جلسة 5 من مارس سنة 1963
برياسة السيد المستشار/
عادل يونس، وبحضور السادة المستشارين: توفيق الخشن، وأديب نصر، وحسين السركي،
ومختار رضوان.
-------------
(36)
الطعن رقم 2173 لسنة 32
قضائية
)أ) حريق بإهمال. خطأ. جريمة.
العقاب في جريمة الحريق بإهمال : مناطه :
شخصية الخطأ . مسئولية الجاني عن أعماله الشخصية التي تندرج تحت صور الخطأ المؤثم
قانوناً . والتي يتسبب عنها الضرر . عدم مسئوليته عن فعل غيره . إلا اذا ثبت
ارتكابه خطأ شخصيا مرتبطا بالنتيجة ارتباط السبب بالمسبب . مثال .
)ب) حكم "تسبيبه. ما
لا يعيبه": ارتباط. محاكمة.
قضاء الحكم بتبرئة متهم
من جريمة. لا يسلب المحكمة حقها في نظر باقي الجرائم المرتبطة وإنزال العقاب
المقرر لها. متى رأت توافر أركانها وثبوتها قبل المتهم.
(ج ، د ، هـ) دعوى مدنية. دعوى جنائية.
اختصاص. إحالة. تعويض. شبه الجنحة المدنية.
)ج) اختصاص المحكمة الجنائية بنظر الدعوى المدنية
المرفوعة أمامها بطريق التبعية. اختصاص استثنائي. شرط قيامه: أن يكون التعويض
مبنياً على الفعل ذاته المرفوعة عنه الدعوى الجنائية.
نفى الحكم وجود صلة
للمتهم بالفعل الخاطئ المكون للجريمة. سقوط الدعوى المدنية التابعة بحالتها التي
رفعت بها. ولو ثبت للمحكمة أن الجريمة وقعت من غير المتهم. طالما أن المسئول
الحقيقي لم يعين ولم ترفع عليه الدعوى الجنائية بالطريق القانوني.
)د) الإحالة في مفهوم حكم
المادة 309 إجراءات. شروطها: اختصاص المحكمة الجنائية بنظر الدعوى المدنية
المرفوعة إليها بطريق التبعية، وأن يكون الفصل في التعويضات يستلزم إجراء تحقيق
ينبني عليه إرجاء الفصل في الدعوى الجنائية.
)هـ) القضاء بالتعويض في
الدعوى المدنية - المرفوعة بالتبعية للدعوى الجنائية - في حالة الحكم بالبراءة.
شرطه: ثبوت وقوع الفعل موضوع الدعوى الجنائية وصحة نسبته إلى المتهم دون أن تتوافر
به الأركان القانونية للجريمة. لا وجه لتقرير المسئولية على أساس شبه الجنحة
المدنية في حالة تخلف هذا الشرط.
-------------
1 - مناط العقاب في جريمة
الحريق بالإهمال هو شخصية الخطأ، فلا يسأل الجاني إلا عن أعماله الشخصية التي
تندرج تحت صور الخطأ المؤثم قانوناً والتي يتسبب عنها الضرر، ولا يسأل الشخص عن
فعل غيره إذا لم يثبت أنه ارتكب خطأ شخصياً مرتبطاً بالنتيجة ارتباط السبب
بالمسبب. وإذ ما كان الحكم قد انتهى إلى عدم ثبوت مقارفة المطعون ضده لهذه الجريمة
بنفسه ولم ينسب إليه خطأ شخصياً مما يجعله محلاً للمساءلة الجنائية عن فعل غيره،
واستبعد المسئولية الافتراضية التي أساسها سوء اختيار المتبوع لتابعه وتقصيره في
رقابته بوصفها لا تمت بصلة إلى الفعل الضار محل الجريمة، فإن قضاءه بتبرئته منها
يكون صحيحاً.
2 - قضاء الحكم بتبرئة
المطعون ضده من جريمة الحريق بالإهمال لا يسلب المحكمة حقها في النظر في باقي
الجرائم المرتبطة وأن تنزل عليه العقاب المقرر لها متى رأت توافر أركانها وثبوتها
قبله، وهو ما استخلصه الحكم في حقه من إقراره بأن اللافتة موضوع الإعلان - التي
سببت الحريق - خاصة به، ورتب على ذلك مسئوليته عن مباشرة الإعلان على وجه مخالف
للقانون.
3 - الأصل أن اختصاص
المحكمة الجنائية بنظر الدعوى المدنية المرفوعة أمامها بطريق التبعية هو اختصاص
استثنائي لا يقوم إلا إذا كان التعويض مبنياً على الفعل ذاته المرفوعة عنه الدعوى
الجنائية، فإذا تبين للمحكمة الجنائية أن الحق المدعى به عن الفعل الخاطئ المكون
لهذه الجريمة لم يثبت وجود صلة للمتهم به، سقطت هذه الدعوى التابعة بحالتها التي
رفعت بها مهما يكن قد صح عندها أن الجريمة وقعت من غيره، ما دام المسئول الحقيقي
عن الحادث لم يعين ولم ترفع عليه الدعوى الجنائية بالطريق القانوني.
4 - الإحالة في مفهوم حكم
المادة 309 من قانون الإجراءات الجنائية لا يؤمر بها إلا عندما تكون المحكمة
الجنائية مختصة بنظر الدعوى المدنية المرفوعة إليها بطريق التبعية وترى أن الفصل
في التعويضات المطالب بها يستلزم إجراء تحقيق خاص ينبني عليه إرجاء الفصل في
الدعوى الجنائية.
5 - شرط الحكم بالتعويض
في الدعوى المدنية المرفوعة - بالتبعية للدعوى الجنائية في حالة الحكم بالبراءة هو
ثبوت وقوع الفعل موضوع الدعوى الجنائية وصحة نسبته إلى المتهم المقامة عليه الدعوى
المذكورة دون أن تتوافر به الأركان القانونية للجريمة، ولما كان الحكم المطعون فيه
قد انتهى إلى نفى مقارفة المطعون ضده الفعل المادي المكون للخطأ الذي نشأ عنه
الحريق، ومن ثم فلا يكون هناك وجه لتقرير مسئوليته على أساس شبه الجنحة المدنية.
الوقائع
اتهمت النيابة العامة
المطعون ضده بأنه في أول يونيو سنة 1960 بدائرة مركز ميت غمر: 1 - تسبب بغير قصد
ولا تعمد في حدوث حريق بالمنشآت الكهربائية المختصة بمجلس بلدية ميت غمر والمبين
وصفها وقيمتها بالأوراق وكان ذلك ناشئاً عن خطئه وعدم مراعاته للقوانين بأن أقام
يافطة للإعلان غير مرخص بها وفى مكان محظور به الإعلان فالتفت حول الأسلاك
الكهربائية فحدث الحريق نتيجة لذلك 2 - أقام إعلاناً بغير ترخيص. 3 - أقام إعلاناً
في مكان محظور فيه الإعلان. وطلبت عقابه بالمادة 360 من قانون العقوبات والمواد 1
و2 و 5 و7 و8 و11 من القانون رقم 66 سنة 1956. وقد ادعت وزارة الشئون البلدية قبل
المتهم بمبلغ 52 جنيهاً و600 مليم بالنسبة للمتهمة الأولى. ومحكمة جنح ميت غمر قضت
حضورياً بتاريخ 5/ 10/ 1960 ببراءة المتهم من المتهمين الأولى والثالثة المنسوبتين
له ورفض الدعوى المدنية وألزمت رافعها بمصروفاتها وبتغريم المتهم عن التهمة
الثانية المنسوبة إليه 500 قرش بلا مصروفات جنائية عملاً بالمادة 8 من القانون 66
لسنة 1956. استأنفت النيابة والمدعية بالحق المدني هذا الحكم. ومحكمة المنصورة
الابتدائية - بهيئة استئنافية - قضت حضورياً بتاريخ 15/ 5/ 1961: أولاً - بقبول
الاستئنافين شكلاً وفى الموضوع بتأييد الحكم المستأنف فيما قضى به ببراءة المتهم
من التهمة الأولى وبإجماع الآراء بتعديل الحكم المستأنف عن التهمة الثانية
والثالثة وبتغريم المتهم خمسمائة قرش عنهما وبإزالة الإعلان وبرد الشيء إلى أصله
في خلال أسبوعين من اليوم وبأداء ضعف الرسوم المقررة عن الترخيص عملاً بالمادة 32
عقوبات. ثانياً - وفى الدعوى المدنية بإلغاء الحكم المستأنف وبعدم اختصاص المحكمة
الجنائية بنظر الدعوى المدنية وألزمت رافعها مصروفاتها. فطعنت إدارة قضايا الحكومة
بصفتها ممثلة للمدعية بالحقوق المدنية في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.
المحكمة
حيث إن الطاعنة تنعى على
الحكم المطعون فيه أنه إذ قضى بتأييد الحكم الابتدائي فيما انتهى إليه من تبرئة
المطعون ضده من تهمة الحريق بإهمال وعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى المدنية
تأسيساً على قضائه بالبراءة وعلى أن التعويض المطالب به لم يكن ناشئاً عن الفعل
المسند إليه قد أخطأ في تطبيق القانون وشابه تناقض في التسبيب ذلك بأن جرائم
الحريق بالإهمال وإقامة إعلان بغير ترخيص وفى مكان محظور فيه الإعلان التي أقيمت
بها الدعوى الجنائية على المطعون ضده مرتبطة ويكمل بعضها البعض فكان من المتعين
على المحكمة وقد دانته في التهمتين الثانية والثالثة - الخاصتين بإقامة الإعلان -
أن تقضى بإدانته أيضاً في التهمة الأولى وموضوعها الحريق بإهمال وأن تقضى تبعا
لذلك بتعويض المطالب به - إذ أن ما ذهب إليه الحكم من عدم ثبوت قيام المطعون ضده
بتعليق الإعلان بنفسه لا يعفيه من المسئولية لأن المادة الثامنة من القانون رقم 66
لسنة 1956 في شأن تنظيم الإعلانات لا تستلزم للمساءلة الجنائية ثبوت قيام المخالف
بوضع الإعلان بنفسه بل أنه يكفى أن يتسبب في مباشرته ويتحقق هذا إذا ما عهد
المطعون ضده إلى أحد عماله بتعليق الإعلان المحظور قانوناً، وهو ما أقر به المطعون
ضده مما كان يقتضى مساءلته عن جريمة الحريق بالإهمال التي ترتبت على هذا الفعل
والقضاء بالتعويض الناشئ عنه. هذا فضلاً عن أن الدعوى المدنية لم تكن ناشئة عن
جريمة الحريق بالإهمال فقط بل أنها ترتبت أيضاً عن الجريمتين الأخريين إذ نجمت
الأضرار عن قيام المطعون ضده بتعليق الإعلان في مكان محظور وأدى هذا الفعل إلى
التفاف الإعلان - بسبب وضعه بطريقة غير فنية - حول الأسلاك الكهربائية واحتراق
المحول الكهربائي وهو ما كان يقتضى مساءلة المطعون ضده عن التعويض. هذا إلى أن
الحكم وقد أثبت اعتراف المطعون ضده بملكيته للإعلان وقيامه بمباشرته بغير ترخيص
وفى مكان محظور فيه الإعلان ونشوء احتراق التركيبات الكهربائية المملوكة للطاعنة
وترتب الضرر على هذا الفعل، فإنه مع ذلك انتهى إلى عدم القضاء للطاعنة بالتعويض،
في حين أن الحكم بالبراءة لا يحول دون القضاء بالتعويض على أساس أن الأفعال
المطروحة تكون شبه الجنحة المدنية أو ركن الخطأ في المسئولية التقصيرية. كما أخطأ
الحكم لصدوره على خلاف حكم المادة 309 من قانون الإجراءات الجنائية التي تقضى بأن
كل حكم يصدر في موضوع الدعوى الجنائية يجيب أن يفصل في التعويضات التي يطلبها
المدعى بالحقوق المدنية طالما أنها صالحة للفصل فيها أو أن يحيلها إلى المحكمة
المدنية المختصة إذا ما رأت المحكمة الجنائية أنها ليست بعد صالحة للفصل فيها، مما
يعيب الحكم المطعون فيه ويستوجب نقضه.
وحيث إن الدعوى الجنائية
أقيمت على المطعون ضده بوصف أنه - أولاً - تسبب بغير قصد ولا تعمد في حدوث حريق
بالمنشآت الكهربائية الخاصة بمجلس بلدية ميت غمر والمبين وصفها وقيمتها بالأوراق
وكان ذلك ناشئاً عن خطئه وعدم مراعاته للقوانين بأن أقام يافطة للإعلان غير مرخص
بها وفى مكان محظور فيه الإعلان فالتفت حول الأسلاك الكهربائية فحدث الحريق نتيجة
لذلك. ثانياً - أقام إعلاناً بغير ترخيص. ثالثاً - أقام إعلاناً في مكان محظور فيه
للإعلان. وطلبت النيابة العامة عقابه بأقصى العقوبة المقررة في المواد 360 من قانون
العقوبات و1 و2 و5 و7 و8 و13 من القانون رقم 66 لسنة 1956 في شأن تنظيم الإعلانات.
وادعت الطاعنة بحق مدني وطلب الحكم لها قبل المتهم بمبلغ 52 جنيهاً و 600 مليم على
سبيل التعويض وذلك عن التهمة الأولى - على ما يبين من المفردات التي أمرت المحكمة
بضمها تحقيقاً للطعن كما هو مبين بالمذكرة المقدمة من الطاعنة أمام المحكمة
الاستئنافية بجلسة 16/ 1/ 1961، ومحكمة أول درجة قضت حضورياً ببراءة المتهم من
التهمتين الأولى والثالثة المنسوبتين إليه ورفض الدعوى المدنية وألزمت رافعها
مصروفاتها وبتغريم المتهم عن التهمة الثانية المنسوبة إليه خمسمائة قرش بلا
مصروفات جنائية. فاستأنفت النيابة العامة هذا الحكم، كما استأنفته المدعية بالحقوق
المدنية (الطاعنة) وقضى في الاستئنافين حضورياً: أولاً - بقبولهما شكلاً وفى
الموضوع بتأييد الحكم المستأنف فيما قضى به من براءة المتهم عن التهمة الأولى
وبإجماع الآراء بتعديل الحكم المستأنف عن التهمتين الثانية والثالثة وبتغريم
المتهم خمسمائة قرش عنهما، وبإزالة الإعلان وبرد الشيء إلى أصله في خلال أسبوعين
من يوم النطق بالحكم وبأداء ضعف الرسوم المقررة عن الترخيص. ثانياً - وفى الدعوى
المدنية بإلغاء الحكم المستأنف وبعدم اختصاص المحكمة الجنائية بنظر الدعوى المدنية
وألزمت رافعها مصروفاتها. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد بين واقعة
الدعوى بما مجمله أن مهندس البلدية أثبت في محضره أن العامل المختص أبلغه بحصول
حريق في المحول الكهربائي المبين بمحضره وأن المعاينة كشفت عن أن الحريق قد نشأ
بسبب التفاف لافتة قماش لمعرض المطعون ضده للخردوات. وبعد أن أستعرض الحكم أدلة
الدعوى خلص إلى أنه "وقد ثبت من إقرار المتهم (المطعون ضده) في محضر ضبط
الواقعة أن اللافتة تخصه ومن ثم تكون الجريمتان الثانية والثالثة ثابتتين ومتوافرتي
الأركان ويتعين إدانة المتهم عنهما ذلك لثبوت أن الإعلان يخص المتهم خاصة وأن
الحكم المستأنف نفسه مع أنه دان المتهم عن التهمة الثانية حالة أن التهمة الثالثة
مبنية على ذات الفعل المكون للجريمة الثانية. ومن هذا يبين أن الحكم المستأنف قد
جاء متناقضاً مع نفسه في قضائه بالبراءة عن التهمة الثالثة المذكورة ..."
وانتهى الحكم إلى إلغاء الحكم المستأنف فيما قضى به من تبرئة المطعون ضده من
التهمة الثالثة وإدانته عنها وعن التهمة الثانية - بإجماع الآراء - وإنزال عقوبة
واحدة عنها طبقاً لنص المادة 32 من قانون العقوبات. ثم استطرد الحكم إلى التهمة
الأولى فقال: "وحيث إنه عن التهمة الأولى وأنه وإن كان الثابت من أوراق
الدعوى أن الإعلان الذي أحدث الحريق خاص بالمتهم إلا أنه لم يتكشف من الأوراق أن
المتهم قد أقام بنفسه هذا الإعلان ومن ثم تكون التهمة الأولى وهى تهمة الحريق
بإهمال غير ثابتة قبل المتهم ويتعين لهذا رفض الاستئناف وتأييد الحكم المستأنف في
قضائه بالبراءة عنها..." ثم عرض إلى الدعوى المدنية في قوله: "وحيث إن
الدعوى المدنية الموجهة إلى المتهم عن الخسارة التي أصابت وزارة الشئون البلدية
(الطاعنة) بسبب الجريمة الأولى فإنه وقد انتهت المحكمة إلى القضاء ببراءة المتهم
منها لأن الأوراق لم تكشف عن أن المتهم هو الذي أقام اللافتة التي أحدثت الحريق. و
كان القول بأن أحد توابع المتهم هو الذي علق اللافتة قد يؤدى إلى مسئولية المتهم
مسئولية مفترضة هي مسئولية المتبوع عن تابعه فإنها تكون مسئولية غير ناشئة عن
الفعل المكون للجريمة وهى مسئولية أخرى افترضها القانون". ورتب الحكم على ذلك
عدم اختصاص المحكمة الجنائية بالفصل في الدعوى المدنية المرفوعة بالتبعية للدعوى
الجنائية على اعتبار أن اختصاص المحكمة الجنائية في هذا الخصوص هو استثناء من
القواعد العامة ولا يصح التوسع فيه فلا يمتد إلى المطالبة المدنية القائمة على
أساس المسئولية الافتراضية التي لا تتصل بالفعل المكون للجريمة وما أورده الحكم
فيما تقدم سائغ وصحيح في القانون ذلك بأنه وقد انتهى إلى عدم ثبوت مقارفة المطعون
ضده الفعل المادي المكون للخطأ الذي نشأ عنه الحريق - موضوع التهمة الأولى محل
المطالبة بالتعويض - وقضى بتبرئته منها على هذا الأساس، فلا يصح مجادلة المحكمة في
هذا التقدير الذي هو من شأنها. ولا يقدح في سلامة الحكم أن يكون قد دان المطعون
ضده بجريمتي مباشرة الإعلان بدون ترخيص وفى مكان محظور فيه تلك المباشرة أخذاً
بحكم المواد 1 و2 و5 و8 من القانون رقم 66 لسنة 1956 في شأن تنظيم الإعلانات -
المرتبطتين بجريمة الحريق بالإهمال موضوع التهمة الأولى - ذلك بأن مناط العقاب في
هذه الجريمة هو شخصية الخطأ فلا يسأل الجاني إلا عن أعماله الشخصية التي تندرج تحت
صور الخطأ المؤثم قانوناً والتي يتسبب عنها الضرر، ولا يسأل الشخص عن فعل غيره إذا
لم يثبت أنه ارتكب خطأ شخصياً مرتبطاً بالنتيجة ارتباط السبب بالمسبب. وإذ ما كان
الحكم قد انتهى إلى عدم ثبوت مقارفة المطعون ضده لهذه الجريمة بنفسه ولم ينسب إليه
خطأ شخصياً مما يجعله محلاً للمساءلة الجنائية عن فعل غيره، فإن قضاءه بتبرئة
المطعون ضده من هذه الجريمة لا يسلب المحكمة حقها في النظر في باقي الجرائم
المرتبطة وأن تنزل عليه العقاب المقرر بها متى رأت توافر أركانها وثبوتها قبله،
وهو ما استخلصه الحكم في حقه من إقراره بأن اللافتة موضوع الإعلان خاصة به ورتب
على ذلك مسئوليته عن مباشرته الإعلان على وجه مخالف للقانون واستبعد المسئولية
الافتراضية التي أساسها سوء اختيار المتبوع لتابعه وتقصيره في رقابته بوصفها لا
تمت بصلة إلى الفعل الضار محل الجريمة التي رفعت بها الدعوى الجنائية. لما كان
ذلك، وكان الأصل أن اختصاص المحكمة الجنائية بنظر الدعوى المدنية المرفوعة أمامها
بطريق التبعية هو اختصاص استثنائي لا يقوم إلا إذا كان التعويض مبنياً على الفعل
ذاته المرفوعة عنه الدعوى الجنائية، فإذا تبين للمحكمة الجنائية أن الحق المدعى به
عن الفعل الخاطئ المكون لهذه الجريمة لم يثبت وجود صلة للمتهم به، سقطت هذه الدعوى
التابعة بحالتها التي وقعت بها مهما يكن قد صح عندها أن الجريمة وقعت من غيره ما
دام المسئول الحقيقي عن الحادث لم يعين ولم ترفع عليه الدعوى الجنائية بالطريق
القانوني. ولا محل لما تنعاه الطاعنة على الحكم من التفاته عن إحالة الدعوى
المدنية إلى المحكمة المدنية المختصة ذلك بأن الإحالة في مفهوم حكم المادة 309 من
قانون الإجراءات الجنائية لا يؤمر بها إلا عندما تكون المحكمة الجنائية مختصة بنظر
الدعوى المدنية المرفوعة إليها بطريق التبعية وترى أن الفصل في التعويضات المطالب
بها يستلزم إجراء تحقيق خاص ينبني عليه إرجاء الفصل الدعوى الجنائية. وهو ما لا
يصدق على الواقعة المطروحة كما أنه لا محل لما تثيره الطاعنة من أنه كان من
المتعين على المحكمة أن تقضى على المطعون ضده بالتعويض على الرغم من تبرئته
تأسيساً على أن الأفعال المطروحة تكون شبه الجنحة المدنية ذلك بأن شرط الحكم
بالتعويض في الدعوى المدنية المرفوعة بالتبعية للدعوى الجنائية في حالة الحكم
بالبراءة هو ثبوت وقوع الفعل موضوع الدعوى الجنائية وصحة نسبته إلى المتهم المقامة
عليه الدعوى المذكورة دون أن تتوافر به الأركان القانونية للجريمة، وهو ما نفاه
الحكم عن المطعون ضده، ومن ثم فلا يكون هناك وجه لتقرير مسئوليته على أساس شبه
الجنحة المدنية. لما كان ما تقدم، فان الطعن برمته يكون على غير أساس ويتعين لذلك
رفضه موضوعاً وإلزام الطاعنة المصاريف المدنية.