جلسة 19 يونية سنة 1993
برئاسة السيد المستشار
الدكتور/ محمد إبراهيم أبو العينين رئيس الجلسة، وعضوية السادة المستشارين/ فاروق
عبد الرحيم غنيم وعبد الرحمن نصير والدكتور عبد المجيد فياض ومحمد على سيف الدين وعدلي
محمود منصور ومحمد عبد القادر عبد الله - أعضاء،
وحضور السيد المستشار/
محمد خيرى طه عبد المطلب - رئيس هيئة المفوضين،
وحضور السيد/ رأفت محمد
عبد الواحد - أمين السر.
----------
قاعدة رقم (31)
القضية رقم 10 لسنة 14
قضائية "دستورية"
(1) اختصاص المحكمة
الدستورية العليا "الأعمال السياسية".
استبعاد الأعمال السياسية
من ولاية القضاء الدستوري، يأتي ذلك تحقيقا للاعتبارات السياسية التي تقتضي النأي
بها عن نطاق الرقابة القضائية استجابة لدواعي الحفاظ على الدولة والذود عن سيادتها
ورعاية مصالحها العليا.
(2) الأعمال السياسية
"تكييفها - تحديدها".
العبرة في التكييف القانوني
للأعمال السياسية هي بطبيعة العمل ذاته، لا بالأوصاف التي قد يخلعها المشرع عليه
متى كانت طبيعته تتنافى وهذه الأوصاف. المحكمة الدستورية العليا هي وحدها التي تحدد
ما إذا كانت النصوص المطروحة عليها تعتبر من الأعمال السياسية أم لا.
(3) الأعمال السياسية
"الاتفاقيات الدولية".
ليس صحيحا إطلاق القول
بأن جميع الاتفاقيات الدولية أيا كان موضوعها أو الاتفاقيات الدولية التي حددتها
الفقرة الثانية من المادة 151 من الدستور من الأعمال السياسية ذلك أن كلا القولين
مناقض للأساس الذي تقوم عليه اعتبارات استبعاد هذه الأعمال من الرقابة القضائية
على دستوريتها، والتي ترجع إلى طبيعة الأعمال ذاتها وليس إلى طريقة وإجراءات
إبرامها والتصديق عليها.
(4) الأعمال السياسية
"اتفاقية دولية".
الاتفاقية الدولية بإنشاء
المصرف العربي الدولي تتمحض عن إنشاء بنك يقوم بالأعمال التي تقوم بها البنوك
التجارية، فلا يسوغ اعتبارها من الأعمال السياسية.
(5) دعوى دستورية
"نطاقها - المقومات الشكلية للنص المطعون عليه".
نطاق الدعوى الدستورية
يتحدد بنطاق الدفع بعدم الدستورية وفى حدود النصوص التي صرحت محكمة الموضوع بالطعن
عليها، الطعن بعدم دستورية نص قانوني يطرح ابتداء أمام المحكمة مدى توافر مقوماته
الشكلية، كذلك يطرح الطعن بعدم دستورية نص في اتفاقية دولية وبحكم اللزوم - توافر
المتطلبات الشكلية التي استلزمتها المادة 151 من الدستور ليكون للاتفاقية قوة
القانون.
(6) دعوى دستورية -
"المصلحة فيها. مناطها".
مناط المصلحة الشخصية
المباشرة وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية، أن يكون الحكم في المسألة الدستورية
لازما للفصل في الطلبات المرتبطة بها المطروحة أمام محكمة الموضوع.
(7) حق التقاضي - تشريع
"اتفاقية دولية - قوانين العمل".
ما تنص عليه المادة 15 من
اتفاقية تأسيس المصرف العربي الدولي من عدم سريان القوانين والقرارات المنظمة
لشؤون العمل الفردي على موظفي المصرف، ليس فيه ما ينتقص من حق التقاضي المكفول
دستوريا.
(8) دستور: مبدأ المساواة
"مضمونه".
لا يعنى هذا المبدأ
معاملة فئات المواطنين على ما بينها من تفاوت في مراكزها القانونية معاملة قانونية
متكافئة، عدم قيام هذا المبدأ على معارضة صور التمييز جميعها، التمييز المنهى عنه
بموجبه هو ذلك الذي يكون تحكميا. تعكس مشروعية الأغراض التي يستهدفها التنظيم التشريعي
إطارا للمصلحة العامة التي يسعى المشرع لبلوغها. مصادمة النص التشريعي بما انطوى
عليه من التمييز لهذه الأغراض يجعله غير قائم على أسس موضوعية ومتبنيا تمييزا
تحكميا.
(9) مبدأ المساواة
"نص المادة 15 من اتفاقية تأسيس المصرف العربي الدولي".
عدم انطواء النص المشار
إليه على إخلال بحق العاملين في المصرف في اللجوء إلى القضاء طلبا للنصفة فيما قد
يثور بينهم وبينه من منازعات، النعي عليه بمخالفة مبدأ المساواة غير صحيح.
----------------
1 ، 2 - جرى القضاء الدستوري
- في الدول الآخذة به - على استبعاد "الأعمال السياسية" من نطاق ولايته
وخروجها بالتالي من مجال رقابته على دستورية التشريع. وقد اختص الدستور وقانون المحكمة
الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 كلاهما هذه المحكمة دون غيرها
بالرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح، واستهدفا بذلك ضمان الشرعية
الدستورية بصون الدستور القائم وحمايته من الخروج على أحكامه، وترسيخ مفهوم
الديمقراطية التي أرساها سواء ما اتصل منه بتوكيد السيادة الشعبية - وهى جوهر
الديمقراطية - أو بكفالة الحريات والحقوق العامة - وهى هدفها - أو بالمشاركة في ممارسة
السلطة - وهى وسيلتها - وذلك على نحو ما جرت به نصوصه ومبادئه التي تمثل الأصول
والقواعد التي يقم عليها نظام الحكم وتستوى على القمة في مدارج البنيان القانوني،
ولها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام. ومن ثم يتعين - باعتبارها أسمى القواعد
الآمرة - التزامها، وإهدار ما يخالفها من تشريعات. وإذ كانت الرقابة القضائية على
دستورية القوانين واللوائح تجد أساسا لها - كأصل عام - في مبدأ الشرعية وسيادة
القانون وخضوع الدولة لأحكامه، إلا أنه يرد على هذا الأصل - وفقا لما جرى عليه
قضاء المحكمة الدستورية العليا - استبعاد "الأعمال السياسية" من مجال
هذه الرقابة القضائية تأسيسا على أن طبيعة هذه الأعمال تأبى أن تكون محلا لدعوى
قضائية. والعبرة في تحديد التكييف القانوني "للأعمال السياسية" هي
بطبيعة العمل ذاته لا بالأوصاف التي قد يخلعها المشرع عليه متى كانت طبيعته تتنافى
وهذه الأوصاف. ذلك أن استبعاد "الأعمال السياسية" من ولاية القضاء الدستوري
إنما يأتي تحقيقا للاعتبارات السياسية التي تقتضى - بسبب طبيعة هذه الأعمال
واتصالها بنظام الدولة السياسي اتصالا وثيقا أو بسيادتها في الداخل أو الخارج - النأي
بها عن نطاق الرقابة القضائية استجابة لدواعي الحفاظ على الدولة والذود عن سيادتها
ورعاية مصالحها العليا، مما يقتضى منح الجهة القائمة بهذه الأعمال - سواء كانت هي السلطة
التشريعية أو التنفيذية - سلطة تقديرية أوسع مدى وأبعد نطاقا تحقيقا لصالح الوطن
وسلامته، دون تخويل القضاء سلطة التعقيب على ما تتخذه في هذا الصدد، ولأن النظر
فيها والتعقيب عليها يستلزم توافر معلومات وضوابط وموازين تقدير لا تتاح للقضاء،
فضلا عن عدم ملاءمة طرح هذه المسائل علنا في ساحاته. ومن ثم فالمحكمة الدستورية
العليا وحدها هي التي تحدد - بالنظر إلى طبيعة المسائل التي تنظمها النصوص المطعون
عليها - ما إذا كانت النصوص المطروحة عليها تعتبر من "الأعمال السياسية"
فتخرج عن ولايتها بالرقابة على الدستورية، أو أنها لا تعتبر كذلك، فتبسط عليها
رقابتها.
3 - إنه وإن كانت نظرية
"الأعمال السياسية" - كقيد على ولاية القضاء الدستوري - تجد في ميدان
العلاقات والاتفاقيات الدولية معظم تطبيقاتها بأكثر مما يقع في المجال الداخلي،
نظرا لارتباط ذلك الميدان بالاعتبارات السياسية وسيادة الدولة ومصالحها العليا،
إلا أنه ليس صحيحا إطلاق القول بأن جميع الاتفاقيات الدولية - أيا كان موضوعها -
تعتبر من "الأعمال السياسية". كما أنه ليس صحيحا أيضا القول بأن
الاتفاقيات الدولية التي حددتها الفقرة الثانية من المادة 151 من الدستور،
واستلزمت عرضها على مجلس الشعب وموافقته عليها، تعتبر جميعا وبصفة تلقائية - من
"الأعمال السياسية" التي تخرج عن ولاية القضاء الدستوري، ذلك أن كلا
القولين السابقين يتناقض والأساس الذي تقوم عليه اعتبارات استبعاد هذه الأعمال من
الرقابة القضائية على دستوريتها، وهى اعتبارات ترجع إلى طبيعة الأعمال ذاتها، وليس
إلى طريقة أو إجراءات إبرامها والموافقة والتصديق عليها.
4 - إن البين من اتفاقية
تأسيس المصرف العربي الدولي ونظامه الأساسي الذي يعتبر - وفقا لمادتها الأولى -
جزءا لا يتجزأ منها - أن حكومات مصر وليبيا وسلطنة عمان اتفقت على تأسيس هذا
المصرف وقد انضم إليهم - حال إبرام الاتفاقية - أحد المواطنين الكويتيين. وقد فتحت
الاتفاقية باب الانضمام إليها وفقا لمادته الثانية - للحكومات العربية الأخرى،
وكذلك للبنوك والهيئات والمؤسسات والشركات العربية، وأيضا للأفراد العرب. ويقوم
هذا المصرف بالأعمال التجارية التي تقوم بها البنوك التجارية عادة من قبول للودائع
وتقديم للقروض وتحرير وتظهير للأوراق المالية والتجارية وتمويل لعمليات التجارة
الخارجية وتنظيم للمساهمة في برامج ومشروعات الاستثمار. وهو يزاول أعماله في مجال
التجارة الخارجية وفقا للقواعد والأسس المصرفية الدولية السائدة. وللمصرف الشخصية
القانونية، وله في سبيل تحقيق أغراضه إبرام اتفاقيات مع الدول الأعضاء أو غير
الأعضاء وكذلك مع المؤسسات الدولية الأخرى. وله التملك والتعاقد، ويديره مجلس
إدارة من ممثلين للمساهمين يتم اختيارهم لمدة ثلاث سنوات قابلة للتجديد. ومدة
المصرف خمسون عاما. وحدد النظام الأساسي للمصرف أحوال حله وكيفية تصفية أمواله،
ومؤدى ذلك، أن الاتفاقية المشار إليها إنما تتمحض عن إنشاء بنك يقوم بالأعمال التي
تقوم بها البنوك التجارية، فلا يسوغ اعتبارها من "الأعمال السياسية"
التي تنحسر عنها رقابة القضاء الدستوري، ولا يغير من ذلك ما تضمنته بعض نصوص
الاتفاقية من امتيازات معينة للمصرف أو لموظفيه أو لأموال المساهمين أو المودعين
التي دفعت الحكومات العربية الموقعة عليها إلى تأسيس. هذا المصرف.
5 - إن نطاق الدعوى
الدستورية يتحدد بنطاق الدفع بعدم الدستورية، وفى حدود النصوص التي صرحت محكمة
الموضوع للمدعى بالطعن عليها، وذلك استناداً إلى أن الأوضاع الإجرائية المنصوص
عليها في المادة 29 من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48
لسنة 1979 - سواء ما اتصل منها بطريقة رفع الدعوى أو بميعاد رفعها - تتعلق بالنظام
العام باعتبارها أشكالا جوهرية في التقاضي تغيا بها المشرع مصلحة عامة حتى ينتظم التداعي
في المسائل الدستورية بالإجراءات التي رسمها، وفى الموعد الذي حدده، إلا أن الدعوى
الدستورية التي تتضمن طعنا بعدم دستورية نص قانوني تطرح ابتداء أمام المحكمة مدى
توافر مقوماته الشكلية التي لا يستقيم بتخلفها وجوده من الناحية القانونية. كذلك
فإن الطعن بعدم دستورية نص في اتفاقية دولية إنما يطرح بحكم اللزوم توافر
المتطلبات الشكلية التي استلزمتها المادة 151 من الدستور ليكون للاتفاقية قوة
القانون وذلك فيما يتعلق بإبرامها والتصديق عليها ونشرها وفقا للأوضاع المقررة.
6 - إن المصلحة الشخصية
المباشرة - وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية - مناطها - على ما جرى به قضاء هذه
المحكمة - أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية،
وذلك بأن يكون الحكم في المسألة الدستورية لازما للفصل في الطلبات المرتبطة بها
المطروحة أمام محكمة الموضوع، بما مؤداه أن شرط المصلحة الشخصية المباشر يعتبر
متصلا بالحق في الدعوى ومرتبطا بالخصم الذي أثار المسألة الدستورية وليس بهذه
المسألة في ذاتها منظورا إليها بصفة مجردة ومن ثم يبرز شرط المصلحة الشخصية
المباشرة باعتباره مبلورا فكرة الخصومة في الدعوى الدستورية، محددا نطاق المسألة
الدستورية التي تدعى هذه المحكمة للفصل فيها، منفصلا دوما عن موافقة النص التشريعي
المطعون عليه لأحكام الدستور أو مخالفته لضوابطه، مستلزما أبدا أن يكون الحكم
الصادر في المسألة الدستورية موطئا للفصل في مسألة كلية أو فرعية تدور حولها
الخصومة في الدعوى الموضوعية.
7 - ليس في نص المادة 15
من الاتفاقية المذكورة ما ينتقص من حق التقاضي المكفول دستوريا، ذلك أن عدم سريان
القوانين والقرارات المنظمة لشئون العمل الفردي على العاملين بالمصرف لا يتضمن
منعهم من اللجوء إلى القضاء ولا يحجب القضاء عن الفصل - بحيدة واستقلال - في المنازعات
القائمة بينهم والمصرف.
8 - إن مبدأ المساواة
الذي كفله الدستور في المادة 40 منه لا يعنى - على ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة -
وجوب معاملة الجميع على ما بينهم من تفاوت في مراكزهم القانونية معاملة قانونية
متكافئة، ولا يقوم هذا المبدأ على معارضة صور التمييز جميعها، ذلك أن من بينها ما
يستند إلى أسس موضوعية فلا ينطوي بالتالي على مخالفة النص الدستوري المشار إليه،
بما مؤداه أن التمييز المنهى عنه دستوريا هو ذلك الذي يكون تحكميا، ذلك أن كل
تنظيم تشريعي لا يعتبر مقصودا لذاته بل لتحقيق أغراض بعينها تعكس مشروعيتها إطارا
للمصلحة العامة التي يسعى المشرع إلى تحقيقها من وراء هذا التنظيم، فإذا كان النص التشريعي
منطويا على تمييز يعتبر مصادما لهذه الأغراض بحيث يستحيل منطقيا ربطه بها أو اعتباره
مدخلا إليها، وقع التمييز تحكميا غير مستند إلى أسس موضوعية مجافيا لمبدأ المساواة
القانونية الذي كفله الدستور.
9 - إنشاء المصرف العربي الدولي
تم بمقتضى اتفاقية دولية وقعتها الحكومات الثلاث المؤسسة له، وفتحت باب الانضمام
إليها للحكومات والهيئات والمؤسسات العربية الأخرى، وأجازت إنشاء فروع أو توكيلات
له في البلدان العربية وخارجها، ونصت على أن جميع معاملاته لا تتم إلا بالعملات
الحرة القابلة للتحويل التي يحددها مجلس الإدارة، كما نصت على بعض المزايا
الممنوحة للمصرف والمساهمين والمودعين فيه وعلى مزايا تمنح للعاملين به كالحصانة
ضد الإجراءات القانونية فيما يقومون به من أعمال بصفتهم الرسمية، والإعفاء من قيود
الهجرة وإجراءات تسجيل الأجانب وتحويل حقوقهم إلى موطنهم الأصلي، وذلك بالنسبة لموظفي
المصرف من غير رعايا دولة المقر، فإن ذلك - وإن لم يسبغ على اتفاقية تأسيس المصرف
صفة الأعمال السياسية "التي تخرجها عن ولاية الرقابة القضائية على
الدستورية" يجعل لهذا المصرف - والعاملين به وضعا خاصا ومركزا قانونيا يختلف
فيه عن بنوك القطاع العام والخاص الأخرى. ومراعاة لهذا الوضع الخاص واستهدافا
لتوفير أكبر قدر من المرونة في إدارة المصرف، ورد النص المطعون عليه، ليخول مجلس
إدارته - وفقا للمادة 34 من نظامه الأساسي - وضع نظام خاص للعاملين به. وإذ كان
هذا النص لا يتضمن إخلالا بحق العاملين في المصرف في اللجوء إلى القضاء طلبا
للنصفة فيما قد يثور بينهم وبينه من منازعات، فإن النعي بمخالفته مبدأ المساواة لا
يكون له من أساس.
الإجراءات
بتاريخ 9 أبريل سنة 1992
أودع المدعى قلم كتاب المحكمة صحيفة الدعوى الماثلة طالبا الحكم بعدم دستورية قرار
رئيس الجمهورية رقم 547 لسنة 1974 بشأن الموافقة على اتفاقية تأسيس المصرف العربي الدولي
للتجارة الخارجية والتنمية والنظام الأساسي الملحق بها، ونصوص المواد 9، 12، 13،
15 من هذه الاتفاقية.
وقدم المدعى عليه الثالث
مذكرة طلب فيها أصليا القضاء بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى، واحتياطيا الحكم
بعدم قبولها بالنسبة إلى الطعن على نصوص المواد 9، 12، 13 من الاتفاقية ورفضها بالنسبة
للطعن على نص المادة 15 منها.
وقدمت هيئة قضايا الدولة
مذكرة، رددت فيها ذات طلبات المدعى عليه الثالث.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت
هيئة المفوضين تقريرا برأيها.
ونظرت الدعوى على الوجه
المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق،
والمداولة.
وحيث إن الوقائع - على ما
يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - تتحصل في أن المدعى - وهو أحد العاملين
بالمصرف العربي الدولي للتجارة الخارجية والتنمية - كان قد أقام الدعوى رقم 31
لسنة 1992 عمال كلي الإسكندرية طالبا الحكم بصفة مستعجلة بإيقاف القرار الذي أصدره
المصرف بنقله إلى القاهرة، وإعادته إلى مقر عمله بفرع الإسكندرية، وترقيته إلى
الشريحة السابعة، وتقليده رئاسة الحسابات بالفرع المذكور، وإلزام المصرف بتعويضه
بمبلغ 350.000 ثلاثمائة وخمسون ألفاً من الجنيهات لقاء ما أصابه من أضرار من جراء
قرار نقله. وبجلسة 8 مارس سنة 1992، دفع الحاضر عن المصرف بعدم اختصاص المحكمة
بنظر الدعوى على سند من المادة 15 من اتفاقية تأسيس المصرف التي تستبعد تطبيق
قانون عقد العمل الفردي على العاملين بالمصرف، فدفع المدعى - بدوره - بعدم دستورية
نصوص المواد 9، 12، 13، 15 من تلك الاتفاقية. وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية دفعه،
صرحت له باتخاذ إجراءات الطعن بعدم دستورية هذه النصوص، فأقام الدعوى الماثلة طعنا
على المواد سالفة الذكر وعلى قرار رئيس الجمهورية رقم 547 لسنة 1974 بالموافقة على
الاتفاقية المشار إليها.
وحيث إن المدعى عليهما
الأول والثالث دفعا بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى الراهنة تأسيسا على أن
اتفاقية تأسيس المصرف المشار إليه وقرار رئيس الجمهورية الصادر بالموافقة عليها
يعتبران من أعمال السيادة التي تنأى بحسب طبيعتها أن تكون محلا للرقابة القضائية،
بمقولة أن إنشاء هذا المصرف إنما استهدف بناء الاقتصاد العربي على أساس متين تلبية
لمتطلبات التنمية العربية الاقتصادية والاجتماعية، وأن قرار رئيس الجمهورية
بالموافقة على هذه الاتفاقية صدر بعد موافقة مجلس الشعب عليها لاندراجها ضمن
الاتفاقيات التي حددتها حصرا الفقرة الثانية من المادة 151 من الدستور.
وحيث إنه وإن كانت أعمال
السيادة في أصلها الفرنسي قضائية المنشأ، إذ ظهرت أول الأمر في ساحة القضاء الإداري
الفرنسي، إلا أنها في مصر ذات أساس تشريعي يرتد إلى بداية التنظيم القضائي الحديث،
فقد أقرها المشرع - بنصوص صريحة - في صلب التشريعات المتعاقبة المنظمة للسلطة
القضائية، وقد جرى القضاء الدستوري - في الدول الآخذة به - على استبعاد الأعمال
السياسية" من نطاق ولايته وخروجها بالتالي من مجال رقابته على دستورية
التشريع.
وحيث إن الدستور وقانون
المحكمة الدستورية العليا بالقانون رقم 48 لسنة 1979 قد اختصا هذه المحكمة دون
غيرها بالرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح، واستهدفا بذلك ضمان
الشرعية الدستورية بصون الدستور القائم وحمايته من الخروج على أحكامه، وترسيخ
مفهوم الديمقراطية التي أرساها سواء ما اتصل منه بتوكيد السيادة الشعبية - وهى
جوهر الديمقراطية - أو بكفالة الحريات والحقوق العامة - وهى هدفها - أو بالمشاركة
في ممارسة السلطة - وهى وسيلتها - وذلك على نحو ما جرت به نصوصه ومبادئه التي تمثل
الأصول والقواعد التي يقوم عليها نظام الحكم وتستوى على القمة في مدارج البنيان القانوني
ولها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام. ومن ثم يتعين - باعتبارها أسمى القواعد
الأمرة - التزامها، وإهدار ما يخالفها من تشريعات. وإذ كانت الرقابة القضائية على
دستورية القوانين واللوائح تجد أساسها - كأصل عام - في مبدأ الشرعية وسيادة
القانون وخضوع الدولة له، إلا أنه يرد على هذا الأصل - وفقا لما جرى عليه قضاء هذه
المحكمة - استبعاد "الأعمال السياسية" من مجال هذه الرقابة القضائية
تأسيسا على أن طبيعة هذه الأعمال تأبى أن تكون محلا لدعوى قضائية.
وحيث إن العبرة في تحديد
التكييف القانوني "للأعمال السياسية" وعلى ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة
- هي بطبيعة العمل ذاته لا بالأوصاف التي قد يخلعها المشرع على متى كانت طبيعته
تتنافى وهذه الأوصاف، ذلك أن استبعاد "الأعمال السياسية" من ولاية
القضاء الدستوري إنما يأتي تحقيقا للاعتبارات السياسية التي تقتضى - بسبب طبيعة
هذه الأعمال واتصالها بنظام الدولة السياسي اتصالا وثيقا أو بسيادتها في الداخل أو
الخارج - النأي بها عن نطاق الرقابة القضائية استجابة لدواعي الحفاظ على الدولة
والذود عن سيادتها ورعاية مصالحها العليا، مما يقتضى منح الجهة القائمة بهذه
الأعمال - سواء كانت هي السلطة التشريعية أو التنفيذية - سلطة تقديرية أوسع مدى
وأبعد نطاقا تحقيقا لصالح الوطن وسلامته، دون تخويل القضاء سلطة التعقيب على ما
تتخذه في هذه الصدد، ولأن النظر فيها والتعقيب عليها يستلزم توافر معلومات وضوابط
وموازين تقدير لا تتاح للقضاء، فضلا عن عدم ملاءمة طرح هذه المسائل علنا في ساحاته.
ومن ثم فالمحكمة الدستورية العليا وحدها هي التي تحدد - بالنظر إلى طبيعة المسائل
التي تنظمها النصوص المطعون عليها - ما إذا كانت النصوص المطروحة عليها تعتبر من
"الأعمال السياسية" فتخرج عن ولايتها بالرقابة على الدستورية، أم أنها
ليست كذلك فتبسط عليها رقابتها.
وحيث إنه وإن كانت نظرية
"الأعمال السياسية" - كقيد على ولاية القضاء الدستوري - تجد في ميدان
العلاقات ولاتفاقيات الدولية معظم تطبيقاتها بأكثر مما يقع في المجال الداخلي،
نظرا لارتباط ذلك الميدان بالاعتبارات السياسية وسيادة الدولة ومصالحها العليا،
إلا أنه ليس صحيحا إطلاق القول بأن جميع الاتفاقيات الدولة - أيا كان موضوعها -
تعتبر من "الأعمال السياسية". كما أنه ليس صحيحا أيضا القول بأن
الاتفاقيات الدولية التي حددتها الفقرة الثانية من المادة 151 من الدستور واستلزمت
عرضها على مجلس الشعب وموافقته عليها، تضحى جميعها - وتلقائيا - من "الأعمال
السياسية" التي تخرج عن ولاية القضاء الدستوري، ذلك أن كلا القولين السابقين
يتناقض والأساس الذي تقوم عليه اعتبارات استبعاد هذه الأعمال من الرقابة القضائية
على دستوريتها، وهى اعتبارات ترجع إلى طبيعة الأعمال ذاتها وليس إلى طريقة أو
إجراءات إبرامها والتصديق عليها.
وحيث إن البين من اتفاقية
تأسيس المصرف العربي الدولي ونظامه الأساسي الذي يعتبر - وفقا لمادتها الأولى -
جزءا لا يتجزأ منه، أن حكومات مصر وليبيا وسلطنة عمان اتفقت على تأسيس هذا المصرف
وقد انضم إليهم - حال إبرام الاتفاقية - أحد المواطنين الكويتيين. وقد فتحت
الاتفاقية باب الانضمام إليها - وفقا لمادتها الثانية - للحكومات العربية الأخرى
وكذلك للبنوك والهيئات والمؤسسات والشركات العربية وأيضا للأفراد العرب، وأن هذا
المصرف بالأعمال التجارية التي تقوم بها البنوك التجارية عادة من قبول للودائع
وتقديم للقروض وتحرير وتظهير للأوراق المالية والتجارية وتمويل لعمليات التجارة
الخارجية وتنظيم للمساهمة في برامج ومشروعات الاستثمار، وأن المصرف يزاول أعماله
في مجال التجارة الخارجية وفقا للقواعد والأسس المصرفية الدولية السائدة، وان يكون
للمصرف الشخصية القانونية وله في سبيل تحقيق أغراضه إبرام اتفاقيات مع الدول
الأعضاء أو غير الأعضاء وكذلك مع المؤسسات الدولية الأخرى. وله التملك والتعاقد،
ويديره مجلس إدارة من ممثلين للمساهمين يتم اختيارهم لمدة ثلاث سنوات قابلة
للتجديد. و أن مدة المصرف خمسون عام، وحدد النظام الأساسي للمصرف أحوال حله وكيفية
تصفية أمواله.
وحيث إن مؤدى ما تقدم، أن
الاتفاقية المشار إليها إنما تتمحض عن إنشاء بنك يقوم بالأعمال التي تقوم بها
البنوك التجارية، فلا يسوغ اعتبارها من "الأعمال السياسية" التي تنحسر
عنها رقابة القضاء الدستوري، ولا يغير من ذلك ما تضمنته بعض نصوص الاتفاقية من
امتيازات معينة للمصرف أو لموظفيه أو لأموال المساهمين أو المودعين فيه. كما لا
يغير من ذلك ما ورد بصدر هذه الاتفاقية بشأن البواعث التي دفعت الحكومات العربية الموقعة
عليها إلى تأسيس هذا المصرف. ومن ثم يكون الدفع بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى
الماثلة قائما على غير أساس واجب الاطراح.
وحيث إنه وإن كان الثابت
من الأوراق أن المدعى قد قصر دفعه بعدم الدستورية الذي أبداه أمام محكمة الموضوع
على نصوص المواد 9، 12، 13، 15 من اتفاقية تأسيس المصرف المشار إليه، وفى هذه
الحدود فحسب قدرت تلك المحكمة جدية الدفع وصرحت له باتخاذ إجراءات الطعن بعدم
الدستورية، وكان المقرر - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن نطاق الدعوى
الدستورية يتحدد بنطاق الدفع بعدم الدستورية وفى حدود النصوص التي صرحت محكمة
الموضوع للمدعى بالطعن عليها، وذلك استنادا إلى أن الأوضاع الإجرائية المنصوص
عليها في المادة 29 من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48
لسنة 1979 - سواء ما اتصل منها بطريقة رفع الدعوى أو بميعاد رفعها - تتعلق بالنظام
العام باعتبارها أشكالا جوهرية في التقاضي في المسائل الدستورية تغيا بها المشرع
مصلحة عامة حتى ينتظم التداعي في المسائل الدستورية بالإجراءات التي رسمها وفى
الموعد الذي حدده، إلا أن الدعوى الدستورية التي تتضمن طعنا بعدم دستورية نص قانوني
تطرح ابتداء أمام المحكمة مدى توافر مقوماته الشكلية التي لا يستقيم بتخلفها وجوده
من الناحية القانونية. كذلك فإن الطعن بعدم دستورية نص في اتفاقية دولية إنما يطرح
بحكم اللزوم توافر المتطلبات الشكلية التي استلزمتها المادة 151 من الدستور ليكون
للاتفاقية قوة القانون، وذلك فيما يتعلق بإبرامها والتصديق عليها ونشرها وفقا
للأوضاع المقررة. ومن ثم فإن الطعن على النصوص سالفة الذكر إنما يتسع كذلك للنظر
في قرار رئيس الجمهورية رقم 547 لسنة 1974 بالموافقة على الاتفاقية المشار إليها،
ولو لم ترخص محكمة الموضوع للمدعى بالطعن عليه.
وحيث إن المصلحة الشخصية
المباشرة - وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية - مناطها - على ما جرى به قضاء هذه
المحكمة - أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية،
وذلك بأن يكون الحكم في المسألة الدستورية لازما للفصل في الطلبات المرتبطة بها
المطروحة أمام محكمة الموضوع، بما مؤداه أن شرط المصلحة الشخصية المباشر يعتبر
متصلا بالحق في الدعوى ومرتبطا بالخصم الذي أثار المسألة الدستورية وليس بهذه
المسألة في ذاتها منظورا إليها بصفة مجردة. ومن ثم يبرز شرط المصلحة الشخصية
المباشرة باعتباره مبلورا فكرة الخصومة في الدعوى الدستورية، محددا نطاق المسألة
الدستورية التي تدعى هذه المحكمة للفصل فيها، منفصلا دوما عن موافقة النص التشريعي
المطعون عليه لأحكام الدستور أو مخالفته لضوابطه، مستلزما أبدا أن يكون الحكم
الصادر في المسألة الدستورية موطئا للفصل في مسألة كلية أو فرعية تدور حولها
الخصومة في الدعوى الموضوعية.
وحيث إن المدعى إنما
يستهدف بدعواه الموضوعية إلغاء قرار نقله إلى القاهرة وإعادته إلى العمل بفرع
المصرف بالإسكندرية وترقيته إلى الشريحة السابعة وتقليده رئاسة الحسابات بفرع الإسكندرية،
وتعويضه عما أصابه من أضرار نتيجة لنقله. وإذ دفع المدعى عليه في تلك الدعوى بعدم
اختصاص محكمة الموضوع بنظرها، أثار المدعى دفعه بعدم دستورية مواد الاتفاقية
الأربع السالف الإشارة إليها.
وحيث إن المادة 9 من
الاتفاقية تحظر تأميم أو مصادرة المصرف أو فرض الحراسة عليه أو على أنصبة الأشخاص
- الاعتبارية أو الطبيعية - في رأس ماله أو على المبالغ المودعة به، وتمنع اتخاذ
إجراءات الحجز القضائي أو الإداري عليها. كما تقرر المادة 12 عدم خضوع المصرف
وفروعه وتوكيلاته وسجلاته ووثائقه ومحفوظاته لقوانين وقواعد الرقابة والتفتيش القضائي
أو الإداري أو المحاسبي. وتنص المادة 13 على سرية حسابات المودعين وعدم جواز اتخاذ
إجراءات الحجز القضائي والإداري عليها. إذ كان ذلك، وكانت أحكام هذه النصوص جميعها
لا أثر لها على الطلبات والدفوع المطروحة في الدعوى الموضوعية، ومن ثم فلا تتوافر
للمدعى مصلحة في الطعن بعدم دستورية نصوص المواد الثلاث سالفة الذكر.
وحيث إن المادة 15 من
اتفاقية تأسيس المصرف تنص على أنه "لا تسرى على رئيس وأعضاء مجلس إدارة
المصرف وجميع موظفيه القوانين والقرارات المنظمة لشئون العمل الفردي والتوظيف
والأجور والمرتبات والمكافآت والمعاشات والتأمينات الاجتماعية سواء في الحكومة أو
المؤسسات العامة والشركات التابعة لها أو الشركات المساهمة. وكذلك لا تسرى عليهم
كافة القواعد المنظمة لسفر الموظفين والعمال. ويتمتع رئيس وأعضاء مجلس إدارة
المصرف وجميع موظفيه بحصانة ضد الإجراءات القانونية فيما يتعلق بالأعمال القانونية
التي يقومون بها بصفتهم الرسمية، وإذا لم يكونوا من رعايا دولة المقر الرئيسي،
فإنهم يمنحون نفس الحصانات ويعفون من قيود الهجرة وإجراءات تسجيل الأجانب"،
وكان المدعى قد أبدى - في الدعوى الموضوعية - دفعه بعدم دستورية نص تلك المادة ردا
على الدفع بعدم اختصاص محكمة الموضوع على سند من عدم سريان قانون العمل الفردي على
موظفي البنك، فإن مصلحة المدعى في الدعوى الدستورية الماثلة تقتصر - والحالة هذه -
على طلب الحكم بعدم دستورية النص سالف الذكر فيما تضمنه من عدم سريان القوانين
والقرارات المنظمة لشئون العمل الفردي على موظفي المصرف، أما الأحكام الأخرى التي تنص
عليها تلك المادة فلا علاقة لها بالدعوى الموضوعية أو بالطلبات والدفوع المطروحة
فيها، ومن ثم فلا تتوافر للمدعى مصلحة في الطعن عليها.
وحيث إن المدعى ينعى على
النص المطعون عليه - بالتحديد السالف بيانه - إخلاله بحق التقاضي الذي كفله
الدستور في المادة 68 للناس كافة، بمقولة أنه إذ يؤدى إلى عدم اختصاص المحكمة
العمالية بالفصل في دعواه الموضوعية، فإنها تصبح بغير قاض يختص بنظرها بما يفضى
إلى إنكار العدالة، طالما أن اتفاقية تأسيس المصرف لم تنشئ جهازا قضائيا خاصا
يتولى فض المنازعات بين المصرف والعاملين به.
وحيث إن هذا النعي مردود،
ذلك أن ليس في النص المطعون عليه ما ينتقص من حق التقاضي المكفول دستوريا بحلقاته
الثلاث بدءا من النفاذ الميسر إلى القضاء وانتهاء بالترضية القضائية التي تكفل رد
العدوان على الحقوق مرورا بحيدة المحكمة التي تتولى الفصل في النزاع وحصانة
واستقلال أعضائها وتوفر الضمانات الإجرائية والموضوعية التي تكفل حق الدفاع، ذلك
أن عدم سريان القوانين والقرارات المنظمة لشئون العمل الفردي على العاملين بالمصرف
لا يتضمن منعهم من اللجوء إلى القضاء ولا يحجب القضاء عن الفصل - بحيدة واستقلال -
في المنازعات القائمة بينهم والمصرف. ومن ثم تكون قالة إخلال النص المطعون عليه
بحق التقاضي فاقدة لأساسها.
وحيث إن المدعى ينعى على
النص المطعون عليه كذلك أنه يخالف مبدأ المساواة الذي نص عليه الدستور في المادة
40 منه، بمقولة أنه يميز المصرف بمنحه حصانة لا وجود لها بالنسبة للبنوك الأخرى.
كما أنه يخل بحق العاملين به في المساواة بزملائهم العاملين بقطاع البنوك، إذ يهدر
حق العاملين بالمصرف في الالتجاء إلى القضاء لفض المنازعات القائمة بينهم وبين
المصرف.
وحيث إن هذا النعي -
بدوره - مردود، ذلك أن مبدأ المساواة الذي كفله الدستور في المادة 40 منه لا يعنى
- على ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة - وجوب معاملة الجميع على ما بينهم من تفاوت
في مراكزهم القانونية معاملة قانونية متكافئة. ولا يقوم هذا المبدأ على معارضة صور
التمييز جميعها، ذلك أن من بينها ما يستند إلى أسس موضوعية فلا ينطوي بالتالي على
مخالفة النص الدستوري المشار إليه، بما مؤداه أن التمييز المنهى عنه دستوريا هو
ذلك الذي يكون تحكميا، إذ أن كل تنظيم تشريعي لا يعتبر مقصودا لذاته، بل لتحقيق
أغراض بعينها تعكس مشروعيتها إطارا للمصلحة العامة التي يسعى المشرع إلى تحقيقها
من وراء هذا التنظيم. فإذا كان النص التشريعي منطويا على تمييز يعتبر مصادما لهذه
الأغراض بحيث يستحيل منطقيا ربطه بها أو اعتباره مدخلا إليها، وقع التمييز تحكميا
غير مستند إلى أسس موضوعية مجافيا لمبدأ المساواة القانونية الذي كفله الدستور.
متى كان ذلك، وكان إنشاء
هذا المصرف قد تم بمقتضى اتفاقية دولية وقعتها الحكومات الثلاث المؤسسة له، وفتحت
باب الانضمام إليها للحكومات والهيئات والمؤسسات العربية الأخرى، وأجازت إنشاء
فروع أو توكيلات له في البلدان العربية وخارجها، ونصت على أن جميع معاملاته لا تتم
إلا بالعملات الحرة القابلة للتحويل التي يحددها مجلس الإدارة، كما نصت على بعض
المزايا الممنوحة للمصرف والمساهمين والمودعين فيه وعلى مزايا تمنح للعاملين به
كالحصانة ضد الإجراءات القانونية فيما يقومون به من أعمال بصفتهم الرسمية،
والإعفاء من قيود الهجرة وإجراءات تسجيل الأجانب وتحويل حقوقهم إلى موطنهم الأصلي،
وذلك بالنسبة لموظفي المصرف من غير رعايا دولة المقر، فإن ذلك - وإن لم يسبغ على
اتفاقية تأسيس المصرف صفة الأعمال السياسية التي تخرجها عن ولاية الرقابة القضائية
على الدستورية - يجعل لهذا المصرف - والعاملين به وضعا خاصا ومركزا قانونيا يختلف
فيه عن بنوك القطاع العام أو الخاص الأخرى. ومراعاة لهذا الوضع الخاص واستهدافا
لتوفير أكبر قدر من المرونة في إدارة المصرف، ورد النص المطعون عليه، ليخول مجلس
إدارته - وفقا للمادة 34 من نظامه الأساسي - وضع نظام خاص للعاملين به. وإذ كان
هذا النص المطعون عليه لا يتضمن - كما سبق البيان - إخلالا بحق العاملين في المصرف
في اللجوء إلى القضاء للنصفة فيما قد يثور بينهم وبينه من منازعات، فإن النعي
بمخالفة النص المطعون عليه لمبدأ المساواة لا يكون له من أساس.
وحيث إن النص المطعون
عليه لا يخالف أحكام الدستور من أى وجه آخر.
فلهذه الأسباب:
حكمت المحكمة بعدم قبول
الدعوى بالنسبة إلى الطعن بعدم دستورية المواد أرقام 9، 12، 13 من اتفاقية تأسيس
المصرف العربي الدولي للتجارة الخارجية والتنمية، وبرفضها بالنسبة إلى الطعن بعدم
دستورية ما تتضمنه المادة 15 منها من استبعاد تطبيق القوانين والقرارات المنظمة
لشئون العمل الفردي على العاملين بالمصرف، وبمصادره الكفالة، وألزمت المدعى
المصروفات، ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة.
صدر هذا الحكم من الهيئة
المبينة بصدره أما السيد المستشار محمد ولى الدين جلال الذي سمع المرافعة وحضر
المداولة ووقع مسودة هذا الحكم فقد جلس بدله عند تلاوته السيد المستشار محمد عبد
القادر عبد الله.