الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 3 ديسمبر 2021

الطعن 493 لسنة 27 ق جلسة 25/ 6/ 1957 مكتب فني 8 ج 2 ق 196 ص 733

جلسة 25 من يونيه سنة 1957

برياسة السيد حسن داود المستشار، وبحضور السادة: محمود إبراهيم إسماعيل، ومصطفى كامل، وأحمد زكى كامل، والسيد أحمد عفيفي المستشارين.

--------------

(196)
الطعن رقم 493 سنة 27 القضائية

قوة الأمر المقضي. أحوال شخصية. محاكم حسبية. خيانة أمانة. حكم " تسبيب معيب". 

اعتماد المجلس الحسبي الحساب في غيبة المتهم. إنكار حق المتهم بالتبديد في مناقشة الحساب. قصور.

--------------
إن ما تختص به المجالس الحسبية قبل إلغائها أو المحاكم الحسبية من مسائل الولاية على المال، واعتماد الحساب من هاتين الجهتين ليس من بين حالات الأحوال الشخصية وهى المتعلقة بالصفات الطبيعية أو العائلية اللصيقة بشخص الإنسان والتي رتب القانون عليها أثرا في حياته الاجتماعية ونص عليها في المادتين 223، 458 من قانون الإجراءات الجنائية والتي يحوز الحكم فيها قوة الشيء المقضي به أمام المحاكم الجنائية وهى تحاكم المتهمين عن الجرائم المعروضة عليها ومن ثم فانه يجب على المحكمة في حكمها أن تفحص بنفسها ملاحظات المتهم بالتبديد على الحساب غير متقيدة في ذلك بقرار المجلس الحسبي الذى صدر في غيبته فاذا هي لم تفعل وأنكرت على المتهم حقه في مناقشة الحساب بعد اعتماده من المجلس الحسبي، فان حكمها يكون قاصرا.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه: بدد مبلغ 598 جنيها و437 مليما لقصر المرحوم حنفى محمود الحبشى إضرارا بهم وكان قد حصل المبلغ بصفته مديرا للتركة فاختلسه إضرارا بالقصر المذكورين. وطلبت عقابه بالمادة 341 من قانون العقوبات ومحكمة عابدين الجزئية قضت حضوريا عملا بمادة الاتهام بحبس المتهم شهرين مع الشغل وكفالة ألف قرش لوقف التنفيذ بلا مصروفات جنائية. فاستأنف المتهم هذا الحكم كما استأنفته النيابة العامة. ومحكمة مصر الابتدائية قضت حضوريا بتأييد الحكم المستأنف بلا مصاريف. فطعن الأستاذ الوكيل عن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض... الخ.


المحكمة

وحيث إن مبنى الطعن هو أن أحكام المجالس الحسبية في دعاوى الحساب المقامة على الأوصياء لا تحوز قوة الشيء المقضي أمام المحاكم الجنائية ومن ثم فان الحكم المطعون فيه إذ قضى بخلاف ذلك يكون قد خالف القانون ومعيبا بما يستوجب نقضه.
وحيث إنه لما كانت المحاكم الجنائية وهى تحاكم المتهمين عن الجرائم المعروضة عليها لا تتقيد بما تصدره الجهات الأخرى من الأحكام إذ خولها القانون في سبيل قيامها بوظيفتها سلطة كاملة تكفل لها كشف الحقيقة مما يقتضى أن لا تكون مقيدة بأي قيد إلا ما ورد به نص في القانون، لما كان ذلك، وكانت المادة 458 من قانون الإجراءات الجنائية قد نصت على أن تكون للأحكام الصادرة من محاكم الأحوال الشخصية في حدود اختصاصها قوة الشيء المحكوم به أمام المحاكم الجنائية في المسائل التي يتوقف عليها الفصل في الدعوى الجنائية، كما نصت المادة 223 من ذلك القانون على أنه إذا كان الحكم في الدعوى الجنائية يتوقف على الفصل في مسألة من مسائل الأحوال الشخصية يجب على المحكمة الجنائية أن توقف الدعوى وتحدد للمتهم أو للمدعى بالحقوق المدنية أو المجنى عليه على حسب الأحوال أجلا لرفع المسألة المذكورة إلى الجهة ذات الاختصاص ولما كان القيد الوارد بنص المادتين سالفتي الذكر ليس قيدا عاما يقتضيه عموم النص، إنما هو قيد يتصل بالأحوال المتعلقة بالصفات الطبيعية أو العائلية اللصيقة بشخص الإنسان والتي رتب القانون عليها أثرا في حياته الاجتماعية بحيث يتوقف الفصل فيها جنائيا على صدور حكم من الجهة القضائية صاحبة الاختصاص بالفصل فيها وهى المحاكم الشرعية والمجالس الملية قبل إلغائها، دون ما كانت تختص به المجالس الحسبية أو المحاكم الحسبية من مسائل الولاية على المال، واعتماد الحساب من هاتين الجهتين الأخيرتين ليس من بين حالات الأحوال الشخصية التي يجوز الحكم فيها قوة الشيء المقضي به لما كان ما تقدم فانه كان يجب على المحكمة المطعون في حكمها أن تفحص بنفسها ملاحظات الطاعن على الحساب غير متقيدة في ذلك بقرار المجلس الحسبي الذى صدر في غيبته وإذ هي لم تفعل وأنكرت على الطاعن حقه في مناقشة الحساب بعد اعتماده من المجلس الحسبي فان حكمها يكون قاصرا متعينا نقضه.

القضية 276 لسنة 24 ق جلسة 13 / 3 / 2005 مكتب فني 11 ج 1 دستورية ق 261 ص 1583

جلسة 13 مارس سنة 2005

برئاسة السيد المستشار/ ممدوح مرعي - رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: حمدي محمد علي وإلهام نجيب نوار ومحمد عبد العزيز الشناوي والسيد عبد المنعم حشيش وسعيد مرعي عمرو والدكتور عادل عمر شريف.

وحضور السيد المستشار/ نجيب جمال الدين علما - رئيس هيئة المفوضين

وحضور السيد/ ناصر إمام محمد حسن - أمين السر.

--------------

قاعدة رقم (261)
القضية رقم 276 لسنة 24 قضائية "دستورية"

(1) المحكمة الدستورية العليا "اختصاصها - رقابة دستورية - محلها - لائحة شئون العاملين بهيئة قناة السويس".
اختصاص المحكمة الدستورية العليا في شأن الرقابة على الشرعية الدستورية، ينحصر في النصوص التشريعية أيّاً كان موضعها ونطاق تطبيقها أو الجهة التي أقرتها أو أصدرتها، فكلما كان الطعن موجهاًَ إلى قاعدة قانونية بمعناها الفني الدقيق الذي ينصرف إلى النصوص التي تتولد عنها مراكز عامة مجردة سواء وردت هذه النصوص بالتشريعات الأصلية التي أقرتها السلطة التشريعية، أو تضمنتها التشريعات الفرعية التي أصدرتها السلطة التنفيذية في حدود صلاحياتها الدستورية، فثم وجه للاختصاص.
(2) دعوى دستورية "نطاقها في ضوء المصلحة فيها - ترقية بالاختيار المطلق".
القضاء بعدم دستورية هذا النص وسقوطه، من شأنه أن يؤثر على نحو جوهري فيما ينتهي إليه القضاء الموضوعي في هذا الشأن. ومن ثم فإن المصلحة في الدعوى الماثلة تكون متوافرة، ويكون نطاق الدعوى في حدود مصلحة المدعية هو الشطر الأول من الفقرة الأولى للنص الطعين من أن "تكون الترقيات إلى جميع الوظائف بالاختيار للكفاية دون التقيد بالأقدمية" والفقرة الثانية منه التي تنص على "ويختص مجلس إدارة الهيئة بالنظر في الترقيات لشغل وظيفة رئيس قسم وما يعادلها وما فوقها من وظائف وذلك بالاختيار المطلق من بين شاغلي الوظيفة الأدنى مباشرة دون التقيد بالأقدمية".
(3) قواعد الإدارة في المشروعات المرفقية.
ينظر في الإدارة وقواعدها في المشروعات المرفقية وغيرها من المشروعات العامة كاملة الملكية للدولة أو المختلطة إلى مسألتين، الأولى هي تحري أوجه النشاط القائم في كل منها وما يتناسب مع هذه الأوجه من ضرورة توفير المورد المالي والعنصر الفني له، والثانية... توفير المقدرة البشرية التي تقوم بالعمل وذلك بوضع الإطار الملائم لاختيار أصلح العناصر البشرية للعمل في المشروع والقدر الملائم للمقابل المالي لأداء أفراد العنصر البشرى وكيفية الأداء ومراقبته ثم الإثابة عنه أو الجزاء.
(4) الهيكل الوظيفي للهيئة أو المؤسسة يختلف بحسب الحاجة.
التعبير عن الاختلاف في توصيف الهيكل البشري للهيئة أو المؤسسة إنما يدور حول تباين الوظيفة والهدف فيما تقوم به تلك الهيئة أو المؤسسة في إدارتها للمرافق العامة بحسب نوع المرفق من حيث نشاطه ومدى ارتباطه بمصالح الدولة الحيوية ومدى حاجته إلى القوى البشرية من حيث الدرجة العالية من الكفاءة على جميع مستوياتها العلمية أو الإدارية أو الانضباطية أو السياسية أو ما يخص العلاقات الدولية، كل ذلك ليحقق المشروع نجاحاً يتسق ويتوافق مع المهمة التي يتولاها.
(5) عاملين "أطر مختلفة للاختيار والمرتبات والترقيات".
إن المشرع يتدخل بالتشريع في وضع الأطر لكيفية اختيار العاملين ومرتباتهم وترقياتهم داخل المشروع العام، ولا عليه إن وضع إطاراً يختلف لمشروع ذي طبيعة خاصة.
(6) حق العمل "كفالته - شروط موضوعية".
إن اعتبار العمل حقاً وواجباً وشرفاً وفقاً لنص المادة (13) من الدستور؛ مؤداه أن يكون مكفولاً من الدولة وفق إمكاناتها؛ وإعلاؤها لقدر العمل وارتقاؤها بقيمته يحملها على تقدير من يمتازون فيه؛ وهو ما يعني بالضرورة أن الشروط الموضوعية وحدها هي التي يعتد بها في تقدير العمل وتحديد أجره، والتدرج في مدارجه؛ فلكل وظيفة تبعاتها؛ فلا يشغلها إلا من يستحقها على ضوء طبيعة المهام التي تقتضيها، وغاياتها، والمهارة المطلوبة لأدائها، والخبرة اللازمة لها، ولا يجوز بالتالي أن يكون التعيين في وظيفة بذاتها، أو الترقية منها إلى ما يعلوها؛ عملاً آلياً يفتقر إلى الأسس الموضوعية.
(7) ترقية بالاختيار "عملية موضوعية".
الترقية بالاختيار في مفاهيم الدول المتحضرة - وباعتبارها عملاً انتقائياً - تمثل انحيازاً إلى الأصلح والأكثر عطاءً؛ تقديراً بأن المتزاحمين على وظيفة بذاتها لا يتحدون في كفايتهم لتوليها؛ وأن لبعضهم من عناصر الامتياز والتفوق ما يميزهم على غيرهم، وأن تقدير هذه العناصر عملية موضوعية لا تصدر فيها الجهة التي تتولاها عن أهوائها؛ ولا تعبر بها عن نزواتها؛ إذ عليها أن تقارن بين هذه العناصر على ضوء حقائقها؛ وأن تزن كلاً منها بميزان الحق والعدل، فلا يكون لها من شأن إلا بقدر ارتباطها بخصائص هذه الوظيفة ومتطلباتها. وكلما كان الرؤساء المعهود إليهم بمهمة الاختيار على اتصال دائم بمرؤوسيهم في مواقعهم، كان هؤلاء الرؤساء أقدر على سبر أغوار المرشحين للترقية، وقوفاً على مظاهر تميزهم أو نواحي القصور في عملهم.
(8) مبدأ تكافؤ الفرص لا يتداخل ومبدأ المساواة.
النص المطعون فيه يتعلق بالتطبيق المباشر لمبدأ تكافؤ الفرص المنصوص عليه في المادة (8) من الدستور؛ ولا يتداخل بالتالي ومبدأ المساواة أمام القانون المقرر بمقتضى المادة (40) منه؛ تقديراً بأن لكل من هذين المبدأين - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - دائرة يعمل فيها. وفي مجال تطبيق مبدأ تكافؤ الفرص، فإن النص لا يقيم تمييزاً غير مبرر بين المتزاحمين على الترقية إلى الوظائف الرئيسية بهيئة قناة السويس، بل يردهم جميعاً إلى قواعد موحدة تقتضي أن يكون شغلها حقاً للأجدر بتوليها، وهم بذلك يتساوون في طلبها على ضوء كفايتهم. وفوق ذلك، فإن المراكز القانونية التي يتعلق بها تطبيق مبدأ المساواة أمام القانون - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - هي تلك التي تتحد في العناصر التي تكون كل منها - لا باعتبارها عناصر واقعية - بل بوصفها عناصر أدخلها المشرع في اعتباره مرتباً عليها أثراً قانونياً؛ فلا يكون ترابطها إلا منشئاً لذلك المركز القانوني الذي يضمها.

---------------
1 - إن قضاء هذه المحكمة، قد جرى على أن اختصاصها في شأن الرقابة على الشرعية الدستورية، ينحصر في النصوص التشريعية أيّاً كان موضعها ونطاق تطبيقها أو الجهة التي أقرتها أو أصدرتها، فكلما كان الطعن موجهاًَ إلى قاعدة قانونية بمعناها الفني الدقيق الذي ينصرف إلى النصوص التي تتولد عنها مراكز عامة مجردة سواء وردت هذه النصوص بالتشريعات الأصلية التي أقرتها السلطة التشريعية، أو تضمنتها التشريعات الفرعية التي أصدرتها السلطة التنفيذية في حدود صلاحياتها الدستورية، فثم وجه للاختصاص. لما كان ذلك، وكانت اللائحة المار ذكرها صادرة عن أحد أشخاص القانون العام بناء على تفويض من المشرع في المادة (7) من القانون رقم 30 لسنة 1975 بنظام هيئة قناة السويس لتنتظم أوضاع العاملين بها، ولتهيمن على الرابطة التي تصلهم وذلك المرفق الحيوي الذي تقوم على شئونه هيئة عامة، التي وإن أحلّها قانون إنشائها من التقيد بالنظم والأوضاع الحكومية، وأباح لها اتباع أساليب الإدارة والاستقلال المعمول بها في المشروعات التجارية، إلا أن وشائجها بالسلطة العامة وامتيازاتها ما انفكت وثيقة، وما فتئت هذه الرابطة رابطة تنظيمية المردّ فيها في شأن سائر الأمور الوظيفية بها إلى هذه اللائحة عينها، باعتبارها القانون الحاكم لها، مما تنعقد الولاية بالرقابة الدستورية عليها لهذه المحكمة متعيناً والحال كذلك رفض الدفع.
2 - حيث إنه عن المصلحة في الدعوى الماثلة، ومدى ارتباطها بالمصلحة في الدعوى الموضوعية، فإنه لما كان جوهر النزاع الموضوعي هو تضرر المدعية من تخطيها في الترقية لوظيفة نائب مدير وطلب القضاء بأحقيتها في تلك الترقية تأسيساً على أنها أسبق في أقدمية الوظيفة الأدنى مباشرة من زميلها الذي ترقى إلى تلك الوظيفة. وإذ كان النص الطعين لم يعتد بالأقدمية كسند للترقية، وأطلق سلطة مجلس الإدارة في الترقية لشغل وظيفة رئيس قسم وما فوقها - ويندرج فيها وظيفة نائب مدير - فإن القضاء بعدم دستورية هذا النص وسقوطه، من شأنه أن يؤثر على نحو جوهري فيما ينتهي إليه القضاء الموضوعي في هذا الشأن. ومن ثم فإن المصلحة في الدعوى الماثلة تكون متوافرة، ويكون نطاق الدعوى في حدود مصلحة المدعية هو الشطر الأول من الفقرة الأولى للنص الطعين من أن "تكون الترقيات إلى جميع الوظائف بالاختيار للكفاية دون التقيد بالأقدمية" والفقرة الثانية منه التي تنص على "ويختص مجلس إدارة الهيئة بالنظر في الترقيات لشغل وظيفة رئيس قسم وما يعادلها وما فوقها من وظائف وذلك بالاختيار المطلق من بين شاغلي الوظيفة الأدنى مباشرة دون التقيد بالأقدمية".
3 - حيث إنه ينظر في الإدارة وقواعدها في المشروعات المرفقية وغيرها من المشروعات العامة كاملة الملكية للدولة أو المختلطة إلى مسألتين، الأولى هي تحري أوجه النشاط القائم في كل منها وما يتناسب مع هذه الأوجه من ضرورة توفير المورد المالي والعنصر الفني له، والثانية... توفير المقدرة البشرية التي تقوم بالعمل وذلك بوضع الإطار الملائم لاختيار أصلح العناصر البشرية للعمل في المشروع والقدر الملائم للمقابل المالي لأداء أفراد العنصر البشري وكيفية الأداء ومراقبته ثم الإثابة عنه أو الجزاء، كل هذا يتضمنه الهيكل التوصيفي للوظائف داخل الهيئة أو المؤسسة والذي يشمل بالضرورة السلم الوظيفي والترقيات من خلاله إلى الوظائف الأعلى وحتى القيادات العليا العاملة بها.
4 - التعبير عن الاختلاف في توصيف الهيكل البشري للهيئة أو المؤسسة إنما يدور حول تباين الوظيفة والهدف فيما تقوم به تلك الهيئة أو المؤسسة في إدارتها للمرافق العامة بحسب نوع المرفق من حيث نشاطه ومدى ارتباطه بمصالح الدولة الحيوية ومدى حاجته إلى القوى البشرية من حيث الدرجة العالية من الكفاءة على جميع مستوياتها العلمية أو الإدارية أو الانضباطية أو السياسية أو ما يخص العلاقات الدولية، كل ذلك ليحقق المشروع نجاحاً يتسق ويتوافق مع المهمة التي يتولاها، ولا يمكن مع هذا القول بقيام توصيف الهيكل على نمط واحد إلا في المشروعات المتماثلة أو المتقاربة في النشاط والغاية وأدوات تحقيق هذه الغاية، أما مع التباين الواضح والاختلاف فإنه لا مناص من وجوب أن تكون الهياكل البشرية التوصيفية مختلفة وتختلف بالتالي المراكز القانونية للعاملين داخل هذه الهياكل المتباينة.
5 - إن المشرع يتدخل بالتشريع في وضع الأطر لكيفية اختيار العاملين ومرتباتهم وترقياتهم داخل المشروع العام، ولا عليه إن وضع إطاراً يختلف لمشروع ذي طبيعة خاصة بحيث يتواءم الإطار الذي وضعه مع قصد قيام المشروع وبقائه وتطوره، ولا يحاجّ بأُطر أخرى وضعها لمشروع آخر مختلف، أو إطار الوظائف الإدارية في الوزارات والمؤسسات التقليدية.
6 - إن اعتبار العمل حقاً وواجباً وشرفاً وفقاً لنص المادة (13) من الدستور؛ مؤداه أن يكون مكفولاً من الدولة وفق إمكاناتها؛ وإعلاؤها لقدر العمل وارتقاؤها بقيمته يحملها على تقدير من يمتازون فيه؛ وهو ما يعني بالضرورة أن الشروط الموضوعية وحدها هي التي يعتد بها في تقدير العمل وتحديد أجره، والتدرج في مدارجه؛ فلكل وظيفة تبعاتها؛ فلا يشغلها إلا من يستحقها على ضوء طبيعة المهام التي تقتضيها، وغاياتها، والمهارة المطلوبة لأدائها، والخبرة اللازمة لها، ولا يجوز بالتالي أن يكون التعيين في وظيفة بذاتها، أو الترقية منها إلى ما يعلوها؛ عملاً آلياً يفتقر إلى الأسس الموضوعية، أو منفصلاً عن التقدير المتوازن لعوامل الجدارة، وعناصر الكفاية التي تتم على ضوئها المفاضلة بين المتزاحمين على توليها، ولا مجرد تطبيق جامد لمقاييس صماء لا تأخذ في اعتبارها خصائص كل وظيفة وتبعاتها ومكانتها؛ ومطالب التأهيل اللازم لها؛ وغير ذلك من مقوماتها الموضوعية المحددة تحديداً دقيقاً.
7 - حيث إن الترقية بالاختيار في مفاهيم الدول المتحضرة - وباعتبارها عملاً انتقائياً - تمثل انحيازاً إلى الأصلح والأكثر عطاءً؛ تقديراً بأن المتزاحمين على وظيفة بذاتها لا يتحدون في كفايتهم لتوليها؛ وأن لبعضهم من عناصر الامتياز والتفوق ما يميزهم على غيرهم، وأن تقدير هذه العناصر عملية موضوعية لا تصدر فيها الجهة التي تتولاها عن أهوائها؛ ولا تعبر بها عن نزواتها؛ إذ عليها أن تقارن بين هذه العناصر على ضوء حقائقها؛ وأن تزن كلاً منها بميزان الحق والعدل، فلا يكون لها من شأن إلا بقدر ارتباطها بخصائص هذه الوظيفة ومتطلباتها. وكلما كان الرؤساء المعهود إليهم بمهمة الاختيار على اتصال دائم بمرؤوسيهم في مواقعهم، كان هؤلاء الرؤساء أقدر على سبر أغوار المرشحين للترقية، وقوفاً على مظاهر تميزهم أو نواحي القصور في عملهم، فلا يكون تقييمها انحرافاً بالسلطة عن أهدافها، أو تنكباً لمصلحة عامة، بل التزاماً بضوابطها، تقيداً بأصلحهم، وهو ما نحاه المشرع بالنص الطعين، إذ عهد بسلطة الترقية إلى الوظائف الرئيسية بدءً من درجة رئيس قسم فما فوقها إلى أعلى سلطة في الهيئة ألا وهو مجلس إدارتها، وبحكم اتصال أعضائه بالمرشحين لهذه الوظائف يكون أقدر على وزن كفايتهم، ومدى دأبهم على العمل وقدرتهم على اتخاذ القرار الملائم في وقته المناسب، ومرتبطاً بنطاق معاملتهم لمرؤوسيهم توجيهاً وإشرافاً وبما توافر لديه، فضلاً عما احتوت عليه ملفات خدمتهم عن ماضيهم وحاضرهم من العناصر التي تعين المجلس على أن يتخذ في شأنهم قراراً محدداً للجدارة التي بلغها كل منهم، وإلا كان قراره منطوياً على إساءة استعمال السلطة؛ ولا مخالفة في ذلك للدستور لأمرين: أولهما: أن التنظيم المطعون فيه لا ينال من حق العمل ولا من قرب؛ ولا من الشروط التي يرتبط عقلاً بها؛ ولا يحيط بيئة العمل بأوضاع غريبة عنها منبتة الصلة بها؛ بل يحررها من رتابتها وآليتها وجمودها؛ حفزاً لهمم العاملين، واستثارة لقدراتهم على الخلق والإبداع. ثانيهما: أن هذا التنظيم، وإن تبنى اختياراً انتقائياً؛ إلا أنه اتخذ الجدارة معياراً للانتقاء، بما يعني أن حق العمل لا ينفصل عن جدارة من يتولاه؛ وليس - على أي حال - أمراً عشوائياً؛ وإن القرار الصادر في إطاره لا يفلت من رقابة القضاء؛ إن شابه هوى أو غرض ينأى به عن إطار المصلحة العامة.
8 - حيث إن النص المطعون فيه يتعلق - وفق ما تقدم - بالتطبيق المباشر لمبدأ تكافؤ الفرص المنصوص عليه في المادة (8) من الدستور؛ ولا يتداخل بالتالي ومبدأ المساواة أمام القانون المقرر بمقتضى المادة (40) منه؛ تقديراً بأن لكل من هذين المبدأين - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - دائرة يعمل فيها. وفي مجال تطبيق مبدأ تكافؤ الفرص، فإن النص لا يقيم تمييزاً غير مبرر بين المتزاحمين على الترقية إلى الوظائف الرئيسية بهيئة قناة السويس، بل يردهم جميعاً إلى قواعد موحدة تقتضي أن يكون شغلها حقاً للأجدر بتوليها، وهم بذلك يتساوون في طلبها على ضوء كفايتهم. وفوق ذلك، فإن المراكز القانونية التي يتعلق بها تطبيق مبدأ المساواة أمام القانون - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - هي تلك التي تتحد في العناصر التي تكون كل منها - لا باعتبارها عناصر واقعية - بل بوصفها عناصر أدخلها المشرع في اعتباره مرتباً عليها أثراً قانونياً؛ فلا يكون ترابطها إلا منشئاً لذلك المركز القانوني الذي يضمها. متى كان ذلك؛ وكانت المدعية تشغل إحدى الوظائف الرئيسية بهيئة قناة السويس، وتتطلع إلى الترقية إلى الوظيفة الأعلى محل طلب الإلغاء الموضوعي، فإن مركزها بالنسبة إلى هذه الوظيفة يغاير مركز شاغل إحدى الوظائف العليا بالجهاز الإداري للدولة فلكل تبعاتها ومسئولياتها، وأسس الاختيار التي تحكمها بما يلائم بيئتها.


الإجراءات

بتاريخ التاسع والعشرين من سبتمبر سنة 2002، ورد إلى قلم كتاب المحكمة ملف الدعوى رقم 1301 لسنة 1 ق قضاء إداري الإسماعيلية، بعد أن قررت تلك المحكمة بجلسة 27/ 6/ 2002 وقف السير فيها وإحالتها إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في دستورية نص المادة (22) من لائحة شئون العاملين بهيئة قناة السويس.
وقدمت المدعية مذكرتين انتهت فيهما إلى طلب الحكم بعدم دستورية النص الطعين.
كما قدمت الهيئة المدعى عليها مذكرة طلبت فيها أصلياً الحكم بعدم اختصاص المحكمة الدستورية العليا بنظر الدعوى، واحتياطياً برفضها.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم بعدم اختصاص المحكمة الدستورية العليا بنظر الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع - على ما يبين من حكم الإحالة وسائر الأوراق - تتحصل في أن المدعية كانت قد أقامت الدعوى رقم 1301 لسنة 1 قضاء إداري الإسماعيلية ضد المدعى عليه، بطلب الحكم بإلغاء القرار رقم 90 لسنة 1995 فيما تضمنه من تخطيها في الترقية لدرجة نائب مدير اعتباراً من 1/ 3/ 1995 مع ما يترتب على ذلك من آثار وأهمها أحقيتها في الترقية إلى تلك الدرجة اعتباراً من التاريخ المشار إليه، وقالت بياناً لذلك إنها بتاريخ 16/ 6/ 1962 عينت بهيئة قناة السويس وتدرجت في وظائفها إلى أن شغلت وظيفة وكيل مدير المراجعة بإدارة شئون العاملين، ثم صدر القرار المطعون عليه متضمناً ترقية أحد زملائها إلى وظيفة نائب مدير بالرغم من أنَّه أحدث منها في أقدمية شغل الوظيفة السابقة، ومن ثم فقد أقامت الدعوى بطلباتها سالفة الذكر. وإذ تراءى لمحكمة القضاء الإداري أن نص المادة (22) من لائحة شئون العاملين بالهيئة المدعى عليها الذي يقضي بأن تكون الترقية إلى وظائف رئيس قسم وما يعادلها وما فوقها بالاختيار المطلق من بين شاغلي الوظيفة الأدنى مباشرة دون التقيد بالأقدمية قد يؤدي إلى تغليب الهوى في الاختيار وعدم اتباع معايير موضوعية، كما يخّل بالمساواة بين العاملين بالهيئة وغيرهم من العاملين الخاضعين لقانون نظام العاملين المدنيين بالدولة والذي يقضي بالتقيد بالأقدمية عند التساوي في مرتبة الكفاية، فقد قضت تلك المحكمة بوقف الدعوى وإحالتها إلى هذه المحكمة للفصل في دستورية النص المشار إليه.
وحيث إن حكم الإحالة ينعى على النص الطعين والمحدد نطاقاً على النحو المتقدم، بأنه إذ منح مجلس إدارة الهيئة سلطة تقديرية في الترقية لوظيفة رئيس قسم وما يعلوها بالاختيار للكفاية دون الأقدمية فإن ذلك لا يكفي للاطمئنان إلى استناد تلك الترقية إلى أسس موضوعية، كما أنه يخل بالمساواة بين العاملين بالهيئة وغيرهم الخاضعين لقانون نظام العاملين المدنيين بالدولة بالمخالفة لنص المادة (40) من الدستور.
وحيث إن المدعى عليه دفع بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى تأسيساً على أن اللائحة التي يندرج النص الطعين فيها، لا تعد من قبيل القوانين واللوائح في مفهوم المادة (25) من قانون هذه المحكمة.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة، قد جرى على أن اختصاصها في شأن الرقابة على الشرعية الدستورية، ينحصر في النصوص التشريعية أيّاً كان موضعها ونطاق تطبيقها أو الجهة التي أقرتها أو أصدرتها، فكلما كان الطعن موجهاًَ إلى قاعدة قانونية بمعناها الفني الدقيق الذي ينصرف إلى النصوص التي تتولد عنها مراكز عامة مجردة سواء وردت هذه النصوص بالتشريعات الأصلية التي أقرتها السلطة التشريعية، أو تضمنتها التشريعات الفرعية التي أصدرتها السلطة التنفيذية في حدود صلاحياتها الدستورية، فثم وجه للاختصاص. لما كان ذلك، وكانت اللائحة المار ذكرها صادرة عن أحد أشخاص القانون العام بناء على تفويض من المشرع في المادة (7) من القانون رقم 30 لسنة 1975 بنظام هيئة قناة السويس لتنتظم أوضاع العاملين بها، ولتهيمن على الرابطة التي تصلهم وذلك المرفق الحيوي الذي تقوم على شئونه هيئة عامة، التي وإن أحلّها قانون إنشائها من التقيد بالنظم والأوضاع الحكومية، وأباح لها اتباع أساليب الإدارة والاستقلال المعمول بها في المشروعات التجارية، إلا أن وشائجها بالسلطة العامة وامتيازاتها ما انفكت وثيقة، وما فتئت هذه الرابطة رابطة تنظيمية المردّ فيها في شأن سائر الأمور الوظيفية بها إلى هذه اللائحة عينها، باعتبارها القانون الحاكم لها، مما تنعقد الولاية بالرقابة الدستورية عليها لهذه المحكمة، متعيناً والحال كذلك رفض الدفع.
وحيث إن المادة (22) من لائحة العاملين - المطعون عليها - تنص على أن "تكون الترقيات إلى جميع الوظائف بالاختيار للكفاية دون التقيد بالأقدمية. ولا يجوز ترقية عامل يقل متوسط تقريره السنوي في السنتين الأخيرتين عن درجة جيد بالنسبة للوظائف حتى وكيل قسم وما يعادلها.
ويختص مجلس إدارة الهيئة بالنظر في الترقيات لشغل وظيفة رئيس قسم وما يعادلها وما فوقها من وظائف وذلك بالاختيار المطلق من بين شاغلي الوظيفة الأدنى مباشرة دون التقيد بالأقدمية".
ومفاد هذا النص، أن اللائحة اتخذت من أسلوب الاختيار للكفاية أساساً وحيداً للترقية إلى كافة الوظائف في هيئة قناة السويس وذلك دون التقيد بالأقدمية في شغل الوظيفة. وقد فرق النص بين الترقية للوظائف حتى وكيل قسم وما يعادلها وبين الترقية لوظائف رئيس قسم وما يعلوها. إذ استلزم في الحالة الأولى ألا يقل متوسط التقرير السنوي للعامل عن السنتين الأخيرتين عن درجة جيد، ويرجع ذلك إلى خضوع تلك الفئة من العاملين في قياس درجة الكفاية إلى نظام التقارير السنوية طبقاً لنص المادة (14) من اللائحة التي تكون محل اعتبار أمام لجنة شئون العاملين بالهيئة عند النظر في ترقياتهم والتوصية بها وذلك وفقاً للمادتين (11 و24) من اللائحة. أما بالنسبة للفئة الأخرى من العاملين فإنها لا تخضع في قياس درجة الكفاية لنظام التقارير السنوية، وعهد النص الطعين لمجلس إدارة الهيئة النظر في الترقية لوظائف هذه الفئة مع إطلاق حريته في اختيار الأكفأ من بين شاغلي الوظيفة الأدنى مباشرة.
وحيث إنه عن المصلحة في الدعوى الماثلة، ومدى ارتباطها بالمصلحة في الدعوى الموضوعية، فإنه لما كان جوهر النزاع الموضوعي هو تضرر المدعية من تخطيها في الترقية لوظيفة نائب مدير وطلب القضاء بأحقيتها في تلك الترقية تأسيساً على أنها أسبق في أقدمية الوظيفة الأدنى مباشرة من زميلها الذي ترقى إلى تلك الوظيفة. وإذ كان النص الطعين لم يعتد بالأقدمية كسند للترقية، وأطلق سلطة مجلس الإدارة في الترقية لشغل وظيفة رئيس قسم وما فوقها - ويندرج فيها وظيفة نائب مدير - فإن القضاء بعدم دستورية هذا النص وسقوطه، من شأنه أن يؤثر على نحو جوهري فيما ينتهي إليه القضاء الموضوعي في هذا الشأن. ومن ثم فإن المصلحة في الدعوى الماثلة تكون متوافرة، ويكون نطاق الدعوى في حدود مصلحة المدعية هو الشطر الأول من الفقرة الأولى للنص الطعين من أن "تكون الترقيات إلى جميع الوظائف بالاختيار للكفاية دون التقيد بالأقدمية" والفقرة الثانية منه التي تنص على "ويختص مجلس إدارة الهيئة بالنظر في الترقيات لشغل وظيفة رئيس قسم وما يعادلها وما فوقها من وظائف وذلك بالاختيار المطلق من بين شاغلي الوظيفة الأدنى مباشرة دون التقيد بالأقدمية".
وحيث إن البين من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 285 لسنة 1956 بتأميم الشركة العالمية لقناة السويس البحرية أن المشرع - وعلى ما أفصحت عنه المذكرة الإيضاحية للقانون - قد عهد بإدارة هذا المرفق إلى هيئة مستقلة لها شخصية اعتبارية مانحاً إياها جميع السلطات اللازمة حتى تتمكن من القيام بتحقيق الغرض الهام الذي يقوم به على أكمل وجه وبالمرونة الكاملة من استعمال أحدث الوسائل والأساليب لإدارة المرفق. وذلك لما له من دور حيوي في خدمة الملاحة البحرية الدولية، ولكونه يرتبط بصلة وثيقة بالكيان الاقتصادي والسياسي لمصر. وقد أصدر رئيس الجمهورية القرار بقانون رقم 146 لسنة 1957 "بنظام هيئة قناة السويس". وعهد بإدارتها إلى مجلس يصدر بتعيينه قرار من رئيس الجمهورية، ويكون له كافة الصلاحيات والسلطات التي تمكن من تحقيق أهداف سير المرفق، مع عدم التقيد بالنظم والأوضاع الحكومية، واتباع سبل الإدارة والاستقلال المعمول بها في المشروعات التجارية وإصدار اللوائح اللازمة لنشاط المرفق والتي يقتضيها حسن سيره ومتابعة تنفيذها، ثم صدر القانون رقم 30 لسنة 1975 بنظام هيئة قناة السويس ملغياً القانون السابق متبنياً أحكامه الأساسية سالفة البيان بما فيها تفويض مجلس الإدارة في إصدار اللوائح اللازمة لحسن سير المرفق، ومن أهم ما استهدفه هذا القانون - وعلى ما كشفت عنه المذكرة الإيضاحية - تحقيق المزيد من تحرير الهيئة في عملها من قيود الأوضاع الحكومية. واستناداً إلى التفويض المشار إليه أصدر مجلس الإدارة لائحة للعاملين بالهيئة روعي فيها منح مجلس الإدارة والعضو المنتدب صلاحيات واسعة تتفق مع طبيعة المرفق وما تستلزمه إدارته من مرونة كاملة واستقلال القواعد المتبعة في شئون العاملين عن تلك المطبقة في الجهاز الإداري للدولة وغيرها من الأشخاص الاعتبارية العامة، وقد حوت تلك اللائحة جدولاً بتسلسل الوظائف التي يأتي على قمتها الوظائف الرئيسية وهي وظائف المدير ثم نائب المدير فوكيل المدير، وتندرج تحتها وظائف رئيس قسم ومن بعده وكيل قسم ثم مدير أعمال فوظائف أقل من ذلك. والبين من أحكام هذه اللائحة أنها لم تعتد بالأقدمية كأحد الضوابط في الشئون الوظيفية إلا في حالة محددة نصت عليها المادة (8) وهي أنه في حالة صدور قرار بالتعيين في وظيفة معينة فيعتد بالأقدمية من تاريخ التعيين، أما إذا تضمن التعيين ترقية أكثر من موظف فيعتد بأقدمية شغل الوظيفة السابقة، وذلك دون أن يعرض النص للأقدمية كسند للترقية إلى إحدى الوظائف إذ خلت اللائحة من أي حكم يعتد بالأقدمية كضابط يؤخذ به في إجراء تلك الترقية، في حين أنها اعتدت - وعلى ما سلف بيانه عند عرض مؤدى النص الطعين - بالاختيار للكفاية كأساس وحيد للترقية. هذا وقد نصت المادة (13) من اللائحة على أن "ينشأ لكل عامل ملف تودع فيه البيانات والمعلومات الخاصة به، كما تودع فيه الملاحظات المتعلقة بعمله والتقارير السنوية المقدمة عنه..." كما نصت المادة (14) على أن "يخضع لنظام التقارير السنوية جميع العاملين حتى وظيفة مدير أعمال وما يعادلها" ويقدم ذلك من الرئيس المباشر للعامل ويقدم مدير الإدارة التابع لها ملاحظاته على التقرير واعتماده، وللجنة شئون العاملين تعديل درجة الكفاية وذلك طبقاً للمادة (15). وتنص المادة (21) على أن "تكون ترقية العامل إلى الوظيفة أو الدرجة التالية بشرط أن يكون قد أمضى في الوظيفة أو الدرجة المرقى منها ثلاث سنوات خدمة فعلية على الأقل ولا ينطبق هذا الشرط على الوظائف الرئيسية وما يعادلها...."، والبين مما تقدم - وعلى ما سلف بيانه - أن اللائحة خصت الوظائف الرئيسية ووظيفة رئيس قسم بقواعد مختلفة في كيفية التحقق من درجة الكفاية والجهة المنوط بها تقدير تلك الكفاية وأداة صدور قرار الترقية.
وحيث إنه إزاء المتغيرات التي بزغت منذ الانقلاب الصناعي في أوروبا والتطور العلمي الرهيب حتى الآن من أبحاث القوة النووية والفضاء والسلاح، إذ لم يعد الأمر في النشاط المرفقي والتجاري والصناعي إلى غيره من النشاط محصوراً في عدد من المشروعات المتماثلة الهيئة والهدف، ومن ثم استلزم الأمر تطور المدى لتدخل الدولة في المشروعات الصناعية والتجارية ومشروعات الخدمات العامة، واتخذ ذلك شكل الملكية الكاملة للدولة في صورة اقتصاد الدولة أو ما يسمى رأسمالية الدولة، أو اشتراكها في الملكية في صورة الاقتصاد المختلط، وذلك بغية تحقيق أهداف مالية أو سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية، وكان واجباً عليها أن تنوع أسلوب إدارة هذه المشروعات بقدر الحاجة لتحقيق أهداف تدخلها فيها، إدارة تختلف من مشروع إلى آخر بحيث تكفل تحقيق الغاية منها، وهي إدارة تختلف بالتأكيد عن إدارة الوظائف الكلاسيكية التي تخص الإدارات التقليدية في الدولة.
وحيث إنه ينظر في الإدارة وقواعدها في المشروعات المرفقية وغيرها من المشروعات العامة كاملة الملكية للدولة أو المختلطة إلى مسألتين، الأولى هي تحري أوجه النشاط القائم في كل منها وما يتناسب مع هذه الأوجه من ضرورة توفير المورد المالي والعنصر الفني له، والثانية... توفير المقدرة البشرية التي تقوم بالعمل وذلك بوضع الإطار الملائم لاختيار أصلح العناصر البشرية للعمل في المشروع والقدر الملائم للمقابل المالي لأداء أفراد العنصر البشري وكيفية الأداء ومراقبته ثم الإثابة عنه أو الجزاء، كل هذا يتضمنه الهيكل التوصيفي للوظائف داخل الهيئة أو المؤسسة والذي يشمل بالضرورة السلم الوظيفي والترقيات من خلاله إلى الوظائف الأعلى وحتى القيادات العليا العاملة بها.
وحيث إنه في خصوص هذا الهيكل الوظيفي، وإن تعددت جوانبه، فإن من بين الأولى بالنظر وضبط القواعد منها شرائط الترقية إلى الوظائف الأعلى تحقيقاً لحسن الإدارة، استهدافاً لتحقيق الأهداف التي يتطلبها وجود المشروع وحسن سيره وتطوره، ومن ثم فهي تتغاير من مشروع إلى آخر بالنظر إلى نشاط المشروع وغايته، ذلك أن النشاط الذي يتعلق بالصناعات الحربية يختلف في توصيف وظائفه ومن يقوم بالوظائف الأعلى عن ذلك الذي يتعلق بصناعات الإطارات، ونشاط المؤسسات العلمية دقيقة التخصصات يختلف عن المشروعات التجارية التقليدية، الأمر الذي تتغاير معه قواعد وشرائط تكوين الهيكل البشري والترقية داخله حيث المسئوليات الأكبر في الدرجات العلا.
وحيث إنه على هدي ما تقدم وبالتوازي إزاءه، فإن التعبير عن الاختلاف في توصيف الهيكل البشري للهيئة أو المؤسسة إنما يدور حول تباين الوظيفة والهدف فيما تقوم به تلك الهيئة أو المؤسسة في إدارتها للمرافق العامة بحسب نوع المرفق من حيث نشاطه ومدى ارتباطه بمصالح الدولة الحيوية ومدى حاجته إلى القوى البشرية من حيث الدرجة العالية من الكفاءة على جميع مستوياتها العلمية أو الإدارية أو الانضباطية أو السياسية أو ما يخص العلاقات الدولية، كل ذلك ليحقق المشروع نجاحاً يتسق ويتوافق مع المهمة التي يتولاها، ولا يمكن مع هذا القول بقيام توصيف الهيكل على نمط واحد إلا في المشروعات المتماثلة أو المتقاربة في النشاط والغاية وأدوات تحقيق هذه الغاية، أما مع التباين الواضح والاختلاف فإنه لا مناص من وجوب أن تكون الهياكل البشرية التوصيفية مختلفة وتختلف بالتالي المراكز القانونية للعاملين داخل هذه الهياكل المتباينة.
وحيث إن المشرع يتدخل بالتشريع في وضع الأطر لكيفية اختيار العاملين ومرتباتهم وترقياتهم داخل المشروع العام، ولا عليه إن وضع إطاراً يختلف لمشروع ذي طبيعة خاصة بحيث يتواءم الإطار الذي وضعه مع قصد قيام المشروع وبقائه وتطوره، ولا يحاجّ بأُطر أخرى وضعها لمشروع آخر مختلف، أو إطار الوظائف الإدارية في الوزارات والمؤسسات التقليدية.
وحيث إن قناة السويس وهي المجرى الملاحي الدولي والذي يتعلق نشاط سيره بالتجارة العالمية وأحد المصادر الرئيسية للدخل القومي المصري، والذي قد يتسبب توقفه أو أداؤه المتعثر في مشكلات سياسية أو حتى عسكرية على المستوى الدولي - ويحرم مصر من دخل هي في حاجة إليه في اقتصادها، فإن الأمر في مجال كهذا كان حسن تسيير هذا المرفق الخطير لا سبيل إليه إلا بمواصفات خاصة للقائمين على رأس العمل بالهيئة التي تديره ويكون الاختيار دقيقاً لا يحتمل صدوره عن هوى ولا يحتمل بذات القدر قاعدة جامدة تضع على رأس العمل شخصاً بقاعدة غير قاعدة الكفاءة التامة لإدارته فنياً وإدارياً ومالياً، وأمام مسئولية قيادات هيئة قناة السويس أمام قمة السلطة التنفيذية في البلاد وإزاء مسئوليتهم تجاه مصر، فمن حق المشرع أن يضع نظاماً للهيكل البشرى بالهيئة يحقق كفاءة سير المرفق وإنجاز الأهداف المرجوّة والتطوير لمسايرة أحدث التقنيات والأساليب في تسيير مثل هذا المرفق، وإن اعتمد المشرع الترقية بالكفاءة فهذا أمر واجب وضروري وإن قرنه بالأقدمية حتى درجة وظيفية معينة ثم في الدرجات الأعلى رئيس قسم فما فوقها بالكفاءة فقط يختارون من الوظائف الأدنى مباشرة فليس هناك من افتئات، وكان هذا الذي كان من المشرع يتوافق مع حقه ومسئوليته في التقدير الواجب لحسن سير العمل بمرفق قناة السويس والذي يختلف عن غيره من المشروعات والوظائف الإدارية التقليدية التي لا تناظره، واختلفت المراكز القانونية بالضرورة للعاملين بالهيئة عن غيرها.
وحيث إن الالتزام بهذا الذي سلف بيانه لا يمنع من بيان أن حرية مجلس إدارة هيئة قناة السويس إذ يملك الترقية بالكفاءة وبسلطات طليقة من قيد الأقدمية وذلك في خصوص الوظائف الأعلى بالهيئة من رئيس قسم وما فوقها من بين شاغلي الوظائف الأدنى مباشرة ليتحمل المسئولية كاملة، فإن منحها هذه السلطة لا يمنع من تحدي قراراتها في هذا الشأن إذا ما اتصفت بالغش فالغش يفسد كل شيء.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد تواتر على أن الأصل في سلطة المشرع في مجال تنظيم الحقوق - ومنها حق العمل - أنها سلطة تقديرية ما لم يقيد الدستور ممارستها بضوابط تحد من إطلاقها.
وحيث إن اعتبار العمل حقاً وواجباً وشرفاً وفقاً لنص المادة (13) من الدستور؛ مؤداه أن يكون مكفولاً من الدولة وفق إمكاناتها؛ وإعلاؤها لقدر العمل وارتقاؤها بقيمته يحملها على تقدير من يمتازون فيه؛ وهو ما يعني بالضرورة أن الشروط الموضوعية وحدها هي التي يعتد بها في تقدير العمل وتحديد أجره، والتدرج في مدارجه؛ فلكل وظيفة تبعاتها؛ فلا يشغلها إلا من يستحقها على ضوء طبيعة المهام التي تقتضيها، وغاياتها، والمهارة المطلوبة لأدائها، والخبرة اللازمة لها، ولا يجوز بالتالي أن يكون التعيين في وظيفة بذاتها، أو الترقية منها إلى ما يعلوها؛ عملاً آلياً يفتقر إلى الأسس الموضوعية، أو منفصلاً عن التقدير المتوازن لعوامل الجدارة، وعناصر الكفاية التي تتم على ضوئها المفاضلة بين المتزاحمين على توليها، ولا مجرد تطبيق جامد لمقاييس صماء لا تأخذ في اعتبارها خصائص كل وظيفة وتبعاتها ومكانتها؛ ومطالب التأهيل اللازم لها؛ وغير ذلك من مقوماتها الموضوعية المحددة تحديداً دقيقاً.
وحيث إن الترقية بالاختيار في مفاهيم الدول المتحضرة - وباعتبارها عملاً انتقائياً - تمثل انحيازاً إلى الأصلح والأكثر عطاءً؛ تقديراً بأن المتزاحمين على وظيفة بذاتها لا يتحدون في كفايتهم لتوليها؛ وأن لبعضهم من عناصر الامتياز والتفوق ما يميزهم على غيرهم، وأن تقدير هذه العناصر عملية موضوعية لا تصدر فيها الجهة التي تتولاها عن أهوائها؛ ولا تعبر بها عن نزواتها؛ إذ عليها أن تقارن بين هذه العناصر على ضوء حقائقها؛ وأن تزن كلاً منها بميزان الحق والعدل، فلا يكون لها من شأن إلا بقدر ارتباطها بخصائص هذه الوظيفة ومتطلباتها. وكلما كان الرؤساء المعهود إليهم بمهمة الاختيار على اتصال دائم بمرؤوسيهم في مواقعهم، كان هؤلاء الرؤساء أقدر على سبر أغوار المرشحين للترقية، وقوفاً على مظاهر تميزهم أو نواحي القصور في عملهم، فلا يكون تقييمها انحرافاً بالسلطة عن أهدافها، أو تنكباً لمصلحة عامة، بل التزاماً بضوابطها، تقيداً بأصلحهم، وهو ما نحاه المشرع بالنص الطعين، إذ عهد بسلطة الترقية إلى الوظائف الرئيسية بدءً من درجة رئيس قسم فما فوقها إلى أعلى سلطة في الهيئة ألا وهو مجلس إدارتها، وبحكم اتصال أعضائه بالمرشحين لهذه الوظائف يكون أقدر على وزن كفايتهم، ومدى دأبهم على العمل وقدرتهم على اتخاذ القرار الملائم في وقته المناسب، ومرتبطاً بنطاق معاملتهم لمرؤوسيهم توجيهاً وإشرافاً وبما توافر لديه، فضلاً عما احتوت عليه ملفات خدمتهم عن ماضيهم وحاضرهم من العناصر التي تعين المجلس على أن يتخذ في شأنهم قراراً محدداً للجدارة التي بلغها كل منهم، وإلا كان قراره منطوياً على إساءة استعمال السلطة؛ ولا مخالفة في ذلك للدستور لأمرين:
أولهما: أن التنظيم المطعون فيه لا ينال من حق العمل ولا من قرب؛ ولا من الشروط التي يرتبط عقلاً بها؛ ولا يحيط بيئة العمل بأوضاع غريبة عنها منبتة الصلة بها؛ بل يحررها من رتابتها وآليتها وجمودها؛ حفزاً لهمم العاملين، واستثارة لقدراتهم على الخلق والإبداع.
ثانيهما: أن هذا التنظيم، وإن تبنى اختياراً انتقائياً؛ إلا أنه اتخذ الجدارة معياراً للانتقاء، بما يعني أن حق العمل لا ينفصل عن جدارة من يتولاه؛ وليس - على أي حال - أمراً عشوائياً؛ وإن القرار الصادر في إطاره لا يفلت من رقابة القضاء؛ إن شابه هوى أو غرض ينأى به عن إطار المصلحة العامة.
وحيث إن النص المطعون فيه يتعلق - وفق ما تقدم - بالتطبيق المباشر لمبدأ تكافؤ الفرص المنصوص عليه في المادة (8) من الدستور؛ ولا يتداخل بالتالي ومبدأ المساواة أمام القانون المقرر بمقتضى المادة (40) منه؛ تقديراً بأن لكل من هذين المبدأين - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - دائرة يعمل فيها. وفي مجال تطبيق مبدأ تكافؤ الفرص، فإن النص لا يقيم تمييزاً غير مبرر بين المتزاحمين على الترقية إلى الوظائف الرئيسية بهيئة قناة السويس، بل يردهم جميعاً إلى قواعد موحدة تقتضي أن يكون شغلها حقاً للأجدر بتوليها، وهم بذلك يتساوون في طلبها على ضوء كفايتهم. وفوق ذلك، فإن المراكز القانونية التي يتعلق بها تطبيق مبدأ المساواة أمام القانون - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - هي تلك التي تتحد في العناصر التي تكون كل منها - لا باعتبارها عناصر واقعية - بل بوصفها عناصر أدخلها المشرع في اعتباره مرتباً عليها أثراً قانونياً؛ فلا يكون ترابطها إلا منشئاً لذلك المركز القانوني الذي يضمها. متى كان ذلك؛ وكانت المدعية تشغل إحدى الوظائف الرئيسية بهيئة قناة السويس، وتتطلع إلى الترقية إلى الوظيفة الأعلى محل طلب الإلغاء الموضوعي، فإن مركزها بالنسبة إلى هذه الوظيفة يغاير مركز شاغل إحدى الوظائف العليا بالجهاز الإداري للدولة فلكل تبعاتها ومسئولياتها، وأسس الاختيار التي تحكمها بما يلائم بيئتها؛ ومن ثم؛ فلا يخول المدعية - من زاوية دستورية - التحدي بالمعيار الذي ارتسمه قانون العاملين المدنيين بالدولة أساساً للمفاضلة بين المتزاحمين على الترقية إلى وظيفة رئيس قسم وما يعلوها حال اتحادهم في مرتبة الكفاية؛ أو معياراً يتعين على النظم الوظيفية الخاصة احتذاؤه؛ وعدم الخروج عليه بما يناسب طبيعة العمل لديها.
وحيث إن النص الطعين؛ لا يخالف الدستور من أي وجه آخر.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة برفض الدعوى.

القضية 16 لسنة 23 ق جلسة 13 / 3 / 2005 مكتب فني 11 ج 1 دستورية ق 255 ص 1534

جلسة 13 مارس سنة 2005

برئاسة السيد المستشار/ ممدوح مرعي - رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: حمدي محمد علي وماهر البحيري وعدلي محمود منصور وعلي عوض محمد صالح وماهر سامي يوسف ومحمد خيري طه

وحضور السيد المستشار/ نجيب جمال الدين علما - رئيس هيئة المفوضين

وحضور السيد/ ناصر إمام محمد حسن - أمين السر.

------------

قاعدة رقم (255)
القضية رقم 16 لسنة 23 قضائية "دستورية"

(1) دعوى دستورية "استقلالها عن الدعوى الموضوعية".
تكييف الدعوى الموضوعية هو من اختصاص محكمة الموضوع، ولكل من الدعويين الموضوعية والدستورية ذاتيتها ومقوماتها فلا تختلطان ببعضهما ولا تتحدان في إجراءات وشرائط قبولهما، بل تستقل كل منهما عن الأخرى في شكلها وموضوعها.
(2) دعوى موضوعية "الفصل في شروط اتصالها بمحكمة الموضوع لا يدخل في مهام المحكمة الدستورية العليا".
الفصل في شروط اتصال الدعوى الموضوعية بمحكمة الموضوع وفقاً للأوضاع المقررة أمامها ليس من بين المهام التي ناطها المشرع بالمحكمة الدستورية العليا، وإنما تنحصر ولايتها فيما يُعرض عليها من مسائل دستورية لتقرر صحة النصوص المطعون عليها أو بطلانها بعد تثبتها من اتصال الدعوى الدستورية بها، بإجراء صحيح وفقاً للأوضاع المقررة في قانونها.
(3) دعوى دستورية "الدفع بعدم قبول الدعوى لمخالفة نص قانوني لآخر هو دفع بعدم الاختصاص".
الدفع بعدم قبول الدعوى - لمخالفته نص قانوني لنص قانوني آخر - إذا ثبت صحته - يعد دفعاً بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى وليس دفعاً بعدم قبولها، ومن ثم فإن الدفع بعدم القبول من هذا الوجه أيضاً لا يقوم على أساس صحيح يبرره متعيناً رفضه.
(4) دعوى دستورية "المصلحة الشخصية المباشرة: مناطها".
المصلحة الشخصية المباشرة تعد شرطاً لقبول الدعوى الدستورية، مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم في المسألة الدستورية لازماً للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع.
(5) المحكمة الإدارية العليا على قمة القضاء الإداري "أحكامها تعد أحكاماً باتة كأحكام محكمة النقض، لا تقبل الطعن بطريق التماس إعادة النظر".
المحكمة الإدارية العليا على قمة القضاء الإداري ونهاية المطاف فيه، والأحكام الصادرة منها تعد أحكاماً باتة لا تقبل الطعن فيها بأي طريق من طرق الطعن العادية وغير العادية، مثلها في ذلك مثل محكمة النقض التي وضعها المشرع على رأس جهة القضاء العادي، من السائغ التسوية بين كلا المحكمتين في عدم جواز الطعن في الأحكام الصادرة منهما بطريق التماس إعادة النظر.
(6) حق التقاضي "دعوى البطلان الأصلية تضمن حق التقاضي عوضاً عن إغلاق باب التماس إعادة النظر".
عدم جواز الطعن على أحكام المحكمة الإدارية العليا بطريق التماس إعادة النظر لا ينال من كفالة حق التقاضي - يمكن لذوي الشأن إذا قام بهذه الأحكام سبب من أسباب البطلان أن يقيموا دعوى بطلان أصلية.
(7) مبدأ المساواة "معناه - أسس موضوعية للتمييز".
مبدأ مساواة المواطنين أمام القانون - على ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة - لا يعني أن تُعامل فئاتهم على ما بينها من تفاوت في مراكزها القانونية معاملة قانونية متكافئة، كذلك لا يقوم هذا المبدأ على معارضة صور التمييز جميعها، إذ أن من بينها ما يستند إلى أسس موضوعية ولا ينطوي بالتالي على مخالفة لنص المادة (40(.

----------------
1 - تكييف الدعوى وما إذا كانت دعوى بطلان أصلية أو التماس إعادة النظر هو من اختصاص محكمة الموضوع، والمستقر عليه في قضاء هذه المحكمة أن لكل من الدعويين الموضوعية والدستورية ذاتيتها ومقوماتها فلا تختلطان ببعضهما ولا تتحدان في إجراءات وشرائط قبولهما، بل تستقل كل منهما عن الأخرى في شكلها وموضوعها.
2 - الفصل في شروط اتصال الدعوى الموضوعية بمحكمة الموضوع وفقاً للأوضاع المقررة أمامها ليس من بين المهام التي ناطها المشرع بالمحكمة الدستورية العليا، وإنما تنحصر ولايتها فيما يُعرض عليها من مسائل دستورية لتقرر صحة النصوص المطعون عليها أو بطلانها بعد تثبتها من اتصال الدعوى الدستورية بها، بإجراء صحيح وفقاً للأوضاع المقررة في قانونها.
3 - وحيث إنه عن الوجه الثاني من الدفع بعدم قبول الدعوى، فإن البين من الاطلاع على صحيفة الدعوى الدستورية أن المدعي أقام دعواه بعدم دستورية النص الطعين تأسيساً على مخالفته لنص المادتين (40 و68) من الدستور، وإيراد نص المادة (241) من قانون المرافعات في صحيفة الدعوى الدستورية من جانب المدعي كان في مقام بيان الأحوال التي يجوز للخصوم أن يلتمسوا فيها إعادة النظر في الأحكام الصادرة بشأنهم بصفة انتهائية، فضلاً عن أن هذا الوجه من الدفع - إذا ثبت صحته - يعد دفعاً بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى وليس دفعاً بعدم قبولها، باعتبار أن الرقابة الدستورية التي تباشرها المحكمة الدستورية العليا لا تمتد لتشمل التعارض بين التشريعات ذات المرتبة الواحدة، ومن ثم فإن الدفع بعدم القبول من هذا الوجه أيضاً لا يقوم على أساس صحيح يبرره متعيناً رفضه.
4 - وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة تعد شرطاً لقبول الدعوى الدستورية، ومناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم في المسألة الدستورية لازماً للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع، متى كان ذلك، وكان المدعي يهدف من دعواه الموضوعية إعادة النظر في حكم المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 900 لسنة 33 قضائية "عليا" ويتحقق له ذلك إذا فصلت هذه المحكمة في أمر دستورية الفقرة الأولى من المادة (51) من قانون مجلس الدولة التي حددت الأحكام التي يجوز الطعن فيها بطريق التماس إعادة النظر، فإن مصلحته في الدعوى الماثلة تتحدد بنص تلك الفقرة وحدها ولا تمتد لباقي أحكام النص الأخرى.
5 - وحيث إنه يبين من استعراض التطور التشريعي للنصوص التي تنظم المحكمة الإدارية العليا وتبين اختصاصاتها أن المشرع أنشأ هذه المحكمة بالقانون رقم (165) لسنة 1955 لتكون خاتمة المطاف فيما يُعرض من أقضية على جهة القضاء الإداري، وناط بها مهمة التعقيب النهائي على جميع الأحكام الصادرة من المحاكم الإدارية ومحكمة القضاء الإداري، واتساقاً مع ذلك فقد نص في المادة (15) من ذلك القانون على أنه لا يُقبل الطعن في أحكام هذه المحكمة بطريق التماس إعادة النظر. وبالرغم من أن القانونين التاليين لهذا القانون نهجا نهجاً مخالفاً لذلك، حيث اكتفيا ببيان الأحكام الجائز الطعن فيها بطريق التماس إعادة النظر، فأجازت المادة (19) من القانون رقم 55 لسنة 1959 الطعن بهذا الطريق في الأحكام الصادرة من محكمة القضاء الإداري والمحاكم الإدارية، ثم أضاف القانون الحالي رقم 47 لسنة 1972 إليها طائفة أخرى من الأحكام هي الأحكام الصادرة من المحاكم التأديبية، إلا أن المحكمة الإدارية العليا لم تتبدل منزلتها في القانونين الأخيرين عما كانت عليه في القانون رقم 165 لسنة 1955 المشار إليه، إذ ما زالت على قمة القضاء الإداري ونهاية المطاف فيه، والأحكام الصادرة منها تعد أحكاماً باتة لا تقبل الطعن فيها بأي طريق من طرق الطعن العادية وغير العادية، مثلها في ذلك مثل محكمة النقض التي وضعها المشرع على رأس جهة القضاء العادي، سيما وأن أوجه الطعن أمام المحكمة الإدارية العليا وهي حالات مخالفة القانون أو الخطأ في تطبيقه أو في تأويله وبطلان الحكم وصدوره خلافاً لحكم حاز قوة الشيء المحكوم فيه هي بذاتها أوجه الطعن بالنقض طبقاً لقانون المرافعات المدنية والتجارية، ومن ثم كان من السائغ التسوية بين كلا المحكمتين في عدم جواز الطعن في الأحكام الصادرة منهما بطريق التماس إعادة النظر. ولا ينال مما تقدم، القول بأن دور محكمة النقض يخالف دور المحكمة الإدارية العليا باعتبار أن الأولى تراقب صحة تطبيق القانون في المحاكم الأدنى منها، في حين أن الثانية تُعد محكمة موضوع، ذلك أن محكمة النقض تشارك المحكمة الإدارية العليا دورها في نظر موضوع الدعوى، وذلك إذا حكمت بنقض الحكم المطعون فيه وكان الموضوع صالحاً للفصل فيه، أو كان الطعن للمرة الثانية ورأت المحكمة نقض الحكم المطعون فيه.
6 - وحيث إن عدم جواز الطعن على أحكام المحكمة الإدارية العليا بطريق التماس إعادة النظر لا ينال من كفالة حق التقاضي، إذ ليس من شأنه أن تُغلق أبواب الطعن على تلك الأحكام، إذ يمكن لذوي الشأن إذا قام بهذه الأحكام سبب من أسباب البطلان أن يقيموا دعوى بطلان أصلية بقصد إهدار آثارها واعتبارها كأن لم تكن، وذلك إذا ما شابها عيب جوهري يجردها من أركانها الأساسية أو يفقدها صفة الأحكام، ودعوى البطلان تُجاوز بآثارها الحالات التي أجاز قانون المرافعات المدنية والتجارية الطعن في الأحكام الصادرة فيها بطريق التماس إعادة النظر.
7 - مبدأ مساواة المواطنين أمام القانون - على ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة - لا يعني أن تُعامل فئاتهم على ما بينها من تفاوت في مراكزها القانونية معاملة قانونية متكافئة، كذلك لا يقوم هذا المبدأ على معارضة صور التمييز جميعها، إذ أن من بينها ما يستند إلى أسس موضوعية ولا ينطوي بالتالي على مخالفة لنص المادة (40). إذ كان ذلك، وكان ما قرره النص الطعين من تعداد للأحكام التي يجوز الطعن عليها بطريق التماس إعادة النظر، قاصراً إياها على الأحكام الصادرة من محكمة القضاء الإداري والمحاكم الإدارية والمحاكم التأديبية مخرجاً منها أحكام المحكمة الإدارية العليا يجد سنده في أن هذه الأخيرة تتربع على رأس القضاء الإداري وتعد خاتمة المطاف فيما يُعرض عليه من أقضية، كما أن لها القول الفصل في مدى اتفاق أحكام هذا القضاء وصحيح حكم القانون لدى مراجعتها وتمحيصها، فإن النعي عليه بمخالفة المادة (40) من الدستور يكون منتحلاً.


الإجراءات

بتاريخ العاشر من فبراير سنة 2001، أودع المدعي صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة، طالباً الحكم بعدم دستورية نص المادة (51) من قانون مجلس الدولة الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 47 لسنة 1972 فيما لم يتضمنه من جواز الطعن في أحكام المحكمة الإدارية العليا بطريق التماس إعادة النظر.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم أصلياً بعدم قبول الدعوى، واحتياطياً برفضها.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع - على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - تتحصل في أنه سبق أن أقامت النيابة الإدارية الدعوى التأديبية رقم 165 لسنة 28 قضائية ضد المدعي متهمة إياه بأنه بصفته رئيساً لمجلس إدارة شركة النصر للإسكان والتعمير (سابقاً) خرج على مقتضى الواجب الوظيفي ولم يؤد العمل المنوط به بدقة وأمانة ولم يحافظ على أموال وممتلكات الشركة التي يعمل بها على النحو الوارد بتقرير الاتهام. وبجلسة 31/ 12/ 1986 قضت المحكمة التأديبية لمستوى الإدارة العليا بمجازاته بعقوبة الإحالة إلى المعاش. وإذ لم يرتض المدعي هذا القضاء، فقد طعن عليه أمام المحكمة الإدارية العليا بالطعن رقم 900 لسنة 33 قضائية "عليا" فقضت بجلسة 15/ 3/ 1988 بقبوله شكلاً ورفضه موضوعاً. وبتاريخ 1/ 7/ 1993 قدم إلى المحكمة الإدارية العليا التماساً لإعادة النظر في قضائها قُيد برقم 3840 لسنة 39 قضائية "عليا"، فقضت بعدم جواز نظر الالتماس تأسيساًَ على أن أحكام المحكمة الإدارية العليا لا تقبل الطعن بطريق التماس إعادة النظر، وبتاريخ 10/ 1/ 1996 قدم المدعي التماساً جديداً لإعادة النظر قُيد برقم 1219 لسنة 42 قضائية "عليا" طالباً الحكم أصلياً ببطلان الحكم الصادر في الطعن رقم 900 لسنة 33 قضائية "عليا" واحتياطياً بوقف نظر الالتماس لمدة ثلاثة أشهر لإقامة دعوى بعدم دستورية نص المادة (51) من قانون مجلس الدولة فيما لم يتضمنه من جواز الطعن في أحكام المحكمة الإدارية العليا بطريق التماس إعادة النظر. وتدوول الالتماس أمام تلك المحكمة إلى أن قررت حجزه للحكم فيه بجلسة 19/ 11/ 2000، وبها قررت إعادته إلى المرافعة لجلسة 11/ 2/ 2001، وصرحت للطاعن بإقامة دعوى بعدم دستورية نص المادة (51) من قانون مجلس الدولة، فأقام الدعوى الماثلة.
وحيث إن هيئة قضايا الدولة دفعت بعدم قبول الدعوى الماثلة على وجهين، الأول: تخلف شرط المصلحة، وذلك تأسيساً على أن الفصل في دستورية النص الطعين لن يكون له انعكاس على الدعوى الموضوعية التي تدور حول بطلان الحكم الصادر في الطعن رقم 900 لسنة 33 قضائية "عليا" بطلاناً مطلقاً، والثاني: أن المناعي التي وجهها المدعي إلى النص الطعين تقوم على مخالفته لأحكام قانون المرافعات، ومن ثم فلا يعدو الأمر إلا أن يكون مخالفة لنص تشريعي لنص تشريعي آخر من ذات المرتبة مما لا تختص بنظره المحكمة الدستورية العليا.
وحيث إن الوجه الأول من الدفع بعدم القبول مردود بأن المدعي يهدف من دعواه الموضوعية قبول التماسه بإعادة النظر في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 900 لسنة 33 قضائية "عليا"، والقضاء بعدم دستورية نص المادة (51) من قانون مجلس الدولة فيما لم يتضمنه من جواز الطعن في أحكام المحكمة الإدارية العليا بطريق التماس إعادة النظر سيؤدي إلى قبول التماسه وأن تعاود تلك المحكمة نظر الدعوى في ضوء ما يبديه المدعي أمامها من أسباب تبرر التماسه طبقاً لما يقضي به نص المادة (241) من قانون المرافعات، فضلاً عن أن تكييف الدعوى وما إذا كانت دعوى بطلان أصلية أو التماس إعادة النظر هو من اختصاص محكمة الموضوع، والمستقر عليه في قضاء هذه المحكمة أن لكل من الدعويين الموضوعية والدستورية ذاتيتها ومقوماتها فلا تختلطان ببعضهما ولا تتحدان في إجراءات وشرائط قبولهما، بل تستقل كل منهما عن الأخرى في شكلها وموضوعها، كما أن الفصل في شروط اتصال الدعوى الموضوعية بمحكمة الموضوع وفقاً للأوضاع المقررة أمامها ليس من بين المهام التي ناطها المشرع بالمحكمة الدستورية العليا، وإنما تنحصر ولايتها فيما يُعرض عليها من مسائل دستورية لتقرر صحة النصوص المطعون عليها أو بطلانها بعد تثبتها من اتصال الدعوى الدستورية بها، بإجراء صحيح وفقاً للأوضاع المقررة في قانونها.
وحيث إنه عن الوجه الثاني من الدفع بعدم قبول الدعوى، فإن البين من الاطلاع على صحيفة الدعوى الدستورية أن المدعي أقام دعواه بعدم دستورية النص الطعين تأسيساً على مخالفته لنص المادتين (40 و68) من الدستور، وإيراد نص المادة (241) من قانون المرافعات في صحيفة الدعوى الدستورية من جانب المدعي كان في مقام بيان الأحوال التي يجوز للخصوم أن يلتمسوا فيها إعادة النظر في الأحكام الصادرة بشأنهم بصفة انتهائية، فضلاً عن أن هذا الوجه من الدفع - إذا ثبت صحته - يعد دفعاً بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى وليس دفعاً بعدم قبولها، باعتبار أن الرقابة الدستورية التي تباشرها المحكمة الدستورية العليا لا تمتد لتشمل التعارض بين التشريعات ذات المرتبة الواحدة، ومن ثم فإن الدفع بعدم القبول من هذا الوجه أيضاً لا يقوم على أساس صحيح يبرره متعيناً رفضه.
وحيث إن المادة (51) من قانون مجلس الدولة الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 47 لسنة 1972 تنص على أن "يجوز الطعن في الأحكام الصادرة من محكمة القضاء الإداري والمحاكم الإدارية والمحاكم التأديبية بطريق التماس إعادة النظر في المواعيد والأحوال المنصوص عليها في قانون المرافعات المدنية والتجارية أو قانون الإجراءات الجنائية، حسب الأحوال وذلك بما لا يتعارض مع طبيعة المنازعة المنظورة أمام هذه المحاكم.
ولا يترتب على الطعن وقف تنفيذ الحكم، إلا إذا أمرت المحكمة بغير ذلك، وإذا حكم بعدم قبول الطعن أو برفضه، جاز الحكم على الطاعن بغرامة لا تتجاوز ثلاثين جنيهاً، فضلاً عن التعويض، إذا كان له وجه".
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة تعد شرطاً لقبول الدعوى الدستورية، ومناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم في المسألة الدستورية لازماً للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع، متى كان ذلك، وكان المدعي يهدف من دعواه الموضوعية إعادة النظر في حكم المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 900 لسنة 33 قضائية "عليا" ويتحقق له ذلك إذا فصلت هذه المحكمة في أمر دستورية الفقرة الأولى من المادة (51) من قانون مجلس الدولة التي حددت الأحكام التي يجوز الطعن فيها بطريق التماس إعادة النظر، فإن مصلحته في الدعوى الماثلة تتحدد بنص تلك الفقرة وحدها ولا تمتد لباقي أحكام النص الأخرى.
وحيث إن المدعي ينعى على النص الطعين - محدداً نطاقاً على النحو المتقدم - أنه إذ أسقط أحكام المحكمة الإدارية العليا من عداد الأحكام التي يجوز الطعن عليها بطريق التماس إعادة النظر، فإنه يكون قد خالف حكم المادة (68) من الدستور التي كفلت لكل مواطن الحق في اللجوء إلى قاضيه الطبيعي لرد ما يقع من عدوان على الحقوق التي يدعيها، كما أنه لم يساو في الحكم بين المحكمة الإدارية العليا وغيرها من جهات القضاء الإداري من المحاكم الإدارية والتأديبية ومحكمة القضاء الإداري فأجاز الطعن في الأحكام الصادرة منها جميعاً بطريق التماس إعادة النظر دون أحكام المحكمة الإدارية العليا، حال أن هذه الأخيرة تشترك مع غيرها من محاكم القسم القضائي بمجلس الدولة في أنها تفصل في موضوع الدعوى بالإضافة إلى تحققها من عدم مخالفة الحكم الطعين لأحكام القانون.
وحيث إن النعي بمخالفة النص الطعين لنص المادة (68) من الدستور مردود، ذلك أن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن المشرع غير مقيد - في مجال ضمانة حق اللجوء إلى القضاء - بأشكال محددة تُمثل أنماطاً جامدة لا تقبل التغيير أو التبديل بل يجوز له أن يختار من الصور الإجرائية لإنفاذ هذا الحق ما يكون في تقديره الموضوعي أكثر اتفاقاً مع طبيعة المنازعة التي يعهد بالفصل فيها إلى محكمة أو هيئة ذات اختصاص قضائي.
وحيث إنه يبين من استعراض التطور التشريعي للنصوص التي تنظم المحكمة الإدارية العليا وتبين اختصاصاتها أن المشرع أنشأ هذه المحكمة بالقانون رقم (165) لسنة 1955 لتكون خاتمة المطاف فيما يُعرض من أقضية على جهة القضاء الإداري، وناط بها مهمة التعقيب النهائي على جميع الأحكام الصادرة من المحاكم الإدارية ومحكمة القضاء الإداري، واتساقاً مع ذلك فقد نص في المادة (15) من ذلك القانون على أنه لا يُقبل الطعن في أحكام هذه المحكمة بطريق التماس إعادة النظر. وبالرغم من أن القانونين التاليين لهذا القانون نهجا نهجاً مخالفاً لذلك، حيث اكتفيا ببيان الأحكام الجائز الطعن فيها بطريق التماس إعادة النظر، فأجازت المادة (19) من القانون رقم 55 لسنة 1959 الطعن بهذا الطريق في الأحكام الصادرة من محكمة القضاء الإداري والمحاكم الإدارية، ثم أضاف القانون الحالي رقم 47 لسنة 1972 إليها طائفة أخرى من الأحكام هي الأحكام الصادرة من المحاكم التأديبية، إلا أن المحكمة الإدارية العليا لم تتبدل منزلتها في القانونين الأخيرين عما كانت عليه في القانون رقم 165 لسنة 1955 المشار إليه، إذ ما زالت على قمة القضاء الإداري ونهاية المطاف فيه، والأحكام الصادرة منها تعد أحكاماً باتة لا تقبل الطعن فيها بأي طريق من طرق الطعن العادية وغير العادية، مثلها في ذلك مثل محكمة النقض التي وضعها المشرع على رأس جهة القضاء العادي، سيما وأن أوجه الطعن أمام المحكمة الإدارية العليا وهي حالات مخالفة القانون أو الخطأ في تطبيقه أو في تأويله وبطلان الحكم وصدوره خلافاً لحكم حاز قوة الشيء المحكوم فيه هي بذاتها أوجه الطعن بالنقض طبقاً لقانون المرافعات المدنية والتجارية، ومن ثم كان من السائغ التسوية بين كلا المحكمتين في عدم جواز الطعن في الأحكام الصادرة منهما بطريق التماس إعادة النظر.
ولا ينال مما تقدم، القول بأن دور محكمة النقض يخالف دور المحكمة الإدارية العليا باعتبار أن الأولى تراقب صحة تطبيق القانون في المحاكم الأدنى منها، في حين أن الثانية تُعد محكمة موضوع، ذلك أن محكمة النقض تشارك المحكمة الإدارية العليا دورها في نظر موضوع الدعوى، وذلك إذا حكمت بنقض الحكم المطعون فيه وكان الموضوع صالحاً للفصل فيه، أو كان الطعن للمرة الثانية ورأت المحكمة نقض الحكم المطعون فيه.
وحيث إن عدم جواز الطعن على أحكام المحكمة الإدارية العليا بطريق التماس إعادة النظر لا ينال من كفالة حق التقاضي، إذ ليس من شأنه أن تُغلق أبواب الطعن على تلك الأحكام، إذ يمكن لذوي الشأن إذا قام بهذه الأحكام سبب من أسباب البطلان أن يقيموا دعوى بطلان أصلية بقصد إهدار آثارها واعتبارها كأن لم تكن، وذلك إذا ما شابها عيب جوهري يجردها من أركانها الأساسية أو يفقدها صفة الأحكام، ودعوى البطلان تُجاوز بآثارها الحالات التي أجاز قانون المرافعات المدنية والتجارية الطعن في الأحكام الصادرة فيها بطريق التماس إعادة النظر.
وحيث إن النعي بمخالفة النص الطعين لمبدأ المساواة المنصوص عليه في المادة (40) من الدستور مردود، بأن مبدأ مساواة المواطنين أمام القانون - على ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة - لا يعني أن تُعامل فئاتهم على ما بينها من تفاوت في مراكزها القانونية معاملة قانونية متكافئة، كذلك لا يقوم هذا المبدأ على معارضة صور التمييز جميعها، إذ أن من بينها ما يستند إلى أسس موضوعية ولا ينطوي بالتالي على مخالفة لنص المادة (40). إذ كان ذلك، وكان ما قرره النص الطعين من تعداد للأحكام التي يجوز الطعن عليها بطريق التماس إعادة النظر، قاصراً إياها على الأحكام الصادرة من محكمة القضاء الإداري والمحاكم الإدارية والمحاكم التأديبية مخرجاً منها أحكام المحكمة الإدارية العليا يجد سنده في أن هذه الأخيرة تتربع على رأس القضاء الإداري وتعد خاتمة المطاف فيما يُعرض عليه من أقضية، كما أن لها القول الفصل في مدى اتفاق أحكام هذا القضاء وصحيح حكم القانون لدى مراجعتها وتمحيصها، فإن النعي عليه بمخالفة المادة (40) من الدستور يكون منتحلاً.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة برفض الدعوى، وبمصادرة الكفالة، وألزمت المدعي المصروفات ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.