الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 6 يناير 2022

القضية 23 لسنة 12 ق جلسة 2/ 1 / 1993 دستورية عليا مكتب فني 5 ج 2 دستورية ق 12 ص 131

جلسة 2 يناير سنة 1993

برئاسة السيد المستشار الدكتور/ عوض محمد عوض المر رئيس المحكمة، وحضور السادة المستشارين/ الدكتور محمد إبراهيم أبو العينين ومحمد ولي الدين جلال وفاروق عبد الرحيم غنيم وعبد الرحمن نصير والدكتور عبد المجيد فياض ومحمد على سيف الدين - أعضاء،

وحضور السيد المستشار/ محمد خيرى طه عبد المطلب - المفوض،

وحضور السيد/ رأفت محمد عبد الواحد - أمين السر.

-------------

قاعدة رقم (12)
القضية رقم 23 لسنة 12 قضائية "دستورية"

(1) دعوى دستورية "المصلحة فيها".
تتمثل مصلحة المدعيتان في الدعوى الماثلة في الطعن على ما تضمنه البند (1) من المادة (32) من القانون رقم 14 لسنة 1939 المعدل بالقانون رقم 46 لسنة 1978 من إخضاع أرباحهما المقدرة عن تصرفيهما لسعر الضريبة على الأرباح التجارية والصناعية - أساس ذلك.
(2) دعوى دستورية "المطاعن الشكلية: وجوب تحريها ابتداء".
العيوب الشكلية - وبالنظر إلى موضوعها - لا يتصور أن يكون بحثها تاليا للخوض في المطاعن الموضوعية، ولكنها تتقدمها، ويتعين على المحكمة الدستورية العليا أن تتحراها ابتداء ولو كان نطاق الطعن المعروض عليها محددا في إطار المطاعن الموضوعية دون سواها.
(3) دعوى دستورية "المطاعن الشكلية: اقتصار الطعن عليها - أثره".
إذا كان نطاق الطعن منحصرا في المطاعن الشكلية، فإن قضاء المحكمة بشأنها، يكون متعلقا بها وحدها، ولا يعتبر مطهرا للنصوص المطعون عليها من مثالبها الموضوعية، أو مانعا كل ذى مصلحة من طرحها على المحكمة وفقا لقانونها.
(4) دعوى دستورية "المطاعن الموضوعية: أثر الحكم الصادر فيها".
قضاء المحكمة الدستورية العليا في مخالفة دستورية موضوعية، مؤداه استيفاء النص المطعون عليه - لزوما - لأوضاعه الشكلية المنصوص عليها في الدستور.
(5) دعوى دستورية "حجية الأحكام الصادرة فيها".
الأحكام الصادرة في الدعاوى الدستورية - وسواء أكانت المطاعن المثارة فيها من طبيعة شكلية أو موضوعية - لها حجية مطلقة.
(6) العيوب الشكلية "مبناها".
مبنى العيوب الشكلية مخالفة النص التشريعي المطعون عليه للأوضاع الإجرائية التي يتطلبها الدستور.
(7) تشريع "القانون رقم 46 لسنة 1978 بشأن تحقيق العدالة الضريبية - الطعن على المادة 56 منه لعيب شكلي - أثره".
قضاء المحكمة الدستورية العليا بتوافر الأغلبية الخاصة التي يتطلبها الدستور لإقرار الأثر الرجعى للمادة 56 من القانون رقم 46 لسنة 1978 يعتبر متعلقا بمطاعن شكلية، وغير مطهر لهذا النص من عيوبه الموضوعية التي يجوز لكل ذي مصلحة أن يطرحها على هذه المحكمة وفقا لقانونها.
(8) رقابة دستورية "تشريع - خلوه من العيوب الشكلية لا يحول دون الطعن على محتواه الموضوعي".
استيفاء نص تشريعي معين للشكلية التي يتطلبها الدستور لإقرار أثره الرجعى، لا يعصمه من الخضوع - في محتواه الموضوعي - للرقابة الدستورية.
(9) دستور "سموه - أثر ذلك".
سمو الدستور مؤداه تصدره البنيان القانوني للدولة - ولازم ذلك ضرورة موافقة النص التشريعي للدستور شكلا وموضوعا.
(10) دعوى دستورية "مناط المصلحة فيها: ارتباطها بالمصلحة في الدعوى الموضوعية - إلغاء النص المطعون فيه - بقاء أثره: تحقق المصلحة".
مناط المصلحة أن يكون الحكم في المسألة الدستورية لازما للفصل في الطلبات المرتبطة بها والمطروحة في الدعوى الموضوعية، ولا يعنى إلغاء نص المادة 56 من القانون رقم 46 لسنة 1978 - إسقاط آثارها المترتبة خلال فترة نفاذها، ومن ثم تتوافر المصلحة الشخصية في الطعن عليها بالنسبة إلى من ترتبت في حقه هذه الآثار.
(11) قوانين ضريبية "طبيعتها - غرض الدولة منها - المساواة في أدائها - الإعفاء منها - رجعيتها - توزيع الأعباء من خلالها".
لا تعتبر القوانين الضريبية من القوانين الجزائية - وليس من شأنها تعديل آثار العقود بين أطرافها - ولكنها وسيلة تلجأ إليها الدولة، محققة بها قدرا من التناسب بين أعبائها المالية من ناحية، وبين ما ينبغي أن يؤديه إليها هؤلاء الذين يستفيدون أكثر من غيرهم بخدماتها من ناحية أخرى، ويعتبر المواطنون جميعا على قدم المساواة في مجال فرض الضريبة، وليس لأحد منهم حصانة تعفيه من أدائها إلا في الأحوال التي يبينها القانون ووفق ضوابط موضوعية لا تقيم في مجال تطبيقها تمييزا بين المخاطبين بها - مجرد رجعية القوانين الضريبية جائزة من الناحية الدستورية بموافقة الأغلبية التي يتطلبها الدستور، وان كان الأصل هو ألا يلجأ المشرع لتقرير الرجعية إلا إذا أملتها مصلحة اجتماعية لها وزنها، لما للرجعية من آثار خطيرة في محيط العلاقات القانونية - ويتعين دوما أو تتوافر المرونة الكافية للسلطة التشريعية في ممارسة ولايتها في توزيع الأعباء المالية للدولة توزيعا منصفا من خلال الضريبة - وبمراعاة عدم الإخلال بالمراكز القانونية المتماثلة.
(12) ضريبة "بواعثها - رجعيتها".
بواعث الضريبة هي مما يستقل المشرع بتقديره. وتعتبر رجعية الضريبة مخالفة للدستور حال ارتكانها إلى مصلحة غير مشروعة، أو توخيها مصلحة مشروعة دون ارتباطها بالنصوص القانونية المنظمة لها برابطة منطقية، ويتحقق ذلك بوجه خاص، كلما كان معدل الضريبة وأحوال فرضها مناقضا للأسس الموضوعية التي ينبغي أن تقوم عليها. وفى مجال تقدير المصلحة المشروعة يتعين التسليم للإدارة المالية بالسلطة الكاملة التي تتمكن بها من تعديل أسس ضريبة قديمة - ولو بأثر رجعى - كلما كان ذلك لازما لإعادة الموازين الدقيقة إلى ضريبة دل العمل من خلال تطبيقها على أنها غير عادلة.
(13) ضريبة - "تطبيقها في شأن تصرفات قانونية تم إبرامها قبل صدور قانون الضريبة".
مجرد تحقق الواقعة المنشئة للضريبة قبل صدور قانونها، هو الأثر الرجعى بعينه، وهو جائز دستوريا - يلزم لانتفاء المصلحة المشروعة في مجال تقرير رجعية الضريبة التي فرضها المشرع على تصرفات قانونية سابقة ناقلة للملكية، استحالة توقعها عقلا من جانب المكلفين بأدائها حين تصرفهم ومباغتتها لهم. مناقضة الأثر الرجعى في هذه الحالة لمفهوم العدالة الاجتماعية الذي يقوم عليه النظام الضريبي طبقا للمادة 38 من الدستور. العدالة الاجتماعية ينافيها تعديل أسس ضريبة قائمة قدر الممولون تبعة تصرفاتهم القانونية على ضوء أحكامها، إذا ما قام الدليل على أنه ما كان في إمكانهم توقعها وقتئذ عقلا.
(14) ضريبة "المادة 56 من القانون رقم 46 لسنة 1978 - مخالفة أثرها الرجعى للدستور - أساس ذلك".
إقرار رجعية الضريبة على الأرباح التجارية والصناعية الناشئة عن التصرفات العقارية المشهرة اعتبارا من 1 يناير سنة 1974 وفقا للفقرة الأولى من المادة 56 من القانون رقم 46 لسنة 1978 بشأن تحقيق العدالة الضريبية، قائم على افتراض ما اعتبره المشرع ثراء مفاجئا حققه ممولو هذه الضريبة وقتئذ. مؤدى هذا الافتراض تحقق موجبه بالنسبة لهم جميعا. وهو ما لا دليل عليه ولا تظاهره أية مصلحه اجتماعية. شأن الرجعية في هذه الحالة إعاقة تداول الأموال والإخلال بالثقة المشروعية في التعامل. ومجافاة نص هذه الفقرة لمفهوم العدالة الاجتماعية.

------------------
1 - جرى قضاء المحكمة الدستورية العليا على أن المصلحة الشخصية المباشرة تعد شرطا لقبول الدعوى الدستورية، ومناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية وذلك بأن يكون الحكم في المسألة الدستورية لازما للفصل في الطلبات المرتبطة بها المطروحة على محكمة الموضوع. إذ كان ذلك، وكانت الفقرة الأولى من المادة 56 من القانون رقم 46 لسنة 1978 بشأن تحقيق العدالة الضريبية هي ما جرى تطبيقه إبان فترة نفاذها على تصرف المدعيتين بالبيع فيما كانتا تملكانه من أرض داخل كردون المدنية - وهو ما لا خلاف عليه بين طرفي الدعوى - وترتبت بمقتضاه أثار قانونية في حقهما ممثلة في إخضاع أرباحهما المقدرة عن تصرفيهما لسعر الضريبة على الأرباح التجارية والصناعية طبقا للفقرة الأخيرة من البند 1 من المادة 32 من القانون رقم 14 لسنة 1939 المعدل بالقانون رقم 46 لسنة 1978 بشأن تحقيق العدالة الضريبية. إذ كان ذلك، وكانت الفقرة الأولى من النص المطعون عليه تقضى بسريان هذا البند بأثر رجعى على التصرفات التي تم شهرها اعتبارا من أول يناير سنة 1974، دون الضريبة المفروضة على التصرفات العقارية و التي سبق استئداؤها منهما وفق سعرها المحدد في الفقرة الثالثة من هذا البند، وما نشأ عن ذلك من مديونيتهما بالفرق الزائد بين الضريبتين، وحدا بهما إلى الطعن في ربط الضريبة على الأرباح التجارية والصناعية وعناصرها عليهما أمام لجنة الطعن، ثم الطعن في قرار هذه اللجنة بشأنها أمام محكمة الموضوع، فاقتصر نزاعهما الموضوعي بذلك على تلك الضريبة، وكان لا مصلحة للمدعيتين في الطعن على الفقرة الرابعة من المادة 56 لانتفاء الصلة بين سائر أحكام القانون رقم 46 لسنة 1978 - والتي تقرر هذه الفقرة سريانها اعتبارا من أول يناير سنة 1978 - وبين طلباتهما المطروحة في دعواهما الموضوعية. إذ كان ذلك، فإن المسألة الدستورية المرتبطة بنزاعهما الموضوعي والمؤثرة فيه، إنما يتحدد إطارها ونطاقها في نص الفقرة الأولى من المادة 56، وذلك فيما قررته من فرض ضريبة الأرباح التجارية والصناعية على الأرباح الناتجة عن التصرفات العقارية الواقعة على الأراضي داخل كردون المدينة، السابق شهرها بدءا من أول يناير سنة 1974، مما يتعين معه الحكم بعدم قبول الدعوى فيما عدا هذا الشق منها.
2 - 5 - جرى قضاء المحكمة الدستورية العليا على أن الفصل فيما قد يدعى به أمامها من تعارض بين نص تشريعي وقاعدة موضوعية في الدستور، سواء بتقرير قيام المخالفة المدعى بها أو بنفيها، إنما يعد قضاء في موضوعها منطويا لزوما على استيفاء النص المطعون عليه للأوضاع الشكلية التي تطلبها الدستور، ومانعا من العودة إلى بحثها، ذلك أن العيوب الشكلية - وبالنظر إلى طبيعتها - لا يتصور أن يكون بحثها تاليا للخوض في المطاعن الموضوعية، ولكنها تتقدمها، ويتعين على هذه المحكمة بالتالي أن تتحراها بلوغا لغاية الأمر فيها، ولو كان نطاق الطعن المعروض عليها محددا في إطار المطاعن الموضوعية دون سواها. ومن ثم تفرض العيوب الشكلية ذاتها على المحكمة دوما. إذ يستحيل عليها أن تتجاهلها عند مواجهتها لأية مطاعن موضوعية، والأمر على نقيض ذلك حين يكون الطعن منحصرا في المطاعن الشكلية. إذ يكون قرار المحكمة بشأنها متعلقا بها وحدها. ولا يعتبر حكمها برفض هذه المطاعن مطهرا للنصوص المطعون عليها من مثالبها الموضوعية، أو مانعا كل ذى مصلحة من طرحها على المحكمة وفقا لقانونها. وأيا كانت المطاعن الموجهة إلى النصوص التشريعية، فإن قضاء المحكمة في شأنها - وفى الحدود المتقدمة - إنما يحوز حجية مطلقة في مواجهة الدولة بتنظيماتها المختلفة وبالنسبة إلى الكافة، وهى حجية لا يجوز إهدارها أو المساس بها، وتحول بذاتها دون إعادة عرض النزاع محلها من جديد على هذه المحكمة.
6 - العيوب الشكلية - على ما جرى به قضاء المحكمة الدستورية العليا - هي تلك التي يكون مبناها مخالفة نص تشريعي للأوضاع الإجرائية التي تطلبها الدستور سواء في ذلك ما كان منها متعلقا باقتراح النصوص التشريعية أو إقرارها أو إصدارها حال انعقاد السلطة التشريعية، أو ما كان منها متصلا بالشروط التي يتطلبها الدستور لممارسة رئيس الجمهورية الاختصاص بإصدارها في غيبة السلطة التشريعية أو بتفويض منها.
7 - قالة انتفاء الأغلبية الخاصة التي تطلبها الدستور في المادة 187 منه لإقرار رجعية الآثار التي رتبتها المادة 56 من القانون رقم 46 لسنة 1978 بشأن تحقيق العدالة الضريبية - وهو النص التشريعي المطعون فيه - لا تعدو أن يكون نعيا متعلقا بمطاعن شكلية صرفه، مقصورا عليها. وإذ خلص قضاء هذه المحكمة الصادر 6 بتاريخ 6 من يونيه سنة 1987 في الدعوى رقم 51 لسنة 6 قضائية "دستورية" إلى رفض هذا الوجه من النعي على أساس توافر الأغلبية الخاصة التي قيل بتخلفها بالنسبة إلى النص المطعون فيه، فإن هذا القضاء لا يطهر النص التشريعي المطعون عليه مما قد يكون عالقا به من مثالب موضوعية، ولا يعتبر مانعا كل ذى مصلحة من طرحها على هذه المحكمة وفقا لقانونها.
8 ، 9 - استيفاء النص التشريعي المطعون عليه للشكلية التي تطلبها الدستور لإقرار القوانين رجعية الأثر على ما سلف بيانه، لا يعصمه من الخضوع للرقابة التي تباشرها هذه المحكمة على دستورية القوانين واللوائح، وذلك كلما كان هذا النص - في محتواه الموضوعي - منطويا على إهدار لحق من الحقوق التي كفلها الدستور أو يفرض قيودا عليه تؤدي إلى الانتقاص منه. ذلك أن الدستور يتميز بطبيعة خاصة تضفى عليه السيادة والسمو بحسبانه كفيل الحريات وموئلها، وعماد الحياة الدستورية وأساس نظامها، فحق لقواعده - بالتالي - أن تستوى على القمة من البنيان القانوني للدولة، وأن تلتزم الدولة بالخضوع لأحكامه في تشريعها وقضائها وفى مجال مباشرتها لسلطتها التنفيذية. وفى نطاق هذا الالتزام وبمراعاة حدوده، لا يكفى لتقرير دستورية نص تشريعي معين أن يكون من الناحية الإجرائية موافقا للأوضاع الشكلية التي يتطلبها الدستور، بل يتعين فوق هذا أن يكون في محتواه ملتئما مع قواعد الدستور الموضوعية التي تعكس مضامينها القيم والمثل التي بلورتها الإرادة الشعبية، وكذلك الأسس التي تنتظم الجماعة وضوابط حركتها.
10 - جرى قضاء المحكمة الدستورية العليا على أن المصلحة الشخصية المباشرة تعد شرطا لقبول الدعوى الدستورية، ومناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم في المسألة الدستورية لازما للفصل في الطلبات المرتبطة بها المطروحة على محكمة الموضوع. إذ كان ذلك، وكانت الفقرة الأولى من المادة 56 من القانون رقم 46 لسنة 1978 بشأن تحقيق العدالة الضريبية هى التي جرى تطبيقها أبان فترة نفاذها، على تصرف المدعيتين بالبيع فيما كانتا تملكانه من أرض داخل كردون المدينة وترتبت بمقتضاها آثار قانونية في حقهما. ممثلة في إخضاع أرباحهما عنهما للضريبة على الأرباح التجارية والصناعية بأثر رجعى - وهو موضوع منازعتهما أمام محكمة الموضوع - متى كان ذلك، فإن إطار ونطاق المسألة الدستورية المرتبطة بهذا النزاع الموضوعي، ينحصر في نص الفقرة الأولى من هذه المادة وذلك فيما قررته من فرض الضريبة على الأرباح التجارية والصناعية بالنسبة للتصرفات الواقعة على الأراضي داخل كردون المدينة السابق شهرها اعتبارا من أول يناير سنة 1974.
11 - من المقرر أن القوانين الضريبية لا تعتبر بطبيعتها قوانين جزائية تقرر عقوبة جنائية، ولا هي تعدل من الآثار التي ترتبها العقود فيما بين أطرافها، ولكنها وسيلة تلجأ إليها الدولة محققة بها قدرا من التناسب بين أعبائها المالية ممثلة في التكاليف الكلية لنفقاتها، وبين ما ينبغى أن يؤديه إليها هؤلاء الذين يستفيدون أكثر من غيرهم من خدماتها، وحق عليهم بالتالي أن يتحملوا جانبا من أعباء الدولة ونصيبا من تبعاتها. وإذ كان المواطنون جميعهم معاملين على قدم المساواة في مجال أداء الفريضة الضريبية التي يلتزمون بها، وليس لأحد حصانة تعفيه من أدائها إلا في الأحوال التي يبينها القانون، ووفق ضوابط موضوعية لا تقيم في مجال تطبيقها تمييزا بين المخاطبين بها، فإن رجعية قانون الضريبة لا تدل في ذاتها - وبالضرورة - على مخالفة حكمها للدستور. وهو ما قررته المادة 187 منه بإجازتها الرجعية في غير المواد الجنائية بموافقة أغلبية أعضاء مجلس الشعب في مجموعهم. ولئن كان الأصل هو ألا يلجأ المشرع لتقرير رجعية الضريبة إلا إذا أملتها مصلحة اجتماعية لها وزنها، وذلك بالنظر إلى الآثار الخطيرة التي تحدثها الرجعية في محيط العلاقات القانونية، وما يلابسها بوجه خاص في أغلب الأحوال وأعمها من إخلال بالاستقرار وإهدار للثقة المشروعة في التعامل ومساس بالحقوق، وكان من المقرر كذلك أن توزيع الأعباء المالية للدولة توزيعا منصفا من خلال الضريبة، عملية بالغة التعقيد تكتنفها مخاطر عديدة مترامية في مداها، إلا أن ممارسة السلطة التشريعية لولايتها في هذا النطاق لا يجوز إنكارها، أو غل يدها عنها. بل يتعين أن يتوافر لهذه السلطة المرونة الكافية عند مراجعتها لقوانين ضريبية سابقة على ضوء ما أسفر عنه تطبيقها، وانطلاقا من ضرورة مواجهة الأعباء المتزايدة التي تتحملها الدولة في مجال نهوضها بالمرافق العامة، وبمراعاة عدم الإخلال بالمراكز القانونية المتماثلة. إذ لا يجوز بحال أن يميز قانون الضريبة - في غاياته أو آثاره - بين المخاطبين بالضريبة على غير أسس موضوعية، وإلا كان هذا التمييز تحكميا ومنهيا عنه بنص المادة 40 من الدستور.
12 - الضريبة في بواعثها هي مما يستقل المشرع بتقديره، إلا أن رجعية الضريبة ينال منها - ومن زاوية دستورية - أن تركن الدولة في تقريرها إلى مصلحة غير مشروعة، أو أن تتوخى - من خلال الأغراض التي تعمل الضريبة على بلوغها - تحقيق مصلحة مشروعة، ولكن النصوص التشريعية التي تدخل بها المشرع لإشباعها لا تربطها بها صلة منطقية. ويتحقق ذلك بوجه خاص كلما كان معدل الضريبة وأحوال فرضها مناقضا للأسس الموضوعية التي ينبغي أن تقوم عليها، إذ يعتبر تقريرها عندئذ مخالفا للدستور ولو كان الغرض من فرضها زيادة موارد الدولة لمقابلة مصلحة مشروعة كتلك المتعلقة بمواجهة معونة البطالة. بما مؤداه أنه كلما كان فرض الضريبة رجعية الأثر يقوم على رابطة منطقية بين الضريبة ومصلحة مشروعة تسعى إليها الدولة وترمى إلى بلوغها من وراء تقرير هذه الرجعية، فإن الرجعية تكون جائزة من الناحية الدستورية. ولازم ذلك أنه في مجال تقدير المصلحة المشروعة التي تقوم عليها الضريبة رجعية الأثر، يتعين أن يكون مفهوما أن السلطة التي تملكها الإدارة المالية بمناسبة تعديل أسس الضريبة القديمة وإعادة توزيع عبئها، لا يجوز إنكارها، وذلك كلما كان هذا التعديل يعيد - ولو بأثر رجعى - الموازين الدقيقة إلى ضريبة دل العمل - من خلال تطبيقها - على أنها غير عادلة.
13 - إنه في مجال تقييم المصلحة المشروعة التي يركن إليها قانون الضريبة الجديدة التي فرضها المشرع بمناسبة أعمال قانونية أبرمها المكلفون بها قبل صدوره، ليس كافيا لانتفاء هذه المصلحة أن يكون تحقق الواقعة المنشئة لهذه الضريبة سابقا على صدور قانونها. إذ لا يعدو سريان هذا القانون عليها أن يكون هو الأثر الرجعى بعينه - وهو جائز طبقا للدستور وفق ما سلف بيانه - وإنما يتعين لتقرير زوال المصلحة المشروعة بالنسبة إلى ضريبة تتناول بأثرها الرجعى تصرفات قانونية ناقلة للملكية اكتمل تكوينها ونفاذها قبل صدور قانون الضريبة الجديد، أن يكون المكلفون بأدائها قد استحال عليهم بوجه عام - بالنظر إلى طبيعتها أو مبلغها - توقعها حين خرج المال من ذمتهم بصفة نهائية، وذلك بنقلهم ملكيته إلى الغير وفقا للقانون. إذ يناقض فرض الضريبة من هذه الأحوال مفهوم العدالة الاجتماعية الذي يقوم عليه النظام الضريبي على ما تقضى به المادة 38 من الدستور، باعتبار أن العدالة الاجتماعية ينافيها أن يعدل المشرع أسس ضريبة قائمة قدر الممولون تبعة تصرفاتهم القانونية المبرمة عند سريانها على ضوء أحكامها، وذلك كلما قام الدليل على أن الظروف المحيطة بالضريبة الجديدة التي قرر المشرع سريانها بأثر رجعى لتحكمهم في تصرفاتهم القانونية السابقة عليها، النافذة قبل تقريرها، والتي لا يمكن الرجوع فيها، كانت غير ماثلة في تقديرهم عند تعاملهم في إطار الضريبة القديمة، وما كان بوسعهم عقلا توقعها. وآية ذلك أنه لو كان بإمكان أحد من هؤلاء أن يكون على بينة منها، لأدخلها في اعتباره عند تصرفه في ماله، أو اختار إبقاء هذا المال في ذمته توقيا لأية مخاطر ضريبية لا يأمن عواقبها.
14 - إذ كان الأثر الرجعى الذي تضمنه النص التشريعي المطعون فيه - وعلى ما أورده تقرير اللجنة المشتركة من لجنة الخطة والموازنة ومكتب اللجنة الاقتصادية بمجلس الشعب عنه - قد تقرر بعد أن قدر المشرع ملاحقة ما اعتبره ثراء مفاجئا حققه ممولو الضريبة المفروضة بموجبه من خلال تصرفاتهم العقارية بعد العمل بسياسة الانفتاح الاقتصادي بدءا من أواخر سنة 1973 وما صاحبها من زيادة في أثمان العقارات، ولم تكن أرباحهم وقتئذ خاضعة لأية ضريبة نوعية ولا للضريبة العامة على الإيراد بالتالي. إذ كان ذلك، وكان التقرير برجعية الضريبة المشار إليها على ضوء هذا الافتراض، مؤداه قيام موجبه في حق الممولين جميعا على حد سواء، وأنهم توقعوا هذه الضريبة قبل أربع سنوات من فرضها وأدخلوها في حسابهم بمناسبة تصرفاتهم العقارية السابقة عليها، وهو افتراض لا دليل عليه، ولا تظاهره أية مصلحة اجتماعية، إذ تعوق الضريبة رجعية الأثر - على النحو الذي جرى به النص التشريعي المطعون فيه - تداول الأموال، وتخل بالثقة المشروعة في التعامل، ويجاوز مبلغها - محددا على ضوء سعرها الجديد - الحدود المنطقية لتوقعاتهم في إطار الضريبة القديمة، وهو ما حدا بالمشرع إلى إلغاء الضريبة الجديدة بعد فترة وجيزة من فرضها، ومن ثم يكون النص التشريعي المطعون فيه مجافيا لمفهوم العدالة الاجتماعية التي يقوم عليها النظام الضريبي، ومخالفا بالتالي لنص المادة 38 من الدستور.


الإجراءات

بتاريخ 5 من إبريل سنة 1990 أودعت المدعيتان قلم كتاب المحكمة صحيفة هذه الدعوى طالبتين الحكم - بعد تصحيح ما ورد فيها من خطأ مادى في مذكرة لاحقة - بعدم دستورية الفقرتين الأولى والرابعة من المادة 56 من القانون رقم 46 لسنة 1978 بشأن تحقيق العدالة الضريبية.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة بدفاعها، طلبت فيها الحكم بعدم قبول الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرا برأيها.
ونظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - تتحصل في أن المدعيتين تصرفتا بالبيع في أرض مملوكة لهما إلى آخرين بموجب عقدين متتاليين أشهر أولهما بتاريخ 12 من مارس سنة 1978 والثاني بتاريخ 28 من أغسطس سنة 1980، وسددتها لمصلحة الشهر العقاري ما استحق عنهما من الضريبة المفروضة على التصرفات العقارية، وذلك طبقا لأحكام الفقرة الثالثة من البند 1 من المادة 32 من القانون رقم 14 لسنة 1939 المعدلة بالقانون رقم 46 لسنة 1978 بشأن تحقيق العدالة الضريبية والتي حددت سعر هذه الضريبة بمثل الرسم النسبي المقرر في القانون رقم 70 لسنة 1964 في شأن رسوم التوثيق والشهر. ثم قامت مصلحة الضرائب - واستنادا منها على حكم الفقرة الأخيرة من البند المشار إليه - بإخضاع أرباحهما الناتجة عن ذات التصرفين للضريبة على الأرباح التجارية والصناعية وأخطرتهما بعناصر ربط هذه الضريبة على النموذج المقرر لها، وبالتالي إدخال ما قدر لهما من أرباح عنهما ضمن وعاء الضريبة العامة على الإيراد المستحقة عليهما. طعنت المدعيتان في هذا الربط وعناصره أمام لجنة الطعن - المشكلة وفق أحكام القانون رقم 14 لسنة 1939 بشأن فرض ضريبة على إيرادات رؤوس الأموال المنقولة وعلى الأرباح التجارية والصناعية وعلى كسب العمل - والتي أصدرت قرارها في طعنهما بتاريخ 9 من يوليو سنة 1989 بتخفيض تقدير المصلحة لصافى أرباحهما عن نشاطهما في بيع الأراضي إلى المبلغ المبين في منطوقه، إلا أن المدعيتين طعنتا على هذا القرار بالدعوى رقم 293 لسنة 1989 كلي الجيزة، طبقا لأحكام المادتين 54، 54 مكررا من القانون رقم 14 لسنة 1939 المشار إليه. وأثناء نظر الدعوى دفعت المدعيتان بعدم دستورية نص المادة 56 من القانون رقم 46 لسنة 1978 فيما قرره من سريان حكم البند 1 من المادة 32 من القانون رقم 14 لسنة 1939 - بعد تعديلها بالمادة الثانية منه - بأثر رجعى. وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية هذا الدفع، فقد صرحت لهما في الحكم الصادر منها في الدعوى بتاريخ 2 من مارس سنة 1990 بإقامة دعواهما الدستورية، فأقامتا الدعوى الماثلة.
وحيث إن الحكومة دفعت بعدم قبول الدعوى لانتفاء المصلحة على أساس أن قضاء هذه المحكمة - في الدعوى رقم 51 لسنة 6 ق "دستورية" - سبق أن انتهى إلى رفض الدعوى بعدم دستورية النص التشريعي المطعون فيه، بما يمتنع معه - إزاء ما له حجية مطلقة حاسمة لما أثير في شأن دستوريته من خصومة - نظر أي طعن لاحق بشأنه.
وحيث إن هذا الدفع غير سديد، ذلك أن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن الفصل فيما قد يدعى به أمامها من تعارض بين نص تشريعي وقاعدة موضوعية في الدستور، سواء بتقرير قيام المخالفة المدعى بها أو بنفيها، إنما يعد قضاء في موضوعها منطويا لزوما على استيفاء النص المطعون عليه للأوضاع الشكلية التي تطلبها الدستور ومانعا من العودة إلى بحثها، ذلك أن العيوب الشكلية - وبالنظر إلى طبيعتها - لا يتصور أن يكون بحثها تاليا للخوض في المطاعن الموضوعية، ولكنها تتقدمها، ويتعين على هذه المحكمة بالتالي أن تتحراها بلوغا لغاية الأمر فيها، ولو كان نطاق الطعن المعروض عليها محددا في إطار المطاعن الموضوعية دون سواها. ومن ثم تفرض العيوب الشكلية ذاتها على المحكمة دوما إذ يستحيل عليها أن تتجاهلها عند مواجهتها لأية مطاعن موضوعية. والأمر على نقيض ذلك حين يكون الطعن منحصرا في المطاعن الشكلية، إذ يكون قرار المحكمة بشأنها متعلقا بها وحدها، ولا يعتبر حكمها برفض هذه المطاعن مطهرا للنصوص المطعون عليها من مثالبها الموضوعية، أو مانعا كل ذي مصلحة من طرحها على المحكمة وفقا لقانونها. وأيا كانت المطاعن الموجهة إلى النصوص التشريعية، فإن قضاء المحكمة في شأنها - وفى الإطار السالف بيانه - إنما يحوز حجية مطلقة في مواجهة سلطات الدولة جميعها وبالنسبة إلى الكافة، وهى حجية لا يجوز إهدارها، أو المساس بها، وتحول بذاتها دون إعادة عرض النزاع محلها من جديد على المحكمة الدستورية العليا.
وحيث إنه متى كان ذلك، وكانت العيوب الشكلية - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - هي تلك يكون مبناها مخالفة نص تشريعي للأوضاع الإجرائية التي تطلبها الدستور سواء في تلك ما كان منها متعلقا باقتراح النصوص التشريعية أو إقرارها أو إصدارها حال انعقاد السلطة التشريعية، أو ما كان منها متصلا بالشروط التي يتطلبها الدستور لممارسة رئيس الجمهورية الاختصاص بإصدارها في غيبة السلطة التشريعية أو بتفويض منها، وكان وجه النعي في القضية رقم 51 لسنة 6ق "دستورية" يقوم على قالة انتفاء الأغلبية الخاصة التي تطلبها الدستور في المادة 187 منه لإقرار نص المادة 56 من القانون رقم 46 لسنة 1978 بشأن تحقيق العدالة الضريبية - وهو النص التشريعي المطعون فيه - باعتباره متضمنا أثرا رجعيا، وكان قضاء هذه المحكمة الصادر في القضية رقم 51 لسنة 6 قضائية المشار إليها بتاريخ 6 من يونيو سنة 1987 قد خلص إلى رفضها لما ثبت لديها من توافر هذه الأغلبية التي قام وجه النعي على تخلفها بالنسبة إلى النص المطعون فيه. متى كان ذلك فإن قضاء هذه المحكمة في شأن ذلك الوجه من النعي يكون متعلقا بمطاعن شكلية صرفة، مقصورا عليها، ولا يفيد - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - تطهير النص التشريعي المطعون عليه مما قد يكون عالقا به من مثالب موضوعية، أو مانعا كل ذي مصلحة من طرحها على هذه المحكمة وفقا لقانونها.
وحيث إنه متى كان ما تقدم، وكان استيفاء النص التشريعي المطعون عليه للشكلية التي تطلبها الدستور لإقرار القوانين رجعية الأثر على ما سلف بيانه، لا يعصمه من الخضوع للرقابة التي تباشرها هذه المحكمة على دستورية القوانين وللوائح، وذلك كلما كان هذا النص - في محتواه الموضوعي - منطويا على إهدار لحق من الحقوق التي كفلها الدستور أو يفرض قيودا عليه تؤدى إلى الانتقاص منه. ذلك أن الدستور يتميز بطبيعة خاصة تضفى عليه السيادة والسمو بحسبانه كفيل الحريات وموئلها، وعماد الحياة الدستورية وأساس نظامها، فحق لقواعده - بالتالي - أن تستوى على القمة من البنيان القانوني للدولة وأن تلتزم الدولة بالخضوع لأحكامه في تشريعها وقضائها وفى مجال مباشرتها لسلطتها التنفيذية. وفى نطاق هذا الالتزام وبمراعاة حدوده لا يكفى لتقرير دستورية نص تشريعي معين أن يكون من الناحية الإجرائية موافقا للأوضاع الشكلية التي يتطلبها الدستور، بل يتعين فوق هذا أن يكون في محتواه ملتئما مع قواعد الدستور الموضوعية التي تعكس مضامينها القيم والمثل التي بلورتها الإرادة الشعبية، وكذلك الأسس التي تنتظم الجماعة وضوابط حركتها، متى كان ذلك فإن يتعين الحكم برفض الدفع بعدم قبول الدعوى.
وحيث إن القانون رقم 14 لسنة 1939 بفرض ضريبة على إيرادات رؤوس الأموال المنقولة وعلى الأرباح الصناعية والتجارية وعلى كسب العمل، قد نص في المادة 32 منه - بعد تعديلها بالقانون رقم 78 لسنة 1973 - على أن تسري ضريبة الأرباح التجارية والصناعية على أرباح:
1 - الأشخاص والشركات، الناتجة عن التصرف في العقارات المبنية أو المعدة للبناء سواء انصب التصرف عليها بحالتها أو بعد إقامة منشآت عليها وسواء شمل التصرف العقار كله أو أجزاء منه وذلك إذا صدر التصرف من الممول لأكثر من مرة واحدة خلال عشر سنوات، سواء في ذات العقار أو في أكثر من عقار واحد.
ويستثنى من ذلك تصرف الوارث في العقارات الآيلة إليه من مورثه بحالتها عند الميراث، والتصرف بين الأصول والفروع.
2 - .......... 3 - .......... 4 - ..........
وبمقتضى المادة الثانية من القانون رقم 46 لسنة 1978 - بشأن تحقيق العدالة الضريبية - استعاض المشرع عن البند 1 من المادة 32 السالف بيانه ببند جديد نصه الآتي: -
مادة 32 (1): التصرف في العقارات المبنية أو الأراضي داخل كردون المدينة سواء انصب التصرف عليها بحالتها أو بعد إقامة منشآت عليها وسواء شمل التصرف العقار كله أو أجزاء منه أو وحدة سكنية أو غيرها وسواء كانت إقامة المنشآت على أرض مملوكة للممول أو لغيره.
ويعتبر تصرفا خاضعا للضريبة تقرير حق انتفاع على العقار أو تأجيره لمدة تزيد على خمسين عاما.
واستثناء من أحكام المادة 37 يكون سعر الضريبة مثل الرسم النسبي المقرر في القانون رقم 70 لسنة 1964 في شأن رسوم التوثيق والشهر، وعلى أن يسرى الإعفاء والتخفيض المقرر بالقانون المذكور على هذه الضريبة.
.............
وإذا صدر التصرف من الممول لأكثر من مرة واحدة خلال عشر سنوات خضعت الأرباح الناتجة على هذه التصرفات لضريبة الأرباح التجارية والصناعية بالسعر المقرر في المادة 37، وفي هذه الحالة تخصم الضرائب المسددة لحسابه عن هذه التصرفات للشهر العقاري من ضريبة الأرباح التجارية والصناعية التي تستحق عليه.
وتنص المادة 56 من القانون رقم 46 لسنة 1978 المشار إليه على ما يأتي: -
فقرة أولى: تسرى أحكام البند 1 من المادة 32 من القانون رقم 14 لسنة 1939 - بعد تعديلها بمقتضى المادة الثانية - على التصرفات التي تم شهرها اعتبارا من أول يناير سنة 1974 على أن تطبق على الإيرادات الناشئة عن هذه التصرفات الداخلة في وعاء الضريبة العامة على الإيراد وفق حكم المادة 6 مكررا من القانون رقم 99 لسنة 1949 أسعار الضريبة العامة على الإيراد المقررة طبقا لأحكام المادة الرابعة والعشرين من هذا القانون.
فقرة ثانية: ولا تسري الأحكام الجزائية إلا من تاريخ العمل بهذا القانون.
فقرة ثالثة: وتسري الأحكام الواردة بالفصل الرابع اعتبارا من تاريخ نشر هذا القانون.
فقرة رابعة: وفيما عدا ما تقدم تسرى أحكام هذا القانون اعتبارا من أول يناير سنة 1978.
وحيث إن الفقرتين الأولى والرابعة من المادة 56 هما محل الطعن في الدعوى الماثلة، وكان القانون رقم 157 لسنة 1981 بإصدار قانون الضرائب على الدخل - وهو المعمول به حاليا - قد نص في مادته الثانية على أن يلغى العمل بأحكام القانون رقم 46 لسنة 1987 بشأن تحقيق العدالة الضريبية وذلك فيما عدا المواد 25، 26 فقرة أولى، 29، 30، 31 منه، ومتضمنا سريان أحكامه من تاريخ العمل به دون أن يسقط الآثار التي ترتبت قبله على النص التشريعي المطعون فيه، بما مؤداه بقاؤه نافذا في نطاقه الزمنى في شأن من كانوا يخضعون لحكمه منذ تاريخ العمل به وحتى إلغائه.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن المصلحة الشخصية المباشرة تعد شرطا لقبول الدعوى لدستورية، ومناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية وذلك بأن يكون الحكم في المسألة الدستورية لازما للفصل في الطلبات المرتبطة بها المطروحة على محكمة الموضوع. إذ كان ذلك، وكانت الفقرة الأولى من المادة 56 من القانون رقم 46 لسنة 1978 بشأن تحقيق العدالة الضريبية هي ما جرى تطبيقه إبان فترة نفاذها على تصرفي المدعيتين بالبيع فيما كانتا تملكانه من أرض داخل كردون المدنية - وهو ما لا خلاف عليه بين طرفي الدعوى - وترتبت بمقتضاه أثار قانونية في حقهما ممثلة في إخضاع أرباحهما المقدرة عن تصرفيهما لسعر الضريبة على الأرباح التجارية والصناعية طبقا للفقرة الأخيرة من البند 1 من المادة 32 من القانون رقم 14 لسنة 1939 المعدل بالقانون رقم 46 لسنة 1978 بشأن تحقيق العدالة الضريبية. إذ كان ذلك، وكانت الفقرة الأولى من النص المطعون عليه تقضى بسريان هذا البند بأثر رجعى على التصرفات التي تم شهرها اعتبارا من أول يناير سنة 1974، دون الضريبة المفروضة على التصرفات العقارية و التي سبق استئداؤها منهما وفق سعرها المحدد في الفقرة الثالثة من هذا البند، وما نشأ عن ذلك من مديونيتهما بالفرق الزائد بين الضريبتين، وحدا بهما إلى الطعن في ربط الضريبة على الأرباح التجارية والصناعية وعناصرها عليهما أمام لجنة الطعن، ثم الطعن في قرار هذه اللجنة بشأنها أمام محكمة الموضوع، فاقتصر نزاعهما الموضوعي بذلك على تلك الضريبة، وكان لا مصلحة للمدعيتين في الطعن على الفقرة الرابعة من المادة 56 لانتفاء الصلة بين سائر أحكام القانون رقم 46 لسنة 1978 - والتي تقرر هذه الفقرة سريانها اعتبارا من أول يناير سنة 1978 - وبين طلباتهما المطروحة في دعواهما الموضوعية. إذ كان ذلك، فإن المسألة الدستورية المرتبطة بنزاعهما الموضوعي والمؤثرة فيه، إنما يتحدد إطارها ونطاقها في نص الفقرة الأولى من المادة 56، وذلك فيما قررته من فرض ضريبة الأرباح التجارية والصناعية على الأرباح الناتجة عن التصرفات العقارية الواقعة على الأراضي داخل كردون المدينة، السابق شهرها بدءا من أول يناير سنة 1974، مما يتعين معه الحكم بعدم قبول الدعوى فيما عدا هذا الشق منها.
وحيث إن من بين ما تنعاه المدعيتان على النص التشريعي المطعون فيه تعارضه مع حكم المادة 38 من الدستور فيما قررته من قيام النظام الضريبي على العدالة الاجتماعية إذ لا يحقق بأثره الرجعى هذه العدالة، مما حدا بالمشرع إلى إلغائه بموجب القانون رقم 157 لسنة 1981 بشأن الضريبة على الدخل، وكذلك مخالفته للمادة 187 من الدستور فيما رخصت به من أثر رجعى للقوانين - ما عدا القوانين الجنائية - بموافقة أغلبية أعضاء مجلس الشعب، إذ يلزم أن تقتضى مصلحة اجتماعية عليا تقرير الأثر الرجعى في التشريع، وهى غير متحققة في النص المطعون فيه. وأن القوانين الضريبية إذ هي لصيقة بالعقاب، ومخالفتها مؤثمة جنائيا، فإن طبيعتها تتأبى على الأثر الرجعى في جميع الأحوال، لا في مجرد إيقاع الجزاء الجنائي.
وحيث إن من المقرر أن القوانين الضريبية لا تعتبر بطبيعتها قوانين جزائية تقرر عقوبة جنائية، ولا هي تعدل من الآثار التي ترتبها العقود فيما بين أطرافها، ولكنها وسيلة تلجأ إليها الدولة محققة بها قدرا من التناسب بين أعبائها المالية ممثلة في التكاليف الكلية لنفقاتها، وبين ما ينبغي أن يؤديه إليها هؤلاء الذين يستفيدون أكثر من غيرهم من خدماتها. وحق عليهم بالتالي أن يتحملوا جانبا من أعباء الدولة ونصيبا من تبعاتها. وإذ كان المواطنون جميعهم معاملين على قدم المساواة في مجال أداء الفريضة الضريبية التي يلتزمون بها، وليس لأحد حصانة تعفيه من أدائها إلا في الأحوال التي يبينها القانون، ووفق ضوابط موضوعية لا تقيم في مجال تطبيقها تمييزا بين المخاطبين بها، فإن رجعية قانون الضريبة لا تدل في ذاتها - وبالضرورة - على مخالفة حكمها للدستور، وهو ما قررته المادة 187 منه بإجازتها الرجعية في غير المواد الجنائية بموافقة أغلبية أعضاء مجلس الشعب في مجموعهم. ولئن كان الأصل هو ألا يلجأ المشرع لتقرير رجعية الضريبة إلا إذا أملتها مصلحة اجتماعية لها وزنها، وذلك بالنظر إلى الآثار الخطيرة التي تحدثها الرجعية في محيط العلاقات القانونية، وما يلابسها بوجه خاص في أغلب الأحوال وأعمها من إخلال بالاستقرار، وإهدار للثقة المشروعة في التعامل ومساس بالحقوق، وكان من المقرر كذلك أن توزيع الأعباء المالية للدولة توزيعا منصفا من خلال الضريبة عملية بالغة التعقيد، تكتنفها مخاطر عديدة مترامية في مداها، إلا أن ممارسة السلطة التشريعية لولايتها في هذا النطاق لا يجوز إنكارها، أو غل يدها عنها. بل يتعين أن يتوافر لهذه السلطة المرونة الكافية عند مراجعتها لقوانين ضريبية سابقة على ضوء ما أسفر عنه تطبيقها، وانطلاقا من ضرورة مواجهة الأعباء المتزايدة التي تتحملها الدولة في مجال نهوضها بالمرافق العامة، وبمراعاة عدم الإخلال بالمراكز القانونية المتماثلة، إذ لا يجوز بحال أن يميز قانون الضريبة - في غاياته أو آثاره - بين المخاطبين بالضريبة على غير أسس موضوعية، وإلا كان هذا التمييز تحكميا ومنهيا عنه بنص المادة 40 من الدستور.
وحيث إنه وإن صح القول بأن الضريبة في بواعثها هى ما يستقل المشرع بتقديره، إلا أن رجعية الضريبة ينال منها - ومن زاوية دستورية - أن تركن الدولة في تقريرها إلى مصلحة غير مشروعة، أو أن تتوخى - من خلال الأغراض التي تعمل الضريبة على بلوغها - تحقيق مصلحة مشروعة، ولكن النصوص التشريعية التي تدخل بها المشرع لإشباعها لا تربطها بها صلة منطقية. ويتحقق ذلك بوجه خاص كلما كان معدل الضريبة وأحوال فرضها مناقضا للأسس الموضوعية التي ينبغى أن تقوم عليها، إذ يعتبر تقريرها عندئذ مخالفا للدستور ولو كان الغرض من فرضها زيادة موارد الدولة لمقابلة مصلحة مشروعة كتلك المتعلقة بمواجهة معونة البطالة، بما مؤداه أنه كلما كان فرض الضريبة رجعية الأثر يقوم على رابطة منطقية بين الضريبة ومصلحة مشروعة تسعى إليها الدولة وترمى إلى بلوغها من وراء تقرير هذه الرجعية، فإن الرجعية تكون جائزة من الناحية الدستورية. ولازم ذلك أنه في مجال تقدير المصلحة المشروعة التي تقوم عليها الضريبة رجعية الأثر يتعين أن يكون مفهوما أن السلطة التي تملكها الإدارة المالية بمناسبة تعديل أسس الضريبة القديمة وإعادة توزيع عبئها، لا يجوز إنكارها، وذلك كلما كان هذا التعديل يعيد - ولو بأثر رجعى - الموازين الدقيقة إلى ضريبة دل العمل من خلال تطبيقها على أنها غير عادلة.
وحيث إنه في مجال تقييم المصلحة المشروعة التي يركن إليها قانون الضريبة الجديدة التي فرضها المشرع بمناسبة أعمال قانونية أبرمها المكلفون بها قبل صدوره، ليس كافيا لانتفاء هذه المصلحة أن يكون تحقق الواقعة المنشئة لهذه الضريبة سابقا على صدور قانونها. إذ لا يعدو سريان هذا القانون عليها أن يكون هو الأثر الرجعى بعينه - وهو جائز طبقا للدستور وفق ما سبق بيانه - وإنما يتعين لتقرير زوال المصلحة المشروعة بالنسبة إلى ضريبة تتناول بأثرها الرجعى تصرفات ناقلة للملكية اكتمل تكوينها ونفاذها قبل صدور قانون الضريبة الجديد، أن يكون المكلفون بأدائها قد استحال عليهم بوجه عام - بالنظر إلى طبيعتها أو مبلغها - توقعها حين خرج المال من ذمتهم بصفة نهائية وذلك بنقلهم ملكيته إلى الغير وفقا للقانون، إذ يناقض فرض الضريبة في هذه الأحوال مفهوم العدالة الاجتماعية الذي يقوم عليه النظام الضريبي على ما تقضي به المادة 38 من الدستور، باعتبار أن العدالة الاجتماعية ينافيها أن يعدل المشرع أسس ضريبة قائمة قدر الممولون تبعة تصرفاتهم القانونية المبرمة عند سريانها على ضوء أحكامها، وذلك كلما قام الدليل على أن الظروف المحيطة بالضريبة الجديدة التي قرر المشرع سريانها بأثر رجعى في شأن تصرفاتهم القانونية السابقة عليها، النافذة قبل تقريرها، والتي لا يمكن الرجوع فيها، كانت غير ماثلة عند تعاملهم في إطار الضريبة القديمة وما كان بوسعهم عقلا توقعه، وآية ذلك أنه لو كان بإمكان أحد من هؤلاء أن يكون على بينة منها، لأدخلها في اعتباره عند تصرفه في ماله، أو اختار إبقاء هذا المال في ذمته توقيا لأية مخاطر ضريبية لا يأمن عواقبها.
وحيث إنه إذ كان ما تقدم، وكان الأثر الرجعى الذي تضمنه النص التشريعي المطعون فيه - وعلى ما أوراه تقرير اللجنة المشتركة من لجنة الخطة والموازنة ومكتب اللجنة الاقتصادية بمجلس الشعب عنه - قد تقرر بعد أن قدر المشرع ملاحقة ما اعتبره ثراء مفاجئا حققه ممولو الضريبة المفروضة بموجبه من خلال تصرفاتهم العقارية بعد العمل بسياسة الانفتاح الاقتصادي بدءا من أواخر سنة 1973 وما صاحبها من زيادة في أثمان العقارات، ولم تكن أرباحهم وقتئذ خاضعة لأية ضريبة نوعية ولا للضريبة العامة على الإيراد بالتالي. إذ كان ذلك، وكان التقرير برجعية الضريبة المشار إليها على ضوء هذا الافتراض، مؤداه قيام موجبه في حق الممولين جميعا على حد سواء، وأنهم توقعوا هذه الضريبة قبل أربع سنوات من فرضه، وأدخلوها في حسابهم بمناسبة تصرفاتهم العقارية السابقة عليها، وهو افتراض لا دليل عليه، ولا تظاهره أية مصلحة اجتماعية، إذ تعوق الضريبة رجعية الأثر - على النحو الذي جرى به النص التشريعي المطعون فيه - تداول الأموال وتخل بالثقة المشروعة في التعامل، ويجاوز مبلغها - محددا على ضوء سعرها الجديد - الحدود المنطقية لتوقعاتهم في إطار الضريبة القديمة على الوجه الذي أسلفنا بيانه، وهو ما حدا بالمشرع إلى إلغاء الضريبة الجديدة بعد فترة وجيزة من فرضها، ومن ثم يكون النص التشريعي المطعون فيه مجافيا لمفهوم العدالة الاجتماعية التي يقوم عليها النظام الضريبي، ومخالفا بالتالي لنص المادة 38 من الدستور.

فلهذه الأسباب:

حكمت المحكمة بعدم دستورية الفقرة الأولى من المادة 56 من القانون رقم 46 لسنة 1978 بشأن تحقيق العدالة الضريبية وذلك فيما قررته من سريان الضريبة على الأرباح التجارية والصناعية على التصرفات المشار إليها في الفقرة الأخيرة من البند 1 من المادة 32 من القانون رقم 14 لسنة 1939 الواقعة على الأراضي داخل كردون المدنية المشهرة اعتبارا من أول يناير سنة 1974، وبعدم قبول الدعوى بالنسبة إلى ما عدا ذلك من الطلبات، والزمت الحكومة المصروفات، ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

القضية 17 لسنة 10 ق جلسة 15/ 5 / 1993 دستورية عليا مكتب فني 5 ج 2 دستورية ق 23 ص 291

جلسة 15 مايو سنة 1993

برئاسة السيد المستشار الدكتور/ عوض محمد عوض المر رئيس المحكمة، وحضور السادة المستشارين/ فاروق عبد الرحيم غنيم وعبد الرحمن نصير والدكتور عبد المجيد فياض ومحمد على سيف الدين وعدلى محمود منصور ومحمد عبد القادر عبد الله - أعضاء، وحضور السيد المستشار/ محمد خيرى طه عبد المطلب - رئيس هيئة المفوضين، وحضور السيد/ رأفت محمد عبد الواحد - أمين السر.

---------------

قاعدة رقم (23)
القضية رقم 17 لسنة 10 قضائية "دستورية"

وكالة.
عدم تقديم المحامي الذي أودع صحيفة الدعوى سند وكالته عن المدعى حتى حجز الدعوى للنطق بالحكم. أثره: عدم قبول الدعوى.

-------------
لما كان المحامي الذي أودع صحيفة الدعوى لم يقدم سند وكالته عن المدعى حتى حجز الدعوى للنطق بالحكم، رغم كون ذلك لازما للتحقق من توافر صفته بالنسبة للمدعى، وهو أمر لا يغني عنه - وفقاً لما جرى به قضاء هذه المحكمة - إرفاق صورة ضوئية من التوكيل بصحيفة الدعوى. ومن ثم يكون المحامي الذي أودع صحيفة الدعوى قد نكل عن إثبات صفته في إقامتها مما يتعين معه - والحالة هذه - الحكم بعدم قبول الدعوى.


الإجراءات

بتاريخ 12 مارس سنة 1988 أودع الأستاذ...... المحامي نائباً عن الأستاذ.. المحامي - بصفته وكيلا عن المدعى - قلم كتاب المحكمة صحيفة الدعوى الماثلة طالبا الحكم بعدم دستورية نص المادة 18 مكررا ثالثا من المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929 المضافة بالقانون رقم 100 لسنة 1985 مع إلزام المدعى عليهم بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها. ونظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
وحيث إن البين من أوراق الدعوى أن المحامي الذي أودع صحيفتها لم يقدم سند وكالته عن المدعى حتى حجز الدعوى للنطق بالحكم، رغم كون ذلك لازماً للتحقق من توافر صفته بالنسبة للمدعى، وهو أمر لا يغنى عنه - وفقاً لما جرى به قضاء هذه المحكمة - إرفاق صورة ضوئية من التوكيل بصحيفة الدعوى. ومن ثم يكون المحامي الذي أودع صحيفة الدعوى قد نكل عن إثبات صفته في إقامتها مما يتعين معه - والحالة هذه - الحكم بعدم قبول الدعوى.

فلهذه الأسباب:

حكمت المحكمة بعدم قبول الدعوى، وبمصادرة الكفالة، وألزمت المدعي المصروفات، ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

القضية 10 لسنة 14 ق جلسة 19/ 6 / 1993 دستورية عليا مكتب فني 5 ج 2 دستورية ق 31 ص 376

جلسة 19 يونية سنة 1993

برئاسة السيد المستشار الدكتور/ محمد إبراهيم أبو العينين رئيس الجلسة، وعضوية السادة المستشارين/ فاروق عبد الرحيم غنيم وعبد الرحمن نصير والدكتور عبد المجيد فياض ومحمد على سيف الدين وعدلي محمود منصور ومحمد عبد القادر عبد الله - أعضاء،

وحضور السيد المستشار/ محمد خيرى طه عبد المطلب - رئيس هيئة المفوضين،

وحضور السيد/ رأفت محمد عبد الواحد - أمين السر.

----------

قاعدة رقم (31)
القضية رقم 10 لسنة 14 قضائية "دستورية"

(1) اختصاص المحكمة الدستورية العليا "الأعمال السياسية".
استبعاد الأعمال السياسية من ولاية القضاء الدستوري، يأتي ذلك تحقيقا للاعتبارات السياسية التي تقتضي النأي بها عن نطاق الرقابة القضائية استجابة لدواعي الحفاظ على الدولة والذود عن سيادتها ورعاية مصالحها العليا.
(2) الأعمال السياسية "تكييفها - تحديدها".
العبرة في التكييف القانوني للأعمال السياسية هي بطبيعة العمل ذاته، لا بالأوصاف التي قد يخلعها المشرع عليه متى كانت طبيعته تتنافى وهذه الأوصاف. المحكمة الدستورية العليا هي وحدها التي تحدد ما إذا كانت النصوص المطروحة عليها تعتبر من الأعمال السياسية أم لا.
(3) الأعمال السياسية "الاتفاقيات الدولية".
ليس صحيحا إطلاق القول بأن جميع الاتفاقيات الدولية أيا كان موضوعها أو الاتفاقيات الدولية التي حددتها الفقرة الثانية من المادة 151 من الدستور من الأعمال السياسية ذلك أن كلا القولين مناقض للأساس الذي تقوم عليه اعتبارات استبعاد هذه الأعمال من الرقابة القضائية على دستوريتها، والتي ترجع إلى طبيعة الأعمال ذاتها وليس إلى طريقة وإجراءات إبرامها والتصديق عليها.
(4) الأعمال السياسية "اتفاقية دولية".
الاتفاقية الدولية بإنشاء المصرف العربي الدولي تتمحض عن إنشاء بنك يقوم بالأعمال التي تقوم بها البنوك التجارية، فلا يسوغ اعتبارها من الأعمال السياسية.
(5) دعوى دستورية "نطاقها - المقومات الشكلية للنص المطعون عليه".
نطاق الدعوى الدستورية يتحدد بنطاق الدفع بعدم الدستورية وفى حدود النصوص التي صرحت محكمة الموضوع بالطعن عليها، الطعن بعدم دستورية نص قانوني يطرح ابتداء أمام المحكمة مدى توافر مقوماته الشكلية، كذلك يطرح الطعن بعدم دستورية نص في اتفاقية دولية وبحكم اللزوم - توافر المتطلبات الشكلية التي استلزمتها المادة 151 من الدستور ليكون للاتفاقية قوة القانون.
(6) دعوى دستورية - "المصلحة فيها. مناطها".
مناط المصلحة الشخصية المباشرة وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية، أن يكون الحكم في المسألة الدستورية لازما للفصل في الطلبات المرتبطة بها المطروحة أمام محكمة الموضوع.
(7) حق التقاضي - تشريع "اتفاقية دولية - قوانين العمل".
ما تنص عليه المادة 15 من اتفاقية تأسيس المصرف العربي الدولي من عدم سريان القوانين والقرارات المنظمة لشؤون العمل الفردي على موظفي المصرف، ليس فيه ما ينتقص من حق التقاضي المكفول دستوريا.
(8) دستور: مبدأ المساواة "مضمونه".
لا يعنى هذا المبدأ معاملة فئات المواطنين على ما بينها من تفاوت في مراكزها القانونية معاملة قانونية متكافئة، عدم قيام هذا المبدأ على معارضة صور التمييز جميعها، التمييز المنهى عنه بموجبه هو ذلك الذي يكون تحكميا. تعكس مشروعية الأغراض التي يستهدفها التنظيم التشريعي إطارا للمصلحة العامة التي يسعى المشرع لبلوغها. مصادمة النص التشريعي بما انطوى عليه من التمييز لهذه الأغراض يجعله غير قائم على أسس موضوعية ومتبنيا تمييزا تحكميا.
(9) مبدأ المساواة "نص المادة 15 من اتفاقية تأسيس المصرف العربي الدولي".
عدم انطواء النص المشار إليه على إخلال بحق العاملين في المصرف في اللجوء إلى القضاء طلبا للنصفة فيما قد يثور بينهم وبينه من منازعات، النعي عليه بمخالفة مبدأ المساواة غير صحيح.

----------------
1 ، 2 - جرى القضاء الدستوري - في الدول الآخذة به - على استبعاد "الأعمال السياسية" من نطاق ولايته وخروجها بالتالي من مجال رقابته على دستورية التشريع. وقد اختص الدستور وقانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 كلاهما هذه المحكمة دون غيرها بالرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح، واستهدفا بذلك ضمان الشرعية الدستورية بصون الدستور القائم وحمايته من الخروج على أحكامه، وترسيخ مفهوم الديمقراطية التي أرساها سواء ما اتصل منه بتوكيد السيادة الشعبية - وهى جوهر الديمقراطية - أو بكفالة الحريات والحقوق العامة - وهى هدفها - أو بالمشاركة في ممارسة السلطة - وهى وسيلتها - وذلك على نحو ما جرت به نصوصه ومبادئه التي تمثل الأصول والقواعد التي يقم عليها نظام الحكم وتستوى على القمة في مدارج البنيان القانوني، ولها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام. ومن ثم يتعين - باعتبارها أسمى القواعد الآمرة - التزامها، وإهدار ما يخالفها من تشريعات. وإذ كانت الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح تجد أساسا لها - كأصل عام - في مبدأ الشرعية وسيادة القانون وخضوع الدولة لأحكامه، إلا أنه يرد على هذا الأصل - وفقا لما جرى عليه قضاء المحكمة الدستورية العليا - استبعاد "الأعمال السياسية" من مجال هذه الرقابة القضائية تأسيسا على أن طبيعة هذه الأعمال تأبى أن تكون محلا لدعوى قضائية. والعبرة في تحديد التكييف القانوني "للأعمال السياسية" هي بطبيعة العمل ذاته لا بالأوصاف التي قد يخلعها المشرع عليه متى كانت طبيعته تتنافى وهذه الأوصاف. ذلك أن استبعاد "الأعمال السياسية" من ولاية القضاء الدستوري إنما يأتي تحقيقا للاعتبارات السياسية التي تقتضى - بسبب طبيعة هذه الأعمال واتصالها بنظام الدولة السياسي اتصالا وثيقا أو بسيادتها في الداخل أو الخارج - النأي بها عن نطاق الرقابة القضائية استجابة لدواعي الحفاظ على الدولة والذود عن سيادتها ورعاية مصالحها العليا، مما يقتضى منح الجهة القائمة بهذه الأعمال - سواء كانت هي السلطة التشريعية أو التنفيذية - سلطة تقديرية أوسع مدى وأبعد نطاقا تحقيقا لصالح الوطن وسلامته، دون تخويل القضاء سلطة التعقيب على ما تتخذه في هذا الصدد، ولأن النظر فيها والتعقيب عليها يستلزم توافر معلومات وضوابط وموازين تقدير لا تتاح للقضاء، فضلا عن عدم ملاءمة طرح هذه المسائل علنا في ساحاته. ومن ثم فالمحكمة الدستورية العليا وحدها هي التي تحدد - بالنظر إلى طبيعة المسائل التي تنظمها النصوص المطعون عليها - ما إذا كانت النصوص المطروحة عليها تعتبر من "الأعمال السياسية" فتخرج عن ولايتها بالرقابة على الدستورية، أو أنها لا تعتبر كذلك، فتبسط عليها رقابتها.
3 - إنه وإن كانت نظرية "الأعمال السياسية" - كقيد على ولاية القضاء الدستوري - تجد في ميدان العلاقات والاتفاقيات الدولية معظم تطبيقاتها بأكثر مما يقع في المجال الداخلي، نظرا لارتباط ذلك الميدان بالاعتبارات السياسية وسيادة الدولة ومصالحها العليا، إلا أنه ليس صحيحا إطلاق القول بأن جميع الاتفاقيات الدولية - أيا كان موضوعها - تعتبر من "الأعمال السياسية". كما أنه ليس صحيحا أيضا القول بأن الاتفاقيات الدولية التي حددتها الفقرة الثانية من المادة 151 من الدستور، واستلزمت عرضها على مجلس الشعب وموافقته عليها، تعتبر جميعا وبصفة تلقائية - من "الأعمال السياسية" التي تخرج عن ولاية القضاء الدستوري، ذلك أن كلا القولين السابقين يتناقض والأساس الذي تقوم عليه اعتبارات استبعاد هذه الأعمال من الرقابة القضائية على دستوريتها، وهى اعتبارات ترجع إلى طبيعة الأعمال ذاتها، وليس إلى طريقة أو إجراءات إبرامها والموافقة والتصديق عليها.
4 - إن البين من اتفاقية تأسيس المصرف العربي الدولي ونظامه الأساسي الذي يعتبر - وفقا لمادتها الأولى - جزءا لا يتجزأ منها - أن حكومات مصر وليبيا وسلطنة عمان اتفقت على تأسيس هذا المصرف وقد انضم إليهم - حال إبرام الاتفاقية - أحد المواطنين الكويتيين. وقد فتحت الاتفاقية باب الانضمام إليها وفقا لمادته الثانية - للحكومات العربية الأخرى، وكذلك للبنوك والهيئات والمؤسسات والشركات العربية، وأيضا للأفراد العرب. ويقوم هذا المصرف بالأعمال التجارية التي تقوم بها البنوك التجارية عادة من قبول للودائع وتقديم للقروض وتحرير وتظهير للأوراق المالية والتجارية وتمويل لعمليات التجارة الخارجية وتنظيم للمساهمة في برامج ومشروعات الاستثمار. وهو يزاول أعماله في مجال التجارة الخارجية وفقا للقواعد والأسس المصرفية الدولية السائدة. وللمصرف الشخصية القانونية، وله في سبيل تحقيق أغراضه إبرام اتفاقيات مع الدول الأعضاء أو غير الأعضاء وكذلك مع المؤسسات الدولية الأخرى. وله التملك والتعاقد، ويديره مجلس إدارة من ممثلين للمساهمين يتم اختيارهم لمدة ثلاث سنوات قابلة للتجديد. ومدة المصرف خمسون عاما. وحدد النظام الأساسي للمصرف أحوال حله وكيفية تصفية أمواله، ومؤدى ذلك، أن الاتفاقية المشار إليها إنما تتمحض عن إنشاء بنك يقوم بالأعمال التي تقوم بها البنوك التجارية، فلا يسوغ اعتبارها من "الأعمال السياسية" التي تنحسر عنها رقابة القضاء الدستوري، ولا يغير من ذلك ما تضمنته بعض نصوص الاتفاقية من امتيازات معينة للمصرف أو لموظفيه أو لأموال المساهمين أو المودعين التي دفعت الحكومات العربية الموقعة عليها إلى تأسيس. هذا المصرف.
5 - إن نطاق الدعوى الدستورية يتحدد بنطاق الدفع بعدم الدستورية، وفى حدود النصوص التي صرحت محكمة الموضوع للمدعى بالطعن عليها، وذلك استناداً إلى أن الأوضاع الإجرائية المنصوص عليها في المادة 29 من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 - سواء ما اتصل منها بطريقة رفع الدعوى أو بميعاد رفعها - تتعلق بالنظام العام باعتبارها أشكالا جوهرية في التقاضي تغيا بها المشرع مصلحة عامة حتى ينتظم التداعي في المسائل الدستورية بالإجراءات التي رسمها، وفى الموعد الذي حدده، إلا أن الدعوى الدستورية التي تتضمن طعنا بعدم دستورية نص قانوني تطرح ابتداء أمام المحكمة مدى توافر مقوماته الشكلية التي لا يستقيم بتخلفها وجوده من الناحية القانونية. كذلك فإن الطعن بعدم دستورية نص في اتفاقية دولية إنما يطرح بحكم اللزوم توافر المتطلبات الشكلية التي استلزمتها المادة 151 من الدستور ليكون للاتفاقية قوة القانون وذلك فيما يتعلق بإبرامها والتصديق عليها ونشرها وفقا للأوضاع المقررة.
6 - إن المصلحة الشخصية المباشرة - وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية - مناطها - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم في المسألة الدستورية لازما للفصل في الطلبات المرتبطة بها المطروحة أمام محكمة الموضوع، بما مؤداه أن شرط المصلحة الشخصية المباشر يعتبر متصلا بالحق في الدعوى ومرتبطا بالخصم الذي أثار المسألة الدستورية وليس بهذه المسألة في ذاتها منظورا إليها بصفة مجردة ومن ثم يبرز شرط المصلحة الشخصية المباشرة باعتباره مبلورا فكرة الخصومة في الدعوى الدستورية، محددا نطاق المسألة الدستورية التي تدعى هذه المحكمة للفصل فيها، منفصلا دوما عن موافقة النص التشريعي المطعون عليه لأحكام الدستور أو مخالفته لضوابطه، مستلزما أبدا أن يكون الحكم الصادر في المسألة الدستورية موطئا للفصل في مسألة كلية أو فرعية تدور حولها الخصومة في الدعوى الموضوعية.
7 - ليس في نص المادة 15 من الاتفاقية المذكورة ما ينتقص من حق التقاضي المكفول دستوريا، ذلك أن عدم سريان القوانين والقرارات المنظمة لشئون العمل الفردي على العاملين بالمصرف لا يتضمن منعهم من اللجوء إلى القضاء ولا يحجب القضاء عن الفصل - بحيدة واستقلال - في المنازعات القائمة بينهم والمصرف.
8 - إن مبدأ المساواة الذي كفله الدستور في المادة 40 منه لا يعنى - على ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة - وجوب معاملة الجميع على ما بينهم من تفاوت في مراكزهم القانونية معاملة قانونية متكافئة، ولا يقوم هذا المبدأ على معارضة صور التمييز جميعها، ذلك أن من بينها ما يستند إلى أسس موضوعية فلا ينطوي بالتالي على مخالفة النص الدستوري المشار إليه، بما مؤداه أن التمييز المنهى عنه دستوريا هو ذلك الذي يكون تحكميا، ذلك أن كل تنظيم تشريعي لا يعتبر مقصودا لذاته بل لتحقيق أغراض بعينها تعكس مشروعيتها إطارا للمصلحة العامة التي يسعى المشرع إلى تحقيقها من وراء هذا التنظيم، فإذا كان النص التشريعي منطويا على تمييز يعتبر مصادما لهذه الأغراض بحيث يستحيل منطقيا ربطه بها أو اعتباره مدخلا إليها، وقع التمييز تحكميا غير مستند إلى أسس موضوعية مجافيا لمبدأ المساواة القانونية الذي كفله الدستور.
9 - إنشاء المصرف العربي الدولي تم بمقتضى اتفاقية دولية وقعتها الحكومات الثلاث المؤسسة له، وفتحت باب الانضمام إليها للحكومات والهيئات والمؤسسات العربية الأخرى، وأجازت إنشاء فروع أو توكيلات له في البلدان العربية وخارجها، ونصت على أن جميع معاملاته لا تتم إلا بالعملات الحرة القابلة للتحويل التي يحددها مجلس الإدارة، كما نصت على بعض المزايا الممنوحة للمصرف والمساهمين والمودعين فيه وعلى مزايا تمنح للعاملين به كالحصانة ضد الإجراءات القانونية فيما يقومون به من أعمال بصفتهم الرسمية، والإعفاء من قيود الهجرة وإجراءات تسجيل الأجانب وتحويل حقوقهم إلى موطنهم الأصلي، وذلك بالنسبة لموظفي المصرف من غير رعايا دولة المقر، فإن ذلك - وإن لم يسبغ على اتفاقية تأسيس المصرف صفة الأعمال السياسية "التي تخرجها عن ولاية الرقابة القضائية على الدستورية" يجعل لهذا المصرف - والعاملين به وضعا خاصا ومركزا قانونيا يختلف فيه عن بنوك القطاع العام والخاص الأخرى. ومراعاة لهذا الوضع الخاص واستهدافا لتوفير أكبر قدر من المرونة في إدارة المصرف، ورد النص المطعون عليه، ليخول مجلس إدارته - وفقا للمادة 34 من نظامه الأساسي - وضع نظام خاص للعاملين به. وإذ كان هذا النص لا يتضمن إخلالا بحق العاملين في المصرف في اللجوء إلى القضاء طلبا للنصفة فيما قد يثور بينهم وبينه من منازعات، فإن النعي بمخالفته مبدأ المساواة لا يكون له من أساس.


الإجراءات

بتاريخ 9 أبريل سنة 1992 أودع المدعى قلم كتاب المحكمة صحيفة الدعوى الماثلة طالبا الحكم بعدم دستورية قرار رئيس الجمهورية رقم 547 لسنة 1974 بشأن الموافقة على اتفاقية تأسيس المصرف العربي الدولي للتجارة الخارجية والتنمية والنظام الأساسي الملحق بها، ونصوص المواد 9، 12، 13، 15 من هذه الاتفاقية.
وقدم المدعى عليه الثالث مذكرة طلب فيها أصليا القضاء بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى، واحتياطيا الحكم بعدم قبولها بالنسبة إلى الطعن على نصوص المواد 9، 12، 13 من الاتفاقية ورفضها بالنسبة للطعن على نص المادة 15 منها.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، رددت فيها ذات طلبات المدعى عليه الثالث.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرا برأيها.
ونظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - تتحصل في أن المدعى - وهو أحد العاملين بالمصرف العربي الدولي للتجارة الخارجية والتنمية - كان قد أقام الدعوى رقم 31 لسنة 1992 عمال كلي الإسكندرية طالبا الحكم بصفة مستعجلة بإيقاف القرار الذي أصدره المصرف بنقله إلى القاهرة، وإعادته إلى مقر عمله بفرع الإسكندرية، وترقيته إلى الشريحة السابعة، وتقليده رئاسة الحسابات بالفرع المذكور، وإلزام المصرف بتعويضه بمبلغ 350.000 ثلاثمائة وخمسون ألفاً من الجنيهات لقاء ما أصابه من أضرار من جراء قرار نقله. وبجلسة 8 مارس سنة 1992، دفع الحاضر عن المصرف بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى على سند من المادة 15 من اتفاقية تأسيس المصرف التي تستبعد تطبيق قانون عقد العمل الفردي على العاملين بالمصرف، فدفع المدعى - بدوره - بعدم دستورية نصوص المواد 9، 12، 13، 15 من تلك الاتفاقية. وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية دفعه، صرحت له باتخاذ إجراءات الطعن بعدم دستورية هذه النصوص، فأقام الدعوى الماثلة طعنا على المواد سالفة الذكر وعلى قرار رئيس الجمهورية رقم 547 لسنة 1974 بالموافقة على الاتفاقية المشار إليها.
وحيث إن المدعى عليهما الأول والثالث دفعا بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى الراهنة تأسيسا على أن اتفاقية تأسيس المصرف المشار إليه وقرار رئيس الجمهورية الصادر بالموافقة عليها يعتبران من أعمال السيادة التي تنأى بحسب طبيعتها أن تكون محلا للرقابة القضائية، بمقولة أن إنشاء هذا المصرف إنما استهدف بناء الاقتصاد العربي على أساس متين تلبية لمتطلبات التنمية العربية الاقتصادية والاجتماعية، وأن قرار رئيس الجمهورية بالموافقة على هذه الاتفاقية صدر بعد موافقة مجلس الشعب عليها لاندراجها ضمن الاتفاقيات التي حددتها حصرا الفقرة الثانية من المادة 151 من الدستور.
وحيث إنه وإن كانت أعمال السيادة في أصلها الفرنسي قضائية المنشأ، إذ ظهرت أول الأمر في ساحة القضاء الإداري الفرنسي، إلا أنها في مصر ذات أساس تشريعي يرتد إلى بداية التنظيم القضائي الحديث، فقد أقرها المشرع - بنصوص صريحة - في صلب التشريعات المتعاقبة المنظمة للسلطة القضائية، وقد جرى القضاء الدستوري - في الدول الآخذة به - على استبعاد الأعمال السياسية" من نطاق ولايته وخروجها بالتالي من مجال رقابته على دستورية التشريع.
وحيث إن الدستور وقانون المحكمة الدستورية العليا بالقانون رقم 48 لسنة 1979 قد اختصا هذه المحكمة دون غيرها بالرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح، واستهدفا بذلك ضمان الشرعية الدستورية بصون الدستور القائم وحمايته من الخروج على أحكامه، وترسيخ مفهوم الديمقراطية التي أرساها سواء ما اتصل منه بتوكيد السيادة الشعبية - وهى جوهر الديمقراطية - أو بكفالة الحريات والحقوق العامة - وهى هدفها - أو بالمشاركة في ممارسة السلطة - وهى وسيلتها - وذلك على نحو ما جرت به نصوصه ومبادئه التي تمثل الأصول والقواعد التي يقوم عليها نظام الحكم وتستوى على القمة في مدارج البنيان القانوني ولها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام. ومن ثم يتعين - باعتبارها أسمى القواعد الأمرة - التزامها، وإهدار ما يخالفها من تشريعات. وإذ كانت الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح تجد أساسها - كأصل عام - في مبدأ الشرعية وسيادة القانون وخضوع الدولة له، إلا أنه يرد على هذا الأصل - وفقا لما جرى عليه قضاء هذه المحكمة - استبعاد "الأعمال السياسية" من مجال هذه الرقابة القضائية تأسيسا على أن طبيعة هذه الأعمال تأبى أن تكون محلا لدعوى قضائية.
وحيث إن العبرة في تحديد التكييف القانوني "للأعمال السياسية" وعلى ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة - هي بطبيعة العمل ذاته لا بالأوصاف التي قد يخلعها المشرع على متى كانت طبيعته تتنافى وهذه الأوصاف، ذلك أن استبعاد "الأعمال السياسية" من ولاية القضاء الدستوري إنما يأتي تحقيقا للاعتبارات السياسية التي تقتضى - بسبب طبيعة هذه الأعمال واتصالها بنظام الدولة السياسي اتصالا وثيقا أو بسيادتها في الداخل أو الخارج - النأي بها عن نطاق الرقابة القضائية استجابة لدواعي الحفاظ على الدولة والذود عن سيادتها ورعاية مصالحها العليا، مما يقتضى منح الجهة القائمة بهذه الأعمال - سواء كانت هي السلطة التشريعية أو التنفيذية - سلطة تقديرية أوسع مدى وأبعد نطاقا تحقيقا لصالح الوطن وسلامته، دون تخويل القضاء سلطة التعقيب على ما تتخذه في هذه الصدد، ولأن النظر فيها والتعقيب عليها يستلزم توافر معلومات وضوابط وموازين تقدير لا تتاح للقضاء، فضلا عن عدم ملاءمة طرح هذه المسائل علنا في ساحاته. ومن ثم فالمحكمة الدستورية العليا وحدها هي التي تحدد - بالنظر إلى طبيعة المسائل التي تنظمها النصوص المطعون عليها - ما إذا كانت النصوص المطروحة عليها تعتبر من "الأعمال السياسية" فتخرج عن ولايتها بالرقابة على الدستورية، أم أنها ليست كذلك فتبسط عليها رقابتها.
وحيث إنه وإن كانت نظرية "الأعمال السياسية" - كقيد على ولاية القضاء الدستوري - تجد في ميدان العلاقات ولاتفاقيات الدولية معظم تطبيقاتها بأكثر مما يقع في المجال الداخلي، نظرا لارتباط ذلك الميدان بالاعتبارات السياسية وسيادة الدولة ومصالحها العليا، إلا أنه ليس صحيحا إطلاق القول بأن جميع الاتفاقيات الدولة - أيا كان موضوعها - تعتبر من "الأعمال السياسية". كما أنه ليس صحيحا أيضا القول بأن الاتفاقيات الدولية التي حددتها الفقرة الثانية من المادة 151 من الدستور واستلزمت عرضها على مجلس الشعب وموافقته عليها، تضحى جميعها - وتلقائيا - من "الأعمال السياسية" التي تخرج عن ولاية القضاء الدستوري، ذلك أن كلا القولين السابقين يتناقض والأساس الذي تقوم عليه اعتبارات استبعاد هذه الأعمال من الرقابة القضائية على دستوريتها، وهى اعتبارات ترجع إلى طبيعة الأعمال ذاتها وليس إلى طريقة أو إجراءات إبرامها والتصديق عليها.
وحيث إن البين من اتفاقية تأسيس المصرف العربي الدولي ونظامه الأساسي الذي يعتبر - وفقا لمادتها الأولى - جزءا لا يتجزأ منه، أن حكومات مصر وليبيا وسلطنة عمان اتفقت على تأسيس هذا المصرف وقد انضم إليهم - حال إبرام الاتفاقية - أحد المواطنين الكويتيين. وقد فتحت الاتفاقية باب الانضمام إليها - وفقا لمادتها الثانية - للحكومات العربية الأخرى وكذلك للبنوك والهيئات والمؤسسات والشركات العربية وأيضا للأفراد العرب، وأن هذا المصرف بالأعمال التجارية التي تقوم بها البنوك التجارية عادة من قبول للودائع وتقديم للقروض وتحرير وتظهير للأوراق المالية والتجارية وتمويل لعمليات التجارة الخارجية وتنظيم للمساهمة في برامج ومشروعات الاستثمار، وأن المصرف يزاول أعماله في مجال التجارة الخارجية وفقا للقواعد والأسس المصرفية الدولية السائدة، وان يكون للمصرف الشخصية القانونية وله في سبيل تحقيق أغراضه إبرام اتفاقيات مع الدول الأعضاء أو غير الأعضاء وكذلك مع المؤسسات الدولية الأخرى. وله التملك والتعاقد، ويديره مجلس إدارة من ممثلين للمساهمين يتم اختيارهم لمدة ثلاث سنوات قابلة للتجديد. و أن مدة المصرف خمسون عام، وحدد النظام الأساسي للمصرف أحوال حله وكيفية تصفية أمواله.
وحيث إن مؤدى ما تقدم، أن الاتفاقية المشار إليها إنما تتمحض عن إنشاء بنك يقوم بالأعمال التي تقوم بها البنوك التجارية، فلا يسوغ اعتبارها من "الأعمال السياسية" التي تنحسر عنها رقابة القضاء الدستوري، ولا يغير من ذلك ما تضمنته بعض نصوص الاتفاقية من امتيازات معينة للمصرف أو لموظفيه أو لأموال المساهمين أو المودعين فيه. كما لا يغير من ذلك ما ورد بصدر هذه الاتفاقية بشأن البواعث التي دفعت الحكومات العربية الموقعة عليها إلى تأسيس هذا المصرف. ومن ثم يكون الدفع بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى الماثلة قائما على غير أساس واجب الاطراح.
وحيث إنه وإن كان الثابت من الأوراق أن المدعى قد قصر دفعه بعدم الدستورية الذي أبداه أمام محكمة الموضوع على نصوص المواد 9، 12، 13، 15 من اتفاقية تأسيس المصرف المشار إليه، وفى هذه الحدود فحسب قدرت تلك المحكمة جدية الدفع وصرحت له باتخاذ إجراءات الطعن بعدم الدستورية، وكان المقرر - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن نطاق الدعوى الدستورية يتحدد بنطاق الدفع بعدم الدستورية وفى حدود النصوص التي صرحت محكمة الموضوع للمدعى بالطعن عليها، وذلك استنادا إلى أن الأوضاع الإجرائية المنصوص عليها في المادة 29 من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 - سواء ما اتصل منها بطريقة رفع الدعوى أو بميعاد رفعها - تتعلق بالنظام العام باعتبارها أشكالا جوهرية في التقاضي في المسائل الدستورية تغيا بها المشرع مصلحة عامة حتى ينتظم التداعي في المسائل الدستورية بالإجراءات التي رسمها وفى الموعد الذي حدده، إلا أن الدعوى الدستورية التي تتضمن طعنا بعدم دستورية نص قانوني تطرح ابتداء أمام المحكمة مدى توافر مقوماته الشكلية التي لا يستقيم بتخلفها وجوده من الناحية القانونية. كذلك فإن الطعن بعدم دستورية نص في اتفاقية دولية إنما يطرح بحكم اللزوم توافر المتطلبات الشكلية التي استلزمتها المادة 151 من الدستور ليكون للاتفاقية قوة القانون، وذلك فيما يتعلق بإبرامها والتصديق عليها ونشرها وفقا للأوضاع المقررة. ومن ثم فإن الطعن على النصوص سالفة الذكر إنما يتسع كذلك للنظر في قرار رئيس الجمهورية رقم 547 لسنة 1974 بالموافقة على الاتفاقية المشار إليها، ولو لم ترخص محكمة الموضوع للمدعى بالطعن عليه.
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة - وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية - مناطها - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم في المسألة الدستورية لازما للفصل في الطلبات المرتبطة بها المطروحة أمام محكمة الموضوع، بما مؤداه أن شرط المصلحة الشخصية المباشر يعتبر متصلا بالحق في الدعوى ومرتبطا بالخصم الذي أثار المسألة الدستورية وليس بهذه المسألة في ذاتها منظورا إليها بصفة مجردة. ومن ثم يبرز شرط المصلحة الشخصية المباشرة باعتباره مبلورا فكرة الخصومة في الدعوى الدستورية، محددا نطاق المسألة الدستورية التي تدعى هذه المحكمة للفصل فيها، منفصلا دوما عن موافقة النص التشريعي المطعون عليه لأحكام الدستور أو مخالفته لضوابطه، مستلزما أبدا أن يكون الحكم الصادر في المسألة الدستورية موطئا للفصل في مسألة كلية أو فرعية تدور حولها الخصومة في الدعوى الموضوعية.
وحيث إن المدعى إنما يستهدف بدعواه الموضوعية إلغاء قرار نقله إلى القاهرة وإعادته إلى العمل بفرع المصرف بالإسكندرية وترقيته إلى الشريحة السابعة وتقليده رئاسة الحسابات بفرع الإسكندرية، وتعويضه عما أصابه من أضرار نتيجة لنقله. وإذ دفع المدعى عليه في تلك الدعوى بعدم اختصاص محكمة الموضوع بنظرها، أثار المدعى دفعه بعدم دستورية مواد الاتفاقية الأربع السالف الإشارة إليها.
وحيث إن المادة 9 من الاتفاقية تحظر تأميم أو مصادرة المصرف أو فرض الحراسة عليه أو على أنصبة الأشخاص - الاعتبارية أو الطبيعية - في رأس ماله أو على المبالغ المودعة به، وتمنع اتخاذ إجراءات الحجز القضائي أو الإداري عليها. كما تقرر المادة 12 عدم خضوع المصرف وفروعه وتوكيلاته وسجلاته ووثائقه ومحفوظاته لقوانين وقواعد الرقابة والتفتيش القضائي أو الإداري أو المحاسبي. وتنص المادة 13 على سرية حسابات المودعين وعدم جواز اتخاذ إجراءات الحجز القضائي والإداري عليها. إذ كان ذلك، وكانت أحكام هذه النصوص جميعها لا أثر لها على الطلبات والدفوع المطروحة في الدعوى الموضوعية، ومن ثم فلا تتوافر للمدعى مصلحة في الطعن بعدم دستورية نصوص المواد الثلاث سالفة الذكر.
وحيث إن المادة 15 من اتفاقية تأسيس المصرف تنص على أنه "لا تسرى على رئيس وأعضاء مجلس إدارة المصرف وجميع موظفيه القوانين والقرارات المنظمة لشئون العمل الفردي والتوظيف والأجور والمرتبات والمكافآت والمعاشات والتأمينات الاجتماعية سواء في الحكومة أو المؤسسات العامة والشركات التابعة لها أو الشركات المساهمة. وكذلك لا تسرى عليهم كافة القواعد المنظمة لسفر الموظفين والعمال. ويتمتع رئيس وأعضاء مجلس إدارة المصرف وجميع موظفيه بحصانة ضد الإجراءات القانونية فيما يتعلق بالأعمال القانونية التي يقومون بها بصفتهم الرسمية، وإذا لم يكونوا من رعايا دولة المقر الرئيسي، فإنهم يمنحون نفس الحصانات ويعفون من قيود الهجرة وإجراءات تسجيل الأجانب"، وكان المدعى قد أبدى - في الدعوى الموضوعية - دفعه بعدم دستورية نص تلك المادة ردا على الدفع بعدم اختصاص محكمة الموضوع على سند من عدم سريان قانون العمل الفردي على موظفي البنك، فإن مصلحة المدعى في الدعوى الدستورية الماثلة تقتصر - والحالة هذه - على طلب الحكم بعدم دستورية النص سالف الذكر فيما تضمنه من عدم سريان القوانين والقرارات المنظمة لشئون العمل الفردي على موظفي المصرف، أما الأحكام الأخرى التي تنص عليها تلك المادة فلا علاقة لها بالدعوى الموضوعية أو بالطلبات والدفوع المطروحة فيها، ومن ثم فلا تتوافر للمدعى مصلحة في الطعن عليها.
وحيث إن المدعى ينعى على النص المطعون عليه - بالتحديد السالف بيانه - إخلاله بحق التقاضي الذي كفله الدستور في المادة 68 للناس كافة، بمقولة أنه إذ يؤدى إلى عدم اختصاص المحكمة العمالية بالفصل في دعواه الموضوعية، فإنها تصبح بغير قاض يختص بنظرها بما يفضى إلى إنكار العدالة، طالما أن اتفاقية تأسيس المصرف لم تنشئ جهازا قضائيا خاصا يتولى فض المنازعات بين المصرف والعاملين به.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أن ليس في النص المطعون عليه ما ينتقص من حق التقاضي المكفول دستوريا بحلقاته الثلاث بدءا من النفاذ الميسر إلى القضاء وانتهاء بالترضية القضائية التي تكفل رد العدوان على الحقوق مرورا بحيدة المحكمة التي تتولى الفصل في النزاع وحصانة واستقلال أعضائها وتوفر الضمانات الإجرائية والموضوعية التي تكفل حق الدفاع، ذلك أن عدم سريان القوانين والقرارات المنظمة لشئون العمل الفردي على العاملين بالمصرف لا يتضمن منعهم من اللجوء إلى القضاء ولا يحجب القضاء عن الفصل - بحيدة واستقلال - في المنازعات القائمة بينهم والمصرف. ومن ثم تكون قالة إخلال النص المطعون عليه بحق التقاضي فاقدة لأساسها.
وحيث إن المدعى ينعى على النص المطعون عليه كذلك أنه يخالف مبدأ المساواة الذي نص عليه الدستور في المادة 40 منه، بمقولة أنه يميز المصرف بمنحه حصانة لا وجود لها بالنسبة للبنوك الأخرى. كما أنه يخل بحق العاملين به في المساواة بزملائهم العاملين بقطاع البنوك، إذ يهدر حق العاملين بالمصرف في الالتجاء إلى القضاء لفض المنازعات القائمة بينهم وبين المصرف.
وحيث إن هذا النعي - بدوره - مردود، ذلك أن مبدأ المساواة الذي كفله الدستور في المادة 40 منه لا يعنى - على ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة - وجوب معاملة الجميع على ما بينهم من تفاوت في مراكزهم القانونية معاملة قانونية متكافئة. ولا يقوم هذا المبدأ على معارضة صور التمييز جميعها، ذلك أن من بينها ما يستند إلى أسس موضوعية فلا ينطوي بالتالي على مخالفة النص الدستوري المشار إليه، بما مؤداه أن التمييز المنهى عنه دستوريا هو ذلك الذي يكون تحكميا، إذ أن كل تنظيم تشريعي لا يعتبر مقصودا لذاته، بل لتحقيق أغراض بعينها تعكس مشروعيتها إطارا للمصلحة العامة التي يسعى المشرع إلى تحقيقها من وراء هذا التنظيم. فإذا كان النص التشريعي منطويا على تمييز يعتبر مصادما لهذه الأغراض بحيث يستحيل منطقيا ربطه بها أو اعتباره مدخلا إليها، وقع التمييز تحكميا غير مستند إلى أسس موضوعية مجافيا لمبدأ المساواة القانونية الذي كفله الدستور.
متى كان ذلك، وكان إنشاء هذا المصرف قد تم بمقتضى اتفاقية دولية وقعتها الحكومات الثلاث المؤسسة له، وفتحت باب الانضمام إليها للحكومات والهيئات والمؤسسات العربية الأخرى، وأجازت إنشاء فروع أو توكيلات له في البلدان العربية وخارجها، ونصت على أن جميع معاملاته لا تتم إلا بالعملات الحرة القابلة للتحويل التي يحددها مجلس الإدارة، كما نصت على بعض المزايا الممنوحة للمصرف والمساهمين والمودعين فيه وعلى مزايا تمنح للعاملين به كالحصانة ضد الإجراءات القانونية فيما يقومون به من أعمال بصفتهم الرسمية، والإعفاء من قيود الهجرة وإجراءات تسجيل الأجانب وتحويل حقوقهم إلى موطنهم الأصلي، وذلك بالنسبة لموظفي المصرف من غير رعايا دولة المقر، فإن ذلك - وإن لم يسبغ على اتفاقية تأسيس المصرف صفة الأعمال السياسية التي تخرجها عن ولاية الرقابة القضائية على الدستورية - يجعل لهذا المصرف - والعاملين به وضعا خاصا ومركزا قانونيا يختلف فيه عن بنوك القطاع العام أو الخاص الأخرى. ومراعاة لهذا الوضع الخاص واستهدافا لتوفير أكبر قدر من المرونة في إدارة المصرف، ورد النص المطعون عليه، ليخول مجلس إدارته - وفقا للمادة 34 من نظامه الأساسي - وضع نظام خاص للعاملين به. وإذ كان هذا النص المطعون عليه لا يتضمن - كما سبق البيان - إخلالا بحق العاملين في المصرف في اللجوء إلى القضاء للنصفة فيما قد يثور بينهم وبينه من منازعات، فإن النعي بمخالفة النص المطعون عليه لمبدأ المساواة لا يكون له من أساس.
وحيث إن النص المطعون عليه لا يخالف أحكام الدستور من أى وجه آخر.

فلهذه الأسباب:

حكمت المحكمة بعدم قبول الدعوى بالنسبة إلى الطعن بعدم دستورية المواد أرقام 9، 12، 13 من اتفاقية تأسيس المصرف العربي الدولي للتجارة الخارجية والتنمية، وبرفضها بالنسبة إلى الطعن بعدم دستورية ما تتضمنه المادة 15 منها من استبعاد تطبيق القوانين والقرارات المنظمة لشئون العمل الفردي على العاملين بالمصرف، وبمصادره الكفالة، وألزمت المدعى المصروفات، ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة.


صدر هذا الحكم من الهيئة المبينة بصدره أما السيد المستشار محمد ولى الدين جلال الذي سمع المرافعة وحضر المداولة ووقع مسودة هذا الحكم فقد جلس بدله عند تلاوته السيد المستشار محمد عبد القادر عبد الله.