسمه لأنه مهندس". ثم سئل بأن "المفهوم من محضر لجنة الإيجارات والخريطة المرفقة به أنهما صورة حقيقية لمبنى عبد العزيز خليل بحالته الراهنة فنرجو أن ترشدونا في الأوراق عن أي عبارة أو تعهد أو شرح يمكن الوزارة والمسئولين فيها من إدراك أن محضر لجنة الإيجارات والخريطة إنما هما عن حالة المبنى بعد التعديل". فأجاب بأنه "بعد الاعتماد تتسلم المدرسة المبنى ثم تقوم بعمل محضر استلام حتى إذا وجد شناكل أو ترابيس أو مفصلات ناقصة للمبنى فتذكر عادة في محضر استلام المدرسة, ثم تقوم هندسة المجلس على أساس هذا المحضر بتكليف المالك بالقيام بتكملة الناقص من خردوات أو خلافه...". وأخيراً سئل المدعي بأن "هذه الإجراءات جميعها التي ذكرتها لا تغني عن وجوب إتمام عملية المعاينة سليمة ومطابقة للواقع ولا نزال نصر على أن ما قررته حضرتكم من صلاحية المبنى قبل انعقاد لجنة الإيجارات غير صحيح", فرد بأن "الإصلاحات والترميمات تتم بعد الاعتماد؛ إذ لا داعي لأن يقوم المالك بعمل الإصلاحات قبل الاعتماد". وقد سئل باقي أعضاء لجنة الإيجارات فقرروا بأنهم وقعوا المحضر بدون تمحيص اعتماداً على أمانة المدعي وهو مهندس ومختص أصلاً بالمعاينة وبدون أن ينتبهوا إلى عدم صحة ما دونه المهندس في المحضر. وقد قدم المدعي إلى مجلس التأديب الابتدائي لموظفي وزارة التربية والتعليم بتهمة أنه "ارتكب تزويراً بأن حرر - بصفته عضواً بلجنة الإيجارات التي انعقدت لمعاينة مبنى لتشغيله مدرسة بنات منشأة صبري - محضراً دون به مواصفات غير مطابقة للحقيقة ومغايرة للواقع مجاملة منه لصاحب هذا المبنى عبد العزيز إبراهيم خليل المهندس وزميله في المهنة". وقد قرر المجلس بجلسته المنعقدة في 14 من مايو سنة 1953 معاقبة المدعي بخصم شهر من مرتبه, واستند المجلس في قراره إلى أن المدعي "اعترف في التحقيقات بأنه حرر محضر المعاينة موضوع التهمة على خلاف الحقيقة بقصد مجاملة زميله في المهنة مالك المبنى, ولم يظهر من التحقيقات أنه كان يرمي من وراء ذلك إلى أي منفعة مادية أو يقصد الإضرار بالغير", وأنه "ثابت من الأوراق ومحاضر التحقيق أن محضر المعاينة موضوع التهمة هو الخطوة الأولى التي تتخذ عادة لتأجير الأمكنة التي يقع الاختيار عليها؛ إذ يتلوها حتماً خطوات أخرى لا بد من تنفيذها قبل حصول التعاقد, وعلى هذا الأساس فللوزارة الحق في أي وقت تشاء وقبل التعاقد أن ترفض التأجير, وفي ذلك كل الضمان لحماية الوزارة من العبث الذي يحصل من تقصير موظفيها", وأنه "إذ وضحت هذه الظروف والملابسات تكون تهمة التزوير في محضر المعاينة الموجهة إلى المتهم غير قائمة لعدم توافر أركانها, ولا يترتب على ذلك بطبيعة الحال إعفاء المتهم من التقصير من الناحية الإدارية لعدم اتباع واجبات الوظيفة والبعد عن الكذب وتغيير الحقائق في المحررات الحكومية مهما كانت المبررات والبواعث الملجئة إلى ذلك", وقد استأنف المدعي قرار المجلس سالف الذكر, وعرض الاستئناف على مجلس التأديب الاستئنافي لموظفي وزارة التربية والتعليم, فقرر بجلسته المنعقدة في 5 من يوليه سنة 1954 "قبول الاستئناف شكلاً, وفي الموضوع برفضه وتأييد القرار المستأنف" مؤيداً في ذلك مجلس التأديب الابتدائي للأسباب التي بنى عليها والتي أخذ بها المجلس المذكور.
ومن حيث إن هذه المحكمة سبق أن قضت بأن القرار التأديبي - شأنه شأن أي قرار إداري آخر - يجب أن يقوم على سبب يسوغ تدخل الإدارة لإحداث أثر قانوني في حق الموظف هو توقيع الجزاء للغاية التي استهدفها القانون - وهو الحرص على حسن سير العمل - ولا يكون ثمت سبب للقرار إلا إذا قامت حالة واقعية أو قانونية تسوغ التدخل, وللقضاء الإداري في حدود رقابته القانونية أن يراقب صحة قيام هذه الوقائع وصحة تكييفها القانوني, وهذه الرقابة القانونية لا تعني أن يحل القضاء الإداري نفسه محل السلطات التأديبية المختصة فيما هو متروك لتقديرها ووزنها, فيستأنف النظر بالموازنة والترجيح فيما يقوم لدى السلطات التأديبية المختصة من دلائل وبيانات وقرائن أحوال إثباتاً أو نفياً في خصوص قيام أو عدم قيام الحالة الواقعية أو القانونية التي تكون ركن السبب, بل إن هذه السلطات حرة في تقدير تلك الدلائل والبيانات وقرائن الأحوال, تأخذها دليلاً إذا اقتنعت بها وتطرحها إذا تطرق الشك إلى وجدانها, وإنما الرقابة التي للقضاء الإداري في ذلك تجد حدها الطبعي - كرقابة قانونية - في التحقق مما إذا كانت النتيجة التي انتهى إليها القرار التأديبي في هذا الخصوص مستفادة من أصول موجودة أو أثبتتها السلطات المذكورة وليس لها وجود, وما إذا كانت النتيجة مستخلصة استخلاصاً سائغاً من أصول تنتجها مادياً أو قانوناً, فإذا كانت منتزعة من غير أصول موجودة أو كانت مستخلصة من أصول لا تنتجها أو كان تكييف الوقائع على فرض وجودها مادياً لا ينتج النتيجة التي يتطلبها القانون, كان القرار فاقداً لركن من أركانه - وهو ركن السبب - ووقع مخالفاً للقانون, أما إذا كانت النتيجة مستخلصة استخلاصاً سائغاً من أصول تنتجها مادياً أو قانوناً فقد قام القرار على سببه وكان مطابقاً للقانون. وسبب القرار التأديبي بوجه عام - كما سبق لهذه المحكمة أن قضت به - هو إخلال الموظف بواجبات وظيفته أو إتيانه عملاً من الأعمال المحرمة عليه, فكل موظف يخالف الواجبات التي تنص عليها القوانين أو القواعد التنظيمية العامة أو أوامر الرؤساء في حدود القانون, أو يخرج على مقتضى الواجب في أعمال وظيفته, تلك التي يجب أن يقوم بها بنفسه إذا كان ذلك منوطاً به, وأن يؤديها بدقة وأمانة, إن هذا الموظف إنما يرتكب ذنباً إدارياً هو سبب القرار يسوغ تأديبه فتتجه إرادة الإدارة لإنشاء أثر قانوني في حقه هو توقيع جزاء عليه بحسب الشكل والأوضاع المقررة قانوناً وفي حدود النصاب المقرر.
ومن حيث إنه يبين مما سبق بيانه أن ما استخلصه القرار المطعون فيه من النتيجة التي انتهى إليها في إدانة المدعي هو استخلاص من أصول موجودة بطريقة سائغة؛ فمن ثم يكون القرار قائماً على سببه ومطابقاً للقانون, ويتعين من أجل ذلك إلغاء الحكم المطعون فيه ورفض الدعوى.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً, وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون وبرفض الدعوى, وألزمت المدعي بالمصروفات.
الطعن 177 لسنة 4 ق جلسة 29 / 11 / 1958 إدارية عليا مكتب فني 4 ج 1 ق 23 ص 277
جلسة 29 من نوفمبر سنة 1958
برياسة السيد/ سيد علي الدمراوي وكيل مجلس الدولة وعضوية السادة السيد إبراهيم الديواني وعلي إبراهيم بغدادي والدكتور محمود سعد الدين الشريف ومصطفى كامل إسماعيل المستشارين.
-----------------
(23)
القضية رقم 177 لسنة 4 القضائية
قرار إداري.
تاريخ نفاذه - الأمر العالي الصادر في 8/ 3/ 1881 في شأن الآلات الرافعة - خلوه من نص يفوض وزير الأشغال في تحديد أجور الري بالآلات الرافعة - وسيلة هذا التحديد كانت بطريق النص في رخص مستغلي الآلات على تعهدهم بقبول ري أراضي المتعاقدين معهم بالفئات التي تحددها القرارات التي يصدرها وزير الأشغال - المرسوم بقانون رقم 20 لسنة 1953 في شأن أجور الري من الآلات الرافعة - نقله تقدير هذه الأجور من المجال التعاقدي إلى المجال الجبري بتخويله وزير الأشغال سلطة تقديرية في تحديد هذه الأجور بقرارات يصدرها - للوزير سلطة تعيين التاريخ الذي يسري اعتباراً منه العمل بالأجور التي يحددها في كل فاصل زمني بما يتلاءم مع حقيقة الأوضاع القائمة - إغفال النص على نفاذ القرار من تاريخ سابق على نشره يتضمن إقراراً للعمل بفئات الأجور القديمة.
إجراءات الطعن
في 6 من فبراير سنة 1958 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم 177 لسنة 4 القضائية في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (الهيئة الأولى) بجلسة 10 من ديسمبر سنة 1957 في الدعوى رقم 3646 لسنة 9 القضائية المقامة من كلاً من: (أولاً) الأستاذ محمد شوكت التوني. و(ثانياً) السادة: 1 - كامل عبد المسيح 2 - أمين يني عبد السيد 3 - الحاج محمد محمود النجار 4 - محمود أحمد حسن 5 - عجايبي عطا الله 6 - عبد الرحيم حسين عبد الرحمن 7 - عبد الرحمن حسين عبد الرحمن 8 - صدقي جندي 9 - الدكتور يوسف سليمان ميخائيل 10 - السيدة إيلين نصر روفائيل 11 - حامد حسن أبو زيد 12 - إبراهيم حسن علي قاسم 13 - علي عبد المجيد أبو زيد 14 - الدكتور عبد السيد برطوس 15 - محمد حسنين الطرزي 16 - الدكتور محمود أحمد شوقي 17 - الحاج محمد محمود محمد عبد الله النجار 18 - حجاجي أحمد حسن 19 - أحمد عبده أحمد 20 - محمود أحمد حسن 21 - عزمي شنودة 22 - فوزي شنودة 23 - محمد حسن محمد عبد الله النجار 24 - محمود علي محمد الشحات 25 - متري حسب الله 26 - محمد أحمد حسن 27 - مبارك أحمد حسن 28 - محمد علي أحمد حسن 29 - أحمد محمد محمود عيد الحمصاني 30 - اسكندر ميخائيل برسي 31 - ناشد فاخوري جرجس 32 - دويد صليب لوز 33 - غالي حنا سيد أروس 34 - بدر عبد الحليم أحمد 35 - المقدس لمعي دوس 36 - عبد الحميد محمود عيد الحمصاني 38 - فايز حبشي 39 - اسكندر حبشي 40 - محمد عيسى 41 - عبد العال حسن التونسي 42 - أنور ملك برسوم 43 - الدكتور حبيب ملك برسوم 44 - فايز ملك برسوم 45 - فوزي ملك برسوم 46 - السيدة فوزية ملك برسوم 47 - الصاغ عصام فؤاد 48 - محمد بركات - المتدخلين في الدعوى خصوماً ثلثاً منضمين إلى المدعي, ضد (1) وزارة الأشغال العمومية و(2) شركة وادي كوم أمبو المتدخلة في الدعوى خصماً ثالثاً منضماً إلى الحكومة, وهو الحكم الذي قضى "بإلغاء القرار الصادر من وزير الأشغال العمومية في 3 من يوليه سنة 1955 فيما تضمنه من النص على العمل به من تاريخ نشره بالجريدة الرسمية, وألزمت الحكومة بالمصروفات ومبلغ خمسمائة قرش مقابل أتعاب المحاماة". وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين - للأسباب التي استند إليها في صحيفة طعنه - "الحكم بقبول هذا الطعن شكلاً, وفي الموضوع إلغاء حكم محكمة القضاء الإداري المطعون فيه, ورفض الدعوى, وإلزام المدعين بالمصروفات". وقد أعلن هذا الطعن إلى وزارة الأشغال العمومية في 13 من فبراير سنة 1958, وإلى شركة وادي كوم أمبو في 17 منه, وإلى الأستاذ محمد شوكت التوني في 8 من مارس سنة 1958, وإلى الخصوم الثلث المنضمين إلى المدعي في 29 منه. وبعد أن انقضت المواعيد القانونية المقررة دون أن يقدم أي من الطرفين مذكرة بملاحظاته عين لنظر الطعن أمام هذه المحكمة جلسة 12 من أبريل سنة 1958, وفي 9 من مارس سنة 1958 أبلغ الطرفان بميعاد هذه الجلسة, وفيها أجل نظر الطعن لجلسة 24 من مايو سنة 1958 مع ضم ملف القضية رقم 3971 لسنة 9 القضائية, ثم أجل بعد ذلك لجلسة 18 من أكتوبر سنة 1958 للمرافعة, مع الترخيص في تقديم مذكرات إلى ما قبل الجلسة بأسبوعين. وبعد أن سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة قررت إرجاء النطق بالحكم في الطعن إلى جلسة اليوم, مع الترخيص في تقديم مذكرات خلال أسبوعين. وقد أودع كل من المدعي والخصوم الثلث وشركة وادي كوم أمبو مذكرات بملاحظاتهم انتهى فيها كل منهم إلى الإصرار على طلباته.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة, حسبما يبين من أوراق الطعن, تتحصل في أن الأستاذ محمد شوكت التوني أقام الدعوى رقم 3646 لسنة 9 القضائية ضد السيد وزير الأشغال العمومية أمام محكمة القضاء الإداري بعريضة أودعها سكرتيرية المحكمة في 14 من يوليه سنة 1955 ذكر فيها أن المرسوم بقانون رقم 20 لسنة 1953 المنشور في الجريدة الرسمية في 8 من يناير سنة 1953 صدر منظماً للعلاقة بين مالكي الطلمبات الارتوازية والرافعة وبين المزارعين الذين يروون أرضهم من مياه هذه الطلمبات, وقد أمرت المادة الثامنة منه السيد وزير الأشغال العمومية بإصدار ما يقتضيه تنفيذ هذا المرسوم بقانون من قرارات وزارية, وبناء على ذلك أصدر السيد الوزير قرارات وزارية بتحديد قيمة أجر الري من جميع الطلمبات الكائنة بأراضي الجمهورية المصرية, ومنها طلمبات تفتيش وادي كوم أمبو. ولكن هذا التحديد لم يرض شركة تفتيش وادي كوم أمبو التي عارضت فيه, فتراخى تنفيذ هذا القرار, وقامت منازعات بين الزراع ومنهم المدعي وبين الشركة؛ إذ أنه يملك هو وأخواه أرضاً زراعية في زمام كوم أمبو مساحتها 418 فداناً تستقي من مياه الطلمبات. وفي شهر يونيه سنة 1955 أصدر السيد الوزير قراراً وزارياً معدلاً للقرار الصادر في سنة 1953 ومحدداً أجر الري. وقد جاء في المادة الثانية من هذا القرار أنه يعمل به من تاريخ نشره بالجريدة الرسمية على أساس أن النص على تنفيذه من تاريخ صدور المرسوم بقانون هو تقرير أثر رجعي للقانون، وذلك بناء على فتوى قسم الرأي لوزارة الأشغال. وعلى هذا جاء القرار خاطئاً ومخالفاً لمبادئ القانون, ويتعين إلغاؤه؛ إذ أخطأ في تعيين تاريخ نفاذه, مع أنه مقرر لا منشئ للأمر الإداري, أما المرسوم بقانون فهو المنشئ لهذا الأمر. وقد استقر القضاء على أن قرار الوزير تفسيري ومقرر لا منشئ؛ ومن ثم يكون له أثر رجعي, فإذا جاء القرار محدداً تاريخ العمل به من وقت نشره بالجريدة الرسمية كان في ذلك مخالفاً للقانون؛ إذ المبدأ القانوني الصحيح هو أن تاريخ تنفيذ القرار الوزاري المقرر أو المفسر المنفذ للمرسوم بقانون هو تاريخ نشر هذا القانون. ولما كانت للمدعي مصلحة فعليه؛ لأنه من الزراع الذين يفيدون من هذا القانون, وكان يضار بذلك القرار الخاطئ, فهو يطلب "الحكم بإلغاء القرار الوزاري بالنسبة لتحديد تاريخ نفاذه الوارد في المادة الثانية منه, مع إلزام الوزارة بالمصروفات وأتعاب المحاماة".
ومن حيث إن وزارة الأشغال ردت على هذه الدعوى بمذكرة مؤرخة 19 من سبتمبر سنة 1955 قالت فيها إنه في 8 من يناير سنة 1953 صدر المرسوم بقانون رقم 20 لسنة 1953 في شأن أجور الري من الآلات الرافعة التي يديرها الأهالي والمقامة على النيل والترع العامة والمساقي. ونصت المادة الأولى منه على أن "يعين الأجر الذي يؤديه الزارعون المتراضون على الري من الآلات الرافعة المقامة على النيل والترع العامة والمساقي إلى مستغلي هذه الآلات مقابل ري أراضيهم بحسب الفئات التي يعينها وزير الأشغال العمومية بقرارات يصدرها, ولا يجوز الاتفاق على أجر يزيد على الأجور التي تعينها هذه القرارات", كما نصت المادة الثامنة منه على أن "على وزيري الأشغال العمومية والعدل كل فيما يخصه تنفيذ هذا القانون, ولوزير الأشغال إصدار ما يقتضيه تنفيذه من قرارات, ويعمل به من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية". وفي أول سبتمبر سنة 1953 أصدر وزير الأشغال القرار الوزاري رقم 8631 لسنة 1953 من مادتين: الأولى تعيين الأجور الواجب أن يؤديها المزارعون إلى مستغلي الآلات الرافعة, والثانية تنص على العمل بهذا القرار من تاريخ نشره بالجريدة الرسمية, ولما كانت فئات أجور الري الواردة بالقرار لا تتعدى الطلمبات التي أقطارها أكثر من 16/ 18 لغاية 24 بوصة, وكانت توجد طلمبات ذات مواسير تزيد على 24 بوصة, كما هو الحال في وابورات شركة وادي كوم أمبو؛ إذ يصل قطر ماسورة المص في أحداها إلى 1.20 متر؛ فإن الأمر احتاج إلى دراسة خاصة لتحديد الأجور التي تحصل على الري منها. ولتحقيق هذا الغرض شكلت لجان من المختصين بالوزارة قدرت مبلغ 300 م أجراً للرية الواحدة للزراعات الصيفية والشتوية, ومبلغ 600 م أجراً للرية الواحدة للشراقي. ولم توافق شركة وادي كوم أمبو على هذا التقدير لأنه يقل كثيراً عن تكاليف رفع المياه من طلمباتها, وطلبت إعادة فحص هذا الموضوع في ضوء التكاليف الفعلية التي تنفقها الشركة في رفع المياه. وقد أعادت الوزارة بحث هذا الموضوع فكونت لجنة لتحديد أجور عادلة للري من هذه الطلمبات استقر رأيها على أن يكون أجر الرية الواحدة لفدان القصب والشراقي هو مبلغ 540 م وللزراعات الأخرى 270 م, وقد وافقت الوزارة على الرأي الذي انتهت إليه هذه اللجنة, وشرعت في إعداد القرار الوزاري اللازم, بيد أن المدعي تقدم بشكوى مؤرخة 11 من يونيه سنة 1955 يطلب فيها أن ينص في القرار المزمع إصداره على أن يكون تاريخ نفاذه هو نفس تاريخ نفاذ المرسوم بقانون رقم 20 لسنة 1953, أي يوم 8 من يناير سنة 1953؛ وعلى هذا قامت الوزارة بإعداد مشروع القرار الوزاري على أساس استناد أثره إلى تاريخ العمل بالمرسوم بقانون رقم 20 لسنة 1953, وطلبت من إدارة الفتوى والتشريع بوزارة الأشغال إبداء الرأي في التعديلات التي ترى الوزارة إدخالها على مشروع القرار, فأفتت الإدارة في 19 من يونيه سنة 1955 بأنه لا مانع من إدخال تعديلات على المادة الأولى من مشروع القرار الخاصة بأجور الري، ولكنها لا تقر التعديل المراد إدخاله على المادة الثانية منه وهي التي تنص على نفاذ القرار الوزاري من 8 من يناير سنة 1953, تاريخ نشر المرسوم بقانون رقم 20 لسنة 1953, أي لا توافق على انسحاب القرار على الماضي؛ لأن الأثر الرجعي لا يمكن تقريره بقرار وزاري, ولكن بمقتضى قانون وبشرط وجود ضرورة ملحة تستلزم ذلك. وأضافت الوزارة في ردها على الدعوى أن المرسوم بقانون رقم 20 لسنة 1953 خول وزير الأشغال العمومية سلطة تقدير أجور الري من الآلات الرافعة وإصدار القرارات اللازمة لتنفيذ هذا المرسوم بقانون. ولما كانت أجور الري تختلف باختلاف الظروف والأحوال تبعاً للعوامل الاقتصادية فقد رئي أن ينص في المادة الأولى من المرسوم بقانون آنف الذكر على أن يكون تعيين هذه الأجور بحسب الفئات المبينة في القرارات التي يصدرها وزير الأشغال, ولا يجوز الاتفاق على أجر يزيد على الأجور التي تعينها هذه القرارات. ويفهم من هذا النص أن المشرع ترك تحديد أجور الري من الآلات الرافعة لوزير الأشغال, كما خوله إصدار قرارات وزارية بتعديل الأجور زيادة أو نقصاً حسب مقتضيات العوامل الاقتصادية دون الالتجاء إلى تعديل القانون من وقت لآخر فيما لو عينت هذه الأجور بفئات محددة. ويخلص من هذا أن لوزير الأشغال سلطة تقديرية مطلقة في تحديد أجور عادلة للري من الآلات الرافعة, وله إصدار القرارات الوزارية اللازمة في هذا الشأن, وأن المرسوم بقانون رقم 20 لسنة 1953 لم يقيد وزير الأشغال بوجوب النص على نفاذ القرارات التي يصدرها اعتباراً من تاريخ نشر المرسوم بقانون بالجريدة الرسمية. ومن ثم فإن للوزير سلطة مطلقة في تحديد تاريخ نفاذ القرارات التي يصدرها, وعندئذ تكون العبرة بالتاريخ الذي يصدر فيه القرار مستكملاً عناصره محدثاً أثره. على أن الوزارة - وهي الحريصة على المصلحة العامة والخاصة معاً - قد استطلعت رأي إدارة الفتوى والتشريع المختصة عن جواز سحب أثر القرار الوزاري إلى تاريخ نشر المرسوم بقانون سالف الذكر, فكان الرأي أن تنفيذ القرار بأثر رجعي يستلزم إصدار قانون من وجوب توافر حالة الضرورة التي هي مناط هذا الأثر. ولو سلم في الجدل بأن القرار الوزاري يعتبر مفسراً أو مقرراً للمرسوم بقانون فإن هذا المبدأ غير مطلق؛ ذلك أن ثمة قرارات لها طبيعة خاصة وظروف غير عادية, ومن ضمنها القرارات الوزارية الصادرة في شأن أجور الري؛ لأن هذه القرارات تخضع للعوامل الاقتصادية؛ ومن ثم فإن مثل هذه القرارات تكون واجبة النفاذ من تاريخ صدورها؛ لأن العوامل الاقتصادية التي أوحت بإصدارها غير مستقرة, وبالتالي فإن القرارات المذكورة تخضع للظروف الزمنية والمكانية التي تصدر في ظلها؛ وعلى ذلك لا يجدي القول بوجوب اتحاد تاريخ نفاذ المرسوم بقانون والقرار الوزاري الذي يصدر بتنفيذه. وعلى هذا تكون الدعوى لا أساس لها ولا سند من القانون, ويتعين القضاء برفضها, مع إلزام المدعي بمصروفاتها.
ومن حيث إنه في 22 من أكتوبر سنة 1955 أودع كامل عبد المسيح ومن معه سكرتيرية المحكمة صحيفة تدخلهم خصوماً ثلثاً في الدعوى منضمين إلى المدعي في طلباته, وقالوا فيها إنهم يمثلون أغلبية المزارعين بزمام كوم أمبو الذين يعتمدون في ري أراضيهم على محطة طلمبات شركة وادي كوم أمبو, وأن القرار الوزاري رقم 8757 الصادر من وزير الأشغال العمومية في 11 من يوليه سنة 1955 في شأن أجور الري من محطة كوم أمبو - إذ نص في مادته الثانية على أن يعمل به من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية - يكون قد جاء مخالفاً للقانون؛ ذلك أن المرسوم بقانون رقم 20 لسنة 1953 قد حدد مبدأ تعيين الأجر باليوم الثامن من شهر يناير سنة 1953 كصريح نصه, ولم يمنح وزير الأشغال سوى سلطة تقدير الفئات, أي لم يخوله سلطة تحديد ميعاد محاسبة المستغلين للمزارعين بموجب هذه الفئات؛ ومن ثم فلا يملك الوزير أن يحدد يوم 11 من يوليه سنة 1955 تاريخاً لتنفيذ قراره. وقد توقع المشرع أن يتأخر صدور القرار الوزاري بتعيين الفئات, وأن يكون المزارعون قد دفعوا في فترة التأخير أجراً يزيد على ما نص عليه القرار, فقضى في المادة الثانية منه صراحة بوجوب رد ما حصل زائداً على الأجر المستحق أداؤه وفقاً للفئات التي سيقررها وزير الأشغال. على أنه ما كان يجوز للوزير تعطيل تنفيذ القانون زهاء سنتين ونصف بالعبارة التي أوردها في المادة الثانية من القرار الوزاري, والتي تتعارض كلية مع صريح نص المادة الثامنة من القانون. وخلص الخصوم الثلث المتدخلون من هذا إلى أنه لما كان تنفيذ المرسوم بقانون رقم 20 لسنة 1953 تنفيذاً صحيحاً لا يستقيم إلا بإلغاء المادة الثانية من القرار الوزاري سالف الذكر فإنهم يطلبون "الحكم بقبول الطالبين خصوماً ثلثاً منضمين للأستاذ المدعي في القضية رقم 3646 لسنة 9 القضائية, وفي الموضوع إلغاء المادة الثانية من القرار الوزاري رقم 8757 سنة 1955 الصادر من السيد وزير الأشغال في شأن أجور الري من محطة كوم أمبو والمنشور بالعدد رقم 54 من الوقائع في 11 من يوليه سنة 1955 إلغاء تاماً واعتبارها كأن لم تكن, مع إلزام وزارة الأشغال المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة". وبجلسة 11 من يونيه سنة 1957 تدخلت شركة وادي كوم أمبو في الدعوى وطلبت قبولها خصماً ثالثاً منضماً إلى الحكومة, كما تدخل محمد بركات طالباً قبوله خصماً ثالثاً في الدعوى منضماً إلى المدعي, وبهذه الجلسة "قررت المحكمة قبول شركة وادي كوم أمبو خصماً ثالثاً في الدعوى منضماً إلى الحكومة, وقبول السيد/ محمد بركات وكامل عبد المسيح وباقي طالبي التدخل المبينة أسماؤهم بعريضة التدخل خصوماً في الدعوى منضمين إلى المدعي".
ومن حيث إن هيئة مفوضي الدولة بعد أن قامت بتحضير الدعوى أودعت تقريراً بالرأي القانوني مسبباً انتهت فيه إلى "الحكم برفض الدعوى, مع إلزام المدعي بالمصروفات". وأسست رأيها في ذلك على أن القرار المطعون فيه صدر إعمالاً للقاعدة العامة الصحيحة حين جعل تاريخ نفاذه هو يوم صدوره ونشره, ولم يتضمن الأثر الرجعي الذي لا يكون إلا بنص خاص في قانون طبقاً للأصول الدستورية والتشريعية حصانة للمراكز القانونية الثابتة, بل لو تضمن هذه الرجعية لكانت هي المخالفة للقانون. ولما كان المرسوم بقانون رقم 20 لسنة 1953 لم يحدد الأعباء المالية؛ بل ترك أمر تحديد الأجور لوزير الأشغال يترخص في إصدارها وتنظيمها وتحديد فئاتها حسبما يتراءى له أنه يحقق المصلحة العامة ويوائم الظروف الاقتصادية في كل زمان ومكان, فإن قرار الوزير يكون هو المنشئ لهذه الأعباء وليس مقرراً لها؛ وإذ فوض المرسوم بقانون المشار إليه الوزير في إصدار مثل هذه القرارات المنشئة؛ فإنها لا تكون نافذة إلا من تاريخ إصدار الوزير لها ونشرها. هذا إلى أن طلبات المدعي تؤدي فوق ما تقدم إلى نتيجة شاذة؛ ذلك أنه إذا كانت هذه القرارات تصدر مرتدة إلى التاريخ الذي صدر فيه القانون, فمعنى هذا أنه كلما صدر قرار الوزير بتعديل الفئات زيادة أو نقصاً كان أثر ذلك أن ترجع إلى تاريخ صدور القانون, ووجب استرداد الفروق من أي من الطرفين بحسب الحالة, مع أن الدفع السابق كان صحيحاً إعمالاً للقرار الذي تم في ظله, وهو أمر يؤدي إلى اضطراب كبير ويؤثر حتماً في المراكز القانونية التي اكتسبت صحيحة في حينها, بما يتعين معه أن يكون قرار وزير الأشغال مطابقاً للقانون حين جعل تاريخ نفاذه من يوم صدوره ونشره, وينبني عليه أن تكون الدعوى الحالية غير قائمة على أساس سليم من الواقع أو القانون حقيقة بالرفض.
ومن حيث إن المدعي والخصوم الثلث المنضمين إليه أودعوا مذكرات رددوا فيها دفاعهم السابق, وزادوا عليه أن قسم الرأي وهيئة المفوضين قد جانبا الصواب إذ اعتبرا أن المطلوب هو تقرير أثر رجعي للقرار في حين أن المطلوب هو الصحة الدستورية لهذا القرار باعتباره يستمد وجوده من أصل ثابت هو القانون, وهذا القانون قد استكمل قوته التنفيذية من يوم صدوره ونشره, وخول وزير الأشغال سلطة تحديد الفئات, لكنه لم يخوله سلطة تحديد زمن التنفيذ, وقد فرض جزاءات في حالتي الاتفاق على أكثر من السعر ودفع المنتفع أكثر من السعر, ولا يمكن نفاذ العقوبتين اللتين قررهما في هاتين الحالتين إلا من تاريخ نشر القانون. أما القرار الوزاري فهو قرار تنفيذي؛ وبهذه المثابة فإنه لا يكون منشئاً للحق ولكنه مقرر له. والقانون هو المنشئ للحق. وقد تعلق للمنتفعين حق مكتسب من تاريخ صدور القانون, وهم لا يمكن أن يضاروا بتراخي المشرع أكثر من سنتين. وليس من سلطة الوزير أن ينشئ حقاً, وإنما عليه فقط تنفيذ القانون؛ ومن ثم فإن القرار الوزاري قد نشأ بحكم القانون وبأمر المشرع, فوجوده قائم منذ قيام القانون, وما كان له أن يوجد إلا بالقانون, والقول بأن القرار الوزاري مستقل عن القانون فيه هدم للمبادئ التشريعية السليمة, بل فيه تسليم للوزير بأن يعطل القانون بعدم إصدار قراره عدة سنوات, أو بعدم إصداره إطلاقاً. وقد ترتب على المادة الثانية من القرار الوزاري المطعون فيه تعطيل تنفيذ القانون في المدة من 8 من يناير سنة 1953 حتى 11 من يوليه سنة 1955, فجاء هذا النص مخالفاً للقانون متجاوزاً فيه مصدره سلطته الإدارية في وضع السعر إلى سلطة تشريعية هي تعيين تاريخ تنفيذ القانون. وغير صحيح أن المشرع خول الوزير سلطة إصدار قرارات منشئة, أو أن القرار الوزاري الصادر بتسعيرة المياه إذا ارتد إلى صدور القانون ترتب عليه اضطراب تتأثر به المراكز القانونية. وقد سبق لمحكمة النقض أن قضت في دعوى مماثلة خاصة بمصلحة الضرائب بإرجاع أثر قرار وزير المالية إلى تاريخ سريان القانون, مقررة أنه لا عبرة بما نص عليه فيه من جعل نفاذه من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية؛ لما في ذلك من مخالفة لنص القانون. وليس لوزير الأشغال سلطة التشريع فيما يتعلق بميعاد تنفيذ القانون. وكل مبلغ يدفعه المزارع لشركة وادي كوم أمبو كأجر للمياه بعد 8 من يناير سنة 1954 تاريخ صدور القانون هو تحت الحساب لحين صدور قرار وزير الأشغال بتحديد الأجر. ولما كان هذا القرار هو المنفذ للقانون فإن ينبغي سريانه من تاريخ سريان القانون. أما القول بأن القرار لا ينسحب أثره على الماضي إلا بنص وارد فيه فمحله أن يكون القرار منشئاً لحق, فإذا كان القرار كاشفاً لحكم قرره القانون ونص على موعد لنفاذه فإنه يكون في هذه الحالة جزءاً لا يتجزأ من القانون. وإذا نص القرار على أنه يسري من تاريخ صدوره فمعنى ذلك أنه من تاريخ صدوره يحدد الأجر فقط, أما تحديد بدء موعد سريان الأجر فهو موعد سريان القانون, وما يرد في القرار من نص على خلاف ذلك, أو تفسيره بخلاف ذلك يعتبر مخالفاً للقانون. وينص الدستور على أن اللائحة التي تصدر تنفيذاً للقانون ينبغي ألا تشمل تعديلاً أو تعطيلاً أو إعفاء من تنفيذ القانون. وانتهى المدعي من هذا إلى التصميم على طلباته الواردة بصحيفة دعواه, والخصوم الثلث المنضمون إليه إلى طلب "الحكم بعدم تأثير الفرقة الثانية من القرار الوزاري رقم 8757 لسنة 1955 الصادر من السيد وزير الأشغال على انسحاب أثر القرار المذكور على تقدير الأجرة ابتداء من 8 من يناير سنة 1953, وهو تاريخ نفاذ المرسوم بقانون رقم 20 لسنة 1953 في شأن أجور الري من الآلات الرافعة, وإلزام المدعى عليها المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة".
ومن حيث إنه بجلسة 10 من ديسمبر سنة 1957 قضت محكمة القضاء الإداري (الهيئة الأولى) "بإلغاء القرار الصادر من وزير الأشغال العمومية في 3 من يوليه سنة 1955 فيما تضمنه من النص على العمل به من تاريخ نشره بالجريدة الرسمية, وألزمت الحكومة بالمصروفات وبمبلغ خمسمائة قرش مقابل أتعاب المحاماة". وأقامت قضاءها على أن القانون رقم 20 لسنة 1953 نص على أن يعمل به من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية الذي تم في 8 من يناير سنة 1953؛ ومن ثم فقد أصبح نافذاً من ذلك التاريخ وتسري أحكامه على عقود التراضي بين مالكي الآلات والمنتفعين منها بحيث تحل محل هذه العقود ويعمل بالأجور التي يقررها وزير الأشغال بدلاً من تلك التي كانت تحتويها عقود التراضي التي أوقفت القانون أثرها من تاريخ العمل به. وقد فوض القانون وزير الأشغال في إصدار قرارات لتعيين أجور الري, ويبدأ نفاذ القرار الأول من تاريخ نفاذ القانون, فإذا تغيرت الظروف الاقتصادية بما يدعو إلى تعديل هذه الأجور فإن للوزير أن يصدر قرارات لاحقة يسري كل منها من تاريخ صدوره ليلائم الظروف التي قامت في كل منها. والقول بأن تنفيذ القرار المطعون فيه من تاريخ صدور القانون رقم 20 لسنة 1953 يعتبر إعمالاً له بأثر رجعي غير صحيح؛ إذ أن القرارات المنفذة للقانون تعتبر قرارات مقررة وكاشفة يرتد أثرها إلى تاريخ العمل به خلافاً للوائح التفويضية؛ ومن ثم يكون النص على سريان القرار المطعون فيه من تاريخ نشره غير صحيح؛ إذ أنه نافذ بحكم القانون من تاريخ نشر القانون.
ومن حيث إن السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة طعن في هذا الحكم بعريضة أودعها سكرتيرية هذه المحكمة في 6 من فبراير سنة 1958 طلب فيها "الحكم بقبول هذا الطعن شكلاً, وفي الموضوع إلغاء حكم محكمة القضاء الإداري المطعون فيه, ورفض الدعوى وإلزام المدعين بالمصروفات". واستند في أسباب طعنه إلى أنه يظهر من نص المادة الأولى من المرسوم بقانون رقم 20 لسنة 1953 أن المشرع قد فوض وزير الأشغال في إصدار قرارات لتعيين الأجر الذي يؤديه المزارعون إلى مستغلي آلات الري مقابل ري أراضيهم, ومن مقتضى ذلك أن يقوم الوزير ببحث حالات هذه الأجور في سائر القطر في ضوء الظروف الاقتصادية القائمة عند إجرائه؛ ومن ثم فإن حكمة التفويض من جهة باعتبار أن القرارات الوزارية يسهل تعديلها لتوائم الظروف, ومراعاة الأحوال الاقتصادية التي كانت قائمة عند البحث من جهة أخرى؛ مما يقتضي أن يكون العمل بالقرار الوزاري من تاريخ صدوره. وقد أشار الحكم المطعون فيه إلى أن للوزير أن يصدر قرارات لاحقة يعدل بها القرارات الأولى إذا تغيرت الظروف الاقتصادية بما يقتضي تعديل الأجور, وبذا سلم بأن هذه القرارات تستوحي الظروف الاقتصادية القائمة؛ ولهذا فإنه لم يصادف الصواب, إذ قضى بارتداد أثر القرار الصادر في النصف الثاني من عام 1955, وقد أجريت تحرياته وأبحاثه في ضوء ظروف اقتصادية معينة كانت قائمة في ذلك الحين, إلى مستهل عام 1953, هذا إلى أن القرار الإداري لا ينفذ إلا من تاريخ صدوره؛ إذ لا يجوز أن يخل بالحقوق التي اكتسبت في ظل أحكام سابقة, وإلا كان ذلك إعمالاً للقرار بأثر رجعي, وهو لا يكون إلا بنص خاص في قانون طبقاً لحكم الدستور. وقد صدر القرار المطعون فيه إعمالاً للقاعدة الدستورية السليمة حين جعل تاريخ نفاذه هو يوم نشره بالجريدة الرسمية. وإذ ذهب الحكم المطعون فيه غير هذا المذهب فإنه يكون قد وقع مخالفاً للقانون, ويكون قد قامت به الحالة الأولى من أحوال الطعن في الأحكام أمام الإدارية العليا المنصوص عليها في المادة 15 من قانون مجلس الدولة.
ومن حيث إن المدعي عقب على هذا الطعن بمذكرة أسهب فيها في تفصيل دفاعه السابق, وأضاف إليه أن القول بتأخير نفاذ التسعير الجبري للري عن تاريخ نشر المرسوم بقانون رقم 20 لسنة 1953 الذي قرر إلزام الأفراد بتسعير جبري لا يترخصون في تجاوزه, معناه تأخير نفاذ القانون كله وصيرورة النص الوارد في ختامه على العمل به من تاريخ نشره بالجريدة الرسمية عبثاً ولغواً, مع تعطيل ذلك الإصلاح الاجتماعي الزراعي من سنة 1953 إلى سنة 1955, مع أن إعمال أثر القانون الصادر بهذا الإصلاح من تاريخ نشره بالجريدة الرسمية إنما قصد به استكمال مقومات الإصلاح الزراعي وإحكام حلقات قانونه الأساسي رقم 178 لسنة 1952. وقصد الشارع من قانوني الإصلاح الزراعي وتحديد أسعار الري يقطع بأن المشرع إنما أراد أن يلتزم الناس بكل من القانونين المذكورين من تاريخ نشرهما بالجريدة الرسمية, وألا يعطل تنفيذ أي منهما وإن تراخي صدور القرار التنفيذي اللازم لتحديد فئات الأسعار, وذلك لا كأثر رجعي للقرار الوزاري, بل كإنفاذ للقانون ذاته. وقد تضمن المرسوم بقانون رقم 20 لسنة 1953 حظراً على الأفراد بأن يتعاقدوا على ما يجاوز التسعير الذي يحدده القرار الوزاري, وحظراً للامتناع عن الري, وكلاهما أمر نافذ من تاريخ العمل بالمرسوم بقانون نفاذاً يتعلق بالنظام العام؛ ذلك أن القرار الوزاري بتحديد فئات الأسعار إنما يرتبط مباشرة بمنبعه التشريعي وهو المرسوم بقانون, ويجب بالتالي أن يعمل به من تاريخ هذا التشريع الأصلي؛ إذ أنه ليس فقط جزءاً من صميم موضوع القانون, بل هو صلب القانون, وإعماله هو إعمال للقانون لا لإجراءات تنفيذه؛ ومن ثم يجب أن يلحق بتاريخ العمل بالقانون ذاته وهو 8 من يناير سنة 1953. ولما كان القانون قد ألزم وزير الأشغال بتحديد قيمة الأجر فقط, فإنه يكون قد سلبه كل حق في وضع أحكام جديدة, ولم يخول القرار الوزاري أية قوة تشريعية غير تحديد السعر, وبذلك يكون قد سلبه أيضاً حق تحديد تاريخ النفاذ. ويتضح من هذا أن ثمت تلازماً زمنياً بين نفاذ القانون رقم 20 لسنة 1953 ونفاذ القرار رقم 8757 لسنة 1955, وهذا التلازم كفيل بألا يترك فراغاً تشريعياً وبتحقيق أهداف قانون الإصلاح الزراعي وباعتبار أحكام القانون المشار إليه من النظام العام وباحترام سيادة القانون وحماية المنتفعين من المستغلين وبث الثقة في النفوس. وخلص المدعي من هذا إلى طلب "رفض الطعن". وقد عقب الخصوم الثلث بدورهم على الطعن بمذكرة رددوا في مضمونها ما سبق أن أبدوه وأبداه المدعي من دفاع, ونعوا فيها على عريضة هذا الطعن ما وصفوه بأنه وقائع خاطئة, ثم تصدوا للرد على أسباب الطعن بأنه إذا صح أن المشرع فوض وزير الأشغال في إصدار قرارات لتعيين الأجر, وأن هذا يقتضي بحث حالات الأجور في سائر القطر في ضوء الظروف الاقتصادية القائمة وقت إجرائه, وأن حكمة التفويض ومراعاة الظروف الاقتصادية القائمة وقت تعديل القرارات تقتضي أن يكون العمل بالقرار الوزاري من تاريخ صدوره, إذا صح هذا بالنسبة إلى القرارات التالية للقرار الأول, فإنه غير صحيح بالنسبة إلى القرار الأول الذي يجب أن ينفذ من تاريخ صدور القانون ليسد الحاجة التي أوجبت صدوره. وقد جرى فعلاً بحث الظروف الاقتصادية قبل صدور القانون سنة 1953, ولم تحصل أبحاث بعد ذلك في سنة 1954 أو سنة 1955. ومن يوم صدور القانون رقم 20 لسنة 1953 نشأت للمنتفعين مراكز قانونية واجبة الاحترام بدليل ما نص عليه القانون من الحكم برد ما حصل زائداً على الأجر المستحق أداؤه, ومعنى لفظ حصل بصيغة الماضي أن يكون في الفترة ما بين 8 من يناير سنة 1953 وتاريخ صدور القرار الوزاري, أي أن المشرع قرر بالنص الصريح نفاذ التسعيرة من تاريخ صدور القانون, يؤيد هذا أيضاً النص على بطلان كل اتفاق مخالف ابتداء من 8 من يناير سنة 1953, فكل مبلغ يدفع إذا من هذا التاريخ هو تحت الحساب. وقد كان المشرع على حق عندما أصدر - عقب قانون الإصلاح الزراعي - القانون رقم 20 لسنة 1953, حتى يتعاصر تحديد فئات أجور الري مع تحديد فئة الإيجار. وعلى هذا فإن تلازم القرار الوزاري مع القانون رقم 20 لسنة 1953 ومع قانون الإصلاح الزراعي يوجب أن يكون القرار المشار إليه نافذاً من 8 يناير سنة 1953, وفي النص فيه على غير ذلك مخالفة قانونية. وانتهى الخصوم الثلث المنضمون إلى المدعي من هذا إلى التصميم على طلباتهم.
ومن حيث إن شركة وادي كوم أمبو قدمت مذكرة بأقوالها حاصلها أن الخلاف القانوني في هذه الدعوى لا يعدو الحكم القانوني السليم لمعرفة النطاق الزمني لسريان القرار الوزاري المطعون فيه, وهل يطبق هذا القرار بأثر مباشر من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية في 3 من يوليه سنة 1955 كما تقضي بذلك الأصول القانونية المقررة وتمليه نصوص القرار ذاتها, أم أنه يتعين وجوباً عطف هذه الآثار إلى الماضي، وبعبارة أخرى هل الأصل في القرارات الإدارية التنظيمية أن ترجع إلى الماضي ولو نصت على غير ذلك, أم الأصل الواجب فيها أن تطبق من تاريخ العمل بها, وأن ما ذهب إليه الحكم المطعون فيه من قوله إن القانون رقم 20 لسنة 1953 قد حل محل اتفاقات الري بين مالكي آلات الري والمنتفعين بها وأوقف العمل بهذه الاتفاقات هو قول بعيد عن الصحة؛ ذلك أن أثر القانون المشار إليه في شأن هذه الاتفاقات إنما اقتصر على تخويل الوزير سلطة تحديد فئات أجور الري تحديداً لا يملك المتعاقدون مخالفته متى تقرر, أما ما عدا ذلك من شروط, سواء ما تعلق منها بالضمانات التي يقدمها المنتفعون أو بعدد الريات التي يلتزم بها أصحاب الآلات أو بالمدة السارية لأمثال هذه الاتفاقات أو بشروط نسخها أو إلغائها, فتظل نافذة وسارية. كما أن التفرقة التي أقامها الحكم بين القرار التنظيمي الأول لأجور الري وبين ما يتبعه من قرارات وما رتبه على ذلك من سريان الأول على الماضي دون القرارات التالية, هي تفرقة لا سند لها من نصوص القانون رقم 20 لسنة 1953 ولا من المبادئ القانونية العامة. كذلك ذهب الحكم المطعون فيه إلى أن اللوائح التنفيذية تعتبر لوائح كاشفة فتسري بطبيعتها على الماضي, وهذا القول فيه من العموم والإطلاق ما يصدم المسلمات الفقهية والقضائية في هذا الخصوص؛ إذ من المسلم أن القرارات الإدارية, سواء كانت تنظيمية عامة أو فردية, لا يجوز تضمينها أثراً رجعياً حتى لا تمس الحقوق المكتسبة, وقاعدة عدم الرجعية هذه هي قاعدة آمرة. ولا يشفع في الخروج على هذا الأصل أن تكون جهة الإدارة قد تباطأت في إصدار قرار من القرارات التنفيذية لقانون؛ إذ لا ترتد القرارات لمثل هذا السبب إلى ما يسبق تاريخ صدورها. وقد استطلعت وزارة الأشغال عندما أزمعت إصدار القرار المطعون فيه رأى قسم الرأي بمجلس الدولة, فلما أفتاها بعدم جواز إرجاع أثر القرار إلى الماضي عملت بهذا الرأي. وطلبت شركة وادي كوم أمبو في ختام مذكرتها "القضاء بإلغاء الحكم المطعون فيه, وبرفض دعوى المدعين, مع إلزامهم بكافة مصاريف الدعوى ومقابل أتعاب المحاماة".
ومن حيث إنه يؤخذ مما سلف إيراده أن مثار المنازعة ينحصر فيما إذا كان القرار الوزاري المطعون فيه رقم 8757 لسنة 1955 في شأن أجور الري من محطة طلمبات شركة كوم أمبو الصادر من وزير الأشغال العمومية في 3 من يوليه سنة 1955 يعمل به من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية كما نص على ذلك في المادة الثانية منه, أم يرتد أثره إلى تاريخ نفاذ المرسوم بقانون رقم 20 لسنة 1953 في شأن أجور الري من الآلات الرافعة التي يديرها الأهالي والمقامة على النيل والترع العامة والمساقي؟
ومن حيث إنه في 8 من يناير سنة 1953 صدر المرسوم بقانون رقم 20 لسنة 1953 في شأن أجور الري من الآلات الرافعة التي يديرها الأهالي والمقامة على النيل والترع العامة والمساقين، ونص في المادة الأولى منه على أن "يعين الأجر الذي يؤديه الزارعون المتراضون على الري من الآلات الرافعة المقامة على النيل والترع العامة والمساقي إلى مستغلي هذه الآلات مقابل ري أراضيهم بحسب الفئات التي يعينها وزير الأشغال العمومية بقرارات يصدرها. ولا يجوز الاتفاق على أجر يزيد على الأجور التي تعينها هذه القرارات", كما قضى في مادته الثانية ببطلان كل اتفاق يخالف الحكم الواردة في المادة السابقة, وبالحكم برد ما حصل زائداً على الأجر المستحق أداؤه وفقاً للفئات المنوه عنها في تلك المادة. وحظر في مادته الرابعة على مستغلي الآلات الرافعة الامتناع عن ري أراضي المتراضين على الري منها إلا لأسباب طارئة لا يمكن تجنبها. وفرض في مادته الخامسة عقوبة الغرامة التي تتعدد بتعدد الأشخاص الذين وقعت في شأنهم الجريمة على كل مخالفة لأحكام هذا القانون. ونص في مادته الثامنة على أنه "على وزيري الأشغال العمومية والعدل كل فيما يخصه تنفيذ هذا القانون, ولوزير الأشغال العمومية إصدار ما يقتضيه تنفيذه من قرارات ويعمل به من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية".. وقد جاء في المذكرة الإيضاحية لهذا المرسوم بقانون "جرت وزارة الأشغال حتى الآن على إصدار قرارات وزارية في شأن تحديد أجور الري من الآلات الرافعة التي يديرها الأهالي والمقامة على جسور النيل أو الترع أو المساقي, وذلك استناداً إلى المادة الثانية من الأمر العالي الصادر في 8 من مارس سنة 1881. وجرى العمل على أن ينص في الرخص التي تمنح لمستغلي هذه الآلات على تعهدهم بقبول ري أراضي المتراضين معهم في الري بالفئات التي تحددها تلك القرارات الوزارية التي آخرها القرار الصادر في 24 من يونيه سنة 1944. وقد تقدم بعض الزارعين المنتفعين بالري من هذه الآلات بالشكوى من أن أصحابها يعمدون إلى زيادة أجور الري عن الأجور المحددة بالقرار المذكور, فرأت الوزارة إعادة النظر في فئات هذه الأجور نظراً لتغير الظروف الآن عن تاريخ صدور هذا القرار. وقد أوصت اللجنة التي ألفت (من المختصين) لهذا الغرض بزيادة الأجور بمعدل 40% عما ينص عليه ذلك القرار. وقد رأت الجمعية العمومية لقسمي الرأي والتشريع بجلستها المنعقدة في 18 من يونيه سنة 1951 أن المادة الثانية من الأمر العالي المشار إليه لا تفوض وزير الأشغال في إصدار قرارات بتحديد هذه الأجور, وأنه يلزم لكي يتدخل المشرع في المعاملات المدنية بين الأفراد وفرض حد أقصى للأجور, أن يكون ذلك بقانون؛ لذلك رأت الوزارة إعداد مشروع القانون المرافق لينظم هذه الحالة وليحمي الزارعين المتراضين على الري من هذه الآلات من تحكم أصحابها وفرضهم عليهم أجوراً باهظة يضطرون لقبولها نظراً لاضطرارهم للري منها, ولمجاراة الاتجاه الحديث في الحد من موجة الغلاء وذلك بتخفيض مصاريف الإنتاج الزراعي. وقد نص في المادة الأولى منه على أن يكون تعيين هذه الأجور بحسب الفئات المبينة في القرارات التي يصدرها وزير الأشغال العمومية ؛ وبذلك يتيسر إصدار قرارات وزارية بتعديل الأجور بالزيادة أو النقص وفقاً لمقتضيات الحالة الاقتصادية؛ وذلك لكيلا يحتاج الأمر إلى تعديل القانون في هذه الأحوال إذا كانت الأجور محددة فيه".
ومن حيث إنه تنفيذاً للمرسوم بقانون رقم 20 لسنة 1953 آنف الذكر أصدر وزير الأشغال العمومية القرار الوزاري رقم 8631 لسنة 1953 في أول سبتمبر سنة 1953 من مادتين, تناول في الأولى منهما تعيين الأجور التي يؤديها الزارعون المتراضون على الري من الآلات الرافعة المقامة على النيل والترع العامة والمساقي إلى مستغلي هذه الآلات مقابل ري أراضيهم, ونص في الثانية على العمل بهذا القرار من تاريخ نشره بالجريدة الرسمية. بيد أنه لما كانت فئات أجور الري التي تضمنها هذا القرار لا تصدق على الطلمبات ذات المواسير المتسعة الأقطار كما هو الحال في الآلات التي تستعملها شركة وادي كوم أمبو؛ إذ اقتصر جدول الفئات الملحق به على الطلمبات التي أقطارها أكثر من 16/ 18 لغاية 24 بوصة, بينما تزيد أقطار مواسير طلمبات الشركة على ذلك, فقد اقتضى الأمر أن تقوم الوزارة بدراسة خاصة لتقدير أجور عادلة تحصل عن الري من هذه الآلات على أساس التكاليف الفعلية لرفع المياه بعد الموازنة بين مصلحة كل من المستغلين والمنتفعين. واستقر الرأي, بعد هذه الدراسة التي تعاقبت عليها لجان شكلت لهذا الغرض من الفنيين المختصين بالوزارة وفي ضوء الملاحظات والاعتراضات التي تقدمت بها الشركة, على أن يكون أجر الرية الواحدة للفدان لزراعة القصب وللشراقي هو مبلغ 540 مليماً, وللزراعات الأخرى 270 مليماً. وقبيل إصدار القرار الوزاري بهذه الفئات تقدم المدعي إلى الوزارة بشكوى مؤرخة 11 من يونيه سنة 1955 يطلب فيها أن ينص في القرار على أن يكون نفاذه من تاريخ بدء نفاذ المرسوم بقانون رقم 20 لسنة 1953, استناداً إلى أن القرار المذكور مقرر لا منشئ, وإلى أن هذا لا يعتبر أثراً رجعياً له, بل تحقيقاً للمساواة بين من يشرع لهم بتوحيد تاريخ نفاذ المرسوم بقانون بالنسبة إلى الجميع. وعلى إثر هذه الشكوى استطلعت الوزارة رأي إدارة الفتوى والتشريع المختصة بمجلس الدولة في تعديل مشروع القرار الذي كانت قد أعدته وذلك على أساس استناد أثره إلى تاريخ العمل بالمرسوم بقانون رقم 20 لسنة 1953, فأجابتها الإدارة بأنها ترى إبقاء المادة الثانية من المشروع بالصيغة التي أقرتها اللجنة الثالثة؛ ومن ثم صدر القرار الوزاري رقم 8757 لسنة 1955 في 3 من يوليه سنة 1955 ناصاً في مادته الثانية على أن يعمل به من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية.
ومن حيث إنه يخلص مما تقدم أن تحديد أجور الري من الآلات الرافعة التي يديرها الأهالي والمقامة على جسور النيل أو الترع العامة أو المساقي كان يتم قبل صدور المرسوم بقانون رقم 20 لسنة 1953 بقرارات وزارية جرت وزارة الأشغال العمومية على إصدارها استناداً على المادة الثانية من الأمر العالي الصادر في 8 من مارس سنة 1881 في شأن الآلات الرافعة - ولو أن هذه المادة لم تكن تفوض وزير الأشغال في ذلك - مع النص في الرخص التي تمنح لمستغلي هذه الآلات على تعهدهم بقبول ري أراضي المتراضين معهم في الري بالفئات التي تحددها تلك القرارات التي كان آخرها القرار رقم 8264 الصادر في 24 من يونيه سنة 1944, وأنه على إثر الشكوى التي تقدم بها بعض الزراعيين المنتفعين بالري من هذه الآلات من أصحابها يعمدون إلى زيادة أجور الري عن تلك المحددة بالقرار المذكور, رأت الوزارة إعادة النظر في فئات هذه الأجور نظراً إلى تغير الظروف, وأعدت مشروع قرار وزاري بتعديل تلك الفئات وفقاً لما أشارت به اللجنة الفنية التي شكلتها لهذا الغرض, إلا أن الجمعية العمومية لقسمي الرأي والتشريع بمجلس الدولة رأت أن المادة الثانية من الأمر العالي المشار إليه لا تفوض وزير الأشغال في إصدار قرارات بتحديد هذه الأجور، وأنه يلزم - لكي يتدخل المشرع في المعاملات المدنية بين الأفراد, ولفرض حد أقصى للأجور - أن يكون ذلك بقانون. وقد أبدت الجمعية العمومية هذا الرأي بجلستها المنعقدة في 18 من يونيه سنة 1951, أي قبل صدور المرسوم بقانون رقم 178 لسنة 1952 الخاص بالإصلاح الزراعي, مما يدل على سبق التفكير في المرسوم بقانون رقم 20 لسنة 1953 على قانون الإصلاح الزراعي؛ وإن صدر في تاريخ لاحق على هذا الأخير. وقد كشف المشرع في المذكرة الإيضاحية للمرسوم بقانون رقم 20 لسنة 1953 عن علة إصداره؛ إذ ذكر أنه استهدف به حماية الزارعين من تحكم أصحاب الآلات الرافعة من جهة, ومجاراة الاتجاه الحديث في الحد من موجة الغلاء بتخفيض نفقات الإنتاج الزراعي من جهة أخرى؛ ومن ثم تلاقي هذا التشريع في أهدافه مع تشريع الإصلاح الزراعي وصدر متمشياً معه في سياسته, ولو أن التفكير فيه بدأ استقلالاً من قبل. وقد نقل تقدير أجور الري من الآلات الرافعة المقامة على النيل والترع العامة والمساقي من مجال الاتفاق التعاقدي إلى المجال الجبري بتحديد أسعار قانونية خول وزير الأشغال العمومية سلطة تقديرها, وفوضه في ذلك تفويضاً شاملاً جعل أداته قرارات يصدرها الوزير بتعيين فئات هذه الأجور التي لا يجوز الاتفاق على ما يزيد عليها. ولما كانت الحكمة في هذا هي تيسير إصدار قرارات وزارية بتعديل الأجور بالزيادة أو النقصان وفقاً لمقتضيات الحالة الاقتصادية كلما تطلب الأمر ذلك, فإن للوزير إصدار هذه القرارات كلما تغيرت الظروف الزمنية والعوامل الاقتصادية بما يقتضي هذا التعديل, وبذلك تتحقق المرونة اللازمة لعدالة تحديد الأجور بما يتفق وتلك الظروف دون حاجة إلى تعديل القانون ذاته من وقت لآخر فيما لو كانت هذه الأجور محددة فيه. وإذا كانت سلطة الوزير في هذا هي بطبيعتها سلطة تقديرية, فإن هذا يستتبع بحكم اللزوم أن تكون له ذات السلطة في تعيين التاريخ الذي يسري منه العمل بالأجور التي يحددها في كل فاصل زمني بما يتلاءم مع حقيقة الأوضاع القائمة فيه لخضوع هذه الأجور لعوامل غير مستقرة دائبة التطور. ويصدق هذا الحكم على القرار الأول وعلى القرارات اللاحقة له على حد سواء لاتحاد العلة فيها جميعاً؛ إذ يملك الوزير, وإن تراخى به الوقت لأسباب فنية في إصدار قراره الأول, وأن يسند أثر هذا القرار إلى تاريخ العمل بالمرسوم بقانون ما دام هذا المرسوم بقانون نافذاً من ذلك التاريخ, وما دام قرار الوزير لا يتعداه إلى تاريخ سابق عليه؛ ذلك أن الأصل هو سريان الأجور الجبرية من التاريخ المشار إليه, دون أن يكون في هذا ترتيب أثر رجعي للقرار. بيد أن تحديد هذه الأجور قد لا يستطاع إجراؤه فوراً لتطلبه دراسات وأبحاثاً تستغرق بعض الوقت, فإذا تم تقدير الأجور على أساس مختلف الظروف الراهنة وقت صدور القرار, فإن من سلطة الوزير, بحكم المرونة التي توخاها الشارع بتفويضه في إصدار القرارات المحددة لفئات الأجور, أن يجعل نفاذ قراره من تاريخ نشره بمراعاة تلك الظروف. وبهذه المثابة يكون إغفال النص على نفاذ القرار قبل ذلك إقراراً للعمل بفئات الأجور القديمة وإخضاعها للتقدير الذي كان سارياً في الفترة السابقة على تاريخ العمل بالقرار, ولا يكون ثمت تعطيل لنفاذ حكم المرسوم بقانون بل إعمال له بما يتلاءم مع طبيعة الأوضاع التي اقتضاها, والمرجع في هذا كله إلى قصد الوزير. والثابت أنه قام بتشكيل لجان فنية متعاقبة من المختصين في الوقت المناسب, وأن الفترة التي استغرقها الوصول إلى قرار في شأن تحديد أجور الري من محطة طلمبات شركة وادي كوم أمبو إنما قضيت في أبحاث ودراسات فنية توالت وأعيدت بسبب ما أثير من جانب ذوي الشأن من اعتراضات, وأن الأمر اقتضى تعديل فئات الأجور المقترحة إبان فترة البحث هذه, وأن الأجور التي استقر عليها الرأي إنما ربطت على أساس التكاليف الفعلية والعوامل الاقتصادية الجارية وقت هذا الربط, وأن وزير الأشغال العمومية انتهى إلى إصدار قراره في صيغته الأخيرة التي أقرتها اللجنة الثالثة بعد إذ تلقى اعتراضات الشركة وشكوى المدعي واستطلع رأي إدارة الفتوى والتشريع بمجلس الدولة؛ ومن ثم يكون قد أقر عن قصد وبينة الأجور التي كانت سارية في الفترة من 8 من يناير سنة 1953, تاريخ العمل بالمرسوم بقانون رقم 20 لسنة 1953, حتى 3 من يوليه سنة 1955, تاريخ العمل بالقرار الوزاري رقم 8757 لسنة 1955. ولم يشأ أن يعدل فئاتها إلا ابتداء من هذا التاريخ الأخير بمراعاة الظروف القائمة وقتذاك. ويبين من الأوراق المودعة في ملف الدعوى رقم 3971 لسنة 9 القضائية المضمومة, وهي المقامة من شركة وادي كوم أمبو ضد وزارة الأشغال وآخرين أمام محكمة القضاء الإداري, أن الأسس التي كانت موضع الاعتبار لدى إصدار القرار المطعون فيه هي: (1) نوع الزراعة وهل هي صيفية أم شتوية أم قصب أم شراق. و(2) قطر الطلمبة الرافعة للمياه. و(3) مدى الارتفاع في رفع المياه. و(4) نوع التربة التي تروى بالمياه من ناحية كونها طينية أو رملية أو نصف رملية. و(5) ثمن الوقود. كما أن الأسس التي بنى عليها تقدير فئات الأجور كانت: (1) حساب كمية المياه اللازمة لرية الفدان الواحد, وقد اقتضى هذا: ( أ ) حصر كمية المياه المرفوعة من الطلمبات في الأشهر من مارس إلى يوليه سنة 1954. و(ب) حصر زراعة القصب والزراعات الأخرى في سنة 1954. و(جـ) حساب المقنن المائي للفدان في اليوم عن المدة ذاتها. و(2) حساب الأجر اللازم للري تبعاً لتقدير مصلحة الميكانيكا والكهرباء الذي انتهى إليه بحث اللجنة الفنية المختصة بها في مايو سنة 1954, وذلك بمراعاة تقدير قيمة الوقود المستهلك على اختلاف أنواعه على أساس متوسط سعر الطن منه في تلك السنة, وبحساب تكاليف الإدارة على أساس متوسط صرف الثماني السنوات الأخيرة, خلافاً لتقدير الشركة الذي بني على أساس متوسط الخمس السنوات من سنة 1950 إلى سنة 1954, والذي أدى إلى تفاوت في نتيجته عن تقدير الوزارة. ومفاد هذا كله أن التقدير الذي انتهت إليه الوزارة بعد بحوثها الدقيقة المستفيضة إنما استند إلى العناصر الواقعية التي كانت قائمة بالفعل وقت إجرائه لا قبل ذلك, وهي عناصر متغيرة بطبيعتها ومتقلبة. وإذا كانت الوزارة قد عرضت على إدارة الفتوى والتشريع بمجلس الدولة تعديل مشروع القرار الذي كانت قد سبق أن أعدته تعديلاً يجعل أثر هذا القرار مرتداً إلى تاريخ العمل بالمرسوم بقانون رقم 20 لسنة 1953, فليس معنى هذا أنه كان يستوي لديها إقرار فئات الأجور التي تضمنها القرار المذكور من تاريخ العمل به أو من تاريخ العمل بالمرسوم بقانون المشار إليه, بل لظنها على إثر شكوى المدعي أن هذا هو الوضع القانوني الذي لا محيص لها عنه وإن لم يطابق رأيها.
ومن حيث إنه لما تقدم فإن ما نص عليه وزير الأشغال العمومية - عن قصد - في المادة الثانية من قراره المطعون فيه رقم 8757 الصادر في 3 من يوليه سنة 1955, من العمل بهذا القرار من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية, يكون صحيحاً مطابقاً للقانون؛ ومن ثم فإن طعن السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة يكون في محله. ويكون الحكم المطعون فيه الصادر من محكمة القضاء الإداري, إذ قضى بإلغاء القرار المذكور فيما تضمنه من النص على العمل به من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية, قد قام على غير أساس سليم من القانون, ويتعين القضاء بإلغائه, وبرفض الدعوى.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً, وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه, وبرفض الدعوى, وألزمت المدعين بالمصروفات.
الطعن 827 لسنة 3 ق جلسة 29 / 11 / 1958 إدارية عليا مكتب فني 4 ج 1 ق 22 ص 266
جلسة 29 من نوفمبر سنة 1958
برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة السيد إبراهيم الديواني وحسن أبو علم ومحيي الدين حسن وعبد المنعم سالم مشهور المستشارين.
---------------
(22)
القضية رقم 827 لسنة 3 القضائية
ميعاد الستين يوماً
- نص المادة 19 من القانون رقم 165 لسنة 1955 على اعتبار فوات ستين يوماً على تقديم التظلم دون أن تجيب عنه السلطات المختصة بمثابة رفضه - قيام هذا الرفض الحكمي على قرينة فوات هذا الفاصل الزمني دون أن تجيب الإدارة عن التظلم - عدم قيام هذه القرينة إذا لم تهمل الإدارة التظلم وإنما اتخذت مسلكاً إيجابياً في سبيل الاستجابة إليه - حساب ميعاد رفع الدعوى في هذه الحالة من التاريخ الذي تكشف فيه الإدارة عن نيتها في رفض التظلم بعد أن كانت المقدمات في مسلكها تنبئ بغير ذلك - مثال.
إجراءات الطعن
في 16 من يونيه سنة 1957 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة طعناً في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (الهيئة الثالثة "ب") بجلسة 18 من أبريل سنة 1957 في الدعوى رقم 881 لسنة 10 القضائية المرفوعة من عبد اللطيف عبد الحميد سلام ضد وزارة التربية والتعليم, القاضي "بعدم قبول الدعوى, وبإلزام المدعي المصروفات". وطلب رئيس هيئة المفوضين - للأسباب التي استند إليها في عريضة الطعن - الحكم بقبول الطعن شكلاً, وفي الموضوع إلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من عدم قبول الدعوى, والقضاء بإلغاء القرار الصادر من وزير التربية والتعليم في أكتوبر سنة 1950 فيما تضمنه من ترقيات بالاختيار, وإلزام الحكومة المصروفات. وقد أعلن الطعن للحكومة في 15 من أكتوبر سنة 1957, ولغلق موطن المدعي سلم المحضر في 18 من نوفمبر سنة 1957 الصورة لمأمور قسم شرقي بمحافظة الإسكندرية حيث يقع موطن المدعي في دائرته, ثم أخطر المحضر في 19 من نوفمبر سنة 1957 المدعي, وبعد أن انقضت المواعيد القانونية المقررة دون أن يقدم أي من الطرفين مذكرة بملاحظاته تحدد لنظر الطعن أمام هذه المحكمة جلسة أول نوفمبر سنة 1958, وفي 6 من يوليه سنة 1958 أبلغت الحكومة بميعاد هذه الجلسة, كما أخطر المدعي بهذا الموعد في 25 من أكتوبر سنة 1958, وفي تلك الجلسة سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة, ثم قررت إرجاء النطق بالحكم في الطعن إلى جلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة - حسبما يبين من الأوراق - تتحصل في أنه بصحيفة أودعت سكرتيرية محكمة القضاء الإداري في 29 من يناير سنة 1956 أقام المدعي الدعوى رقم 881 لسنة 10 القضائية ضد وزارة التربية والتعليم أمام محكمة القضاء الإداري طلب فيها الحكم بإلغاء القرار الصادر من وزير التربية والتعليم في أكتوبر سنة 1950 فيما تضمنه من تخطيه في الترقية إلى الدرجة الرابعة, واستحقاقه لهذه الدرجة اعتباراً من أول أكتوبر سنة 1950, مع ما يترتب على ذلك من آثار. وقال في بيان ذلك إنه متخرج في معهد التربية العالي (القسم الابتدائي) نظام الثلاث السنوات في سنة 1935, وعين مدرساً بوزارة المعارف في أكتوبر سنة 1936 في وظيفة مدرس بالتعليم الابتدائي, ونقل في سنة 1946 للتدريس بالمدارس الثانوية, واعتباراً من أول مايو سنة 1946 رقي إلى الدرجة الخامسة, وإلى الدرجة الرابعة في أول أكتوبر سنة 1951. وقد علم المدعي أن الوزارة أجرت حركة ترقيات في أكتوبر سنة 1950 رقت فيها إلى الدرجة الرابعة المدرسين بالمدارس الثانوية التي أمضوا سنة دراسية على الأقل في التدريس بهذه المدارس الذين استدعت دراستهم بعد البكالوريا أربع سنوات من خريجي سنة 1935, وقد ترتب على تطبيق الشرط الأخير من هذه القاعدة حرمان طائفة خريجي معهد التربية نظام الثلاث السنوات من الترقية إلى الدرجة الرابعة. ويقول إن القرار المذكور جاء مخالفاً لقواعد الإنصاف التي سوت بين حملة المؤهلات العالية جميعاً بأن اعتبرتهم في الدرجة السادسة بمرتب قدره 12 جنيهاً شهرياً من تاريخ التحاقهم بالخدمة بصرف النظر عن المدة التي يقضونها في الدراسة بعد البكالوريا. ويذكر المدعي أنه علم أن بعض زملائه الذين علموا بالقرار في حينه قد لجئوا إلى الطعن في القرار طالبين الحكم بإلغائه فيما تضمنه من تخطيهم في الترقية وقد قضت المحكمة لصالحهم. ويضيف المدعي أنه عقب صدور تلك الأحكام وإعلانها للوزارة رأت أن الحق في جانبهم وفي جانب زملائهم الذين تتشابه حالاتهم وحالة من صدرت الأحكام لصالحهم, وأرادت أن تصحح موقفها إزاءهم, فطلبت من ديوان الموظفين الموافقة على إرجاع أقدميتهم جميعاً في الدرجة الرابعة إلى أول أكتوبر سنة 1950 بدلاً من أول أكتوبر سنة 1951. ويقول المدعي إن هذا الطلب ما زال محل بحث الديوان, كما يقول إنه تقدم بتظلم إداري طلب فيه إلغاء القرار الوزاري الصادر في أكتوبر سنة 1950 فيما تضمنه من تخطيه في الترقية إلى الدرجة الرابعة واستحقاقه لها من هذا التاريخ بدلاً من أول أكتوبر سنة 1951, فردت عليه الوزارة بعدم قبول التظلم شكلاً لرفعه بعد الميعاد, وأنه أخطر بهذا الرد في 6 من ديسمبر سنة 1955. ويستطرد المدعي إلى أن ميعاد الطعن في القرار المشار إليه لا يزال بالنسبة إليه مفتوحاً لعدم علمه به علماً يقينياً مجرياً للميعاد في حقه, ولما ثبت من تبني الوزارة لبحث حالته وذلك من مداومة بحثها مع ديوان الموظفين. وقد ردت الوزارة على الدعوى بأن المدعي حصل على دبلوم معهد التربية الابتدائي سنة 1935, وعين بخدمة الوزارة من 15 من أكتوبر سنة 1936 بالدرجة السادسة، وضمت له مدة خدمة سابقة، وأرجعت أقدميته في الدرجة السادسة إلى 15 من أكتوبر سنة 1935, ورقي إلى الدرجة الخامسة من أول مايو سنة 1946, وإلى الدرجة الرابعة من أول أكتوبر سنة 1951, وقدم المدعي تظلماً ورد إلى الوزارة بكتاب مكتب التظلمات الإدارية رقم 1969 في 5 من سبتمبر سنة 1955. وتذكر الوزارة أنها حررت ردها على التظلم بكتابها المؤرخ 27 من سبتمبر سنة 1955 إلى مكتب التظلمات الإدارية. وقد أجريت حركة الترقيات إلى الدرجة الرابعة الفنية في ميزانية 1950/ 1951 بالنسبة لذوي المؤهلات العالية على الوجه الآتي: رقي إلى الدرجة الرابعة الفنية بالأقدمية المطلقة من أصحاب المؤهلات العالية المتخرجون المعينون لغاية سنة 1934 الذين ترجع أقدمياتهم في الدرجة الخامسة إلى 1/ 5/ 1946, والمدعي وإن كانت أقدميته في الدرجة الخامسة هي 1/ 5/ 1946 إلا أنه متخرج سنة 1935 ومعين سنة 1935 في الدرجة السادسة؛ ومن ثم لم تنطبق عليه قاعدة الترقية بالأقدمية المطلقة إلى الدرجة الرابعة من أول أكتوبر سنة 1950، كما كانت قاعدة الترقية إلى الدرجة الرابعة الفنية بالاختيار من أول أكتوبر سنة 1950 تتناول المدرسين بالمدارس الثانوية وما يعادلها الذين أمضوا سنة دراسية على الأقل في التدريس بهذه المدارس الذين استغرقت دراستهم بعد البكالوريا أربع سنوات من المتخرجين سنة 1935, وكذلك حملة دبلوم الفنون الجميلة دفعة سنة 1935 المدرسين بالمدارس الثانوية ممن ترجع أقدميتهم في الدرجة الخامسة إلى أول مايو سنة 1946, ولم تنطبق على المدعي قاعدة الترقية بالاختيار؛ إذ أن دراسته بعد البكالوريا استدعت ثلاث سنوات فقط, وقد رقي إلى الدرجة الرابعة من أول أكتوبر سنة 1951. وتضيف الوزارة أنه نظراً إلى أنه لم يرق أحد بالاختيار من المدرسين خريجي معهد التربية الابتدائي دفعة سنة 1935 الذين ترجع أقدميتهم في الدرجة الخامسة إلى أول مايو سنة 1946, ويبلغ عددهم حوالي 45 مدرساً إلى الدرجة الرابعة الفنية اعتباراً من أول أكتوبر سنة 1950 في ميزانية عام 1950/ 1951, فقد أقام لفيف منهم دعاوى في الميعاد القانوني أمام محكمة القضاء الإداري مطالبين بأحقيتهم في الترقية إلى الدرجة الرابعة من أول أكتوبر سنة 1950 أسوة بحملة دار العلوم والفنون الجميلة, وأصدرت المحكمة حكمها لبعض الحاصلين على دبلوم معهد التربية الابتدائي سنة 1935 بأحقيتهم في الترقية إلى الدرجة الرابعة الفنية اعتباراً من أول أكتوبر سنة 1950 بدلاً من أول أكتوبر سنة 1951. وتقول الوزارة إنها رأت - كما رأت محكمة القضاء الإداري - أن قاعدة الترقية بالاختيار سالفة الذكر جاءت مخالفة لقاعدة المساواة بين حملة المؤهلات حسبما قررتها قواعد الإنصاف, وهي صادرة من سلطة أعلى هي سلطة مجلس الوزراء؛ لذلك حررت كتاباً إلى ديوان الموظفين للموافقة على إرجاع أقدمية هؤلاء الموظفين في الدرجة الرابعة الفنية إلى أول أكتوبر سنة 1950 بدلاً من أول أكتوبر سنة 1951, وعرض الأمر على اللجنة المالية ومجلس الوزراء لإقراره. وتذكر الوزارة أنه لم يرد الرد على كتابها من ديوان الموظفين حتى يمكنها إبداء رأيها النهائي في وضع المدعي, بيد أن الوزارة انتهت إلى الدفع بعدم قبول الدعوى شكلاً لرفعها بعد الميعاد؛ على أساس أن المدعي قدم تظلمه إليها في 5 من سبتمبر سنة 1955, في حين أودعت صحيفتها في 29 من يناير سنة 1956. وبجلسة 18 من أبريل سنة 1957 حكمت المحكمة بعدم قبول الدعوى وإلزام المدعي بالمصروفات. وأقامت المحكمة قضاءها على أن علم المدعي قد ثبت يقيناً من تاريخ إرسال تظلمه إلى الوزارة في 5 من سبتمبر سنة 1955, مما يتعين معه أن تجرى مواعيد الطعن اعتباراً من هذا التاريخ؛ وعلى أساس أن ميعاد الطعن المقرر في المادة 19 من القانون رقم 165 لسنة 1955 ينتهي في موعد غايته 3 من يناير سنة 1956, وذلك تأسيساً على أن الميعاد قد انقطع بالتظلم الذي كان يجب أن يبت فيه قبل مضي ستين يوماً من تاريخ تقديمه, أي في 4 من نوفمبر سنة 1955, وقد فات هذا الميعاد دون أن تجيب السلطات المختصة عن التظلم, فكان يتعين رفع الدعوى خلال ستين يوماً من تاريخ انقضاء الستين يوماً المذكورة, أي في 3 من يناير سنة 1956. ولما كان المدعي قد رفع هذه الدعوى بإيداع صحيفتها سكرتيرية المحكمة في 29 من يناير سنة 1956, فتكون دعواه قد رفعت بعد انقضاء الميعاد المقرر لذلك, وانتهت المحكمة إلى الحكم بعدم قبول الدعوى شكلاً لرفعها بعد الميعاد.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن المدعي قد رفع دعواه في الميعاد القانوني, وعلى بطلان قرار الترقية لقيامه على قاعدة مخالفة للقانون مما يتعين معه إلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء بقبول الدعوى وبإلغاء القرار الصادر من وزير التربية والتعليم في أكتوبر سنة 1950 فيما تضمنه من ترقيات بالاختيار وإلزام الوزارة بالمصروفات, وإذ ذهب الحكم المطعون فيه مذهباً مخالفاً فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون وتفسيره.
ومن حيث إنه يبين من الأوراق أن وزارة التربية والتعليم أجرت في أكتوبر سنة 1950 حركة ترقيات إلى الدرجة الرابعة اتبعت فيها القاعدتين التاليتين: (الأولى) أن يرقى بالأقدمية المطلقة من أصحاب المؤهلات العالية المتخرجون المعينون لغاية سنة 1934 الذين ترجع أقدمياتهم في الدرجة الخامسة إلى أول مايو سنة 1946. (الثانية) أن يرقى إلى الدرجة الرابعة بالاختيار من أصحاب المؤهلات العالية المدرسون بالمدارس الثانوية وما يعادلها الذين أمضوا سنة دراسية على الأقل في التدريس بهذه المدارس الذين استدعت دراستهم بعد البكالوريا أربع سنوات من المتخرجين سنة 1935, وكذلك حملة دبلوم الفنون الجميلة سنة 1935 المدرسون بالمدارس الثانوية ممن ترجع أقدمياتهم في الدرجة الخامسة إلى أول مايو سنة 1946. ولم يرق من خريجي معهد التربية أحد في هذه الحركة؛ لأن دراستهم بعد البكالوريا استدعت ثلاث سنوات مع توافر باقي الشروط في حقهم. وفي أكتوبر سنة 1951 رقي جميع خريجي المعهد المذكور الذين سبق أن تخطوا في حركة أكتوبر سنة 1950 إلى الدرجة الرابعة, وكان بعد خريجي ذلك المعهد قد رفعوا دعاوى أمام محكمة القضاء الإداري ضد الوزارة بالطعن في قرار ترقيات أكتوبر سنة 1950, فيما تضمنه من تخطيهم في الترقية إلى الدرجة الرابعة استناداً إلى أن القاعدة التي جرت عليها الوزارة في الترقية بالاختيار وقعت مخالفة للقانون ومشوبة بعيب الانحراف وسوء استعمال السلطة, وطلبوا أحقيتهم في الترقية إلى الدرجة الرابعة من أول أكتوبر سنة 1950, فقضى في هذه الدعاوى لصالحهم, ثم طالب بعض من لم تصدر لهم أحكام بعد بتسوية حالتهم أسوة بحالة زملائهم الذين حكم لصالحهم وسويت حالتهم فعلاً, فأرسلت الوزارة كتاباً لرئيس ديوان الموظفين استهلته بالإشارة إلى قواعد الترقية التي وضعتها الوزارة للترقيات إلى الدرجة الرابعة في ميزانية عام 1950/ 1951, ثم قالت وبذلك لم يرق أحد بالاختيار من المدرسين خريجي معهد التربية الابتدائي سنة 1935 الذين ترجع أقدميتهم في الدرجة الخامسة إلى أول مايو سنة 1946 ويبلغ عددهم حوالي الـ 45 إلى الدرجة الرابعة الفنية اعتباراً من أول أكتوبر سنة 1950 في ميزانية عام 1950/ 1951, ثم ذكرت الوزارة أن هؤلاء الـ 45 رقوا جميعاً إلى الدرجة الرابعة اعتباراً من أول أكتوبر سنة 1951, وقالت "إن محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة أصدرت حكمها لبعض الحاصلين على دبلوم معهد التربية الابتدائي سنة 1935 بأحقيتهم في الترقية إلى الدرجة الرابعة الفنية اعتباراً من أول أكتوبر سنة 1950. ولما كانت الوزارة ترى - كما رأت محكمة القضاء الإداري في حيثيات حكمها - أن القاعدة الثانية سالفة الذكر جاءت مخالفة لقانون المساواة بين حملة المؤهلات حسبما قدرتها قواعد الإنصاف وهي صادرة من سلطة أعلى هي سلطة مجلس الوزراء؛ لذلك نرجو الموافقة على إرجاع أقدمية هؤلاء الموظفين في الدرجة الرابعة الفنية إلى أول أكتوبر سنة 1950, بدلاً من أول أكتوبر سنة 1951. وعرض الموضوع على اللجنة المالية ومجلس الوزراء لإقراره". كما أرسل السيد الوزير صورة أخرى من ذلك الكتاب إلى السيد رئيس مجلس الوزراء طالباً الموافقة على إرجاع أقدمية هؤلاء الموظفين إلى أول أكتوبر سنة 1950.
( أ ) عن قبول الدعوى أمام محكمة القضاء الإداري:
من حيث إنه ولئن كانت المادة 19 من القانون رقم 165 لسنة 1955 بشأن تنظيم مجلس الدولة نصت على أن يعتبر فوات ستين يوماً على تقديم التظلم دون أن تجيب عنه السلطات المختصة بمثابة رفضه ويكون ميعاد رفع الدعوى في الطعن في القرار الخاص بالتظلم ستين يوماً من تاريخ انقضاء الستين يوماً المذكورة, أي افترضت في الإدارة أنها رفضت التظلم ضمناً باستفادة هذا الرفض الحكمي من قرينة فوات هذا الفاصل الزمني دون أن تجيب الإدارة عن التظلم, إلا أنه يكفي في تحقق معنى الاستفادة المانعة من هذا الافتراض أن تتبين المحكمة أن السلطات الإدارية المختصة لم تمهل التظلم, وأنها إذ استشعرت حق المتظلم فيه قد اتخذت مسلكاً إيجابياً واضحاً في سبيل استجابته, وإنما كان فوات الستين يوماً راجعاً إلى بطء الإجراءات المعتادة بين الإداريات المختصة في هذا الشأن. والقول بغير ذلك مؤداه دفع المتظلم إلى مخاصمة الإدارة قضائياً في وقت تكون هي جادة في سبيل إنصافه المتظلم. وقد قصد الشارع من وجوب اتباع طريق التظلم الإداري مفاداة اللجوء إلى طريق التقاضي بقدر الإمكان, وذلك بحسم المنازعات إدارياً في مراحلها الأولى.
ومن حيث إن واقع الأمر في هذه المنازعة أن الجهة الإدارية, لما اطردت أحكام القضاء الإداري باستحقاق أمثال المدعي الترقية إلى الدرجة الرابعة في القرار الصادر في أكتوبر سنة 1950 الذي كان تركة فيها بدون حق تأسيساً على أن القاعدة التي قام عليها هذا القرار كانت مخالفة للقانون - لما اطردت أحكام القضاء الإداري بذلك, نزلت الإدارة على مقتضاها بالنسبة لمن لم يرفع دعاوى كالمدعي وأمثاله؛ نظراً إلى أن مراكز خريجي معهد التربية جميعاً واحدة, فتقدمت بمذكرتها سالفة الذكر إلى الجهات المختصة لتعميمه عليهم تحقيقاً للمساواة بينهم. وبناء على ذلك حررت لديوان الموظفين ولرياسة مجلس الوزراء طالبة إرجاع أقدمية المدعي وزملائه من خريجي معهد التربية الابتدائي سنة 1935 في الدرجة الرابعة إلى أول أكتوبر سنة 1950. وكل ذلك قاطع في الدلالة على أن جهة الإدارة إنما سلكت مسلكاً إيجابياً واضحاً نحو الاستجابة لتظلم المدعي, وأن فوات ميعاد الستين يوماً على تقديم تظلمه إنما كان بسبب ما ضاع من الوقت في الأخذ والرد بين الجهات المختصة. فإذا كانت وزارة التربية والتعليم بعد إذ استبطأت رد تلك الجهات أبلغت المدعي في 6 من ديسمبر سنة 1955 برفض تظلمه, فلا ينبغي حساب ميعاد الستين يوماً الواجب إقامة الدعوى فيها إلا من هذا التاريخ الأخير بعد أن تكشفت نية الإدارة نهائياً في عدم الاستجابة بعد أن كانت المقدمات في مسلكها تنبئ بغير ذلك؛ وعلى هذا الأساس, ولما كان المدعي قد أودع عريضة دعواه في 19 من يناير سنة 1956 فإن دعواه - والحالة هذه - تكون قد رفعت في الميعاد.
(ب) عن الموضوع [(1)]:
ومن حيث إنه ولئن كانت الترقية في نسبة الاختيار متروكاً أمرها لتقدير الإدارة بما لا معقب عليها ما دام قرارها قد خلا من إساءة استعمال السلطة, إلا أنها إذا وضعت لاختيارها ضوابط معينة وجب عليها مراعاتها في التطبيق الفردي, كما أنه يتعين عليها عند وضع هذه الضوابط أن تلتزم القوانين واللوائح نصاً وروحاً, وإلا كان قرارها مخالفاً للقانون.
ومن حيث إن القاعدة التي وضعتها وزارة التربية والتعليم في هذا الشأن للترقية في نسبة الاختيار تقوم أساساً على التفرقة بين حملة المؤهلات العالية؛ إذ جعلت الترقية مقصورة على من يكون من هؤلاء قد أمضى أربع سنوات في الدراسة بعد شهادة البكالوريا؛ وبذلك حرمت من الترقية من أمضى منهم أقل من هذه المدة, ومن هؤلاء خريجو معهد التربية الذي تخرج فيه المدعي , في حين أن قرارات الإنصاف - على ما يبين من الكشوف الملحقة بكتاب دوري المالية رقم 234 - 1/ 302 المؤرخ 6 من سبتمبر سنة 1944 - قد سوت بين حملة تلك المؤهلات جميعها بأن اعتبرتهم في الدرجة السادسة بمرتب 12 جنيهاً شهرياً من تاريخ التحاقهم بالخدمة بصرف النظر عن المدة التي يقضونها في الدراسة بعد حصولهم على البكالوريا؛ ومن ثم تكون القاعدة المذكورة مخالفة لقاعدة المساواة بين حملة المؤهلات حسبما قررتها قواعد الإنصاف, وهي صادرة من سلطة أعلى هي سلطة مجلس الوزراء, هذا فضلاً عن أن مؤداها هو المساس بأقدميات ذوي الشأن بطريق غير مباشر بحيث يصبح الأحدث من حملة مؤهل معين يتقدم على الأقدم من حملة مؤهل بذاته, مع أن قرارات الإنصاف تسوى بين هؤلاء جميعاً حسبما سلف بيانه؛ ومن ثم يكون الحكم المطعون فيه قد وقع مخالفاً للقانون, ويتعين إلغاؤه.
ومن حيث إن المنازعة بعد ترقية المدعي إلى الدرجة الرابعة في أول أكتوبر سنة 1951 قد أصبحت محصورة في ترتيب أقدميته بين أقرانه, فيجب إلغاء قرار الترقية المطعون فيه إلغاء جزئياً في هذا الخصوص, ورد الأمر إلى نصابه القانوني على الوجه المبين في المنطوق.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً, وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه, والقضاء بقبول الدعوى, وباعتبار أقدمية المدعي في الدرجة الرابعة الفنية راجعة إلى أول أكتوبر سنة 1950, وألزمت الحكومة بالمصروفات.
[(1)] راجع السنة الثالثة من هذه المجموعة بند 105 صفحة 967.