جلسة 19 من يناير سنة 1966
برياسة السيد المستشار/ أحمد زكي محمد نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: عبد المجيد يوسف الغايش، ومحمد ممتاز نصار، وإبراهيم هندي، ومحمد شبل عبد المقصود.
------------------
(23)
الطعن رقم 28 لسنة 33 ق "أحوال شخصية"
(أ) حكم. "عيوب التدليل". "الفساد في الاستدلال". "ما لا يعد كذلك". أحوال شخصية. "ديانة". "إسلام".
إقرار الزوجين في وثيقة الزواج بخلوهما من الموانع الشرعية والقانونية ومنها أن يكون الزوج مسيحياً والزوجة مسلمة. القضاء بإسلام الزوج وإسناده إلى تاريخ زواجه بمسلمة. استخلاص موضوعي سائغ.
(ب) أحوال شخصية. "ديانة".
الاعتقاد الديني من الأمور التي تبنى الأحكام فيها على الإقرار بظاهر اللسان. بواعثه ودواعيه. عدم البحث في جديتها.
(ج) أحوال شخصية. "المسائل الخاصة بالمصريين". "الإرث".
الردة من موانع الإرث. المرتد لا يرث من مسلم ولا من غير مسلم ولا من مرتد.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن حنا ورزق الله ووهبه إبراهيم رزق الله شنوده أقاموا الدعوى رقم 58 سنة 1960 شبين الكوم الابتدائية ضد فريد منقريوس وتكلا نصر رزق الله شنوده طالبين الحكم بثبوت وفاة رفقة نصر شنوده في 27/ 2/ 1959 وأنهم من ورثتها ويستحق كل واحد منهم ثلاثة قراريط من أربعة وعشرين قيراطاً تنقسم إليها تركتها وأمر المدعى عليهما بتسليمهم هذا النصيب مع إلزامهما بالمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة، وأثناء نظرها طلب كل من حبيب وجرجس شنوده رزق الله وعوض الله سليمان رزق الله وزاهية شنوده بصفتها قيمة على زوجها جبران إبراهيم رزق الله قبولهم خصوماً في الدعوى منضمين للمدعين في طلباتهم، وجرى النزاع فيها حول تعيين الورثة من بين هؤلاء الخصوم، حيث ذهب المدعون ومن انضم إليهم والمدعى عليه الثاني إلى انحصار الإرث فيهم بصفتهم أولاد أولاد عم المتوفاة ولأن فريد منقريوس المدعى عليه الأول كان قد أسلم ثم ارتد عن الإسلام وسواء بقى على إسلامه أو ردته فهو لا يرث، بينما ذهب فريد إلى أنه الوارث الوحيد لعمته المتوفاة لأنه ولد مسيحياً من أبوين مسيحيين وظل على مسيحيته ولم يعتنق الدين الإسلامي اعتناقاً صحيحاً بل نتيجة إكراه لا يعتد به ولا يعول عليه - وبتاريخ 27 فبراير سنة 1961 حكمت المحكمة حضورياً وقبل الفصل في الموضوع بإحالة الدعوى على التحقيق ليثبت المدعون وطالبوا التدخل والمدعى عليه الثاني وفاة المرحومة رفقة نصر شنوده بتاريخ 27/ 2/ 1959 وانحصار إرثها فيهم وأن كلاً منهم يستحق في تركتها 3 ط من 24 ط تنقسم إليها التركة وليثبتوا أيضاً أن المدعى عليه الأول قد أسلم ثم ارتد عن الإسلام وأنه لا يرث في المتوفاة المذكورة ولهم في سبيل إثبات ذلك سلوك كافة طرق الإثبات القانونية بما فيها البينة وشهادة الشهود ولينفي المدعى عليه الأول ذلك بذات الطرق وليثبت أنه الوارث الوحيد للمتوفاة وحددت للتحقيق جلسة 3/ 4/ 1961 على أن يتم في خلال شهرين من بدء مباشرته، ولم ينفذ حكم التحقيق واستمرت الدعوى تؤجل إلى أن انتهى ميعاده وأمرت المحكمة بمده أربعة شهور أخرى انتهت في 3/ 10/ 1961، وبجلسة 9/ 10/ 1961 طلب كل من عزيز وجورج ووديع أولاد فريد منقريوس دخولهم خصوماً في الدعوى طالبين الحكم بإثبات وفاة رفقة نصر شنوده وانحصار إرثها فيهم مستندين في ذلك إلى أن والدهم وإن كان قد أسلم ثم ارتد عن الإسلام ولا يرث في تركة عمته المتوفاة إلا أن إسلامه هذا لا يتعدى إليهم لأن أولهم كان قد بلغ سن الحلم قبل إسلام والده وظل على مسيحيته والثاني والثالث إسلامهما تبعي ينتهي ببلوغهما عاقلين وقد اختارا المسيحية ديناً لهما، كما طلب كل من حبيب وجرجس ولدي شنوده رزق الله وعوض الله سليمان رزق الله وزاهية شنوده بصفتها قيمة على جبران إبراهيم رزق الله دخولهم خصوماً فيها طالبين اعتبارهم من ورثتها بصفتهم أبناء أبناء عم المتوفاة واستحقاق كل منهم 3 ط من 24 ط تنقسم إليها تركتها وإصدار حكم جديد بالتحقيق يشملهم ويحدد مركزهم القانوني - وبتاريخ 4/ 12/ 1961 حكمت المحكمة حضورياً (أولاً) بقبول تدخل كل من عزيز وجورج ووديع أولاد فريد منقريوس خصماً ثالثاً في الدعوى (ثانياً) بقبول تدخل كل من حبيب وجرجس الشهير بجورج ولدي شنوده رزق الله وعوض الله سليمان رزق الله وزاهية شنوده بصفتها قيمة على جبران إبراهيم رزق الله طرفاً منضماً في الدعوى (ثالثاً) وقبل الفصل في الموضوع بإحالة الدعوى على التحقيق ليثبت المدعون والخصوم الثلث حبيب وجرجس وعوض الله وزاهية بصفتها بكافة طرق الإثبات القانونية بما فيها البينة وفاة المتوفاة بتاريخ 27/ 2/ 1959 وانحصار ميراثها فيهم دون سواهم وأن كلاً منهم يستحق 3 ط من 24 ط في تركتها وللمدعى عليهما والخصوم الثلث عزيز وجورج ووديع أن ينفوا ذلك بالطرق عينها وأن يثبت كل منهم وفاتها وأنه الوارث الوحيد لها. وبعد سماع شهود الطرفين عادت وبتاريخ 7/ 5/ 1962 فحكمت حضورياً بثبوت وفاة رفقة نصر الله بتاريخ 27 فبراير سنة 1959 وانحصار ميراثها الشرعي في ابن ابن أخيها الشقيق عزيز فريد منقريوس نصر دون وارث لها سواه ويستحق جميع تركتها تعصيباً وألزمت المدعين الأصليين والمتدخلين وباقي الخصوم الثلاثة المصروفات وخمسة جنيهات مقابل أتعاب المحاماة ورفضت ما عدا ذلك من الطلبات. واستأنف فريد منقريوس هذا الحكم أمام محكمة استئناف طنطا طالباً إلغاءه والحكم بثبوت وفاة رفقة نصر شنوده وانحصار إرثها فيه وقيد استئنافه برقم 24 سنة 12 قضائية، كما استأنفه حنا ورزق الله وهبه أولاد إبراهيم رزق الله شنوده طالبين إلغاءه والحكم لهم بطلباتهم وقيد استئنافهم برقم 25 سنة 12 قضائية، واستأنفه تكلا ونصر رزق الله شنوده وحبيب شنوده رزق الله وجرجس الشهير بجورج شنوده رزق الله وعوض الله سليمان رزق الله وجبران إبراهيم رزق الله شنوده المحجور عليه للعته بقوامة زوجته زاهية شنوده رزق الله طالبين إلغاءه والحكم بوفاة المتوفاة وانحصار إرثها فيهم وفي المدعين الثلاثة وقيد استئنافهم برقم 27 سنة 12 قضائية، وقررت المحكمة ضم هذين الاستئنافين إلى الاستئناف الأول لأنهما عن حكم واحد. وبتاريخ 2/ 3/ 1963 حكمت حضورياً بقبولها شكلاً وفي موضوعها بتعديل الحكم المستأنف وثبوت وفاة رفقة نصر شنوده في 27/ 2/ 1959 وانحصار إرثها الشرعي في أولاد أولاد عمها شقيق أبيها وهم حنا ورزق الله ووهبة وجبران أولاد إبراهيم رزق الله شنوده وتكلا نصر رزق الله شنوده وعوض الله سليمان رزق الله شنوده وحبيب وجرجس الشهير بجورجي ابني شنوده رزق الله شنوده فقط من غير شريك ولا وارث لها سواهم ويستحق كل منهم ثلاثة قراريط من 24 قيراطاً تنقسم إليها تركتها وألزمت فريد منقريوس وعزيز وجورج ووديع أولاد فريد منقريوس بالمصاريف عن الدرجتين مع المقاصة في أتعاب المحاماة. وطعن عزيز منقريوس في هذا الحكم بطريق النقض للأسباب المبينة بالتقرير وعرض الطعن على دائرة فحص الطعون وقررت إحالته على هذه الدائرة حيث أصر الطاعن على طلب نقض الحكم وطلب المطعون عليهم الخمسة الأول رفض الطعن ولم يحضر باقي المطعون عليهم ولم يبدوا دفاعاً وقدمت النيابة العامة مذكرة أحالت فيها على مذكرتها الأولى وطلبت رفض الطعن.
وحيث إن حاصل الأسباب الثلاثة الأول أن الحكم المطعون فيه خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وجاء مشوباً بالفساد في الاستدلال من وجوه (أولها) أنه اعتبر زواج والد الطاعن بمسلمة في 2/ 9/ 1928 بدء لإسلامه مستنداً في ذلك إلى أن ما ورد في وثيقة الزواج من خلو الزوجين من الموانع الشرعية والقانونية يعتبر إقراراً ضمنياً بإسلامه، في حين أن هذه الوثيقة لم تعد لإثبات خلو الزوجين من الموانع وجرى العرف على أن المأذون حين يسأل الزوجين عن الخلو من الموانع يكون المقصود بالنسبة للزوجة أنها ليست في عصمة رجل آخر ولا في عدته وبالنسبة للزوج ألا تكون الزوجة محرماً له وهي لا تعتبر حجة إلا في إثبات حضور شخصين أمام المأذون وقيامه بالعقد بينهما وإثبات صيغة العقد وهي الإيجاب والقبول وما عدا ذلك من البيانات التي لا يثبتها المأذون إلا بناء على إنهاء أحدهما لا تكون لها حجية الورقة الرسمية (وثانيها) أن إسلام النصراني لا يكون إلا بإجراءات وأوضاع معينة هي النطق بالشهادتين والتبري من دينه وبغير ذلك لا يكون مسلماً، وليس في وثيقة الزواج ولا في حكم محكمة الجنايات ما يفيد أن والد الطاعن نطق بالشهادتين أمام المحكمة أو أمام المأذون وأنه اتبع هذا النطق بالتبري من أي دين آخر يخالف دين الإسلام (وثالثها) أنه اتخذ من حكم محكمة الجنايات دليلاً على إسناد إسلام والد الطاعن إلى تاريخ الزواج في حين أن المحكمة قضت ببراءته من تهمة التزوير على أساس إقراره بالإسلام أمامها ولم ترد إسلامه إلى تاريخ سابق.
وحيث إن هذا النعي مردود في الوجهين (الأول والثاني) ذلك أنه بالرجوع إلى الحكم المطعون فيه يبين أنه أقام قضاءه بإسلام والد الطاعن وإسناده إلى تاريخ زواجه بمسلمة في 2/ 9/ 1928 على ما جاء في وثيقة الزواج من إقرار الزوجين بخلوهما من الموانع الشرعية والقانونية ومنها أن يكون الزوج مسيحياً والزوجة مسلمة ورتب على ذلك أنه من هذا التاريخ ومن بدء إقرار والد الطاعن لخلوه من الموانع الشرعية يعتبر "أنه مسلم وأنه نطق بالشهادتين" وهو استخلاص موضوعي سائغ لدلالة الإقرار يستقل به قاضي الموضوع ولا تراقبه فيه محكمة النقض، ومردود في الوجه (الثالث) بأن حكم محكمة الجنايات ببراءة والد الطاعن من تهمة التزوير يستند إلى تاريخ الواقعة التي كانت منسوبة إليه وهي تاريخ وثيقة الزواج التي أقر فيها بخلوه من الموانع الشرعية والقانونية.
وحيث إن حاصل الأسباب "الرابع والخامس والسادس" أنه بفرض إقرار والد الطاعن بإسلامه فإقراره هذا لا يتعداه إلى غيره وهو إقرار باطل لا يعول عليه لأنه غير قضائي ومشوب بالإكراه لكي يتخلص من جناية التزوير التي كانت مسندة إليه، يضاف إلى ذلك أن إسلامه وارتداده لم يكن حقيقياً ولا تغييراً لديانته لأنه ظل على مسيحيته يمارس طقوسها ولم ينقطع عنها طوال حياته ومن يقر بإسلامه تحت ضغط الإكراه والضرورة بينما تدل الظواهر على أنه باق على دينه لا يعتد بإقراره وهو ما ينبني عليه أن تبعية الطاعن لوالده تعتبر ضرباً من الخيال خصوصاً وأنه كان قد بلغ سن الحلم وانقطعت تبعيته له حين ادعى الإسلام مكرهاً أمام محكمة الجنايات.
وحيث إن هذا النعي في غير محله ذلك أن الاعتقاد الديني من الأمور التي تبنى الأحكام فيها على الإقرار بظاهر اللسان والتي لا يجوز لقاضي الدعوى - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن يبحث في جديتها ولا في بواعثها ودواعيها - والقول من الطاعن بأنه كان قد بلغ سن الحلم حين ادعى والده الإسلام وانقطعت تبعيته له، مردود بما أورده الحكم المطعون فيه من أن الطاعن "كانت سنه وقت إسلام أبيه 11 سنة وشهر و26 يوماً بالتاريخ الميلادي لأنه من مواليد 4/ 7/ 1917 كما هو ثابت بأوراق الدعوى ولأن المحكمة اعتبرت بدء إسلام أبيه في 2/ 9/ 1928 تاريخ زواجه بالمسلمة كما سبق بيانه وأنه بإضافة الفرق بين التقويمين الهجري والميلادي ومقدار ذلك أربعة أشهر ويوم واحد يكون سنه هجرياً 11 سنة و5 أشهر و27 يوماً أي أقل من اثنتى عشرة سنة هجرية وأنه إذا ادعى الصبي بلوغ الحلم في سن أقل من اثنتى عشرة سنة فلا يصدق في دعواه وأن الصبي يسلم تبعاً لإسلام أبيه إذا لم يبلغ سن الحلم".
وحيث إن حاصل السبب السابع أن الحكم المطعون فيه اعتبر الردة مانعاً من الإرث، وهو خطأ في تطبيق القانون، لأن تغيير الدين من الإسلام إلى أي دين سماوي آخر لا يعتبر ارتداداً، وبالرجوع إلى القانون رقم 77 سنة 1943 تجد أن الردة لم تعد مانعاً من الإرث بعد أن عدد القانون هذه الموانع وأوردها على سبيل الحصر واستبعد الردة مراعياً في ذلك أن أغلب حالات الخروج عن الإسلام تكون إلى المسيحية أو اليهودية وكلاهما دين سماوي تعترف به الدولة، ويؤيد ذلك أن مشروع القانون كان ينص في الفقرة الثانية من المادة السادسة على أن المرتد لا يرث ورأى أعضاء اللجنة التشريعية بمجلس النواب استبعادها لما تنطوي عليه من مخالفة للمادة 12 من الدستور التي تكفل حرية العقيدة لجميع المواطنين وللنظم السائدة في الدولة ولأبسط قواعد العدالة، وصدر القانون بعد استبعادها من موانع الإرث. هذا ولا يعتبر الطاعن مرتداً على أساس أنه أسلم تبعاً لأبيه ثم ارتد إذ الواقع أنه كان مسيحياً وظل على مسيحيته ولم يصدر منه ما يدل على إسلامه.
وحيث إن هذا النعي في غير محله ذلك أن الردة - وهي الرجوع عن الإسلام - من موانع الإرث وإجماع الفقهاء على أن المرتد لا يرث من مسلم ولا من غير مسلم ولا من مرتد مثله، ولا يغير من هذا النظر خلو قانون المواريث رقم 77 سنة 1943 من النص على حكم إرث المرتد من غيره وإرث غيره منه إذ أن هذا القانون لم يتضمن جميع المسائل المتعلقة بالمواريث بل أحال فيما لم ينص عليه منها إلى أرجح الأقوال من مذهب أبي حنيفة وذلك على ما صرحت به المذكرة الإيضاحية لمشروع القانون في قولها "ومن الواضح أن هذا القانون لم يتضمن كل الأحكام لجميع المسائل المتعلقة بالمواريث وعلى ذلك فإن الفصل في هذه المسائل والمنازعات المتعلقة بالمواريث يكون طبقاً لأحكام هذا القانون من تاريخ العمل به وأما في الأحوال التي لا يوجد لها حكم في القانون فإن المحاكم بمصر تطبق أرجح الأقوال من مذهب أبي حنيفة عملاً بالمادة 280 من لائحة المحاكم الشرعية الصادر بها المرسوم بقانون رقم 78 لسنة 1931" وهو ما لا يجوز معه القول بأن سكوت القانون أو خلوه من النص على حكم في مسألة من هذه المسائل، ومنها إرث المرتد من غيره، إنما أراد به الشارع أن يخالف نصاً في القرآن أو السنة الصحيحة أو حكماً اتفق عليه فقهاء المسلمين.
(1) نقض 21/ 4/ 1965. الطعن رقم 37 لسنة 32 ق أحوال شخصية. السنة 16 ص 496.