جلسة 5 من يوليو سنة 1974
برياسة السيد نائب رئيس المحكمة المستشار أحمد حسن هيكل وعضوية السادة
المستشارين: محمد أسعد محمود، وإبراهيم السعيد ذكري، وإسماعيل فرحات عثمان، وجلال
عبد الرحيم عثمان.
---------------
(162)
الطعن 16 لسنة 38 ق "أحوال شخصية"
(1 - 4) أحوال شخصية "إثبات".
إثبات " البينة". قانون دولي .
(1) التطليق للضرر . وجوب إثباته طبقا لأرجح الأقوال في مذهب أبي
حنيفة , رغم أنه منقول من مذهب مالك . المادة 280 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية
.البينة تكون من رجلين أو من رجل وامرأتين.
(2) السفير لا يملك القضاء على مواطنيه
الموجودين بالدولة المعتمد لديها . اعتباره في مقام الشهادة أمام المحاكم في أمر
بين زوجين , كغيره من أفراد الناس.
(3) وجوب معاينة الشاهد المشهود عليه بنفسه ,
فيما لا تقبل فيه الشهادة بالتسامع. الطلاق لا تقبل فيه الشهادة بالتسامع.
(4) الشهادة . أخبار صادق في مجلس الحكم بلفظ
الشهادة لإثبات حق على الغير ولو بلا دعوى . الشاهد . يشترط فيه الإسلام إذا كان
المشهود عليه مسلما وجود المسلم المشهود عليه في غير دار الإسلام . عدم اعتباره
ضرورة مسوغة لمخالفة هذا الشرط. عله ذلك.
(5) أحوال شخصية " الطلاق".
استئناف " نطاق الاستئناف". دعوى " الطلبات في الدعوى". نقض.
إقامة الزوجة دعواها بالتطليق للضرر . المادة / 6 م .ق 25 لسنة 1929 .
إضافتها أمام محكمة الاستئناف امتناع زوجها عن الإنفاق عليها . المواد 4 و5 و6 ق
25 لسنة 1920 . يعد طلبا جديدا يختلف في موضوعه عن الطلب الأول . علة ذلك . النعي
على الحكم بأنه أغفل الرد على طلب التطليق لعدم الإنفاق . غير منتج.
(6) أحوال شخصية " الطلاق". دعوى
" الدفاع في الدعوى". مسئولية . نقض.
ادعاء الزوج في دعوى التطليق , بأن زوجته كانت على علاقة غير شرعية به
وحملت منه قبل الزواج , أمر لا يقتضيه حق الدفاع . وجوب القضاء بالتطليق لانطواء
ذلك الادعاء على مضارة - لا يمكن معها استدامة العشرة الزوجية.
----------------
1 - تقضي المادة 280 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية التي أحالت إليها
المادة السادسة من القانون رقم 462 لسنة 1955 ، بأن تصدر الأحكام طبقاً للمدون في هذه
اللائحة ولأرجح الأقوال في مذهب أبى حنيفة فيما عدا الأحوال التى ينص فيها قانون
المحاكم الشرعية على قواعد خاصة فتصدر الأحكام طبقاً لها . وإذ كان المشرع بعد أن
نقل حكم التطليق للضرر من مذهب مالك ، لم يحل في إثباته إلى هذا المذهب ، كما لزم
ينص على قواعد خاصة في هذا الشأن ، فيتعين الرجوع في قواعد الإثبات المتصلة بذات
الدليل إلى أرجح الأقوال في مذهب أبى حنيفة عملاً بما تنص عليه المادة 280 سالفة
الذكر ، فتكون البينة من رجلين أو من رجل وامرأتين في خصوص التطليق للضرر .
2 - السفير لا يملك مباشرة حق القضاء على
مواطنيه الموجودين على إقليم الدولة المعتمد لديها وهو في مقام الشهادة أمام
المحاكم في أمر بين زوجين كغيره من أفراد الناس ، فلا تغنى صفته عن وجوب توافر
نصاب الشهادة .
3 - من شروط تحمل الشهادة ، معاينة الشاهد
المشهود عليه بنفسه لا بغيره فيما لا تقبل فيه الشهادة بالتسامع ، والطلاق من بين
ما لا تقبل فيه .
4 - الشهادة في اصطلاح الفقهاء - وعلى ما جرى
به قضاء هذه المحكمة - هي إخبار صادق في مجلس الحكم بلفظ الشهادة لإثبات حق على
الغير ، ولو بلا دعوى ، ويشترط في الشاهد الإسلام إذا كان المشهود عليه مسلماً وعللوا
ذلك بأن الشهادة فرع من فروع الولاية لما فيها من الإلزام بالحكم ولا ولاية لغير
المسلم على مسلم . وإذ كان الحكم المطعون فيه - على الأساس المتقدم - لم يقبل
الإقرارات المنسوبة إلى السيدات النمسويات لأنها صدرت في غير - مجلس القضاء ، ومن
مسيحيات على مسلم ، وكان لا محل للأخذ بهذه الإقرارات واعتبارها قرينة قاطعة في حالة
الضرورة ، ذلك أن الفقه المعمول به لا يجيز شهادة غير المسلم على المسلم قصدا
لأنها من بابا الولاية على ما سلف ، والإقرارات المقدمة تتضمن شهادة مقصودة من غير
المسلم على المسلم ، ووجود المسلم في غير دار الإسلام ، لا يعتبر ضرورة مسوغة لهذه
الشهادة فقها كما أن الولاية مقطوعة باختلاف الدارين بين مقدمي الإقرارات -
السيدات النمسويات - وبين الزوجين . لما كان ذلك فإن الحكم المطعون فيه ، إذ لم
يقبل الإقرارات المذكورة ، يكون قد التزم المنهج الشرعي السليم ويكون النعي عليه
في غير محله .
5 - لما كانت الطاعنة قد أقامت دعواها ضد
المطعون عليه طلب تطليقها منه طلقة بائنة للضرر عملاً بحكم المادة السادسة من
المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929 ، وكان ما أضافته الطاعنة أمام محكمة الاستئناف
من أن المطعون عليه أمتنع عن الإنفاق عليها بعد أن تزوجها ، يعد طلباً جديداً -
يختلف في موضوعه عن الطلب الأول ، لأن الطلاق بسبب عدم الإنفاق يقع رجعياً ، وله
أحكام مختلفة أوردتها المواد 4 ، 5 ، 6 ، من القانون رقم 25 لسنة 1920 ، وبالتالي
فلا يجوز قبول هذا الطلب الجديد أمام محكمة الاستئناف ، عملاً بما تقضى به المادة
321 من المرسوم بقانون رقم 78 لسنة 1931 بلائحة ترتيب المحاكم الشرعية من أنه لا
يجوز للخصوم أن يقدموا في الاستئناف طلبات بدعاوى جديدة غير الدعاوى الأصلية ، إلا
بطريق الدفع للدعوى الأصلية ، وهي من المواد التي أبقى عليها القانون رقم 462 لسنة
1955 . لما كان ذلك فإن النعي على الحكم المطعون فيه بأنه لم يرد على طلب التطليق
لعدم الإنفاق يكون غير منتج .
6 - إذ كان الثابت في الدعوى أن المطعون عليه
- الزوج - قدم بين مستنداته إلى محكمة الموضوع تقريراً من مستشفى فيينا علق عليه
بأن الطاعنة - زوجته - كانت حاملاً منه قبل أن يعقد عليها ، وأنه أحبها ووقف منها
موقف الرجولة ، لأنه كان في استطاعته ألا يتزوجها ، كما قدم شهادتين من رجال
الشرطة بالنمسا بأن الطاعنة كانت تقيم معه قبل الزواج في مسكن واحد ، وذلك رداً
على ادعائها بأنها لم تدرس أخلاقه الدراسة الكافية قبل الزواج ، وقد تمسكت الطاعنة
أمام محكمة الموضوع بأن هذا القذف الشائن من المطعون عليه في حقها كان تنفيذاً
لوعيده أمام السفير المصري بالنمسا بأنه سيستخدم كل وسيلة للتشهير بها لو أقامت
عليه دعوى بالطلاق ، وأن هذا يكفى لإثبات الضرر بما لا يمكن معه استدامة العشرة .
ولما كانت العبارات التي أوردها المطعون عليه على النحو السالف البيان لا يستلزمها
الدفاع في القضية التي رفعتها عليه الطاعنة بطلب تطليقها منه للضرر ذلك أن مجرد
قول الطاعنة بأن فترة الخطبة كانت من القصر بحيث لم تسمح لها بالتعرف على أخلاق
المطعون عليه ، كما أن رغبته في التدليل على حبه لها ووقوفه منها موقف الرجولة ،
لم يكن يستلزم أن يتهمها في خلقها وعفتها مدعياً بأنها كانت على علاقه غير شرعية
به ، وحملت منه قبل الزواج . لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد انتهى إلى أن
تلك العبارات يقتضيها حق الدفاع في الدعوى فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون بما
يوجب نقضه . وإذ كان الموضوع صالح للفصل فيه ، وكان ما نسبه المطعون عليه إلى
الطاعنة على الوجه المتقدم ينطوي على مضارة لا يمكن مع وجودها استدامة العشرة الزوجية
بينهما ، فإنه يتعين القضاء بتطليق الطاعنة من المطعون عليه طلقة بائنة للضرر
عملاً بحكم المادة السادسة من المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929 .
-----------
الوقائع
وحيث إن الوقائع – حسبما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن
– تتحصل في أن الطاعنة أقامت الدعوى رقم 54 لسنة 1966 أمام محكمة الجيزة
الابتدائية للأحوال الشخصية ضد المطعون عليه طالبة الحكم بتطليقها منه طلقة بائنة
للضرر، وقالت تبيانا لدعواها أنها تزوجت المطعون عليه بتاريخ 8 من فبراير 1964 في مصر،
وسافرا قبل نهاية ذلك الشهر إلى مدينة فيينا بالنمسا لإتمام دراستهما، وما أن
استقر بها المقام حتى دأب على إيذائها بالسب والضرب وحدث أن اعتدى عليها أثناء
حملها مما استدعى نقلها إلى المستشفى وتم إجهاضها في 20 من مايو 1964، وبادر
والدها بالذهاب إليها وسافرت معهما إلى مصر في 20 من يونيو 1964 لإتمام علاجها، ثم
عادت برفقة المطعون عليه إلى فيينا في أواخر شهر أكتوبر 1964 بعد أن أفلح والدها
في التوفيق بينهما وأقنعاه بأن يحسن معاملتها، ولكنه ما لبث أن عاود سيرته الأولى،
ولما تكرر اعتداؤه عليها اضطرت إلى الالتجاء للسفارة المصرية وعرضت على رجالها
آثار الضرب الظاهرة بجسمها، ثم رأت أن تعود إلى ذويها بمصر ووافقها المطعون عليه
بعد أن حصل منها على مبلغ من المال، غير أنه عند سفرها في شهر مارس 1965 فاجأها
بأنه لم يحصل على التأشيرة اللازمة، ولم تستطع الرحيل إلا بمعاونة السفارة
المصرية، وإذ كانت هذه الأمور مما لا يستطاع معهما دوام العشرة بينهما، وكان
المطعون عليه قد رفض تطليقها إلا إذا تقاضى مبلغا حدده بخمسة آلاف من الجنيهات،
فضلا عن تشهيره بها أثناء نظر الدعوى بإدعائه أنه كان يعاشرها وحملت منه قبل
الزواج، فقد انتهت إلى طلباتها سالفة البيان، وبتاريخ 28 من يونيو 1966 حكمت
المحكمة بإحالة الدعوى إلى التحقيق لتثبت الطاعنة أن المطعون عليه قد أساء إليها
بما لا يستطاع معه دوام العشرة بين أمثالها، وبعد أن سمعت المحكمة شاهدي الطاعنة
عادت وبتاريخ 25 من أبريل 1967 فحكمت برفض الدعوى. استأنفت الطاعنة هذا الحكم
بالاستئناف المقيد برقم 56 لسنة 84ق أحوال شخصية القاهرة طالبة إلغاءه والحكم لها
بطلباتها، وبتاريخ 23 من مارس 1968 حكمت المحكمة برفض الاستئناف وتأييد الحكم
المستأنف. طعنت الطاعنة في هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة العامة أربع مذكرات
أيدت في آخرها الرأي بنقض الحكم وبالجلسة المحددة لنظر الطعن التزمت النيابة رأيها.
---------------
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار
المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الطعن بني على خمسة أسباب، تنعي الطاعنة بالأسباب الثلاثة
الأولى منها على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه، وفي بيان ذلك
تقول أن الحكم لم يعول على أقوال سفير جمهورية مصر العربية بالنمسا والأستاذ .....
اللذين أشهدتهما في التحقيق وأهدر دلالة الإقرارات الكتابية المقدمة من السيدات
النمساويات اللائي أثبتن ما رأينه بشأن اعتداء المطعون عليه على الطاعنة، مستندا
في ذلك إلى أن شهادة الشاهد الثاني لا تقبل لأنها سماعية منقولة عن الطاعنة
ووالدها وأن شهادة السفير شهادة فرد لا يبنى عليها حكم لأن البينة الشرعية في مثل
هذا الموضوع رجلان أو رجل وامرأتان، هذا إلى أنه لم يشهد بنفسه واقعة اعتداء الزوج
على زوجته بل اقتصر على معاينة آثاره، وأن الإقرارات الموقع عليها من النمسويات لا
تصلح دليلا لعدم صدورها في مجلس القضاء ولأنها لم تسبق بلفظ "أشهد"
علاوة على أن من حررنها لسن بمسلمات ولا ولاية لغير المسلم على المسلم، في حين أنه
لا يصح التحدي بنصاب الشهادة في مذهب الإمام أبي حنيفة لأن التطليق للضرر لا يقوم
أصلا على مذهبه ويجب الرجوع بصدده إلى مذهب الإمام مالك الذي نقل عنه المشرع حكمه
في المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929، والطاعنة لم تلجأ إلى السفير المصري بالنمسا
كفرد عادي ولكن بوصفه أعلا سلطة مصرية وجهة شكوى رسمية بالنسبة للمصريين هناك، وقد
سمع شكواها ورأى آثار اعتداء زوجها ظاهرة بجسمها وعاونها على السفر إلى ذويها ثم
حاول تسوية الخلاف مع المطعون عليه وعلم منه أنه يطلب ثلاثة آلاف جنيه لإيقاع
الطلاق، وكلها أمور مرتبطة بوضعه كسفير فلا يلزم شرعا حتى عند الأحناف توافر نصاب
الشهادة في شأنها خاصة وأنها تعتبر مع غيرها شواهد حال وقرائن على صحة الدعوى. هذا
إلى أن السماع طريق طبيعي لإثبات الضرر الذي يجيز التفريق لأنه بطبيعته يحدث أثناء
المعاشرة داخل منزل الزوجية ولا يمكن الوقوف عليه إلا عن طريق السماع من الزوجة.
علاوة على أن الشريعة السمحاء ليست بالصورة المتخلفة التي صورها بها الحكم المطعون
فيه، فهي بقصد تمكين القاضي من الوصول إلى الصواب خولته القضاء بعلمه والأخذ
بالعرف والعادة، وقد جرى العرف في معاملات الناس على عدم وجوب أن يكون المتعامل أو
الشاهد عليها مسلما، واشتراط الإسلام في الشاهد امتياز كان موجودا في ظل الحكم
الديني ولم يصبح له محل في هذه الأيام إذعانا لحكم الضرورة خاصة إذا كانت الوقائع
حدثت في بلد غير إسلامي. كما أنه بعد أن أضحت كيفية أداء الشهادة خاضعة لقانون
المرافعات لم يعد يشترط أن تكون بلفظ "أشهد" وقد جرى العمل في مسائل
الأحوال الشخصية على قبول الشهادة المكتوبة متى صدرت من شخص صدقت المحكمة صدورها
منه كشهادات الأطباء وغيرهم، ولهذا فما كان يجوز إهدار دلالة الإقرارات الكتابية
التي قدمتها، فضلا عن أنها تعتبر قرائن وشواهد حال لإثبات وقائع الدعوى وهو جائز
شرعاً، الأمر الذي يعيب الحكم بمخالفة القانون والخطأ في تطبيقه.
وحيث إن هذا النعي برمته مردود، ذلك أنه لما كانت المادة 280 من لائحة
ترتيب المحاكم الشرعية التي أحالت إليها المادة السادسة من القانون رقم 462 لسنة
1955 تقضي بأن تصدر الأحكام طبقاً للمدون في هذه اللائحة ولأرجح الأقوال من مذهب
أبي حنيفة فيما عدا الأحوال التي ينص فيها قانون المحاكم الشرعية على قواعد خاصة
فتصدر الأحكام طبقاً لها، وكان المشرع بعد أن نقل حكم التطليق للضرر من مذهب مالك
لم يحل في إثباته إلى هذا المذهب كما لم ينص على قواعد خاصة في هذا الشأن، فيتعين
الرجوع في قواعد الإثبات المتصلة بذات الدليل إلى أرجح الأقوال في مذهب أبي حنيفة
عملاً بما تنص عليه المادة 280 سالفة الذكر، فتكون البينة من رجلين أو من رجل
وامرأتين في خصوص التطليق للضرر، ولما كان السفير لا يملك مباشرة حق القضاء على
مواطنيه الموجودين على إقليم الدولة المعتمد لديها وهو في مقام الشهادة أمام المحاكم
في أمر بين زوجين – كغيره من أفراد الناس فلا تغني صفته عن وجوب توافر نصاب
الشهادة، وكان من شروط تحمل الشهادة معاينة الشاهد المشهود عليه بنفسه لا بغيره
فيما لا تقبل فيه الشهادة بالتسامع والطلاق من بين ما لا تقبل فيه، ولما كان الحكم
المطعون فيه قد استبعد شهادة الأستاذ ...... لأنه نقل عن الطاعنة ووالدها ولم يعتد
بشهادة السفير لأنها شهادة فرد لا يبنى عليها حكم ولما كانت الشهادة في اصطلاح
الفقهاء – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – هي إخبار صادق في مجلس الحكم بلفظ
الشهادة لإثبات حق على الغير ولو بلا دعوى، وكان يشترط في الشاهد الإسلام إذا كان
المشهود عليه مسلماً وعللوا ذلك بأن الشهادة فرع من فروع الولاية لما فيها من
الإلزام بالحكم ولا ولاية لغير المسلم على مسلم، وكان الحكم المطعون فيه – على
الأساس المتقدم – لم يقبل الإقرارات المنسوبة إلى السيدات النمسويات لأنها صدرت في
غير مجلس القضاء ومن مسيحيات على مسلم، وكان لا محل للأخذ بهذه الإقرارات
واعتبارها قرينة قاطعة في حالة الضرورة ذلك أن الفقه المعمول به لا يجيز شهادة غير
المسلم على المسلم قصداً لأنها من باب الولاية على ما سلف، والإقرارات المقدمة
تتضمن شهادة مقصودة من غير المسلم على المسلم، ووجود المسلم في غير دار الإسلام لا
يعتبر ضرورة مسوغة لهذه الشهادة فقهاً، كما أن الولاية مقطوعة باختلاف الدارين بين
مقدمي الإقرارات وبين الزوجين، لما كان ذلك فإن الحكم المطعون فيه إذا طرح شهادة
السفير والأستاذ ..... ولم يقبل الإقرارات الصادرة من السيدات النمسويات يكون قد
التزم المنهج الشرعي السليم ويكون النعي عليه بهذه الأسباب في غير محله.
وحيث إن حاصل النعي بالسبب الخامس أن الحكم المطعون فيه شابه قصور في
التسبيب، وفي بيان ذلك تقول الطاعنة أنها تمسكت في دفاعها أمام محكمة الاستئناف
بأن المطعون عليه أمسك يده عن الإنفاق عليها منذ أن تزوجها سواء في فترة إقامتهما
سوياً بفيينا أو بعد عودتها من الخارج، غير أن الحكم أغفل الرد على هذا الدفاع،
وهو ما يعيبه بالقصور.
وحيث إن هذا النعي غير سديد، ذلك أنه لما كانت الطاعنة قد أقامت دعواها
ضد المطعون عليه بطلب تطليقها منه طلقة بائنة للضرر عملاً بحكم المادة السادسة من
المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929، وكان ما أضافته الطاعنة أمام محكمة الاستئناف من
أن المطعون عليه امتنع عن الإنفاق عليها بعد أن تزوجها يعد طلباً جديداً يختلف في
موضوعه عن الطلب الأول لأن الطلاق بسبب عدم الإنفاق يقع رجعياً وله أحكام مختلفة
أوردتها المواد 4، 5، 6 من القانون رقم 25 لسنة 1920 وبالتالي فلا يجوز قبول هذا
الطلب الجديد أمام محكمة الاستئناف عملاً بما تقضي به المادة 321 من المرسوم
بقانون رقم 78 لسنة 1931 بلائحة ترتيب المحاكم الشرعية من أنه لا يجوز للخصوم أن
يقدموا في الاستئناف طلبات بدعاوى جديدة غير الدعاوى الأصلية إلا بطريق الدفع
للدعوى الأصلية – وهي من المواد التي أبقى عليها القانون رقم 462 لسنة 1955 - لما
كان ذلك فإن النعي على الحكم المطعون فيه بأنه لم يرد على طلب التطليق لعدم
الإنفاق يكون غير منتج.
وحيث إن الطاعنة تنعي بالسبب الرابع على الحكم المطعون فيه مخالفة
القانون والفساد في الاستدلال، وفي بيان ذلك تقول إنها تمسكت في مرحلتي التقاضي
بأن من مظاهر الإيذاء التي تحول دون إمكان استمرار المعاشرة الزوجية وفقاً للمادة
السادسة من المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929 ما نسبه إليها المطعون عليه تنفيذاً
لوعيده أمام السفير من أنه كان يعاشرها ويساكنها وحملت منه قبل أن يتزوجها، وقدم
تدليلاً على مدعاه شهادة غير موثقة صادرة من إحدى المستشفيات بالنمسا علق عليها
بأنها كانت حاملاً في شهرها الخامس بتاريخ 25 من أبريل 1964 رغم أن الزواج تم
بتاريخ 8 من فبراير 1964، كما قدم شهادتين صادرتين من شرطة النمسا تضمنتا أنه كان
يساكنها في منزل واحد منذ 4 من ديسمبر 1963، واعتبر حكم محكمة أول درجة المؤيد
بالحكم المطعون فيه أن ذلك من مقتضيات حق الدفاع وليس فيه خروج عن نطاقه، في حين
أن هذا القذف الذي لم يكن له موجب ضار بها غاية الضرر إذا قيس أثره ببيئة الطاعنة
ودرجة ثقافتها والوسط الاجتماعي الذي تعيش فيه، وهو يكفي لإفساد الود وتوليد
الشعور الحاد بالإهانة التي لا تقبل المصالحة أو استمرار العشرة خاصة وأنه ثابت من
المستندات التي قدمتها إلى محكمة الاستئناف أنها كانت تقيم في دير الراهبات ثم بيت
للطالبات بمدينة فيينا في الفترة السابقة على الزواج، الأمر الذي يعيب الحكم
بالخطأ في تطبيق القانون والفساد في الاستدلال.
وحيث إن هذا النعي في محله، ذلك أنه لما كان الثابت في الدعوى أن
المطعون عليه قدم بين مستنداته إلى محكمة الموضوع تقريراً من مستشفى بفيينا علق
عليه بأن الطاعنة كانت حاملاً منه قبل أن يعقد عليها وأنه أحبها ووقف منها موقف
الرجولة لأنه كان في استطاعته ألا يتزوجها، كما قدم شهادتين من رجال الشرطة
بالنمسا بأن الطاعنة كانت تقيم معه قبل الزواج في مسكن واحد منذ 4 من ديسمبر سنة
1963 وذلك رداً على إدعائها بأنها لم تدرس أخلاقه الدراسة الكافية قبل الزواج، وقد
تمسكت الطاعنة أمام محكمة الموضوع بأن هذا القذف الشائن من المطعون عليه في حقها
كان تنفيذاً لوعيده أمام السفير المصري بالنمسا بأنه سيستخدم كل وسيلة للتشهير بها
لو أقامت عليه دعوى بالطلاق وأن هذا يكفي لإثبات الضرر بما لا يمكن معه استدامة
العشرة، ولما كانت العبارات التي أوردها المطعون عليه على النحو سالف البيان لا
يستلزمها الدفاع في القضية التي رفعتها الطاعنة بطلب تطليقها منه للضرر ذلك أن
مجرد قول الطاعنة بأن فترة الخطبة كانت من القصر بحيث لم تسمح لها بالتعرف على
أخلاق المطعون عليه، كما أن رغبته في التدليل على حبه لها ووقوفه منها موقف
الرجولة، لم يكن يستلزم أن يتهمها في خلقها وعفتها مدعياً بأنها كانت على علاقة
غير شرعية به وحملت منه قبل الزواج، لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد انتهى
إلى أن تلك العبارات يقتضيها حق الدفاع في الدعوى فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق
القانون بما يوجب نقضه لهذا السبب.
وحيث إن الموضوع صالح للفصل فيه، وإذ كان ما نسبه المطعون عليه إلى
الطاعنة على الوجه المتقدم ينطوي على مضارة لا يمكن مع وجودها استدامة العشرة
الزوجية بينهما، ولما تقدم فإنه يتعين القضاء بتطليق الطاعنة من المطعون عليه طلقة
بائنة للضرر عملاً بحكم المادة السادسة من المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929.