الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 18 مارس 2023

الطعن 7973 لسنة 91 ق جلسة 24 / 1 / 2022

باسم الشعب
محكمــة النقــــــــض
الدائــــــرة الجنائيــــــــــة
الاثنين (ب)
المؤلفة برئاسة السيد القاضي / هاني عبد الجابر نائب رئيس المحكمــــة وعضوية السادة القضاة / أحمد عبـد الودود و حازم بدوي ووائـل شوقي نواب رئيس المحكمـــة وتامر عابدين

وحضور السيد رئيس النيابة العامة لدى محكمة النقض السيد / إسلام فؤاد .

وأمين السر السيد / حسام الدين أحمد .

في الجلسة العلنية المنعقدة بمقر المحكمة بدار القضاء العالي بمدينة القاهرة .
في يوم الإثنين 21 من جمادى الآخرة سنة 1443 هـ الموافق 24 من يناير سنة 2022م .
أصدرت الحكم الآتي :
في الطعن المقيد بجدول المحكمة برقـم 7973 لسنة 91 القضائية .

المرفوع من :
..... محكوم عليــــــــــــهم
ضــــــــــد
النيابـــة العامــــة

-------------------
" الوقائــــــــع "
اتهمت النيابـة العامـة الطـاعن، فـي قضية الجناية رقـم ٣٨٦٦ لسنة 2020 قسم العجـوزة ( والمقيــدة بالجـدول الكلـي بـرقم 3773 لسنــة 2020 شمال الجيزة ) بوصـف أنـه فـي يــوم 21 من نوفمبر سنة 2020 بـدائرة قسـم شـرطة العجـوزة - محافظة الجيزة :
(1) أحـرز بقصـد التـعـاطـي جـوهر وعقار مخدرين الترامــادول، الكلونازيـبام فـي غيـر الأحوال المصرح بها قانوناً.
وأحـالته إلـى محكمـة جـنايات الجيـزة لمعاقبتـه طبقـاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة .
والمحكمـة المذكورة قضـت حـضوريـاً بتاريخ 27 من مارس سنة 2020 عملاً بـالمواد ۱، ۲، 27 /1، 37 /1، 42/ 1، 45/ 1 مـن القانون رقم ۱۸۲ لسنة 1960 المعدل بالقانون ١٢٢ لسنة ١٩٨٩، والبنـد رقـم (152) مـن القـسم الثـانـي مـن الـجـدول رقـم (۱) والفقـرة (د) مـن الجـدول رقـم (۳) الملحـق بالقانون الأول والمضاف أولهمـا بقـرار الصـحة ١٢٥ لسنة ٢٠١٢ والمستبدل بـقـرار وزيـر الصـحة ٨٩ لسنة ١٩٨٩ مع إعمـال المادتين ۱۷، ۳۲ مـن قـانون العقوبات، بمُعاقبتـه بـالحبس لمدة ستة أشهر وبتغريمـه عشـرة آلاف جنيـه لمـا نسـب إليــه وبمصـادرة المضبوطات.
فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض في 17 من مايو سنة 2021، وأودعت مذكرة بأسباب الطعن في 24 من الشهر والسنة ذاتهما موقعٌ عليها من الأُستاذ / ...... المُحامي.
وبجلسة اليوم سُمِعَت المرافعة على ما هو مبين بمحضر الجلسة .

----------------
" المحـكـمـــة "
بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع التقرير الذي تلاه السيد القاضي المقرر، والمرافعة، وبعد المداولة .
حيث إن الطعن قد استوفى الشكل المقرر في القانون .
ومن حيث إن الطاعن ينعي على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمتي إحراز عقار الترامادول المخدر، ومادة تخضع لبعض قيود الجواهر المخدرة بقصد التعاطي قد شابه القصور في التسبيب، والفساد في الاستدلال، والبطلان، والاخلال بحق الدفاع، والخطأ في الإسناد، ذلك أنه لم يبين الواقعة المستوجبة للعقوبة بياناً تتحقق به أركان الجريمتين والأدلة التي عول عليها في قضائه، وأطرح بما لا يصلح الدفع ببطلان القبض والتفتيش لانتفاء حالة التلبس وعدم صدور إذن من النيابة العامة، ولتجاوز الضابط حدود التفتيش الوقائي، وخلت الأوراق من دليل يقيني على إدانته، وضرب صفحاً عن دفوعه بعدم معقولية تصور الواقعة، وتجهيل مكان الضبط، وبطلان الاستجواب والمواجهة والإقرار المنسوب صدوره للطاعن بمحضر الضبط، وبطلان إجراءات أخذ العينة بمعرفة النيابة العامة، وبطلان إجراءات تحريك الدعوى الجنائية التي أقيمت على الطاعن وهو محام لإحالته بغير الطريق الذي رسمة القانون وفقاً للمادة 50 من قانون المحاماة، ولم تعن المحكمة بتحقيق الدفعين الأخيرين، وأورد الحكم بمدوناته أنه بتفتيش المتهم عثر بحوزته على أقراص تشبة الترامادول المخدر وهو ما لا أصل له بالأوراق وبتقرير المعمل الكيماوي الذي أثبت أن الأقراص المضبوطة هي للكلونازيبام المدرج بالجدول الثالث من قانون المخدرات، وأخيراً فقد دانته المحكمة بفكر وعقيدة مسبقة. مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه .
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمتين اللتين دان الطاعن بهما وأورد على ثبوتهما في حقه أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها، وجاء استعراض المحكمة لأدلة الدعوى على نحو يدل على أنها محصتها التمحيص الكافي وألمت بها إلماماً شاملاً يفيد أنها قامت بما ينبغي عليها من تدقيق البحث لتعرف الحقيقة كما أن مجموع ما أورده الحكم قد جاء كافياً في تفهم الواقعة بأركانها وظروفها حسبما استخلصتها المحكمة، فإن ذلك يكون محققاً لحكم القانون، ومن ثم تنحسر عن الحكم، قالة القصور في التسبيب في هذا الخصوص. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد عرض للدفع المبدى من الطاعن ببطلان القبض والتفتيش لانتفاء حالة التلبس واطرحه استناداً إلى أن الجريمة كانت في حالة تلبس تجيز للضابط القبض عليه ومن ثم تفتيشه لمشاهدته للطاعن وبيده زجاجة كحول وتفوح من فمه رائحته. لما كان ذلك، وكانت المادة 34 من قانون الإجراءات الجنائية قد أجازت لمأمور الضبط القضائي القبض على المتهم في أحوال التلبس بالجنح بصفة عامة إذا كان القانون يعاقب عليها بالحبس مدة تزيد على ثلاثة أشهر والعبرة في تقدير العقوبة بما يرد به النص عليها في القانون لا بما ينطق به القاضي في الحكم وإذ كانت جريمة تناول المشروبات في الأماكن العامة التي قارفها الطاعن قد ربط لها القانون عقوبة الحبس مدة لا تزيد عن ستة أشهر وغرامة لا تجاوز مائتي جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين وفقاً لنص المادتين الثالثة والخامسة من القانون رقم 63 لسنة ١٩٧٦ بحظر شرب الخمر. ولما كان قانون الإجراءات الجنائية قد نص بصفة عامة المادة 46 منه علي أنه في الأحوال التي يجوز فيها القبض على المتهم يجوز لمأمور الضبط القضائي أن يفتشه اعتباراً بأنه كلما كان القبض صحيحاً كان التفتيش الذي يجريه من خول إجراؤه على المقبوض عليه صحيحاً أيا كان سبب القبض أو الغرض منه وذلك لعموم الصيغة التي ورد بها النص، وكان من المقرر أن القول بتوافر حالة التلبس أو عدم توافرها هو من المسائل الموضوعية التي تستقل بها محكمة الموضوع بغير معقب عليها ما دامت قد أقامت قضاءها على أسباب سائغة، وكان ما أورده الحكم تدليلاً على توافر حالة التلبس رداً على ما دفع به الطاعن من عدم توافر هذه الحالة وبطلان القبض والتفتيش كافياً وسائغاً في الرد على الدفع ويتفق وصحيح القانون، فضلاً عن أن إدراك الضابط لرائحة الكحول المميزة هو من الأمور التي لا تخفي عليه بحاسته الطبيعية، فإنه يكفي لاعتبار الجريمة متلبساً بها أن تكون هناك مظاهر خارجية تنبئ بذاتها عن وقوع الجريمة، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكان ما يثيره الطاعن من أن الضابط قد تجاوز حدود التفتيش الوقائي، فإنه لما كان الفصل فيما إذا كان من قام بإجراء التفتيش قد التزم حده أو جاوز غرضه متعسفاً في التنفيذ من الموضوع لا القانون، وكانت المحكمة قد أقرت مأمور الضبط القضائي فيما اتخذه من إجراء فلا يجوز مجادلتها أمام محكمة النقض، ومن ثم فإن النعي على الحكم في هذا الصدد لا يكون له محل. لما كان ذلك، وكانت المحكمة قد اطمأنت - في نطاق سلطتها التقديرية - إلى أقوال شاهد الإثبات، وصحة تصويره للواقعة، فإن ما يثيره الطاعن من منازعة في هذا الصدد، والقول بعدم معقولية الواقعة، وبتجهيل مكان الضبط، وبخلو الأوراق من دليل يقيني على إدانته، محض جدل موضوعي في تقدير الدليل، الذي تستقل به محكمة الموضوع، بغير معقب، ولا يجوز إثارته أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان لا جدوى مما يثيره الطاعن من عدم الرد على دفوعه ببطلان الاستجواب والمواجهة والإقرار المنسوب له بمحضر الضبط ما دام البين من الواقعة كما صار إثباتها في الحكم ومن استدلاله أن الحكم لم يستند في الإدانة إلى دليل مستمد من الاستجواب والمواجهة والإقرار المدعى ببطلانهم، وإنما أقام قضاءه على الأدلة المستمدة من أقوال شاهد الإثبات ومن تقريري المعمل الكيماوي والمركز القومي للسموم الإكلينيكية، وهي أدلة مستقلة عن الاستجواب والمواجهة والإقرار المنسوب للمتهم، ولا يغير من ذلك التحدث عما ورد بالحكم من أقوال الضابط - حسبما حصلها الحكم - من أن الطاعن أقر له بإحرازه للمضبوطات بقصد التعاطي إذ هو لا يعد اعترافاً من الطاعن بما أسند إليه - وإنما هو مجرد قول للضابط يخضع لتقدير المحكمة التي أفصحت عن اطمئنانها إليه في هذا الشأن، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن للنيابة أن تباشر بنفسها أعمال التحقيق التي اختصها بها القانون أو عن طريق ندب من تراه من مأموري الضبط القضائي لتنفيذه عملاً بنص المادة ٢٠٠ من قانون الإجراءات الجنائية التي تجيز لكل من أعضاء النيابة العامة في حالة إجراء التحقيق بنفسه أن يكلف أي مأمور من مأموري الضبط القضائي ببعض الأعمال التي من اختصاصه، وهو نص عام مطلق يسري على كافة إجراءات التحقيق وينتج أثره القانوني بشرط أن يصدر صحيحاً ممن يملكه وأن ينصب على عمل معين أو أكثر من أعمال التحقيق - غير استجواب المتهم - ومن ثم فإن ندب النيابة العامة للمعمل لتحليل عينة بول المتهم يكون صحيحاً، ويكون نعى الطاعن في هذا الشأن غير سديد. لما كان ذلك، وكانت المادة 49 من القانون رقم 17 لسنة ١٩٨٣ بإصدار قانون المحاماة المعدل قد نصت على أن للمحامي الحق في أن يعامل من المحاكم وسائر الجهات التي يحضر أمامها بالاحترام الواجب للمهنة واستثناء من الأحكام الخاصة بنظام الجلسة والجرائم التي تقع فيها المنصوص عليها في قانوني المرافعات والإجراءات الجنائية إذا وقع من المحامي أثناء وجوده بالجلسة لأداء واجبه أو بسببه إخلال بنظام الجلسة أو أي أمر يستدعى محاسبته نقابياً أو جنائياً، يأمر رئيس الجلسة بتحرير مذكرة بما حدث ويحيلها إلى النيابة العامة ويخطر النقابة الفرعية المختصة بذلك ، ثم نصت المادة 50 من القانون ذاته على أنه في الحالات المبينة بالمادة السابقة لا يجوز القبض على المحامي أو حبسه احتياطياً، ولا ترفع الدعوى الجنائية فيها إلا بأمر من النائب العام أو من ينوب عنه من المحامين العامين الأول ولا يجوز أن يشترك في نظر الدعوى الجنائية أو الدعوى التأديبية المرفوعة على المحامي أحد أعضاء الهيئة التي وقع الاعتداء عليها . مما مؤداه أن الشارع حينما قصر حق تحريك الدعوى الجنائية قبل المحامي على النائب العام أو من ينوب عنه من المحامين العامين الأول، إنما هو بشأن ما يرتكبه من جرائم أثناء وجوده في الجلسة لأداء واجبة أو بسببه، وكان المستفاد من الجمع بين نصوص المواد ٢٤٣، ٢٤٥، ٢٤٦ الواردة في الفصل الثالث من الباب الثاني من قانون الإجراءات الجنائية تحت عنوان حفظ النظام في الجلسة والمواد من 104 حتى 107 الواردة في الفصل الثاني من الباب الخامس من قانون المرافعات المدنية والتجارية تحت عنوان نظام الجلسة ، أن الجريمتين اللتين قارفهما الطاعن - موضوع الدعوى الماثلة - ليس من بين الجرائم التي عناها الشارع بنص المادتين 49/2، 50 من القانون رقم 17 لسنة 1983 المشار إليه المعدل بالقانون رقم ١٩٧ لسنة ٢٠٠٨، مثل تلك التي تتضمن الإخلال بنظام الجلسات أو التعدى على هيئة المحكمة أو أحد أعضائها أو أحد العاملين فيها أو الشهادة الزور والتي تقع من المحامي أثناء وجوده في الجلسة على مرأى ومسمع من الحاضرين فيها مما رأى معه الشارع استثناء من الأحكام الواردة في قانوني المرافعات والإجراءات الجنائية الخاصة بنظام الجلسات والجرائم التي تقع فيها عدم جواز القبض على المحامي أو حبسه احتياطياً أو إقامة الدعوى عليه من المحكمة على خلاف ما ورد في القانونين المذكورين وذلك لحكمة تغياها هي تمكين المحامي من أداء واجبة ودوره في تمثيل موكله والدفاع عنه وصوناً لكرامة مهنة المحاماة والمنتمين إليها وأن تتخذ تلك الإجراءات دون عجلة أو تسرع وهو ما يؤكده حكم الفقرة الثانية من المادة 50 من قانون المحاماة التي حظرت على أحد أعضاء الهيئة التي وقع الاعتداء عليها أن يشترك في نظر الدعوى الجنائية أو الدعوى التأديبية المرفوعة على المحامي في مثل تلك الجرائم وما ورد في المادة 49 من تخويل رئيس الجلسة تحرير مذكرة بما حدث وإحالتها إلى النيابة العامة وإخطار النقابة الفرعية المختصة، ومن ثم فإن هذا الاختصاص الوظيفي الذي قصره القانون في مثل هذه الحالات على النائب العام والمحامين العامين الأول إنما يؤخذ بقدره وفي النطاق الذي حدده القانون لممارسته دون التوسع في ذلك لمجيئه على خلاف الأصل، كما أنه لا ينصرف بالتالي إلى غير ما نص عليه القانون صراحة من إجراءات التحقيق في الدعوى الجنائية، ومن ثم فإنه بخلاف إجرائي القبض والحبس الاحتياطي لا يسلب النيابة العامة سلطتها بشأن التحقيق الابتدائي . ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن لا يعدو أن يكون دفاعاً قانونياً ظاهر البطلان. لما كان ذلك، وكان الثابت من محضر جلسة المحاكمة أن الطاعن - أو المدافع عنه - لم يطلب من المحكمة إجراء تحقيق ما، فليس له - من - أن ينعي على المحكمة قعودها عن اجراء لم يطلبه منها، ولم تر هي من جانبها حاجة لإجرائه. لما كان ذلك، وكان لا جدوى للطاعن من وراء منازعته بشأن - نوع الأقراص المضبوطة بحوزته - مادام الحكم أثبت أن العينة المأخوذة من المتهم يوجد بها أثار للترامادول المدرج بالجدول الأول من قانون المخدرات والبنزوديازبين المدرج بالجدول الثالث من قانون المخدرات، مما يصح به قانوناً حمل العقوبة المحكوم بها على إحراز هذين العقارين المخدرين ولو لم يضبط معه شيء آخر من المخدرات، وهو ما لا يؤثر على مسئوليته الجنائية في الدعوى مادام الحكم قد أثبت عليه أنه أحرز المخدرين في غير الأحوال المصرح بها قانوناً، هذا إلى أنه لا يعيب الحكم الخطأ في الإسناد الذي لا يؤثر في منطقه، فإنه لا يجدي الطاعن ما يثيره عن خطأ الحكم فيما أورده بمدوناته أنه بتفتيش المتهم عثر بحوزته على أقراص تشبه الترامادول المخدر بما يخالف الثابت بالأوراق وبتقرير المعمل الكيماوي - على فرض صحة ذلك - مادام ما أورده الحكم من ذلك لم يكن له أثر منطقه ولا في النتيجة التي انتهى إليها، هذا فضلاً أن كلمة يشبه التي يسبق بها الضابط كلمة مخدر ترد على سبيل التحوط ريثما يقطع التحليل بكنه المادة المخدرة، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن نعياً على الحكم في هذا الصدد لا يكون مقبولاً . لما كان ذلك، وكانت حالة الرغبة في إدانة المحكوم عليه من المسائل الداخلية التي تقوم في نفس القاضي وتتعلق بشخصه وضميره، وترك المشرع أمر الإدانة لتقدير القاضي وما تطمئن إليه نفسه ويرتاح إليه وجدانه، ومن ثم فإن ما يثار في هذا الشأن لا يصح أن ينبني عليه وجه الطعن. لما كان ما تقدم، فإن الطعن - برمته - يكون على غير أساس، متعيناً رفضه موضوعاً .
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة: قبول الطعن شكلاً وفى الموضوع برفضه .

الطعن 14 لسنة 29 ق جلسة 7 / 7 / 1964 مكتب فني 15 ج 2 ق 142 ص 937

جلسة 7 من يوليه سنة 1964

برياسة السيد المستشار/ الدكتور عبد السلام بلبع، وبحضور السادة المستشارين: محمود توفيق إسماعيل، وحافظ محمد بدوي، وإبراهيم الجافي، وصبري فرحات.

----------------

(142)
الطعن رقم 14 لسنة 29 القضائية

حق. مؤلف. "حق المؤلف". "استغلاله". "الاعتداء عليه". بيع. "المنافسة غير المشروعة".
تقليد الطاعن طبعة المطعون ضده تقليداً تاماً. نشر الطاعن لطبعته وطرحها للبيع في السوق. منافسته كتاب المطعون ضده منافسة غير مشروعة. لا ينفي قيام هذه المنافسة غير المشروعة اعتزال المطعون ضده مهنة الطباعة والنشر وتصفية أعماله فيهما ما دام كتابه ما زال مطروحاً في السوق.

----------------
متى كان الحكم المطعون فيه قد انتهى إلى أن الطبعة التي أخرجها الطاعن مقلدة عن الطبعة التي أخرجها المطعون ضده تقليداً تاماً وهو أمر لا يقره القانون، فإن من شأن نشر الطاعن لطبعته وطرحها للبيع في السوق منافسة كتاب المطعون ضده وهي منافسة لا شك في عدم شرعيتها، ولا ينفي قيام هذه المنافسة غير المشروعة أن يكون المطعون ضده قد اعتزل مهنة الطباعة والنشر وصفى أعماله فيهما ما دام كتابه ما زال مطروحاً للبيع في السوق (1).


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد والمداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع تتحصل - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - في أن المطعون ضده أقام في 15 من فبراير سنة 1955 الدعوى رقم 395 سنة 1955 تجاري كلي القاهرة ضد الطاعن بصفته طالبا إلزامه بأن يدفع له على سبيل التعويض المؤقت مبلغ 1500 جنيه وقال في بين دعواه إنه قام في سنة 1928 بإعداد وطبع كتاب "زاد المعاد في هدى العباد" لابن القيم الجوزي في صورة مبتكرة لم يسبقه إليها أحد فرتبه ترتيباً خاصاً وبوبه وراجعه على نسخته الأصلية وصححه تصحيحاً دقيقاً وطبعه على ورقة ممتاز بحروف استوردها من ألمانيا حتى لقد جعل منه نموذجاً فنياً لا يدانيه أي مطبوع من نوعه أخرجته المطابع المصرية ووضع على الكتاب اسمه واسم مطبعته. وبعد نشر هذا الكتاب وتداوله في السوق علم بأن الطاعن قام بتقليده بطريق الزنكوغراف ووضع أكليشهات له طبع عليها سائر الكتاب عدة طبعات متماثلة وجاء الكتاب الذي أصدره الطاعن صورة مطابقة تماماً لكتابه فيما عدا ما لجأ إليه الطاعن من رفع اسمه واسم مطبعته من على الكتاب ووضع اسمه هو واسم مطبعته بدلاً منهما ومضي المدعي (المطعون ضده) قائلاً إنه لما كان له حق المؤلف على كتابه سالف الذكر بما يترتب على هذا الحق من أن يكون له وحده الحق في استغلال المصنف والتصرف فيه وكان ما فعله المدعى عليه (الطاعن) بغير إذن منه يعتبر اعتداء على حقه هذا وأمراً مخالفاً للقانون وقد ناله ضرر منه فقد رفع الدعوى بطلب تعويضه عن هذا الضرر بالمبلغ المطالب به، دفع الطاعن الدعوى: أولاً - بسقوط الحق في إقامتها بالتقادم تأسيساً على القول بأن المدعي طبع كتابه في سنة 1928 وهجر العمل في الطباعة والنشر وصفى أعماله في سنة 1934 وأنه مضى بين أي من هذين التاريخين وبين رفع الدعوى مدة تزيد على الخمس عشرة سنة المسقطة للحقوق طبقاً لنص المادة 208 من القانون المدني القديم المنطبق على الواقعة. ثانياً - بعدم قبول الدعوى تأسيساً على القول بأن حماية الملكية الأدبية لا تكون إلا للمؤلف والمدعي لا يصدق عليه هذا الوصف وبالتالي فلا تكون له صفة في رفع الدعوى المستندة إلى هذه الحماية. وتحصل دفاع الطاعن في موضوع الدعوى في أن الكتاب المدعي بتقليده هو من الكتب الدينية القديمة التي أصبحت ملكاً للمجتمع والمباح طبعها ونشرها وقد قام بطبعه كثيرون قبل أن يطبعه المدعي وكان من بين هؤلاء مورث الطاعن الذي قام بطبعه في سنة 1906 وأهدى نسخة منه إلى دار الكتب المصرية وأن الطبعة التي طبعها المطعون عليه والمدعي بتقليدها طبعت لحساب الطاعن وعلى نفقته، هذا إلى أن التقليد المدعى به منتف لوجود أوجه خلاف بين هذه الطبعة والطبعة التي نشرها هو (الطاعن). وبتاريخ 16 من مايو سنة 1957 حكمت المحكمة الابتدائية بإلزام الطاعن بأن يدفع للمطعون ضده مبلغ مائة وخمسين جنيهاً على سبيل التعويض. ورفضت المحكمة الدفعين في أسباب حكمها. فاستأنف الطرفان هذا الحكم أمام محكمة استئناف القاهرة وطلب المطعون ضده في استئنافه الذي قيد برقم 280 سنة 74 ق زيادة التعويض المقضى له به إلى مبلغ 1500 ج وطلب الطاعن في استئنافه الذي قيد برقم 349 سنة 74 ق إلغاء الحكم المستأنف والحكم بسقوط حق المستأنف عليه (المطعون ضده) في التقاضي سواء بالتقادم الخمسي أو بالتقادم الطويل، وبعدم قبول الدعوى لرفعها من غير ذي صفة والحكم في الموضوع برفض الدعوى. وبعد أن ضمت المحكمة الاستئنافين حكمت فيهما بتاريخ 18/ 11/ 1958 بقبولهما شكلاً وبرفض الدفعين السابقين وبرفض الاستئناف المرفوع من الطاعن وفي موضوع الاستئناف المرفوع من المطعون ضده بتعديل الحكم المستأنف وبزيادة التعويض المقضى به إلى مبلغ خمسمائة جنيه. فطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض وعرض الطعن على دائرة فحص الطعون بجلسة 18 من أكتوبر سنة 1961 وفيها صممت النيابة على المذكرة المقدمة منها والتي رأت فيها رفض الطعن وقررت دائرة الفحص إحالة الطعن على هذه الدائرة وبالجلسة المحددة لنظره تمسكت النيابة برأيها السابق.
وحيث إن الطعن بني على أربعة أسباب ينعى الطاعن في أولها على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون وفي بيان ذلك يقول إن وصف المؤلف لا يصدق قانوناً إلا على من قام بمجهود ذهني يتسم بطابع الابتكار وأن مجهود المطعون ضده في إخراج كتابه المدعي بتقليده لا يعدو أن يكون مجهوداً مادياً بحتاً إذ اقتصر على ما قاله هو في عريضة دعواه - على استعمال ورق جيد وحروف استوردها من الخارج في طبع الكتاب ولم يكن له فضل ابتكار هذه الحروف أو التفنن في تصميمها وإنما انحصر عمله في جمعها وتنسيقها بواسطة عمال فنيين. ومن ثم فإن الحكم المطعون فيه يكون قد أخطأ في القانون حين اعتبر أن للمطعون ضده حق المؤلف على الكتاب الذي أخرجه وأن له أن يفيد من الحماية التي أضفاها المشرع على حقوق المؤلفين ولا يشفع للحكم ما قاله من أن المطعون ضده قام بتصحيح الكتاب على نسخته الأصلية وأنه صدره بترجمة للمؤلف الأصلي للكتاب وأنه وضع لها فهرساً من صنعه، ذلك أن التصحيح والتنقيح وتحقيق الكتب القديمة بمطابقتها على أصولها كل هذه الأعمال لا تعتبر من قبيل التأليف الجدير بالحماية لأنها لا تتسم بالطابع الشخصي لمن قام بها ولا تتميز بطابع الابتكار كما أن التصحيح من عمل الطابع وهو عمل مادي لا يستلزم مجهوداً ذهنياً، أما عن تصدير الكتاب بترجمة للمؤلف الأصلي فإن المطعون ضده لم يدع أنه ألف هذه المقدمة بل قال إنه نقلها عن تذكرة الحفاظ وغيرها فعمله في وضع هذه المقدمة لا يعدو دائرة التجميع وهو لا يندرج في أعمال المؤلف إلا إذا داخله التفنن في النقل عن كتب الغير أو ترتيبها على نحو خاص يكسوها جدة وهو الأمر المنتفي في المقدمة التي صدر بها المطعون ضده كتابه، كما وأن وضع الفهرس يدخل في عمل الطابع ولا يمكن أن يوصف بأنه ابتكار لأن الفهرس لا يضيف جديداً إلى المصنف - على أن المطعون ضده لم يغير في فهرس الكتاب الأصلي الذي نقل عنه شيئاً من ترتيبه ولم يعرض موضوعاته عرضاً جديداً أو مبتكراً، ومجرد وضع فهارس للكتب الدينية ليس فكرة مبتكرة اهتدى إليها المطعون ضده لأنها موجودة في كل الكتب الدينية القديمة وانتهى الطاعن إلى أنه لما كان الحكم المطعون فيه لم يثبت أن المطعون ضده قد ابتكر شيئاً جديداً أو أنه أضاف إلى طبعته إضافات ذات قيمة علمية فإنه لم يكن ثمة مبرر لإضفاء الحماية المقررة لحقوق المؤلفين عليه والحكم له تبعاً لذلك بالتعويض.
وحيث إنه ورد بأسباب الحكم الابتدائي التي أحال إليها الحكم المطعون فيه، بصدد ما يثيره الطاعن في هذا السبب ما يلي "وبما أنه متى تقررت حماية حق المؤلف حتى من قبل صدور القانون رقم 354 لسنة 1954 تعين البحث في نطاق هذا الحق وهل الحماية تشمل المجهود الذي بذله المدعي (المطعون ضده) في إصدار كتاب زاد المعاد محل النزاع. وبما أن الفقه والقضاء قد وسعا في نطاق حماية حق المؤلف حتى لقد شمل كل صور الابتكار مهما ضؤلت، فإعادة طبع الكتب القديمة تخول حق الملكية الأدبية في الطبعة الحديثة متى كانت مختلفة عن القديمة ولو في الترتيب الذي ينم عن جهد خاص" وبعد أن أورد الحكم بعض آراء للشراح وأحكام للمحاكم ذكر "أن القانون رقم 354 لسنة 1954 صدر متضمناً المبادئ التي استقر عليها الفقه والقضاء قبل صدوره ومنظماً لها" وأشار الحكم إلى ما تضمنته المادة الرابعة من هذا القانون ثم قال "وبما أن المحكمة تستلهم من هذه المبادئ جميعها التي سادت قبل صدور القانون رقم 354 لسنة 1954 ومن النص التشريعي الذي أورده القانون المذكور في نهاية المادة الرابعة، القول بأن ما قام به المدعي من جهد في شأن كتاب زاد المعاد من حيث ترتيبه ترتيباً خاصاً لم يسبق إليه وتصحيحه بمعرفة أحد كبار العلماء المختصين وتقديمه بترجمة للمؤلف ثم وضع فهرس منظم له ثم طبعه بأحرف ممتازة لم يثبت للمحكمة وجود شبيه لها من قبل في مثل هذه الكتب الدينية - كل أولئك يعتبر من قبيل الابتكار والمجهود الشخصي الذي بذله المدعي ليخرج للناس كتاباً تقبل قراءته ويرتاح إليه النظر، فإذا عدا معتد على هذا الكتاب بوضعه المشار إليه وصور صفحاته على نحو ما فعل المدعى عليه بطريق الزنكوغراف وطبع عليه مصنفاً نسبه إلى نفسه فإن هذا الفعل يندرج ولا شك تحت الصور التي تستأهل تدخل القانون لحماية واضع المصنف في صورته المعتدى عليها، إذ المصنفات التي يحميها القانون غير مقصورة على المصنفات الأصلية تشمل كافة صور إعادة إظهار المصنفات الموجودة في شكل جديد" وقرر الحكم في موضع آخر "أن الطبعة التي أخرجها المدعي (المطعون ضده) في سنة 1928 لم يثبت أن أحداً من أصحاب المطابع قد أخرج مثيلاً لها من قبل" وهذا الذي انتهى إليه الحكم المطعون فيه من أن للمطعون ضده حق المؤلف على كتابه لا مخالفة فيه للقانون، ذلك أنه وإن كان من المقرر قبل صدور القانون رقم 354 لسنة 1954 بشأن حق المؤلف أن الأصل هو أن مجموعات المصنفات القديمة التي آلت إلى الملك العام بانقضاء مدة حمايتها إذا أعيد طبعها ونشرها لا يكون لصاحب الطبعة الجديدة حق المؤلف عليها إلا أنه إذا تميزت الطبعة الأصلية المنقول عنها بسبب يرجع إلى الابتكار أو الترتيب في التنسيق أو بأي مجهود آخر ذهني يتسم بالطابع الشخصي فإن صاحب الطبعة الجديدة يكون له عليها حق المؤلف ويتمتع بالحماية المقررة لهذا الحق إذ لا يلزم لإضفاء هذه الحماية أن يكون المصنف من تأليف صاحبه وإنما يكفي أن يكون عمل واضعه حديثاً في نوعه ومتسماً بطابع شخصي خاص بما يضفى على المصنف وصف الابتكار، وهذه القواعد التي قررها الفقه والقضاء من قبل صدور القانون رقم 354 لسنة 1954 قد قننها هذا القانون بما نص عليه في المادة الرابعة من أنه لا تشمل الحماية: أولاً - المجموعات التي تنتظم مصنفات عدة كمختارات الشعر والنثر والموسيقى وغيرها من المجموعات وذلك مع عدم المساس بحقوق مؤلف كل مصنف. ثانياً - مجموعات المصنفات التي آلت إلى الملك العام. ثالثاً - مجموعة الوثائق الرسمية - ومع ذلك تتمتع المجموعات سالف الذكر بالحماية إذا كانت متميزة بسبب يرجع إلى الابتكار أو الترتيب أو أي مجهود شخصي آخر يستحق الحماية - لما كان ذلك، وكان ما سجلته محكمة الموضوع بحكمها المطعون فيه وفي حدود سلطتها الموضوعية من أن المطعون ضده مهد لكتابه بمقدمة بقلمه تتضمن ترجمة لحياة المؤلف الأصلي لكتاب "زاد المعاد في هدى العباد" الذي أعاد طبعه وأن كتاب المطعون ضده يتميز عن الطبعة الأصلية بترتيب خاص مبتكر وبفهرس منظم من صنعه وأنه أدخل على النسخة الأصلية تنقيحات أجراها أحد العلماء المختصين - هذا الذي سجلته المحكمة الموضوع تتوافر به عناصر الابتكار الذي يتسم بالطابع الشخصي لصاحبه فإنه لا يكون على محكمة الموضوع معقب فيما انتهت إليه من اعتبار المطعون ضده مستأهلاً للحماية المقررة لحق المؤلف ويكون النعي على حكمها في هذا الخصوص على غير أساس.
وحيث إن حاصل السبب الثالث أن الحكم المطعون فيه أخطأ في تفسير القانون وفي تأويله ذلك أنه قضى برفض الدفع بسقوط حق المطعون ضده بالتقادم استناداً إلى القول بأن له حق المؤلف على الكتاب الذي أخرجه وأن الحق الأدبي للمؤلف لا يسقط بالتقادم هذا في حين أنه من جهة فإن المطعون ضده لا يعتبر - على ما بينه الطاعن في السبب السابق - مؤلفاً بالمعنى القانوني ومن جهة أخرى فإن حق المؤلف كغيره من الحقوق حق مؤقت بطبيعته إذ أنه ليس حق ملكية - ولم يكن حق المؤلف قبل صدور القانون رقم 354 لسنة 1954 - الذي لا ينطبق على واقعة الدعوى - محلاً للحماية إلى بقدر ما تمليه المبادئ العامة في القانون ولمدة معقولة متروك تقديرها للمحاكم ولم يكن للقاضي أن يتجاوز في تقديرها الحد الأقصى للمدد المقررة لسقوط جميع الحقوق بالتقادم وهو خمسة عشر عاماً، هذا إلى أن مقتضى حماية حق المؤلف وهو التزام الغير بعدم التعرض لإنتاجه وهذا الالتزام كسائر الالتزامات ينقضي بمضي خمسة عشر عاماً وإذا صح ما قرره الحكم من أن الحق الأدبي للمؤلف أو الجانب الأدبي من حق المؤلف لا يسقط أبداً فإن حقوق الاستغلال المادية وهي موضوع النزاع في الدعوى الحالية تسقط بالتقادم.
وحيث إن هذا النعي مردود بما سلف بيانه عند الرد على السبب الأول من أن للطاعن حق المؤلف على الكتاب الذي أخرجه وبأنه وإن لم يوجد نص قبل صدور القانون رقم 354 لسنة 1954 يحدد مدة حماية حق الاستغلال المالي المقرر للمؤلف إلا أن الرأي كان مستقراً على أن هذه الحماية تظل للمؤلف طيلة حياته على الأقل وكان عماد هذا الرأي ما أجمعت عليه التشريعات الأجنبية والاتفاقات الدولية من إضفاء الحماية المقررة لحقوق المؤلفين طوال حياة المؤلف ومدة معينة بعد وفاته وقد اقتصر الخلاف في الرأي قبل صدور القانون رقم 354 لسنة 1954 على تحديد المدة التي تستمر فيها الحماية بعد وفاة المؤلف وذلك لأن تلك التشريعات الأجنبية والاتفاقات الدولية قد اختلفت في تحديد هذه المدة، ولما كان المطعون ضده قد رفع الدعوى أثناء حياته طالباً تعويضه عن اعتداء الطاعن على حقه في استغلال مصنفه مالياً فإن حقه في رفع هذه الدعوى يكون ثابتاً وقائماً بلا جدال - وإذ كان الحكم المطعون فيه قد انتهى إلى هذه النتيجة الموافقة للقانون فإنه لا يؤثر على سلامته بعد ذلك ما عسى أن تكون قد اشتملت عليه أسبابه من تقريرات قانونية خاطئة.
وحيث إن حاصل السبب الثاني أن الحكم المطعون فيه أخطأ في القانون وشابه قصور في التسبيب وفي بيان ذلك يقول الطاعن إنه تمسك لدى محكمة الموضوع بأن الطبعة التي أخرجها المطعون ضده والمدعى بتقليدها إنما أعدت لحساب مورث الطاعن وطبعت على نفقته ودلل على ذلك بصدور إقرار من المطعون ضده نفسه أمام محكمة الاستئناف بجلسة 13 مايو سنة 1958 تضمن أنه طبع لمورث الطاعن ألف نسخة من كتاب زاد المعاد بواقع سبعين قرشاً عن كل ملزمة وأن هذه النسخ وضع عليها اسم هذا المورث وعبارة تفيد أن الطبع تم على نفقته - ورتب الطاعن على ذلك أمام محكمة الموضوع أن من حقه والأمر كذلك أن ينقل عن هذا الكتاب ويصدر منه طبعات أخرى دون أن يتعرض لأية مسئولية - لكن الحكم المطعون فيه لم يأخذ بهذا الدفاع وأهدر الإقرار القضائي الصريح سالف الذكر وأوله على غير معناه فذكر أن اسم مورث الطاعن وضع بناء على طلبه على النسخ التي اشتراها دون غيرها من نسخ الكتاب وأن ما دفعه هذا المورث من مبالغ للمطعون ضده إنما كان تغطية لثمن النسخ المحددة الكمية التي اشتراها من المطعون ضده ولم يكن ثمناً لطبعة المطعون ضده بأكملها ويرى الطاعن أن هذا الذي استخلصه الحكم غير صحيح ويناقض مدلول الإقرار القضائي الصادر من المطعون ضده كما يخالف الثابت من الأوراق ذلك أن دفع مبلغ عن كل ملزمة لا يفهم منه أن الطاعن اشترى بضع نسخ فقط من الكتاب - كما ذهب الحكم - لأن المحاسبة على أساس سعر الملزمة لا تكون إلا إذا كان الطبع تم لحساب الطاعن وعلى نفقته.
وحيث إنه يبين من الصورة الرسمية لمحضر جلسة 13 مايو سنة 1958 أن نص ما أثبت فيه على لسان المطعون ضده هو "أقرر بأن الخصم تقدم بدفتر ثابت فيه أنه طبع كتاب زاد المعاد 1000 ألف نسخة بمبلغ 70 سبعون قرشاً عن كل ملزمة وأقر بأن هذه النسخة نفسها موجود عليها اسمه واسم المطبعة التي قامت بالطبع وأيضاً يوجد بآخره خاتم باسمي أنا شخصياً وأقر أيضاً بأن الطبعة المذكورة مكتوب عليها أنها طبعت على نفقة مصطفى البابي الحلبي وعليها اسم المطبعة المصرية واسم محمد محمد عبد اللطيف" (المطعون ضده) وأثبتت المحكمة في هذا المحضر بعد ذلك أنها اطلعت على نسخة الكتاب المذكور المقدمة من المستأنف (الطاعن) جزء ثالث ورابع وأنه موجود على نفس الجزء عبارة طبعت على ذمة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر وذكر بذيل الصحيفة الأولى المطبعة المصرية إدارة محمد محمد عبد اللطيف كما ذكر في صلب الصحيفة الأولى أن الطبعة صححت بمعرفة بعض أفاضل العلماء وقوبلت على عدة نسخ وقرئت في المرة الأخيرة على فضيلة الأستاذ الكبير الشيخ حسن محمد المسعودي المدرس بالقسم العالي بالأزهر. وقد ورد بأسباب الحكم الابتدائي التي أحال إليها الحكم المطعون فيه في خصوص ما يثيره الطاعن في هذا السبب ما يلي "ولا تلتفت المحكمة لما أثاره المدعى عليه (الطاعن) من أنه كلف المدعي بطبعها لحسابه فانتهز الأخير هذه الفرصة وطبع الكتاب لنفسه أيضاً، إذ أنه ثابت أن المدعي إنما طبع لحساب المدعى عليه عدداً من نسخ الكتاب بصفته تاجراً دون أن يتخلى له عن حق الطبع بطريق الزنكوغراف كما ثبت أيضاً على النسخ التي عملت بمعرفة المدعي لحساب المدعى عليه من هذه الطبعة الأولى والتي ظهر عليها اسم ومطبعة المدعى عليها ثبت في نهايتها الخاتمة التي وضعها مصحح الكتاب المرحوم الشيخ حسن المسعودي والتي ضمنها تقريظاً لصنيع المدعي، ولو أن هذه الطبعة ملك للمدعي عليه لما سمح بإثبات هذا التقريظ في ختام النسخ التي اختص بها - هذا إلى جانب أن ما فعله المدعي مع المدعى عليه من طبع عدد من النسخ لحسابه عمل مثله لآخرين من أصحاب المطابع مثل السيد عبد الحميد الطوبى الذي أثبت على غلاف النسخ الخاصة به أنها طبعت على نفقته وجاء في ختامها نفس التقريظ سالف الذكر الأمر الذي يطابق ما حدث بالنسبة للنسخ التي عملت لحساب المدعى عليه، ولو أن هذا الأخير كان مالكاً للطبعة الأولى التي أخرجها المدعي لما سمح لهذا بأن يتجر بها ويبيع منها نسخاً أخرى لآخرين. وأضاف الحكم المطعون فيه أن كعوب الشيكات التي أشار إليها الحلبي في دفاعه كانت تغطيه لثمن النسخ المحددة الكمية التي اقتناها الحلبي من الخطيب ولم تكن على أية حال ثمناً لطبعة الخطيب بأكملها. ولما كان هذا الذي استخلصه الحكم هو استخلاص موضوعي سائغ من وقائع تؤدى إليه ولها أصلها في الأوراق وليس في هذا الاستخلاص ما ينبو عن مدلول الإقرار الصادر من المطعون ضده بجلسة 13 مايو سنة 1958 أو ما يخالف الثابت في الأوراق فإن النعي في هذا السبب لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً مما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض.
وحيث إن السبب الرابع - بعد استبعاد ما يعتبر منه تكراراً لما ورد في الأسباب السابقة - يتحصل في أن الحكم المطعون فيه شابه القصور ذلك أنه أورد في أسبابه عند تقديره التعويض أن عمل الطاعن ينطوي على منافسة غير مشروعة للمطعون ضده لأنه يؤدى إلى انصراف عملائه عنه، هذا في حين أن الثابت في الدعوى والمسلم به من المطعون ضده أنه اعتزل مهنة الطباعة والنشر وصفى أعماله فيهما منذ سنة 1934 وبذلك فلم يعد له عملاء يخشى انصرافهم عنه ولم يعد هناك مجال لمنافسته هذا، إلى أن محل القول بالمنافسة غير المشروعة هو عند تقليد العلامة التجارية وليس عند الاعتداء على حق المؤلف.
وحيث إن الحكم المطعون فيه عند تقديره التعويض قال "وحيث إنه عن مدى التعويض الذي قضت به محكمة أول درجة فإن أوضح ما يعيب اعتمادها لذلك التقدير المنخفض أنها وإن لم تغب عنها الاعتبارات المعنوية تأثرت أكثر ما تأثرت بما لحق الخطيب من ضرر مادي نتيجة لاعتداء الحلبي هذا إلى أن المحكمة لا يسعها أن تقرها على القول بأن الحلبي لم يعمد إلى منافسة الخطيب منافسة غير مشروعة طالما أنه يتضح من مجرد تقليده لطبعة الخطيب وإعدادها بمظهر يقل جودة عما امتازت به طبعة الحلبي أن هذا العمل من شأنه أن يسئ إلى الخطيب إساءة بالغة قد تحمل الكثيرين من عملائه على الانصراف على اقتناء طبعته المتقنة إلى الطبعة المقلدة التي نقل عنها ثمناً وجودة وفضلاً عن ذلك فقد كان أجدر بمحكمة أول درجة أن تولى الناحية الأدبية قسطاً أوفر من عنايتها عند تقدير التعويض إذ أن الحلبي لم يقنع بمجرد تقليد عمل الخطيب بل تجاوزه إلى نسبة هذا العمل إلى نفسه وهو اعتداء واضح على حق خصمه من الناحيتين المادية والأدبية وذلك ما يبرر تعديل الحكم ورفع التعويض إلى خمسمائة جنيه" ولما كان الحكم المطعون فيه قد أثبت في أسبابه الأخرى أن الطبعة التي أخرجها الطاعن مقلدة عن الطبعة التي أخرجها المطعون ضده تقليداً تاماً وهو أمر لا يقره القانون فإن من شأن نشر الطاعن لطبعته وطرحها للبيع في السوق منافسة كتاب المطعون ضده وهي منافسة لا شك في عدم شرعيتها ولا ينفي قيام هذه المنافسة غير المشروعة أن يكون المطعون ضده قد اعتزل مهنة الطباعة والنشر وصفى أعماله فيهما ما دام كتابه ما زال مطروحاً للبيع في السوق ومن ثم يكون النعي على الحكم بهذا السبب على غير أساس أيضاً.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن برمته غير صحيح متعيناً رفضه.


(1) تضمن هذا الحكم مبادئ أخري تضمنها حكم الطعن رقم 13 لسنة 29 ق بذات الجلسة ونشر بالعدد الحالي ص 920.

الطعن 13 لسنة 29 ق جلسة 7 / 7 / 1964 مكتب فني 15 ج 2 ق 141 ص 920

جلسة 7 من يوليه سنة 1964

برياسة السيد المستشار/ الدكتور عبد السلام بلبع، وبحضور السادة المستشارين: محمود توفيق إسماعيل، وحافظ محمد بدوي، وإبراهيم الجافي، وصبري فرحات.

-------------------

(141)
الطعن رقم 13 لسنة 29 القضائية

( أ ) حق. مؤلف. "حق المؤلف". "إعادة طبع المصنفات القديمة".
المصنفات القديمة التي آلت إلى الملك العام بانقضاء مدة حمايتها. إعادة طبعها ونشرها. الأصل أنه ليس لصاحب الطبعة الجديدة حق المؤلف عليها. تميز الطبعة الجديدة عن الطبعة الأصلية المنقول عنها بسبب الابتكار أو الترتيب في التنسيق أو بأي مجهود ذهني يتسم بالطابع الشخصي، ثبوت حق المؤلف لصاحب الطبعة الجديدة وتمتعه بالحماية المقررة لهذا الحق. لا يلزم لإضفاء هذه الحماية كون المصنف من تأليف صاحبه. يكفي أن يكون عمله واضعه حديثاً في نوعه ومتميزاً بطابع شخصي خاص بما يضفى عليه وصف الابتكار. مثال.
(ب) حق. مؤلف. "حق المؤلف". "حق الاستغلال المالي". "مدة حمايته".
حق الاستغلال المالي المقرر للمؤلف. استقرار الرأي قبل القانون 354 سنة 1954 على أن مدة حمايته تظل للمؤلف طيلة حياته على الأقل.
(ج) حق. مؤلف. "حق المؤلف". "استغلاله". "الاعتداء عليه".
حق استغلال المصنف مالياً. ثبوته للمؤلف وحده. لا يجوز لغيره مباشرته دون إذن سابق منه أو ممن يخلفه، حرية المؤلف في أن يجيز لمن يشاء نشر مؤلفه وأن يمنعه عمن يشاء وأن يسكت على الاعتداء على حقه مرة دون أخرى. لا يعتبر سكوته في المرة الأولى مانعاً من مباشرة حقه في دفع الاعتداء في المرة الثانية.
(د) بيع. "آثاره". "التزامات البائع". "ضمان التعرض والاستحقاق".
التزام البائع القانوني بالضمان. قابليته للتعديل سواء بتوسيع نطاقه أو تضييق مداه أو الإبراء منه. اشتراط الضمان في عقد البيع بألفاظ عامة لا يعتبر تعديلاً لأحكام هذا الالتزام. علم المشتري والبائع وقت التعاقد بسبب التعرض أو الاستحقاق. نصهما على شرط الضمان في العقد. دلالته على أن الغرض منه هو تأمين المشتري من الخطر الذي يهدده، وذلك بالتزام البائع بالتضمينات علاوة على رد الثمن في حالة استحقاق المبيع.

-------------------------
1 - إنه وإن كان الأصل أن مجموعات المصنفات القديمة التي آلت إلى الملك العام بانقضاء مدة حمايتها إذا أعيد طبعها ونشرها لا يكون لصاحب الطبعة الجديدة حق المؤلف عليها، إلا أنه إذا تميزت هذه الطبعة عن الطبعة الأصلية المنقول عنها بسبب يرجع إلى الابتكار أو الترتيب في التنسيق أو بأي مجهود آخر ذهني يتسم بالطابع الشخصي فإن صاحب الطبعة الجديدة يكون له عليها حق المؤلف، ويتمتع بالحماية المقررة لهذا الحق، إذ لا يلزم لإضفاء هذه الحماية أن يكون المصنف من تأليف صاحبه وإنما يكفي أن يكون عمل واضعه حديثاً في نوعه ومتميزاً بطابع شخصي خاص بما يضفى عليه وصف الابتكار - وهذه القواعد التي قررها الفقه والقضاء من قبل صدور القانون رقم 354 لسنة 1954 الخاص بحماية حق المؤلف قد قننها هذا القانون بما نص عليه في المادة الرابعة منه. فإذا كانت محكمة الموضوع قد سجلت - وفي حدود سلطتها التقديرية - أن المطعون ضده مهد لكتابة بمقدمة بقلمه تتضمن تراجم للمؤلف الأصلي للكتاب وللشارح له استقى عناصرها من أمهات الكتب القديمة ولم يكن لها نظير في الطبعة الأصلية التي نقل عنها، وأن كتاب المطعون ضده يتميز عن هذه الطبعة بترتيب خاص فريد في نوعه وبفهرس منظم وأنه أدخل على الطبعة الأصلية تنقيحات أجراها أحد العلماء المختصين، فإن هذا الذي سجلته محكمة الموضوع تتوفر به عناصر الابتكار الذي يتسم بالطابع الشخصي لصاحبه، ولا يكون على المحكمة بعد ذلك معقب فيما انتهت إليه من اعتبار المطعون ضده مستأهلاً للحماية المقررة لحق المؤلف.
2 - إنه وإن لم يوجد نص قبل صدور القانون رقم 354 لسنة 1954 يحدد مدة حماية حق الاستغلال المالي المقرر للمؤلف، إلا أن الرأي كان مستقراً على أن هذه الحماية تظل للمؤلف طيلة حياته على الأقل.
3 - حق استغلال المصنف مالياً هو للمؤلف وحده ولا يجوز لغيره مباشرة هذا الحق دون إذن سابق منه أو ممن يخلفه، وللمؤلف وحده أن ينقل إلى الغير الحق في مباشرة حقوق الاستغلال المقررة له كلها أو بعضها وأن يحدد في هذه الحالة مدة استغلال الغير لما تلقاه منه من هذه الحقوق. ومقتضى ذلك أن المؤلف حر في أن يجيز لمن يشاء نشر مؤلفه وأن يمنعه عمن يشاء وفي أن يسكت على الاعتداء على حقه إذا وقع من شخص، ولا يسكت عليه إذا تكرر من نفس المعتدى أو وقع من غيره وذلك دون أن يعتبر سكوته في المرة الأولى مانعاً له من مباشرة حقه في دفع الاعتداء في المرة الثانية ما دام هذا الحق قائماً ولما ينقض (1).
4 - إذا كان الأصل أنه لا يجوز للمشتري عند حصول تعرض له في الانتفاع بالمبيع أو عند استحقاق هذا المبيع أن يرجع عن البائع بالتعويضات إذا كان المشتري يعلم وقت البيع بسبب التعرض أو الاستحقاق، إلا أن التزام البائع القانوني بالضمان يقبل التعديل باتفاق العاقدين سواء على توسيع نطاقه أو تضييق مداه أو الإبراء منه بحسب الغرض الذي يقصدانه من اتفاقهما. وأنه وإن كان اشتراط الضمان في عقد البيع بألفاظ عامة لا يعتبر تعديلاً في الأحكام التي وضعها القانون لهذا الالتزام، إلا أنه إذا كان المشتري والبائع كلاهما عالمين وقت التعاقد بسبب التعرض أو الاستحقاق فإنه في هذه الحالة يدل النص على شرط الضمان في العقد - وهو أصلاً لا حاجة إليه - على أن الغرض منه هو تأمين المشتري من الخطر الذي يهدده تأميناً لا يكون إلا بالتزام البائع بالتضمينات علاوة على رد الثمن في حالة استحقاق المبيع (2).


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع تتحصل على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن في أن المطعون ضده الأول أقام في 18 من يناير سنة 1955 الدعوى رقم 217 سنة 1955 تجاري كلي القاهرة ضد الطاعن بصفته طالباً إلزامه بأن يدفع له على سبيل التعويض المؤقت مبلغ سبعة آلاف جنيه وقال في بيان دعواه إنه قام بإعداد وطبع كتاب صحيح الإمام مسلم بشرح النووي وهو من أكبر كتب السنة النبوية ويقع في خمسة آلاف صفحة - وأخرجه في صورة مبتكرة لم يسبقه إليها أحد وبذل في ذلك جهداً كبيراً فوضع للكتاب تراجم للإمام مسلم وللإمام النووي (شارح الكتاب) استقى عناصرها من بطون أمهات كتب التراجم كما قام بترتيب الكتاب ترتيباً خاصاً وبوبه وراجعة مراجعة دقيقة وقام بتصحيحه واستعمل في طباعته أدوات خاصة وأحرف ممتازة استوردها من الخارج، وبعد أن قام بنشر هذا الكتاب علم بأن الطاعن قام بتقليده بطريق الزنكوغراف ووضع أكليشهات له طبع عليها سائر الكتاب عدة طبعات متماثلة وقد بلغ التقليد إلى حد أن الطاعن نقل في هذه الطبعات خاتمة الكتاب وهي قصيدة لأحد كبار العلماء في تقريظ الكتاب ومخرجه (المطعون ضده) وبالجملة فإن الكتاب الذي أخرجه الطاعن جاء صورة مطابقة تماماً لكتابه فيما عدا ما لجأ إليه الطاعن من رفع اسم المدعي واسم مطبعته من على الكتاب ووضع اسمه هو واسم مطبعته بدلاً منهما. ومضي المدعي (المطعون ضده) قائلاً إنه لما كان له الحق المؤلف على كتابه سالف الذكر ما يترتب على هذا الحق من أن يكون له وحده الحق في استغلال المصنف والتصرف فيه، وكان ما فعله المدعى عليه (الطاعن) بغير إذن منه يعتبر اعتداء على حقه هذا وأمراً مخالفاً للقانون وقد ناله ضرر من جرائه فقد رفع الدعوى بطلب تعويضه عن هذا الضرر وحدد مبلغ التعويض على أساس أن الطاعن قام بطبع الكتاب أربع مرات وأن الطابعة الواحدة مكونة من ثلاث آلاف نسخة وأن ربحه من النسخة الواحدة لا يقل عن 3 ج و300 م. ولدى نظر الدعوى أمام المحكمة الابتدائية وجه الطاعن دعوى ضمان إلى ورثة المرحوم محمود توفيق (المطعون عليهم من الثاني إلى الأخير) وطلب الحكم عليهم بأن يدفعوا له من تركة مورثهم المذكور ما عسى أن يحكم به عليه لصالح المدعي (المطعون عليه الأول) وذلك تأسيساً على أن مورثهم قد باع إليه بعقد تاريخه 23 من فبراير سنة 1946 الكليشيهات التي طبع عليها كتابه المدعي بحصول التقليد فيه وضمن في هذا العقد كل تعرض له من الغير في استعمال تلك الكليشيهات - ودفع الطاعن دعوى المطعون ضده الأول: أولاً - بسقوط الحق في إقامتها بالتقادم تأسيساً على القول بأنه بفرض أن لمدعيها حق المؤلف على كتابه فإن هذا الحق قد سقط بمضي أكثر من خمسة عشر سنة بين إصداره هذا الكتاب في سنة 1930 وبين إصدار الطاعن كتابه في سنة 1947 وأنه لا يجوز تطبيق أحكام القانون رقم 354 لسنة 1954 في شأن تحديد مدة حماية حق المؤلف لصدوره بعد تاريخ حدوث الواقعة المسببة للتعويض المطالب به. ثانياً - بعدم قبول الدعوى تأسيساً على القول بأن حماية الملكية الأدبية لا تكون إلا للمؤلف والمدعي لا يصدق عليه هذا الوصف وبالتالي فلا تكون له صفة في رفع الدعوى المستندة إلى هذه الحماية. وتحصل دفاع الطاعن في موضوع الدعوى الأصلية في أن الكتاب المدعي بتقليده هو من الكتب القديمة التي أصبحت ملكاً للمجتمع والمباح طبعها ونشرها وأن المرحوم محمد توفيق الذي باعه الاكليشهات قام بطبع كتاب المطعون ضده ونشره في سنة 1934 وعلم الأخير بذلك في حينه ولم يحرك ساكناً، وأضاف الطاعن أن كل ما طبعه من الكتاب هو خمسمائة نسخة لا يعدو صافي ربحه منها مبلغ 311 ج. وبتاريخ 16 من مايو سنة 1957 حكمت المحكمة الابتدائية: أولاً - في موضوع الدعوى الأصلية برفض الدفع بسقوط الحق في المطالبة والدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها من غير ذي صفة وبإلزام المدعى عليه (الطاعن) بأن يدفع للمدعي (المطعون ضده الأول) مبلغ أربعمائة جنيه على سبيل التعويض. ثانياً - في موضوع دعوى الضمان برفضها. استأنف الطرفان هذا الحكم أمام محكمة استئناف القاهرة وطلب المطعون ضده الأول في استئنافه الذي قيد برقم 279 سنة 74 ق زيادة التعويض المقضى له به إلى مبلغ 7000 ج، وطلب الطاعن في استئنافه الذي قيد برقم 364 سنة 74 ق إلغاء الحكم المستأنف والحكم أصلياً بسقوط حق المستأنف عليه الأول (المطعون عليه الأول) لمضي المدة القانونية المسقطة للحق وبعدم قبول الدعوى لرفعها من غير ذي صفة وفي موضوع الاستئناف برفضه واحتياطياً الحكم في دعوى الضمان بإلزام المستأنف عليهم عدا الأول (المطعون عليهم من الثاني للأخيرة) بأن يدفعوا له ما عسى أن يحكم به عليه الطاعن. وبعد أن ضمت المحكمة الاستئنافين حكمت فيهما بتاريخ 18 من نوفمبر سنة 1958 بقبولهما شكلاً وبرفض الدفعين بسقوط الحق في طلب التعويض وبعدم قبول الدعوى لرفعها من غير ذي صفة وفي الموضوع بتعديل الحكم المستأنف فيما قضى به من تعويض وبزيادة هذا التعويض إلى مبلغ ألفين جنيه وبتأييد الحكم فيما قضى به من رفض دعوى الضمان - فطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض وعرض الطعن على دائرة فحص الطعون بجلسة 18 من أكتوبر سنة 1961 وفيها صممت النيابة على المذكرة المقدمة منها والتي انتهت فيها إلى طلب نقض الحكم وقررت دائرة الفحص إحالة الطعن إلى هذه الدائرة وبالجلسة المحددة لنظره تمسكت النيابة برأيها السابق.
وحيث إن الطعن بني على أربعة أسباب ينعى الطاعن في أولها على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون، وفي بيان ذلك يقول إن "صحيح مسلم" ليس إلا مجموعة من الأحاديث النبوية الشريفة قام بجمعها وتحقيق أسانيدها الإمام مسلم منذ مئات السنين وتولى شرح هذه المجموعة الإمام النووي منذ أكثر من مائة عام ومن ثم فلا يمكن أن يكون للمطعون ضده الأول حق المؤلف لا بالنسبة لصحيح مسلم ولا بالنسبة لشرح النووي ذلك أن وصف المؤلف لا يصدق قانوناً إلا على من قام بمجهود ذهني يتسم بطابع الابتكار ومجهود المطعون ضده في إخراج كتابه المدعي بتقليده لا يعدو أن يكون مجهوداً مادياً إذ اقتصر - على ما قاله هو في عريضة دعواه - على استعمال ورق جيد وحروف استوردها من الخارج في طبع الكتاب ولم يكن له فضل ابتكار هذه الحروف أو التفنن في تصميمها وإنما انحصر عمله في جمعها وتنسيقها بواسطة عمال فنيين ومن ثم فإن الحكم المطعون فيه يكون قد أخطأ في القانون حين اعتبره مؤلفاً وأسبغ عليه الحماية المقررة لحقوق المؤلفين ولا يشفع للحكم ما قاله من أن المطعون ضده قام بتصحيح الكتاب على نسخته الأصلية وأنه صدره بترجمة للإمام مسلم أو للإمام النووي ووضع له فهرساً من صنعه، ذلك أن التصحيح والتنقيح وتحقيق الكتب القديمة بمطابقتها على أصولها كل هذه الأعمال لا تعتبر من قبيل التأليف الجدير بالحماية لأنها لا تتسم بالطابع الشخصي لمن قام بها ولا تتميز بطابع الابتكار كما أن التصحيح من عمل الطابع، وهو عمل مادي لا يستلزم مجهوداً ذهنياً، أما عن تصدير الكتاب بترجمة للإمامين مسلم والنووي فإن المطعون ضده لم يدع أنه ألف هذه الترجمة بل قال إنه نقلها عن تذكرة الحفاظ وغيرها فعمله في وضع هذه المقدمة لا يعدو دائرة التجميع وهو لا يندرج في أعمال المؤلف إلا إذا داخله التفنن في النقل عن كتب الغير أو ترتيبها على نحو خاص يكسوها جدة وهو الأمر المنتفي في المقدمة التي صدر بها المطعون ضده الأول كتابه، كما وأن وضع الفهرس يدخل في عمل الطابع ولا يمكن أن يوصف بأنه ابتكار لأن الفهرس لا يضيف جديداً إلى المصنف، هذا إلى أن وضع فهارس للكتب الدينية ليس فكرة مبتكرة اهتدى إليها المطعون ضده لأنها موجودة في كل الكتب الدينية القديمة وانتهى الطاعن إلى أنه لما كان الحكم المطعون فيه لم يثبت أن المطعون ضده الأول قد ابتكر شيئاً جديداً في عالم الفكر أو أقام بتعديل أو أضاف إلى طبعته إضافات ذات قيمة علمية فإنه ليس ثمة ما يبرر قانوناً إضفاء الحماية المقررة لحق المؤلف عليه والحكم له بالتعويض.
وحيث إنه ورد بأسباب الحكم الابتدائي التي أحال إليها الحكم المطعون فيه بصدد ما يثيره الطاعن في هذا السبب ما يلي، وبما أنه متى تقررت حماية حق المؤلف حتى قبل صدور القانون رقم 354 لسنة 1954 تعين البحث في نطاق هذا الحق وهل يمتد فيشمل المجهود الذي بذله المدعي (المطعون ضده الأول) في صدد كتاب صحيح الإمام مسلم بشرح النووي. وبما أن الفقه والقضاء قد وسعا في نطاق حماية حق المؤلف حتى لقد شمل كل صور الابتكار مهما ضؤلت. فإعادة طبع الكتب القديمة تخول حق الملكية الأدبية في الطبعة الحديثة متى كانت مختلفة عن القديمة ولو في الترتيب الذي ينم عن المجهود الخاص" وبعد أن أورد الحكم بعض آراء الشراح وأحكام المحاكم ذكر أن القانون رقم 354 سنة 1954 صدر متضمناً المبادئ التي استقر عليها الفقه والقضاء قبل صدوره ومنظماً لها وأشار الحكم إلى ما تضمنته المادة الرابعة من هذا القانون ثم قال "وبما أن المحكمة تستلهم هذه المبادئ جميعها التي سادت قبل صدور القانون رقم 354 لسنة 1954 والنص التشريعي الذي أورده هذا القانون للقول بأن ما قام به المدعي من مجهود ملحوظ في شأن كتاب صحيح مسلم بشرح النووي من حيث ترتيبه ترتيباً خاصاً لم يسبق إليه وتقديمه بتراجم للإمام مسلم والإمام النووي (شارح الكتاب) استقاها على ما هو ثابت في عنوانها، من كتاب تهذيب الأسماء والمؤلفات وتذكرة الحفاظ ثم تصحيحه ومراجعته بمعرفة علماء مختصين ثم وضع فهرس منظم له وطبعه بأحرف ممتازة لم يثبت للمحكمة وجود عهد لها من قبل في مثل هذه الكتب الدينية، كل أولئك يعتبر من قبيل الابتكار والمجهود الشخصي الذي بذله المدعي ليخرج للناس كتاباً تسهل قراءته ويرتاح إليه النظر، فإذا عدا معتد على هذا الكتاب بوضعه المشار إليه وصور صفحاته على نحو ما فعل المدعى عليه بالزنكوغراف وطبع عليه مصنفاً نسبة إلى نفسه فإن هذا الفعل يندرج ولا شك تحت الصور التي تستأهل تدخل القانون لحماية واضع المصنف في صورته المعتدى عليها إذ أن المصنفات التي يحميها المشرع غير مقصورة على المصنفات الأصلية بل تشمل " كافة صور إعادة إظهار المصنفات الموجودة في شكل جديد" وهذا الذي قرره الحكم من أن للمطعون ضده الأول حق المؤلف على كتابه لا مخالفة فيه للقانون، ذلك أنه وإن كان الأصل أن مجموعات المصنفات القديمة التي آلت إلى الملك العام بانقضاء مدة حمايتها إذا أعيد طبعها ونشرها لا يكون لصاحب الطبعة الجديدة حق المؤلف عليها، إلا أنه إذا تميزت هذه الطبعة عن الطبعة الأصلية المنقولة عنها بسبب يرجع إلى الابتكار أو الترتيب في التنسيق أو بأي مجهود آخر ذهني يتسم بالطابع الشخصي فإن صاحب الطبعة الجديدة يكون له عليها حق المؤلف، ويتمتع بالحماية المقررة لهذا الحق، إذ لا يلزم لإضفاء هذه الحماية أن يكون المصنف من تأليف صاحبه وإنما يكفي أن يكون عمل واضعه حديثاً في نوعه ومتميزاً بطابع شخصي خاص بما يضفى عليه وصف الابتكار - وهذه القواعد التي قررها الفقه والقضاء من قبل صدور القانون رقم 354 لسنة 1954 الخاص بحماية حق المؤلف قد قننها هذا القانون بما نص عليه في المادة الرابعة من أنه" لا تشمل الحماية (أولاً) المجموعات التي تنتظم مصنفات عدة كمختارات الشعر والنشر والموسيقى وغيرها من المجموعات وذلك مع عدم المساس بحقوق مؤلف كل صنف (ثانياً) مجموعات المصنفات التي آلت إلى الملك العام (ثالثاً) مجموعات الوثائق الرسمية - ومع ذلك تتمتع المجموعات سالفة الذكر بالحماية إذا كانت متميزة بسبب يرجع إلى الابتكار والترتيب أو أي مجهود شخصي آخر يستحق الحماية" - لما كان ما تقدم، وكان ما سجلته محكمة الموضوع بحكمها المطعون فيه - وفي حدود سلطتها التقديرية - من أن المطعون ضده الأول مهد لكتابه بمقدمة بقلمه تتضمن تراجم للإمام مسلم والإمام النووي استقى عناصرها من أمهات الكتب القديمة ولم يكن لها نظير في الطبعة الأصلية التي نقل عنها وأن كتاب المطعون ضده الأول يتميز عن هذه الطبعة بترتيب خاص فريد في نوعه وبفهرس منظم وأنه أدخل على الطبعة الأصلية تنقيحات أجراها أحد العلماء المختصين، هذا الذي سجلته المحكمة تتوافر به عناصر الابتكار الذي يتسم بالطابع الشخصي لصاحبه فإنه لا يكون على محكمة الموضوع بعد ذلك معقب فيما انتهت إليه من اعتبار المطعون ضده مستأهلاً للحماية المقررة لحق المؤلف ويكون النعي على حكمها في هذا الخصوص على غير أساس.
وحيث إن مبنى السبب الثالث والوجه الأول من السبب الرابع أن الحكم المطعون فيه أخطأ في تفسير القانون وتطبيقه وشابه قصور في التسبيب ذلك أن الطاعن دفع أمام محكمة الموضوع بسقوط حق المطعون ضده الأول بالتقادم وأقام هذا الدفع على أساسين (الأساس الأول) أن المطعون ضده المذكور طبع كتابه ونشره في سنة 1930 ثم قام من بعده المرحوم محمود توفيق بطبع نفس الكتاب وبذات كليشهاته في سنة 1934 دون أن يعترض المطعون ضده على ذلك وقد اشترى الطاعن هذه الكليشهات من محمود توفيق في سنة 1946 وطبع بها الكتاب ونشر طبعته في سنة 1947 وأنه وإذ كان له بصفته خلفاً خاصاً للبائع له أن يتمسك بها كان يجوز للأخير أن يتمسك به من الدفوع قبل المطعون ضده وكان لسلفه لو أنه هو الذي أصدر الكتاب بدلاً من الطاعن في سنة 1947 أن يتمسك قبل المطعون ضده الأول بسقوط حقه في الاعتراض على استخدام تلك الاكليشهات في إخراج هذه الطبعة الجديدة وذلك لسكوته عن الاعتراض مدة تزيد على خمس عشرة سنة بعد إصدار محمود توفيق طبعته في سنة 1934 فإن للطاعن أن يتمسك بسقوط حق المطعون ضده بالتقادم على الأساس المتقدم الذكر (الأساس الثاني) أن الواقعة المسببة للتعويض الذي طالب به المطعون ضده حدثت قبل صدور القانون رقم 354 لسنة 1954 وبالتالي فلا تنطبق أحكامه عليها وإنما يحكمها نصوص القانون المدني القديم ومن بينها نص المادة 208 التي كانت تقضى بزوال جميع التعهدات والديون بمضي مدة خمسة عشر عاماً وهذا التقادم المسقط يصلح سبباً لزوال جميع الحقوق الشخصية والعينية ما عدا حق الملكية، وإذ كان من المقرر أن حق المؤلف ليس حق ملكية بالمعنى القانوني لأنه لا يرد على شيء مادي فإن حق المؤلف يسقط كغيره من الحقوق بعدم استعماله مدة خمسة عشر عاماً. ولما كان المطعون ضده الأول أخرج طبعته في سنة 1930 واعتزل العمل في ميدان الطباعة وصفى أعماله فيها في سنة 1934 فإن حقه يكون قد سقط قبل رفعه هذه الدعوى في سنة 1955 - ويقول الطاعن إن محكمة الاستئناف قضت برفض الدفع تأسيساً على ما قالته من أن مدة التقادم لا تسري إلا من تاريخ الاعتداء على حق المؤلف وأن الحق الأدبي للمؤلف لا يسقط بمضي المدة. وبذلك تكون المحكمة قد بعدت عن مقطع النزاع كما أغفلت الرد على الأساس الأول الذي بني عليه دفعه - ذلك أنه لا علاقة للنزاع الماثل بالحق الأدبي للمؤلف كما أنه ليس فيما ذكرته المحكمة ما يحمل الرد على الأساس المذكور، ويضيف الطاعن أنه حتى لو صح ما ذهبت إليه المحكمة من أن بداية التقادم تكون من تاريخ الاعتداء على حق المؤلف فإن هذا الاعتداء - قد حدث في سنة 1934 بمعرفة المرحوم محمود توفيق الذي يعتبر الطاعن خلفاً خاصاً له ولذلك فإن حق المطعون ضده الأول في الاعتراض قد سقط على كل حال بمضي أكثر من خمس عشرة سنة من هذا التاريخ حتى رفع الدعوى الحالية.
وحيث إنه وإن لم يوجد نص قبل صدور القانون رقم 354 لسنة 1954 يحدد مدة حماية حق الاستغلال المالي المقرر للمؤلف إلا أن الرأي كان مستقراً على أن هذه الحماية تظل للمؤلف طيلة حياته على الأقل، وكان عماد هذا الرأي ما أجمعت عليه التشريعات الأجنبية والاتفاقات الدولية من إضفاء الحماية المقررة لحقوق المؤلفين طوال حياة المؤلف ومدة معينة بعد وفاته، وقد اقتصر الخلاف في الرأي قبل صدور القانون رقم 354 لسنة 1954 على تحديد المدة التي تستمر فيها الحماية بعد وفاة المؤلف وذلك لأن تلك التشريعات الأجنبية والاتفاقات الدولية قد اختلفت في تحديد هذه المدة، ولما كان المطعون ضده قد رفع الدعوى أثناء حياته طالباً تعويضه عن اعتداء الطاعن على حقه في استغلال مصنفه مالياً فإن حقه في رفع هذه الدعوى يكون ثابتاً وقائماً بلا جدال. ولا يقدح في ذلك ما يقوله الطاعن من أن المطعون ضده المذكور لم ينشط إلى استعمال حقه عندما أصدر المرحوم محمود توفيق طبعته في سنة 1934 وأنه ظل ساكتاً على هذا الاعتداء مدة تزيد على خمسة عشر سنة قبل أن يرفع دعواه الحالية مما يسقط حقه في رفعها بالتقادم باعتبار أن الطاعن خلف لمحمود توفيق يملك التمسك بالتقادم الذي كان لسلفه أن يتمسك به - هذا القول لا يقدح في صحة النظر السابق، ذلك أن حق استغلال المصنف مالياً هو للمؤلف وحده ولا يجوز لغيره مباشرة هذا الحق دون إذن سابق منه أو ممن يخلفه، وللمؤلف وحده أن ينقل إلى الغير الحق في مباشرة حقوق الاستغلال المقررة له كلها أو بعضها وأن يحدد في هذه الحالة مدة استغلال الغير لما تلقاه منه من هذه الحقوق، ومقتضى ذلك أن المؤلف حر في أن يجيز لمن يشاء نشر مؤلفه وأن يمنعه عمن يشاء وفي أن يسكت على الاعتداء على حقه إذا وقع من شخص ولا يسكت عليه إذا تكرر من نفس المعتدى أو وقع من غيره وذلك دون أن يعتبر سكوته في المرة الأولى مانعاً له من مباشرة حقه في دفع الاعتداء في المرة الثانية ما دام هذا الحق قائماً له ولما ينقض - ولا محل لتمسك الطاعن في هذا الخصوص بأنه خلف خاص لمحمود توفيق إذ ليس من شأن هذه الخلافة أن تنقل إليه حقاً خاصاً بالمطعون ضده الأول وحده ليس لغيره أن يتصرف فيه، وذلك اللهم إلا إذ كان هذا المطعون ضده قد نقل حقه في الاستغلال لمحمود توفيق وإذن له بالتصرف فيه إلى الغير وهو ما لم يدعه الطاعن أو يقدم الدليل عليه. لما كان ما تقدم، فإن الحكم المطعون فيه إذ انتهى إلى رفض الدفع بالتقادم يكون للأسباب المتقدمة الذكر قد انتهى إلى نتيجة موافقة للقانون ولا يؤثر على سلامته بعد ذلك ما ورد في أسبابه في هذا الخصوص من تقريرات قانونية غير صحيحة إذ لمحكمة النقض أن تصحح هذا الخطأ بغير أن تنقض الحكم كذلك فإن النعي عليه بالقصور لإغفاله الرد على الأساس الأول الذي بني عليه الطاعن دفعه بسقوط الحق. والذي تضمنته صحيفة استئنافه - هذا النعي يكون غير منتج.
وحيث إن الطاعن ينعى في الوجه الثاني من السبب الرابع على الحكم المطعون فيه القصور في التسبيب وفي بيان ذلك يقول عن محكمة الاستئناف ذكرت في حكمها المطعون فيه عند تقدير التعويض أنه قد ثبت لها خلافاً لما قررته المحكمة الابتدائية أن الطاعن أعاد طبع الكتاب أربع مرات لا مرة واحدة كما جاء في الحكم الابتدائي - وقد بنت محكمة الاستئناف تقديرها للتعويض على هذا الأساس وعلى أساس ما ذكرته على سبيل الترجيح من أن الطاعن باع خمسمائة نسخة من كل طبعة - ولم تبين محكمة الاستئناف من أين استمدت ما انتهت إليه من أن الطاعن طبع كتابه أربع مرات واكتفت بقول بثبوت هذه الواقعة دون أن تذكر مصدر هذا الثبوت المزعوم الذي حدا بها إلى رفع التعويض المحكوم به ابتدائياً من أربعمائة جنيه إلى ألفين من الجنيهات وإذ كانت المحكمة قد ذكرت في موضع آخر من حكمها أنها لاحظت وجود أربع طبعات إلا أنها لم تسند هذه الملاحظة إلى أساس من الواقع يمكن معه الاطمئنان إلى سلامة الملاحظة فلم تبين تاريخ كل طبعة ووجوه المغايرة بين الطبعات وهذا كله من شأنه أن يعجز محكمة النقض عن تحقيق رقابتها على قول الحكم في هذا الصدد وعن التثبت مما إذا كان هذا القول مستمداً من مصدر ينتجه أو من مصدر وهمي لا أساس له من الواقع.
وحيث إنه يبين من الأوراق ومن الوقائع المتقدم ذكرها أن الطاعن تمسك أمام محكمة الموضوع بأنه لم يطبع من الكتاب محل النزاع سوى طبعة واحدة مكونة من خمسمائة نسخة وأن صافي ربحه فيها هو مبلغ 311 جنيهاً فقط وقد أخذت المحكمة الابتدائية عند تقديرها للتعويض بقول الطاعن من أنه طبع الكتاب طبعة واحدة وقدرت التعويض على هذا الأساس وقالت في أسباب حكمها "إنه لم يثبت للمحكمة أن المدعى عليه (الطاعن) طبع الكتاب سوى مرة واحدة تلك التي أخرجت في سنة 1947" وحكمت للمطعون ضده الأول بتعويض قدره أربعمائة جنيه - غير أن محكمة الاستئناف رفعت هذا المبلغ إلى ألفين من الجنيهات واستندت أساساً في تبرير هذا التعديل إلى ما قالته من "أنه ثبت لدى المحكمة أن الضرر المادي يفوق تقدير محكمة أول درجة بدليل أنه خلافاً لما ذكر في أسباب حكمها تبين للمحكمة في المرحلة الاستئنافية أن الحلبي كان قد عمد إلى إعداد الطبعة المقلدة أربع مرات لا مرة واحدة كما جاء في الحكم... وقد تبين توكيداً للضرر المادي أن الحلبي باع 100 نسخة من الطبعة المقلدة إلى كلية أصول الدين بسعر النسخة الواحدة 270 قرشاً في حين أن سعر التكلفة لا يجاوزه 115 قرشاً كما يستفاد من مذكرة الحلبي ذاته رقم 24 ملف ابتدائي وقد أقر هذا الأخير في هذه المذكرة بأنه باع ما يزيد على خمسمائة. ويقول الخطيب إن هذا الرقم يمثل المبيعات من كل طبعة على الأقل وهو ما ترجحه المحكمة" وجاء بأسباب الحكم المطعون فيه في موضع آخر سابق " وحيث إن الخطيب قدم مجلدين من الكتاب صحيح مسلم للإمام النووي المطبوع بمطبعته ومجلدين وأربع مجلدات من الكتاب المقلد قد تبين للمحكمة من فحصها للمجلدات الأربع أنها لطبعات أربع غير متماثلة وفي ذلك ما يؤيد وجهة نظر الخطيب في أنها طبعت أربع مرات على الأقل ولا سند للواقع فيما استند إليه الحلبي من أن هناك فوارق بين نسخة الخطيب والنسخة المقلدة وهذا لا يحول دون القطع بأن بين النسخ المقلدة ما يثبت طبعها على مراحل متتالية لا مرة واحدة".
وحيث إنه علاوة على ما يشوب هذه الفقرة الأخيرة من الحكم من الغموض فإنه وقد تمسك الطاعن بأنه لم يطبع من كتابه الذي اعتبرته المحكمة تقليداً لكتاب المطعون ضده الأول سوى طبعة واحدة ووافقه الحكم الابتدائي على ذلك وسجل أنه لم يثبت للمحكمة أن الطاعن طبع كتابه سوى مرة واحدة وهي التي أخرجها في سنة 1947 فإنه كان لزاماً على محكمة الاستئناف وقد خالفت المحكمة الابتدائية في رأيها في هذا الخصوص أن تبين في حكمها كيف ثبت لها ما قرر الحكم الابتدائي أنه غير ثابت وأن تدلل على ثبوته ولا يكفي في ذلك ما قررته بحكمها المطعون فيه في عبارة مجملة من أنه تبين لها من فحص المجلدات الأربعة التي قدمها المطعون ضده من الكتاب المقلد (كذا) أنها لطبعات أربع غير متماثلة دون أن تبين أوجه المغايرة بين هذه المجلدات تلك المغايرة التي جعلها تعتبر كلاً منها من طبعة غير التي منها الآخر وإذ أغفل الحكم بيان ذلك وشابه الغموض على ما تقدم ذكره فإنه يكون معيباً بالقصور في هذا الخصوص بما يتعين نقضه فيه.
وحيث إن الطاعن ينعى في السبب الثاني على الحكم المطعون فيه الخطأ في القانون والقصور في التسبيب ومسخ العقد الصادر إليه من المرحوم محمود توفيق وفي بيان ذلك يقول إن الحكم أقام قضاءه برفض دعوى الضمان التي وجهها إلى ورثة الأخير على أنه - الطاعن - حين تعاقد مع محمود توفيق كان يعلم بأن الكليشيهات المبيعة مأخوذة من صفحات كتاب للمطعون ضده الأول فضلاً عن أن محمود توفيق عندما باع الأكليشيهات إلى الطاعن لم يضمن العقد التصرف في حق طبع الكتاب وأن كل ما ضمنه هو أنه مالك لتلك الأكليشيهات من حيث هي. ويرى الطاعن أن هذا الذي قرره الحكم ينطوي على قصور ومسخ ذلك أنه علاوة على أن ما ذكره الحكم في سبيل التدليل على علمه بأن الكليشيهات منقولة عن طبعة المطعون ضده الأول ليس من شأنه أن يؤكد هذا العلم الذي قرر الحكم ثبوته فإن ثبوت هذا العلم لا يؤدى إلى نفي المسئولية عن محمود توفيق ما دام أنه مع علمه بالأصل الذي نقل عنه هذه الكليشيهات قد تعهد بالضمان وقبل صراحة في العقد الالتزام بالتعويض في حالة ظهور أي تعرض من الغير للطاعن في استعمال هذه الكليشيهات، فالنص على شرط الضمان في العقد في هذه الحالة وهو أصلاً لا حاجة إليه اكتفاء بالتزام البائع قانوناً بالضمان - يدل على أن الغرض منه هو تأمين الطاعن المشتري من الخطر الذي يهدده وذلك بالتزام البائع عند الاستحقاق بالتضمينات - علاوة على رد الثمن - أما ما استند إليه الحكم في رفض دعوى الضمان من أن تعهد محمود توفيق في العقد بالضمان مقصور على ملكية الكليشيهات من حيث هي فإنه استخلاص خاطئ ينطوي على مسخ لعبارات العقد وتشويه لمعناها - ذلك أنه يبين من العقد أن البائع بعد أن أقر بأن الكليشيهات ملك له وحده أتبع ذلك بإقراره بأنه ليس عليها أي حق لأي فرد وأنه إذا ظهر عليها أي حق للغير فيكون وحده المسئول عن هذا وإنه يتعهد بأن لا يعمل هذه الكليشيهات مرة أخرى مهما كانت الظروف وإذا كررها ثانياً يكون ملزماً بكافة ما يترتب على ذلك من ضرر - ويقول الطاعن إنه لو أن محمود توفيق قصد إلى أن يلتزم بضمان ملكية الكليشيهات من حيث هي لما كرر تعهده بضمان عدم وجود حق عليها للغير ولما تعهد بعدم صنعها مرة أخرى فهذه العبارات قاطعة في الدلالة على أن المقصود ببيع تلك الأكليشيهات هو أن يستعملها المشتري في طبع كتب بها وإلا لما قدر لها ثمن قدره 641 جنيهاً وكسور إذ أن ثمنها باعتبارها منقولاً مادياً لا يزيد على بضع عشرات من الجنيهات وهو قيمة ما تحويه من زنك وخشب ويضيف الطاعن أن المحكمة نفسها قد سلمت في نهاية حكمها بأن محمود توفيق أمد الطاعن بهذه الكليشهات لتسهيل الطبع وهو ما يتعارض مع قولها السابق وينتهي الطاعن إلى أن قصور الحكم ومسخه العقد على النحو المتقدم الذكر أدى بالمحكمة إلى عدم تطبيق قانون العقد على عاقديه مما يعتبر خطأ في القانون أيضاً.
وحيث إنه ورد بأسباب الحكم الابتدائي التي أحال إليها الحكم المطعون فيه في خصوص دعوى الضهان ما يلي "وبما أنه عن دعوى الضمان المرفوعة من المدعى عليه (الطاعن) ضد ورثة المرحوم محمود توفيق فإن المحكمة لا ترى محلاً للقضاء للمدعي فيها بطلباته ذلك أنه يعلم أن الكليشهات مأخوذة من صفحات كتاب المدعي الأمر الذي يؤكده سبق إصدار الكتاب بمعرفة المدعي ووجود قصيدة في نهاية الكتاب تفيض بالمديح على المدعي فضلاً عن أن المرحوم محمود توفيق عندما باع الكليشهات إلى المدعى عليه لم يضمن العقد التصرف في حق طبع الكتاب على الصورة التي أخرجها المدعي، ولم يذكر أنه تلقى هذا الحق من المدعي (يقصد المطعون ضده الأول) أو أنه أذن له باستعمال الكليشيهات وكل ما ضمنه هو أنه مالك لهذه الكليشيهات من حيث هي، وهذا كله لا يجعل المرحوم محمود توفيق أو ورثته مسئولين قبل المدعى عليه عن التعويض الذي يقضى به لصالح المدعي (المطعون ضده الأول) ما دام أنه (الطاعن) عالم ومقدر أنه إنما يقوم بطبع كتاب تقليداً لمصنف المدعي وأن كل ما أيده به محمود توفيق هو الكليشيهات لتسهيل الطبع" ولما كان الأصل أنه لا يجوز للمشتري عند حصول تعرض له في الانتفاع بالمبيع أو عند استحقاق هذا المبيع أن يرجع على البائع بالتعويضات إذا كان المشتري يعلم وقت البيع بسبب التعرض أو الاستحقاق إلا أن التزام البائع القانوني بالضمان يقبل التعديل باتفاق العاقدين سواء على توسيع نطاقه أو تضييق مداه أو الإبراء منه بحسب الغرض الذي يقصدانه من اتفاقهما. وأنه وإن كان اشتراط الضمان في عقد البيع بألفاظ عامة لا يعتبر تعديلاً في الأحكام التي وضعها القانون لهذا الالتزام، إلا أنه إذا كان المشتري والبائع كلاهما عالمين وقت التعاقد بسبب التعرض أو الاستحقاق فإنه في هذه الحالة يدل النص على شرط الضمان في العقد - وهو أصلاً لا حاجة إليه - على أن الغرض منه هو تأمين المشتري من الخطر الذي يهدده تأميناً لا يكون إلا بالتزام البائع بالتضمينات، علاوة على رد الثمن في حالة استحقاق المبيع - لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد استند في رفضه لدعوى الضمان إلى مجرد علم المشتري (الطاعن) بوجود حق للمطعون ضده الأول على الأكليشيهات المبيعة فإنه يكون قد أقام قضاءه على أساس خاطئ في القانون. أما ما استند إليه الحكم في رفض تلك الدعوى من أن عبارة العقد لا تفيد أن البائع يضمن للمشتري عدم التعرض له في استعمال الكليشيهات في الطباعة وأن كل ما ضمنه هو أنه مالك لها من حيث هي - أي باعتبارها منقولاً مادياً - فإنه لما كان يبين من عقد البيع المؤرخ 23/ 2/ 1946 والمقدم من الطاعن بملف الطعن أنه ورد بأعلاه بيان مفصل للكتب المبيعة كليشهاتها وعدد ملازم كل كتاب منها - فذكر مثلا عن الكليشهات الخاصة بالكتاب محل النزاع "كليشية صحيح مسلم 260 ملزمة 18 جزء وعدد صفحات الملزمة 15" كما جاء بالعقد أن جملة المبيع أربعمائة وثمانية وخمسين ملزمة وعشر صحائف لا غير دون أن يشار في العبارة المحتوية على هذا الجملة إلى الكليشهات ونص في صلب العقد على أن البائع محمود توفيق "باع إلى شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده ما هو كليشيهات الكتب - المذكورة أعلاه البالغ عدد ملازمها 458 وعشر صحائف بسعر ثمن الملزمة الواحدة 1 ج و400 م فتكون جملة الثمن 641 ج و987 م" ثم ورد في العقد ما نصه "وإني - أي البائع - مقر ومعترف للشركة بأن هذه الكليشيهات ملك خاص لي وليس لي شريك فيها مطلقاً كما أقر بأن هذه الكليشهات ليس عليها أي حق لأي فرد وإذا ظهر عليها أي حق للغير فأنا وحدي المسئول عن هذا الحق كما أتعهد بأن لا أعمل هذه الكليشهات مرة ثانية مهما كانت الظروف وإذا كررتها ثانيا أكون ملزماً بكافة ما يترتب على ذلك من ضرر حسبماً تقرره الشركة ولا يكون لي أي حق في معارضة تقدير الشركة للضرر الذي لحقها بخصوص تكرار هذه الكليشيهات" ولما كانت هذه العبارات الأخيرة التي تعهد فيها البائع بعدم صنعه هذه الكليشيهات مرة أخري وبالتزامه بالتعويض الذي يقدره المشتري في حالة تكراره هذه الكليشيهات هذه العبارات وما ورد في العقد من أن المبيع 450 ملزمة وعشر صحائف ومن أن الثمن قدر على أساس ثمن الملزمة الواحدة وذلك كله لا يمكن أن يكون له معني سوي أن البيع تم على أساس أن يكون للمشتري الحق في طبع كتب بهذه الكليشهات وأن البائع قد ضمن عدم تعرض الغير للمشتري في استعماله لتلك الكليشيهات في هذا الغرض كما ضمن البائع عدم قيامه هو شخصياً بصنع هذه الكليشيهات مرة أخرى وبذلك ضمن البائع التعرض سواء حصل بفعل من الغير أو بفعل منه شخصياً - لما كان ذلك، فإن الحكم يكون فيما استخلصه من العقد على النحو الوارد في أسبابه المتقدم ذكرها، قد مسخ هذا العقد وشوه معنى عباراته بما يستوجب نقضه في هذا الخصوص.
وحيث إنه لذلك يتعين نقض الحكم بالنسبة لقضائه برفض دعوى الضمان وفي خصوص ما ورد في الوجه الثاني من السبب الرابع بشأن التعويض ورفض ما عدا ذلك من أسباب الطعن.


(1) راجع نقض 26/ 10/ 1961 الطعن 471 س 25 ق السنة 12 ص 602.
(2) راجع نقض 1/ 2/ 1951 الطعن رقم 191 س 18 مجموعة 25 سنة ص 458.

الطعن 232 لسنة 29 ق جلسة 2 / 7 / 1964 مكتب فني 15 ج 2 ق 140 ص 909

جلسة 2 من يوليه سنة 1964

برياسة السيد المستشار/ الدكتور عبد السلام بلبع، وبحضور السادة المستشارين: محمد عبد اللطيف مرسي، ولطفي علي، وحافظ محمد بدوي، وإبراهيم الجافي.

-----------------

(140)
الطعن رقم 232 لسنة 29 القضائية

(أ) اختصاص. "الاختصاص المتعلق بالولاية". "أجانب". تنفيذ الأحكام الأجنبية.
القول بدخول محكمة بداية القدس في الأراضي التي ضمتها إليها المملكة الأردنية الهاشمية بعد غزو فلسطين لا يغير من أنها من محاكم فلسطين. لا مخالفة فيه للقانون.
(ب) تنفيذ. تنفيذ الأحكام الأجنبية. حكم.
تنفيذ الأحكام الأجنبية. وجوب التحقق من صدور الحكم عن هيئة قضائية مختصة وفقاً لقانون البلد الذي صدر فيه.
(جـ) اختصاص. "الاختصاص المتعلق بالولاية". "أجانب".
الأصل اختصاص المحاكم المصرية بالدعاوى التي ترفع على الأجنبي الذي له موطن أو سكن في مصر. اختصاصها كذلك بالدعاوى التي ترفع على الأجنبي الذي ليس له موطن أو سكن في مصر في أحوال معينة.
(د) اختصاص. "الاختصاص المتعلق بالولاية". "أجانب". تنفيذ. تنفيذ الأحكام الأجنبية. حكم.
انعقاد الاختصاص لمحكمة أجنبية بنظر دعوى الأجنبي. انعقاده في نفس الوقت للمحاكم المصرية. صدور الحكم من المحكمة الأجنبية وتذييله بالصيغة التنفيذية. توجب دوافع المجاملة ومقتضيات الملاءمة وحاجة المعاملات الدولية اعتباره قد صدر من محكمة أجنبية في حدود اختصاصها. مثال.
(هـ) تنفيذ. تنفيذ الأحكام الأجنبية. حكم. إعلان. نظام عام. بطلان.
وجوب التحقق من إعلان الخصوم على الوجه الصحيح في الحكم الأجنبي قبل تذييله بالصيغة التنفيذية. صحة إعلان المحكوم عليهم وفق الإجراءات التي رسمها قانون البلد الذي صدر فيه الحكم. عدم تعارض هذه الإجراءات مع اعتبارات النظام العام في مصر. لا محل للنعي ببطلان الإعلان.
(و) إثبات. "طرق الإثبات". "القرائن القانونية". "حجية الأمر المقضي". محكمة الموضوع.
استخلاص النزول عن حجية الأمر المقضي مسألة موضوعية.

---------------
1 - إذا قرر الحكم المطعون فيه أن كون محكمة بداية القدس داخلة في الأراضي التي ضمتها إليها المملكة الأردنية الهاشمية بعد غزو فلسطين لا يغير من أنها من محاكم فلسطين فإنه لا يكون قد خالف القانون.
2 - توجب أحكام التشريع المصري في خصوص تنفيذ الأحكام الأجنبية التحقق من صدور الحكم من هيئة قضائية مختصة وفقاً لقانون البلد الذي صدر فيه، وهو ما تنص عليه المادة 493/ 1 من قانون المرافعات، والمادة 2/ 1 من اتفاقية تنفيذ الأحكام المبرمة بين دول الجامعة العربية في 14 ديسمبر سنة 1952.
3 - مؤدى ما نصت عليه المادة الثالثة من قانون المرافعات من أن تختص المحاكم المصرية بالدعاوى التي ترفع على الأجنبي الذي ليس له موطن أو سكن في مصر في أحوال معينة عددتها، أن الاختصاص ينعقد للمحاكم المصرية أصلاً ومن باب أولى في الدعاوى التي ترفع على الأجنبي الذي له موطن أو سكن في مصر وذلك بموجب ضابط إقليمي تقوم على مقتضاه ولاية القضاء المصري بالنسبة للأجنبي.
4 - إذا كانت محكمة بداية القدس مختصة بنظر الدعوى طبقاً لقانونها، وكان اختصاصها يقوم أصلاً على أساس المحل الذي أبرم فيه العقد وكان مشروطاً تنفيذه فيه - وهما ضابطان للاختصاص مسلم بهما في غالبية التشريعات ويقرهما قانون الدولة المراد تنفيذ الحكم فيها - أي القانون المصري - إذ نصت عليهما الفقرة الثانية من المادة الثالثة من قانون المرافعات ضمن الحالات التي يقوم فيها الاختصاص للمحاكم المصرية بالنسبة للأجنبي ولو لم يكن له موطن أو سكن في مصر. وإذ كانت محكمة بداية القدس - وهي إحدى جهتي القضاء المنعقد لهما الاختصاص في النزاع القائم بين الطرفين - قد رفعت إليها الدعوى فعلاً وأصدرت فيها الحكم المطلوب تذييله بالصيغة التنفيذية، فإن دوافع المجاملة ومقتضيات الملاءمة وحاجة المعاملات الدولية توجب اعتبار هذا الحكم قد صدر من محكمة أجنبية في حدود اختصاصها.
5 - شرط إعلان الخصوم على الوجه الصحيح هو مما يجب التحقق من توافره في الحكم الأجنبي قبل أن يصدر الأمر بتذييله بالصيغة التنفيذية. وذلك عملاً بما تقرره المادة 493/ 2 من قانون المرافعات واتفاقية تنفيذ الأحكام المعقودة بين دول الجامعة العربية بالمادة 2 فقرة ب منها. وإذ كانت القاعدة الواردة بالمادة 22 من القانون المدني تنص على أنه يسري على جميع المسائل الخاصة بالإجراءات قانون البلد الذي تجري مباشرتها فيه - وكان إعلان الخصوم بالدعوى مما يدخل في نطاق هذه الإجراءات - وقد أعلن الطاعنون إعلاناً صحيحاً وفق الإجراءات التي رسمها قانون البلد الذي صدر فيه الحكم والتي لا تتعارض مع اعتبارات النظام العام في مصر، فإن النعي ببطلان إعلان الدعوى المطلوب تدليل حكمها بالصيغة التنفيذية يكون على غير أساس.
6 - استخلاص النزول عن حجية الأمر المقضي مما يدخل في سلطة قاضي الموضوع.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق تتحصل في أنه بتاريخ 5 يوليه سنة 1953 صدر من محكمة بداية القدس الأردنية حكم لمصلحة المطعون عليه في القضية رقم 150 سنة 1953 يقضي بإلزام الطاعنين بأن يدفعوا له متضامنين مبلغ 3379 ديناراً و222 فلساً والمصاريف والفوائد القانونية من تاريخ المطالبة القضائية الحاصلة في 25/ 4/ 1953 وخمسين ديناراً مقابل أتعاب المحاماة. وتقدم المطعون عليه بهذا الحكم إلى قاضي الأمور الوقتية بمحكمة القاهرة الابتدائية طالباً إصدار أمر أداء بموجبه. وبتاريخ 27 سبتمبر سنة 1954 صدر هذا الأمر ضد الطاعنين بأداء المبلغ المحكوم به بالعملة المصرية ولما استأنف الطاعنون هذا الأمر قضى في 27 نوفمبر سنة 1956 بإلغائه لصدوره من هيئة غير مختصة. وفي يوليه سنة 1957 أقام المطعون ضده الدعوى الحالية أمام محكمة القاهرة الابتدائية، تقيدت بجدولها برقم 2347 سنة 1957 كلي القاهرة، وطلب القضاء له بتذييل الحكم الصادر من محكمة بداية القدس الأردنية في 5 يوليه سنة 1953 بالصيغة التنفيذية ويجعله بمثابة حكم واجب التنفيذ في مصر. وقدم المطعون ضده صورة رسمية من الحكم المذكور كما قدم العقد الذي نشأت بمقتضاه العلاقة بين الطرفين، وهو تعهد بفتح اعتماد بحساب جار مدين في حدود مبلغ 3000 جنيه فلسطيني حرر بيافا في الأول من إبريل سنة 1946 بين المطعون عليه والطاعنين وورد بالبند الرابع عشر منه أنه في حالة الالتجاء إلى المحاكم فإن الطاعنين يسقطون حقهم في اختيار أية محكمة وللمطعون ضده أن يختار المحكمة ذات الصلاحية من محاكم فلسطين دون ثمة اعتراض من هؤلاء. واستند المطعون ضده إلى اتفاقية تنفيذ الأحكام المعقودة بين دول الجامعة العربية في سبتمبر سنة 1952، وإلى القانون رقم 48 لسنة 1949 بتعديل قانون الإدارة العامة في فلسطين الصادر برقم 19 لسنة 1949 وقانون أصول المحاكمات الحقوقية رقم 42 لسنة 1952 وقدم صوراً منها. وبتاريخ 26 فبراير سنة 1958 قضت محكمة أول درجة بتذييل حكم محكمة بداية القدس رقم 150 سنة 1953 بالصيغة التنفيذية. استأنف الطاعنون هذا الحكم بالاستئناف رقم 620 سنة 72 ق استئناف القاهرة وحكمت المحكمة الاستئنافية في 11 يوليه سنة 1958 برفض الاستئناف وتأييد الحكم المستأنف وطعن الطاعنون في هذا الحكم بطريق النقض بتقرير مؤرخ في 22 مارس سنة 1959 وعرض الطعن على دائرة فحص الطعون بجلسة 10 يونيه سنة 1962 وفيها طلبت النيابة رفض الطعن وقررت دائرة فحص الطعون إحالته إلى هذه الدائرة وبعد استيفاء الإجراءات حدد لنظر الطعن جلسة 21 مايو سنة 1964 وفيها صممت النيابة على رأيها السابق.
وحيث إن الطعن بني على خمسة أسباب يتحصل السببان الثاني والثالث منها في النعي على الحكم بالخطأ في القانون. ويقول الطاعنون في بيان ذلك إنهم تمسكوا بما اتفق عليه في العقد المبرم بينهم وبين المطعون ضده من اشتراط أن يكون الاختصاص لأية محكمة من المحاكم الفلسطينية، ولكن هذا الأخير اختار عنه رفع الدعوى لاستصدار الحكم المطلوب تذييله بالصيغة التنفيذية محكمة بداية القدس بالمملكة الأردنية. وقد رد الحكم المطعون فيه على هذا الدفاع بأن محكمة بداية القدس التي كانت من محاكم فلسطين قبل الاعتداء عليها قد أصبحت بموجب قانون الإدارة العامة في فلسطين مختصة بما كانت تختص به المحكمة المركزية في يافا، وهذا القول مخالف للقانون إذ لا يجوز لأية دولة أن تصدر تشريعاً للعمل به خارج حدودها.
وحيث إن الحكم المطعون فيه أقام قضاءه في الرد على دفاع الطاعنين الذي يثيرونه بسبب النعي على قوله: "وبما أن الحاكم العسكري العام في الضفة الغربية من المملكة الأردنية الهاشمية - بعد أن أصدر بمجلس الأمة القرار التاريخي بوحدة الضفتين - أصدر المنشور رقم 4 الذي نص في الفقرة الأولى منه على ما يأتي: (أخول محكمة القدس الصلاحية التامة لإجراء محاكمة كافة أصناف الدعاوى الحقوقية التي كانت تدخل ضمن صلاحية المحكمة المركزية في يافا) وبما أن المادة السادسة من قانون تعديل الإدارة العامة في فلسطين رقم 48 لسنة 1949 تنص على أن جميع القوانين والأنظمة والأوامر وسائر التشريعات الأخرى التي أصدرها جلالة الملك أو الحاكم العسكري أو الحاكم الإداري العام تعتبر أنها كانت وما زالت نافذة ومعمولاً بها. وبما أن المستفاد من ذلك أن المنشور رقم 4 السالف الذكر قد اكتسب قوة القانون في المملكة الأردنية الهاشمية بناء على المادة السادسة من قانون تعديل الإدارة العامة في فلسطين إذ جعل محكمة بداية القدس مختصة بالفصل في الدعاوى التي كانت في الأصل من اختصاص المحكمة المركزية في يافا، وقد قررت ذلك محكمة التمييز في المملكة الأردنية الهاشمية في القضية رقم 44 سنة 1954" "وبما أنه تبين للمحكمة من الاطلاع على العقد المبرم بين الخصوم في أول إبريل سنة 1946 والذي بموجبه حصل المدعي - المطعون عليه - على الحكم المطلوب تنفيذه في مصر أن محل المدعي والمدعى عليهم – الطاعنين - هو بلدة يافا وأن البند الرابع عشر من ذلك العقد ينص على أنه في حالة الالتجاء إلى المحاكم فإن المدعى عليهم - الطاعنين - يسقطون حقهم في اختيار أية محكمة وللبنك أي للمطعون عليه أن يختار المحكمة ذات الصلاحية من محاكم فلسطين ولا حق لهؤلاء في الاعتراض على المحكمة التي يختارها البنك. وأن نص المادة 22 من القانون المدني صريح في أن قواعد الاختصاص في جميع المسائل الخاصة بالإجراءات يسري عليها قانون البلد الذي تقام فيه الدعوى أو تباشر فيه الإجراءات وهي قوانين المملكة الأردنية الهاشمية بما فيها القانون رقم 48 لسنة 1949" "وأن الاتفاق على ترك الاختيار للمستأنف ضده - المطعون ضده - يعطيه الحق في اختيار محكمة بداية القدس للتقاضي باعتبارها من محاكم فلسطين قبل الاعتداء عليها: وكون هذه المحكمة داخلة في الأراضي التي ضمتها إليها المملكة الأردنية الهاشمية بعد غزو فلسطين لا يغير من أنها من محاكم فلسطين وفقاً للاتفاق". وهذا الذي أورده الحكم المطعون فيه لا مخالفة فيه للقانون، ويؤدى إلى النتيجة التي انتهى إليها من انعقاد الاختصاص لمحكمة بداية القدس بإصدار الحكم الذي قضى الحكم المطعون فيه بتذييله بالصيغة التنفيذية، ومن ثم فإن النعي بهذين السببين يكون على غير أساس.
وحيث إن الطاعنين ينعون في الحكم المطعون فيه بالسبب الأول مخالفة القانون إذ قضى بتذييل حكم أجنبي بالصيغة التنفيذية حالة أنه صادر من محكمة غير مختصة. ويقولون في بيان ذلك إنهم نزحوا من فلسطين إلى مصر وتوطنوا بها منذ عام 1950 وكانوا يقيمون بالقاهرة وقت رفع الدعوى عليهم في الأردن، وبذلك تكون المحاكم المصرية هي المختصة بالفصل في القضايا التي تقام ضدهم طبقاً للمادة الثالثة من قانون المرافعات وبالتالي يكون الحكم المطلوب وضع الصيغة التنفيذية عليه قد صدر من محكمة غير مختصة. ولا يعتد في هذا الخصوص بكون المحكمة التي أصدرته - وهي محكمة بداية القدس بالأردن - مختصة وفقاً لقانون الدولة التي صدر فيها، لأن هذا مشروط بألا ينعقد الاختصاص للمحاكم المصرية بنظر الدعوى، وتعد القواعد التي تحدد الاختصاص العام للمحاكم المصرية من النظام العام الذي لا يجوز الاتفاق على مخالفته.
وحيث إنه يبين من الحكم المطعون فيه أنه أسس قضاءه في خصوص ما ورد بسبب النعي على ما يلي "وبما أنه تبين للمحكمة من الاطلاع على العقد المبرم بين الخصوم في أول إبريل سنة 1946 أن بلدة يافا هي التي تم فيها التعهد وجرى فيها تسليم المال ووقع فيها الفعل المسبب للدعوى، وأن المستأنفين - الطاعنين صرحوا للمستأنف ضده - المطعون ضده - بأن يختار المحكمة ذات الصلاحية للفصل فيها ينشأ بين الطرفين من نزاع من بين محاكم فلسطين وأنه لا حق لهم في الاعتراض على صلاحية المحكمة التي يختارها البنك. وبما أن المادة الثالثة من قانون أصول المحاكمات الحقوقية الأردني رقم 42 لسنة 1952 تنص على أن تقام الدعوى الحقوقية في المحكمة البدائية التي تقع ضمن دائرة اختصاص المكان الذي - (1) يقيم فيه المدعى عليه أو يتعاطى أعماله فيه. (2) تم فيه التعهد. (3) جرى فيه تسليم المال. (4) تعين لتنفيذ التعهد. (5) وقع فيه الفعل المسبب للدعوى. وأنه إذا عين أحد المتعاقدين لمصلحة العاقد الآخر بنص في العقد مكاناً للتداعي عنه حدوث خلاف بينهما من جراء هذا العقد يكون العاقد الآخر مخيراً بين إقامة الدعوى في محكمة المكان الذي يقيم فيه خصمه أو في محكمة المكان الذي اختاره هذا الخصم في العقد. وبما أنه يبين مما تقدم أن محكمة بداية القدس مختصة دولياً وداخلياً بالفصل في النزاع الذي ثار بين الخصوم" ولما كانت أحكام التشريع المصري في خصوص تنفيذ الأحكام الأجنبية توجب التحقق من صدور الحكم من هيئة قضائية مختصة وفقاً لقانون البلد الذي صدر فيه إذ تنص على هذا الشرط المادة 493/ 1 من قانون المرافعات كما تنص عليه المادة 2/ 1 من اتفاقية تنفيذ الأحكام المبرمة بين دول الجامعة العربية في 14 سبتمبر سنة 1952 والواجبة التطبيق في الدعوى الراهنة لموافقة كل من المملكة الهاشمية الأردنية والجمهورية العربية المتحدة عليها - وكان اختصاص المحكمة التي أصدرت الحكم المطلوب تذييله بالصيغة التنفيذية يقوم بحق على النحو الذي حصله الحكم المطعون فيه لا على أساس إرادة الطرفين أي الخضوع الاختياري عند التعاقد فحسب، وإنما يقوم كذلك وبصفة أصلية على أساس المحل الذي أبرم فيه العقد وكان مشروطاً تنفيذه فيه، وهو أساس يقره القانون الأردني كدعامة لاختصاصه على النحو الذي ذكره الحكم المطعون فيه - وكان الاختصاص على هذا الأساس وإن انعقد لمحكمة يافا إلا أنه انتقل منها إلى محكمة بداية القدس انتقالاً مشروعاً على ما سبق بيانه عند الرد على السببين الثاني والثالث - لما كان ذلك، فقد توافر شرط الاختصاص لمحكمة بداية القدس التي أصدرت الحكم المطلوب تنفيذه طبقاً لقانونها. ولا يغر من ذلك ما يدعيه الطاعنون من أنهم كانوا يقيمون في مصر وقت رفع الدعوى، إذ بفرض صحة هذا القول فإنه لا يؤدي إلى النتيجة التي يرتبونها من نفي الاختصاص عن محكمة بداية القدس واعتبارها غير ذات صلاحية لإصدار الحكم المطلوب تذييله بالصيغة التنفيذية، ذلك أن المادة الثالثة من قانون المرافعات إذ تنص على اختصاص المحاكم المصرية بالدعاوى التي ترفع على الأجنبي الذي ليس له موطن أو سكن في مصر في أحوال معينة عددتها، وإذ يدل مفهوم عبارتها على أن الاختصاص ينعقد للمحاكم المصرية أصلاً ومن باب أولى في الدعاوى التي ترفع على الأجنبي الذي له موطن أو سكن في مصر وذلك بموجب ضابط إقليمي تقوم على مقتضاه ولاية القضاء المصري بالنسبة للأجنبي، إلا أنه لما كان الثابت على النحو المتقدم ذكره أن محكمة بداية القدس - هي الأخرى - مختصة بنظر الدعوى طبقاً لقانونها - وكان اختصاصها يقوم أصلاً على أساس المحل الذي أبرم فيه العقد وكان مشروطاً تنفيذه فيه وهما ضابطان لاختصاص مسلم بهما في غالبية التشريعات ويقرهما قانون الدولة المراد تنفيذ الحكم فيها - أي القانون المصري - إذ نصت عليهما الفقرة الثانية من المادة الثالثة مرافعات السالفة الذكر ضمن الحالات التي يقوم فيها الاختصاص للمحاكم المصرية بالنسبة للأجنبي ولو لم يكن له موطن أو مسكن في مصر - لما كان ذلك، وكانت محكمة بداية القدس - وهي إحدى جهتي القضاء المنعقد لهما الاختصاص في النزاع القائم بين الطرفين - قد رفعت إليها الدعوى فعلاً وأصدرت فيها الحكم المطلوب تذييله بالصيغة التنفيذية في الدعوى الراهنة، فإن دوافع المجاملة ومقتضيات الملاءمة وحاجة المعاملات الدولية توجب في نطاق الظروف المتقدم ذكرها اعتبار هذا الحكم قد صدر من محكمة أجنبية في حدود اختصاصها. وإذ كان الحكم المطعون فيه قد التزم هذا النظر فإنه يكون قد طبق القانون تطبيقاً صحيحاً وبالتالي يكون النعي بهذا السبب على غير أساس.
وحيث إن الطاعنين ينعون على الحكم المطعون فيه بالسبب الرابع القصور في التسبيب ومخالفة القانون بقولهم إنه أغفل الرد على ما تمسكوا به من أن إعلان الدعوى المطلوب تذييل حكمها بالصيغة التنفيذية قد وقع باطلاً ومشوباً بالغش لعلم رافعها "المطعون ضده" بأنهم نزحوا من بلادهم وكانوا يقيمون بالقاهرة وقت رفع الدعوى عليهم بالأردن مما حال بينهم وبين إبداء دفاعهم فيها. وكان يتعين على المحكمة المطلوب منها وضع الصيغة التنفيذية أن تحقق هذا الدفاع لتتأكد من صحة الإعلانات ومطابقتها للقانون، وإذ أغفلت ذلك فإن حكمها يكون قاصراً.
وحيث إن هذا النعي في غير محله ذلك أنه يبين من الحكم الابتدائي المؤيد أسبابه بالحكم المطعون فيه أنه أقام قضاءه في خصوص ما ورد بسبب النعي على ما قرره من:"وبما أن قانون أصول المحاكمات الحقوقية رقم 42 لسنة 1952 بين في المواد من 20 إلى 28 طريقة إعلان المدعى عليه، ثم نص في المادة 29 على أنه إذا اقتنعت المحكمة بأنه لا سبيل لإجراء التبليغ وفق الأحوال المتقدمة لأي سبب من الأسباب يجوز لها أن تأمر بإجراء التبليغ: ( أ ) بتعليق نسخة من الورقة القضائية على موضع بارز من دار المحكمة ونسخة أخرى على جانب ظاهر للعيان من المحل المعروف أنه آخر محل كان يقيم فيه المدعى عليه ويتعاطى فيه عمله إن كان له محل كهذا أو (ب) بنشر إعلان في الجريدة الرسمية أو إحدى صحف الأخبار. ثم نص في المادة 32 على أنه متى أعيدت الأوراق القضائية إلى محكمة مبلغة على أحد الوجوه المبينة في أية مادة من المواد السابقة - تسير المحكمة في الدعوى إذا رأت أن التبليغ موافق للأصول، وإلا فتقرر إعادة التبليغ. وبما أن المستفاد من ذلك أن قانون أصول المحاكمات الحقوقية يجيز إعلان المدعى عليه عن طريق النشر إذا ما اقتنعت المحكمة بأنه لا سبيل لإجراء الإعلان وفق الأحوال المبينة في المواد 20 إلى 28، وأنه جعل لتلك المحكمة حق مراقبة الإعلان بطريق النشر وغيره بحيث إذا رأت أنه موافق للأحوال المقررة سارت في الدعوى وإلا قررت إعادة الإعلان، لما كان ذلك، وكان الثابت من الحكم المطلوب تنفيذه أن تبليغ - إعلان - المدعى عليهم تم بواسطة النشر وأن المحكمة قررت السير في المحاكمة غيابياً فإن هؤلاء المدعى عليهم يكونوا قد كلفوا بالحضور أمام محكمة بداية القدس تكليفاً صحيحاً وفقاً لقانون تلك المحكمة، خاصة وأنه لم يثبت من أوراق الدعوى أن إعلان المدعى عليهم بطريق النشر في غير موضعه طبقاً لذلك القانون، ولما كان شرط إعلان الخصوم على الوجه الصحيح مما يجب التحقق من توافره في الحكم الأجنبي قبل أن يصدر الأمر بتذييله بالصيغة التنفيذية، إذ نصت على تقريره المادة 493/ 2 من قانون المرافعات واتفاقية تنفيذ الأحكام المعقودة بين دول الجامعة العربية بالمادة 2 فقرة ب منها - وكانت القاعدة الواردة بالمادة 22 من القانون المدني تنص على أنه يسري على جميع المسائل الخاصة بالإجراءات قانون البدل الذي تجرى مباشرتها فيها - وكان إعلان الخصوم بالدعوى مما يدخل في نطاق هذه الإجراءات - وكان الطاعنون على ما قرره الحكم المطعون فيه قد أعلنوا إعلاناً صحيحاً وفق الإجراءات التي رسمها قانون البلد الذي صدر فيه الحكم وهو القانون الأردني - وكانت إجراءات الإعلان طبقاً للقانون المذكور لا تتعارض مع اعتبارات النظام العام في مصر - فإن النعي بهذا السبب يكون على غير أساس.
وحيث إن السبب الخامس من أسباب الطعن يتحصل في النعي على الحكم بفساد الاستدلال. وفي بيان ذلك يقول الطاعنون إنهم تمسكوا في دفاعهم بأن المطعون ضده تنازل عن حجية الحكم الصادر من محكمة بداية القدس المراد تذييله بالصيغة التنفيذية، واستدلوا على ذلك بأنه لجأ بعد صدور ذلك الحكم إلى طلب الحصول على أمر أداء بالمبلغ المحكوم به على اعتبار أن هذا الأمر يحل محل الحكم مما يفيد نزوله عن التمسك بحجيته نزولاً ضمنياً. ولكن الحكم المطعون فيه رد على ذلك بأن المطعون ضده لم يتنازل عن الحكم المذكور لا صراحة ولا ضمنياً وإنما سكت عن التمسك بحجيته، ولجأ إلى طريق آخر، وهذا من الحكم استخلاص غير سائغ ولا يتفق مع ما تؤدى إليه أورق الدعوى.
وحيث إن هذا النعي مردود بما أورده الحكم المطعون فيه من "أن التجاء المطعون ضده لطلب أمر الأداء من القضاء المصري لا يمكن اعتباره تنازلاً نهائياً عن حجية حكم محكمة بداية القدس بل هو سلوك - لطريق آخر للوصول إلى الحق، فلما انتهى أمر الأداء إلى ما انتهى إليه من الحكم ببطلانه استئنافياً لصدوره من قاض لا ولاية له على إصدار مثل هذا الأمر، عاد المستأنف ضده للتمسك بحجية حكم محكمة بداية القدس وطلب الحكم بتذييله بالصيغة التنفيذية، ولما كان استخلاص النزول عن حجة الأمر المقضي مما يدخل في سلطة قاضي الموضوع - وكان الثابت أن المطعون ضده قد طلب الحصول على أمر بأداء المبلغ المحكوم به استناداً إلى نفس الحكم الذي قضى له بهذا المبلغ فإن ما استخلصته المحكمة من التجاء المطعون ضده لاستصدار أمر أداء بموجب الحكم الصادر له لا يعتبر نزولاً منه عن حجية هذا الحكم - هو استخلاص سائغ تؤدى إليه المقدمات التي بني عليها، ومن ثم يكون النعي بهذا السبب على غير أساس أيضاً.
وحيث إنه لما تقدم يتعين رفض الطعن.

الطعن 187 لسنة 29 ق جلسة 2 / 7 / 1964 مكتب فني 15 ج 2 ق 139 ص 895

جلسة 2 من يوليه سنة 1964

برياسة السيد المستشار/ الدكتور عبد السلام بلبع، وبحضور السادة المستشارين: محمود توفيق إسماعيل، وحافظ محمد بدوي، وإبراهيم الجافي، وصبري فرحات.

-----------------

(139)
الطعن رقم 187 لسنة 29 القضائية

(أ) عقد. "تفسيره". محكمة الموضوع.
لمحكمة الموضوع السلطة المطلقة في تفسير نصوص العقد وتعرف ما قصده العقدان منه. ولا سلطان لمحكمة النقض عليها متى كانت عبارة العقد تحتمل المعنى الذي حصلته.
(ب) بيع. "آثار عقد البيع". "ثمار المبيع".
حرية المتعاقدين بعقد ابتدائي في الاتفاق على مآل ثمار البيع. اتفاقهما على أن تكون للمشتري من تاريخ سابق على تسلمه البيع أو على المبيع نفسه. لا مخالفة فيه للقانون.
(ج) عقد. "أركان العقد". "الرضا". محكمة الموضوع.
صدور الإيجاب لغائب دون تصريح لميعاد للقبول، لقاضي الموضوع استخلاص الميعاد الذي التزم الموجب البقاء فيه على إيجابه من ظروف الحال وطبيعة المعاملة وقصد الموجب، لا رقابة عليه في ذلك من محكمة النقض متى بين الأسباب المبررة لذلك. وله تحري هذا القصد من أفعال صدرت عن الموجب بعد تاريخ الإيجاب وكشفت عن قصده هذا. وله في حالة صدور الإيجاب من شركاء متعددين عن صفقة واحدة الاستدلال عن قصدهم المتحد بأمور صدرت عن أحدهم كاشفة لهذا القصد.
(د، هـ) حوادث طارئة. "تطبيق نظرية الحوادث الطارئة". "شرط الإرهاق". إصلاح زراعي. "المرسوم بقانون 178 سنة 1952" بيع. التزام.
الإرهاق الذي يصيب المدين في تنفيذ التزامه من جراء الحادث الطارئ، شرطه، أن يكون من شأنه تهديده بخسارة فادحة. عدم الاعتداد بالخسارة المألوفة في التعامل. وجوب النظر عند تقدير الإرهاق المترتب على الحادث الطارئ إلى ذات الصفقة موضوع العقد مثار النزاع. من آثار قانون الإصلاح الزراعي رقم 178 لسنة 1952 انخفاض أثمان الأراضي الزراعية. للوقوف على مدى ما أصاب المدين من إرهاق نتيجة صدور قانون الإصلاح الزراعي يتعين بحث أثر هذا القانون على الصفقة محل التعاقد وتبين مدى انخفاض ثمن الصفقة نتيجة صدوره وما سببه هذا الانخفاض من إرهاق للمدين.

--------------
1 - لمحكمة الموضوع السلطة المطلقة في تفسير نصوص العقد وتعرف ما قصده العاقدان منها ولا سلطان لمحكمة النقض عليها متى كانت عبارة العقد تحتمل المعنى الذي حصلته (1).
2 - للمتعاقدين بعقد ابتدائي أن يتفقا مع مآل ثمار المبيع. ولا جناح عليهما إن اتفقا على أن تكون هذه الثمار للمشتري من تاريخ سابق على تسلمه المبيع أو على البيع نفسه إذ أن هذا الاتفاق لا يحرمه القانون وليس فيه ما يخالف النظام العام (2).
3 - لقاضي الموضوع في حالة صدور الإيجاب لغائب دون تحديد صريح لميعاد للقبول أن يستخلص من ظروف الحال وطبيعة المعاملة وقصد الموجب الميعاد الذي التزم البقاء فيه على إيجابه، والقاضي فيما يستخلصه من ذلك كله وفي تقديره للوقت الذي يعتبر مناسباً لإبلاغ القبول لا يخضع لرقابة محكمة النقض متى كان قد بين في حكمه الأسباب المبررة لوجهة النظر التي انتهى إليها، والمحكمة وهي بسبيل استخلاص الميعاد الذي قصد الموجب الالتزام فيه بإيجابه لها أن تتحرى هذا القصد من كل ما يكشف عنه، ولا تثريب عليها إذا استظهرته من أفعال تكون قد صدرت من الموجب بعد تاريخ الإيجاب وكشفت عن قصده هذا، كما أنه لا على المحكمة في حالة صدور الإيجاب من شركاء متعددين عن صفقة واحدة أن تستدل على قصدهم المتحد بأمور تكون قد صدرت من أحدهم كاشفة لهذا القصد.
4 - لا يجوز الاستناد في نفي الإرهاق الذي تتطلبه الفقرة الثانية من المادة 147 من القانون المدني إلى القول بأن الواقع الملموس في الحياة العملية يدل على عدم تأثير قانون الإصلاح الزراعي في ثمن الأطيان الزراعية، ذلك أن المشرع قد أقر في المذكرة الإيضاحية للقانون رقم 452 لسنة 1953 بأنه ترتب على صدور قانون الإصلاح الزراعي رقم 178 لسنة 1952 انخفاض أثمان الأراضي الزراعية وتحديد قيمة الأجرة عنها، كما أقر بذلك في القرار الذي اتخذه مجلس الوزراء في 11 من أغسطس سنة 1953 بالموافقة على المذكرة المقدمة إليه من وزارة المالية في شأن منح بعض التسهيلات لمشتري أراضي الحكومة والتي ورد فيها أن قانون الإصلاح الزراعي أحدث تأثيراً كبيراً في أثمان الأراضي فانخفضت أثمانها وإيجاراتها وترتب على ذلك أن عجز كثيرون من المشترين قبل صدور هذا القانون عن الوفاء بالتزاماتهم أمام الحكومة (3).
5 - يجب أن ينظر عند تقدير الإرهاق الذي ترتب على الحادث الطارئ إلى الصفقة التي أبرم في شأنها العقد مثار النزاع. ومن ثم فإنه لتقرير ما إذا كان قد ترتب على صدور قانون الإصلاح الزراعي إرهاق للمدين بالمعنى الذي يتطلبه القانون في الفقرة الثانية من المادة 147 من القانون المدني يتعين على المحكمة أن تبحث أثر هذا القانون على ذات الصفقة محل التعاقد وتتبين ما إذا كان قد طرأ انخفاض في ثمن الأطيان المبيعة نتيجة صدور ذلك القانون أو لم يطرأ، ومدى ما سببه هذا الانخفاض - في حالة تحقق حصوله - من إرهاق للمدين، إذ يشترط في الإرهاق الذي يبرر تطبيق حكم الظروف الطارئة أن يصل إلى حد تهديد المدين بخسارة فادحة، مما ينتج عنه أن الخسارة المألوفة في التعامل لا تكفي للإفادة من هذا الحكم" (4).


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في إنه في 22 من ديسمبر سنة 1951 تقدم الطاعن الأول وأخوه المرحوم محمد إبراهيم العنتبلي - مورث باقي الطاعنين - والدكتور لطفي الحو بطلب إلى الشركة المطعون ضدها لشراء مائتي فدان من أطيانها الكائنة بجهة أبي المطامير وحرر هذا الطلب على نموذج خاص مطبوع ومعنون "طلب مشتري أطيان ملك الشركة المساهمة الزراعية الصناعية" وتضمن - بعد ملء خاناته بمعرفة مقدميه - إبداء رغبتهم في شراء المائتي فدان الموضحة فيه بسعر الفدان 95 جنيهاً على أن يدفعوا نصف الثمن مقدماً عند التصريح بالبيع ويقسط الباقي على أربعة أقساط متساوية يحل كل منها في أول نوفمبر من كل سنة ابتداء من نوفمبر سنة 1952 من احتساب فائدة بواقع 6% سنوياً من تاريخ الشراء حتى يوم الدفع وأن التأخير في دفع أي قسط في ميعاده يترتب عليه حلول باقي الأقساط فوراً وأنه لا يجوز لطالبي الشراء استلام الأطيان إلا بعد دفع المبلغ المشروط دفعه مقدماً من الثمن وأنهم دفعوا مبلغ ألف جنيه بصفة تأمين على أن يخصم لهم من أصل مقدم الثمن، كما تضمن البند الأول ما يأتي "ويعتبر تاريخ شرائنا هذه الأطيان وحقناً في استغلال ريعها من يوم أول يناير سنة 1952 وعلينا أموالها الأميرية من التاريخ المذكور" وفي 24/ 12/ 1951 وافق مجلس إدارة الشركة المطعون ضدها على عقد هذه الصفقة. وبتاريخ 25/ 4/ 1952 أرسلت الشركة إلى الطاعن الأول خطاباً مسجلاً تطلب إليه فيه سداد باقي مقدم ثمن الأطيان المبيعة خلال ثمانية أيام على الأكثر كما وجهت خطاباً بهذا المعنى في 16 من يونيه سنة 1952 إلى كل من مورث باقي الطاعنين والدكتور لطفي الحو وحددت الشركة في هذين الخطابين المبلغ المطلوب سداده بأنه 8512 ج بخلاف فوائد التأخير والأموال الأميرية. وبتاريخ 28 من يوليه سنة 1952 أرسل الدكتور لطفي الحو خطاباً إلى الشركة يتضمن موافقته على قسمة المائتي فدان "مشتراه" مع الطاعن الأول ومورث باقي الطاعنين على أن يختص بنصيبه فيها وهو الثالث بالجهة القبلية الشرقية وأن يحتسب عليه الفدان في هذا الجزء بواقع تسعين جنيهاً مقابل اختصاص شريكيه بباقي الأطيان بما عليها من مباني العزبة - وفوض مرسل الخطاب الشركة في إنهاء هذه القسمة مع شريكيه. وإذ لم يقم الطاعن الأول وشريكاه بدفع شيء من المستحق عليهم رغم تكرار مطالبتهم فقد وجهت إليهم الشركة إنذاراً بتاريخ 27/ 12/ 1952 نبهت عليهم فيه بوفاء الباقي من مقدم الثمن وقيمة القسط الذي استحق في 1/ 11/ 1952 ولما لم يستجيبوا لهذا الإنذار أقامت عليهم في 18/ 2/ 1953 الدعوى رقم 1980 سنة 1953 أمام محكمة القاهرة الابتدائية طالبة إلزامهم بأن يدفعوا لها مبلغ 19180 ج و625 م من ذلك مبلغ 8500 ج الباقي من مقدم الثمن المستحق دفعه في 22/ 12/ 1951، 509 ج و60 م فوائد هذا المبلغ حتى 1/ 11/ 1952 ومبلغ 11 ج و135 م قيمة حصة المدعى عليهم في تطهير ترعة المزايدة، 186 ج و480 م مال سنة 1952، 2645 ج و569 م قيمة القسط المستحق في 1/ 11/ 1952 بعد استنزال الفوائد من 22/ 12/ 1951 حتى أول نوفمبر سنة 1952، 7338 ج و381 م قيمة الأقساط الثلاثة الباقية التي استحقت طبقاً للعقد نتيجة التأخير في سداد القسط الأول وأسست الشركة دعواها هذه على أن البيع انعقد بينها وبين المدعى عليهم في 22/ 11/ 1951 - رد الطاعن ومورث باقي الطاعنين الدعوى بأن الإيجاب الصادر منهما كان مقترناً بتحديد ميعاد للقبول غايته أول يناير سنة 1952 وأنه قد سقط بعدم إبلاغ الشركة قبولها إليهما خلال هذا الميعاد - أما الدكتور لطفي الحو فإنه رغم إعلانه وأعذاره لم يحضر ولم يبد دفاعاً ما. وبتاريخ 28/ 4/ 1956 حكمت المحكمة الابتدائية بإلزام المدعى عليهم (الطاعن ومورث باقي الطاعنين والدكتور لطفي الحو) بأن يدفعوا للشركة المدعية (المطعون ضدها) مبلغ 19180 ج و625 م والفوائد بواقع 6% سنوياً بالنسبة لمبلغ 7328 ج و381 م قيمة الأقساط الثلاثة الأخيرة التي استحقت طبقاً للبند الثاني من الشروط المؤرخة 22/ 12/ 1951 وذلك من تاريخ استحقاق كل قسط حتى السداد. استأنف المحكوم عليهم الثلاثة هذا الحكم لدى محكمة استئناف القاهرة بالاستئناف رقم 211 سنة 74 ق وطلبوا أصلياً إلغاء الحكم المستأنف ورفض دعوى الشركة المستأنف عليها واحتياطياً تخفيض الثمن إلى 30% من الثمن المتفق عليه استناداً إلى نص الفقرة الثانية من المادة 147 مدني الخاص بالظروف الطارئة وبتاريخ 27/ 11/ 1958 قضى بتأييد الحكم المستأنف. فطعن الطاعنون في الحكم الاستئنافي بطريق النقض وعرض الطعن على دائرة فحص الطعون بجلسة 24/ 4/ 1962 وفيها تمسكت النيابة بما ورد بالمذكرة المقدمة منها والتي انتهت فيها إلى طلب نقض الحكم وقررت دائرة الفحص إحالة الطعن إلى هذه الدائرة وبالجلسة المحددة لنظره أصرت النيابة على رأيها.
وحيث إن الطعن بني على سببين ينعى الطاعنون في أولهما على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون وفي بيان ذلك يقولون إن الحكم أقام قضاءه على أن الإيجاب الصادر منهم في 22/ 12/ 1951 لم يحدد فيه ميعاد لقبول الشركة المطعون ضدها وعلى أن نص البند الأول من العقد الذي استندوا إليه في القول بأن إيجابهم اقترن بتحديد ميعاد للقبول غايته أول يناير سنة 1952 لا يفيد تحديد هذا الميعاد لأن هذا الشرط لا ينصرف أثره إلى ركن من أركان العقد وإنما إلى حق الطاعنين في استغلال المبيع - ويرى الطاعنون أن هذا الذي ذهب إليه الحكم في تفسير نص البند المذكور مجاف تماماً لعبارته الصريحة الواضحة والتي لا يمكن أن يكون لها معنى سوى تحديد ميعاد غايته أول يناير سنة 1952 لقبول طلب الشراء المقدم من الطاعن الأول وأخيه - مورث باقي الطاعنين - بحيث إذا انقضى هذا الميعاد دون أن يصدر قبول من الشركة المطعون ضدها سقط الإيجاب الصادر منهما طبقاً للمادة 93 من القانون المدني وإنه إذ كانت هذه الشركة لم تبلغهما قبولها إلا في 25/ 4/ 1952 و16 من يونيه سنة 1952 فإن هذا القبول لم يصادف إيجاباً قائماً وبالتالي فلا ينعقد به البيع، وإنه غير صحيح ما قرره الحكم من أن الميعاد المنصوص عليه في البند الأول من العقد لا ينصرف إلا إلى حق الطاعنين في استغلال الأطيان المبيعة ذلك أن الحق في الاستغلال وإن كان حقاً مرتبطاً بتنفيذ العقد من حيث تسليم المبيع إلا أن الوفاء بالتزام التسليم إنما يبدأ منذ تمام العقد لا قبل ذلك ومن ثم فإنه يلزم لكي يولد الالتزام بالتسليم الذي يترتب عليه حق المشتري في ثمرة المبيع أن ينعقد البيع بصدور القبول المطابق للإيجاب، وإذ كان الموجبون قد أرادوا أن يكون تنفيذ الالتزام بالتسليم في أول يناير سنة 1952 فإن ذلك يقتضي حتماً انعقاد البيع بإبلاغ القبول في هذا التاريخ على أكثر تقدير، ولا يتصور أن ينعقد البيع في 25/ 4/ 1952 - وهو التاريخ الذي اعتبر الحكم أن البيع قد انعقد فيه - وأن يكون التسليم نفاذاً له مشترطاً حصوله في أول يناير سنة 1952 ولقد قررت الشركة المطعون ضدها في عريضة دعواها أن العقد تم في 22/ 12/ 1951 كي تضفى على مزاعمها طلاء من القانون بل وزعمت أيضاً أن طلب الشراء المقدم في 22/ 12/ 1951 إنما يعتبر قبولاً من مقدميه لإيجاب سابق منها، لكن الحكم المطعون فيه لم يأخذ بأي من هذين القولين كما لم يأخذ بقول الطاعنين بعدم انعقاد البيع وقضى بانعقاده في 25/ 4/ 1952 وبذلك يكون قد فرض على الطرفين تمام التعاقد في تاريخ لم تتجه إليه نية أي من طرفيه وفي ذلك كله ما يعيب الحكم بمخالفة القانون والخطأ في تطبيقه.
ويتحصل النعي الوارد في الوجه الأول من السبب الثاني في أن الحكم المطعون فيه شابه القصور ذلك أنه وقد رأى أن الإيجاب الصادر من الطاعن الأول ومورث باقي الطاعنين جاء خلواً من تحديد ميعاد للقبول فقد كان عليه أن يلتزم نص الفقرة الثانية من المادة 93 مدني التي تقرر بأن الميعاد قد يستخلص من ظروف الحال ومن طبيعة التعامل فيبحث فيما إذا كان إبلاغ الشركة قبولها في 25/ 4/ و16 يونيه سنة 1952 قد تم في الوقت المناسب أي في الميعاد المحدد ضمناً من طالبي الشراء أولاً ولو أنه عنى بهذا البحث لتبين أن ظروف الحال المقارنة للإيجاب والتي صدر في ظلها لم تكن تسمح بتراخي إبلاغ القبول حتى هذين التاريخين. أما استخلاص الحكم موافقة الموجبين على امتداد الميعاد إلى التاريخين المذكورين من عدم اعتراضهم على تأخير الشركة في إبلاغهم قبولها ومما جاء في الخطاب المرسل من الدكتور الحو إلى الشركة مع أنه اتفق مع الطاعن الأول ومورث باقي الطاعنين على قسمة الأطيان التي اشتروها من الشركة فإن هذا الاستخلاص غير سائغ ولا سند له في الأوراق لأنه بني على ظروف لاحقه للإيجاب ولم يصدر في ظلها، كما أن مجرد عدم الاعتراض لا يفيد قطعاً الرضاء بحصول القبول متأخراً ولا يؤدى إلى أحياء إيجاب كان قد سقط قبل إبلاغ القبول، وظروف الحال المقارنة للإيجاب تدل كلها على أن طلب الشراء اتسم بطابع السرعة وأن الموجبين ما كانوا ليقبلوا التعاقد في 25 يوليه سنة 1952 على أطيان أرادوا إعدادها للزراعة في أول يناير من هذه السنة أما خطاب الدكتور الحو فإنه فضلاً عن عدم جواز محاجة الطاعنين به لأن صاحبه ليس وكيلاً عنهم فإن الحكم قد مسخ عباراته حين فهمه على أنه يتضمن إقراراً من مرسله بانعقاد البيع وباتفاقه مع شريكه على قسمة الأطيان المبيعة إليهم، إذ أن عبارات الخطاب لا تحقق هذا المعنى بل إن ما ورد فيه من تفويض مرسله للشركة في إنهاء موضوع القسمة يتنافى مع سبق حصول اتفاق بينه وبين الطاعن الأول ومورث باقي الطاعنين على هذه القسمة.
وحيث إن الحكم المطعون فيه أقام قضاءه بانعقاد البيع على قوله "وحيث إن العقد المؤرخ 22 ديسمبر سنة 1951 قد انطوى على إيجاب صادر من جانب المستأنفين - الطاعن الأول ومورث باقي الطاعنين والدكتور الحو - أفصح فيه هؤلاء عن رغبتهم في الشراء وانعقاد البيع عن عقار معين نظير ثمن محدد. ولا جدال في أن هذا الإيجاب كان ولا بد من أن يعرض على مجلس إدارة الشركة المستأنف عليها (المطعون ضدها) ليصدر قراره في شأنه، وبذلك رفع الإيجاب في غير مجلس العقد، وذلك يستتبع استقصاء ما إذا كان الإيجاب قد اقترن بميعاد محدد ليلغى القبول أم أنه ترك دون تحديد ميعاد للقبول. وحيث إنه وإن كان المستأنفون قد ذهبوا إلى أن الشرط الأول من الإقرار المؤرخ 22 ديسمبر سنة 1951 قد تضمن نصاً حدد فيه أجل القبول إلا أنه تبين من مراجعة هذا الإقرار أنه لم يشتمل على نص يؤخذ منه أن المستأنفين قد حددوا ميعاداً للقبول وأنهم وإن كانوا قد شرطوا في البند الأول من العقد أن تاريخ شراء الأطيان وحق استثمارهم المبيع يبدأ في أول يناير سنة 1952 فإن هذا الشرط لا ينصرف أثره إلى أي ركن من أركان البيع وإنما يلحق الالتزام بتسليم المبيع الذي يعد التزاماً ناشئاً عن انعقاد البيع ومن ثم لا يعتبر هذا الشرط محدداً لأجل يتعين أن يتم فيه القبول - وحيث إنه متى تبين أن الإيجاب قد صدر في غير مجلس العقد ومتى وضح من الإقرار المؤرخ 22 من ديسمبر سنة 1951 أنه خلا من تحديد ميعاد للقبول فإنه يستخلص من كل ذلك أن المستأنفين قبلوا أن يلتزموا بإيجابهم حتى يعرض أمره على مجلس إدارة الشركة ويبقى إيجابهم ملزماً لهم إلى الوقت الذي يتسع لعقد مجلس الإدارة ولإخطارهم بالقرار الذي يصدره. وحيث إن مجلس إدارة الشركة قد انعقد في 24 ديسمبر سنة 1951 وأصدر قراراً بقبول البيع للمستأنفين بالشروط التي عرضوها. ثم أخطرت الشركة المستأنفين بهذا القرار بموجب خطابات موصى عليها وكان الخطابان المرسلان للمستأنفين الأول (الدكتور الحو) والثاني (المرحوم محمد إبراهيم العنتبلي) بتاريخ 16/ 6/ 1952 وكان الخطاب المرسل للمستأنف الثالث (الطاعن الأول) بتاريخ 25/ 4/ 1952 وفي أثر هذه الخطابات أرسل المستأنف الأول إلى الشركة خطاباً تاريخه 28 يوليه سنة 1952 يخطرها فيه بأنه اتفق مع شركاه على قسمة الأطيان التي اشتروها منها وكلف الشركة بالقيام بإجراء القسمة - وحيث إن المحكمة تستخلص مما تقدم أنه بعد أن صدر القبول من جانب الشركة المستأنف عليها أخطرت الشركة المستأنفين في الوقت المناسب الأول بانعقاد البيع، ولم يبد أي منهم اعتراضاً على ذلك بل إن المستأنف الأول قد أقر بصحة انعقاد العقد وطلب إجراء القسمة ولما أن أخطر المستأنف الثالث (الطاعن الأول) بمتابعة هذه الإجراءات لم يعترض، وحيث إنه متى تقرر ما تقدم وكان الثابت من أوراق الدعوى أن قرار الشركة بالموافقة على البيع وإخطار الشركة المستأنفين بهذا القرار قد وقعا في الوقت المناسب ولم يبد المستأنفون اعتراضاً كما سبق بيانه وأن اعتراضهم لم يبزغ إلا بعد أن أعلنوا بصحيفة الدعوى المستأنفة في 12/ 2/ 1953 فإن الإيجاب الصادر من جانبهم يكون قد لاقى قبولاً من جانب الشركة المستأنف عليها وبالتالي يكون عقد البيع قد انعقد صحيحاً وأصبح منتجاً لآثاره".
وحيث إن لمحكمة الموضوع السلطة المطلقة في تفسير نصوص العقد وتعرف ما قصده العاقدان منها ولا سلطان لمحكمة النقض عليها متى كانت عبارة العقد تحتمل المعنى الذي حصلته. ولما كان ما ذهبت إليه محكمة الموضوع في تفسير نص البند الأول من طلب الشراء المتضمن الإيجاب الصادر من الطاعن الأول وزميليه من أن هذا النص لا يفيد تحديد ميعاد غايته أول يناير سنة 1952 لقبول الشركة المطعون ضدها وأن المقصود بإيراد هذا التاريخ هو تحديد بدء استحقاق الموجبين لغلة الأطيان المبيعة عند انعقاد البيع - هذا التفسير هو مما تحتمله عبارات نصوص العقد التي يجب عند تفسرها اعتبارها مكملة بعضها بعضا - لما كان ذلك، وكان للمتعاقدين بعقد ابتدائي أن يتفقا على مآل ثمار المبيع، ولا جناح عليهما إن اتفقا على أن تكون هذه الثمار للمشتري من تاريخ سابق على تسلمه المبيع أو على البيع نفسه إذ أن هذا الاتفاق لا يحرمه القانون وليس فيه ما يخالف النظام العام - فإن النعي على الحكم المطعون فيه بأنه فسر الشرط السابق بما ينبو عن عبارته الصريحة وبما يتنافى مع أحكام البيع الواردة في القانون يكون غير صحيح. ولما كانت محكمة الاستئناف - خلافاً لما يقوله الطاعنون - لم تغفل حكم الفقرة الثانية من المادة 93 من القانون المدني بل أنها التزمته واستخلصت من ظروف الحال ومن طبيعة المعاملة ومن قصد الموجبين أنهم قبلوا الالتزام بإيجابهم إلى الوقت الذي يتسع لعرض هذا الإيجاب على مجلس إدارة الشركة ولإخطارهم بالقرار الذي يتخذه هذا المجلس ورأت المحكمة أن إبلاغ الشركة قبولها إلى الموجبين ثم في الوقت المناسب مدللة على ذلك بما استخلصته من نية الموجبين وبأنهم بعد إبلاغهم هذا القبول لم يعترضوا بأنه وصل إليهم متأخراً بل على النقيض فإن أحدهم - وهو الدكتور الحو - أقر بانعقاد البيع في خطاب أرسله إلى الشركة في 28 من يوليه سنة 1952 أي بعد وصول القبول إلى الطاعن الأول بأكثر من ثلاثة شهور، وضمن هذا الخطاب ما يفيد وجود مشروع قسمة بينه وبين شريكيه بخصوص الأطيان المبيعة إليهم وفوض الشركة في إنهاء إجراءات هذه القسمة، كما أن الطاعن الأول حين أخطرته الشركة بعد ذلك بمتابعة إجراءات هذه القسمة لم يعترض، وأن ادعاء الموجبين بعدم انعقاد البيع لم يظهر إلا بعد أن رفعت عليهم الشركة دعواها الحالية. ولما كانت هذه الأسباب التي دلل بها الحكم المطعون فيه على أن الشركة أبلغت قبولها في الميعاد المحدد ضمناً وفي الوقت المناسب لها أصلها في الأوراق التي كانت مقدمة إلى محكمة الموضوع وتتسق مع الوقائع التي استعرضتها المحكمة وتؤدى إلى النتيجة التي انتهت إليها وكان لقاضي الموضوع في حالة صدور الإيجاب لغائب دون تحديد صريح لميعاد للقبول أن يستخلص من ظروف الحال وطبيعة المعاملة وقصد الموجب الميعاد الذي التزم البقاء فيه على إيجابه، والقاضي فيما يستخلصه من ذلك كله وفي تقديره للوقت الذي يعتبر مناصباً لإبلاغ القبول لا يخضع لرقابة محكمة النقض متى كان قد بين في حكمه الأسباب المبررة لوجهة النظر التي انتهى إليها، لما كان ذلك، وكان لا وجه لتعييب الحكم لاستناده في هذا الخصوص إلى وقائع لاحقة لتاريخ صدور الإيجاب ذلك أن المحكمة وهي بسبيل استخلاص الميعاد الذي قصد الموجب الالتزام فيه بإيجابه لها أن تتحرى هذا القصد من كل ما يكشف عنه ولا تثريب عليها إذ استظهرته من أفعال تكون قد صدرت من الموجب بعد تاريخ الإيجاب وكشفت عن قصده هذا كما أنه لا على المحكمة في حالة صدور الإيجاب من شركاء متعددين عن صفقة واحدة أن تستدل على قصدهم المتحد بأمور تكون قد صدرت من أحدهم كاشفة لهذا القصد، لما كان ما تقدم، وكان يبين من خطاب الدكتور الحو المؤرخ 28 يوليه سنة 1952 أن ما استخلصه منه الحكم المطعون فيه يؤدى إليه مدلول عباراته ولا ينطوي هذا الاستخلاص على مسخ له. وكان هذا الحكم وقد انتهى بالأسباب السائغة التي أوردها إلى أن الإيجاب كان ما زال قائماً إلى أن صادفه القبول من الشركة فإنه إذ اعتبر أن عقد البيع قد تم في التاريخ الذي علم فيه الموجبون بالقبول فإنه يكون قد التزم حكم المادة 97/ 1 من القانون المدني وطبقها تطبيقاً صحيحاً ولا يعتبر الحكم - خلافاً لما يقوله الطاعنون - قد خرج نية العاقدين بتحديده هذا الزمان لتمام العقد لأن أحداً منهم لم يدع في طلباته أمام محكمة الموضوع بانعقاد العقد فيه ذلك أن هذا التحديد هو ما يمليه حكم القانون في حالة عدم وجود اتفاق يقضي بغيره وما دام الخصوم لم يدعو بوجود مثل هذا الاتفاق بينهما فإنه كان على المحكمة أن تنزل حكم القانون دون اعتداد بما طلبه الخصوم مخالفاً لذلك. لما كان ما تقدم جميعه، فإن النعي بالسبب الأول وبالشق الأول من السبب الثاني يكون على غير أساس.
وحيث إن الطاعنين ينعون في الشق الثاني من السبب الثاني على الحكم المطعون فيه القصور في التسبيب وفي بيان ذلك يقولون إنهم طلبوا من محكمة الاستئناف في حالة عدم إجابتهم إلى طلبهم الأصلي الخاص برفض دعوى الشركة المطعون ضدها أن تقضى لهم بإنقاص الثمن استناداً إلى نص الفقرة الثانية من المادة 147 مدني وذلك على اعتبار أن قانون الإصلاح الزراعي الذي صدر بعد التعاقد يعد طرفاً طارئاً لم يكن في الوسع توقعه وترتب عليه انخفاض ثمن الأطيان المبيعة وهبوط أسعار الحاصلات الزراعية مما أصبح معه تنفيذ التزامهم بأداء الباقي من الثمن مرهقاً لهم بحيث يهددهم بخسارة فادحة، وقد رفض الحكم هذا الطلب الاحتياطي بمقولة إن الواقع الملموس في الحياة العملية يبين منه أن قوانين الإصلاح الزراعي لم يكن لها أثر يمكن معه القول بأن التزام الطاعنين بدفع باقي الثمن أصبح مرهقاً، ويرى الطاعنون أن هذا من الحكم قول عام تحكمي إذ لا أثر لهذا الواقع الملموس لا في أوراق الدعوى ولا في خارجها كما أن الشركة المطعون ضدها نفسها قد سلمت بوقوع الإرهاق نتيجة قوانين الإصلاح الزراعي باتخاذ مجلس إدارتها قراراً بمنح تسهيلات لمشتري أراضيها تتمثل في التجاوز عن نسبة معينة من الثمن والفوائد وقد ذكر مجلس الإدارة في تقريره إلى الجمعية العمومية بتاريخ 31 مارس سنة 1957 أنه رغم هذه التسهيلات لم يقم هؤلاء المشترون بسداد المستحق عليهم. ولو أن الطاعنين لم ينازعوا الشركة بدعواهم الحالية لكان من حقهم الإفادة من تلك القواعد التي وضعتها الشركة وما دام الحكم المطعون فيه قد رأى رفض منازعتهم في شأن انعقاد العقد فلا أقل من أن يهبط بالتزاماتهم إلى الحد المعقول بالتطبيق للمادة 147/ 2 مدني وتمشياً مع قرار مجلس إدارة الشركة آنف الذكر.
وحيث إنه يبين من الحكم المطعون فيه أن الطاعنين تمسكوا أمام محكمة الاستئناف بطلب احتياطي هو إنقاص الثمن بالتطبيق لنص الفقرة الثانية من المادة 147 من القانون المدني وذلك على اعتبار أن قوانين الإصلاح الزراعي تعتبر ظرفاً طارئاً ترتب عليه أن صار تنفيذ التزامهم بالوفاء بباقي الثمن مرهقاً بحيث يهددهم بخسارة فادحة وقد رد الحكم على هذا الطلب بقوله "وحيث إن ما أثاره المستأنفون في شأن إنقاص الثمن قد تمسكوا فيه بنظرية الظروف الطارئة، وحيث إن المستأنفين إذ طلبوا إنقاص الثمن ذهبوا إلى أن ثمن الأطيان الزراعية قد هبطت عقب صدور قوانين الإصلاح الزراعي وأنهم لذلك يقيدون من حكم المادة 147 فقرة ثانية مدني التي أباحت للقاضي أن يقدر ما يطرأ بعد التعاقد من ظروف تجعل وفاء المدين بالالتزام مرهقاً وتركت القاضي أن يرد الالتزام المرهق إلى الحد المعقول، وحيث إن تذرع المستأنفين في إنقاص الثمن بقوانين الإصلاح يدحضه الواقع الملموس في الحياة العملية الذي يبين منه أن هذه القوانين لم يكن لها أثر يمكن معه القول بأن التزام المستأنفين بدفع باقي الثمن أصبح مرهقاً، وحيث إنه وإن كانت أسعار الأطيان الزراعية قد هبطت إلا أن هذا الهبوط كان لا بد من أن يقع عقب انتهاء الحرب العالمية الأخيرة التي ارتفعت فيها الأسعار ارتفاعاً جنونياً وكان لا بد أيضاً أن تتدرج الأسعار في الهبوط حتى تعود إلى مجراها الطبيعي وبذلك لا يعد هذا الهبوط ظرفاً طارئاً بل كان أمراً متوقع الحدوث قياساً على ما جرى في أعقاب الحرب العالمية الأولى" وهذا الذي قرره الحكم غير منتج في نفي شرط الإرهاق في النزاع الحالي أنه علاوة على أن المشرع قد أقر في المذكرة الإيضاحية للقانون رقم 452 لسنة 1953 بأنه ترتب على صدور قانون الإصلاح الزراعي رقم 178 لسنة 1952 انخفاض أثمان الأراضي الزراعية وتحديد قيمة لأجرة عنها كما أقر بذلك في القرار الذي اتخذه مجلس الوزراء في 11 من أغسطس سنة 1953 بالموافقة على المذكرة المقدمة إليه من وزارة المالية في شأن منح بعض التسهيلات لمشتري أراضي الحكومة والتي ورد فيها "أن قانون الإصلاح الزراعي أحدث تأثيراً كبيراً في أثمان الأراضي فانخفضت أثمانها وإيجاراتها وترتب على ذلك أن عجز كثيرون من المشترين قبل صدور هذا القانون عن الوفاء بالتزاماتهم أمام الحكومة" علاوة على هذا - وهو ما ينقض قول الحكم بأن الواقع الملموس في الحياة العملية يدل على عدم تأثير قانون الإصلاح الزراعي في ثمن الأطيان الزراعية - فإنه يجب أن ينظر عند تقدير الإرهاق الذي ترتب على الحادث الطارئ إلى الصفقة التي أبرم في شأنها العقد مثار النزاع، ومن ثم فإنه لتقرير ما إذا كان قد ترتب على صدور قانون الإصلاح الزراعي إرهاق للطاعنين بالمعنى الذي يتطلبه القانون في الفقرة الثانية من المادة 147 من القانون المدني يتعين على المحكمة أن تبحث أثر هذا القانون على ذات الصفقة محل التعاقد وتتبين ما إذا كان قد طرأ انخفاض في ثمن الأطيان المبيعة نتيجة صدور ذلك القانون أو لم يطرأ، ومدى ما سببه هذا الانخفاض - في حالة تحقق حصوله - من إرهاق للطاعنين، إذ أنه يشترط في الإرهاق الذي يبرر تطبيق حكم الظروف الطارئة أن يصل إلى حد تهديد المدين بخسارة فادحة مما ينتج عنه الخسارة المألوفة في التعامل لا تكفي للإفادة من هذا الحكم - لما كان ما تقدم، وكان الحكم المطعون فيه لم يلتزم النطاق الواجب التزامه عند بحث شرط الإرهاق واعتمد في نفيه على أسباب عامة مجملة لا تنصب على ذات الصفقة محل النزاع وليس من شأنها أن تؤدى عقلاً إلى ما رتبه عليها الحكم من انتفاء الإرهاق المدعى به فإنه يكون معيباً بما يستوجب نقضه في هذا الخصوص وحده.


(1) راجع نقض 26/ 3/ 1964 الطعن رقم 397 س 29 ق السنة 15 ص 418.
(2) راجع نقض 5/ 4/ 1951 طعن 28 س 19 ق مجموعة 25 سنة ص 365.
(3، 4) راجع نقض 26/ 3/ 1964 الطعن 368 س 29 ق السنة 15 ص 409، 3/ 1/ 1963 الطعن 263 س 26 ق السنة 14 ص 37، 21/ 3/ 1963 الطعن 259 ص 28 السنة 14 ص 347.