الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 8 ديسمبر 2021

الطعن 1 لسنة 19 ق جلسة 5/ 2/ 2000 دستورية عليا مكتب فني 9 طلبات أعضاء ق 2 ص 1348

جلسة 5 فبراير سنة 2000

برئاسة السيد المستشار/ محمد ولي الدين جلال - رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: حمدي محمد علي والدكتور عبد المجيد فياض وماهر البحيري ومحمد علي سيف الدين وعدلي محمود منصور ومحمد عبد القادر عبد الله،

وحضور السيد المستشار/ عبد الوهاب عبد الرازق حسن - رئيس هيئة المفوضين،

وحضور السيد/ ناصر إمام محمد حسن - أمين السر.

------------

قاعدة رقم (2)
القضية رقم 1 لسنة 19 "طلبات أعضاء"

(1) المحكمة الدستورية العليا "طلبات الأعضاء: محكمة موضوع".
الطلبات الخاصة بأعضاء المحكمة والمستحقين عنهم فيما يتعلق بمرتباتهم ومكافآتهم ومعاشاتهم وكذلك القرارات الإدارية الصادرة في شئونهم إلغاءً وتعويضاً تفصل فيها المحكمة بوصفها محكمة موضوع - للمحكمة أن تفصل في المسائل الدستورية التي يطرحها الخصم عليها من خلال دفع بعدم الدستورية تقدر هي جديته.
(2) دعوى دستورية "المصلحة: مناطها".
المصلحة في الدعوى الدستورية، وهي شرط لقبولها، مناطها ارتباطها بصلة منطقية بالمصلحة القائمة في النزاع الموضوعي وذلك بأن يكون الحكم الصادر في المسألة الدستورية لازماً للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها.
(3) دستور "المادة 13" - حق العمل - حرية الإبداع".
حق العمل وفق نص المادة 13 من الدستور لا يجوز إهداره أو تقييده بما يعطل جوهره - العمل الذهني لصيق بحرية الإبداع وتشجيعه مطلوب عملاً بنص المادة 49 من الدستور.
(4) حق الملكية الخاصة "حمايتها" - حق العمل.
ارتداد الملكية الخاصة في العديد من جوانبها ومصادرها إلى ضمان حق العمل - عدم جواز المساس بالملكية الخاصة إلا على سبيل الاستثناء وفي الحدود التي يقتضيها تنظيمها.
(5) خدمات صحية واجتماعية "مبلغ شهري إضافي" - المحكمة الدستورية العليا - المحكمة العليا.
الخدمات الصحية والاجتماعية التي يكفلها صندوقها لأعضاء هاتين المحكمتين وأسرهم لا تعتبر من أعمال التبرع - من غير المتصور أن يكون الحق في الحصول عليها بما في ذلك المبلغ الشهري الإضافي معلقاً على شرط الامتناع عن العمل وهو أحد الحقوق المكفولة من الدستور لكل مواطن.
(6) مبدأ مساواة المواطنين أمام القانون "صونه".
ما يصون مبدأ المساواة هو ذلك التنظيم الذي يقيم تقسيماً تشريعياً ترتبط نصوصه بالأغراض المشروعة التي يتوخاها - انفصال هذه النصوص عن أهدافها أو عدم اتصال الوسائل بالمقاصد؛ أثره: اعتبار التمييز عسفاً.
(7) تشريع "المادة 4 من قرار رئيس المحكمة الدستورية العليا رقم 64 لسنة 1979 بنظام صندوق الخدمات الصحية والاجتماعية لأعضائها: عوار".
ما قضى به نص هذه المادة من حرمان العضو وأسرته من الانتفاع بنظام الصندوق إذا التحق بعمل مدة قيامه بذلك يخل بمبدأ المساواة بين أشخاص تتماثل مراكزهم القانونية ويهدر حق العمل ويمس الحماية المكفولة من الدستور للملكية الخاصة.
(8) تشريع "المادة 21 مكرراً (2) من قرار رئيس المحكمة الدستورية العليا رقم 64 لسنة 1979 معدلاً بالقرار رقم 7 لسنة 1986: عوار".
ما تضمنه نص هذه المادة من وقف صرف المبلغ الشهري الإضافي إذا التحق العضو بعمل داخل البلاد يتقاضى عنه دخلاً يهدر مبدأ المساواة ويخل بحق العمل ويمس الحماية المفروضة بحكم الدستور على الملكية الخاصة.

---------------
1 - البين من المادة 16 من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أنها اختصتها دون غيرها بالفصل في المسائل التي حددتها حصراً باعتبارها أولى من غيرها ببحثها، وإصدار حكم فيها، لتعلقها بأعضائها والمستحقين عنهم في الشئون التي تعنيهم مباشرة، وقوامها الطلبات الخاصة بمرتباتهم ومكافآتهم ومعاشاتهم وكذلك القرارات الإدارية النهائية الصادرة في أي شأن من شئونهم سواء تعلق الأمر بطلب إلغائها أم بالتعويض عنها؛ وتفصل المحكمة الدستورية العليا في تلك المسائل بوصفها محكمة موضوع تقصياً للعناصر الواقعية للنزاع المعروض عليها. وما يتصل بها من القواعد القانونية التي ينبغي تطبيقها في شأن هذا النزاع. وعليها قبل الخوض فيه، أن تفصل في المسائل الدستورية التي يطرحها الخصم عليها من خلال دفع بعدم الدستورية تقدر جديته.
2 - من المقرر - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن المصلحة في الدعوى الدستورية - وهي شرط لقبولها - مناطها ارتباطها بصلة منطقية بالمصلحة التي يقوم بها النزاع الموضوعي، وذلك بأن يكون الحكم الصادر في المسألة الدستورية لازماً للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها.
3 - البين من أحكام الدستور - بما يحقق تكاملها ويكفل عدم انعزال بعضها عن بعض في إطار الوحدة العضوية التي تجمعها وتصون ترابطها - أن حق العمل وفقاً لنص المادة 13 من الدستور، لا يمنح تفضلاً، ولا يتقرر إيثاراً، ولا يجوز إهداره أو تقييده بما يعطل جوهره، بل يعتبر أداؤه واجباً لا ينفصل عن الحق فيه، ومدخلاً إلى حياة لائقة قوامها الاطمئنان إلى غد أفضل، وبذلك تتكامل الشخصية الإنسانية من خلال إسهامها في تقدم الجماعة وإشباع احتياجاتها؛ وكلما كان العمل ذهنياً قائماً على الابتكار، كان لصيقاً بحرية الإبداع، وصار تشجيعه مطلوباً عملاً بنص المادة 49 من الدستور التي تكفل لكل مواطن حرية البحث العلمي والإبداع الأدبي والفني والثقافي مع ضمان وسائل تشجيعها، مؤكدة بذلك أن لكل فرد مجالاً حراً لتطوير ملكاته وقدراته، فلا يجوز تنحيتها أو فرض قيود جائزة تحد من انطلاقها.
4 - الملكية الخاصة - التي كفل الدستور صونها بنص المادتين 32 و34 - ترتد في عديد من جوانبها ومصادرها إلى ضمان حق العمل باعتباره أداة تكوينها ووسيلة تراكمها في الأغلب. وقد جرى قضاء هذه المحكمة، على أن الدستور - إعلاء من جهته لدور الملكية الخاصة، وتوكيداً لإسهامها في صون الأمن الاجتماعي - كفل حمايتها لكل فرد، ولم يجز المساس بها إلا على سبيل الاستثناء، وفي الحدود التي يقتضيها تنظيمها باعتبارها عائدة - في الأعم من الأحوال - إلى جهد صاحبها الذي بذل من أجلها الوقت والعرق والمال، وحرص بالعمل المتواصل على إنمائها وأحاطها الدستور بما قدره ضرورياً لصونها معبداً بها، وكافلاً من خلالها للتنمية الاقتصادية والاجتماعية أهم أدواتها، ليختص صاحبها دون غيره بثمارها ومنتجاتها وملحقاتها، فلا يرده عنها معتد، بل يقيها الدستور والقانون تعرض الأغيار لها، سواء بنقضها أو بانتقاصها من أطرافها، بما يعُينها على أداء دورها.
5 - الخدمات التي كفلها نظام صندوق الخدمات الصحية والاجتماعية لأعضاء المحكمة الدستورية العليا والمحكمة العليا وأعضاء هيئة المفوضين بها الحاليين والسابقين وشمل بها أسرهم، لا تعتبر من أعمال التبرع التي يقدمها الصندوق لمستحقيها، بل توخى المشرع بتقريرها أن تعينهم - مع المعاش الأصلي - على إشباع الحد الأدنى من احتياجاتهم بثاً للاطمئنان في نفوسهم، فلا يجوز حجبها أو الرجوع فيها أو وقفها بما يعطل حقوقاً كفلها الدستور لكل مواطن. ولا يجوز بالتالي أن يكون الحق فيها بما في ذلك المبلغ الشهري الإضافي حائلاً دون امتهان العضو - بعد تقاعده - أعمالاً يمارسها أو تقلده وظائف لا يكون بها طاقة عاطلة. ومن غير المتصور أن يكون الحق في الحصول عليها معلقاً على شرط الامتناع عن العمل، وهو أحد الحقوق التي كفلها الدستور لكل مواطن ولا يسوغ كذلك أن يرتد النصان المطعون فيهما عن قيم الحق والعدل ليحجباها - دون سند من الدستور - عن هؤلاء الذين كفلوا دوماً إرساء مقوماتها لغيرهم.
6 - مبدأ المساواة - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - ليس مبدأ تلقينياً جامداً ولا هو بقاعدة صماء تنبذ صور التمييز جميعها، ولا كافلاً لتلك الدقة الحسابية التي تقتضيها موازين العدل المطلق بين الأشياء. وإذا جاز للسلطة التشريعية أن تتخذ بنفسها ما تراه ملائماً من التدابير، لتنظيم موضوع محدد؛ وأن تغاير من خلال هذا التنظيم - ووفقاً لمقاييس منطقية - بين مراكز لا تتحد معطياتها، أو تتباين فيما بينها في الأسس التي تقوم عليها، إلا أن ما يصون مبدأ المساواة، ولا ينقض محتواه، هو ذلك التنظيم الذي يقيم تقسيماً تشريعياً ترتبط فيه النصوص القانونية التي يضمها، بالأغراض المشروعة التي يتوخاها. فإذا قام الدليل على انفصال هذه النصوص عن أهدافها، أو كان اتصال الوسائل بالمقاصد واهياً، كان التمييز انفلاتاً وعسفاً، فلا يكون مشروعاً دستورياً.
7 ، 8 - إن أول النصين الطعينين إذ قضى بحرمان العضو وأسرته من الانتفاع بالنظام إذا التحق بعمل مدة قيامه بذلك، بينما أباح هذا الانتفاع لمن لا يزاول عملاً، كما أن ثانيهما إذ كفل اقتضاء المبلغ الشهري الإضافي لمن يباشرون عملاً يتقاضون عنه بدلاً أو مكافأة، ومنعه عمن يزاولون عملاً يتقاضون عنه دخلا آخر لا يتخذ شكل المكافأة أو البدل؛ فإنهما بذلك يكونان قد خالفا مبدأ المساواة بين أشخاص تتماثل مراكزهم القانونية، إذ ليس مفهوماً طبقاً للنص الأول التفرقة بين العضو الذي يعمل وبين غيره؛ وأن يكون العمل مباحاً في مفهوم النص الثاني إذا كان الأجر محدداً في شكل بدل أو مكافأة؛ ومحظوراً إذا اتخذ الأجر تسمية أخرى وفضلاً عن ذلك فإن النص يفتح للتحايل أبواباً عرضية، إذ يمكن دائماً تسمية مقابل العمل بالبدل أو المكافأة بغض النظر عن حقيقته، ومن غير المتصور أن يكون التمييز بين صور الأعمال تحكمياً، ولا أن يناهض التمييز التشريعي أحد الحقوق التي كفلها الدستور، وليس حق العمل إلا وثيق الصلة بالملكية وبالحرية الشخصية وبالحق في الإبداع، وجميعها من الحقوق التي حرص الدستور على صونها. وإهدارها أو تقييدها لا يستند إلى مصلحة مشروعة بل يناقضها.


الإجراءات

بتاريخ الثالث والعشرين من سبتمبر سنة 1997، أودع الطالب قلم كتاب المحكمة صحيفة هذا الطلب ابتغاء الحكم - قبل الفصل في الطلبات الموضوعية - أولاً: بعدم دستورية المادة 4/ أ من قرار رئيس المحكمة الدستورية العليا رقم 64 لسنة 1979 بنظام صندوق الخدمات الصحية والاجتماع لأعضاء المحكمة وأعضاء هيئة المفوضين بها فيما نصت عليه من وقف سريان النظام بالنسبة إلى العضو المنتفع وأسرته إذا التحق بعمل مدة قيامه بذلك. وبعدم دستورية المادة 21 مكرراً (2) من القرار المشار إليه المضافة بالقرار رقم 7 لسنة 1986 فيما نصت عليه من وقف صرف المبلغ الشهري الإضافي إذا التحق العضو بعمل داخل البلاد يتقاضى عنه دخلاً عدا المكافآت والبدلات. ثانياً: في موضوع الطلب؛ بأحقيته في استئناف الانتفاع بكافة الخدمات الصحية والاجتماعية المنصوص عليها في نظام صندوق الخدمات سالف الذكر اعتباراً من 29/ 5/ 1986 وما يترتب على ذلك من آثار وبأحقيته كذلك في المبلغ الشهري الإضافي المنصوص عليه في المادة 21 مكرراً (1) من القرار رقم 7 لسنة 1986 المشار إليه اعتباراً من تاريخ تقريره في 1/ 4/ 1986 مع ما يترتب على ذلك من آثار.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم بعدم قبول الشق الأول من الطلبات وبرفض الدعوى فيما عدا ذلك.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها، ثم قدمت تقريراً تكميلياً في الشق الدستوري من الطلب، تنفيذاً لقرار المحكمة بجلستها المعقودة في 5 من سبتمبر 1998.
ونظر الطلب على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيه بجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع - على ما يبين من صحيفة الطلب وسائر الأوراق - تتحصل في أن الطالب أقام الطلب الماثل أمام هذه المحكمة، وقال شرحاً له أنه عين مستشاراً بالمحكمة العليا بقرار رئيس الجمهورية رقم 222 لسنة 1970 الصادر في 7 فبراير سنة 1970 وانتهت خدمته بها ببلوغه سن التقاعد اعتباراً من 13/ 9/ 1977 وبلغت مدة خدمته في الهيئات القضائية - طبقاً للثابت بملف خدمته - ثمانية وثلاثين عاماً وثلاثة أشهر وقد سرى في حقه نظام صندوق الخدمات الصحية والاجتماعية لأعضاء المحكمة الدستورية العليا وأعضاء هيئة للمفوضين بها الصادر بقرار رئيس المحكمة رقم 64 لسنة 1979، حتى عين في 29/ 5/ 1986 عميداً لمعهد الدراسات الإسلامية فحجب عنه الصندوق خدماته استناداً إلى المادة 4 ( أ ) من نظامه، كما امتنع عن صرف المبلغ الشهري الإضافي المقرر بالمادة 21 مكرراً (1) من هذا النظام والمضافة إليه بقرار رئيس المحكمة رقم 7 لسنة 1986. ودفع الطالب بعدم دستورية هذين النصين؛ تأسيساً على مخالفتهما أحكام المواد 13، 32، 34، 40، 41، 49 من الدستور. وبمذكرته الختامية قصر الطالب طلباته الموضوعية على أحقيته في الانتفاع بخدمات الصندوق بما في ذلك المبلغ الشهري الإضافي من تاريخ حجبها عنه إلى 30 إبريل سنة 1998.
وحيث إن هيئة قضايا الدولة دفعت بعدم قبول الشق الدستوري من الطلب قولاً بأنه لا يعدو أن يكون دعوى الدستورية أقيمت بالطريق المباشر بالمخالفة للأوضاع التي رسمها قانون المحكمة الدستورية العليا.
وحيث إن هذا الدفع مردود بأن البين من المادة 16 من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أنها اختصتها دون غيرها بالفصل في المسائل التي حددتها حصراً باعتبارها أولى من غيرها ببحثها، وإصدار حكم فيها، لتعلقها بأعضائها والمستحقين عنهم في الشئون التي تعنيهم مباشرة، وقوامها الطلبات الخاصة بمرتباتهم ومكافآتهم ومعاشاتهم وكذلك القرارات الإدارية النهائية الصادرة في أي شأن من شئونهم سواء تعلق الأمر بطلب إلغائها أم بالتعويض عنها؛ وتفصل المحكمة الدستورية العليا في تلك المسائل بوصفها محكمة موضوع تقصياً للعناصر الواقعية للنزاع المعروض عليها. وما يتصل بها من القواعد القانونية التي ينبغي تطبيقها في شأن هذا النزاع. وعليها قبل الخوض فيه، أن تفصل في المسائل الدستورية التي يطرحها الخصم عليها من خلال دفع بعدم الدستورية تقدر جديته؛ لما كان ذلك وكان تقدير المحكمة الدستورية العليا - بوصفها محكمة موضوع - لجدية المسائل الدستورية التي تضمنتها صحيفة الطلب الماثل قد اقتضاها أن تحيلها إلى هيئة المفوضين بها لاستيفاء عناصرها، وكانت هيئة المفوضين قد قامت بتحضير هذه المسائل وقدمت تقريراً برأيها فيها، فإن هذا الدفع يكون في غير محله جديراً بالرفض.
وحيث إن رئيس المحكمة الدستورية العليا أصدر القرار رقم 64 لسنة 1979 بنظام صندوق الخدمات الصحية والاجتماعية لأعضاء المحكمة وأعضاء هيئة المفوضين بها متضمناً تحديد الأغراض التي يقوم عليها الصندوق ووسائل تنفيذها ومتابعتها، وصور الخدمات الصحية والاجتماعية التي يقدمها ومداها، وقضى في مادته الثانية بأنه في تطبيق أحكام هذا النظام يقصد بكلمة "العضو" رئيس المحكمة الدستورية العليا وأعضاؤها ورئيس هيئة المفوضين بها وأعضاؤها، الحاليون منهم والسابقون ورئيس وأعضاء المحكمة العليا السابقون، ثم نص في مادته الرابعة - الطعينة على أن يقف سريان هذا النظام بالنسبة إلى العضو المنتفع وأسرته:
( أ ) إذا التحق بعمل أو مارس مهنة مدة قيامه بذلك.
(ب) إذا أعير إلى هيئة دولية أو حكومة أجنبية وذلك طوال مدة الإعارة.
ثم أصدر رئيس المحكمة القرار رقم 7 لسنة 1986 بصرف مبلغ شهري إضافي لأصحاب المعاشات من أعضاء المحكمة وأعضاء هيئة المفوضين بها والمستحقين عنهم، مضيفاً بمقتضاه إلى قراره رقم 64 لسنة 1979 خمس مواد جديدة من بينها المادتان 21 مكرراً (1)، و21 مكرراً (2) اللتان تجريان على النحو الآتي:
مادة 21 مكرراً (1).
"يصرف لكل من استحق أو يستحق معاشاً من أعضاء المحكمة الدستورية العليا وهيئة المفوضين بها أو المحكمة العليا وانتهت خدمته فيها للعجز، أو ترك الخدمة بها لبلوغ سن التقاعد، أو أمضى في عضويتها وعضوية الهيئات القضائية الأخرى المنصوص عليها في القانون رقم 36 لسنة 1975 مدداً مجموعها خمسة عشر عاماً على الأقل، مبلغ شهري إضافي..... عن كل سنة من مدد العضوية ومدد الاشتغال بعد التخرج بعمل نظير أو بالمحاماة التي حسبت في المعاش وتعويض الدفعة الواحدة، بما فيها المدد المحسوبة بالقرار بقانون رقم 85 لسنة 1971 بجواز إعادة تعيين بعض أعضاء الهيئات القضائية، وبالقانون رقم 43 لسنة 1973 بشأن إعادة بعض أعضاء الهيئات القضائية إلى وظائفهم الأصلية ومدد الإعارة والندب والأجازات والبعثات والمنح والتجنيد والاستبقاء والاستدعاء للاحتياط، دون مضاعفة أية مدة ولا إضافة مدد أخرى زائدة أو اعتبارية أو افتراضية، ويجبر كسر الشهر شهراً وتُحسب كسور الجنيه جنيهاً.....
مادة 21 مكرراً (2)
يوقف صرف المبلغ الشهري الإضافي إذ التحق العضو بعمل داخل البلاد يتقاضى عنه دخلاً عدا المكافآت والبدلات، أو التحق بأي عمل خارجها، أو مارس مهنة تجارية في الداخل أو الخارج، ويعود الحق في صرفه في حالة ترك العمل أو المهنة....
وحيث إن من المقرر - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن المصلحة في الدعوى الدستورية - وهي شرط لقبولها - مناطها ارتباطها بصلة منطقية بالمصلحة التي يقوم بها النزاع الموضوعي، وذلك بأن يكون الحكم الصادر في المسألة الدستورية لازماً للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها؛ وكان النزاع الموضوعي يدور حول حرمان الطالب من الانتفاع بالخدمات الصحية والاجتماعية التي يوفرها الصندوق لأعضائه بما في ذلك المبلغ الشهري الإضافي؛ فإن نطاق الدعوى الدستورية التي تضمنها الطلب الماثل ينحصر فيما تنص عليه المادة 4 من نظام الصندوق من وقف سريانه بالنسبة إلى العضو المنتفع وأسرته إذا التحق بعمل مدة قيامه بذلك، وكذلك ما تنص عليه المادة 21 مكرراً (2) من هذا النظام من وقف صرف المبلغ الشهري الإضافي إذا التحق العضو بعمل داخل البلاد، ولا يمتد إلى غير ذلك من أحكامها.
وحيث إن الطالب ينعى على النصين المطعون فيهما - محددين إطاراً على النحو المتقدم - أنهما يضعان قيوداً جائزة على حق العمل وحرية البحث العلمي والإبداع الفني والثقافي بالمخالفة لحكم المادتين 13 و49 من الدستور، كما أنهما يتضمنان اعتداء على الملكية الخاصة التي كفل الدستور صونها بنص المادتين 32 و34، وينطويان كذلك على إخلال بمبدأ المساواة، واعتداء على الحرية الشخصية بالمخالفة لحكم المادتين 40 و41 من الدستور.
وحيث إن هذا النعي سديد في جوهره ذلك أن البين من أحكام الدستور - بما يحقق تكاملها ويكفل عدم انعزال بعضها عن بعض في إطار الوحدة العضوية التي تجمعها وتصون ترابطها - أن حق العمل وفقاً لنص المادة 13 من الدستور، لا يمنح تفضلاً، ولا يتقرر إيثاراً، ولا يجوز إهداره أو تقييده بما يعطل جوهره، بل يعتبر أداؤه واجباً لا ينفصل عن الحق فيه، ومدخلاً إلى حياة لائقة قوامها الاطمئنان إلى غد أفضل، وبذلك تتكامل الشخصية الإنسانية من خلال إسهامها في تقدم الجماعة وإشباع احتياجاتها؛ وكلما كان العمل ذهنياً قائماً على الابتكار، كان لصيقاً بحرية الإبداع، وصار تشجيعه مطلوباً عملاً بنص المادة 49 من الدستور التي تكفل لكل مواطن حرية البحث العلمي والإبداع الأدبي والفني والثقافي مع ضمان وسائل تشجيعها، مؤكدة بذلك أن لكل فرد مجالاً حراً لتطوير ملكاته وقدراته، فلا يجوز تنحيتها أو فرض قيود جائرة تحد من انطلاقها.
وحيث إن الملكية الخاصة - التي كفل الدستور صونها بنص المادتين 32 و34 - ترتد في عديد من جوانبها ومصادرها إلى ضمان حق العمل باعتباره أداة تكوينها ووسيلة تراكمها في الأغلب. وقد جرى قضاء هذه المحكمة، على أن الدستور - إعلاء من جهته لدور الملكية الخاصة، وتوكيداً لإسهامها في صون الأمن الاجتماعي - كفل حمايتها لكل فرد، ولم يجز المساس بها إلا على سبيل الاستثناء، وفي الحدود التي يقتضيها تنظيمها باعتبارها عائدة - في الأعم من الأحوال - إلى جهد صاحبها الذي بذل من أجلها الوقت والعرق والمال، وحرص بالعمل المتواصل على إنمائها وأحاطها الدستور بما قدره ضرورياً لصونها معبداً بها، وكافلاً من خلالها للتنمية الاقتصادية والاجتماعية أهم أدواتها، ليختص صاحبها دون غيره بثمارها ومنتجاتها وملحقاتها، فلا يرده عنها معتد، بل يقيها الدستور والقانون تعرض الأغيار لها، سواء بنقضها أو بانتقاصها من أطرافها، بما يعُينها على أداء دورها.
وحيث إن الخدمات التي كفلها نظام صندوق الخدمات الصحية والاجتماعية لأعضاء المحكمة الدستورية العليا والمحكمة العليا وأعضاء هيئة المفوضين بها الحاليين والسابقين وشمل بها أسرهم، لا تعتبر من أعمال التبرع التي يقدمها الصندوق لمستحقيها، بل توخى المشرع بتقريرها أن تعينهم - مع المعاش الأصلي - على إشباع الحد الأدنى من احتياجاتهم بثاً للاطمئنان في نفوسهم، فلا يجوز حجبها أو الرجوع فيها أو وقفها بما يعطل حقوقاً كفلها الدستور لكل مواطن. ولا يجوز بالتالي أن يكون الحق فيها بما في ذلك المبلغ الشهري الإضافي حائلاً دون امتهان العضو - بعد تقاعده - أعمالاً يمارسها أو تقلده وظائف لا يكون بها طاقة عاطلة. ومن غير المتصور أن يكون الحق في الحصول عليها معلقاً على شرط الامتناع عن العمل، وهو أحد الحقوق التي كفلها الدستور لكل مواطن ولا يسوغ كذلك أن يرتد النصان المطعون فيهما عن قيم الحق والعدل ليحجباها - دون سند من الدستور - عن هؤلاء الذين كفلوا دوماً إرساء مقوماتها لغيرهم.
وحيث إن مبدأ المساواة - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - ليس مبدأ تلقينياً جامداً ولا هو بقاعدة صماء تنبذ صور التمييز جميعها، ولا كافلاً لتلك الدقة الحسابية التي تقتضيها موازين العدل المطلق بين الأشياء. وإذا جاز للسلطة التشريعية أن تتخذ بنفسها ما تراه ملائماً من التدابير، لتنظيم موضوع محدد؛ وأن تغاير من خلال هذا التنظيم - ووفقاً لمقاييس منطقية - بين مراكز لا تتحد معطياتها، أو تتباين فيما بينها في الأسس التي تقوم عليها، إلا أن ما يصون مبدأ المساواة، ولا ينقض محتواه، هو ذلك التنظيم الذي يقيم تقسيماً تشريعياً ترتبط فيه النصوص القانونية التي يضمها، بالأغراض المشروعة التي يتوخاها. فإذا قام الدليل على انفصال هذه النصوص عن أهدافها، أو كان اتصال الوسائل بالمقاصد واهياً، كان التمييز انفلاتاً وعسفاً، فلا تكون مشروعاً دستورياً.
وحيث إن أول النصين الطعينين إذ قضى بحرمان العضو وأسرته من الانتفاع بالنظام إذا التحق بعمل مدة قيامه بذلك، بينما أباح هذا الانتفاع لمن لا يزاول عملاً، كما أن ثانيهما إذ كفل اقتضاء المبلغ الشهري الإضافي لمن يباشرون عملاً يتقاضون عنه بدلاً أو مكافأة، ومنعه عمن يزاولون عملاً يتقاضون عنه دخلا آخر لا يتخذ شكل المكافأة أو البدل؛ فإنهما بذلك يكونان قد خالفا مبدأ المساواة بين أشخاص تتماثل مراكزهم القانونية، إذ ليس مفهوماً طبقاً للنص الأول التفرقة بين العضو الذي يعمل وبين غيره، وأن يكون العمل مباحاً في مفهوم النص الثاني إذا كان الأجر محدداً في شكل بدل أو مكافأة؛ ومحظوراً إذا اتخذ الأجر تسمية أخرى وفصلاً عن ذلك فإن النص يفتح للتحايل أبواباً عريضة، إذ يمكن دائماً تسمية مقابل العمل بالبدل أو المكافأة بغض النظر عن حقيقته، ومن غير المتصور أن يكون التمييز بين صور الأعمال تحكمياً، ولا أن يناهض التمييز التشريعي أحد الحقوق التي كفلها الدستور، وليس حق العمل إلا وثيق الصلة بالملكية وبالحرية الشخصية وبالحق في الإبداع، وجميعها من الحقوق التي حرص الدستور على صونها. وإهدارها أو تقييدها لا يستند إلى مصلحة مشروعة بل يناقضها.
وحيث إن النصين الطعينين - فيما قرراه من وقف سريان نظام الصندوق بما في ذلك المبلغ الشهري الإضافي بالنسبة للعضو وأسرته إذا التحق بعمل - قد جاءا بذلك مخالفين لأحكام المواد 13 و32 و34 و40 و41 و49 من الدستور.
وحيث إن القضاء بعدم دستورية نص المادة 21 مكرراً (2) - المشار إليه في نطاقه المتقدم - يؤدي لزاماً إلى سقوط عبارة "عدا المكافآت والبدلات"، إذ لا تعدو أن تكون استثناءً من الحكم الوارد بذات النص فيسقط الاستثناء تبعاً لذلك.
وحيث إن إبطال النصين المطعون فيهما واللذين حجبا عن الطالب حقه في الانتفاع بالخدمات الصحية والاجتماعية بما في ذلك المبلغ الشهري الإضافي يعني انعدام وجودهما منذ مولدهما، مما يستتبع أحقية الطالب في دعواه الموضوعية.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة:
أولاً: بعدم دستورية نص المادة الرابعة من قرار رئيس المحكمة الدستورية العليا رقم 64 لسنة 1979 بنظام صندوق الخدمات الصحية والاجتماعية لأعضاء المحكمة وأعضاء هيئة المفوضين بها فيما تضمنه من وقف سريان هذا النظام بالنسبة إلى العضو المنتفع وأسرته إذا التحق بعمل.
ثانياً: بعدم دستورية نص المادة 21 مكرراً (2) من القرار المشار إليه معدلاً بالقرار رقم 7 لسنة 1986 فيما تضمنه من وقف صرف المبلغ الشهري الإضافي إذا التحق العضو بعمل داخل البلاد يتقاضى عنه دخلاً وبسقوط عبارة "عدا المكافآت والبدلات".
ثالثاً: بأحقية الطالب في الانتفاع بنظام صندوق الخدمات الصحية والاجتماعية بما في ذلك المبلغ الشهري الإضافي اعتباراً من تاريخ وقف انتفاعه به وحتى 30 من إبريل سنة 1998.
رابعاً: بإلزام الحكومة المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

الطعن 162 لسنة 19 ق جلسة 7 / 3 / 1998 دستورية عليا مكتب فني 9 دستورية ق 133 ص 1103

جلسة 7 مارس سنة 1998

برئاسة السيد المستشار الدكتور/ عوض محمد عوض المر - رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: محمد ولي الدين جلال ونهاد عبد الحميد خلاف وفاروق عبد الرحيم غنيم وحمدي محمد علي وسامي فرج يوسف والدكتور عبد المجيد فياض،

وحضور السيد المستشار الدكتور/ حنفي علي جبالي - رئيس هيئة المفوضين،

وحضور السيد/ حمدي أنور صابر - أمين السر.

----------------

قاعدة رقم (133)
القضية رقم 162 لسنة 19 قضائية "دستورية"

(1) دعوى دستورية "المصلحة الشخصية المباشرة: مناطها".
مناط المصلحة الشخصية المباشرة - وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية - ارتباطها عقلاً بالمصلحة التي يقوم بها النزاع الموضوعي، وذلك بأن يكون الحكم في المسائل الدستورية لازماً للفصل في الطلبات الموضوعية المتصلة بها.
(2) سلطة قضائية "استقلالها - حيدتها".
حيدة هذه السلطة عنصر فاعل في صون رسالتها لا تقل شأناً عن استقلالها بما يؤكد تكاملها.
(3) حق التقاضي "ترضية قضائية".
مؤدى حق التقاضي أن يكون لكل خصومة في نهاية مطافها حل منصف يمثل الترضية القضائية التي يقتضيها رد العدوان على الحقوق المدعى بها. افتراض هذه الترضية أن يكون مضمونها موافقاً لأحكام الدستور.
(4) هيئة قضايا الدولة "تحقيق - فصل في التهمة: ضمانات".
اتهام أحد أعضاء هيئة قضايا الدولة بالإخلال بالثقة والاعتبار اللازم توافرهما فيه أو خروجه على واجبات وظيفته ومقتضياتها ينبغي أن يكون مسبوقاً بتحقيق متكامل - يجب إسناد الفصل فيما هو منسوب إليه إلى هيئة قضائية في تشكيلها وضماناتها، وألا يكون من بين أعضائها من اتصل بإجراء سابق على توليها لمهامها سواء كان تحقيقاً أو اتهاماً.
(5) تشريع "المادتان 25 و26 من قانون هيئة قضايا الدولة: إهدار ضمانة الحيدة".
تضمنت المادتان المشار إليهما أن يرأس لجنة التأديب والتظلمات رئيس الهيئة الذي طلب إقامة الدعوى التأديبية: مؤدى ذلك: إهدار ضمانة الحيدة.
(6) حق الدفاع "تحقيق: ضرورته".
يعتبر حق الدفاع أحد الأركان الجوهرية لسيادة القانون لكفالته عدالة الخصومة القضائية - خلا نص الفقرة الثالثة من المادة 26 من قانون هيئة قضايا الدولة مما يحتم سماع أقوال العضو المحال إلى التحقيق؛ مؤدى ذلك: عدم جواز اعتبار التحقيق أساساً للاتهام.
(7) خصومة تأديبية "خصائصها - لجنة التأديب والتظلمات بهيئة قضايا الدولة: ضمانة الاستقلال".
للخصومة التأديبية في مجال العمل القضائي خصائصها التي ينافيها أن يُطرح أمرها على غير أهلها - تبعية أعضاء لجنة التأديب والتظلمات بالهيئة المذكورة لرؤسائهم ثم لوزير العدل، لا تنال من استقلالهم في أداء وظائفهم.
(8) حق التقاضي "درجة واحدة - سلطة تقديرية".
قصر التقاضي على درجة واحدة يدخل في إطار السلطة التقديرية للمشرع في مجال تنظيم الحقوق؛ مؤدى ذلك: أن الوقوف بالتقاضي في مجال الخصومة التأديبية عند درجة واحدة استناداً إلى أسس موضوعية، لا ينتقص من حق التقاضي.

-----------------
1 - المصلحة الشخصية المباشرة - وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية - مناطها ارتباطها عقلاً بالمصلحة التي يقوم بها النزاع الموضوعي، ذلك بأن يكون الفصل في المسائل الدستورية التي تدعي هذه المحكمة لحسمها، لازماً للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها؛ وكان نص المادة 25 من قانون هيئة قضايا الدولة - المطعون عليها - تقيم من لجنة التأديب والتظلمات جهة قضائية تفصل - دون غيرها - وبصفة نهائية، في تأديب أعضاء الهيئة؛ وفي منازعاتهم في شأن مكافآتهم ومرتباتهم؛ وكذلك فيما يصدر من القرارات الإدارية في غير ذلك من شئونهم سواء في مجال إلغائها أو التعويض عنها مما يدخل أصلاً في اختصاص القضاء؛ وكان عزل المدعي من وظيفته صادراً في خصومة تأديبية؛ وكانت المطاعن الدستورية التي أثارها المدعي تتعلق جميعها بما إذا كان يجوز للجنة التأديب المنصوص عليها في المادة 25 المطعون عليها، أن تفصل في خصومة تأديبية من طبيعة قضائية بقرار نهائي لا رجوع فيه؛ وكانت النصوص القانونية التي أحاط بها المشرع الدعوى التأديبية، وعلى الأخص من حيث رفعها، وضماناتها، والقائمين من أعضاء الهيئة بإجراء التحقيق الإداري السابق عليها، لا تقتصر على نص المادة 25 المطعون عليها، وإنما تكملها المادة التي تلتها؛ فإن المادتين 25 و26 من قانون الهيئة، تكونان متضاممتين، فلا تنفصلان، وبهما معاً يتحدد إطار المصلحة الشخصية المباشرة للمدعي، وكذلك نطاق الخصومة الدستورية.
2 - استقلال السلطة القضائية، وإن كان لازماً لضمان موضوعية الخضوع للقانون، ولحصول من يلوذون بها على الترضية القضائية التي يطلبونها عند وقوع عدوان على حقوقهم وحرياتهم، إلا أن حيدتها عنصر فاعل في صون رسالتها لا تقل شأناً عن استقلالها بما يؤكد تكاملهما؛ ذلك أن استقلال السلطة القضائية، يعني أن تعمل بعيداً عن أشكال التأثير الخارجي التي توهن عزائم رجالها، فيميلون معها عن الحق، إغواء أو إرغاماً، ترغيباً وترهيباً؛ فإذا كان انصرافهم عن إنفاذ الحق تحاملاً من جانبهم على أحد الخصوم، وانحيازاً لغيره - لمصالح ذاتية أو لغيرها من العوامل الداخلية التي تثير غرائز ممالأة فريق دون آخر - كان ذلك منهم تغليباً لأهواء النفس؛ منافياً لضمانة التجرد عند الفصل في الخصومة القضائية؛ ولحقيقة أن العمل القضائي لا يجوز أن يثير ظلالاً قاتمة حول حيدته، فلا يطمئن إليه متقاضون داخلتهم الريب فيه بعد أن صار نائياً عن القيم الرفيعة للوظيفة القضائية.
3 - حق التقاضي المنصوص عليه في المادة 68 من الدستور، مؤداه أن لكل خصومة - في نهاية مطافها - حلاً منصفاً يمثل الترضية القضائية التي يقتضيها رد العدوان على الحقوق المدعى بها. وتفترض هذه الترضية أن يكون مضمونها موافقاً لأحكام الدستور. وهي لا تكون كذلك إذا كان تقريرها عائداً إلى جهة أو هيئة تفتقر إلى استقلالها أو حيدتها أو هما معاً، ذلك أن هاتين الضمانتين - وقد فرضهما الدستور على ما تقدم - تعتبران قيداً على السلطة التقديرية التي يملكها المشرع في مجال تنظيم الحقوق. ومن ثم يلحق البطلان كل تنظيم تشريعي للخصومة القضائية على خلافهما.
4 - إخلال أحد أعضاء هيئة قضايا الدولة بالثقة والاعتبار اللذين ينبغي توافرهما فيه، أو بواجبات وظيفته أو مقتضياتها، يعتبر ذنباً إدارياً مؤاخذاً عليه قانوناً. وإسناده إليه ينبغي أن يكون مسبوقاً بتحقيق متكامل لا يقتصر على بعض عناصر الاتهام، بل يحيط بها جميعاً، ويمحص أدلتها مع ضمان الفرص الكافية التي يقتضيها سماع أقوال العضو المحال إلى التحقيق، فلا يكون التحقيق مبتسراً، أو مجرداً من ضمان موضوعيته، بل وافياً أميناً، وكلما استكمل التحقيق عناصره؛ وكان واشياً بأن للتهمة معينها من الأوراق؛ كان عرضه لازماً على الجهة التي أولاها المشرع مسئولية الفصل فيه، بشرطين أولهما: أن تكون قضائية في تشكيلها وضماناتها. ثانيهما: ألا يكون من بين أعضائها من اتصل بإجراء سابق على توليها لمهامها سواء كان تحقيقاً أو اتهاماً، ذلك أن عضو الهيئة القضائية يتولى وظيفة لها خطرها أوثق اتصالاً برسالتها. وادعاء الإخلال بها يكون سقيماً إذا كان بغير دليل، نائياً عماً يعتبر غيا، فلا يتسم بالاندفاع أو التحامل أو التعمل.
5 - الدعوى التأديبية - وعلى ما تنص عليه المادة 26 من قانون هيئة قضايا الدولة - لا تقام من وزير العدل إلا بناء على طلب من رئيسها؛ وكان الأصل ألا يقدم هذا الطلب منه قبل أن يستكمل التحقيق مجراه؛ وأن يكون قد أجال بصره فيه بعد عرضه عليه، مرجحاً - على ضوء اعتقاده - ما إذا كان بنيانه متماسكاً أو متهادماً؛ منتهياً من ذلك إلى المضي في الخصومة التأديبية أو التخلي عنها؛ وكان ذلك لا يعدو أن يكون رأياً مؤثراً في موضوعية ضوابطها، وحائلاً دون تأسيسها على ضمانة الحيدة التي لا يجوز إسقاطها عن أحد من المتقاضين لتسعهم جميعاً على تباينهم؛ فإن النص المطعون فيه يكون - في هذه الحدود - مخالفاً للدستور. كما أن رئيس الهيئة - وعلى ما تنص عليه المادة 26 من قانونها - لا يقدم إلى وزير العدل طلبه برفع الدعوى إلا بناء على تحقيق جنائياً كان، أم إدارياً. فإذا كان إدارياً تولاه أحد وكلاء الهيئة إذا كان المحال إلى التحقيق مستشاراً بها. فإن كان دون ذلك أجراه مستشار في إدارة التفتيش الفني، وكانت المادة 25 من قانون الهيئة تشكل لجنة التأديب والتظلمات بها من رئيسها وعشرة من أعضائها من بين نوابه ووكلائها ومستشاريها وفق أقدميتهم؛ وكان لا يجوز لجهة التحقيق ولا لسلطة الاتهام، أن تتصل بالجهة القضائية التي عهد إليها المشرع بمهمة الفصل في الخصومة التأديبية، فلا يباشر عملاً فيها من كان قائماً بالتحقيق الذي أفضى إليها، ضماناً لحيدتها وتوافر الأسس الموضوعية لقراراتها؛ فإن تشكيل تلك اللجنة يكون كذلك - وفي هذه الحدود - مخالفاً للدستور.
6 - ضمان الدستور لحق الدفاع، قد تقرر باعتباره أحد الأركان الجوهرية لسيادة القانون، كافلاً للخصومة القضائية عدالتها، وبما يصون قيمها، ويندرج تحتها ألا يكون الفصل فيها بعيداً عن أدلتها، أو نابذاً الحق في إجهاضها من خلال مقابلتها بما يهدمها من الأوراق وأقوال الشهود؛ فلا يكون ينيان الخصومة متحيفاً حقوق أحد من الخصوم؛ بل مكافئاً بين فرصهم في مجال إثباتها أو نفيها؛ استظهاراً لحقائقها، واتصالاً بكل عناصرها. متى كان ذلك؛ وكان نص الفقرة الثالثة من المادة 26 من قانون الهيئة، قد خلا مما يحتم سماع أقوال العضو المحال إلى التحقيق، فإن مضمونه يكون دائراً في الفراغ، ولا يجوز أن ينبني عليه اتهام.
7 - ما ينعاه المدعي من أن لجنة التأديب والتظلمات التي شكلها النص المطعون فيه لا تفصل في الخصومة التأديبية بصفة قضائية، وأن أعضاءها تابعون لرئيسها بحكم وظائفهم مما يؤثر في موضوعية قراراتها، مردود أولاً: بأن للخصومة التأديبية - في مجال العمل القضائي - خصائصها ودقائقها التي ينافيها أن يطرح أمرها على غير أهلها: لتظل خفاياها وراء جدران مغلقة لا تمتد إليها أبصار تريد هتكها؛ ولا آذن تتلصص عليها، ومردود ثانياً: بأن أعضاء هذه اللجنة يحتلون من الهيئة التي ينتمون إليها أعلى مواقعها، بل أن رئيسها يتصدرها. وجميعهم مدركون أكثر من غيرهم نطاق وظائفها، والحدود التي ينبغي فيها على أعضائها مباشرة واجباتهم؛ فلا يكون إسناد الفصل في الخصومة التأديبية إليهم تنصلاً من ضماناتها؛ بل توكيداً لأولويتهم في مجال البصر بشئونها، ومردود ثالثاً: بأن ما نص عليه قانون الهيئة من أن أعضاءها تابعون لرؤسائهم، ثم لوزير العدل، لا يفيد خضوعهم لسلطة يباشرها هؤلاء عليهم بما ينال من استقلالهم في أداء وظائفهم.
8 - جرى قضاء هذه المحكمة على أن قصر التقاضي في المسائل التي فصل فيها الحكم على درجة واحدة، لا يناقض الدستور؛ وإنما يدخل في إطار السلطة التقديرية التي يملكها المشرع في مجال تنظيم الحقوق؛ وكان ما قرره النص المطعون فيه من امتناع الطعن في القرار الصادر في الخصومة التأديبية بأي وجه، يبلور اتجاهاً عاماً نحاه المشرع فيما أورده من نصوص نظم بها عديداً من الهيئات القضائية، واقفاً بالتقاضي في مجال الخصومة التأديبية عند درجة واحدة، تقديراً منه لكفايتها في الفصل في الحقوق موضوعها؛ وكان هذا التقدير من المشرع مبناه أسس موضوعية يظاهرها أن هذه الخصومة لا يفصل فيها إلا من يحيطون بدقائقها، وبقرار يصدر بأغلبية ثلثي أعضائها، فلا يكون بعيداً في الأعم من الأحوال عما يعتبر قضائياً حلاً منصفاً لها؛ فإن ما ينعاه المدعي من ذلك، يكون مفتقراً إلى سنده.


الإجراءات

بتاريخ 10 أغسطس سنة 1997، أودع المدعي صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة، طالباً الحكم بعدم دستورية المادة 25 من قانون تنظيم هيئة قضايا الدولة الصادر بالقانون رقم 75 لسنة 1963.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع - على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - تتحصل في أن المدعي كان شاغلاً لوظيفة مندوب بهيئة قضايا الدولة. ثم أحيل إلى لجنة التأديب والتظلمات بها بقرار من وزير العدل بناء على طلب رئيس الهيئة، وقيدت الدعوى التأديبية برقم 2 لسنة 1996 حيث قضى فيها بعزله عن وظيفته. وقد طعن المدعي في قرار اللجنة أمام محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة تحت رقم 5674 لسنة 51 قضائية طالباً الحكم بصفة مستعجلة بوقف تنفيذه، وفي الموضوع بإلغائه، ودفع أثناء نظرها بعدم دستورية نص المادة 25 من قانون هيئة قضايا الدولة الصادر بالقانون رقم 75 لسنة 1963. وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية الدفع، وخولته إقامة الدعوى الدستورية، فقد رفعها إلى هذه المحكمة.
وحيث إن المدعي ينعى على هذه المادة مخالفتها لأحكام المواد 40 و64 و65 و68 و69 و165 من الدستور، تأسيساً على أن لجنة التأديب والتظلمات التي يرأسها رئيس الهيئة تعتبر لجنة إدارية لا يجوز الطعن في القرار الصادر عنها بأي وجه، وتنتفي في شأنها كذلك ضمانة التجرد والحيدة التي يتحقق بها الفصل في الدعوى التأديبية التي تقيمها ضده جهة عمله بطريقة منصفة. فليس مقبولاً أن يكون العمل القضائي مدموغاً بشبهة تداخل تجرده، وتثير ظلالاً قاتمة حول حيدته، فلا يطمئن إليه المتقاضون. ولا يجوز بالتالي لرئيس الهيئة أن يكون رئيساً لهذه اللجنة بعد أن طلب إحالة المدعي إلى المحاكمة التأديبية لمجازاته، كاشفاً بذلك عن رأية فيما هو منسوب إليه، جامعاً بذلك بين سلطتي الاتهام والمحاكمة فلا تستقيم للعدالة ولا لحق التقاضي ضماناتهما.
هذا فضلاً عن أن أعضاء مجلس التأديب تابعون بحكم وظائفهم لرئيس لهيئة؛ وهو يهيمن على شئونهم الوظيفية؛ ومن شأن النهائية التي أسبغها النص المطعون فيه على قرارات لجنة التأديب، حرمان من يريد التظلم منها من اللجوء إلى قاضية الطبيعي، مما يمثل إخلالاً بمبدأ مساواة المواطنين أمام القانون؛ وانتقاصاً من ضمانة الحق في التقاضي؛ وإهداراً لمبدأ الخضوع للقانون.
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة - وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية - مناطها ارتباطها عقلاً بالمصلحة التي يقوم بها النزاع الموضوعي، ذلك بأن يكون الفصل في المسائل الدستورية التي تدعي هذه المحكمة لحسمها، لازماً للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها؛ وكان نص المادة 25 من قانون هيئة قضايا الدولة - المطعون عليها - تقيم من لجنة التأديب والتظلمات جهة قضائية تفصل - دون غيرها - وبصفة نهائية، في تأديب أعضاء الهيئة؛ وفي منازعاتهم في شأن مكافآتهم ومرتباتهم؛ وكذلك فيما يصدر من القرارات الإدارية في غير ذلك من شئونهم سواء في مجال إلغائها أو التعويض عنها مما يدخل أصلاً في اختصاص القضاء؛ وكان عزل المدعي من وظيفته صادراً في خصومة تأديبية؛ وكانت المطاعن الدستورية التي أثارها المدعي تتعلق جميعها بما إذا كان يجوز للجنة التأديب المنصوص عليها في المادة 25 المطعون عليها، أن تفصل في خصومة تأديبية من طبيعة قضائية بقرار نهائي لا رجوع فيه؛ وكانت النصوص القانونية التي أحاط بها المشرع الدعوى التأديبية، وعلى الأخص من حيث رفعها، وضماناتها، والقائمين من أعضاء الهيئة بإجراء التحقيق الإداري السابق عليها، لا تقتصر على نص المادة 25 المطعون عليها، وإنما تكملها المادة التي تلتها؛ فإن المادتين 25 و26 من قانون الهيئة، تكونان متضاممتين، فلا تنفصلان، وبهما معاً يتحدد إطار المصلحة الشخصية المباشرة للمدعي، وكذلك نطاق الخصومة الدستورية.
وحيث إن المادتين 25 و26 من قانون هيئة قضايا الدولة، تنصان على ما يأتي:
مادة 25:
"تشكل لجنة التأديب والتظلمات من رئيس هيئة قضايا الدولة أو من يحل محله رئيساً، ومن عشرة أعضاء بحسب ترتيبهم في الأقدمية من بين نواب الرئيس والوكلاء والمستشارين.
وتختص هذه اللجنة بتأديب أعضاء الهيئة، وبالفصل في طلبات إلغاء القرارات الإدارية المتعلقة بشئونهم، وفي طلبات التعويض المترتبة عليها مما يدخل أصلاً في اختصاص القضاء.
وتفصل اللجنة فيما ذكر بعد سماع أقوال العضو والاطلاع على ما يبديه من ملاحظات. وتصدر قراراتها بالأغلبية المطلقة إلا في حالة التأديب، فتصدر قراراتها بأغلبية ثلثي أعضائها. ويكون قرار اللجنة في جميع ما تقدم نهائياً، ولا يقبل الطعن فيه بأي وجه من الوجوه أمام أية جهة.
كما تختص اللجنة دون غيرها بالفصل في المنازعات الخاصة بالمرتبات والمكافآت المستحقة لأعضاء الهيئة".
مادة 26:
"تنظم اللائحة الداخلية الأحكام الخاصة بتأديب أعضاء هيئة القضايا. والعقوبات التي يجوز توقيعها هي: الإنذار - اللوم - العزل.
وتقام الدعوى التأديبية من وزير العدل بناء على طلب من رئيس الهيئة.
ولا يقدم هذا الطلب إلا بناء على تحقيق جنائي؛ أو بناء على تحقيق إداري يتولاه أحد وكلاء الهيئة بانتداب من وزير العدل بالنسبة إلى المستشار؛ أو مستشار من إدارة التفتيش الفني بالنسبة لغيرهم من الأعضاء".
وحيث إن ضمانة الحيدة - في نطاق النزاع الماثل - إنما تتصل أساساً بما إذا كان يجوز لرئيس الهيئة أو لأحد أعضائها، أن يفصل في منازعة تأديبية من طبيعة قضائية سبق أن اتخذ موقفاً منها أو أبدى رأياً فيها.
وحيث إنه على ضوء ذلك، يرتبط الفصل في دستورية تشكيل لجنة التأديب والتظلمات، بما إذا كان الإخلال بضمانة حيدة رئيسها وأعضائها، يعتبر إهداراً لأحد الحقوق التي كفلها الدستور، فلا يتم الفصل إنصافاً في الخصومة القضائية مع غيابها، أم أن هذه الضمانة لا ترقى بوزنها إلى مرتبة الحقوق التي تستمد من الدستور أصلها، فلا ينافيها إلغاؤها أو تقييدها بقانون تقره السلطة التشريعية في حدود سلطتها التقديرية.
وحيث إن قضاء المحكمة الدستورية العليا قد جرى على أن استقلال السلطة القضائية، وإن كان لازماً لضمان موضوعية الخضوع للقانون، ولحصول من يلوذون بها على الترضية القضائية التي يطلبونها عند وقوع عدوان على حقوقهم وحرياتهم، إلا أن حيدتها عنصر فاعل في صون رسالتها لا تقل شأناً عن استقلالها بما يؤكد تكاملهما؛ ذلك أن استقلال السلطة القضائية، يعني أن تعمل بعيداً عن أشكال التأثير الخارجي التي توهن عزائم رجالها، فيميلون معها عن الحق، إغواء أو إرغاماً، ترغيباً وترهيباً؛ فإذا كان انصرافهم عن إنفاذ الحق تحاملاً من جانبهم على أحد الخصوم، وانحيازاً لغيره - لمصالح ذاتية أو لغيرها من العوامل الداخلية التي تثير غرائز ممالأة فريق دون آخر - كان ذلك منهم تغليباً لأهواء النفس؛ منافياً لضمانة التجرد عند الفصل في الخصومة القضائية؛ ولحقيقة أن العمل القضائي لا يجوز أن يثير ظلالاً قاتمة حول حيدته، فلا يطمئن إليه متقاضون داخلتهم الريب فيه بعد أن صار نائياً عن القيم الرفيعة للوظيفة القضائية. يؤيد ذلك: -
أولاً: إن إعلان المبادئ الأساسية في شأن استقلال القضاء التي تبنتها الجمعية العامة للأمم المتحدة بقراريها الصادرين في 19/ 1/ 1985 و13/ 12/ 1985 يؤكد بوضوح أن المنازعات التي تدخل في اختصاص السلطة القضائية، ينبغي الفصل فيها بطريقة محايدة؛ وعلى ضوء وقائعها ووفقاً لحكم القانون بشأنها؛ مع تجرد قضاتها من عوامل التأثر والتحريض، وكذلك من كل صور الضغوط أو التهديد أو التدخل غير المشروع - مباشراً كان أم غير مباشر - وأياً كان مصدرها أو سببها.
ثانياً: إن استقلال السلطة القضائية وحيدتها ضمانتان تنصبان معاً على إدارة العدالة بما يكفل فعاليتها. وهما بذلك متلازمتان. وإذا جاز القول - وهو صحيح - بأن الخصومة القضائية لا يستقيم الفصل فيها حقاً وعدلاً إذا خالطتها عوامل تؤثر في موضوعية القرار الصادر بشأنها - ما كان منها خارجياً أو معتملاً في دخائل النفس البشرية - وأياً كانت دوافعها أو أشكالها؛ فقد صار أمراً مقتضياً أن تتعادل ضمانتا استقلال السلطة القضائية وحيدتها في مجال اتصالهما بالفصل في الحقوق انتصافاً ترجيحاً لحقيقتها القانونية، لتكون لهما معاً القيمة الدستورية ذاتها، فلا تعلو إحداهما على أخراهما أو تجبها، بل تتضاممان تكاملاً، وتتكافآن قدراً.
ثالثاً: إن ضمانة الفصل إنصافاً في المنازعات على اختلافها وفق نص المادة 67 من الدستور، تمتد بالضرورة إلى كل خصومة قضائية، ولو كانت الحقوق المثارة فيها من طبيعة مدنية، وكذلك إلى كل خصومة تأديبية يكون موضوعها ذنباً إدارياً؛ وقوامها أن يكون تحقيقها وحسمها عائداً إلى جهة قضاء أو إلى هيئة منحها القانون اختصاص الفصل فيها بعد أن كفل استقلالها وحيدتها، وأحاط الحكم الصادر فيها بضمانات التقاضي التي يندرج تحتها حق كل خصم في عرض دعواه، وطرح أدلتها، والرد على ما يعارضها على ضوء فرص يتكافأ أطرافها فيها جميعاً، ليكون تشكيلها وقواعد تنظيمها وطبيعة النظم المعمول بها أمامها، وكيفية تطبيقها عملاً، محدداً للعدالة مفهوماً تقدمياً يلتئم مع المقاييس المعاصرة للدول المتحضرة.
وحيث إن حق التقاضي المنصوص عليه في المادة 68 من الدستور، مؤداه أن لكل خصومة - في نهاية مطافها - حلاً منصفاً يمثل الترضية القضائية التي يقتضيها رد العدوان على الحقوق المدعى بها. وتفترض هذه الترضية أن يكون مضمونها موافقاً لأحكام الدستور. وهي لا تكون كذلك إذا كان تقريرها عائداً إلى جهة أو هيئة تفتقر إلى استقلالها أو حيدتها أو هما معاً، ذلك أن هاتين الضمانتين - وقد فرضهما الدستور على ما تقدم - تعتبران قيداً على السلطة التقديرية التي يملكها المشرع في مجال تنظيم الحقوق. ومن ثم يلحق البطلان كل تنظيم تشريعي للخصومة القضائية على خلافهما.
وحيث إن إخلال أحد أعضاء هيئة قضايا الدولة بالثقة والاعتبار اللذين ينبغي توافرهما فيه، أو بواجبات وظيفته أو مقتضياتها، يعتبر ذنباً إدارياً مؤاخذاً عليه قانوناً. وإسناده إليه ينبغي أن يكون مسبوقاً بتحقيق متكامل لا يقتصر على بعض عناصر الاتهام، بل يحيط بها جميعاً، ويمحص أدلتها مع ضمان الفرص الكافية التي يقتضيها سماع أقوال العضو المحال إلى التحقيق، فلا يكون التحقيق مبتسراً، أو مجرداً من ضمان موضوعيته، بل وافياً أميناً، وكلما استكمل التحقيق عناصره؛ وكان واشياً بأن للتهمة معينها من الأوراق؛ كان عرضه لازماً على الجهة التي أولاها المشرع مسئولية الفصل فيه، بشرطين أولهما: أن تكون قضائية في تشكيلها وضماناتها. ثانيهما: ألا يكون من بين أعضائها من اتصل بإجراء سابق على توليها لمهامها سواء كان تحقيقاً أو اتهاماً، ذلك أن عضو الهيئة القضائية يتولى وظيفة لها خطرها أوثق اتصالاً برسالتها. وادعاء الإخلال بها يكون سقيماً إذا كان بغير دليل، نائياً عماً يعتبر غيا، فلا يتسم بالاندفاع أو التحامل أو التعمل.
وحيث إن الدعوى التأديبية - وعلى ما تنص عليه المادة 26 من قانون هيئة قضايا الدولة - لا تقام من وزير العدل إلا بناء على طلب من رئيسها؛ وكان الأصل ألا يقدم هذا الطلب منه قبل أن يستكمل التحقيق مجراه؛ وأن يكون قد أجال بصره فيه بعد عرضه عليه، مرجحاً - على ضوء اعتقاده - ما إذا كان بنيانه متماسكاً أو متهادماً؛ منتهياً من ذلك إلى المضي في الخصومة التأديبية أو التخلي عنها؛ وكان ذلك لا يعدو أن يكون رأياً مؤثراً في موضوعية ضوابطها، وحائلاً دون تأسيسها على ضمانة الحيدة التي لا يجوز إسقاطها عن أحد من المتقاضين لتسعهم جميعاً على تباينهم؛ فإن النص المطعون فيه يكون - في هذه الحدود - مخالفاً للدستور.
وحيث إن رئيس الهيئة - وعلى ما تنص عليه المادة 26 من قانونها - لا يقدم إلى وزير العدل طلبه برفع الدعوى إلا بناء على تحقيق جنائياً كان، أم إدارياً. فإذا كان إدارياً تولاه أحد وكلاء الهيئة إذا كان المجال إلى التحقيق مستشاراً بها. فإن كان دون ذلك أجراه مستشار في إدارة التفتيش الفني، وكانت المادة 25 من قانون الهيئة تشكل لجنة التأديب والتظلمات بها من رئيسها وعشرة من أعضائها من بين نوابه ووكلائها ومستشاريها وفق أقدميتهم؛ وكان لا يجوز لجهة التحقيق ولا لسلطة الاتهام، أن تتصل بالجهة القضائية التي عهد إليها المشرع بمهمة الفصل في الخصومة التأديبية، فلا يباشر عملاً فيها من كان قائماً بالتحقيق الذي أفضى إليها، ضماناً لحيدتها وتوافر الأسس الموضوعية لقراراتها؛ فإن تشكيل تلك اللجنة يكون كذلك - وفي هذه الحدود - مخالفاً للدستور.
وحيث إن ضمان الدستور لحق الدفاع، قد تقرر باعتباره أحد الأركان الجوهرية لسيادة القانون، كافلاً للخصومة القضائية عدالتها، وبما يصون قيمها، ويندرج تحتها ألا يكون الفصل فيها بعيداً عن أدلتها، أو نابذاً الحق في إجهاضها من خلال مقابلتها بما يهدمها من الأوراق وأقوال الشهود؛ فلا يكون بنيان الخصومة متحيفاً حقوق أحد من الخصوم؛ بل مكافئاً بين فرصهم في مجال إثباتها أو نفيها؛ استظهاراً لحقائقها، واتصالاً بكل عناصرها. متى كان ذلك؛ وكان نص الفقرة الثالثة من المادة 26 من قانون الهيئة، قد خلا مما يحتم سماع أقوال العضو المحال إلى التحقيق، فإن مضمونه يكون دائراً في الفراغ، ولا يجوز أن ينبني عليه اتهام.
وحيث إن ما ينعاه المدعي من أن لجنة التأديب والتظلمات التي شكلها النص المطعون فيه لا تفصل في الخصومة التأديبية بصفة قضائية، وأن أعضاءها تابعون لرئيسها بحكم وظائفهم مما يؤثر في موضوعية قراراتها، مردود أولاً: بأن للخصومة التأديبية - في مجال العمل القضائي - خصائصها ودقائقها التي ينافيها أن يطرح أمرها على غير أهلها: لتظل خفاياها وراء جدران مغلقة لا تمتد إليها أبصار تريد هتكها؛ ولا آذن تتلصص عليه.
ومردود ثانياً: بأن أعضاء هذه اللجنة يحتلون من الهيئة التي ينتمون إليها أعلى مواقعها، بل إن رئيسها يتصدرها. وجميعهم مدركون أكثر من غيرهم نطاق وظائفها، والحدود التي ينبغي فيها على أعضائها مباشرة واجباتهم؛ فلا يكون إسناد الفصل في الخصومة التأديبية إليهم تنصلاً من ضماناتها؛ بل توكيداً لأولويتهم في مجال البصر بشئونه.
ومردود ثالثاً: بأن ما نص عليه قانون الهيئة من أن أعضاءها تابعون لرؤسائهم، ثم لوزير العدل، لا يفيد خضوعهم لسلطة يباشرها هؤلاء عليهم بما ينال من استقلالها في أداء وظائفهم.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى كذلك على أن قصر التقاضي في المسائل التي فصل فيها الحكم على درجة واحدة، لا يناقض الدستور؛ وإنما يدخل في إطار السلطة التقديرية التي يملكها المشرع في مجال تنظيم الحقوق؛ وكان ما قرره النص المطعون فيه من امتناع الطعن في القرار الصادر في الخصومة التأديبية بأي وجه، يبلور اتجاهاً عاماً نحاه المشرع فيما أورده من نصوص نظم بها عديداً من الهيئات القضائية، واقفاً بالتقاضي في مجال الخصومة التأديبية عند درجة واحدة، تقديراً منه لكفايتها في الفصل في الحقوق موضوعها؛ وكان هذا التقدير من المشرع مبناه أسس موضوعية يظاهرها أن هذه الخصومة لا يفصل فيها إلا من يحيطون بدقائقها، وبقرار يصدر بأغلبية ثلثي أعضائها، فلا يكون بعيداً في الأعم من الأحوال عما يعتبر قضائياً حلاً منصفاً لها؛ فإن ما ينعاه المدعي من ذلك، يكون مفتقراً إلى سنده.
وحيث إنه لما تقدم، يكون النص الطعين فيه - مرتبطاً بنص المادة 26 من قانون هيئة قضايا الدولة - مخالفاً لأحكام المواد 40 و65 و67 و68 و69 من الدستور.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة:
أولاً: بعدم دستورية نص المادة 25 من قانون تنظيم هيئة قضايا الدولة الصادر بالقانون رقم 75 لسنة 1963، وذلك فيما تضمنته من:
( أ ) أن يرأس لجنة التأديب والتظلمات رئيس الهيئة الذي طلب من وزير العدل أن يقيم الدعوى التأديبية.
(ب) أن تفصل اللجنة المشار إليها في الخصومة التأديبية ولو كان من بين أعضائها من شارك في التحقيق أو الاتهام.
ثانياً: بعدم دستورية نص الفقرة الثالثة من المادة 26 من القانون المشار إليه، وذلك فيما لم يتضمنه من وجوب سماع أقوال العضو في مرحلة التحقيق.
ثالثاً: برفض ما عدا ذلك من الطلبات وألزمت الحكومة المصروفات، ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

الطعن 6 لسنة 19 ق جلسة 3 / 10 / 1998 دستورية عليا مكتب فني 9 تنازع ق 1 ص 1119

جلسة 3 أكتوبر سنة 1998

برئاسة السيد المستشار/ محمد ولي الدين جلال - رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: فاروق عبد الرحيم غنيم وحمدي محمد علي وعبد الرحمن نصير وسامي فرج يوسف والدكتور عبد المجيد فياض وماهر البحيري، وحضور السيد المستشار/ عبد الوهاب عبد الرازق - رئيس هيئة المفوضين، وحضور السيد/ حمدي أنور صابر - أمين السر.

------------------

قاعدة رقم (1(
القضية رقم 6 لسنة 19 قضائية "تنازع"

دعوى تنازع الاختصاص السلبي "إحالة".
الأصل في دعاوى تنازع الاختصاص القضائي أن يتم رفعها بإيداع صحائفها قلم كتاب المحكمة - الاستثناء المنصوص عليه في البند ( أ ) من المادة 29 من قانون هذه المحكمة لا يشمل دعاوى تنازع الاختصاص لعدم تعلقها بالفصل في دستورية نص تشريعي - الإحالة مباشرة من محكمة الموضوع ليست طريقاً لرفع هذه الدعاوى.

-----------------
ارتأى المشرع - بالنظر إلى خصائص الدعاوى والطلبات التي تدخل في ولاية المحكمة الدستورية العليا - أن يكون رفعها إليها عن طريق تقديمها إلى قلم كتابها - مع مراعاة الشروط والأوضاع الأخرى التي يتطلبها القانون في شأنها، وليس ثمة استثناء يرد على هذا الأصل عدا ما قررته المادة 29 البند أ من قانون المحكمة الدستورية العليا التي تخول كل محكمة أو هيئة ذات اختصاص قضائي أن تحيل من تلقاء نفسها - وفي خصوص إحدى الدعاوى المطروحة عليها - الأوراق إلى المحكمة الدستورية العليا إذا تراءى لها عدم دستورية نص في قانون أو لائحة يكون لازماً للفصل في النزاع المعروض عليها. لما كان ذلك، وكانت الإجراءات التي رسمها قانون المحكمة الدستورية العليا لرفع الدعاوى والطلبات التي تختص بالفصل فيها - وعلى ما تقدم - تتعلق بالنظام العام باعتبارها شكلاً جوهرياً في التقاضي تغيا به المشرع مصلحة عامة حتى ينتظم التداعي أمام المحكمة الدستورية العليا وفقاً لقانونها، فإن الدعوى الماثلة بالتنازع على الاختصاص لا يشملها الاستثناء الذي نص عليه البند أ من المادة 29 سالفة البيان لعدم تعلقها بدستورية نص في قانون أو لائحة على ما سلف بيانه. لا يغير من هذا النظر ما ساقته محكمة الموضوع أسباباً لحكمها القاضي بالإحالة لهذه المحكمة من كونها غير مختصة بنظر النزاع أو الارتكان لحكم المادة 110 من قانون المرافعات التي توجب الإحالة بعد القضاء بعدم الاختصاص وعندئذ تلتزم المحكمة المحال إليها بنظر الدعوى، ذلك أن قانون المحكمة الدستورية العليا - وعلى ما جرى به قضاؤها - قانون خاص حصر الدعاوى والطلبات التي تدخل في ولايتها، وأرسى القواعد التي تحكمها، وبين الإجراءات الواجب اتباعها عند رفعها، فلا يجوز بالتالي اللجوء إلى القواعد العامة التي تضمنها قانون المرافعات إلا فيما لم يرد به نص خاص في قانون المحكمة الدستورية العليا، وبشرط ألا يتعارض إعمالها مع طبيعة اختصاصها والأوضاع المقررة أمامها، وذلك على ما تقضي به المادة 28 من قانونها.


الإجراءات

بتاريخ 28 أغسطس سنة 1997، ورد إلى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا ملف الدعوى رقم 1982 لسنة 1997 من محكمة الإسكندرية الابتدائية، بعد أن قضت بجلسة 25/ 6/ 1997 بإحالة الدعوى بحالتها إلى المحكمة الدستورية العليا لتعيين جهة القضاء المختصة بنظرها.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت في ختامها الحكم بعدم قبول الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع - على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - تتحصل في أن السيد/ ..... وآخرين كانوا قد أقاموا الدعوى 6172 لسنة 1995 مدني محكمة الإسكندرية الابتدائية بطلب الحكم أولاً: بعدم الاعتداد بالحكم الصادر في الدعوى رقم 52 لسنة 22 قيم حراسات والحكم الصادر في الدعوى رقم 135 لسنة 13 قضائية قيم عليا فيما قضيا به من مصادرة العقار ملكهم رقم 22 شارع الباب الأخضر - قسم المنشية - محافظة الإسكندرية، واسترداد العقار كاملاً بما فيه الحانوت المؤجر للخاضع للحراسة...... ثانياً: إلزام المدعى عليهم بأن يؤدوا إليهم مبلغ عشرين ألف جنيه تعويضاً عما أصابهم من أضرار، وإذ قضى في تلك الدعوى بجلسة 30/ 7/ 1996 بعدم قبولها، فقد أقاموا الدعوى رقم 89 لسنة 16 قضائية قيم بطلب الحكم باستثناء العقار - سالف الذكر - ملكهم من المصادرة ورده إليهم بما في ذلك المحل المؤجر للخاضع - المدعى عليه الأخير - فقضت محكمة القيم بجلسة 18/ 1/ 1997 بعدم اختصاصها بنظر الدعوى وبإحالتها بحالتها إلى محكمة الإسكندرية الابتدائية حيث قيدت برقم 1982 لسنة 1997، وإذ تراءى لمحكمة الإسكندرية الابتدائية أن الاختصاص بنظر الدعوى حسب الطلبات التي أبديت فيها يدخل في اختصاص محكمة القيم، ورتبت على ذلك توافر حالة تنازع اختصاص سلبي؛ فقد حكمت بجلسة 25/ 6/ 1997 بإحالة الدعوى بحالتها إلى المحكمة الدستورية العليا لتعيين جهة القضاء المختصة بنظر النزاع.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن البين من المادتين 34، 35 من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 أن الأصل المقرر قانوناً هو أن تقدم الطلبات وصحف الدعاوى إلى هذه المحكمة بإيداعها قلم كتابها الذي يقوم بقيدها في يوم تقديمها في السجل المعد لذلك، وأن تكون هذه الطلبات والصحف - فوق هذا - موقعاً عليها من محام مقبول للحضور أمامها أو من عضو بهيئة قضايا الدولة بدرجة مستشار على الأقل، وأن يرفق بالطلب المنصوص عليه بالمادتين 31، 32 من قانون المحكمة الدستورية العليا، صورة رسمية من الحكمين اللذين وقع النزاع أو التناقض في شأنهما، وإلا كان الطلب غير مقبول، مما مفاده أن المشرع ارتأى - بالنظر إلى خصائص الدعاوى والطلبات التي تدخل في ولاية المحكمة الدستورية العليا - أن يكون رفعها إليها عن طريق تقديمها إلى قلم كتابها - مع مراعاة الشروط والأوضاع الأخرى التي يتطلبها القانون في شأنها، وليس ثمة استثناء يرد على هذا الأصل عدا ما قررته المادة 29 البند أ من قانون المحكمة الدستورية العليا التي تخول كل محكمة أو هيئة ذات اختصاص قضائي أن تحيل من تلقاء نفسها - وفي خصوص إحدى الدعاوى المطروحة عليها - الأوراق إلى المحكمة الدستورية العليا - إذا تراءى لها عدم دستورية نص في قانون أو لائحة يكون لازماً للفصل في النزاع المعروض عليها. لما كان ذلك، وكانت الإجراءات التي رسمها قانون المحكمة الدستورية العليا لرفع الدعاوى والطلبات التي تختص بالفصل فيها - وعلى ما تقدم - تتعلق بالنظام العام باعتبارها شكلاً جوهرياً في التقاضي تغيا به المشرع مصلحة عامة حتى ينتظم التداعي أمام المحكمة الدستورية العليا وفقاً لقانونها، فإن الدعوى الماثلة لا يشملها الاستثناء الذي نص عليه البند أ من المادة 29 سالفة البيان لعدم تعلقها بدستورية نص في قانون أو لائحة على ما سلف بيانه، فإن الدعوى الماثلة - وقد أحيلت مباشرة من محكمة الموضوع - لا تكون قد اتصلت بهذه المحكمة اتصالاً مطابقاً للأوضاع المقررة أمامها، مما يتعين معه الحكم بعدم قبولها.
وحيث إنه لا يغير من هذا النظر ما ساقته محكمة الموضوع أسباباً لحكمها القاضي بالإحالة لهذه المحكمة من كونها غير مختصة بنظر النزاع أو الارتكان لحكم المادة 110 من قانون المرافعات التي توجب الإحالة بعد القضاء بعدم الاختصاص وعندئذ تلتزم المحكمة المحال إليها بنظر الدعوى، ذلك أن قانون المحكمة الدستورية العليا - وعلى ما جرى به قضاؤها - قانون خاص حصر الدعاوى والطلبات التي تدخل في ولايتها، وأرسى القواعد التي تحكمها، وبين الإجراءات الواجب اتباعها عند رفعها، فلا يجوز بالتالي اللجوء إلى القواعد العامة التي تضمنها قانون المرافعات إلا فيما لم يرد به نص خاص في قانون المحكمة الدستورية العليا، وبشرط ألا يتعارض إعمالها مع طبيعة اختصاصها والأوضاع المقررة أمامها، وذلك على ما تقضي به المادة 28 من قانونها.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بعدم قبول الدعوى.

الطعن 3 لسنة 22 ق جلسة 7/ 4/ 2001 دستورية عليا مكتب فني 9 منازعة تنفيذ ق 24 ص 1236

جلسة 7 إبريل سنة 2001

برئاسة السيد المستشار/ محمد ولي الدين جلال - رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: حمدي محمد علي والدكتور عبد المجيد فياض ومحمد علي سيف الدين ومحمد عبد القادر عبد الله وعلي عوض محمد صالح وأنور رشاد العاصي،

وحضور السيد المستشار/ محمد خيري طه عبد المطلب النجار - رئيس هيئة المفوضين،

وحضور السيد/ ناصر إمام محمد حسن - أمين السر.

---------------

قاعدة رقم (24)
القضية رقم 3 لسنة 22 قضائية "منازعة تنفيذ"

(1)  دعوى "تكييفها".
المحكمة بما لها من هيمنة على الدعوى هي التي تعطيها وصفها الحق وتكييفها القانوني السليم.
(2) منازعة التنفيذ "اختصاص المحكمة الدستورية العليا بالفصل في منازعات تنفيذ الأحكام والقرارات الصادرة منها دون غيرها".
منازعات التنفيذ التي ينعقد الاختصاص بالفصل فيها للمحكمة الدستورية العليا، وفقاً للمادة 50 من قانونها، هي تلك المنازعات المتعلقة بتنفيذ الأحكام والقرارات الصادرة منها؛ مؤدى ذلك: عدم اختصاصها بالفصل في المنازعات المتعلقة بتنفيذ الأحكام الصادرة من جهات قضائية أخرى.

------------
1 ، 2 - المحكمة هي التي تعطي الدعوى وصفها الحق وتكييفها القانوني السليم، بعد أن تستظهر طلبات الخصوم وتستجلي معانيها وتقف على مراميهم الحقيقة من إبدائها، ولما كانت صحيفة الدعوى الماثلة تنطق بأنها لا تعدو أن تكون استشكالاً في تنفيذ الحكم الصادر في الدعوى رقم 335 لسنة 1996 شرعي العجوزة، وأن المدعي إنما يهدف بدعواه إلى وقف تنفيذ هذا الحكم. لما كان ذلك، وكانت منازعات التنفيذ التي ينعقد الاختصاص بالفصل فيها للمحكمة الدستورية العليا قد حددتها المادة (50) من قانونها التي تنص على أن "تفصل المحكمة دون غيرها في كافة المنازعات المتعلقة بتنفيذ الأحكام والقرارات الصادرة منها...."، ومن ثم فإن اختصاص هذه المحكمة لا يمتد إلى الفصل في المنازعات المتعلقة بتنفيذ الأحكام الصادرة من جهات قضائية أخرى، الأمر الذي يتعين معه القضاء بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى.


الإجراءات

بتاريخ الخامس من مايو سنة 2000 أودع المدعي صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة، طالباً الحكم: أولاً: بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ الحكم الصادر من محكمة العجوزة الجزئية للأحوال الشخصية في الدعوى رقم 335 لسنة 1996 شرعي جزئي العجوزة وذلك لحين الفصل في الدعوى رقم 119 لسنة 19 قضائية دستورية.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، قدمت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع - على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - تتحصل في أن مطلقة المدعي كانت قد أقامت ضده الدعوى رقم 335 لسنة 1996 شرعي جزئي العجوزة أمام محكمة العجوزة الجزئية للأحوال الشخصية بطلب الحكم بضم صغارها منه إلى حضانتها، وأثناء نظرها دفع المدعي بعدم دستورية لائحة ترتيب المحاكم الشرعية فيما تضمنته من اختصاص المحاكم الجزئية بنظر دعاوى الحضانة واقتران الأحكام الصادرة فيها بالقوة التنفيذية رغم استئنافها وإذ صرحت له المحكمة بإقامة دعواه الدستورية فقد أقام الدعوى رقم 119 لسنة 19 قضائية دستورية، ونظراً لأن مطلقة المدعي أقامت الاستئناف رقم 251 لسنة 1997 شرعي مستأنف الجيزة طعناً على قرار المحكمة بالتصريح للمدعي بإقامة الطعن بعدم الدستورية، فقد قررت المحكمة وقف الدعوى تعليقاً لحين الفصل في هذا الاستئناف، فطعن المدعي على هذا القرار بالاستئناف رقم 563 لسنة 1997 شرعي مستأنف الجيزة حيث تم ضم الاستئنافين لنظرهما معاً، وقُضِىَ بعدم جواز نظر الاستئناف رقم 251 لسنة 1997 كما قضى في الاستئناف رقم 563 لسنة 1997 بإلغاء الحكم المستأنف القاضي بالوقف التعليقي وإعادة الدعوى لمحكمة أول درجة لاستمرار السير فيها فقضت في موضوع الدعوى بضم الصغيرين ندى وشريف لحضانة والدتهما وذلك تأسيساً على أن الطعن بعدم دستورية لائحة ترتيب المحاكم الشرعية السابق لها التصريح بإقامته أضحى عديم الأثر بعد أن صدر القانون رقم 1 لسنة 2000 بتنظيم بعض أوضاع وإجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية، وإذ لم يلق هذا القضاء قبولاً لدى المدعي فقد قام باستئنافه واستشكل في تنفيذه أمام جهة القضاء المختصة، ثم أقام الدعوى الماثلة أمام المحكمة الدستورية العليا بطلباته آنفة البيان.
وحيث إن المقرر قانوناً أن المحكمة هي التي تعطي الدعوى وصفها الحق وتكييفها القانوني السليم، بعد أن تستظهر طلبات الخصوم وتستجلي معانيها وتقف على مراميهم الحقيقية من إبدائها، ولما كانت صحيفة الدعوى الماثلة تنطق بأنها لا تعدو أن تكون استشكالاً في تنفيذ الحكم الصادر في الدعوى رقم 335 لسنة 1996 شرعي العجوزة، وأن المدعي إنما يهدف بدعواه إلى وقف تنفيذ هذا الحكم. لما كان ذلك، وكانت منازعات التنفيذ التي ينعقد الاختصاص بالفصل فيها للمحكمة الدستورية العليا قد حددتها المادة (50) من قانونها التي تنص على أن "تفصل المحكمة دون غيرها في كافة المنازعات المتعلقة بتنفيذ الأحكام والقرارات الصادرة منها..."، ومن ثم فإن اختصاص هذه المحكمة لا يمتد إلى الفصل في المنازعات المتعلقة بتنفيذ الأحكام الصادرة من جهات قضائية أخرى، الأمر الذي يتعين معه القضاء بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى.
وحيث إنه لا يغير مما سلف سبق قيام محكمة الموضوع بالتصريح للمدعي بإقامة الدعوى الدستورية طعناً فيما تضمنته لائحة ترتيب المحاكم الشرعية من اختصاص المحاكم الجزئية بنظر دعاوى الحضانة واقتران الأحكام الصادرة فيها بالقوة التنفيذية رغم استئنافها، وقيامه فعلاً بإقامة الدعوى رقم 119 لسنة 19 قضائية دستورية؛ إذ أنه لم يصدر بعد قضاء من المحكمة الدستورية العليا في هذه الدعوى.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بعدم اختصاصها بنظر الدعوى.