جلسة 9 من يناير سنة 1986
برياسة السيد المستشار:
الدكتور كمال أنور نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: محمد نجيب صالح
ومحمد نبيل رياض وعبد الوهاب الخياط وصلاح عطية.
---------------
(11)
الطعن رقم 3038 لسنة 55
القضائية
(1) اختصاص "الاختصاص
الولائي". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
الدفع بعدم قيام اختصاص
المحكمة ولائياً بنظر الدعوى. إثارته لأول مرة أمام النقض. غير جائزة ما لم تكن
مدونات الحكم تظاهره. علة ذلك؟
(2)أمن الدولة. محاكم أمن الدولة. اختصاص "اختصاص محاكم أمن الدولة".
محاكم أمن الدولة.
اختصاصها؟ المادة 3 من القانون رقم 105 لسنة 1980.
(3)إثبات "بوجه عام" "قرائن". قوة الأمر المقضي.
قوة الشيء المقضي به.
شرطها؟
(4)نقض "نظر الطعن والحكم فيه" "أسباب الطعن. ما لا يقبل
منها". دفوع "الدفع بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها".
الدفع بعدم جواز نظر
الدعوى لسابقة الفصل فيها من النظام العام. جواز إثارته لأول مرة أمام النقض. شرط
ذلك؟
(5) إثبات "بوجه
عام". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". محكمة الموضوع "سلطتها
في تقدير الدليل".
عدم التزام المحكمة
بالتحدث في حكمها إلا عن الأدلة ذات الأثر في تكوين عقيدتها - إغفالها بعض الوقائع
- مفاده: إطراحها لها.
(6) رشوة. حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
إثبات الحكم أن الطاعن
قبل وعداً بمبلغ من المال لنقل كمية من الثوم بالسيارة قيادته التابعة لإحدى شركات
القطاع العام يتحقق به الغرض المقصود من الرشوة.
---------------
1 - لما كان الطاعن لم
يدفع أمام محكمة الموضوع بعدم اختصاصها ولائياً بنظر الدعوى، وكانت مدونات الحكم
قد خلت مما يظاهر ما يدعيه الطاعن من عدم اختصاص محكمة أمن الدولة العليا ولائياً
بنظر الدعوى فإنه لا يجوز له أن يثير هذا الدفع لأول مرة أمام محكمة النقض ولو
تعلق بالنظام العام لكونه يحتاج إلى تحقيق موضوعي يخرج عن وظيفتها.
2 - إن المادة الثالثة من
القانون رقم 105 لسنة 1980 بإنشاء محاكم أمن الدولة قد نصت على أن "تختص
محكمة أمن الدولة العليا دون غيرها بنظر الجنايات المنصوص عليها في الأبواب
"الأول" و"الثاني" و"الثاني مكرراً"
و"الثالث" و"الرابع" من الكتاب الثاني من قانون العقوبات
والجرائم....... وكذلك الجرائم التي تقع بالمخالفة للمرسوم بقانون رقم 95 لسنة
1945 الخاص بشئون التموين، والمرسوم بقانون رقم 163 لسنة 1950 الخاص بالتسعير
الجبري وتحديد الأرباح، والقرارات المنفذة لها وذلك إذا كانت العقوبة المقررة لهذه
الجرائم أشد من الحبس".
3 - قوة الشيء المقضي به
مشروطة باتحاد الخصوم والموضوع والسبب في الدعويين.
4 - من المقرر أن الدفع
بعدم جواز نظر الدعوى لسبق الفصل فيها وإن كان متعلقاً بالنظام العام وتجوز إثارته
لأول مرة أمام محكمة النقض، إلا أنه يشترط لقبوله أن تكون مقوماته واضحة من مدونات
الحكم أو تكون عناصر الحكم مؤديه إلى قبوله بغير تحقيق موضوعي لأن هذا التحقيق
خارج عن وظيفة محكمة النقض.
5 - لما كان من المقرر في
أصول الاستدلال أن المحكمة غير ملزمة بالتحدث في حكمها إلا عن الأدلة ذات الأثر في
تكوين عقيدتها وفي إغفالها بعض الوقائع مما يفيد ضمناً إطراحها واطمئنانها إلى ما
أثبتته من الوقائع والأدلة التي اعتمد عليها في حكمها ومن ثم فلا محل لما ينعاه
الطاعن على الحكم إغفاله الوقائع التي أشار إليها بأسباب طعنه.
6 - لما كان الحكم
المطعون فيه قد أثبت في حق الطاعن....... قبوله وعداً بمبلغ من المال لنقل كمية من
الثوم بالسيارة التابعة لإحدى شركات القطاع العام والمختص هو بقيادتها، واستظهر
الحكم أن عمل الطاعن هو قيادة تلك السيارة وهو قدر من الاختصاص يسمح له بتنفيذ
الغرض المقصود من الرشوة، وكانت أمانة الموظف ومن في حكمه تفرض عليه ألا يستعملها
إلا في الغرض المخصصة له لقضاء مصالح الجهة التابع لها، وأن ينأى عن السعي
لاستغلالها لمصلحته الشخصية. فإن ما وقع من السائق يعد إخلالاً بواجبات وظيفته في
حكم المادة 104 من قانون العقوبات.
الوقائع
اتهمت النيابة العامة
الطاعن بأنه وهو موظف عمومي "سائق بشركة محلات عمر أفندي (قطاع عام)"
قبل وعداً برشوة للإخلال بواجبات وظيفته بأن قبل من مجهولين وعداً بتقاضي مبلغ
مائتي جنيه مقابل قيامه بنقل كمية من الثوم بالسيارة قيادته التابعة للشركة سالفة
الذكر. وأحالته إلى محكمة أمن الدولة العليا ببني سويف لمعاقبته طبقاً للقيد
والوصف الواردين بأمر الإحالة.
والمحكمة المذكورة قضت
حضورياً في 20 من إبريل سنة 1985 عملاً بالمواد 103، 104، 111/ 6 من قانون
العقوبات مع تطبيق المادة 17 بذات القانون بمعاقبة المتهم بالسجن لمدة ثلاث سنوات
وبتغريمه ألفي جنيه.
فطعن المحكوم عليه في هذا
الحكم بطريق النقض........ إلخ.
المحكمة
حيث إن الطاعن ينعى على
الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة قبول وعد برشوة للإخلال بواجبات وظيفته قد
انطوى على خطأ في تطبيق القانون وشابه البطلان والقصور في التسبيب ذلك بأنه صدر من
محكمة أمن الدولة العليا وهي غير مختصة ولائياً بمعاقبة الطاعن وقد سبق الحكم عليه
في الجنحة رقم........ لسنة........ أمن دولة جزئية عن الفعل ذاته بالحبس والغرامة
وهو ما يشكل بإدانته في الدعوى الماثلة مساساً بقاعدة قوة الشيء المقضي به، هذا
فضلاً عن خلو مدونات الحكم من الإشارة إلى الجنحة المذكورة وما تم فيها وكذلك من بيان
الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها. مما يعيبه ويوجب نقضه.
ومن حيث إنه لما كان
الطاعن لم يدفع أمام محكمة الموضوع بعدم اختصاصها ولائياً بنظر الدعوى، وكانت
مدونات الحكم قد خلت مما يظاهر ما يدعيه الطاعن من عدم اختصاص محكمة أمن الدولة
العليا ولائياً بنظر الدعوى فإنه لا يجوز له أن يثير هذا الدفع لأول مرة أمام
محكمة النقض ولو تعلق بالنظام العام لكونه يحتاج إلى تحقيق موضوعي يخرج عن
وظيفتها، هذا فضلاً عن أنه لما كانت المادة الثالثة من القانون رقم 105 لسنة 1980
بإنشاء محكمة أمن الدولة قد نصت على أن "تختص محكمة أمن الدولة العليا دون
غيرها بنظر الجنايات المنصوص عليها في الأبواب "الأول"
و"الثاني" و"الثاني مكرراً" و"الثالث"
و"الرابع" من الكتاب الثاني من قانون العقوبات والجرائم....... وكذلك
الجرائم التي تقع بالمخالفة للمرسوم بقانون رقم 95 لسنة 1945 الخاص بشئون التموين،
والمرسوم بقانون رقم 163 لسنة 1950 الخاص بالتسعير الجبري وتحديد الأرباح، أو
القرارات المنفذة لها وذلك إذا كانت العقوبة المقررة لهذه الجرائم أشد من
الحبس". وإذ كانت الجريمة المسندة إلى الطاعن - وهي قبول وعد برشوة للإخلال
بواجبات وظيفته - تدخل في عداد الجرائم المنصوص عليها في الباب الثالث من قانون
العقوبات والمؤثمة بالمواد 103، 104، 111/ 6 من هذا القانون فإن ما يثيره الطاعن
في شأن اختصاص محكمة أمن الدولة العليا لا يكون له محل. لما كان ذلك، وكانت قوة
الشيء المقضي به مشروطة باتحاد الخصوم والموضوع والسبب في الدعويين. وكان البين من
الشهادة الصادرة من القلم الكتابي لنيابة أمن الدولة العليا طوارئ لمركز ناصر أن
موضوع الدعوى رقم...... لسنة....... جنح أمن الدولة مركز ناصر هو نقل ثوم دون
تصريح من الجهة المختصة، وهي تختلف موضوعاً وسبباً عن دعوى قبول وعد برشوة - موضوع
الدعوى الراهنة - فضلاً عن عدم وجود ارتباط بين الجريمتين لا يقبل التجزئة فإنه
يمتنع التمسك بحجية الأمر المقضي به هذا فضلاً عما هو مقرر من أن الدفع بعدم جواز
نظر الدعوى لسبق الفصل فيها وإن كان متعلقاً بالنظام العام وتجوز إثارته لأول مرة
أمام محكمة النقض، إلا أنه يشترط لقبوله أن تكون مقوماته واضحة من مدونات الحكم أو
تكون عناصر الحكم مؤدية إلى قبوله بغير تحقيق موضوعي لأن هذا التحقيق خارج عن
وظيفة محكمة النقض. وإذ كان البين من مطالعة محضر جلسة المحاكمة أن الطاعن لم يثر
أنه سبق القضاء نهائياً في القضية التي أشار إليها بأسباب طعنه، وكانت مدونات
الحكم المطعون فيه قد خلت من مقومات صحة هذا الدفع التي تكشف عن مخالفة الحكم
للقانون وخطئه في تطبيقه فإن إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض لا تكون مقبولة.
لما كان ذلك وكان من المقرر في أصول الاستدلال أن المحكمة غير ملزمة بالتحدث في
حكمها إلا عن الأدلة ذات الأثر في تكوين عقيدتها وفي إغفالها بعض الوقائع مما يفيد
ضمناً إطراحها واطمئنانها إلى ما أثبتته من الوقائع والأدلة التي اعتمد عليها في
حكمها. ومن ثم فلا محل لما ينعاه الطاعن على الحكم إغفاله الوقائع التي أشار إليها
بأسباب طعنه. لما كان ما تقدم، وكان الحكم المطعون فيه قد أثبت في حق الطاعن قبوله
وعداً بمبلغ من المال لنقل كمية من الثوم بالسيارة التابعة لإحدى شركات القطاع
العام والمختص هو بقيادتها، واستظهر الحكم أن عمل الطاعن هو قيادته تلك السيارة
وهو قدر من الاختصاص يسمح له بتنفيذ الغرض المقصود من الرشوة وكانت أمانة الموظف
ومن في حكمه تفرض عليه ألا يستعملها إلا في الغرض المخصصة له القضاء مصالح الجهة
التابع لها، وأن ينأى عن السعي لاستغلالها لمصلحته الشخصية. فإن ما وقع من السائق
يعد إخلالاً بواجبات وظيفته في حكم المادة 104 من قانون العقوبات. لما كان ما
تقدم، وكان الحكم المطعون فيه قد بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر
القانونية للجريمة التي دان الطاعن بها وأورد على ثبوتها في حقه أدلة سائغة مردودة
إلى أصلها الثابت في الأوراق ومن شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها، فإن
الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.