الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 29 أبريل 2022

الطعن 10765 لسنة 82 ق جلسة 25 / 3 / 2019

محكمة النقض

الدائرة المدنية
دائرة " الاثنين" (ه) المدنية
برئاسة السيد القاضي / فتحي محمد حنضل نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة القضاة /عبد البارى عبد الحفيظ أحمد فراج طارق خشبة وأحمد عبد الله نواب رئيس المحكمة

وحضور رئيس النيابة السيد / محمد على .

وأمين السر السيد / محمد محمود الضبع .

في الجلسة العلنية المنعقدة بمقر المحكمة بدار القضاء العالي بمدينة القاهرة.
في يوم الاثنين 18 من رجب سنة 1440 ه الموافق 25 من مارس سنة 2019 .
أصدرت الحكم الآتي :
في الطعن المقيد في جدول المحكمة برقم 10765 لسنة 82 ق .

المرفوع من
- رئيس مجلس إدارة بنك التنمية والائتمان الزراعي للوجه القبلى بصفته . ويعلن / الشئون القانونية شارع الخليفة المأمون ، بندر الفيوم ، محافظة الفيوم . حضر عنه الأستاذ / ...... المحامى .
ضد
......  - عن نفسه وبصفته ممثلاً قانونياً لجمعية ..... لتنمية الثروة الداجنة ...... ، محافظة الفيوم .
المقيم / ...... ، بندر الفيوم .لم يحضر عنه أحد بالجلسة .

----------------

" الوقائع "

في يوم 23/6/2012 طُعِن بطريق النقض في حكم محكمة استئناف بنى سويف " مأمورية الفيوم " الصادر بتاريخ 24/4/2012 في الاستئناف رقم 454 لسنة 47 ق وذلك بصحيفة طلب فيها الطاعن بصفته الحكم بقبول الطعن شكلاً وفى الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه والإحالة.
وفى نفس اليوم أودع الطاعن بصفته مذكرة شارحة .
وفى 7/7/2012 أعلن المطعون ضده بصحيفة الطعن .
ثم أودعت النيابة مذكرتها وطلبت فيها الحكم بقبول الطعن شكلاً ، وفى الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه .
وبجلسة 8/10/2018 عُرِض الطعن على المحكمة في غرفة مشورة فرأت أنه جدير بالنظر فحددت جلسة لنظره .
وبجلسة 25/3/2019 سُمعت الدعوي أمام هذه الدائرة علي ما هو مبين بمحضر الجلسة حيث صمم كل من محامي الطاعن والنيابة العامة كل على ما جاء بمذكرته ، والمحكمة أصدرت الحكم بذات الجلسة .

----------------

المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذى تلاه السيد القاضي المقرر / طارق خشبة " نائب رئيس المحكمة " ، والمرافعة وبعد المداولة :
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية .
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن البنك الطاعن أقام الدعوى رقم 689 لسنة 2009 مدنى محكمة الفيوم الابتدائية على المطعون ضده بطلب الحكم بإلزامه بأداء مبلغ مائة وواحد ألف وتسعمائة وستة وأربعين جنيهاً والفوائد ، وقال بياناً لذلك إنه بموجب شيكين بنكيين مؤرخين 5/3/2006 ، 7/3/2006 تسلم المبلغ المطالب به كمقدم لشرائه الطيور المبينة بالأوراق إبان شيوع انفلونزا الطيور على أن يلتزم بتسليمها للمجزر لذبحها وتسليمها عقب ذلك للشركة القابضة للسلع الغذائية بناء على قرار وزير الزراعة رقم 220 لسنة 2006 وقد تقاعس عن أداء التزامه ، ومن ثم كانت الدعوى . ندبت المحكمة خبيراً وبعد أن أودع تقريره حكمت المحكمة برفض الدعوى. استأنف البنك الطاعن الحكم بالاستئناف رقم 454 لسنة 47 ق بنى سويف " مأمورية الفيوم " وبتاريخ 24/4/2012 قضت المحكمة بالتأييد . طعن البنك الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض ، وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي بنقضه ، وإذ عرض الطعن على هذه المحكمة في غرفة مشورة فحددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها .
وحيث مما ينعاه البنك الطاعن على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والفساد في الاستدلال ، وفى بيان ذلك يقول إنه تمسك أمام محكمة الاستئناف بأحقيته في اقتضاء المبلغ المطالب به من المطعون ضده لثبوت تسلمه هذا المبلغ بموجب الشيكين سند الدعوى وصرفه قيمتهما من البنك ، وتوقيعه بما يفيد ذلك ولعدم توريد الطيور المتعاقد على توريدها ، وقدم المستندات المؤيدة لذلك ومنها النسخةُ الكربونيةُ للشيكين وتوقيعٌ حيٌ صادرٌ منه ، وصورتان رسميتان لمحضري حصر أعداد الطيور السليمة ، بما كان يتعين على محكمة الاستئناف أن تتناول هذا الدفاع المؤيد بالمستندات وإذ أغفل الحكم المطعون فيه هذا الدفاع والتفت عن بحث دلالة المستندات التي تمسك بها البنك الطاعن وإطراح إقرار المطعون ضده الوارد في صحيفة الدعوى الفرعية فإنه يكون معيباً بالقصور بما يستوجب نقضه .
وحيث إن النعي في محله ، ذلك من المقرر - في قضاء هذه المحكمة - أن وظيفة محكمة الاستئناف ليست مقصورة على مراقبة الحكم المستأنف من حيث سلامة التطبيق فحسب وإنما يترتب على رفع الاستئناف نقل موضوع النزاع في حدود طلبات المستأنف إلى محكمة الدرجة الثانية وإعادة طرحه عليها بكل ما اشتمل عليه من أدلة ودفوع وأوجه دفاع جديدة وما كان قد قدم من ذلك أمام محكمة الدرجة الأولى فاستبعدته أو أغفلته لتقول محكمة الدرجة الثانية كلمتها فيها بقضاء مسبب تواجه به عناصر النزاع الواقعية والقانونية على السواء فتعيد بحث ما سبق إبداؤه من وسائل الدفاع وما يعن للخصوم إضافته وإصلاح ما اعترى الحكم المستأنف من خطأ أياً كان مرده سواءً كان خطأً من محكمة الدرجة الأولى أو تقصيراً من الخصوم . ومن المقرر أن لمحكمة الاستئناف - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - إن هي تؤيد الحكم الابتدائي أن تحيل على ما جاء فيه سواءً في بيان وقائع الدعوى أو في الأسباب التي أقيم عليها متى كانت تكفى لحمله ، ولم يكن الخصوم قد استندوا أمام محكمة الاستئناف إلى أوجه دفاع تخرج في جوهرها عما قدموه لمحكمة أول درجة ، فإن قدم الخصوم أوجه دفاع أو دفوع يتغير بها وجه الرأي في الدعوى يتعين عليها أن تتناول ذلك بالبحث والتمحيص بأسباب خاصة وإلا كان حكمها قاصر التسبيب ومن ثم باطلاً . كما أن أسباب الحكم تكون مشوبة بالفساد في الاستدلال إذا انطوت على عيب يمس سلامة الاستنباط ويتحقق ذلك إذا استندت المحكمة في اقتناعها إلى أدلة غير صالحة من الناحية الموضوعية للاقتناع بها أو إلى عدم فهم الواقعة التي تثبت لديها أو استخلاص هذه الواقعة من مصدر لا وجود له ، أو موجود لكنه مناقض لما أثبتته . وأنه إذ كان التوقيع بالإمضاء أو ببصمة الختم أو ببصمة الأصبع هو المصدر القانوني الوحيد لإضفاء الحجية على الورقة العرفية وفقاً لما تقضى به المادة 14/1 من قانون الإثبات ، والمقصود بالإمضاء هو الكتابة المخطوطة بيد من تصدر منه ، والإمضاء بالكربون من صنع يد من نسبت إليه ، فإن مؤدى ذلك أن المحرر الموقع عليه بإمضاء الكربون يكون في حقيقته محرراً قائماً بذاته له حجيته في الإثبات . لما كان ذلك ، وكان الثابت من تقرير الخبير أن المطعون ضده قد صرف المبلغ المطالب به من البنك الطاعن كدفعة أولى من حساب قيمة الطيور السليمة التي تم حصرها بموجب محاضر الحصر المؤرخة 2 ، 5 ، 7/3/2006 والمذيلة بتوقيع المطعون ضده ، كما قدم البنك الطاعن نسخة كربونية من إيصالي استلام المطعون ضده للشيكين بالمبلغ المطالب به ، إلا أن الحكم المطعون فيه خالف هذا النظر وأيدّ الحكم الابتدائي الذى قضى برفض الدعوى على سند من أن المستندات المقدمة صور ضوئية جحدها المطعون ضده رغم أن البنك الطاعن قدم أصول المستندات المشار إليها التي جُحِدت صورها الضوئية ، كما لم يفطن إلى أن تقديم أصول المستندات فيه ما يكفى بذاته للدلالة على قيام الالتزام سيما وأنه لم يطعن على هذه المستندات بثمة مطعن ينال من حجيتها في الإثبات ، ولم يتناول ما أورده الخبير في تقريره وما تضمنته صحيفة الدعوى الفرعية من إقرار المطعون ضده بما جاء بالدعوى الأصلية من تسليمه قيمة الشيكين ، وإذ لم يتناول الحكم في أسبابه أوجه دفاع الطاعن الوارد بوجه النعي مع ما يقتضيه من البحث والتمحيص مع أنه جوهري من شأنه لو صح أن يتغير به وجه الرأي في الدعوى ، فإنه يكون معيباً بما يوجب نقضه لهذا الوجه دون حاجة لبحث باقي أوجه الطعن .
" لذلك "
نقضت المحكمة الحكم المطعون فيه ، وأحالت القضية إلى محكمة استئناف بنى سويف " مأمورية الفيوم " وألزمت المطعون ضده المصروفات ، ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة .

الطعن رقم 17 لسنة 43 ق دستورية عليا "منازعة تنفيذ" جلسة 2 / 4 / 2022

باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الثاني من أبريل سنة 2022م، الموافق الأول من رمضان سنة 1443 هـ.
برئاسة السيد المستشار / بولس فهمى إسكندر رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: رجب عبد الحكيم سليم والدكتور محمد عماد النجار والدكتور طارق عبد الجواد شبل وخالد أحمد رأفت دسوقى وعلاء الدين أحمد السيد والدكتورة فاطمة محمد أحمد الرزاز نواب رئيس المحكمة وحضور السيد المستشار / عوض عبدالحميد عبدالله رئيس هيئة المفوضين وحضور السيد / محمد ناجى عبد السميع أمين السر

أصدرت الحكم الآتي
في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 17 لسنة 43 قضائية منازعة تنفيذ.

المقامة من
رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة لمشروعات التعمير والتنمية الزراعية
ضد
رئيس مجلس إدارة شركة بورسعيد للتنمية الزراعية والعضو المنتدب

---------------

" الإجراءات "

بتاريخ الثاني من أغسطس سنة 2021، أودعت الهيئة المدعية صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبة الحكم، بصفة مستعجلة: وقف تنفيذ الحكم الصادر من محكمة بورسعيد الابتدائية بجلسة 26/ 11/ 2013، في الدعوى رقم 1345 لسنة 2009 مدنى كلى، المؤيد بالحكم الصادر من محكمة استئناف الإسماعيلية مأمورية بورسعيد بجلسة 4/ 5/ 2014، في الاستئناف رقم 684 لسنة 54 قضائية، وبقرار محكمة النقض في غرفة مشورة بجلسة 22/ 12/ 2019، في الطعن رقم 12565 لسنة 84 قضائية. وفى الموضوع: بالاستمرار في تنفيذ الحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا بجلسة 1/ 2/ 2009، في الدعوى رقم 101 لسنة 26 قضائية دستورية.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونظرت الدعوى على النحو المبين بمحاضر الجلسات، قدمت فيها الشركة المدعى عليها مذكرة طلبت في ختامها الحكم بعدم قبول الدعوى، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
-------------

" المحكمة "

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة؛
حيث إن وقائع الدعوى تتحصل - على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - في أن الشركة المدعى عليها كانت قد أقامت الدعوى رقم 1345 لسنة 2009 مدنى كلى، أمام محكمة بورسعيد الابتدائية، ضد الهيئة المدعية، وآخرين، بطلب الحكم - وفق طلباتها الختامية - بإلزامهم متضامنين، بتحرير عقد بيع قطعة الأرض المخصصة للشركة، بسعر (3725) جنيهًا للفدان، حسب تقدير اللجنة العليا لتثمين أراضي الدولة عام 1997، مع خصم ما تم سداده للهيئة من إجمالي الثمن. وشيدت دعواها على سند من صدور قرار نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الزراعة رقم 28 لسنة 1988 بتخصيص مساحة (666,5) فدانًا، لصالح الشركة، على أن تلتزم بسداد مبلغ عشرين جنيهًا عن كل فدان، تأمين جدية مؤقتًا، يستكمل إلى نسبة 15% من إجمالي المساحة المخصصة، وقامت الشركة بسداد الثمن المحدد، إلا أن الهيئة أعادت تقدير قيمة الأرض، ولم تمض في بيعها، فأقامت دعواها بطلباتها السالفة الذكر. وبجلسة 26/ 11/ 2013، حكمت المحكمة باختصاصها محليًّا ونوعيًّا بنظر الدعوى، وفى موضوعها بإلزام المدعى عليهم - ومنهم الهيئة المدعية في الدعوى المعروضة - بتحرير عقد بيع ابتدائي عن الأرض موضوع التداعي، بسعر (3725) جنيهًا للفدان، بعد خصم ما تم سداده كمقدم الثمن. طعنت الهيئة المدعية على الحكم بالاستئناف رقم 684 لسنة 54 قضائية، أمام محكمة استئناف الإسماعيلية مأمورية بورسعيد، كما استأنفته الشركة المدعى عليها، بالاستئناف رقم 6 لسنة 55 قضائية، أمام المحكمة ذاتها. وبعد أن ضمت المحكمة الاستئنافين، ليصدر فيهما حكم واحد، قضت بجلسة 4/ 5/ 2014، برفض الاستئناف الأول، وفى الثاني بتعديل الحكم المستأنف، بإلزام المستأنف ضدهم بصفاتهم بتحرير عقد بيع ابتدائي للشركة المدعى عليها في الدعوى المعروضة عن الأرض موضوع التداعي، بسعر (3725) جنيهًا للفدان، بعد خصم ما تم سداده كمقدم الثمن، والقيمة الإيجارية لأرض النزاع خلال السنوات الثلاث التالية لصدور قرار التخصيص، وقد شيّد الحكم قضاءه على أسباب حاصلها أن قضاء المحكمة الدستورية العليا في الدعوى رقم 101 لسنة 26 قضائية دستورية لم يسلب اختصاص محاكم جهة القضاء العادي، بنظر كافة الدعاوى الناشئة عن تطبيق أحكام القانون رقم 143 لسنة 1981 في شأن الأراضي الصحراوية، وإنما قصر ذلك على الدعاوى التي تقام طعنًا على قرارات إدارية، ليس من بينها موضوع الدعوى محل النظر، بحسبانها دعوى مقامة طعنًا على عمل مادى، مما تختص بنظره محاكم القضاء العادي، دون محاكم مجلس الدولة. وأن الشركة المدعى عليها قد خُصصت لها الأرض موضوع التداعي، بالقرار الوزاري المذكور، وقدرت اللجنة المختصة سعر الفدان الواحد بالقيمة المشار إليها، وأصدرت الهيئة المدعية قرارًا بالموافقة على البيع بذلك السعر، ومن ثم وقع البيع صحيحًا على هذا الأساس، وأضحت الأرض مستحقة لتلك الشركة. ولم ترتض الهيئة المدعية هذا القضاء، فأقامت الطعن رقم 12565 لسنة 84 قضائية، أمام محكمة النقض، التي فصلت فيه بقرارها الصادر بجلسة 22/ 12/ 2019 - في غرفة مشورة - بعدم قبول الطعن. وإذ ارتأت الهيئة المدعية أن الأحكام الصادرة في النزاع الموضوعي تُشكل عقبة في تنفيذ الحكم الصادر بجلسة 1/ 2/ 2009، في الدعوى رقم 101 لسنة 26 قضائية دستورية، القاضي بعدم دستورية الفقرة الأولى من المادة رقم (22) من القانون رقم 143 لسنة 1981 في شأن الأراضي الصحراوية، فأقامت الدعوى المعروضة، بطلباتها السالفة الذكر.
وحيث إن منازعة التنفيذ - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - قوامها أن التنفيذ قد اعترضته عوائق تحول قانونًا- بمضمونها أو أبعادها- دون اكتمال مداه، وتعطل أو تقيد اتصال حلقاته وتضاممها بما يعرقل جريان آثاره كاملة دون نقصان، ومن ثم تكون عوائق التنفيذ القانونية هي ذاتها موضوع منازعة التنفيذ أو محلها، تلك المنازعة التي تتوخى في ختام مطافها إنهاء الآثار المصاحبة لتلك العوائق، أو الناشئة عنها، أو المترتبة عليها، ولا يكون ذلك إلا بإسقاط مسبباتها وإعدام وجودها، لضمان العودة بالتنفيذ إلى حالته السابقة على نشوئها. وكلما كان التنفيذ متعلقًا بحكم صدر عن المحكمة الدستورية العليا، بعدم دستورية نص تشريعي، كانت حقيقة مضمونه، ونطاق القواعد القانونية التي يضمها، والآثار المتولدة عنها في سياقها، وعلى ضوء الصلة الحتمية التي تقوم بينها، هي التي تحدد جميعها شكل التنفيذ وصورته الإجمالية، وما يكون لازمًا لضمان فعاليته. بيد أن تدخل المحكمة الدستورية العليا - وفقًا لنص المادة (50) من قانونها الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 - لهدم عوائق التنفيذ التي تعترض أحكامها، وتنال من جريان آثارها في مواجهة الأشخاص الاعتباريين والطبيعيين جميعهم، دون تمييز، بلوغًا للغاية المبتغاة منها في تأمين حقوق الأفراد وصون حرياتهم، يفترض ثلاثة أمور، أولها: أن تكون هذه العوائق - سواء بطبيعتها أو بالنظر إلى نتائجها - قد حالت فعلاً أو من شأنها أن تحول دون تنفيذ أحكامها تنفيذًا صحيحًا مكتملاً، أو مقيدة لنطاقها. ثانيها: أن يكون إسناد هذه العوائق إلى تلك الأحكام، وربطها منطقيًّا بها ممكنًا، فإذا لم تكن لها بها من صلة، فإن خصومة التنفيذ لا تقوم بتلك العوائق، بل تعتبر غريبة عنها، منافية لحقيقتها وموضوعها. ثالثها: أن منازعة التنفيذ لا تُعد طريقًا للطعن في الأحكام القضائية، وهو ما لا تمتد إليه ولاية هذه المحكمة.
وحيث إن المحكمة الدستورية العليا قضت بحكمها الصادر بجلسة 1/ 2/ 2009، في الدعوى رقم 101 لسنة 26 قضائية دستورية، بعدم دستورية نص الفقرة الأولى من المادة (22) من القانون رقم 143 لسنة 1981 في شأن الأراضي الصحراوية، التي كانت تعقد الاختصاص للمحاكم العادية دون غيرها بالفصل في المنازعات الناشئة عن تطبيق أحكام القانون المشار إليه، وبذلك أضحت - طبقًا لما ورد بأسباب ذلك الحكم - جهة القضاء العادي هي المختصة بنظر المنازعات المدنية من حيازة وملكية ونحو ذلك، واختصاص جهة القضاء الإداري بنظر المنازعات الإدارية الناشئة عن تطبيق أحكام ذلك القانون، ليكون المرجع في تحديد جهة القضاء المختصة بنظر أي من هذه المنازعات إلى قواعد توزيع الاختصاص بين جهات القضاء المختلفة، التي تضمنها الدستور، والقانون القائم الحاكم لذلك مقروءًا في ضوء قضاء هذه المحكمة المتقدم، وقد نُشر هذا الحكم بالجريدة الرسمية بالعدد رقم 7 مكرر (أ) بتاريخ 15/ 2/ 2009.
وحيث إن من المقرر قانونًا، أن العقود التي تكون الإدارة طرفًا فيها، - ومن بينها الهيئة المدعية في الدعوى المعروضة - لا تعتبر جميعها من العقود الإدارية، ولا هي من العقود المدنية بالضرورة، وإنما مرد الأمر في تكييفها إلى مقوماتها، وبوجه خاص إلى ما إذا كانت شروطها تدل على انتهاجها لوسائل القانون الخاص أو العام، وكان من المسلم به أن تلك العقود لا تنتظمها مرحلة واحدة تبرم بعد انتهائها، بل تتداخل في مجال تكوينها مراحل متعددة، يمهد كل منها لما يليه، ليكون خاتمتها العقد في صورته الكاملة، ذلك أن الإدارة لا تتمتع - في مجال إبرامها لعقودها - بالحرية ذاتها التي يملكها أشخاص القانون الخاص في نطاق العقود التي يدخلون فيها، بل عليها أن تلتزم طرقًا بعينها توصلاً إلى اختيار المتعاقد معها، مع تقيدها في كل ذلك بالقواعد التي تمثل الإطار القانوني المنظم للعلاقة العقدية التي تبرمها، متى كان ذلك، وكان القانون رقم 143 لسنة 1981 بشأن الأراضي الصحراوية، قد أسند بمقتضى نص المادة (3) منه للهيئة العامة لمشروعات التعمير والتنمية الزراعية سلطة التصرف واستغلال وإدارة الأراضي الصحراوية - ولا تدخل فيها المناطق الاستراتيجية ذات الأهمية العسكرية - في أغراض الاستصلاح والاستزراع، كما تضمن التنظيم القانوني الحاكم للتصرف في الأراضي الصحراوية - الذي تم تخصيص الأرض محل التداعي تنفيذًا له - وحظرت المادة (10) منه على أي شخص طبيعي أو معنوي حيازة أي جزء من الأراضي الخاضعة لأحكام ذلك القانون، أو وضع اليد أو الاعتداء عليها، ومنحت المادة ذاتها الوزير المختص، بناء على طلب رئيس الهيئة، سلطة إزالة التعديات والمخالفات بالطريق الإداري، وخول نص المادة (4) من هذا القانون الهيئة في سبيل اقتضاء حقوقها، سلطة اتخاذ إجراءات الحجز الإداري طبقًا لأحكام القانون المنظم لذلك، وتناولت المادتان (13، 14) من القانون ذاته، والمادتان (41، 44) من لائحته التنفيذية - الصادرة بقرار وزير التعمير والدولة للإسكان واستصلاح الأراضي رقم 198 لسنة 1982 - الأحكام التفصيلية الخاصة بالتصرف في تلك الأراضي: فنصت المادة (41) على أن يكون استغلال الأرض عن طريق تأجيرها بقصد التملك لمدة ثلاث سنوات، فإذا ثبتت الجدية في الاستصلاح خلالها، تُملك الأرض لمستأجرها بقيمتها قبل الاستصلاح والاستزراع مع خصم القيمة الإيجارية المسددة من ثمن الأرض، وإذا لم تثبت الجدية اعتبر عقد الإيجار مفسوخًا من تلقاء ذاته دون الحاجة إلى إجراءات، وتسترد الأرض إداريًّا ممن كان قد استأجرها...... ونصت المادة (44) على أنه بمراعاة أحكام المادة السابقة - يكون التصرف في الأراضي المستصلحة بطريق المزاد العلني، ويضع مجلس إدارة الهيئة قواعد وإجراءات التصرف في تلك الأراضي ..... وناطت المواد (45، 46، 47) من اللائحة التنفيذية باللجنة العليا لتثمين أراضي الدولة تحديد أسعار تلك الأراضي. ومنحت المادة (53) منها اللجان التي تُشكل بقرار من رئيس مجلس إدارة الهيئة سلطة معاينة الأراضي المتصرف فيها، ومتابعة ما تم بها من أعمال الاستصلاح والاستزراع. وخولت المادة (54) رئيس مجلس إدارة الهيئة، بناء على المحاضر التي تعدها اللجان السالف الإشارة إليها، سلطة إلغاء التخصيص في الحالات التي عينتها تلك المادة، التي تعود إلى عدم إتمام استصلاح الأراضي واستزراعها. ونصت المادتان (71، 72) من اللائحة ذاتها على أن يضع مجلس إدارة الهيئة قواعد إصدار شهادات إعداد عقود البيع والنماذج الخاصة بها، وما يؤديه طالب الاعتداد بالملكية من تأمين ونظير لتكاليف بحث طلب المعاينة والمصروفات الإدارية، وتبلغ قرارات مجلس الإدارة إلى ذوى الشأن بالطريق الإداري. بما مؤداه ولازمه أن أحكام تلك اللائحة التنفيذية تعتبر جزءًا لا يتجزأ من قرار التخصيص وشروطه، بحيث يلتزم بها صاحب الشأن والهيئة باعتبارها الشروط والقواعد الحاكمة للعلاقة العقدية بينهما في مختلف مراحلها، وهى شروط استثنائية غير مألوفة في مجال القانون الخاص، وتدل على انتهاج الهيئة لوسائل القانون العام، وتمتُعها في هذا الشأن بمظاهر السلطة العامة، وهو ما يترتب عليه خروج العلاقة بينهما من نطاق علاقات القانون الخاص، لتندرج ضمن علاقات القانون العام. متى كان ذلك، وكان موضوع الدعوى المرددة أمام جهة القضاء العادى انصب على المنازعة في الإجراءات الممهدة لإبرام عقد البيع، وأخصها قرار تخصيص الأرض للشركة المدعى عليها بموجب قرار نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الزراعة رقم 28 لسنة 1988، شاملاً الأحكام المندمجة فيه والحاكمة لتثمين الأرض محل التصرف، الذي تنازع فيه الشركة، وما تبعه من إجراءات اتخذتها الهيئة في شأن عدم المضى في إتمام العقد. وتلك الإجراءات تُعد في جملتها - لما تقدم - من علاقات القانون العام، وتدخل - بحسب التكييف القانونى الصحيح للدعوى - في عداد المنازعات الإدارية التي تختص محاكم مجلس الدولة بنظرها. ولا ينال من ذلك ما سطرته محكمة استئناف الإسماعيلية في حكمها الصادر بجلسة 4/ 5/ 2014، في الاستئناف رقم 684 لسنة 54 قضائية، من أن اختصاصها بنظر النزاع يعود إلى كونه واقعة مادية، مما يخرج عن اختصاص محاكم مجلس الدولة، فذلك مردود: بأن صيرورة التصرف القانونى، بما في ذلك القرارات الإدارية، عملاً ماديًّا، إنما ينصرف إلى تلك التصرفات والقرارات المنعدمة، التي يدخل تقرير انعدامها في نطاق الفصل في مشروعيتها من الوجهة القانونية، فإذا ما تعلق الأمر بعمل أو قرار إدارى، كان الفصل في ذلك داخلاً في الاختصاص المقرر لجهة القضاء الإدارى، الذي عقد الدستور لها بمقتضى نص المادة (190) منه، والمادة (10) من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 47 لسنة 1972 بشأن مجلس الدولة، دون غيرها، ولاية الفصل في المنازعات الإدارية. وعلى ذلك فإن الأحكام الصادرة من جهة القضاء العادى المشار إليها، تكون قد خالفت قاعدة الاختصاص الولائى التي أرستها النصوص المتقدمة، وتأسس عليها قضاء المحكمة الدستورية العليا المطلوب الاستمرار في تنفيذه، كما ورد بمدوناته وأسبابه، التي ترتبط بمنطوقه ارتباطًا لا يقبل الفصل أو التجزئة، ومن ثم تثبت لها الحجية المطلقة المقررة للمنطوق، لتغدو تلك الأحكام عقبة في تنفيذ الحكم الصادر في الدعوى رقم 101 لسنة 26 قضائية دستورية بجلسة 1/ 2/ 2009، الأمر الذي يتعين معه القضاء بعدم الاعتداد بهذه الأحكام، والقضاء بالاستمرار في تنفيذ حكم المحكمة الدستورية العليا المار ذكره.
وحيث إنه عن الطلب العاجل، بوقف تنفيذ حكم محكمة بورسعيد الابتدائية، المؤيد بحكم محكمة استئناف الإسماعيلية مأمورية بورسعيد وبقرار محكمة النقض في غرفة المشورة المشار إليها، فإنه يُعد فرعًا من أصل النزاع حول منازعة التنفيذ المعروضة، وإذ انتهت هذه المحكمة إلى القضاء في موضوع الدعوى، بما مؤداه أن توليها - طبقًا لنص المادة (50) من قانونها الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 - اختصاص البت في طلب وقف التنفيذ، يكون قد بات غير ذى موضوع.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بالاستمرار في تنفيذ حكم المحكمة الدستورية العليا الصادر بجلسة 1/ 2/ 2009، في الدعوى رقم 101 لسنة 26 قضائية دستورية، وعدم الاعتداد بحكم محكمة بورسعيد الابتدائية الصادر بجلسة 26/ 11/ 2013، في الدعوى رقم 1345 لسنة 2009 مدنى كلى، المؤيد بالحكم الصادر من محكمة استئناف الاسماعيلية مأمورية بورسعيد بجلسة 4/ 5/ 2014، في الاستئناف رقم 684 لسنة 54 قضائية، وبقرار محكمة النقض، في غرفة مشورة، الصادر بجلسة 22/ 12/ 2019، في الطعن رقم 12565 لسنة 84 قضائية، وألزمت الشركة المدعى عليها المصروفات ومبلغ مائتى جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

الطعن رقم 42 لسنة 29 ق دستورية عليا "دستورية" جلسة 2 / 4 / 2022

باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الثاني من أبريل سنة 2022م، الموافق الأول من رمضان سنة 1443 ه.
برئاسة السيد المستشار / بولس فهمى إسكندر رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: رجب عبد الحكيم سليم ومحمود محمد غنيم والدكتور عبد العزيز محمد سالمان وطارق عبدالعليم أبو العطا وعلاء الدين أحمد السيد والدكتورة فاطمة محمد أحمد الرزاز نواب رئيس المحكمة وحضور السيد المستشار / عوض عبدالحميد عبدالله رئيس هيئة المفوضين وحضور السيد / محمد ناجى عبد السميع أمين السر

أصدرت الحكم الآتي
في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 42 لسنة 29 قضائية "دستورية".

المقامة من محمد أحمد محمود عبود
ضد
1 - رئيس مجلس الوزراء
2 - وزير المالية، بصفته الرئيس الأعلى لمصلحة الضرائب على المبيعات
3 - وزير العدل

--------------

" الإجراءات "

بتاريخ الخامس عشر من فبراير سنة 2007، أودع المدعى صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبًا الحكم بعدم دستورية المادة (5) والبندين (2، 3) من المادة (44) من قانون الضريبة العامة على المبيعات الصادر بالقانون رقم 11 لسنة 1991. وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى. وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها. ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.

--------------

" المحكمة "
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل - على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - في أن النيابة العامة قدمت المدعي للمحاكمة الجنائية في الدعوى رقم 37632 لسنة 2002 جنح زفتى، طالبة عقابه بالمواد (2/1 و3/1و 6 و43/1، 3، 4 و44/2، 3، 4 و47/8) من قانون الضريبة العامة على المبيعات الصادر بالقانون رقم 11 لسنة 1991، بوصف أنه في غضون الفترة من ديسمبر 1994 حتى أبريل 1999، بدائرة مركز زفتى: 1 - تهرب من ضريبة المبيعات على النحو المبين بالأوراق. 2 - باع سلعة دون الإقرار عنها وسداد الضريبة المستحقة. وذلك على سند من تقديم المدعى فواتير نسب صدورها إلى مصنع (63) الحربى، تبين عدم صحتها. وقد ادعى المدعى عليه الثاني مدنيًّا ضد المدعى بمبلغ يُعادل الضريبة المستحقة، وتعويض يماثل مقدارها. وبجلسة 10/6/2003، قضت المحكمة بحبس المتهم ستة أشهر، وإلزامه بأن يؤدى للمدعى بالحق المدني تعويضًا مؤقتًا بالمبلغ المبين بالمنطوق، بالإضافة لما يستحق من ضريبة، وضريبة إضافية بواقع ½% عن كل أسبوع أو جزء منه حتى تاريخ السداد. استأنف المدعى هذا الحكم بالاستئناف رقم 20222 لسنة 2003 جنح مستأنف زفتى "شرق طنطا الكلية" "مأمورية المحلة الكبرى"، وبجلسة 20/11/2006، دفع المدعى بعدم دستورية نصى المادتين (5 و44/2، 3) من قانون الضريبة العامة على المبيعات الصادر بالقانون رقم 11 لسنة 1991، وإذ قدرت المحكمة جدية الدفع، وصرحت له بإقامة الدعوى الدستورية، فأقام الدعوى المعروضة. وحيث إن نص المادة (5) من قانون الضريبة العامة على المبيعات الصادر بالقانون رقم 11 لسنة 1991 يجرى على أن " يلتزم المكلفون بتحصيل الضريبة وبالإقرار عنها وتوريدها للمصلحة في المواعيد المنصوص عليها في هذا القانون ". وتنص المادة (23) من هذا القانون على أن " للمسجل عند حساب الضريبة أن يخصم من الضريبة المستحقة على قيمة مبيعاته من السلع ما سبق سداده أو حسابه من ضريبة على المردودات من مبيعاته وما سبق تحميله من هذه الضريبة على مدخلاته ، وكذلك الضريبة السابق تحميلها على السلع المبيعة بمعرفة المسجل في كل مرحلة من مراحل توزيعها طبقًا للحدود وبالشروط والأوضاع التي تحددها اللائحة التنفيذية. ولا يسرى الخصم المشار إليه في الفقرة السابقة على السلع الواردة بالجدول رقم 1 المرافق. وفي حالات التصدير، إذا كانت الضريبة الواجبة الخصم أكبر من الضريبة المستحقة على مبيعات المسجل، على المصلحة رد الفرق وفقًا للاشتراطات والإجراءات التي تحددها اللائحة التنفيذية، في موعد لا يجاوز ثلاثة شهور من تاريخ الطلب". وتنص المادة (43) من القانون ذاته على أن " مع عدم الإخلال بأية عقوبة أشد يقضى بها قانون آخر، يعاقب على التهرب من الضريبة بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر وبغرامة لا تقل عن ألف جنيه ولا تجاوز خمسة آلاف جنية أو بإحدى هاتين العقوبتين، ويحكم على الفاعلين والشركاء متضامنين بالضريبة والضريبة الإضافية وتعويض لا يجاوز ثلاثة أمثال الضريبة، وإذا تعذر تقدير الضريبة قدرت المحكمة التعويض بما لا يجاوز خمسين ألف جنيه. وفي حالة العود يجوز مضاعفة العقوبة والتعويض. وتنظر قضايا التهرب عند إحالتها إلى المحاكم على وجه الاستعجال ". وقد صدر القانون رقم 91 لسنة 1996 بتعديل بعض أحكام قانون الضريبة العامة على المبيعات الصادر بالقانون رقم 11 لسنة 1991، واستبدل بنص الفقرة الأولى من المادة (43) من ذلك القانون، النص الآتى: " مع عدم الإخلال بأي عقوبة أشد يقضى بها قانون آخر، يعاقب على التهرب من الضريبة بالحبس مدة لا تقل عن شهر وبغرامة لا تقل عن ألف جنيه ولا تجاوز خمسة آلاف جنية أو بإحدى هاتين العقوبتين، ويحكم على الفاعلين متضامنين بالضريبة والضريبة الإضافية وتعويض لا يجاوز مثل الضريبة ". وتنص المادة (44) من قانون الضريبة العامة على المبيعات الصادر بالقانون رقم 11 لسنة 1991 على أنه " يعد تهربا من الضريبة يعاقب عليه بالعقوبات المنصوص عليها في المادة السابقة ما يأتى : 1- ......... 2 - بيع السلعة أو استيرادها أو تقديم الخدمة دون الإقرار عنها وسداد الضريبة المستحقة. 3 - خصم الضريبة كليًا أو جزئيًا دون وجه حق بالمخالفة لأحكام وحدود الخصم. 4- ......".
وحيث إن المحكمة الدستورية العليا سبق أن حسمت أمر دستورية نص المادة (5) من قانون الضريبة العامة على المبيعات الصادر بالقانون رقم 11 لسنة 1991، فيما قررته من التزام المكلفين بتحصيل الضريبة وبالإقرار عنها وتوريدها للمصلحة في المواعيد المنصوص عليها في هذا القانون، وذلك بحكمها الصادر بجلسة 11/10/2009، برفض الدعوى رقم 50 لسنة 30 قضائية "دستورية"، المقامة طعنًا على دستوريته، وقد نشر الحكم في الجريدة الرسمية بالعدد رقم (43 مكرر) بتاريخ 26 أكتوبر سنة 2009. كما حسمت أمر دستورية البند (2) من المادة (44) من قانون الضريبة العامة على المبيعات الصادر بالقانون رقم 11 لسنة1991، وذلك بحكمها الصادر بجلسة 5/5/2018، برفض الدعوى رقم 24 لسنة 29 قضائية "دستورية"، المقامة طعنًا على دستوريته، وقد نشر الحكم في الجريدة الرسمية بالعدد (19 مكرر "ب") بتاريخ 13 مايو سنة 2018. وحيث إن مقتضى نص المادة (195) من دستور سنة 2014، ونصى المادتين (48، 49) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، أن تكون أحكام المحكمة وقراراتها ملزمة للكافة، وجميع سلطات الدولة، وتكون لها حجية مطلقة في مواجهة الكافة، باعتباره قولاً فصلاً في المسألة المقضى فيها، وهى حجية تحول بذاتها دون المجادلة فيه، أو إعادة طرحه عليها من جديد لمراجعته، مما يتعين معه الحكم بعدم قبول الدعوى بالنسبة لنص المادة (5) والبند (2) من المادة (44) من قانون الضريبة العامة على المبيعات المشار إليه.
وحيث إن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن شرط المصلحة الشخصية المباشرة يتغيا أن تفصل المحكمة الدستورية العليا في الخصومة الدستورية من جوانبها العملية وليس من معطياتها النظرية، وهو كذلك يقيد تدخلها في هذه الخصومة، فلا تفصل في غير المسائل الدستورية التي يؤثر الحكم فيها على النزاع الموضوعى، ويتحدد مفهوم هذا الشرط باجتماع عنصرين، أولهما: أن يقيم المدعى - في حدود الصفة التي اختصم بها النص المطعون فيه - الدليل على أن ضررًا واقعيًّا قد لحق به، سواء كان مهددًا بهذا الضرر، أم كان قد وقع فعلاً. ثانيهما: أن يكون هذا الضرر عائدًا إلى النص المطعون فيه، وليس متوهمًا أو منتحلاً أو مجهلاً، فإذا لم يكن هذا النص قد طبق أصلاً على من ادعى مخالفته للدستور، أو كان من غير المخاطبين بأحكامه، أو كان الإخلال بالحقوق التي يدعيها لا يعود إليه، دلّ ذلك على انتفاء المصلحة الشخصية المباشرة، ذلك أن إبطال النص التشريعى في هذه الصور جميعها لن يحقق للمدعى أى فائدة عملية يمكن أن يتغير بها مركزه القانونى بعد الفصل في الدعوى الدستورية عما كان عليه قبلها. متى كان ذلك، وكان المدعى يبتغى من دعواه الموضوعية تبرئته من الاتهام المنسوب إليه بخصم الضريبة دون وجه حق، بالمخالفة لأحكام وحدود الخصم، المؤثم بنص البند (3) من المادة (44) من قانون الضريبة العامة على المبيعات، ومن ثم فإن الفصل في دستورية ذلك النص يرتب انعكاسًا أكيدًا وأثرًا مباشرًا على موقف المدعى من الاتهام المسند إليه في الدعوى الموضوعية، الأمر الذي يتوافر معه للمدعى مصلحة شخصية ومباشرة في الطعن على دستوريته. ويتحدد نطاق الدعوى المعروضة - وفقًا لطلبات المدعى وما دفع به أمام محكمة الموضوع وصرحت به - في نص البند (3) من المادة (44) من قانون الضريبة العامة على المبيعات المشار إليه. ولا ينال من ذلك ما نصت عليه المادة الثانية من القانون رقم 67 لسنة 2016 بإصدار قانون الضريبة على القيمة المضافة من أنه "يلغى قانون الضريبة العامة على المبيعات الصادر بالقانون رقم 11 لسنة 1991، كما يلغى كل نص يتعارض مع أحكام هذا القانون ........."، ذلك أن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن إلغاء النص التشريعى الجنائى المطعون فيه، متى كان أصلح للمتهم، لا يحول دون النظر والفصل في الطعن على دستوريته من قبَل من طُبّقَ عليهم ذلك النص خلال فترة نفاذه، وترتبت بمقتضاه آثار قانونية بالنسبة إليهم، وبالتالى توافرت لهم مصلحة شخصية في الطعن عليه.
متى كان ذلك، وكان قانون الضريبة على القيمة المضافة الصادر بالقانون رقم 67 لسنة 2016، قد شدد عقوبة الجريمة ذاتها المقدم بها المدعى للمحاكمة الجنائية، برصده عقوبة السجن بديلاً عن عقوبة الحبس، ورفع مقدار الغرامة في حديها الأدنى والأقصى، ومن ثم، لا يجوز إعمال أحكام ذلك القانون في حق المدعى، كونه لا يعد قانونًا أصلح.
وحيث إن المدعى ينعى على النص المطعون فيه، وفقًا لنطاقه المحدد، الإخلال بقواعد الشرعية الدستورية، ومبادئ العدالة، بأن ساوى في عقوبة جرائم التهرب من الضريبة، رغم ما بينها من تفاوت في خطورتها، وافترض المسئولية الجنائية، وأهدر أصل البراءة، وذلك بالمخالفة لنصوص المواد (34، 38، 65، 66، 67، 68، 69) من دستور سنة 1971، وتقابلها المواد (35، 38، 94، 95، 96، 97، 98) من الدستور الصادر سنة 2014.
وحيث إن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الرقابة على دستورية القوانين من حيث مطابقتها للقواعد الموضوعية التي تضمنها الدستور، تخضع للدستور القائم دون غيره، إذ إن هذه الرقابة تستهدف أصلاً صون هذا الدستور، وحمايته من الخروج على أحكامه، لكون الطبيعة الآمرة لقواعد الدستور، وعلوها على ما دونها من القواعد القانونية، وضبطها للقيم التي ينبغى أن تقوم عليها الجماعة، تقتضى إخضاع القواعد القانونية جميعها - أيًّا كان تاريخ العمل بها - لأحكام الدستور القائم، لضمان اتساقها والمفاهيم التي أتى بها، فلا تتفرق هذه القواعد في مضامينها بين نظم مختلفة يناقض بعضها البعض، بما يحول دون جريانها وفق المقاييس الموضوعية ذاتها التي تطلبها الدستور القائم كشرط لمشروعيتها الدستورية.
إذ كان ذلك، وكانت المناعى التي وجهها المدعى إلى النص المطعون فيه تندرج ضمن المطاعن الموضوعية التي تقوم في مبناها على مخالفة نص تشريعى لقاعدة في الدستور، من حيث محتواها الموضوعى، وكان النص المطعون فيه قد عُمل به حتى تم إلغاؤه بنص المادة الثانية من القانون رقم 67 لسنة 2016 بإصدار قانون الضريبة على القيمة المضافة - على ما سبق بيانه - فإن هذه المحكمة تفصل في دستورية النص المطعون فيه في ضوء أحكام الدستور الصادر سنة 2014.
وحيث إن الدستور الحالى قد اعتمد بمقتضى نص المادة (4) منه مبدأ العدل باعتباره إلى جانب مبدأى المساواة وتكافؤ الفرص، أساسًا لبناء المجتمع وصيانة وحدته الوطنية، ومن أجل ذلك حرص الدستور في المادة (96) منه، على جعله ضابطًا للمحاكمة القانونية العادلة والمنصفة، التي يكفل للمتهم فيها ضمانات الدفاع عن نفسه، فالعدالة الجنائية في جوهر ملامحها - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - هى التي يتعين ضمانها من خلال قواعد محددة تحديدًا دقيقًا، ومنصفًا، يتقرر على ضوئها ما إذا كان المتهم مدانًا أو بريئًا، ويفترض ذلك توازنًا بين مصلحة الجماعة في استقرار أمنها، ومصلحة المتهم في ألا تفرض عليه عقوبة ليس لها من صلة بفعل أتاه، أو تفتقر هذه الصلة إلى الدليل عليها، ولا يجوز بالتالى أن تنفصل العدالة الجنائية عن مقوماتها التي تكفل لكل متهم حدًا أدنى من الحقوق التي لا يجوز النزول عنها أو التفريط فيها، ولا أن تخل بضرورة أن يظل التجريم مرتبطًا بالأغراض النهائية للقوانين العقابية.
وحيث إن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أنه يجب أن يقتصر العقاب الجنائى على أوجه السلوك التي تضر بمصلحة اجتماعية ذات شأن لا يجوز التسامح مع من يعتدى عليها، ذلك أن القانون الجنائى، وإن اتفق مع غيره من القوانين في سعيها لتنظيم علائق الأفراد فيما بين بعضهم وبعض، وعلى صعيد صلاتهم بمجتمعهم، فإن هذا القانون يفارقها في اتخاذه الجزاء الجنائى أداة لحملهم على إتيان الأفعال التي يأمرهم بها، أو التخلى عن تلك التي ينهاهم عن مقارفتها، وهو بذلك يتغيا أن يحدد من منظور اجتماعى ما لا يجوز التسامح فيه من مظاهر سلوكهم، بما مؤداه أن الجزاء على أفعالهم لا يكون مخالفًا للدستور، إلا إذا كان مجاوزًا حدود الضرورة التي اقتضتها ظروف الجماعة في مرحلة من مراحل تطورها، فإذا كان مبررًا من وجهة اجتماعية، انتفت عنه شبهة المخالفة الدستورية. وحيث إن النطاق الحقيقى لمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات، إنما يتحدد على ضوء عدة ضمانات، يأتى على رأسها وجوب صياغة النصوص العقابية بطريقة واضحة محددة لا خفاء فيها أو غموض، فلا تكون هذه النصوص شباكًا أو شراكًا يلقيها المشرع متصيدًا باتساعها أو بخفائها من يقعون تحتها أو يخطئون مواقعها، وهى ضمانات غايتها أن يكون المخاطبون بالنصوص العقابية على بينة من حقيقتها، فلا يكون سلوكهم مجافيًا لها، بل اتساقًا معها ونزولاً عليها. وحيث إن افتراض أصل البراءة - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - يُعد أصلاً ثابتًا يتعلق بالتهمة الجنائية، وينسحب إلى الدعوى الجنائية في جميع مراحلها وعلى امتداد إجراءاتها، وقد غدا حتمًا عدم جواز نقض البراءة بغير الأدلة الجازمة التي تخلص إليها المحكمة، وتتكون من مجموعها عقيدتها حتى تتمكن من دحض أصل البراءة المفروض في الإنسان، على ضوء الأدلة المطروحة أمامها، التي تثبت كل ركن من أركان الجريمة، وكل واقعة ضرورية لقيامها، بما في ذلك القصد الجنائى بنوعيه إذا كان متطلبًا فيها، وبغير ذلك لا ينهدم أصل البراءة.
وحيث كان ذلك، وكان المشرع في إطار حرصه على التوازن بين صون الملكية الخاصة وبين تنمية موارد الدولة وتحقيق العدالة الاجتماعية، قد استن النص المطعون فيه، وارتأى بسلطته التقديرية أن قيام المسجل بخصم الضريبة كليًّا أو جزئيًّا دون وجه حق، بالمخالفة لأحكام وحدود الخصم المبينة بالمادة (23) من قانون الضريبة العامة على المبيعات الصادر بالقانون رقم 11 لسنة 1991، إنما يُعد تهربًا من سداد تلك الضريبة، ويمثل عين التهرب الضريبى الذي عنى الدستور القائم بتجريمه في المادة (38) منه. وإذ صيغ النص المطعون فيه بصورة جلية ومحددة، لا لبس فيها ولا غموض، وجاءت عبارة هذا النص متضمنة الركن المادى للجريمة، وقوامه قيام المسجل بخصم الضريبة كلها أو بعضها دون وجه حق، بالمخالفة للأحكام والحدود المشار إليها في المادة (23) من قانون الضريبة العامة على المبيعات المشار إليه، والمادة (18) من لائحته التنفيذية الصادرة بقرار وزير المالية رقم 161 لسنة 1991، وبمراعاة أن جوهر الحق في الخصم الذي أجازه المشرع بمقتضى نص المادة (23) من ذلك القانون، قوامه إعمال المقاصة القانونية التي أقرها القانون بموجب النص المطعون فيه، والتى لا يثبت الحق فيها طبقًا لنصى المادتين (362، 365) من القانون المدنى، وترتب أثرها في انقضاء الدين، في حدود نموذج التجريم الذي تطرحه الدعوى المعروضة، إلا إذا كانت الضريبة العامة على المبيعات سبق تحميلها على أحد المُدخلات، التي عرفتها المادة (1) من قانون الضريبة العامة على المبيعات بأنها السلع الوسيطة الداخلة في إنتاج سلع خاضعة للضريبة، وأن يكون سداد المسجل لقيمة هذه الضريبة ثابتًا بفواتير ضريبية صحيحة بحوزة المسجل، طبقًا لنص المادة (18) من اللائحة التنفيذية لقانون الضريبة العامة على المبيعات المشار إليه، ليغدو النكول عن ذلك أو تقديم فواتير غير صحيحة، نافيًا لأصل الحق في الخصم، ومقيمًا للركن المادى لإحدى صور التهرب الضريبى الذي أثمه القانون، وقُدم المدعى للمحاكمة الجنائية متهمًا بها، كما يتحقق الركن المعنوى لهذه الجريمة، وقوامه: قصد عمدى يقارن الركن المادى، جوهره: العلم بعناصر الركن الأول، وإرادة تحقيق النتيجة المترتبة عليه ممثلة في الإفلات من سداد الضريبة المستحقة على النشاط الخاضع لها، وذلك كله دون أن يتخذ النص المطعون فيه من وقوع أفعال الركن المادى للجريمة قرينة قانونية غير قابلة لإثبات عكسها، تقوم بها - وحدها - مسئولية جنائية مفترضة لمن يخالف الالتزام الذي فرضه ذلك النص، أو يهدر أصل براءة المخالف، بحسبان ذلك النص لم يحل بين محكمة الموضوع - في ضوء التزامها المنصوص عليه في المادة (304) من قانون الإجراءات الجنائية - وبين التحقق بصورة يقينية من وقوع ركنى جريمة التهرب الضريبى، التي يتعين على سلطة الاتهام إثباتهما كاملة، ولم يصادر حق المتهم بالجرم المذكور في أن يدفع نسبته إليه بكافة أوجه الدفاع التي تواجه أدلة الاتهام التي ساقتها ضده سلطة الاتهام، سواء ما يتعلق منها بعناصر الركن المادى للجريمة، أو ما يتصل منها بالقصد الجنائى، الأمر الذي يكون معه النص المطعون فيه قد التزم حدود الشرعية الدستورية للنص الجنائى، وانضبط بقواعدها المقررة في شأن عدم افتراض المسئولية الجنائية بقرينة تحكمية تزحزح أصل البراءة، أو مساس بقيم العدل الضابطة لسن نصوص التجريم والعقاب، وقواعد المحاكمة القانونية العادلة والمنصفة، وبما لا مخالفة فيه لأى من نصوص المواد (4، 35، 38، 94، 95، 96، 97، 98) من الدستور القائم، أو أى من أحكامه الأخرى، مما يتعين معه القضاء، في شأن النص المار ذكره، برفض الدعوى.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة برفض الدعوى، ومصادرة الكفالة، وألزمت المدعى المصروفات ومبلغ مائتى جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

الطعن رقم 298 لسنة 30 ق دستورية عليا "دستورية"جلسة 2 / 4 / 2022

باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الثاني من أبريل سنة 2022م، الموافق الأول من رمضان سنة 1443 ه.
برئاسة السيد المستشار / بولس فهمى إسكندر رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: رجب عبد الحكيم سليم والدكتور محمد عماد النجار والدكتور طارق عبد الجواد شبل وخالد أحمد رأفت دسوقي وعلاء الدين أحمد السيد والدكتورة فاطمة محمد أحمد الرزاز نواب رئيس المحكمة .

وحضور السيد المستشار / عوض عبدالحميد عبدالله رئيس هيئة المفوضين

وحضور السيد / محمد ناجى عبد السميع أمين السر

أصدرت الحكم الآتى
فى الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 298 لسنة 30 قضائية "دستورية".

المقامة من
محمد على عبد العزيز محمد
ضد
1- رئيس الجمهورية
2- وزير العدل
3- وزير القوى العاملة والهجرة
4- رئيس مجلس إدارة شركة أسمنت بورتلاند طره المصرية
5- العضو المنتدب لشركة أسمنت بورتلاند طره المصرية
6- رئيس اللجنة النقابية للعاملين بشركة أسمنت بورتلاند طره المصرية
7- نائب رئيس اللجنة النقابية للعاملين بشركة بورتلاند طره المصرية
8- سيد طه حسن، بصفته رئيس النقابة العامة للعاملين في صناعات البناء والأخشاب
9- حسين مجاور، بصفته أمين عام صندوق الاتحاد العام لنقابات عمال مصر

----------------

" الإجراءات "
بتاريخ الحادي والعشرين من ديسمبر سنة 2008، أودع المدعي صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبًا الحكم بعدم دستورية نصوص المواد (168، 169، 170، 180) من قانون العمل الصادر بالقانون رقم ١٢ لسنة ٢٠٠٣. وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
----------------

" المحكمة "

بعد الاطلاع على الأوراق والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل - على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - في أن المدعى، وآخرين، يعملون لدى شركة أسمنت بورتلاند طره، وبتاريخ 8/ 2/ 2006، أبرمت الشركة مع كل من النقابة العامة للعاملين في صناعة البناء والأخشاب، والاتحاد العام لنقابات عمال مصر، واللجنة النقابية بالشركة، اتفاقية عمل جماعية تضمنت تحديد حصة العاملين في الأرباح، المقررة لهم في سنة 2005، بمبلغ 35000000 (فقط خمسة وثلاثون مليون جنيه)، دون الالتزام بأحكام المادة (41) من قانون الشركات المساهمة وشركات التوصية بالأسهم والشركات ذات المسئولية المحدودة الصادر بالقانون رقم 159 لسنة 1981. وعلى إثر ذلك أقاموا الدعوى رقم 3906 لسنة 2006 مدنى كلى، أمام محكمة جنوب القاهرة الابتدائية، ضد المدعى عليهم، بغية الحكم ببطلان اتفاقية العمل الجماعية، فيما تضمنته من انتقاص حصتهم في الأرباح عن 10 % للسنة المالية 2005، مع ما يترتب على ذلك من آثار، أخصها حساب حصة العاملين في الأرباح بمبلغ 107021620(فقط مائة وسبعة ملايين وواحد وعشرون ألفًا وستمائة وعشرون جنيهًا)، وكذا بطلان تفسير تلك الاتفاقية، الحاصل بتاريخ 19/ 2/ 2006. وأثناء نظر الدعوى دفعت الشركة المدعى عليها الرابعة بعدم قبول الدعوى شكلاً، لرفعها بغير الطريق الذي رسمه قانون العمل، باللجوء ابتداء إلى وسائل فض منازعات العمل الجماعية، المنظمة في الكتاب الرابع من الباب الرابع من قانون العمل الصادر بالقانون رقم ١٢ لسنة ٢٠٠٣، وبجلسة 4/ 11/ 2008، دفع المدعي بعدم دستورية المواد (168، 169، 170 ،180) من قانون العمل المشار إليه، وإذ قدرت المحكمة جدية هذا الدفع، قررت التأجيل لجلسة 30/ 12/ 2008، وصرحت للمدعي بإقامة الدعوى الدستورية، فأقام الدعوى المعروضة.
وحيث إن المادة (168) من قانون العمل الصادر بالقانون رقم ١٢ لسنة ٢٠٠٣ تنص على أنه "مع عدم الإخلال بحق التقاضي تسري أحكام هذا الباب على كل نزاع يتعلق بشروط العمل أو ظروفه أو أحكام الاستخدام ينشأ بين صاحب عمل أو مجموعة من أصحاب الأعمال وبين جميع العمال أو فريق منهم".
وتنص المادة (169) على أنه "إذا ثار نزاع مما نص عليه في المادة السابقة وجب على طرفيه الدخول في مفاوضة جماعية لتسويته وديًا". وتنص المادة (170) على أنه "إذا لم تتم تسوية النزاع كليًا خلال ثلاثين يومًا من تاريخ بدء المفاوضة جاز للطرفين أو لأحدهما أو لمن يمثلهما التقدم بطلب إلى الجهة الإدارية المختصة لاتخاذ إجراءات الوساطة".
وتنص المادة (180) على أنه "يجب أن يكون طلب التحكيم المقدم من صاحب العمل موقعًا منه أو من وكيله المفوض. فإذا كان الطلب من العمال وجب تقديمه من رئيس اللجنة النقابية - إن وجدت - أو من النقابة العامة المختصة، وذلك كله بعد موافقة مجلس إدارة النقابة العامة. وتتولى الجهة الإدارية المختصة إحالة ملف النزاع إلى هيئة التحكيم، وذلك خلال يومين من تاريخ تقديم الطلب".
وحيث إن من المقرر في قضاء المحكمة الدستورية العليا أن المصلحة الشخصية المباشرة، شرط لقبول الدعوى الدستورية، ومناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم الصادر في المسألة الدستورية لازمًا للفصل في الطلبات الموضوعية المطروحة على محكمة الموضوع. ويتحدد مفهوم هذه المصلحة باجتماع شرطين، أولهما: أن يقيم المدعى - في حدود الصفة التي اختصم بها النص التشريعي المطعون فيه - الدليل على أن ضررًا واقعيًا قد لحق به، ويتعين أن يكون هذا الضرر مباشرًا، مستقلاً بعناصره، ممكنًا إدراكه ومواجهته بالترضية القضائية، وليس ضررًا متوهمًا أو نظريًّا أو مجهلاً. ثانيهما: أن يكون مرد الأمر في هذا الضرر إلى النص التشريعي المطعون عليه. والمصلحة في الدعوى الدستورية كما تتوافر إذا كانت لصاحبها فيها مصلحة قائمة يقرها القانون، فإن مصلحته المحتملة بشأنها تكفى لقبولها. متى كان ذلك، وكان المدعي يهدف من دعواه الدستورية المعروضة، التحلل من شرط وجوب اللجوء ابتداء إلى وسائل فض منازعات العمل الجماعية، المنظمة في المواد (168، 169، 170، 180) من قانون العمل الصادر بالقانون رقم ١٢ لسنة ٢٠٠٣، وذلك حتى تقبل دعواه الموضوعية، التي أقامها مباشرة أمام محكمة جنوب القاهرة الابتدائية.
ومن ثم تتوافر للمدعي مصلحة شخصية ومباشرة في الطعن على دستورية نصوص المواد المشار إليها، ويتحدد نطاقها، في ضوء الطلبات المطروحة في النزاع الموضوعي، فيما تضمنه نص المادة (168) من قانون العمل من سريان أحكام الباب الرابع من الكتاب الرابع، على منازعات العمل الجماعية، المتعلقة بشروط العمل أو ظروفه، ونصى المادتين (169، 170) منه، اللتين أوجبتا اللجوء ابتداء لفض تلك المنازعات عن طريق المفاوضة الجماعية، فإن لم تتم تسوية المنازعة كليًّا خلال ثلاثين يومًا من تاريخ بدء المفاوضة، جاز للطرفين أو لأحدهما أو لمن يمثلهما التقدم بطلب إلى الجهة الإدارية المختصة لاتخاذ إجراءات الوساطة، وما تضمنه نص الفقرة الثانية من المادة (180) من هذا القانون من وجوب تقديم العمال طلب اتخاذ إجراءات التحكيم من رئيس اللجنة النقابية- إن وجدت- أو من النقابة العامة المختصة، وذلك كله بعد موافقة مجلس إدارة النقابة العامة، مما يتعين معه القضاء بقبول الدعوى بالنسبة لنصوص المواد المشار إليها، في حدود نطاقها المتقدم، وبعدم قبولها فيما جاوز ذلك من الأحكام الأخرى التي تضمنتها هذه المواد.
وحيث إن المدعي ينعى على نصوص المواد (168، 169، 170) المطعون عليها - في النطاق السالف تحديده-، إخلالها بمبدأ المساواة وحق التقاضي اللذين كفلهما الدستور الصادر سنة 1971 في المادتين (40، 68) منه، وتقابلها المواد (4، 40، 97) من الدستور الحالي، بقالة إن إجبار هذه النصوص العمال على ولوج سبل فض منازعات العمل الجماعية، عن طريق المفاوضة والوساطة والتحكيم، وحجبهم عن طرح منازعاتهم ابتداء على القضاء، قبل المرور بتلك المراحل، مما يخل - وفق ما يراه المدعي - بمقتضيات حق التقاضي. ومن جانب آخر، فإن نص الفقرة الثانية من المادة (180) من قانون العمل المشار إليه، يهدر مبدأ المساواة وحق التقاضي، ذلك أن الفقرة الأولى من تلك المادة أجازت لصاحب العمل تقديم طلب إلى الجهة الإدارية المختصة لاتخاذ إجراءات التحكيم، حال منعت الفقرة الثانية من تلك المادة العمال من تقديم هذا الطلب، مشترطة أن يقدم من خلال التنظيم النقابي، معلقة بذلك حقهم في هذا الشأن على إرادة ذلك التنظيم.
وحيث إن الرقابة الدستورية على القوانين، من حيث مطابقتها للقواعد الموضوعية التي تضمنها الدستور، إنما تخضع لأحكام الدستور القائم دون غيره، إذ إن هذه الرقابة إنما تستهدف أصلاً - على ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة - صون الدستور القائم وحمايته من الخروج على أحكامه، كون نصوص هذا الدستور تمثل دائمًا القواعد والأصول التي يقوم عليها نظام الحكم فيها، ولها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام التي يتعين التزامها ومراعاتها وإهدار ما يخالفها من التشريعات باعتبارها أسمى القواعد الآمرة.
لما كان ذلك، وكانت المناعي التي وجهها المدعي إلى النصوص المطعون عليها - في النطاق السالف تحديده - تندرج تحت المناعي الموضوعية، التي تقوم في مبناها على مخالفة النصوص التشريعية لقاعدة في الدستور، من حيث محتواها الموضوعي. ومن ثم، تباشر هذه المحكمة رقابتها على دستورية النصوص المطعون عليها - التي مازالت سارية ومعمولاً بأحكامها - في ضوء أحكام الدستور القائم الصادر سنة 2014.
وحيث إن المادة الأولى من اتفاقية العمل الدولية رقم 87 لسنة 1948 بشأن الحرية النقابية وحماية حق التنظيم النقابي، تضمنت حق العمال وأصحاب الأعمال في تكوين منظماتهم، كما عرفت المادة العاشرة منها، مصطلح "منظمة" بأنها أية منظمة للعمال أو لأصحاب العمل تستهدف تعزيز مصالح العمال أو أصحاب العمل والدفاع عنها، وعرفت المادة الثانية من اتفاقية العمل الدولية رقم 154 لسنة 1981 بشأن تشجيع المفاوضة الجماعية، "المفاوضة الجماعية" بأنها جميع المفاوضات التي تجري بين صاحب عمل، أو مجموعة من أصحاب العمل أو واحدة أو أكثر من منظمات أصحاب العمل من جهة، ومنظمة عمال أو أكثر من جهة أخرى، من أجل تحديد شروط العمل وأحكام الاستخدام، وتنظيم العلاقات بين أصحاب العمل والعمال، وتنظيم العلاقات بين أصحاب العمل أو منظماتهم ومنظمة أو منظمات عمال. وناطت المادة الخامسة منها بالدول أن تتخذ كافة التدابير الوطنية من أجل تشجيع المفاوضة الجماعية. وهو ما أكد عليه الدستور الحالي، تمشيًا مع التزام الدولة بالاتفاقيات والعهود الدولية، والمواثيق الدولية، الذي عُد بمقتضى المادة (93) من الدستور، التزامًا على عاتق الدولة، لا تستطيع منه فكاكًا. وإيمانًا بأن المعايير والخصائص التي يقوم عليها التنظيم النقابي، هي التي قننها الدستور في مجمل أحكامها بنص المادة (76) منه، التي تحتم إنشاء ذلك التنظيم وفق أسس ديموقراطية يكون القانون كافلاً لها، راعيًا لدوره في تنفيذ الخطط والبرامج الاجتماعية والاقتصادية التي استهدفها، مرتقيًا بكفايتها، فلا يتنصل أعضاؤها من واجباتهم أو يعملون على نقيضها، أو ينحرفون عنها، ودون إخلال بحقوقهم المقررة قانونًا. وهو ما يعنى أن إفراد النقابات بنص المادة (76) المشار إليها، لا يعدو أن يكون اعترافًا من الدستور بأهمية وخطورة المصالح التي تمثلها، وعمق اتصالها بالحقوق المقررة قانونًا لأعضائها، وما ينبغي أن يتخذ من التدابير للدفاع عنها في مجموعها، وتمثيلًا لأعضائها.
وحيث إن ضمان الدستور لحق التقاضي، المنصوص عليه في المادة (97) منه، مؤداه: ألا يعزل الناس جميعهم أو فريق منهم أو أحدهم عن النفاذ إلى جهة قضائية تكفل بتشكيلها، وقواعد تنظيمها، ومضمون القواعد الموضوعية والإجرائية المعمول بها أمامها، حدًّا أدنى من الحقوق التي لا يجوز إنكارها عمن يلجون أبوابها، ضمانًا لمحاكمتهم إنصافًا. كذلك فإن لحق التقاضي غاية نهائية يتوخاها تمثلها الترضية القضائية التي يناضل المتقاضون من أجل الحصول عليها لجبر الأضرار التي أصابتهم من جراء العدوان على حقوق يطلبونها، فإذا أرهقها المشرع بقيود تُعَسِّر الحصول عليها أو تحول دونها، كان ذلك إخلالاً بالحماية التي كفلها الدستور لهذا الحق، وإنكارًا لحقائق العدل في جوهر ملامحها. وحيث إن الباب الرابع من الكتاب الرابع من قانون العمل الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 2003، المعنون "منازعات العمل الجماعية"، رسم طريقًا لفض منازعات العمل الجماعية قبل اللجوء إلى القضاء، عن طريق المفاوضة الجماعية، كأحد الوسائل الودية لحل هذا النزاع، من خلال الحوار والمناقشات التي تجريها المنظمات النقابية مع أصحاب الأعمال، كمرحلة أولية لفض هذا النزاع، فإذا استنفد هذا الإجراء، ولم يتم تسوية النزاع كليًّا خلال ثلاثين يومًا من تاريخ بدء المفاوضة، جاز للطرفين أو لأحدهما أو لمن يمثلهما التقدم بطلب إلى الجهة الإدارية المختصة لاتخاذ إجراءات الوساطة، فإذا لم يقبل الطرفان أو أحدهما التوصيات التي قدمها الوسيط، كان لطرفي النزاع الحق في اللجوء إلى التحكيم طبقًا لنص المادة (179) وما بعدها من قانون العمل المنظمة لذلك، مقروءة في ضوء إنفاذ مقتضى حكم المحكمة الدستورية العليا الصادر بجلسة 8/ 5/ 2021، في الدعوى رقم 33 لسنة 36 قضائية "دستورية"، القاضي أولاً: بعدم دستورية نص المادة (179) من قانون العمل، الصادر بالقانون رقم ١٢ لسنة ٢٠٠٣، فيما تضمنه من اعتبار تقدم أحد طرفي منازعة العمل الجماعية إلى الجهة الإدارية المختصة بطلب اتخاذ إجراءات التحكيم، أمرًا ملزمًا لخصمه بالمضي في هذه الإجراءات، ولو لم يقبلها. ثانيًا: بعدم دستورية نصى البندين ٣ و٤ من المادة (182) من القانون ذاته فيما لم يتضمناه من اشتراط، ألا يكون المحكم المختار عن التنظيم النقابي، وكذلك المحكم المختار عن الوزارة المختصة، في عضوية هيئة التحكيم، المسند إليها الفصل في منازعة العمل الجماعية، قد سبق اشتراكهما، بأية صورة، في بحث المنازعة ذاتها أو محاولة تسويتها. ثالثًا: رفض ما عدا ذلك من طلبات. ونُشر هذا الحكم بالجريدة الرسمية العدد رقم 19 (تابع) بتاريخ 17/ 5/ 2021، ومن ثم فإنه بعد استنفاد مرحلتي المفاوضة والوساطة ينعقد لأى من طرفي النزاع - بالإضافة إلى سلوك سبيل التحكيم - ولوج طريقه إلى الخصومة القضائية، ليفصل قضاتها في الحقوق المدعى بها، سواء بإثباتها أو بنفيها. بما مؤداه أن يكون مسلك المشرع في المادة (168) من قانون العمل المشار إليه، قد جاء في إطار سلطته التقديرية في تنظيم حق التقاضي، دون مصادرته، أو النيل منه، أو من ولاية القضاء، وبما لا مخالفة فيه لنص المادة (97) من الدستور.
وحيث إن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن شروط قبول الدعوى وثيقة الصلة بالحق في رفعها، وغايتها ألا تقبل الخصومة القضائية قبل أوانها، أو بعد انتهاء النزاع في موضوعها، أو قبل استيفائها لعناصر تكفل نضجها وتماسكها. وكان المشرع كثيرًا ما ينظم طريقًا للتظلم من قرارات بذواتها قبل التداعى بشأنها، فلا يكون هذا الطريق إلا شرطًا لجواز اختصامها قضاء. وكان المشرع قد قدر في قانون العمل، أن العمال لا يعنيهم غير الحصول على حقوقهم بأيسر الوسائل وأقلها تكلفة، فنظم من أجل الحصول على حقوقهم طريقًا أوليًّا قد يُغنيهم عن الخصومة القضائية، وإن كان لا يحول دونها، جاعلاً منها، وسيلتهم إلى إنهاء النزاع وديًّا حول الحقوق التي يدعونها، ومتطلبًا طرق أبوابها، واستنفاد الميعاد المحدد لها لفحص هذه الحقوق، كشرط مبدئى لجواز طلبها قضاء. ولا مخالفة في ذلك للدستور، ومن ثم فإن اعتماد المشرع بمقتضى نص المادة (169) من قانون العمل المفاوضة الجماعية سبيلاً لتسوية المنازعات التي عددتها المادة (168) من هذا القانون، ومن بينها تلك المتعلقة بشروط العمل أو ظرفه، ثم اتخاذ إجراءات الوساطة طبقًا لنص المادة (170) من القانون، في حالة عدم تسوية النزاع خلال المهلة التي حددها القانون وذلك وفاءً من الدولة بالتزامها الدستورى المقرر بمقتضى نص المادة (13) من الدستور بكفالة سبل التفاوض الجماعى،لا ينال من حق التقاضى الذي كفله الدستور في المادة (97) منه، سواء في محتواه أو مقاصده. ذلك أنهما يمثلان مرحلة أولية لفض النزاع حول حقوق يتفاوض عليها الطرفان، فإذا استنفداها، ظل طريقهم إلى الخصومة القضائية متاحًا ليفصل قضاتها في الحقوق المدعى بها، سواء بإثباتها أو بنفيها. وحيث إن ضمانة سرعة الفصل في القضايا المنصوص عليها في المادة (97) من الدستور، غايتها أن يتم الفصل في الخصومة القضائية - بعد عرضها على قضاتها- خلال فترة زمنية لا تجاوز باستطالتها كل حد معقول، ولا يكون قصرها متناهيًا، ذلك أن امتداد زمن الفصل في هذه الخصومة دون ضرورة، يعطل مقاصدها، ويفقد النزاع جدواه. فإذا كان وقتها مبتسرًا، كان الفصل فيها متعجلاً منافيًا حقائق العدل. متى كان ذلك، وكان نص المادة (170) من قانون العمل قد حدد للمفاوضة المنصوص عليها فيها، أجلاً لا يجاوز ثلاثين يومًا، يبدأ سريانها من تاريخ بدء إجراءات المفاوضة؛ وحدد عجز نص المادة (172) من ذلك القانون، للوساطة المنصوص عليها فيه، مدة حدها الأقصى خمسة وأربعون يومًا يتعين خلالها على الوسيط إنهاء مهمته، وهو ما أكد عليه نص الفقرة الثانية من المادة (174) من ذلك القانون. وكان هذا الميعاد معقولاً لا يحمل أطراف منازعة العمل الجماعية ما لا يطيقون، بل يُدنيهم من الحقوق التي يسعون جاهدين للحصول عليها، فإن النعى بمخالفة المواد المطعون فيها لنص المادة (97) من الدستور، يكون فاقدًا لسنده.
وحيث إنه عما ينعاه المدعى على التنظيم الذي أورده المشرع بالفقرة الثانية من المادة (180) من قانون العمل الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 2003، إخلاله بمبدأ المساواة، والحق في التقاضى، بالمخالفة لنصى المادتين (40، 68) من دستور سنة 1971، المقابلة لنصوص المواد (4، 53، 97) من دستور سنة 2014، بقالة إنه مايز بين صاحب العمل والعمال في تقديم طلب التحكيم، فمنح صاحب العمل الحق في تقديم الطلب مباشرة إلى الجهة الإدارية، بينما اشترط أن يقدم طلب العمال من خلال منظماتهم النقابية، ومن ثم تعليق إرادة العمال الخاضعين لأحكام هذا القانون، في مباشرة حقهم في التقاضى، على إرادة التنظيمات النقابية، على نحو يؤدى إلى إهدار إرادتهم وتقويض حقهم في التقاضى المصان دستوريًّا، فمردود أولاً: أن مبدأ مساواة المواطنين أمام القانون- وبقدر تعلقه بالحدود التي تباشر فيها هذه المحكمة ولايتها- مؤداه: ألا تقر السلطة التشريعية أو تصدر السلطة التنفيذية - في حدود صلاحياتها التي ناطها الدستور بها - تشريعًا يخل بالحماية القانونية المتكافئة للحقوق جميعها، سواء في ذلك تلك التي نص عليها الدستور، أو التي كفلها المشرع. ومن ثم كان هذا المبدأ عاصمًا من النصوص القانونية التي يقيم بها المشرع تمييزًا غير مبرر تتنافر به المراكز القانونية التي تتوافق عناصرها، فلا تكون وحدة بنيانها مدخلاً لوحدة تنظيمها، بل تكون القاعدة القانونية التي تحكمها، إما مجاوزة باتساعها أوضاع هذه المراكز أو قاصرة بمداها عن استيعابها. ومردود ثانيًا: أن الدستور الحالى قد اعتمد بمقتضى نص المادة (4) منه، مبدأ المساواة باعتباره إلى جانب مبدأى العدل وتكافؤ الفرص، أساسًا لبناء المجتمع وصيانة وحدته الوطنية، وتأكيدًا لذلك حرص الدستور في المادة (53) منه، على كفالة تحقيق المساواة لجميع المواطنين أمام القانون، في الحقوق والواجبات العامة، دون تمييز بينهم لأى سبب، إلا أن ذلك لا يعنى - وفقًا لما استقر عليه قضاء هذه المحكمة - أن تعامل فئاتهم على ما بينها من تفاوت في مراكزها القانونية معاملة قانونية متكافئة، كذلك لا يقوم هذا المبدأ على معارضة صور التمييز جميعها، ذلك أن من بينها ما يستند إلى أسس موضوعية، ولا ينطوى بالتالى على مخالفة لنصى المادتين (4، 53) المشار إليهما، بما مؤداه أن التمييز المنهى عنه بموجبها هو ذلك الذي يكون تحكميًّا، وأساس ذلك أن كل تنظيم تشريعى لا يعتبر مقصودًا لذاته، بل لتحقيق أغراض بعينها تعكس مشروعيتها إطارًا للمصلحة العامة التي يسعى المشرع إلى تحقيقها من وراء هذا التنظيم، فإذا كان النص المطعون فيه - بما ينطوى عليه من تمييز - مصادمًا لهذه الأغراض بحيث يستحيل منطقيًا ربطه بها أو اعتباره مدخلاً إليها فإن التمييز يكون تحكميًّا، وغير مستند بالتالى إلى أسس موضوعية، ومن ثم مجافيًا لمبدأ المساواة.
كما جرى قضاء هذه المحكمة على أن مبدأ المساواة أمام القانون لا يعنى معاملة المواطنين جميعًا وفق قواعد موحدة، ذلك أن التنظيم التشريعى قد ينطوى على تقسيم أو تصنيف أو تمييز، سواء من خلال الأعباء التي يلقيها على البعض أو من خلال المزايا التي يمنحها لفئة دون غيرها، إلا أن مناط دستورية هذا التنظيم ألا تنفصل النصوص التي ينظم بها المشرع موضوعًا معينًا عن أهدافها، ليكون اتصال الأغراض التي توخى تحقيقها بالوسائل التي لجأ إليها منطقيًّا، وليس واهنًا، أو منتحلاً،، بما يخل بالأسس التي يقوم عليها التمييز المبرر دستوريًّا. ومردود ثالثًا: بما هو مقرر في قضاء هذه المحكمة، من أن الخصومة القضائية، تؤكد بمضمونها، أن حقوقًا وقع الإخلال بها، وأن الفصل فيها إنصافًا مطلبها، وأن ردها لأصحابها غايتها. وأن هذه الحقوق، إما أن تبلور مصالح جماعية، كتلك التي تؤمنها النقابة وتحميها بوصفها شخصًا معنويًّا يستقل بالدفاع عنها ويحتضنها، وإما أن يتعلق بهذه الحقوق مركز قانونى خاص، يكفل مصالح ذاتية لأحد أعضائها، فلا يكون الدفاع عنها إلا متصلاً بمصلحته الشخصية المباشرة.
متى كان ذلك، وكان نص المادة (180) من قانون العمل المشار إليه وإن تعلق بتحديد صاحب الصفة في تقديم طلب التحكيم بالنسبة لصاحب العمل أو العمال، وما يعنيه ذلك من قبول اللجوء للتحكيم، واختياره سبيلاً لحل المنازعات، وكانت منازعات العمل الجماعية، تتعلق بمصالح مشتركة تخص جموع العاملين بالمنشأة، ولا تتعلق بمنازعات ترتبط بحقوق فردية، ذات صلة بمراكز قانونية ذاتية، فمن ثم كان سائغًا أن يوسد المشرع للتنظيمات النقابية بمقتضى نص المادة (180) المشار إليه، الدور الفاعل في المطالبة القضائية بالحقوق التي تبلور مصالح جماعية لجموع العاملين بالنقابة، ومن بينها منازعات العمل الجماعية التي تتصل بشروط العمل أو ظروفه، التي تطرحها الدعوى المعروضة، وذلك بجعلها، ممثلة في رئيس اللجنة النقابية، أو النقابة العامة المختصة، بعد موافقة مجلس النقابة العامة، صاحبة الصفة في تقديم طلب التحكيم، وذلك تمكينًا للنقابات من أداء دورها، والوفاء بالتزامها الدستورى المقرر بالمادتين (76، 77) من الدستور، في الدفاع عن حقوق العمال وحماية مصالحهم، ومراعاة من المشرع للطبيعة القانونية لمنازعات العمل الجماعية، والحقوق والمصالح محلها، والدور المنوط بالدولة بمقتضى نصى المادتين (13، 27) من الدستور، في الحفاظ على حقوق العمال، وتحقيق التوازن بين أطراف علاقة العمل سواء في ذلك العمال أو أصحاب الأعمال، بما يسهم في بناء علاقات عمل متوازنة بين أطراف العملية الإنتاجية، وكفالة تحقيق ذلك من خلال تفعيل دور المنظمات النقابية في الدفاع عن حقوق ومصالح العمال، ليضحى التنظيم الذي تضمنته الفقرة الثانية من المادة (180) من قانون العمل المطعون فيها، باعتباره الوسيلة التي اختارها المشرع، وقدر مناسبتها لبلوغ الأهداف والأغراض المتقدمة، وكفالة تحقيقها، والتى ترتبط بتلك الغايات بعلاقة منطقية وعقلية، مستندًا إلى أسس موضوعية تبرره، ولا يتضمن تمييزًا تحكميًّا بين العمال وأصحاب الأعمال في مجال اللجوء إلى التحكيم، يخالف مبدأ المساواة، الذي حرص الدستور على كفالته بالمادتين (4، 53) منه، كما يدخل تقرير هذا النص في نطاق السلطة التقديرية المقررة للمشرع في مجال تنظيم حق التقاضى، الذي كفلته المادة (97) من الدستور، دون مساس بأصله وجوهره. وحيث إن النصوص المطعون عليها لا تتعارض مع أحكام الدستور من أوجه أخرى.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة برفض الدعوى، ومصادرة الكفالة، وألزمت المدعي المصروفات، ومبلغ مائتى جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

قانون 179 لسنة 2008 بتعديل القانون 16 لسنة 1970 بنظام البريد

الجريدة الرسمية - العدد 25 (مكرر) - السنة الحادية والخمسون
18 جمادى الآخرة سنة 1429 هـ، الموافق 22 يونية سنة 2008 م

قانون رقم 179 لسنة 2008
بتعديل بعض أحكام القانون
رقم 16 لسنة 1970 بنظام البريد

باسم الشعب
رئيس الجمهورية
قرر مجلس الشعب القانون الآتى نصه، وقد أصدرناه:

(المادة الأولى)

يستبدل بنص المادة (33) من القانون رقم 16 لسنة 1970 بنظام البريد، النص الآتى:
مادة (33):
"استثناء من حكم المادة (475) من قانون التجارة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1999، تسرى فى شأن الشيكات البريدية أحكام الفقرات 1، 3، 4 من المادة (534) من القانون المشار إليه".

(المادة الثانية)

يُنشر هذا القانون فى الجريدة الرسمية، ويُعمل به اعتبارًا من اليوم التالى لتاريخ نشره.
يبصم هذا القانون بخاتم الدولة، وينفذ كقانون من قوانينها.
صدر برئاسة الجمهورية فى 18 جمادى الآخرة سنة 1429 هـ
                (الموافق 22 يونيه سنة 2008 م)

حسنى مبارك