الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 26 سبتمبر 2022

الطعن 2414 سنة 46 ق جلسة 2 / 1 / 1930 مج عمر ج 1 ق 364 ص 414

جلسة يوم الخميس 2 يناير سنة 1930

برياسة حضرة صاحب السعادة عبد العزيز فهمى باشا رئيس المحكمة.

--------------

(364)
القضية رقم 2414 سنة 46 قضائية

معارضة.

نظرها في غيبة المعارض. الحكم الصادر فيها يعتبر حكما غيابيا واجبا إعلانه. ميعاد استئنافه.
(المواد 132 و133 و163 و177 و187 تحقيق)

---------------
إذا حكم غيابيا على متهم في جنحة وعارض ثم حضر جلسة المعارضة الأولى وتأجلت دعوى المعارضة المذكورة لجلسة أخرى تمت فيها المحاكمة في غيبة المعارض فالحكم الصادر في هذه الحالة يعتبر حكما غيابيا وإن كان مما لا تصح المعارضة فيه ويجب إعلانه للمحكوم عليه. ومدة ميعاد استئنافه لا تحتسب إلا من تاريخ هذا الإعلان، إذ المجمع عليه فقها وقضاء هو عدم الأخذ في المواد الجنائية بأحكام الحضور والغياب وثبوت الغيبة المقررة في المواد المدنية. والمعول عليه في تلك المواد لمعرفة وصف الحكم إنما هو حضور المتهم جلسة المحاكمة وعدم حضوره فيها فيكون الحكم حضوريا إذا حضرها وغيابيا إذا لم يحضرها ولو كان حضر جلسة أخرى سابقة عليها (1).


 (1) راجع أحكام محكمة النقض الصادرة في 7 مايو سنة 1923 و5 أكتوبر سنة 1925 و4 يناير سنة 1927 و11 أبريل سنة 1927 في القضايا رقم 1925 سنة 40 و1484 سنة 42 و209 سنة 44 و736 سنة 44 قضائية.

الطعن 2093 سنة 46 ق جلسة 9 / 1 / 1930 مج عمر ج 1 ق 368 ص 416

جلسة يوم الخميس 9 يناير سنة 1930

برياسة حضرة صاحب السعادة عبد العزيز فهمى باشا رئيس المحكمة.

-------

(368)
القضية رقم 2093 سنة 46 قضائية

تقرير الوقائع من حق محكمة الموضوع بشرط صحة وجود مصدرها في التحقيقات.
(المادة 149 تحقيق)

-------------
لمحكمة الموضوع أن تقدّر التحقيقات وشهادة الشهود وأن تستخلص منها الوقائع التي تعتقد ثبوتها وتبني عليها حكمها بالإدانة أو التبرئة. وإنما يشترط أن تكون هذه الوقائع متمشية مع تلك التحقيقات وشهادة الشهود كلها أو بعضها بحيث إذا كان لا أثر لها في شيء منها فان عمل القاضي في هذه الصورة يعتبر ابتداعا للوقائع وانتزاعا لها من الخيال، وهو ما لا يسوغ له إتيانه إذ هو مكلف بتسبيب حكمه تسبيبا يبنى من جهة الوقائع على أدلة تنتجها ومن جهة القانون على نصوص تقتضي الإدانة في تلك الوقائع الثابتة. على أنه إذا أتى في الحكم من الوقائع ما يكون مظهره أنه منتزع من الخيال فان هذا الحكم لا يسقط إذا كان فيه من الوقائع الصحيحة الأخرى ما يكفي لتسبيبه. إذ العمل الفاسد لا يبطل الصحيح ما لم يكونا متلازمين يسقط أحدهما بسقوط الآخر.

الطعن 2128 سنة 46 ق جلسة 9 / 1 / 1930 مج عمر ج 1 ق 373 ص 419

جلسة يوم الخميس 9 يناير سنة 1930

برياسة حضرة صاحب السعادة عبد العزيز فهمى باشا رئيس المحكمة.

-----------------

(373)
القضية رقم 2128 سنة 46 قضائية

العود في الإجرام. 

تفسير المادة الأولى من قانون 11 يوليه سنة 1908.

---------------
ليس المعنىّ بعبارة "العائد في حكم المادة 50" الواردة بالمادة الأولى من قانون 11 يولية سنة 1908 هو العائد الذي سبق الحكم عليه بمقتضى المادة 50 ولا العائد الذي استحق من قبل أن يحكم عليه بالمادة 50 ولم يحكم عليه فعلا. إنما المعنىّ بها هو العائد الذي قامت به هذه الصفة لسبق الحكم عليه بعقوبتين كلتاهما لمدّة سنة على الأقل أو بثلاث عقوبات إحداها على الأقل لمدّة سنة. وذلك لسرقة أو إخفاء أشياء مسروقة أو نصب أو خيانة أمانة أو تزوير أو شروع في هذه الجرائم كما هو مذكور في الشطر الأوّل من المادة 50. فمثل هذا الشخص إذا ارتكب جريمة جديدة مما نص عليه في المادة 50 سواء أكانت تامة أم كانت مجرّد شروع أمكنت معاملته بالمادة الأولى من قانون 11 يوليه سنة 1908 المذكور.


الوقائع

اتهمت النيابة الطاعنة المذكورة بأنها في يوم 2 أكتوبر سنة 1928 بدائرة قسم الأزبكية بمحافظة مصر سرقت سبعة أزواج من الچورابات من محل سمعان صيدناوي حالة كونها عائدة ومجرمة اعتادت الإجرام إذ سبق الحكم عليها بست عقوبات مقيدة للحرّية في سرقات الأخيرة منها قاضية بالحبس مع الشغل لمدّة سنتين بتاريخ 10 نوفمبر سنة 1926 الموافق 5 جمادى الأولى سنة 1345 وطلبت إحالتها على محكمة الجنايات لمحاكمتها بالمواد 275 و48 و50 من قانون العقوبات والمادة الأولى من دكريتو الإجرام الصادر في 11 يوليه سنة 1908.
وبتاريخ 27 يناير سنة 1929 أصدر حضرة قاضى الإحالة أمرا بإحالتها على محكمة جنايات مصر لمحاكمتها بالمواد سالفة الذكر على التهمة الموجهة إليها.
وبعد أن سمعت محكمة الجنايات هذه الدعوى حكمت فيها حضوريا بتاريخ 18 أبريل سنة 1929 عملا بالمواد 278 و48 و50 من قانون العقوبات والمادة الأولى من دكريتو الإجرام رقم 5 الصادر في 11 يوليه سنة 1908 باعتبار المتهمة مجرمة اعتادت الإجرام وبإرسالها للمحل الخاص لتسجن به حتى يأمر وزير الحقانية بالإفراج عنها.
فطعنت المحكوم عليها في هذا الحكم بطريق النقض والإبرام في يوم صدوره وقدّم حضرة المحامي عنها تقريرا بالأسباب في 4 مايو سنة 1929.


المحكمة

بعد سماع المرافعة الشفوية والاطلاع على الأوراق والمداولة قانونا.
حيث إن الطعن قدّم وبينت أسبابه في الميعاد فهو مقبول شكلا.
وحيث إن مبنى الطعن أن الجريمة التي ارتكبتها الطاعنة هي شروع في سرقة وقد عاملتها المحكمة بقانون 11 يوليه سنة 1908 الخاص بالمجرمين المعتادين الإجرام فأمرت بإرسالها لمحل خاص تسجن فيه إلى أن يأمر وزير الحقانية بالإفراج عنها مع أن القانون المذكور لا يصح تطبيقه إلا إذا كان العائد قد سبقت محاكمته فعلا بمقتضى المادة 50 من قانون العقوبات. وذلك أوّلا لأن الشارع جعل جزاء العود درجات يصعد من واحدة للأخرى، فالعود البسيط عاقب عليه بالمادة 49 عقوبات فان لم تثمر عاقب عليه بالمادة 50 فان لم تثمر عاقب عليه بالمادة الأولى من قانون الإجرام. وثانيا لأن المادة الأولى من قانون الإجرام بحسب نصها لا تنطبق إلا على العائد في حكم المادة 50 الذي يرتكب جريمة مما هو مشار إليه في المادة 50 المذكورة أو يشرع في ارتكابها. والعائد في حكم المادة 50 معناه العائد الذي تنطبق عليه المادة 50 المذكورة. فالمادة الأولى لا تنطبق إذن إلا اذا كان المجرم قد حكم عليه من قبل بمقتضى المادة 50 عقوبات ثم عاد للإجرام. وتقول الطاعنة إنها لم يسبق الحكم عليها بالعقوبة المقررة بالمادة 50 من قانون العقوبات وإذن فلا سبيل لمعاقبتها بالمادة الأولى من قانون المعتادي الإجرام.
وحيث إنه إذا كان في الحق أن الشارع قصد بوضع المادة 50 من قانون العقوبات التدرج في التغليظ على العائد المعتاد الإجرام الذي لا يكفى لردعه تطبيق المادة 49 من القانون المذكور فانه لم يقصد بقانون 11 يولية سنة 1908 التغليظ على العائد الذي لم يكف لردعه سبق تطبيق المادة 50 المذكورة. بل الواقع أن عقوبة هذه المادة وهى الأشغال الشاقة التي أقلها سنتان وأقصاها خمس سنين قد وجد الشارع أنها مع شدّتها المتناهية لم تثمر الثمرة المرجوة منها فعمد إلى وسيلة تهذيب فكر أنها قد تقوم من أخلاق المجرد وترده إلى الصلاح وتكون أنجع في هذا السبيل من تطبيق تلك العقوبة القاسية غير المثمرة فأصدر قانون 11 يوليه سنة 1908 مستعيضا فيه عن الأشغال الشاقة بالسجن الذي هو أخف في نوعه من الأشغال الشاقة وجعل أقصى مدّته ست سنين ولم يجعل له حدّا أدنى بل ترك الأمر لوزير الحقانية يأمر بالإفراج عن المحكوم عليه في أى وقت يراه بحيث يجوز له أن يفرج عنه بعد سنة أو أقل بينما أقل مدّة الأشغال الشاقة بحسب المادة 50 سنتان. فالقول بأن قانون 11 يوليه سنة 1908 المذكور هو تدرج في التغليظ على العائد الذي لم ينجح فيه معاملته بالمادة 50 من قانون العقوبات هو قول لا يتفق والواقع. على أن فكرة الشارع في هذا القانون وكونها الترفيه لا التغليط قد تجلت تمام التجلي في المذكرة الإيضاحية التي قدّم بها المشروع لمجلس شورى القوانين. ومما يجدر بيانه أن أصل هذا المشروع كان فيه أن مدّة السجن لا تزيد عن خمس سنوات وإنما زيد أقصاها إلى ست إجابة لرغبة المجلس. كما أن مما في تلك المذكرة أن المجرم أثناء سجنه يحمل على تعلم صناعة من الصناعات تنفعه بعد خروجه وأن في استطاعته أن يكسب مبالغ تزيد سنويا وتحفظ له مما لا يقاس به ما يكسبه من في الأشغال الشاقة. وفى هذا ما يؤكد مراد الشارع الواضح بباقي المذكرة وأنه التخفيف لا التشديد والتهذيب لا الزجر بالإيلام.
وحيث إن عبارة "العائد في حكم المادة 50" الواردة بالمادة الأولى من قانون 11 يوليه سنة 1908 ليس معناها العائد الذي سبق الحكم عليه بمقتضى المادة 50 ولا العائد الذي استحق من قبل أن يحكم عليه بمقتضى المادة 50 ولكن لم يحكم عليه فعلا. وإنما معناها العائد الذي قامت به هذه الصفة لسبق الحكم عليه بعقوبتين مقيدتين للحرّية كلتاهما لمدّة سنة على الأقل أو بثلاث عقوبات مقيدة للحرّية إحداها على الأقل لمدّة سنة وذلك لسرقة أو إخفاء أشياء مسروقة أو نصب أو خيانة أمانة أو تزوير أو شروع في هذه الجرائم كما هو مذكور بالشطر الأول من المادة (50). والدليل على ذلك أوّلا أن قانون 11 يوليه سنة 1908 برمته موضوع كما سلف البيان ليحل عند الاقتضاء محل المادة 50 التي لم تثمر الثمرة المقصودة. فهو يطبق إذن كلما كانت تلك المادة ممكنا تطبيقها (بقطع النظر عن إمكان تطبيقه فهو أيضا في صورة ما إذا كانت الجريمة الأخيرة هي الشروع مما لم تنص عليه المادة 50). وفى هذا ما يبرر معنى تلك العبارة ويجعلها منصبة على الشطر الأوّل من المادة 50. وثانيا - وهو من المفهومات الواضحة - أن المذكرة الإيضاحية ورد بها "وربما خيف من أن تكون نتيجة هذا القانون إطالة مدّة حبس العائدين" "الذين ارتكبوا جنحتين أو ثلاثا فقط فيكونون قد عوقبوا حينئذ بعقوبات أشدّ" "مما يستحقون لكن الإحصاء الخ...". فواضع القانون نفسه دل بهذا على أن القانون ممكن تطبيقه على من يكون من قبل قد ارتكب جنحتين أو ثلاثا فقط ثم ارتكب بعد ذلك الجريمة التي تدخله تحت متناول هذا القانون، والجنحتان أو الثلاث هي هى المشار إليها في الشطر الأوّل من المادة 50. فلو كان مراد واضع قانون الإجرام أن يكون العائد قد سبق الحكم عليه فعلا بمقتضى المادة 50 أو أنه كان مرتكبا فعلا من قبل جريمته الأخيرة لجرائم كانت تجعله مستحقا لعقوبة المادة 50 وإن كان لم يحكم بها عليه - لو كان مراده ذلك لما قال في مذكرته الإيضاحية ما قال، إذ أقل عدد الجنح التي تكون ارتكبت قبل الجريمة الأخيرة يكون حينئذ ثلاثا أو أربعا لا اثنين أو ثلاثا فقط.
وحيث إنه لذلك يتعين رفض الطعن.

فبناء عليه

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا وبرفضه موضوعا.

الطعن 1175 سنة 46 ق جلسة 30 / 1 / 1930 مج عمر ج 1 ق 380 ص 433

جلسة يوم الخميس 30 يناير سنة 1930

برياسة حضرة صاحب السعادة عبد العزيز فهمى باشا رئيس المحكمة.

--------------

(380)
القضية رقم 1175 سنة 46 قضائية (1)

(أ) تشويش وجنح الاعتداء على هيئة المحكمة. 
المحاكمات على ما يقع منها بالجلسات المدنية. لا وجوب لسماع أقوال النيابة فيها. المحاكمة على ما يقع منها بالجلسات الجنائية. وجوب سماع أقوال النيابة فيها.
(المادة 237 تحقيق)
(ب) معنى عبارة "من تلقاء نفسها" الواردة بالمادة 89 مرافعات.
(جـ) محام. حصول تشويش منه بالجلسة. توقيع المحكمة العقاب عليه.
(المادتان 86 و89 مرافعات)
)د) محام. هل يعتبر من المأمورين الموظفين بالمحاكم؟
)هـ) جنحة الجلسة. المحاكمة الفورية عليها. لا شأن لها بصفة المعتدى. المراد بلفظ "المحكمة" الوارد بالمادة 89 مرافعات.
(و) محام. المادة 89 مرافعات تتناوله.
(ر) إهانة المحكمة. إسناد الخطأ لها عقب إصدارها حكما. إهانة لها حتى ولو كانت مخطئة.
(المادة 117 عقوبات)

----------------
1 - لا وجوب لسماع أقوال النيابة فيما يجرى من المحاكمات على ما يقع بالجلسات المدنية من التشويش وجنح الاعتداء على هيئة المحكمة أو أحد أعضائها. أمّا ما يجرى من تلك المحاكمات أمام المحاكم الجنائية فسماع أقوال النيابة فيها واجب.
2 - إن المقصود بعبارة "من تلقاء نفسها" الواردة في المادة 89 مرافعات هو تخويل المحكمة المدنية سلطة المحاكمة والحكم بلا طلب من أحد تمكينا لها من حفظ كرامة القضاء بالإسراع في محاكمة من يعتدى عليه وإيقاع العقاب به فورا أثناء انعقاد الجلسة.
3 - مع افتراض أنه يمكن اعتبار المحامي في مصر أثناء قيامه بواجب الدفاع أمام المحاكم من أرباب الوظائف بها، ومع افتراض أنه يمكن اعتبار المادة 86 من قانون المرافعات الأهلي مخصصة للمادة 89 إذا كان الذي وقع من المحامي أثناء انعقاد الجلسة مجرّد تشويش إلا أنه - مع خلو لوائح صناعة المحاماة في مصر من نص كنص المادة 103 من قانون 3 مارس سنة 1808 الفرنسي المعدّلة بقانون 10 مارس سنة 1898 أو كنص المادة 41 من لائحة المحاماة بفرنسا الصادرة في 20 يونيه سنة 1920 يخوّل للمحاكم الابتدائية والاستئنافية سلطة توقيع عقوبة تأديبية محدّدة على المحامين - يكون من غير الميسور في مصر التقرير بالاكتفاء بإحالة المحامي على مجلس التأديب، لأن المادة 86 التي تجيز الحكم بالعقاب التأديبي تنص على أن يكون توقيعه في حال انعقاد الجلسة. فلذلك يتعين الأخذ بأصل القاعدة المنصوص عليها بالمادة 89 وهي توقيع العقوبة البدنية على من حصل منه التشويش أيا كان (2).
4 - المحامي لا يعتبر من المأمورين الموظفين بالمحاكم (officiers de justice) . وأقصى ما يمكن قوله بالنسبة له هو أنه قد يؤدي عرضا وظيفة لدى المحكمة ويمكن في أثناء أدائه إياها أن تنسحب عليه حماية المادة 89 مرافعات. وهذه الوظيفة العرضية هي دفاعه عن المتهمين بجناية أو عن الفقراء المندوب هو عنهم من لجنة المعافاة إذ في الصورة الأولى لا تصح المحاكمة بغير دفاعه وفي الصورة الثانية هو مكلف من قبل القانون بأداء مهمته.
5 - إن المادة 89 مرافعات لم تشترط لإمكان المحاكمة الفورية على جنحة الجلسة إلا قيام الصفة الخاصة في المعتدى عليه ولم تتعرّض لصفة المعتدى، فأياً كان هذا المعتدى فهو مأخوذ بحكمها. فالقاضي وعضو النيابة والمحامي والكاتب والمحضر والفرد من الأفراد أي منهم دخل الجلسة واعتدى على أي من المشار إليهم بالمادة المذكورة فللمحكمة معاقبته فورا بما يقضى به قانون العقوبات. بل إن كاتب الجلسة ومحضرها ومترجمها إذا اعتدى أحد منهم على زميله أو على أحد القضاة أو على هيئة المحكمة فلها عقابه أيضا في الحال. والمراد "بالمحكمة" في هذا الصدد هيئة القضاة ومن يعتبرون جزءا متمما لهيئتهم وهم النيابة في الجلسات الجنائية (3) وكتبة الجلسة. وما دامت هيئة المحكمة تكون كاملة ففي استطاعتها هذه المحاكمة بحيث لو أن المعتدى كان محضر الجلسة مثلا فلها أن تحكم عليه فورا بعد سماع دفاعه. بل لو كان المعتدى هو كاتب الجلسة وكان إلى جواره كاتب آخر من كتاب الجلسات وأمكن أن يحل فورا محل المعتدى لجازت تلك المحاكمة الفورية أيضا وكانت صحيحة.
6 - إن نصوص القانون المصري لا تسمح بإخراج المحامين عن متناول المادة 89 بالنسبة لما يقع منهم بالجلسة في حق المحكمة أو أحد أعضائها الموظفين بالمحكمة أو من يؤدى وظيفة بها.
7 - إن المادة 117 من قانون العقوبات الأهلي التي تعاقب على إهانة القاضي أثناء تأديته وظيفته أو بسببها وعلى إهانة المحكمة التي يؤلفها هذا القاضي أثناء انعقادها قد استعملت كلمة "الإهانة" بمعناها العام الذي يشمل كل ما يوجه للموظف ماسا بشرفه أو كرامته أو إحساسه قذفا أو سبا أو غيرهما. وإذن فمما يدخل في معنى الإهانة التي تعاقب عليها هذه المادة إسناد الخطأ للمحكمة عقب إصدارها الحكم في قضية ما ولو كانت مخطئة في الواقع.


الوقائع

تتلخص هذه الدعوى في أن حضرة الأستاذ على أفندي الحلواني "الطاعن" حضر أمام محكمة رشيد الجزئية بصفته محاميا عن المدعي في القضية المدنية رقم 690 سنة 1928 المرفوعة من عبد الحميد خميس ضدّ أحمد محمد الطوبجي التي كان محددا للتحقيق فيها جلسة يوم 22 ديسمبر سنة 1928، وبعد أن سمعت المحكمة شهادة من حضر من شهود الطرفين طلب حضرته التأجيل لإعلان الشاهد الذي غاب من شهوده فلم تجبه إلى طلبه. ثم حكمت في موضوع الدعوى برفضها. وعند ذلك قال الأستاذ المذكور ما نصه "أنا لسه ما ترافعتش والمحكمة مخطئة في الحكم". وقد رأت المحكمة الجزئية أن هذه العبارة تعتبر مهينة لها فوجهت إليه تهمة إهانة المحكمة أثناء انعقادها. وذلك بما لها من الحق طبقا للمادة 89 من قانون المرافعات الأهلي. وطلبت منه الدفاع عن نفسه فقال إنه لم يقصد الاعتداء على المحكمة ولا إهانة كرامتها بل قصد أنه حكم في موضوع الدعوى قبل أن يترافع فيها. وبعد ذلك حكمت المحكمة المشار إليها حضوريا عملا بالفقرة الثانية من المادة 117 من قانون العقوبات بتغريمه خمسين جنيها مصريا فقرر وكيله باستئناف هذا الحكم في 26 ديسمبر سنة 1928، وعند نظر الاستئناف أمام محكمة إسكندرية الابتدائية بهيئة استئنافية دفع حضرتا المحاميين الحاضرين مع المتهم دفعين فرعيين: أوّلهما بطلان الحكم المستأنف لعدم سماع أقوال النيابة العمومية أمام محكمة أوّل درجة قبل إصدار حكمها، وثانيهما أن المادة 89 من قانون المرافعات الأهلي لا تنطبق في حالة وقوع جنحة من محام يباشر عمله أمامها في الجلسة. فأمرت المحكمة بضم هذين الدفعين للموضوع. ثم بعد أن سمعت المرافعة قضت حضوريا بتاريخ 7 فبراير سنة 1929 بقبول الاستئناف شكلا وفى الموضوع برفض الدفعين الفرعيين وبتعديل الحكم المستأنف وتغريم المتهم ألفين وخمسمائة قرش وإعفائه من المصاريف الجنائية.
فطعن حضرته على هذا الحكم بطريق النقض والإبرام بتقرير في 9 فبراير سنة 1929 وقدّم حضرات المحامين عنه ثلاثة تقارير بوجوه طعنه في 20 و24 و25 فبراير سنة 1929.


المحكمة

بعد سماع المرافعة الشفوية والاطلاع على الأوراق والمداولة قانونا.
حيث إن الطعن قدّم وبينت أسبابه في الميعاد فهو مقبول شكلا.
عن الوجه الأوّل:
يقول الطاعن إن محكمة رشيد المدنية بمحاكمته على ما أسندته إليه من تهمة الإهانة لهيئتها ومعاقبته على هذه التهمة بالمادة 117 عقوبات بغير سماع أقوال النيابة قد أخلت بالإجراءات المهمة للمحاكمات الجنائية المدوّنة بالمادة 237 فوقع حكمها باطلا. وإن محكمة إسكندرية الاستئنافية قد أخطأت في رفضها الدفع بهذا البطلان فوقع حكمها المطعون فيه باطلا كذلك. ويبين الطاعن وجهة نظره بقوله "إن المقصود من المادة 89 من قانون المرافعات الأهلي - التي تجيز للمحكمة المدنية" "الحكم من تلقاء نفسها على من تقع منه بالجلسة جنحة اعتداء على هيئتها أو على" "أحد أعضائها - هو مجرّد النص على اختصاص المحكمة المدنية بهذه الجنح. كما" "أن المقصود من عبارة من تلقاه نفسها الواردة بهذه المادة هو إجراء المحاكمة على" "الفور بغير تحقيق لا إجراؤها على طريق المحاكمات الجنائية الواجب فيها سماع" "أقوال النيابة، إذ وجوب سماع أقوال النيابة عند المحاكمة على هذه الجنح مستفاد" "من أن النيابة هي صاحبة الدعوى العمومية في كل محاكمة جنائية كما أنه منصوص" "عليه صراحة بالمادة 237 من قانون تحقيق الجنايات الأهلي". ثم هو يؤكد صحة هذا النظر بما يلاحظ من أنه - مع خلو نص المادة 91 من قانون المرافعات الفرنسي (المقابلة للمادة 89 من قانون المرافعات الأهلي) وخلو نص المادة 505 من قانون تحقيق الجنايات الفرنسي (المقابلة للمادة 237 من قانون تحقيق الجنايات الأهلي) من وجوب سماع أقوال النيابة عند المحاكمة على هذه الجنح - فان الفقه الفرنسي قد ذهب إلى وجوب سماع أقوالها ويستشهد على ذلك بما جاء في جارو فقرة 1215 من الجزء الثالث من شرح تحقيق الجنايات.
وحيث إن الواقع في القانون الفرنسي والفقه والقضاء الفرنسيين هو أن المادة 89 من قانون المرافعات نصت على الحكم بالحبس أربعا وعشرين ساعة على من يشوّش نظام الجلسة والمادة 91 منه على أن من يهين أو يهدّد القضاة أو المأمورين القضائيين أثناء تأديتهم وظائفهم يقبض عليه ويحبس فورا تنفيذا لأمر يصدره بذلك رئيس المحكمة أو القاضي المنتدب للتحقيق أو النائب كل في الجهة المختص هو بحفظ النظام فيها ثم يستجوب المعتدى في أربع وعشرين ساعة وتحكم المحكمة عليه بعد اطلاعها على المحضر المثبت لوقوع الجريمة بالحبس مدة لا تزيد عن شهر أو بالغرامة التي لا تنقص عن خمسة وعشرين فرنكا ولا تزيد عن ثلاثمائة. ثم جاءت المادة 505 من قانون تحقيق الجنايات فنصت فيما نصت فيه على أنه "إذا صاحب التشويش" "الحاصل أثناء الجلسة سب أو إيذاء يستوجب معاقبة الجاني بعقوبات أشدّ من" "عقوبة الحبس أربعا وعشرين ساعة تحكم المحكمة التي وقعت هذه الجريمة أمامها" "بهذه العقوبات في حال انعقاد الجلسة وبمجرّد إثبات حصول الواقعة". ثم أتت المادة 222 وما بعدها من قانون العقوبات بعقوبات مختلفة على جرائم الاعتداء أثناء انعقاد الجلسة على القضاة وغير القضاة - ولهذا تساءل الفقهاء الفرنسيون عما اذا كانت المادة 505 السابقة الذكر والمواد 222 وما بعدها من قانون العقوبات قد نسخت المادة 91 من قانون المرافعات أم لا. فأجمعوا على وقوع هذا النسخ ورأوا أنه قد أصبح حقا للمحكمة المدنية أن تحكم على الفور ومن تلقاء نفسها تطبيقا للمادة 505 فيما يقع من الاعتداء بجلستها وبالعقوبات المبينة بالمواد 222 وما بعدها من قانون العقوبات. ثم جرى القضاء الفرنسي على الأخذ بهذا النظر وإعطاء هذه السلطة سلطة الحكم فيما يقع من جنح الاعتداء أثناء الجلسات لجميع المحاكم حتى المحاكم الاستثنائية منها التي لا تشهدها النيابة العمومية كقاضي المصالحات والمحاكم التجارية والمحاكم الإدارية ومجلس شورى الدولة والمجلس الأعلى المختص بمحاكمة أعضاء البرلمان (Haute Cour de la justice). وذلك محافظة على كرامة القضاة ومجالس القضاء (راجع نبذة 332 من الجزء الثاني من دالوز براتيك وفقرة 743 و771 جزء أوّل من كتاب بابون  (pabon) في مؤلفه الذي وضعه بعنوان قاضي المصالحات وحكم محكمة النقص الصادر في 26 يناير سنة 54 بمجموعة دالوز الدورية سنة 55 - 1 - 431 و432 وحكم محكمة النقض والإبرام الصادر من دوائرها المجتمعة في 5 يونيه سنة 1855 دالوز الدورية 55 - 1 - 429 و431). أما ما ذكره جارو بالفقرة 1215 من الجزء الثالث من ضرورة سماع طلبات النيابة في المحاكمة على الجرائم التي تقع أثناء انعقاد الجلسة فيخصصه بالبداهة ما قرّره من قبل بالعبارة الأولى من الفقرة 1213 - التي هي أصل في الباب وتلك فرع عنها - من وجوب الأخذ بالقواعد العامة للمحاكمات الجنائية ما دامت تتلاءم مع طبيعة المحاكمة الفورية. ومقتضى هذا التخصيص أن يحمل كلامه في الفقرتين المذكورتين على سماع أقوال النيابة عند الإمكان كأن تكون الجلسة مما لا تنعقد صحيحا إلا بحضورها جلسات الجنح والمخالفات والجلسات المدنية التي تحضرها خصما إضافيا (والنيابة العمومية عندهم خصم إضافي في كافة القضايا المدنية التي هي خصم إضافي فيها لدى المحاكم المختلطة المصرية ثم في أنواع أخرى من القضايا المدنية). ومما يلاحظ في هذا الصدد أن المادة 505 من قانون تحقيق الجنايات الفرنسي تتسع عندهم لمثل هذا النظر إذ هي وردت في باب عنوانه "الجنح الواقعة اعتداء على الهيئات المشكلة". وقد خلت من إيجاب سماع أقوال النيابة في المحاكمة على تلك الجنح وجاء خلوها من ذلك مقصودا حتى إذا كانت الإهانة وقعت في جلسة جنائية تحضرها النيابة سمعت أقوالها وإن كانت وقعت في جلسة لا تحضرها تمت المحاكمة بغير سماع أقوالها.
وحيث إنه يبين مما تقدّم أن احتجاج الطاعن بالفقه والقضاء الفرنسيين لا يجدى.
وحيث إن الشارع المصري قد استفاد حقا مما كتبه الفقهاء شرحا للمادة 91 من قانون المرافعات الفرنسي والمادة 505 من قانون تحقيق الجنايات الفرنسي وما اتصل بهما من المواد الأخرى فجعل نصوص محاكمة المحاكم المدنية على ما يقع بجلساتهما من التشويش وجنح الاعتداء عليها وافية لا تتعارض مع قانوني العقوبات وتحقيق الجنايات. فنص في قانون المرافعات بالمادة 89 على اختصاص المحاكم المدنية بإصدار الحكم بالحبس أربعا وعشرين ساعة على التشويش وبإصدار الحكم بالعقوبة على من تقع منه جنحة بالجلسة سواء أكانت في حق المحكمة أو في حق أحد أعضائها بغير بيان لهذه العقوبة كيما يرجع في قدرها إلى نصوص قانون العقوبات كما نص على أنها من تلقاء نفسها تحكم في ذلك على الفور (على خلاف نص المادة 91 من قانون المرافعات الفرنسي في الأمرين) وجعل المادة 237 من قانون تحقيق الجنايات خاصة بالمحاكمة السريعة على هذه الجرائم أمام المحاكم الجنائية. ولأن النيابة حاضرة دائما في هذه المحاكم الجنائية أوجب بهذه المادة سماع أقوالها وهذا على خلاف نص المادة 89 من قانون المرافعات التي أتت خالية من ذلك. وقد وضع المادة 237 المذكورة في الباب الذي عنوانه "في الأحكام" "التي يجوز تطبيقها في جميع محاكم المواد الجنائية" فدل هذا الوضع على أن سماع أقوال النيابة مقصور على المحاكمة الفورية أمام المحاكم الجنائية وعلى أن ليس من الوجوب اتباع هذا الإجراء في تلك المحاكمات أمام المحاكم المدنية.
وحيث إنه لا يمكن الأخذ بما يقوله الطاعن من أن معنى "من تلقاء نفسها" هو الحكم على الفور بغير تحقيق. لأن معنى الفورية في تلك المحاكمات الاستثنائية قد استفيد من عبارات أخرى: فهو في المادة 86 مستفاد من قولها "في حال" "انعقاد الجلسة" وفى الشطر الأول من المادة 89 من عبارة "ينفذ حكمها في الحال" ومن كون هذا الشطر خاصا بحفظ النظام وبمنع تشويشه فإجراءاته بطبيعة الحال فورية وفي باقي المادة المذكورة من قول المادة 90 "الجنح التي لم يحكم فيها" "حال انعقاد الجلسة". وهذا المعنى يقابله بالنسخة الفرنسية (séance ténante). أما عبارة "من تلقاء نفسها" فيقابلها بالفرنسية لفظ  (ďoffice)، وهذا اللفظ وإن كان ورد بالفقرة الثانية من المادة إلا أنه لا خلاف في انسحابه على ما بالفقرة الأولى كما لا يصح النزاع في أنه يفيد بدلالتيه الوضعية والاصطلاحية معنى تخويل المحكمة المدنية سلطة المحاكمة والحكم بلا طلب من أحد. وكان جديرا بالشارع تخويلها هذا الحق تمكينا لها من حفظ كرامة القضاء بالإسراع في محاكمة من يعتدى عليه وإيقاع العقاب به فورا أثناء انعقاد الجلسة.
وحيث إن الذي يقطع في صحة محاكمة المحاكم المدنية على ما يقع أثناء جلساتها بغير سماع أقوال النيابة أن الشارع المصري عند وضع القانون الأهلي عمد إلى المادتين 63 و66 من قانون المرافعات المختلط فحذف منهما عبارة "بعد سماع" "أقوال النيابة" ثم جعلهما مادتي 86 و89 من قانون المرافعات الأهلي. ولا يمكن حمل هذا الحذف على السهو لأنه حصل في مادتين مختلفتين، وحصوله كذلك يدل على تعمده. والعلة في الحذف أن النيابة مشخصة دائما في المحاكم المدنية المختلطة (لكونها خصما إضافيا في كثير من القضايا) فكان مقتضى وجودها عدم المساس بأصول المحاكمات الجنائية وإيجاب سماع أقوالها ما دامت هى حاضرة إذ لا يتنافى سماعها مع مقتضى الإسراع الواجب في المحاكمة. أما في المحاكم المدنية الأهلية فالنيابة غير حاضرة بجلساتها ولذلك حذف النص في المادتين السابقتي الذكر حتى لا تتعطل المحاكمة إلى حين استدعائها وسماع أقوالها. فهذا الحذف المقصود دليل قاطع على عدم صحة ما ذهب إليه الطاعن من وجوب سماع أقوال النيابة أمام المحاكم المدنية الأهلية.
وحيث إن هذا الذي تراه المحكمة الآن قد رجع إليه الطاعن في مذكرته الأخيرة مصرحا بأن سماع أقوال النيابة العامة غير واجب في مثل هذه المحاكمة.
وحيث إنه ينتج من ذلك أن محاكمة الطاعن أمام محكمة رشيد المدنية قد جرت على ما يجب أن تجرى عليه قانونا من الناحية التي يتظلم منها في هذا الوجه وإذن يتعين رفضه.
عن الوجه الثاني:
وحيث إن الطاعن يذهب في الوجه الثاني من طعنه إلى أن محكمة رشيد المدنية قد حاكمته على ما نسبته إليه من إهانتها وقد كان يقوم أمامها بواجب الدفاع عن موكله. والمحامي إذا قام بهذا الواجب يعتبر قانونا أنه من أرباب الوظائف بالمحكمة إذا صدر منه ما يستوجب المؤاخذة حوسب عليه أمام مجلس التأديب التابع له ولا وجه لمعاقبته بقانون العقوبات. ويستشهد في ذلك بنص المادة 86 من قانون المرافعات وبما جرى عليه الفقه والقضاء بفرنسا في تفسير المادتين 89 و91 من قانون المرافعات المقابلتين للمادتين 86 و89 من المرافعات الأهلي - يذهب الطاعن إلى ذلك ويرتب عليه أن حكم محكمة رشيد قد وقع باطلا وأن محكمة إسكندرية الاستئنافية بتأييدها إياه رغم الدفع ببطلانه قد بطل حكمها المطعون فيه كذلك.
وحيث إن الفقه والقضاء الفرنسيين قد اعتبرا المحامي وهو يقوم بواجب الدفاع بالجلسة من أرباب الوظائف التابعين للمحكمة وقت انعقادها كما اعتبرا المادة 90 من قانون المرافعات فيما جاءت به من جواز توقيع الحكم بوقف أرباب الوظائف مدّة لا تتجاوز الشهر مخصصة للمادة 89 التي نص فيها على حبس من يحصل منهم تشويش بالجلسة أربعا وعشرين ساعة. وقد أكد هذا التخصيص بفرنسا ما أعطى لمحاكمها الابتدائية والاستئنافية - بالمادة 103 من قانون 3 مارس سنة 1808 المعدّلة بقانون 10 مارس سنة 98 والمادة 41 من لائحة المحاماة الصادرة في 20 يونيه سنة 1920 - من سلطة تأديب أرباب هذه الوظائف ومنهم المحامون بتوقيع الجزاءات التأديبية عليهم إذا أخلوا بيمين حرفتهم التي حلفوها عند بدء اشتغالهم بها.
وحيث إنه مع افتراض أنه يمكن اعتبار المحامي في مصر أثناء قيامه بواجب الدفاع أمام المحكمة من أرباب الوظائف بها ومع افتراض أنه يمكن اعتبار المادة 86 من قانون المرافعات الأهلي مخصصة للمادة 89 إذا كان الذي وقع من المحامي أثناء انعقاد الجلسة مجرّد تشويش - إنه مع افتراض ذلك فإن خلو لوائح صناعة المحاماة من نص كنص المادة (103) السابقة الذكر أو كنص المادة 41 من لائحة المحاماة بفرنسا الصادرة في 20 يونيه سنة 1920 يخوّل للمحاكم الابتدائية الاستئنافية سلطة توقيع عقوبة تأديبية محدّدة على المحامين - هذا الخلو يجعل من غير الميسور في مصر أن تذهب هذه المحكمة إلى ما ذهب إليه الطاعن من الاكتفاء بإحالة المحامي على مجلس التأديب بالكيفية المبينة بقانون نمرة 26 سنة 1912 المعدل بقانون رقم 26 سنة 1929، ذلك لأن المادة 86 التي تجيز الحكم بالعقاب التأديبي تنص على أن يكون توقيعه في حال انعقاد الجلسة. فإذا ما امتنع العمل بهذا الترخيص لعدم تنظيم أحكامه وجب الأخذ بأصل القاعدة المنصوص عليها بالمادة 89 وهى توقيع العقوبة البدنية على من حصل منه التشويش أيا كان. فالقول بالاكتفاء بإحالة المحامي على مجلس التأديب العادي لا يتمشى مع حكم المادة 86 السابقة الذكر بل هو مفوّت لغرض الشارع من المحاكمة والحكم على الفور.
وحيث إن الواقع أن ما يقوله الطاعن من أن المحامي بمصر يصح اعتباره قانونا من المأمورين الموظفين بالمحاكم (officiers de justice) هو قول في غير محله؛ لأن لائحة ترتيب المحاكم الأهلية لا تعدّ من المأمورين الموظفين بالمحاكم إلا موظفي الحكومة من كتبة ومحضرين ومترجمين. ولأن أقصى ما يمكن قوله بالنسبة للمحامي هو أنه قد يؤدّي عرضا وظيفة لدى المحكمة، ويمكن في أثناء أدائه إياها أن تنسحب عليه حماية المادة 89، وهذه الوظيفة العرضية هي دفاعه عن المتهمين بجناية أو عن الفقراء المندوب هو عنهم من لجنة المعافاة، إذ في الصورة الأولى لا تصح المحاكمة بغير دفاعه وفي الصورة الثانية هو مكلف من قبل القانون بأداء مهمته. على أن الطاعن في المذكرة الأخيرة قد تنازل أيضا عن القول على إطلاقه بأن المحامي هو من المأمورين الموظفين بالمحكمة.
وحيث إنه بقطع النظر عما تقدّم، ومع فرض التسليم أيضا بأن المحامين هم من المأمورين الموظفين بالمحاكم (officiers de justice) كما تعبر المادة 89، أو أنهم من أرباب الوظائف بالمحكمة (individis remplissant une fonction près le tribunal) كما تعبر المادة 86، فإن الحكم المطعون فيه ليس صادرا في حالة تشويش مما تعاقب عليه العبارة الأولى من الفقرة الأولى من المادة 89 بالحبس أربعا وعشرين ساعة، ومما كان يصح القول فيه بجواز توقيع عقوبة تأديبية عملا بالمادة 86، بل هو صادر في جنحة مما تشير إليه العبارة الثانية من الفقرة الأولى من المادة 89. فكل البحث يجب إذن قصره على معرفة ما "إذا كان المأمور الموظف بالمحكمة" أو "أحد أرباب الوظائف بالمحكمة" يرتكب بالجلسة جنحة في حق المحكمة أو أحد أعضائها أو مأمور آخر موظف بالمحكمة عامل بجلستها، هل هذا المأمور المرتكب للجريمة يسوغ للمحكمة تطبيق المادة 89 عليه ومعاقبته فورا بما يستحقه بموجب نصوص قانون العقوبات أم لا؟ إن المادة 89 لم تشترط لإمكان المحاكمة الفورية على جنحة الجلسة إلا قيام الصفة الخاصة في المعتدى عليه، ولم تتعرض لصفة المعتدى، فأيا كان هذا المعتدى فهو مأخوذ بحكمها. وكل ما يقال غير ذلك فهو تحكم في التفسير، فإن لفظ "من" في قول المادة "على من تقع منه جنحة بالجلسة" هو من صيغ العموم، فهو شامل لكل إنسان تقع منه الجنحة، فتخصيصه بمن عدا الموصوفين بالمادة هو تخصيص بلا مخصص. وإذن فالقاضي وعضو النيابة والمحامي والكاتب والمحضر والفرد من الأفراد أي منهم دخل الجلسة واعتدى على أي من المشار إليهم بالمادة المذكورة فللمحكمة معاقبته فورا بما يقضى به قانون العقوبات. بل إن كاتب الجلسة ومحضرها ومترجمها إذا اعتدى أحد منهم على زميله أو على أحد القضاة أو على هيئة المحكمة فلها عقابه أيضا في الحال. والمراد "بالمحكمة" في هذا الصدد هيئة القضاة ومن يعتبرون جزءا متمما لهيئتهم وهم النيابة في الجلسات الجنائية وكتبة الجلسة. وما دامت هيئة المحكمة تكون كاملة ففي استطاعتها هذه المحاكمة بحيث لو أن المعتدى محضر الجلسة مثلا فلها أن تحكم عليه فورا بعد سماع دفاعه؛ بل لو كان المعتدى هو كاتب الجلسة وكان إلى جواره كاتب آخر من كتاب الجلسات وأمكن أن يحل فورا محل المعتدى لجازت تلك المحاكمة الفورية أيضا وكانت صحيحة.
وحيث إنه ينتج من كل ما تقدم أن نصوص القانون المصري لا تسمح بإخراج المحامين عن متناول المادة 89 حتى مع فرض التسليم بأنهم من المأمورين الموظفين بالمحكمة أو ممن يؤدون وظيفة بالمحكمة. فهذا الوجه مرفوض.
عن الوجه الثالث:
وحيث إن الطاعن يدعى في الوجه الثالث أن التهمة التي أسندت له على ما أثبته الحكم المطعون فيه وهى "أنه أهان حضرة قاضي محكمة رشيد الجزئية بأن قال له:" "(أنا لسه مترافعتش والمحكمة مخطئة في الحكم) عقب نطق القاضي بالحكم في القضية" "المدنية نمرة 690 سنة 1928 رشيد" لا تقع تحت نص المادة 117 من قانون العقوبات التي طبقتها محكمتا أوّل وثاني درجة، وحجته أن هذا العبارة لم توجه لشخص القاضي الذي أصدر الحكم وإنما وجهت لهيئة المحكمة، فهي لا تكون إلا قذفا يجرى عليه ما عرف من أحكام القذف من جواز إقامة الإثبات على صحة ما أسند من وقائعه وعدم مؤاخذة القاذف إلا إذا لم يثبت صحة ما قذف به. ويستند في هذا القول إلى ما نقله عن جارسون شرحا للمادة 222 من قانون العقوبات الفرنسي المقابلة للمادة 117 من قانون العقوبات الأهلي.
وحيث إنه لو صح أن بعض شراح قانون العقوبات الفرنسي يفهم من نص المادة 222 أن لا إهانة عندهم إلا اذا وقعت على شخص الموظف، وأن الاعتداء على هيئة المحكمة لا يكون إلا قذفا، فان المادة 117 من قانون العقوبات الأهلي التي تعاقب على إهانة القاضي أثناء تأدية وظيفته أو بسببها وعلى إهانة المحكمة التي يؤلفها هذا القاضي أثناء انعقادها قد استعملت كلمة "الإهانة" بمعناها العام الذي يشمل بصرف النظر عن العلنية كل ما يوجه للموظف ماسا بشرفه أو كرامته أو إحساسه، قذفا أو سبا أو غيرهما.
وحيث إن في إسناد الخطأ للمحكمة عقب إصدارها الحكم في قضية مّا ولو كانت مخطئة في الواقع إهانة لها تقع تحت نص المادة 117 عقوبات، فهذا الوجه مرفوض.
عن الوجه الرابع:
حيث إن الطاعن يزعم في الوجه الرابع أن المحكمة الاستئنافية استخلصت سوء نيته في توجيه العبارة التي عدّتها إهانة من وقوع هذا التوجيه بعد صدور الحكم في موضوع القضية المدنية، وهى مخطئة في ذلك لأن الثابت بمحضر الجلسة أن هذا الحكم إنما صدر بعد الحكم على الطاعن بالغرامة عقوبة على هذه الإهانة. وهذا الخطأ يعيب الحكم ويوجب نقضه.
وحيث إن الثابت بمحضر الجلسة أن المحكمة رفضت التأجيل (الذي طلبه الطاعن)؛ وبعد أن أصدرت الحكم برفض الدعوى قال الحلواني افندي: "أنا لسه ما ترافعتش والمحكمة مخطئة في الحكم"، وأن المحكمة اعتبرت هذا اعتداء على هيئتها ووجهت التهمة له وطلبت منه المرافعة فقال: "أنا لم أقصد مطلقا الاعتداء على هيئة المحكمة ولا إهانة كرامتها وأنا أقصد أنه حكم قبل أن أترافع في الموضوع". وهذا السياق دال بذاته على توجيه الطاعن الخطأ لمحكمة رشيد بعد إصدارها الحكم في موضوع القضية المدنية؛ وإذن فهذا الوجه مرفوض.
وحيث إن هذه المحكمة بعد أن بينت بأسباب هذا الحكم ما للمحاكم العادية من سلطة المعاقبة على ما يقع أثناء انعقادها على هيئتها أو بجلساتها من جنح الاعتداء أيا كان المعتدى محاميا أو غير محام تأسف على أن لا يكون لهذه المحاكم سلطة تأديب على المحامين في حدود متواضعة تنصرف بها عن تطبيق نصوص قانون العقوبات عليهم بسبب ما يصدر منهم بالجلسة من الأقوال التي يعدها القضاة مهينة لهم - تلك النصوص التي لا يجدون لحفظ كرامتهم من وسيلة أخرى غير اللجوء إليها مع شدّة وقعها فيطبقونها وهم لما يفعلون كارهون.

ولهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا وبرفضه موضوعا.


 (1) القواعد المدونة هنا مأخوذة من الحكم بحسب أصل ترتيبه. وهذا الترتيب قد اتبعت فيه المحكمة ترتيب أوجه الطعن. وهذا هو السبب فيما يوجد في معانى القواعد من التكرير.
 (2) أبدت محكمة النقض في هذا الحكم أسفها على أن لا يكون للمحاكم العادية على المحامين سلطة تأديب في حدود متواضعة تستغني بها عن تطبيق نصوص قانون العقوبات عليهم بسبب ما يصدر منهم بالجلسات مما يعتبره القضاة مهينا لهم تلك النصوص التي لا يجدون لحفظ كرامتهم من وسيلة أخرى غير اللجوء إليها مع شدّة وقعها فيطبقونها وهم لما يفعلون كارهون.
 (3) يلاحظ أن الحكم صدر قبل إنشاء محكمة النقض المدنية التي تحضر النيابة جلساتها.

الطعن 2185 سنة 46 ق جلسة 30 / 1 / 1930 مج عمر ج 1 ق 381 ص 446

جلسة يوم الخميس 30 يناير سنة 1930

برياسة حضرة صاحب السعادة عبد العزيز فهمى باشا رئيس المحكمة.

--------------

(381)
القضية رقم 2185 سنة 46 قضائية

(أ) مصاريف الدعاوى الجنائية.

الرجوع بشأنها إلى قانون تحقيق الجنايات لا إلى القواعد المدنية والتجارية. الحالة المستثناة.
(المواد 250 - 257 تحقيق)
(ب) متهم مدان. إلزامه بالمصاريف التي تكبدها المدعى المدني. الصور المستثناة.
(المادة 256 تحقيق)

--------------
1 - وضع قانون تحقيق الجنايات بالمواد 250 إلى 257 لمصاريف الدعاوى الجنائية نظاما كاملا، وهو دون غيره الذي يرجع إليه في تعرف أحكامها وكيفية تصرف القضاء بشأنها. وقد تناول في المواد 255 - 257 مسألة المصاريف في الدعاوى التي يكون فيها مدع بحقوق مدنية، فوضع بالمادة 255 مبدأ خاصا بتنظيم العلاقة بين الحكومة والمدعى بالحق المدني جعل فيه هذا المدعى مسئولا أوّلا وبالذات للحكومة عن تلك المصاريف. ثم وضع بالمادتين 256 و257 المبادئ الخاصة بالعلاقة بين المدعى بالحق المدني وبين المتهم في شأن هذه المصاريف وكيف يسويها القضاء مقررا في المادة 257 أنه لا يرجع في أحكام هذه العلاقة إلى القواعد المدنية والتجارية إلا في صورة واحدة هي صورة ما إذا برئ المتهم ومع تبرئته قد ألزم بتعويضات للمدعى بالحق المدني. أما باقي الصور فالمادة 256 هي وحدها اللازم الرجوع إليها للفصل فيها.
2 - تقضي الفقرة الأولى من المادة 256 بأن المتهم الذي تقررت إدانته هو الذي يجب إلزامه بكافة ما تكبده المدعى بالحق المدني من المصاريف. وقد جاءت هذه القاعدة عامة مطلقة لا تفرّق بين ما إذا قضى لهذا المدعى بكل التعويض الذي طلبه أو ببعضه وبين ما إذا كان لم يقض له بشيء أصلا. لكن الشارع قد حد من عموم هذه القاعدة، فاستثنى من متناول تطبيقها صورتين: الأولى أن يكون المدعى المدني لم يحكم له بشيء من التعويض مع تقرير المحكمة بإدانة المتهم، ففيها لا يلزم المتهم بشيء من مصاريف الدعوى المدنية بل تكون المصاريف على المدعى وحده. الثانية هي صورة ما إذا قضى للمدعى ببعض طلباته فقط، وفيها رأى القانون أن من العدل أن يترك للقاضي مطلق الحرية والاختيار في تقسيم المصاريف المدنية بين المدعى والمتهم على النسبة التي يراها بحسب ظروف الدعوى، أو إلزام المتهم بكل المصاريف المدنية جريا على أصل القاعدة المقررة في الفقرة الأولى من المادة المذكورة.


وقائع الدعوى

اتهمت النيابة الطاعنين المذكورين بأنهما في يوم 12 فبراير سنة 1926 بناحية قليشان: الأوّل ضرب محمد خليل هاشم الحيص فأحدث به الإصابات المبينة بالمحضر وهما معا ضربا خليل حسن الحيص أحدثا به إصابات تقرر لعلاجها أكثر من عشرين يوما. وطلبت عقابهما بالمادتين 205 و206 من قانون العقوبات.
وادّعى المجنى عليه خليل حسن الحيص مدنيا بمبلغ مائة جنيه تعويضا قبل الطاعنين بالتضامن.
ومحكمة جنح إيتاي الجزئية سمعت الدعوى وحكمت فيها حضوريا بتاريخ 15 مايو سنة 1926 عملا بالمادتين المذكورتين بحبس الأوّل شهرا ونصفا حبسا بسيطا وحبس الثاني عشرين يوما حبسا بسيطا وإلزامهما بأن يدفعا متضامنين للمدّعى بالحق المدني ثلاثين جنيها مصريا والمصاريف المدنية ومائتي قرش أتعابا للمحاماة.
فاستأنف المتهمان هذا الحكم في ثاني يوم صدوره، واستأنفه المدّعى المدني في 24 مايو سنة 1926.
ومحكمة إسكندرية الابتدائية بهيئة استئنافية سمعت هذين الاستئنافين، وقضت فيهما حضوريا بتاريخ 12 سبتمبر سنة 1926 بقبولهما شكلا وبرفضهما موضوعا وتأييد الحكم المستأنف وإلزام المتهمين بالمصاريف المدنية المناسبة.
فطعنا عليه بطريق النقض والإبرام، وحكمت هذه المحكمة بتاريخ 2 نوفمبر سنة 1927 بقبول الطعن شكلا وموضوعا وإلغاء الحكم المطعون فيه وإحالة القضية على محكمة جنح إسكندرية الاستئنافية للحكم فيها مجدّدا من دائرة أخرى.
وبعد أن أعادت تلك المحكمة نظر هذين الاستئنافين قضت فيهما حضوريا بتاريخ 27 مايو سنة 1928 بقبولهما شكلا وفى الموضوع بتأييد الحكم المستأنف بالنسبة للطاعن الأول وتعديله بالنسبة للثاني والاكتفاء بتغريمه مائتي قرش وتأييده فيما عدا ذلك وبالزام الطاعنين بالمصاريف المدنية الاستئنافية.
فطعن الطاعنان في هذا الحكم أيضا بطريق النقض والإبرام في 11 يونيه سنة 1928 وقدّم حضرة المحامي عنهما تقريرا بالأسباب في 13 منه.


المحكمة

بعد سماع المرافعة الشفوية والاطلاع على الأوراق والمداولة قانونا.
حيث إن الطعن قدّم وبينت أسبابه في الميعاد فهو مقبول شكلا.
وحيث إن مبنى الوجه الأول أن الواقعة غير مبينة في الحكم بيانا كافيا فيما يتعلق بالمتهم الثاني. وهذا غير صحيح، فان الحكم الاستئنافي ذكر بشأنه ما يأتي: "وبما أن الحكم المستأنف بالنسبة للمتهم الثاني فيما يختص بالإدانة في محله أيضا" "بشهادة الشهود المتقدّم ذكرهم بأنه اعتدى على المدّعى المدني بدون سبق حصول" "تعد منه، وكان ذلك في نفس الوقت الذي ضربه فيه المتهم الأول" وكان الحكم الابتدائي ذكر من قبل بشأنه ما يأتي: "وحيث إن خليل حسن الحيص عندما علم" "بما جرى لابنه محمد خليل أسرع إلى مكان الحادثة فتعدى عليه المتهمان الأول" "والسادس (هو هو عبد الصمد طه الصيرفي الذي صار المتهم الثاني عند المحاكمة" "الاستئنافية) وضربه الأول على ذراعه والسادس على رأسه...". ولا شك أن هذا البيان كاف على خلاف ما هو مزعوم في الوجه المذكور.
وحيث إن مبنى الوجه الثاني أن المحكمة لم تذكر سبب التعويض ولا وجه الضرر الذي لحق المجنى عليه. وهذا الوجه غير معتبر ما دامت جريمة الضرب ثبتت على الطاعنين. ولا شك أن كل أذى قل أو جل فهو بذاته ضرر يستلزم التعويض. وهذا أمر مفهوم بالبداهة فلا يترتب على عدم ذكر المحكمة له ذكرا خاصا أن يبطل حكمها.
وحيث إن مبنى الوجه الثالث أن المحكمة لم ترد إلا على حالة الدفاع عن النفس، ولم ترد بشيء على ما تمسك به الطاعن الأول من أنه كان في حالة دفاع عن ماله. وهذا الوجه غير صحيح، فان هذا الطاعن الأول لم يعرض للمحكمة دفعا من هذا القبيل. على أن الظرف الذي حصل فيه الاعتداء منه ليس بحسب الثابت في الحكم مما يمكن معه دعوى الدفاع عن المال.
وحيث إن مبنى الوجه الرابع أن الحكم باطل - أوّلا لأن إصداره تأجل مرتين. وثانيا لأن القضاة الذين أصدروه لم يحضروا تلاوته بالجلسة كما تقضى به المادة 101 من قانون المرافعات.
وحيث إن تأجيل الحكم مرة ثم أخرى لا يوجب البطلان كما قضت به هذه المحكمة مرارا. كما أن المادة 101 مرافعات إذا كانت أوجبت على القضاة الذين يصدرون الحكم أن يحضروا تلاوته فإن المادة 102 التي بعدها صرحت بأنه في حالة وجود ما يمنعهم من حضور التلاوة يكتفى بتوقيعهم على مسودته قبل تلاوته؛ وهذا هو الذي حصل بخصوص الحكم المطعون فيه كما هو ظاهر من العبارة التي بذيله، فهذا الوجه سقيم.
وحيث إن مبنى الوجه الخامس أن المحكمة ألزمت الطاعنين بالمصاريف المدنية الاستئنافية مع أن استئناف المدعى بالحق المدني للحكم الابتدائي قد رفض وتأيد هذا الحكم الابتدائي فيما يختص بالتعويض، فقضاء المحكمة على الطاعنين بالمصاريف المدنية الاستئنافية أتى مخالفا لمقتضى المادة 256 من قانون تحقيق الجنايات.
وحيث إن قانون تحقيق الجنايات قد وضع بالمواد 250 إلى 257 لمصاريف الدعاوى الجنائية نظاما كاملا هو دون غيره الذي يرجع إليه في تعرف أحكامها وكيفية تصرف القضاء بشأنها. وقد تناول في المواد 255 إلى 257 مسألة المصاريف في الدعاوى التي يكون فيها مدع بحقوق مدنية، فوضع بالمادة 255 مبدأ خاصا بتنظيم العلاقة بين الحكومة والمدعى بالحقوق المدنية جعل فيه هذا المدعى مسئولا أوّلا وبالذات للحكومة عن تلك المصاريف ثم وضع بالمادتين 256 و257 المبادئ الخاصة بالعلاقة بين المدعى بالحقوق المدنية وبين المتهم في شأن هذه المصاريف وكيف يسويها القضاء مقررا في المادة 257 أنه لا يرجع في أحكام هذه العلاقة إلى القواعد المقررة في المواد المدنية والتجارية إلا في صورة واحدة هي صورة ما إذا برئ المتهم ومع تبرئته قد ألزم بتعويضات للمدعى بالحقوق المدنية. أما باقي الصور فالمادة 256 هي وحدها اللازم الرجوع إليها للفصل فيها.
وحيث إن الطاعنين لم يبرأ من الدعوى العمومية، وإذن فتسوية العلاقة بينهما وبين المدعى بالحق المدني إنما تكون بحسب المادة 256، ولا محل في تسويتها للرجوع إلى شيء من القواعد المقررة في المواد المدنية والتجارية.
وحيث إن الفقرة الأولى من المادة 256 وضعت قاعدة أساسية هي أن المتهم الذي تقررت إدانته يجب إلزامه بكافة ما تكبده المدّعى بالحق المدني من المصاريف. وقد جاءت هذه القاعدة عامة مطلقة لا تفريق فيها بين ما إذا قضى لهذا المدّعى بكل التعويض الذي طلبه أو ببعضه وبين ما إذا كان لم يقض له بشيء أصلا.
وحيث إن التقرير بإدانة المتهم لا يمكن بحسب المبادئ القانونية العامة أن يقال به في صورة استئناف المتهم لحكم العقوبة الابتدائي أو استئناف النيابة لحكم البراءة أو العقوبة إلا إذا صدر الحكم الاستئنافي فعلا قاضيا بهذه الإدانة. ومن ثم فهذا الحكم الاستئنافي هو وحده الذي يعتبر الأساس لتطبيق قاعدة الفقرة الأولى من المادة 256.
وحيث إن تلك القاعدة الأساسية قد حد الشارع من عمومها فاستثنى من متناول تطبيقها صورتين: الأولى أن يكون المدعى بالحق المدني لم يحكم له بشيء من التعويض مع تقرير المحكمة بإدانة المتهم، ففيها لا يلزم المتهم بشيء من مصاريف الدعوى المدنية بل تكون تلك المصاريف على المدعى وحده. وهذا شيء طبيعي مانع من اصطدام عموم القاعدة وإطلاقها بالمبادئ القانونية العامة. أما الصورة الثانية المستثناة فهي صورة ما إذا قضى للمدّعى المدني ببعض طلباته فقط، وفيها رأى القانون أن من العدل أن يترك للقاضي مطلق الحرية والاختيار في تقسيم مصايف الدعوى المدنية بين المدّعى والمتهم على النسبة التي يراها بحسب ما يبدو له من ظروف الدعوى. فإذا رأى القاضي أن يأخذ بحقه هذا الاختياري فعل وإن رأى أن يجرى على أصل القاعدة المقرّرة في الفقرة الأولى من إيجاب كل المصاريف على المتهم للمدّعى فعل أيضا ولا تثريب عليه.
وحيث إن مما تجب ملاحظته أن كون المدّعى المدني مقضيا له ببعض طلباته معناه أن يكون خرج من الدعوى كاسبا بعض التعويض الذي رفعها به. ومما يصدق عليه هذا المعنى صورة ما إذا حكم فيها ابتدائيا للمدّعى ببعض طلباته فاستأنف للحصول على البعض الثاني ولكن رفض استئنافه وتأيد الحكم الابتدائي الصادر بالبعض وهى صورة الطعن الحالي. ولئن كان مما يستوقف النظر ويدعو للتردد أن يقضى على المتهم بالمصاريف المدنية الاستئنافية مع رفض استئناف المدّعى المدني، فان مبعث هذا التردّد هو القياس على قواعد المصاريف في المواد المدنية والتجارية. وقد ذكر آنفا أن هذه القواعد لا شأن لها في غير صورة المادة 257 وأن النظام المقرر بالمادّة 256 هو نظام خاص يجب فهمه على قدر ما تؤدّى إليه عباراته. على أن هذا التردد لا يلبث أن يزول متى علم أن الدعاوى المدنية التي ترفع بالتبعية للدعاوى العمومية ليست قيمها مقدرة من قبل بعقود بين المتخاصمين وإنما هي متروكة لتقدير القاضي يزيد فيها وينقص - في حدود الطلب - بما يهدى إليه اجتهاده، وأنه إذن كان جديرا بالشارع أن يترك له أمر المصاريف في مثل الدعوى الحالية ليوجبها كلها أو ما شاء منها على المتهم. ما دام إيجابها كلها أو بعضها ليس في الواقع ونفس الأمر إلا زيادة أو نقصا في التعويض الموكول إليه تقديره بلا رقابة عليه فيه.
وحيث إن الحكم الابتدائي إذا كان قد أخذ فيه القاضي بقاعدة تقسيم المصاريف المخولة له بالفقرة الثالثة من المادة 256 فان الحكم الاستئنافي الذي قرر في النهاية إدانة الطاعنين وأيد حكم التعويض الابتدائي قد أخذ فيما يتعلق بالمصاريف المدنية الاستئنافية بأصل القاعدة المقررة بالفقرة الأولى والمحكمة في حل من ذلك كما وضح مما تقدّم وليس في عملها ما يخالف القانون.
وحيث إنه لجميع ما تقدم يتعين رفض الطعن بكل وجوهه.

فبناء عليه

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا وبرفضه موضوعا.