الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 2 ديسمبر 2021

بحث في قانون التسجيل الجديد عبد السلام ذهني بك

مجلة المحاماة - العدد السابع
السنة السادسة - عدد إبريل

قانون التسجيل الجديد الصادر في 26 يونيه سنة 1923
والمبادئ القانونية المقررة من قبل
للدكتور عبد السلام ذهني بك
أستاذ القانون المدني بكلية الحقوق بالجامعة المصرية
كلمة

إن مهمة المشتغلين بالقانون في الوقت الحاضر لا تنصرف كما انصرف غيرهم في أزمان غير بعيدة إلى شرح نصوص القوانين والوقوف عند نصوصها examen exégétique exégétique وإخضاع المظاهر الاجتماعية من معاملات وخلافها إلى القانون بحيث يعتبر القانون قالبًا عامًا يجب أن تفرغ فيه المظاهر الاجتماعية المذكورة، إنما مهمة المشتغلين بالقانون في الأوقات الحاضرة وقد قطعت الشعوب المتمدينة أشواطًا طويلة في طريق المدنية على اختلاف صورها، إنما تنصرف إلى عرض الأصول القانونية عرضًا علميًا خاضعًا للمظاهر الاجتماعية، لأن القانون كما قال بورتاليس أحد محضري قانون نابليون إنما خُلق للإنسان، ولم يُخلق الإنسان للقانون، أي تنصرف جهود الباحثين الآن إلى نقد القانون وبيان أوجه نفعه ومضاره، والعمل على جعل القانون خاضعًا لحكم التطورات الاجتماعية، بحيث لا يؤخذ في تفسيره إلى ما يتعارض مع الضرورات والاعتبارات الاجتماعية، والأصول المستفادة من طبيعة المعاملات بين الأفراد، بما يرجع للعدالة وطبيعة الأحوال، وهذا الأسلوب هو الذي اتبعناه بقدر الإمكان في عرض بيان موجز لقانون التسجيل الصادر في 26 يونيو سنة 1923، لذا لم نقف في إيضاحه إلى ما أوردته المذكرة الإيضاحية فحسب، بل أخذنا فوق ذلك بما توحي به الأصول العامة للقانون من حيث هو. على أنّا لا نستطيع بحال إقساط المذكرة الإيضاحية قدرًا من حيث الأثر في التدليل القانوني يرتفع إلى مرتبة الأعمال التحضيرية التشريعية داخل المجالس التشريعية، ولأنه من المستحيل فوق ذلك الأخذ بالمذكرة الإيضاحية ولا ببعض الأعمال التحضيرية التشريعية فيما يتعارض إما مع روح القانون الخاص الموضوع، أو مع روح القانون بوجه عام، أو يتعارض مع نصوص القانون المعين بالذات، لذا لا نعول فقط في أبحاثنا هذه إلى ما ورد بالمذكرة الإيضاحية فحسب، بل نرجع إلى الأصول العامة، وإلى تاريخ التشريع وتطوره، لمعرفة قدر الأثر العلمي القانوني في القانون المعين، وأما الوقوف في التفسير في دائرة ضيقة لا تتعدى الأعمال التحضيرية، وعلى الأخص المذكرة الإيضاحية، فإن من شأن ذلك أن تتولد عنه أخطار مخيفة من اضطراب في العقائد القانونية لدى الأفراد بما فيه تشويه الأصول القانونية في ذاتها، ولعلنا نذكر ما أوردته المذكرة الإيضاحية لقانون المجالس الحسبية الصادر في 13 أكتوبر سنة 1925 والمنشور بالوقائع الرسمية في 2 نوفمبر سنة 1925 من أنه (من البديهي أن ليس لهذا القانون أثر رجعي على من بلغ في عهد القانون القديم 18 سنة ولم يبلغ 21 سنة من تاريخ العمل بالقانون الجديد) مع أن هذا الإقرار بالمذكرة الإيضاحية لم يؤيده نص بنفس قانون المجالس الحسبية، وفوق ذلك فإن ما قررته هذه المذكرة مخالف للبداهة ولما أجمع عليه علماء القانون بفرنسا وقضاؤه، لذا لا نتردد مطلقًا أمام هذا الإقرار في أن لا نأخذ به لمناقضته للأصول العلمية وللبداهة، وأن لا نتخلى عن الأخذ بالأسباب العلمية والأصول القانونية الصحيحة، ونجزم بضرورة تقرير الأثر الرجعي لقانون المجالس الحسبية فيما يتعلق بتقرير الأهلية.

تمهيد

التشريع في كل بيئة ولكل جماعة صورة تنعكس فيها صورة تلك الجماعة وما هي عليها من حالة اجتماعية خاصة، ولا يخرج التشريع عن كونه تصويرًا لهذه الحالة الاجتماعية يعمل فيه الشارع على معالجة الحال وإصلاح الشأن وهو يأمل في ذلك حماية الحق، ويستعين في حماية الحق بما يتفق مع طبائع شعبه ولا يتعارض مع ميوله، وهي الميول التي تتجه في طريق واحد مع حركة التطور الاجتماعي للشعب، وإن صح القول بأن هناك تيارات اجتماعية تسوق الجماعة في طريق التطور من حال إلى حال، فإنه يترتب على ذلك أن القانون، وهو أداة لحماية الحق، يجري هو الآخر وراء هذا التطور وينساب في تياره، وما دامت الجماعة خاضعة لحكم التطور القسري فالقانون كذلك، والقانون في تغير وتعديل ما دامت الجماعة سائرة في طريق التطور، ولكل حالة اجتماعية شأن خاص ونظام خاص وأصول قانونية خاصة تلتئم وحالتها الاجتماعية.
وكان الرومان في عهدهم الأول وهم في دور الطفولة الاجتماعية، الأمر الذي تترتب عليه الطفولة التشريعية أيضًا، لا يرضون بصحة انعقاد العقد لمجرد التعاقد والاتفاق عليه

non nudis pactis dominia rerum transfermetur.

ويقرر المشترع الروماني بولص Paulus بأنه لا يترتب على العقد انتقال الملكية إنما تتولد عنه جملة التزامات، وكان لا بد في انتقال الملكية من الالتجاء إلى أوضاع شكلية أخرى وهي البيع العلني للأشياء النفيسة mancipatio والبيع بواسطة المناولة اليدوية tradition للأشياء غير النفيسة، والبيع أمام القاضي من طريق التنازع الصوري in jure cessio (كتابنا في الأموال صـ 797 ن 558) ويلاحظ المشترع الألماني المعروف (اهرنج Ihring) أن لهذه العقود الشكلية عند الرومان بعض المزايا في أنها لا تجعل لأمر الإرادة في التعاقد محلاً للشك بل هي تطبع العقد بطابع لا يستطيع معه الإفلات من قوة أثره وصحته، كما تطبع الحكومة العملة إثباتًا لصحتها (كتابنا في الالتزامات، النظرية العامة صـ 67 ن 70).
والذي يستفاد من ذلك أن الشارع الروماني في تقريره لهذه الأوضاع الشكلية المختلفة إنما يرمي إلى حماية العاقدين أولاً، وثانيًا إلى حماية الغير لأن من شأن الأوضاع الشكلية formalisme إذاعة العقود على الجماعة فيعرف الغير ما تحمل به الشيء من الحقوق المقررة للآخرين فيما إذا أراد التعاقد بشأن هذا الشيء مع المالك الأصلي أو خلافه.
هذا ولا زال كل شارع في كل بيئة يعمل على تبسيط إجراءات انعقاد العقد بين الطرفين، وعلى العمل على ما فيه حماية الغير، وقد استعين بشأن صحة انعقاد العقد بين الطرفين بجملة وسائل مختلفة كان للمجاز والتصوير الافتراضي شأن في تقريرها، كالمناولة باليد الوجيزة tradition de bréve main والمناولة باليد الطويلة tradition de longue main والتسليم الصوري أو التسليم والتسلم dessaisine - saisine أو veste et deveste أي إقرار المشتري باستلام المبيع وإقرار البائع بتسليم المبيع وأن يثبت الإقرار بالعقد، ولا عبرة بعد ذلك فيما إذا ظل المبيع تحت يد البائع. وأخيرًا قرر قانون نابليون بالمادة (1134) بأن العقد شريعة المتعاقدين وهي القاعدة التي أصبحت أساسًا للتشريعات العالمية الحاضرة، وأصبح العقد في ذاته بمجرد حصوله ملزمًا لطرفيه، دون الاستعانة بإجراءات أخرى، إلا فيما يتعلق ببعض العقود التي لا زالت الأوضاع الشكلية لازمة لها لصحة تكوينها كالرهن الحيازي العقاري والهبة.
وإن كان الشارع قد انتهى من تقرير قاعدة (العقد شريعة المتعاقدين) وأن الالتزام صحيح بمجرد التعاقد عليه سواء أكان التعاقد شفويًا أم كتابيًا، لأن الكتابة لم تشرع الآن إلا للإثبات في حالة الإنكار، إلا أنه لا زالت هناك فكرة تساور الشارع من زمن بعيد في حماية الغير بعد رفع هذه الأوضاع الشكلية التي كان يترتب عليها الإشهار والعلانية حتمًا، لذلك أخذ الشارع في معالجة هذه الحال من طريق تقرير نظم شكلية يريد بها الوصول إلى الإشهار والعلانية حتى يعلم الغير ما يحف الشيء، الذي يريد تقرير حق عيني عليه، من شوائب عينية. والشيء محل التعاقد إما منقول أو عقار، ولما كان من المستحيل أن يكون للمنقول مستقر ثابت فقد تقررت قاعدة (حيازة المنقول سند تمليكه) من زمن بعيد، وأما العقار فقد أصبح الشغل الشاغل للشارع من حيث حماية الغير سواء كان فيما يتعلق بنقل ملكية العقار أو تقرير حق عيني عليه، وألحق الشارع بالحقوق العينية العقارية حقوقًا شخصية بحتة لما لها من الأهمية الظاهرة كعقد الإيجار الزائدة مدته عن تسع سنوات، ومخالصات الإيجار الزائدة مدتها عن ثلاث سنوات، وعقد إيجار العقار المرهون رهنًا حيازيًا.
وكانت مقاطعات فرنسا منقسمة إلى نوعين:
مقاطعات خاضعة لنظام التسجيل الخاص بجماعة الأشراف والنبلاء، ومقاطعات خاضعة لعادة التمليك بطريق المناداة والإشهار الشفوي (كتابنا في الأموال صـ 813)، ثم وضعت قوانين فرنسية بعد ذلك وهي قانون (9) ميسيدور سنة ثلاثة، وقانون برومبر سنة سبعة. ولما جاء قانون نابليون سنة 1804 اختلف واضعوه في تقرير قاعدة التسجيل شرطًا أساسيًا لصحة التصرفات قبل الغير، واستقر الرأي فيما بينهم على عدم اشتراط شرط التسجيل هذا، مع الإقرار بصحة القاعدة القائلة بأنه لا يجوز للإنسان أن يتصرف في أكثر مما يملك (الأموال لنا صـ 818).
وأخيرًا وضع القانون الفرنسي المعروف وهو قانون 23 مارس سنة 1855 وقرر قواعد التسجيل الحاضرة المعروفة بالقانون المدني المصري الموضوع سنة 1875 مختلطًا وسنة 1883 أهليًا، وهي القواعد القائلة بصحة العقد بين الطرفين لمجرد حصول التعاقد عليه، وأنه لا ينفذ العقد على الغير إلا إذا كان مسجلاً فيما إذا تعلق بحق عيني عقاري.
ولكن الناقدين أخذوا على نظام التسجيل عيوبًا وحاولت فرنسا إصلاحه ولما تصل بعد، وأخذت بعض البلاد الأخرى بنظم في التسجيل تخالف النظام الفرنسي المصري، واتبعت في ذلك طريقة تورينس والطريقة الألمانية وهي طريقة السجلات العقارية Livres fonciers وشعرت مصر بهذه الحاجة في تعديل نظام التسجيل من سنة 1880 وفعلاً قدمت سنة 1902 مشروعين للجنة الدولية المخصصة لفحص المشاريع القانونية المختلطة، أحدهما خاص بتوحيد أقلام التسجيل، وثانيهما بتقرير نظام السجلات العقارية (تقرير المستشار القضائي سنة 1903 النسخة العربية صـ 23 - كتابنا في الأموال صـ 856) واستقر الرأي لدى اللجنة على وضع صيغة خاصة لكل من المشروعين، وعقدت النية على إدخال نظام السجلات العقارية الذي يقضي بأن التسجيل لا يرجع لأسماء الأشخاص إنما يرجع للعقارات بالذات، وأن الملكية لا تنتقل بين الطرفين وبالنسبة للغير إلا بالتسجيل، وأنه بمجرد حصول التسجيل لا يجوز الطعن في العقد المسجل (الأموال لنا صـ 866 - 884).
ولبث المشروعان المذكوران مطويين في عالم الخفاء حتى جاء مجلس الوزراء وقرر في مارس سنة 1917 تكليف لجنة الامتيازات الأجنبية بدرس أول المشروعين، وفي 4 يوليو سنة 1917 قرر إنشاء لجنة فرعية لها، واعتبرها بقرار منه في أول مايو سنة 1920 لجنة مستقلة في فحص المشروع، وقدمت هذه اللجنة ست تقريرات لمجلس الوزراء ومشروعي قانونين أحدهما بشأن الموثقين وثانيهما بشأن الملكية العقارية (الأموال لنا صـ 861) وصادق مجلس الوزراء على اقتراحات اللجنة في 25 إبريل سنة 1922، ثم تعينت بعد ذلك لجنة أخرى لتضع مشروع قانون نافذ على المصريين والأجانب، وقامت هذه اللجنة بوضعه فعلاً وشفعته بتقرير أصبح فيما بعد هو نفس المذكرة الإيضاحية للقانون، أي قانون التسجيل الصادر في 26 يونيو سنة 1923 رقم (18) أهلي و(19) مختلط.

القسم الأول: قانون التسجيل الجديد والقانون المدني

أما وقد أتينا على لمحة سريعة لتاريخ انتقال الملكية والحقوق العينية بين المتعاقدين وبالنسبة للغير، فإنا نرى الآن ضرورة استعراض المسائل القانونية السابقة لنرى مبلغ تأثرها أو عدم تأثرها بقانون التسجيل الجديد، ونرى تقسيم الموضوع إلى التقسيمات الآتية:

التملك بين الأحياء
أو تقرير الحقوق العينية العقارية

1 - في العقود المنشئة:
1/ العقود بعوض:
( أ ) القاعدة القديمة:
العقد المنشئ للحق العيني العقاري (وهنا العقد بعوض) ملزم للطرفين بمجرد حصول الاتفاق عليه، وإن كان شفويًا صح أيضًا على شرط الإقرار به، وأما عند إنكاره فيرجع إلى قواعد الإثبات، فإن كانت قيمته عشرة جنيهات فأقل جاز إثباته بجميع أوجه الإثبات، وإن زاد فلا بد فيه من الكتابة، أي عقد مثبت للتعاقد كل الإثبات، أو ورقة تصح أن تكون مبدأ دليل بالكتابة، مع ملاحظة الإقرار واليمين.
والحقوق العينية العقارية هي المسماة بالمادة 611/ 737 مدني أي الملكية والحقوق العقارية القابلة للرهن الرسمي كحق الانتفاع، وحق الارتفاق وحق السكنى وحق الاستعمال، والرهن الحيازي العقاري، ولا يصح التعاقد عن هذه الحقوق قبل الغير إلا إذا تسجل العقد، فالعقد غير المسجل أو المسجل نافذ على طرفيه، وغير المسجل غير نافذ على الغير، ويراد بالغير هنا من اكتسب حقًا عقاريًا من هذه الحقوق المعينة بالمادة (611) المتقدمة وسجل عقده قبل تسجيل عقد المكتسب الأول، وعلى شرط أن يكون حسن النية، أي لا يعلم علمًا أكيدًا بسبق تصرف المملك له، أو كان من باب أولى غير متواطئ معه. ومع عدم نفاذ العقد غير المسجل على الغير فهو نافذ على طرفيه، فإن كان العقد عن بيع صح البيع بين الطرفين ولا يصح بالنسبة للغير وهو المشتري الثاني، أي يعتبر المشتري الأول مالكًا وغير مالك: مالكًا بالنسبة للبائع له، وغير مالك بالنسبة للغير، وهو في النهاية غير مالك، لأن البيع الأول يستحيل إلى تعويض لاستحالة تقرير حقي ملكية على عقار واحد، إلا من طريق الشيوع، ولا شيوع هنا لأن كل مشترٍ أراد امتلاك العقار كله وحده.
(ب) القانون الجديد:
قرر مشروع السجلات العقارية سنة 1904 (المادة 17) بأنه لا بد من إثبات الاتفاق بعقد رسمي، وإلا فلا قيمة للعقد العرفي من أي وجهٍ ما، حتى ولا من جهة المطالبة بتعويض، وجاء الشارع بقانون التسجيل الجديد سنة 1923 ورأى عدم الأخذ بهذه القاعدة وقرر صحة التعاقد العرفي، إنما اشترط في تسجيل هذا العقد أن يكون مصادقًا فيه على إمضاءات المتعاقدين (المادة 6) بحيث إذا لم يكن هناك مصادقة فلا يجوز التسجيل، ورأى الشارع ضمانًا لتمام العقد وعدم تعريضه للنقص الذي يعيبه أن يعين البيانات التي يجب توافرها في العقد (المادة 3) وأشار على الحكومة بضرورة وضع نماذج لهذا الغرض (المادة 5)، وعند حصول خلاف وقت التسجيل بشأن البيانات رأى الشارع جواز طرح النزاع على قاضي الأمور الوقتية للفصل فيه، مع المحافظة على نمرة العقد المسلسلة التي أُعطيت وقت تقديمه للتسجيل وعند حصول النزاع (المادة 4).
وقرر الشارع بالمادة الأولى بأنه لا بد من التسجيل لنقل الحق العيني العقاري بين الطرفين، ومن باب أولى بالنسبة للغير، إلا أنه قرر هنا، وهو يخالف في ذلك مشروع السجلات العقارية، بأنه (لا يكون للعقود غير المسجلة من الأثر سوى الالتزامات الشخصية بين المتعاقدين) ورأى الشارع أن يأخذ بنظرية الحكومة المصرية في مناقشتها للجنة الدولية عند تحضير مشروع السجلات العقارية سنة 1904، في أنها أخذت بما قرره القانون الألماني الصادر في 15 مايو سنة 1872 (المادة 873) بأن العقد الذي لم يتحرر بشكل رسمي لا يفقد جميع مزاياه ونتائجه بالمرة، إنما يفقد مزية نقل الحق العيني ويبقى له أثر بعد ذلك، بمعنى أنه ينشأ عنه مجرد التزامات بين الطرفين، بحيث يجوز للمشتري مقاضاة البائع ومطالبته بتعويضات إذا أبى تحرير الاتفاق بعقد رسمي، أو مقاضاته لأجل الحصول على حكم يقوم مقام العقد الرسمي حتى يستطيع قيده بالسجلات العقارية (الأموال لنا صـ 870 ن 594 - جرانمولان في التأمينات صـ 281 ن 949 الحاشية 02 - الأموال صـ 889 ن 606).
ولقد أراد الشارع الحاضر بقانون التسجيل أن يجعله تمهيدًا لنظام السجلات العقارية، ورجع في تقرير قاعدة شرط التسجيل في انتقال الحق العيني العقاري بين الطرفين، إلى أسباب عملية محلية وإلى أسباب علمية قانونية، أما الأولى فلأنه لاحظ أن الأفراد يكتفون بإثبات تاريخ العقد وهم يعتقدون بذلك بأن الملكية انتقلت بالنسبة للغير، والحقيقة على خلاف ذلك، إذ الملكية لا تنتقل بالنسبة للغير إلا بالتسجيل، وأما بالنسبة للأسباب العلمية القانونية، فلأن التعاقد العيني يولد حقًا عينيًا عقاريًا ليس فقط حجة على الطرفين، بل هو حجة على الكافة، بخلاف الحق الشخصي فإنه حجة على الطرفين فقط، وما دام أثر الحق العيني يتعدى طرفيه إلى الغير وجب أن يكون معلومًا من طريق حتمي لدى الغير، ولا يكون هذا العلم الحتمي إلا من طريق التسجيل الحتمي (انظر المذكرة الإيضاحية لقانون التسجيل الجديد بمجلة المحاماة المجلد 3 صـ 459 و460 العامود الأول والثاني - انظر الأموال لنا صـ 862 الحاشية 2).
وعندما نوقشت المادة الأولى من قانون التسجيل الجديد قرر موسيو (برناردي) بأن العقد غير المسجل لم يخرج عن كونه وعدًا بالالتزام بنقل الملكية وإلا لزم بالتعويض (انظر محضر جلسة 20 نوفمبر سنة 1922 من محاضر اللجنة الخاصة والمكلفة بتحضير قانون التسجيل، ولم تُنشر هذه المحاضر على الأفراد - الأموال لنا صـ 893 الحاشية 1، وانظر محاضرته المنشورة بمجلة مصر الحديثة سنة 918 صـ 200) وقرر موسيو بيولا كازللي بأنه يلفت نظر أعضاء اللجنة إلى النص القديم الموضوع سنة 1904 القائل (بأن الملكية لا تنتقل بين الطرفين وبالنسبة للغير إلا بالتسجيل، على أن مجرد اتفاق الطرفين يجعل المشتري الظاهر acquéreur apparent بمثابة دائن لا يجوز له فقط حق المطالبة بتعويض عند عدم حصول القيد رسميًا، بل يجوز له حق رفع دعوى للحصول على حكم يحل محل العقد الرسمي ويجوز تسجيله) 22 وأقر بيولا كازللي صحة وجهة النظر هذه فيما يتعلق بقانون التسجيل الجديد، وقرر المرحوم عبد الحميد باشا مصطفى بالجلسة بأنه بعد أن تقررت قاعدة أن الملكية لا تنتقل بين الطرفين إلا بالتسجيل، يصح ترك الفصل فيما يتفرع عن هذه القاعدة من الإشكالات للقضاء نفسه (راجع محضر جلسة 20 نوفمبر سنة 1922 السابق - الأموال صـ 893 الحاشية 1).
(جـ) القاعدة الصحيحة المستفادة من المادة الأولى من قانون التسجيل:
بعد أن استعرضنا الأعمال السابقة على وضع قانون التسجيل الجديد والأعمال التحضيرية له المستفادة تارة من المذكرة الإيضاحية وطورًا من محاضر جلسات اللجنة الخاصة، نرى أن نقرر هنا بأن العقد المنشئ لحق عيني عقاري بيعًا كان أو رهنًا حيازيًا أو بدلاً، ملزم لطرفيه حتى ولم يحصل تسجيل، ولنأخذ البيع مثلاً في إيضاح ذلك:
إذا انعقد عقد البيع ولم يحصل تسجيل اعتبر البائع مع ذلك بائعًا والمشتري مشتريًا، وترتبت على العقد جميع النتائج القانونية المستفادة قانونًا من العقد، فيجوز للبائع مطالبة المشتري بالثمن، ولا يجوز للمشتري الاحتجاج بعدم انتقال الملكية بسبب عدم التسجيل، لأن التسجيل من عمل المشتري، ولا يصح أن يقرر لنفسه حقًا أو دفعًا exception بإهماله أو خطأه بوجه عام أو بعمل منسوب له حتمًا.
كذلك يجوز للمشتري مطالبة البائع بتسليمه العقار وضمانه فيه إذا استحق للغير، وليس للبائع الاحتجاج بعدم تسجيل العقد، ذلك التسجيل الذي هو من حق المشتري وحده، وشرع التسجيل في القانون الجديد لأجل نقل الملكية فقط (أو بعبارة أخرى لأجل تقرير الحق العيني العقاري المعينة أنواعه بالمادة 611/ 737 مدني) ولم يؤثر التسجيل بوجهٍ ما على الآثار القانونية المترتبة على العقد بالذات، وهي الحقوق والواجبات التي تنشأ عن العقد لكل من طرفيه، أي أن قانون التسجيل لم يَفْتَتْ في البيع إلا على نقل الملكية فقط، وأما البيع في ذاته وأحكامه وآثاره وما ينشأ عنه من واجبات وحقوق، فالكل قائم لم يؤثر عليه التسجيل بشيءٍ ما، والبيع على هذا الاعتبار يظل كما كان من قبل من العقود الرضائية contrats consensuels ولم ينقل إلى عقد شكلي contrat solennel أي يتم العقد بالتعاقد عليه سواء حصل التعاقد شفويًا أو بالكتابة، إنما لا تنتقل الملكية إلا بالتسجيل، أي أن الأوضاع الشكلية formalisme انصبت فقط على نقل الملكية ولم تتعدها إلى غيرها.
(د) التسجيل الحاضر من الأوضاع الشكلية:
قلنا بأن الملكية لا تنتقل إلا بالتسجيل، وللتسجيل طرق بقيود خاصة لا بد من حصولها حتى تنتقل الملكية ويترتب على ذلك ما يأتي:
1 - لا يجوز للقاضي أن يحكم بانتقال الملكية بل يحكم فقط في النزاع العقاري المطروح أمامه بصحة التعاقد، سواء حصل التعاقد شفويًا وثبت بأوجه الإثبات القانونية، أو حصل بالكتابة كأن كانت مبدأ دليل بالكتابة، كل ذلك لأن الإجراءات الشكلية فيما يتعلق بالتسجيل لا بد من حصولها بالطرق والقيود المقررة بالقانون، ولا يملك القاضي أن يحكم بعدم الخضوع لها.
2 - ما دام أن العقد نافذ على طرفيه جاز للمشتري ولو لم يكن بيده عقد قاطع، مقاضاة مدينه بصحة التعاقد للحصول على حكم لأجل تسجيل هذا الحكم، لأن التعاقد في ذاته صحيح ولأن الحكم يحل محل العقد الكتابي.
3 - إذا أبى البائع الحضور أمام الموظف الحكومي للمصادقة على إمضائه طبقًا للمادة (6) من قانون التسجيل جاز للمشتري رفع دعوى إثبات صحة الإمضاء أخذًا بالأحكام المقررة بقانون المرافعات (المواد (251) وما بعدها) ثم يضم الحكم الصادر بصحة التوقيع على العقد ويقدمهما لقلم التسجيل، أو يرفع الدعوى بصحة التعاقد، ثم يسجل العقد مع الحكم.
وما دام أن العقد قبل تسجيله نافذ على الطرفين فإنه تترتب على ذلك الأحكام الآتية فيما يتعلق بالهلاك والأثر الرجعي للتسجيل.
(هـ) الهلاك وقانون التسجيل الجديد:
ولو أن الملكية في البيع تنتقل بحكم القانون المدني بمجرد تمام التعاقد إلا أن هلاك المبيع على البائع قبل تسليم المبيع للمشتري (المادة 297/ 371 مدني) وهل تتأثر نظرية الهلاك بقانون التسجيل الجديد؟ أو بعبارة أخرى، إذا حصل البيع ولم يحصل تسجيل العقد، ولكن حصل تسليم العقار للمشتري، وهلك العقار في يد المشتري، فهل الهلاك على البائع باعتباره لا زال مالكًا لسبب عدم تسجيل عقد البيع، أم الهلاك على المشتري ولو أنه غير مالك؟ نرى أن الهلاك على المشتري للأسباب الآتية:
أولاً: لأن نظرية الهلاك المقررة في القانون المدني لم يمسها قانون التسجيل بشيءٍ ما، فإذا تم العقد كتابةً وتسجل ولم يحصل تسليم فالهلاك على البائع حتمًا، وأما إذا لم يتسجل العقد فإن للمشتري حقوقًا على العقار وقد استلمه بالفعل والواقع وقبض البائع الثمن وانصرف لحال سبيله، وأصبح حصول التسجيل أمرًا معقودًا برغبة المشتري إن شاء سجل وإن شاء فلا يسجل، وهو في الحالين حائز للعقار وذو حق عليه، وإن لم يسجل فإما أن يكون السبب لخطأ من جانبه وإما لسبب قهري، فإن كان الأول فلا يصح أن يرجع، والعقار تحت يده، على البائع لسبب إهماله هو أي إهمال المشتري، وإن كان السبب قهريًا أو جبريًا فإنه يجب عليه أن يتحمله هو لأنه خاص به لا بغيره (الأموال لنا صـ 896 - 901 ن 613).
(و) الأثر الرجعي للتسجيل:
ما دام أن للمشتري حقوقًا مؤكدة قِبل البائع قبل التسجيل فهو في حل من الانتفاع به واستغلاله، بل والتصرف فيه، وفي ذلك لا يزاحمه أحد، وتصرفاته نافذة، وإذا تصرف البائع في العقار لمشترٍ حسن النية صح تصرفه ونفذ على المشتري غير المسجل، وطالما لم يعتد البائع على حقوق المشتري، يظل هذا الأخير في حل من التصرف في عقاره.
فإذا جاء المشتري واشترى بعقد غير مسجل في 10 يناير ولم يسجل إلا في 20 يناير اعتبرناه مالكًا من 10 لا من 20 طالما أنه لم يتقرر للغير حق عليه من جانب البائع، فإذا باع البائع لمشترٍ ثانٍ بعقد في 15 يناير وسجل المشتري الثاني حسن النية في 15 يناير نفذ عقده على عقد المشتري الأول الذي لم يسجل إلا في 20 يناير.
وإذا رهن المشتري الأول عقاره (أو باع جزءًا منه) في 15 يناير وتسجل عقد الرهن في 15 يناير، ولم يتسجل عقد البيع إلا في 20، وجب اعتبار الدائن المرتهن صاحب حق لا من تاريخ 20 وهو تاريخ تسجيل عقد الراهن له، بل من تاريخ 15.
ولا محل البتة للقول بالأثر اللارجعي ما دام أنه لم يترتب ضرر للغير، وما دام أن العقد في يد المشتري يقرر له حقوقًا مع عدم تسجيله، وأما إذا قيل بعدم الأخذ بالأثر الرجعي لترتب على ذلك أن الدائن المرتهن الذي سجل في 15 يناير يلزم بعمل تسجيل آخر في 20 يناير لأن المدين الراهن لا يعتبر مالكًا إلا من هذا التاريخ، وفي ذلك أضرار عملية تنزل بالأفراد على غير جدوى، إذا أريد بها مجرد المنطق البحت، ويجب أن يخضع المنطق للضرورات العملية لا أن تخضع الضرورات العملية للمنطق البحت (الأموال صـ 917 - 920 ن 627).
(ز) السبب الصحيح:
هل العقد غير المسجل يعتبر سببًا صحيحًا في التقادم الخمسي؟
السبب الصحيح هو نفس التعاقد، أي العملية القانونية الملزمة، كالبيع، أي حصول التعاقد بين البائع والمشتري، فإذا جهل المشتري ملكية البائع جهلاً معذورًا فيه بعد أن يكون قد قام بعمل ما يمكن من الوسائل للوقوف على الحقيقة، تملك العقار بخمس سنوات من تاريخ العقد ثابت التاريخ، وشرط ذلك أن يكون العقد المملك في ذاته صحيحًا وعقدًا مملكًا تمليكًا قانونيًا لا تشوبه شائبة تعيبه، فإذا اشترى من قاصر مالك فلا يتملك المشتري بالتقادم الخمسي، لأن عقد التمليك لا يملك لأنه مشوب فهو غير قادر على التمليك.
وبوجه آخر إن كان عقد التمليك صحيحًا في ذاته، صح التملك بالتقادم الخمسي، وإن كان غير صحيح فهو إما أن يكون باطلاً بطلانًا مطلقًا وإما بطلانًا نسبيًا، فإن اشترى من بائع قاصر عقارًا لا يملكه تملك المشتري بالتقادم الخمسي ضد المالك الحقيقي، لأن شائبة القصر يستفيد منها القاصر وحده، ولا محل للاستفادة ما دام أنه غير مالك، وإذا وهب الواهب عقارًا بعقد عرفي فلا يتملك الموهوب له العقار بالتقادم الخمسي، لأن العقد ولد باطلاً بطلانًا أصليًا، أو ولد ميتًا، ففي الحالة الأولى البطلان نسبي، وفي الحالة الثانية البطلان مطلق.
إذا علم ذلك فما القول بشأن عقد البيع غير المسجل؟ فهل يلحق من حيث نقل الملكية بالعقد الباطل بطلانًا مطلقًا أم بالعقد الباطل بطلانًا نسبيًا؟ إن هذا العقد لا ينقل الملكية من غير تسجيل فهو لذلك يلحق بطائفة العقود الباطلة بطلانًا مطلقًا من حيث نقل الملكية، وفوق ذلك فإن السبب الصحيح المملك بالتقادم الخمسي هو كما قلنا العملية القانونية الصحيحة في ذاتها والتي تملّك وحدها، أي العمل القانوني acte juridique الذي توافرت فيه شروط صحته وأركان وجوده، وأما وعقد البيع وقد نقصه التسجيل فيصبح وقتئذٍ غير صالح للتمليك، أي لا يصلح أداة قانونية صالحة للتملك بالتقادم الخمسي، وعلى ذلك لا يحصل التملك بالتقادم الخمسي عند عدم تسجيل عقد البيع، إنما يتم التملك بالتقادم الطويل بمدة خمس عشرة سنة.
(ح) الرهن الحيازي العقاري وقانون التسجيل الجديد:
ينعقد الرهن الحيازي العقاري immobilier gage بالإنفاق عليه طبقًا للقواعد العامة، ولا بد فيه من نقل الحيازة من يد الراهن إلى يد المرتهن، وإذا لم تحصل اعتبر عقد الرهن لدى المرتهن وعدًا من قِبل الراهن بنقل الحيازة تجوز فيه مقاضاته وإلزامه بالتسليم، والعقد نافذ على الطرفين دون قيد آخر، ولا ينفذ العقد على الغير إلا إذا كان مسجلاً، مع انتقال الحيازة حتمًا (المادة 550/ 674 مدني الملغاة بقانون التسجيل الجديد والمادة 611/ 737 الملغاة أيضًا) وبمقتضى قانون التسجيل الجديد لا يتقرر الحق العيني العقاري للدائن المرتهن بسبب العقد إلا بالتسجيل سواء كان ذلك بالنسبة للمدين الراهن أو بالنسبة للغير من باب أولى، وما الحكم الآن في عقد رهن لم يتسجل؟ هل يبطل باعتباره رهنًا ويستحيل في الحال إلى تعويض، أو حكمه من الوجهة القانونية حكم عقد البيع غير المسجل؟ إن القاعدة التي قررناها بشأن عقد البيع غير المسجل واحدة في جميع العقود الخاصة بالحقوق العينية العقارية المعينة بالمادة (611) مدني، ومعنى ذلك أن عقد الرهن قبل التسجيل هو عقد رهن قانوني صحيح ملزم، ولكن ينقصه تقرير حق عيني عقاري، وهو الحق الذي لا يتقرر إلا بالتسجيل وحده، وما دام العقد قبل تسجيله ملزم قانونًا وتترتب عليه حتمًا الحقوق والواجبات الناشئة عنه، فيجوز حينئذٍ للدائن مطالبة المدين بتسليمه العقار، كما أنه يجوز للمدين مطالبة الدائن بدفع مبلغ القرض، وإذا كان للدائن المرتهن حق مقرر على العقار قِبل المدين الراهن، وهو ما يسميه الأستاذ دوجي بالحالة المكتسبة situation acquise، فلا يجوز للمدين، من طريق التواطؤ مع الغير، أو لعلم الغير علمًا أكيدًا سبق وجود حق الدائن المرتهن، الافتيات على هذا الحق، فإذا باع المدين العقار بعد رهنه وقبل تسجيله وكان المشتري متواطئًا معه، فلا ينفذ عقد المشتري على الدائن المرتهن إلا وهو محمل بالرهن، وبوجه عام لا ينفذ العقد الصادر من المدين على المرتهن ما دام العقد متعلقًا بحق عيني عقاري خاضع للتسجيل.
(ط) الوعد بالبيع:
تقرر المادة (1589) مدني فرنسي بأن الوعد بالبيع يعتبر بيعًا متى كان هناك تراضٍ على الثمن والمبيع، والوعد هنا هو الوعد المتبادل بين البائع والمشتري، وأورد الشارع الفرنسي هذا النص قطعًا للخلاف الذي كان قائمًا قديمًا بشأن الوعد بالبيع، ويرى فقهاء الشريعة الإسلامية أنه لا يصح تعليق البيع بحادثة مستقبلة كما لا يصح إضافته إلى وقت مستقبل، وبما أن في الوعد بالبيع ما يستفاد منه إضافة البيع إلى وقت مستقبل، فالبيع على هذه الصورة غير صحيح، ولم ينقل الشارع المصري المادة الفرنسية التي كاد يجمع الشارحون الفرنسيون لها على أن الشارع الفرنسي ما كان في حاجة إلى وضعها، ويرى الفقه والقضاء بمصر الأخذ بالمادة الفرنسية (انظر عكس ذلك بني سويف الكلية في 15 سبتمبر سنة 1919م ر 1، 21 رقم 96) ومتى تقرر ذلك وجب حينئذٍ تسجيل عقد الوعد بالبيع، إن كان الوعد تبادليًا، حتى تنتقل الملكية بين الطرفين، متى تقرر أن الوعد المتبادل بالبيع تمليك حال للمشتري (ويرى بلانيول ج 2 ن 1400 أن الوعد لا ينصرف إلا إلى طرف واحد، لا إلى الطرفين) وإذا لم يتسجل عقد الوعد بالبيع جاز لكل من الطرفين مطالبة الآخر بالالتزامات الشخصية المترتبة على البيع التام النافذ، بحيث لا يستحيل الالتزام الشخصي إلى تعويض إلا إذا أصبح من المستحيل تنفيذ الالتزام الشخصي الناشئ عن العقد بالذات.
(ي) في قاعدة حصر الأوراق الخاضعة للتسجيل:
بيّن الشارع بالمواد (611) - 613/ 737 - (739) مدني العقود الخاضعة للتسجيل، فبيّن بالمادتين (611) و(612) العقود الخاصة بالحقوق العينية العقارية، وبالمادة (613) بيّن العقود الخاصة بالحقوق الشخصية، وهي عقود الإيجار الزائدة عن 9 سنوات ومخالصات الإيجار عن مدة تزيد عن 3 سنوات، والمستفاد من تعيين العقود الخاضعة للتسجيل، أن التسجيل أمر استثنائي لا يجوز الأخذ فيه بالتوسع، وعلى ذلك تعتبر العقود المبينة بالمواد المذكورة واردة على سبيل الحصر، لا على سبيل التمثيل (كتاب الأموال لنا صـ 836 ن 577، وانظر الرأي العكسي المنعزل وحده بكتابنا المذكور صـ 837 الحاشية الأولى) فإذا تسجلت عريضة الدعوى فلا يعتبر مجرد تسجيلها حجة على الغير، ويعتبر التسجيل حجة إذا ثبت علم الغير به، مهما كانت طريقة العلم، سواء كان العلم حاصلاً من الاطلاع على السجلات، أو كان حاصلاً من طريق السماع الأكيد ولما عرض مشروع التسجيلات العقارية على اللجنة الدولية قررت في مشروعها الأخير الموضوع سنة 1904 بالمادتين (14) و(15) تعيين العقود الخاضعة للتسجيل (الأموال صـ 869 - 5) وقررت أولاهما ما يأتي:
المادة (14) من مشروع السجلات العقارية:
(يجب إشهار الأوراق الآتية بواسطة قيدها بالسجلات العقارية:
1 - العقود والاتفاقات بين الأحياء بعوض أو بغير مقابل، والأحكام الحائزة لقوة الشيء المحكوم فيه والتي تقضي بنقل حق عيني عقاري أو تقريره أو تعديله أو انقضائه.
2 - العقود والأحكام الحائزة لقوة الشيء المحكوم فيه، والمتعلقة بكيفية الاستفادة من حق ارتفاق مقرر بالقانون وكيفية تقرير التعويض المقدر لحق الارتفاق.
3 - العقود المتعلقة بإنشاء الوقف أو إبطاله عن العقارات، أو المتعلقة بتعديله، والأحكام الحائزة لقوة الشيء المحكوم فيه والمتعلقة بالوقف.
4 - العقود المتعلقة بالحكر والحقوق المشابهة له الخاصة بالوقف، من حيث إنشاء هذه الحقوق أو تعديلها أو تحويلها أو انقضائها؛ وكذلك الأحكام الحائزة لقوة الشيء المحكوم فيه والمقررة لهذه الحقوق) (أ هـ).
المادة (15) من مشروع السجلات العقارية:
(كذا يصير إشهار الأوراق الآتية:
1 - عقود الإيجار الزائدة مدتها عن تسع سنوات، وعقود الإيجار التي تقل مدتها عن هذه المدة، وتجديدها وذلك فيما إذا انصرفت إلى نية التصرف في استغلال العقار لمدة زمانية يزيد أجلها عن السنة التاسعة وذلك من تاريخ انعقاد هذه العقود.
2 - العقود والأحكام الحائزة لقوة الشيء المحكوم فيه، والخاصة بتحويل مبلغ تزيد قيمته عن إيجار مدة ثلاث سنوات لم تحل بعد.
3 - تنبيهات نزع الملكية في حالة الحجز العقاري.
4 - الأحكام القاضية بالإفلاس إذا كان ضمن ما يملكه المفلس حقوق عينية عقارية) (أ هـ) (ترجمة المادتين من عندنا نحن).
وقررت المادة الأولى من قانون التسجيل الجديد ما يأتي: (جميع العقود الصادرة بين الأحياء بعوض أو بغير عوض والتي من شأنها إنشاء حق ملكية أو حق عيني عقاري آخر أو نقله أو تغييره أو زواله، وكذلك الأحكام النهائية التي يترتب عليها شيء من ذلك، يجب إشهارها... إلخ).
وجاء بالمذكرة الإيضاحية لهذا القانون بشأن هذه الحقوق العينية العقارية ما يأتي:
(3 - أما فيما يتعلق ببيان العقود الواجبة التسجيل فإن المواد (733) و(738) و(739) من القانون المدني المختلط (وهي المقابلة للمواد (611) و(622) و(613) مدني أهلي) ليست عبارتها عامة بالقدر الكافي، كما أنها ليست دقيقة Précis ولذلك كانت موضوع مناقشات هامة لمعرفة ما إذا كان بعض العقود المعينة يجب تسجيلها أولاً... والنص المقترح مبني على أحكام المادتين (14) و(15) من مشروع اللجنة الدولية المشكلة سنة 1904..) (أ هـ).
فهل بعد ذلك كله يستفاد من التعميم في الحقوق العينية العقارية الواردة بالمادة الأولى من قانون التسجيل الجديد، ومن الإشارة بالمذكرة الإيضاحية إلى رجوع الشارع للمادتين (14) و(15) من مشروع السجلات العقارية، أن الشارع أراد بهذا التعميم الأخذ بالحقوق العينية العقارية المقررة بالمادة (14) من مشروع السجلات العقارية وعدم الوقوف عند التعداد للحقوق الوارد بالمواد (611) - 613/ 737 - (739) مدني؟ نظن السلب في الجواب، ونرى أن الحقوق العقارية الخاضعة للتسجيل هي المبينة بالمواد المدنية (الأموال صـ 912 ن 622) وراعينا على الأخص أن الحقوق العينية معينة بالقانون (المادة 5/ 19 مدني) لما في التعميم من التجهيل الخطر على الأفراد.
(ك) تقديم عقار في شركة بمثابة حصة للشريك:
للشريك أن يقدم عقارًا للشركة في مقابل حصته (المادة 424/ 516 مدني) ويتم انتقال الملكية للشركة بمجرد تمام الاتفاق، وهلاك العقار على الشركة قبل التسليم (المادة المذكورة) برغم اعتبار هذا الاتفاق بيعًا (المادة 425/ 517 مدني فيما يتعلق بحق الضمان) وبرغم القاعدة القائلة بجعل الهلاك على البائع قبل التسليم (المادة 297/ 371 مدني).
هذا في عهد القانون المدني، وأما في عهد قانون التسجيل فإن الملكية لا تنتقل للشركة إلا بالتسجيل، ومع عدم حصول التسجيل يجوز للشركة مطالبة العضو بالتسليم إذا لم يتقرر حق عيني آخر للغير حسن النية، أي مطالبة العضو بما اشتغلت به ذمته من الالتزامات الشخصية، ونرى أن الهلاك هنا أيضًا على الشركة حتى قبل التسجيل، أخذًا بما قررناه بنظرية الهلاك، وقبل التعليم أخذًا بالقانون المدني.
(ل) التخارج وقانون التسجيل:
التخارج تمليك من الوارث لبقية الورثة بإسقاط حقوقه في التركة إليهم في مقابل جعل معين، وما دام التخارج تمليكًا فلا بد أن يخضع لأحكام التسجيل بالنسبة للغير، وعلى ذلك لا يسري التخارج على الغير، ولا يتمسك به الورثة الصادر لهم، إلا بتسجيله، قبل أن يتقرر للغير حق عيني عقاري على عقار معين بمعرفة الوارث المتخارج، على أن القضاء المختلط يميز بلا حق بين التخارج الحاصل عن عقار معين، والتخارج الحاصل عن نصيب الوارث برمته، فإن كان الأول كان لا بد من التسجيل، وإن كان الثاني فلا، وحجة القضاء أن بيع الحصة في التركة بيع يحكي بيع الشريك لحصته في الشركة، أي بيع لحق دائنيه driot de créance وهذا التمييز غير صحيح في نظرنا، لأن التركة ليست شخصًا معنويًا بمال خاص تملكه هي دون الورثة، كما هو الحال في الشركات.. هذا من الوجهة العلمية النظرية، ومن الوجهة العملية، لا فرق بين عقار يباع من الوارث مع منقولات وعقارات أخرى (أي بيع الوارث لحصته في التركة) وبين بيع عقار واحد، ما دام أن مخاطر الإخفاء والتستر حاصلة عند عدم حصول إشهار بيع الحصة (الأموال لنا صـ 828 وما بعدها وصـ 909 ن 620) إذ كيف يعلم المشتري لعقار من الوارث المتخارج أن العقار بيع منفردًا أو مع عقارات ومنقولات أخرى إلا بالتسجيل؟
(م) استرداد الحصة المبيعة والمادة (462) مدني:
إذا باع أحد الشركاء في شركة أو أحد الورثة في تركة نصيبه لأجنبي جاز للشريك أو الوارث الآخر (أو الشركاء أو الوارثين الآخرين) حق استرداد المبيع من الأجنبي بعد دفع الثمن والمصاريف (المادة 462/ 561 مدني) ولا يحول دون ذلك تسجيل المشتري لعقده، ولأن حق المسترد محفوظ بالقانون نفسه، ويجب على المشتري أن يعرف أن هذا الحق مقرر للمسترد، وأنه لا يسقط عنه إلا بمرور 15 سنة (الأموال صـ 830 ت 573).
وفي عهد قانون التسجيل يجوز للمسترد استرداد العقار حتى ولو لم يسجل المشتري عقده لأنه إنما يريد من الاسترداد الحصول على الحقوق، التي تقررت للمشتري قِبل البائع، وهي الحقوق المستفادة من الالتزامات الشخصية المنوه عنها بالمادة الأولى من قانون التسجيل، ومتى حكم للمسترد باسترداد العقار وسجل الحكم انتقلت الملكية إليه، وكذلك يجوز للمسترد الاسترداد حتى ولو كان عقده هو غير مسجل، والعلة واحدة في الحالتين.
(ن) الشفعة وقانون التسجيل:
الحالة الأولى: عقد المشتري غير مسجل:
فهل تجوز الشفعة أم لا تجوز؟ نرى أن الشفعة جائزة، وأيدنا القضاء في ذلك بأحكام ثلاثة (انظر كتابنا في الأموال صـ 70 ن 512 الحاشية الأولى) وحكمين جزئيين (المحاماة المجلد 6 صـ 531 رقم 354 - وصـ 648 رقم 361) وخالفنا حكم واحد (الأموال صـ 706 الحاشية الأولى)، وأدلتنا على صحة جواز الأخذ بالشفعة ما يأتي:
الأدلة المستفادة من قانون التسجيل:
1 - عقد المشتري غير المسجل يجعله في نظر القانون مشتريًا، فله مطالبة البائع بتسليم العقار، ومطالبته بحق الضمان، وليس للبائع كما قررنا حق الاعتراض بعدم تسجيل العقد، لأن التسجيل شرع لمصلحة المشتري، ولأنه لا يجوز للبائع العمل على معاكسة المشتري في التسجيل وعدم تمكينه منه 0 - 2) إن التسجيل في مصلحة المشتري، فإذا لم يُجْرِه هذا الأخير عمدًا أو إهمالاً منه فلا يجوز للبائع الاستفادة من ذلك - 3) إن الالتزامات الشخصية المستفادة من المادة الأولى من قانون التسجيل تنصرف إلى الواجبات والحقوق المستفادة من طبيعة العقد، وعلى ذلك فالعقد بين الطرفين قائم وقد أنتج جميع نتائجه القانونية إلا نتيجة نقل الملكية، إذ لا يحصل ذلك إلا بالتسجيل 0 - 4) إن البيع وما يترتب عليه شيء، والتسجيل شيء آخر، ولا بد من فصل الاثنين، لأنه بالعقد تتقرر حقوق وواجبات لكل من الطرفين، وبالثاني تنتقل الملكية فقط.
الأدلة المستفادة من الشفعة:
1 - يتقرر حق الشفعة للشفيع بشروط قبل وبعد البيع، أما قبل البيع فهي شروط الجوار وحقوق الارتفاق والتملك على الشيوع وغير ذلك، وأما بعد البيع فلا بد من إظهار الرغبة في الأخذ بالشفعة في ظرف 15 يومًا من وقت العلم بالبيع (لا من وقت تسجيل عقد البيع كما حكمت خطأ بذلك محكمة الإسكندرية المختلطة في 28 فبراير سنة 1925 الجازيت المجلد 15 صـ 242 رقم 366) ولا بد من رفع دعوى الشفعة في ظرف 30 يومًا من وقت وصول إنذار الشفعة إلى المشتري والبائع، فإذا جاء الشفيع وأنذر المشتري والبائع اعتُبر مالكًا للعقار من وقت وصول الإنذار لهما لا من وقت الحكم (على عكس ما يقول به القضاء: الأموال صـ 737 والحاشية 2) لأنه إن وافقه المشتري على إعطائه بالشفعة تم العقد بمجرد حصول رضائه، وإذا لم يحصل رضاؤه تدخل القضاء في الأمر وقضى بالشفعة لا من وقت الحكم بل من وقت وجوب حصول الرضاء من جانب المشتري، ولأن الأحكام كلها مؤيدة للحقوق، لا منشئة لها، ما عدا حكم مرسي المزاد المنشئ (وهناك حكم مرسى مزاد واحد مؤيد وهو فيما إذا رسا المزاد على الغير الحائز للعقار tiers détenteur إذا قام هذا الحائز بعملية التطهير purge وأباها عليه الدائنون المرتهنون فزادوا عشر الثمن وأودعوا خمس الثمن: راجع كتابنا في التأمينات صـ 215 ن 191).
2 - قلنا إن المشتري غير المسجل مالك على شرط التسجيل، أي أن عقده من حيث التمليك عقد معلق على شرط، وبتحقق الشرط، وهو التسجيل، تنتقل الملكية، وللشرط هنا أثر رجعي عند تحققه، على شرط أن لا يضر بحق تقرر للغير بحسن نية من جانب البائع، وما دام أن عقد المشتري من حيث نقل الملكية، عقد معلق على شرط، جازت الشفعة، إذ يصبح للشفيع بعد الحكم بالشفعة حقًا معلقًا على شرط أيضًا، فإذا سجل الشفيع حكم الشفعة انتقلت الملكية إليه، وإلا فلا تنتقل مع بقاء العقار تحت يده، وهو لا يخشى خروجه من يده ما دام سبق له أن سجل إنذار الشفعة تسجيلاً أهليًا ومختلطًا، على أنه عند عدم تسجيل الحكم القاضي بالشفعة، فإنه يخشى عليه من تصرف البائع ثانيًا في العقار لمشترٍ آخر حسن النية، لأن تسجيل إنذار الشفعة تسجيل شخصي بالنسبة للمشتري فقط، ولم يكن شخصيًا بالنسبة للبائع، فمن يريد أن يشتري من المشتري يجد إنذار الشفعة مسجلاً فيمتنع عن الشراء، أما من يريد الشراء ثانيًا من البائع فلا يجد أثرًا لتسجيل إنذار الشفعة ضده (والمواد (9) و(12) و(14) من قانون الشفعة تفيد أن تسجيل الإنذار يحصل ضد المشتري) ولكن إذا علم المشتري الثاني من البائع، إذا علم بسبق تصرف البائع في العقار للمشتري الأول، وعلم بأي طريقة إما علمًا أكيدًا، أو كان متواطئًا مع البائع، فلا ينفذ عقده على المشتري الأول، وعلى ذلك تصح الشفعة، أما إذا اشترى من البائع بحسن نية نفذ عقده على المشتري الأول، وعلى ذلك تبطل الشفعة في مواجهة المشتري الأول، وتصح بإجراءات جديدة في مواجهة المشتري الثاني، ومن الذي يتحمل بمصاريف دعوى الشفعة الأولى، الشفيع أم المشتري الأول؟ المسؤولية هنا ترجع للخطأ، فمن ثبت الخطأ من جانبه أصبح مسؤولاً، أما المشتري الأول فلا خطأ من جانبه، لأنه ليس ملزمًا قبل الشفيع بأن يسجل عقده حتى يمكنه من حقه، إذ لا يجوز إكراه أحد على أن يقوم بعمل إيجابي تأييدًا لحق الغير، إنما يلزم فقط في أن يلتزم حالة سلبية إزاء هذا الغير بشأن حق هذا الأخير، وما دام لا مسؤولية على المشتري الأول، فيجب أن يتحمل الشفيع وحده بالمصاريف، لأنه هو الذي قام بها في سبيل تحقيق حق له، وأما وقد فشل في تحقيقه، عليه أن يتحمل نتائج عمله وحده.
3 - أن الشفيع لا يعتبر أنه أخذ العقار من المشتري، إنما يعتبر أنه أخذه من البائع، أي أن البائع للشفيع هو البائع لا المشتري (المادة (13) من قانون الشفعة).
4 - أن دعوى الشفعة لا تنصرف إلى البحث فيما إذا كان المشتري مالكًا أم لا، إنما تنصرف إلى ما إذا كان مشتريًا ومشتريًا فقط، أي إلى أنه صاحب حقوق على العقار قبل البائع له، والشفيع يحل محله فقط، وبتسجيل حكم الشفعة تنتقل الملكية للمشتري ثم للشفيع (الأموال صـ 706 ن 513).
القضاء المختلط والشفعة والتسجيل:
القضاء الكلي الابتدائي يجري على عدم الأخذ بالشفعة عند عدم تسجيل عقد المشتري (جورنال المحاكم المختلطة عدد 12 و13 مارس سنة 1925 رقم العدد (465) صـ 8 العامود الأول والثاني) ولكنه من طريق آخر يقول بأنه لا عبرة بحصول إظهار الرغبة قبل تسجيل عقد المشتري، ما دامت دعوى الشفعة قد رُفعت بعد تسجيل عقد المشتري في مدة الثلاثين يومًا (حكم محكمة إسكندرية الكلية المختلطة في 28 فبراير سنة 1925 بمجلة جازيت المحاكم المختلطة المجلد 15 عدد أكتوبر سنة 1925 صـ 242 رقم 366) وإنا لا نقر هذا القضاء بحال، والذي نأسف له أننا لم نجد بين أسباب حكم 28 فبراير سنة 1925 المذكور ما يرجع إلى تمحيص قواعد التسجيل وأحكامه بل وجدنا إفاضة على غير طائل في ماهية إظهار الرغبة في الأخذ بالشفعة، وتحليل هذا الإظهار على ضوء أحكام فقهاء الشريعة الإسلامية، دون الأخذ بالقواعد المدنية الحاضرة وحدها وهو ما لا نقره مطلقًا، إذ نقول بأن حق الشفعة حق مدني مقرر بأحكام القانون المدني ولا يرجع فيه الآن إلى أحكام الفقه الإسلامي (الأموال صـ 644 وما بعدها) وأما الحكم المشار إليه بجورنال المحاكم المختلطة المتقدم ذكره فقد ورد بدفاع المحامين الذين يترافعون أمام محكمة الاستئناف المختلطة بالإسكندرية لمناسبة رفع استئناف عن الحكم الصادر من المحكمة الكلية بعدم قبول الشفعة في حالة عدم تسجيل عقد المشتري ولم ينشر حكم محكمة الاستئناف للآن كما أنه لم يعلم، وعلى ذلك لا نعلم حتى الآن رأي الاستئناف المختلط في هذه النظرية، لأنه لم ينشر لها حكم في هذا الصدد.
الحالة الثانية: عقد الشفيع لم يكن مسجلاً:
نرى أيضًا جواز صحة الشفعة بالرجوع إلى نفس الأدلة المتقدمة، ونرى أن عقد الشفيع يعتبر عقدًا معلقًا على شرط، والشرط هنا هو عدم تصرف البائع لمشترٍ آخر حسن النية خلاف الشفيع، لأنه إذا حصل ذلك نفذ عقد المشتري الثاني وبطل عقد الشفيع، وبه تبطل الشفعة ويلزم بمصاريفها، ولا يجوز للمشتري الثاني من البائع للشفيع أن يشفع، لأن عقده متأخر على عقد المشتري المشفوع ضده.
(هـ) الوفاء بمقابل:
الوفاء بمقابل dation en paiement أن يقدم المدين شيئًا في مقابل ما التزم به أصلاً، فإذا قدم عقارًا أصبح الدائن مالكًا للعقار، وقد اختلفت الآراء فيما إذا كان الوفاء بمقابل يعتبر بيعًا أو وفاءً (الالتزامات لنا، النظرية العامة صـ 395 ن 400) ونرى أنه في عهد القانون الجديد لا بد من تسجيل العقد، سواء اعتبر بيعًا أو وفاءً، لأنه في حالة الوفاء يعتبر تمليكًا أيضًا، لأن يد الدائن بعد الاستلام لا يمكن أن تكون خلاف اليد المالكة، والتسجيل لازم لنقل الملكية، ولا يمنع عدم التسجيل أن يطالب الدائن المدين بتسليمه العقار والتخلي عنه أخذًا بما قررنا بشأن تفسير المادة الأولى من قانون التسجيل الجديد.
2 - في العقود المنشئة بغير عوض:
1/ في الهبة:
الهبة لا تصح بين العاقدين إلا إذا عملت رسمية (المادة 48/ 70 مدني) ولا تصح بالنسبة للغير إلا إذا تسجلت (المادة 611/ 737 مدني).
هذا في عهد القانون المدني، أما في عهد قانون التسجيل، فلا تصح الهبة بين الطرفين لتكون ناقلة للملكية إلا بشرطين: رسمية العقد وتسجيل العقد، فإذا حصلت الرسمية دون التسجيل، فلا تنتقل الملكية، ولكن أخذًا بما قررته المادة الأولى من قانون التسجيل وبما فسرناها به، نرى أن الالتزامات الشخصية المترتبة على العقد غير المسجل تبيح للموهوب له، الذي عمل عقده رسميًا، حق مطالبة الواهب بجميع الحقوق التي تتقرر له بطبيعة عقد الهبة، فله طلب تسليمه العقار، وليس للواهب حق التمسك بعدم تسجيل عقد الهبة، ما دام أن التسجيل كما ذكرنا من مصلحة الموهوب له وحده، ولا شأن للواهب به.
(ب) الوقف:
يحصل الوقف بإشهاد شرعي وهو تحرير حجة الوقف أمام القاضي الشرعي، ويستوي في ذلك المصري والأجنبي المقيم في مصر، وتسجل في سجلات المحاكم الشرعية الكائن بدائرتها الأطيان، ولا تسجل في المحاكم المختلطة، وتسجيلها بالمحاكم الشرعية حجة على الكافة، أي على الوطنيين والأجانب، والتسجيل غير لازم بالنسبة للواقف، ولازم بالنسبة للغير (النقض في أول يوليو سنة 1916م ر 1، 18، صـ 1 رقم 1) أما وقد صدر قانون التسجيل فقد أصبح التسجيل لازمًا أيضًا للواقف والمستحقين، على أنه أخذًا بما قررته المادة الأولى من قانون التسجيل من الالتزامات الشخصية هل يجوز للمستحقين مطالبة الواقف بالتخلي عن العقار الموقوف، باعتبار أن عدم التسجيل لا يمنع الواقف من القيام بتنفيذ ما التزم به؟ نظن الإيجاب، إلا أنه إذا تصرف الواقف إلى الغير حسن النية قبل تسجيل حجة الوقف نفذ تصرفه، وأما إذا كان الغير سيئ النية فلا ينفذ التصرف (ونريد بسوء النية العلم الأكيد أو تواطؤ المشتري مع الواقف).
2/ في الأحكام المنشئة:
1) حكم مرسي المزاد في نزع الملكية:
حكم مرسي المزاد منشئ للملكية يجب تسجيله طبقًا للقانون المدني حتى يكون حجة على الغير (المادة 612/ 738 مدني) ويجب تسجيله طبقًا لقانون التسجيل الجديد (المادة الأولى) حتى تنتقل الملكية بالنسبة للطرفين وأجاز القانون لكاتب المحكمة أن يقوم هو بطلب تسجيل الحكم (639/ 771 مدني و590/ 672 مرافعات) وإذا كان تسجيل تنبيه نزع الملكية يحول دون صحة تصرف المدين (المادة (608) مرافعات مختلط ويؤخذ بها بالقياس في الأهلي) فما هي إذن الحكمة من تسجيل حكم مرسي المزاد ؟
الحكمة ظاهرة:
أولاً: لأن التسجيل الجديد لازم لنقل الملكية.
ثانيًا: لأن تسجيل تنبيه نزع الملكية لا يحول دون قيد الرهون الموجودة من قبل على المدين.
وثالثًا: لأن الحظر من التصرف لا يمنع كما هو عليه الرأي الراجح من الرهن. (الأموال صـ 831).
2) الحكم الصادر بمرسى المزاد ثانيًا بعد مرسى المزاد الأول:
يحصل أن يزيد الغير في قيمة العقار المبيع، فإذا رسا المزاد على الأول لا محل لتسجيل العقار (المادة (2189) مدني فرنسي) أما إذا رسا على مقرر الزيادة أو على خلافه فلا بد من تسجيل حكم مرسي المزاد الثاني، كل ذلك في عهد القانون القديم، وباعتبار أن التسجيل شرع لمصلحة الغير، وأما في عهد القانون الجديد فإنا نرى ضرورة تسجيل حكم مرسي المزاد الثاني إذا رسا المزاد على مقرر الزيادة أو خلافه، كما أنه يجب تسجيل حكم مرسي المزاد الأول على كل حال، ونرى أنه لا محل للتأشير بحكم مرسي المزاد الثاني بهامش تسجيل حكم المزاد الأول فيما إذا تأيد المزاد على الأول، وأما في حالة رسو المزاد على خلافه سواء كان مقرر الزيادة أو غيره، فإنا نرى ضرورة التأشير بذلك على هامش تسجيل الحكم الأول، مع ضرورة تسجيل حكم مرسي المزاد الثاني كما ذكرنا.
3) حكم مرسي المزاد بناءً على عدم قيام الراسي عليه المزاد بدفع الثمن folle enchére:
يلزم الأول بفرق الثمنين (المادة 574/ 656 6 6/ 696 مرافعات) ولا يستفيد من الزيادة (المادة 612/ 702 مرافعات) والبيع الثاني يفسخ الأول ونرى ضرورة تسجيل حكم مرسي المزاد الثاني (الأموال صـ 832).
3/ في العقود المؤيدة:
بعد أن انتهينا من العقود والأحكام المنشئة نتكلم الآن على العقود المؤيدة ثم الأحكام المؤيدة.
1) في العقود المؤيدة:
يراد بالعقد المؤيد العقد الذي يؤكد حقًا عينيًا عقاريًا مقررًا من قبل بتعاقد شفوي أو بعقد كتابي.
حكم القانون المدني:
التعاقد الشفوي والكتابي ناقل للملكية بين الطرفين، ولا ينقل الملكية بالنسبة للغير إلا بالتسجيل، فإذا كان التعاقد ثابتًا بالكتابة سهل تسجيله، وأما إذا كان التعاقد شفويًا، فيجوز لصاحب الحق العيني العقاري رفع دعوى وأخذ حكم وتسجيل هذا الحكم ليكون التعاقد حجة على الغير من وقت تسجيله لا قبله، وإذا كان التعاقد ثابتًا بالكتابة، فإما أن يكون العقد مسجلاً أم لا، فإذا تسجل وصدر حكم مؤيد له فلا محل لتسجيله، وذلك أخذًا بما قرره قانون 23 مارس سنة 1855 الفرنسي (جرانمولان في التأمينات صـ 245 ن 859 - الأموال صـ 831 ن 573) وأما إذا لم يكن مسجلاً فلا بد من تسجيل الحكم حتى يكون نافذًا على الغير، والعقد الكتابي المؤيد لتعاقد شفوي لا بد من تسجيله ليكون حجة على الغير، وبوجه عام يفضل الغير الذي اكتسب حقًا عينيًا عقاريًا مسجلاً على من حكم له وسجل حكمه بعد تسجيل الغير، على شرط أن يكون هذا الغير حسن النية.
حكم قانون التسجيل:
قررت المادة (2) من قانون التسجيل الجديد ضرورة تسجيل العقد المؤيد ليكون حجة على الغير حسن النية، وعلى ذلك إذا كان الغير سيئ النية، أي يعلم علمًا أكيدًا بسبق تقرير حق عيني على العقار أو كان متواطئًا مع صاحب العقار، فلا ينفذ عقده وينفذ حتمًا العقد المؤيد، وتقول المذكرة الإيضاحية في ذلك (لا يمكن تجريد هذه العقود والأحكام (المؤيدة) من قيمتها الجوهرية وهو الإقرار الصرحي بحق سابق الوجود) ولا يجوز أن تنصرف هذه القاعدة إلى القسمة فقط باعتبارها كاشفة، بل يجب أن تتمشى في نظرنا أيضًا على جميع الحالات الخاصة بالعقود المؤيدة لحقوق سابقة.
2) ورقة الضد والتسجيل:
هي ورقة تحرر نفيًا لورقة محررة من قبل، وهي تقيد وجود عمليتين قانونيتين، العملية الأولى المقررة للحق، والعملية الثانية النافية له، فإذا اشترى المشتري بعقد ثم أخذت عليه ورقة بصورية عقد الشراء، اعتبر العقد الأول ظاهرًا والثاني خفيًا، والأول حجة على الغير وأما الثاني فلا، نظرًا لخفائه، وما القول فيما إذا تسجل الثاني، فهل يزول عنه الخفاء فيصبح حجة على الغير؟ أو بعبارة أخرى هل تسجيل ورقة الضد يعتبر حجة على الغير؟
أجاب القضاء الفرنسي بالإيجاب (النقض في 18 مايو سنة 1897 د، 97، 1، 505 ومقال دي لوان 0 - س، 98، 1، 225 ومقال تيسييه) وأيده القضاء المصري (استئناف م 13 مايو سنة 1909م ت ق، 21، 384 ونشر مبدأ الحكم بهذه المجلة دون أسبابه وهذا موضع أسف لنا) وأيده فيه (دي لوان) بمقال معروف، وحجته أن الملكية لا تعود إلى البائع إلا بتسجيل ورقة الضد لأنه (كما انتقلت الملكية بالنسبة للغير بتسجيل العقد الصوري، يجب أيضًا أن تنقل صوريًا إلى المالك الأصلي بتسجيل ورقة الضد) (انظر كتابنا في إثبات الالتزامات ج 1 صـ 334 وما بعدها) وخالفه (تيسييه) بمقال مشهور رد به عليه، وقال بأن ورقة الضد ورقة مشوبة بالغش، وليس من شأن التسجيل أن يرفع عنها هذه الشائبة، ولأن التسجيل لم يشرع لتسجيل العقود المستترة (صـ 342 من كتابنا المذكور أخيرًا) وأيده في ذلك (بارد) بمجموعة بودري المطول (بارد في الالتزامات ج 4 صـ 123 في نصفها ن 2412).
وإنا نؤيد تيسييه وبارد ونرى نحن أن المسألة ترجع إلى المسألة الآتية: هل تنقل ورقة الضد حقًا عينيًا عقاريًا، وهي على ذلك تعد من الأوراق الخاضعة للتسجيل، أم هي ليست كذلك؟ الذي نراه أنها لا تنقل حقًا عينيًا عقاريًا، وإذا كان عقد الشراء الصوري المشفوع بورقة الضد لا يمكن معه أن يقال بأن الملكية قد انتقلت إلى المشتري ما دام التبايع صوريًا، حينئذٍ لا يمكن أن يقال بأن الملكية ردت إلى البائع بورقة الضد، ما دام أن حق الملكية لم يتأثر لدى المالك الأصلي، وعلى ذلك لا تعتبر ورقة الضد لا ناقلة لحق عيني عقاري، ولا نافية لهذا الحق، ولا مؤيدة للحق تحت يد صاحبه، ما دام أن التعامل صوري، أي أنه لم يقع شيء ما.
وبما أن التسجيل خاص بالأوراق المؤثرة على الحقوق العينية العقارية، فلا تخضع حينئذٍ ورقة الضد للتسجيل، وإذا تسجلت فلا يلزم الغير بضرورة التعرف عليها، إلا إذا ثبت العلم بها من أي مصدر، سواء كان مصدر التسجيل أو غيره، لأن الغير يعتبر في هذه الحالة سيئ النية.
ولكن محل الصعوبة العملية في كيفية وصول صاحب ورقة الضد إلى رد الملكية إليه بالنسبة للغير فيقول (دي لوان) بأنه لا بد من التسجيل لأنه يراد به فقط رد الملكية إلى البائع وذلك بالنسبة للغير فقط (لأن ورقة الضد حجة على طرفيها دون تسجيل، في عهد القانون القديم) وهو ذلك الغير الذي يمكن أن يكون مثلاً مشتريًا من المشتري الصوري وهو لا يعلم بوجود ورقة الضد تحت يد البائع.
قانون التسجيل وورقة الضد:
هل زال هذا النزاع بعد صدور قانون التسجيل؟ نظن لا، لأن الخلاف لا زال قائمًا بشأن ما إذا كانت ورقة الضد ناقلة لحق عيني عقاري أم لا، وما دام أنّا نقول بأنها لا تؤثر مطلقًا على الحق العيني العقاري وهو تحت يد صاحبه الأصلي، فهي لا تعتبر حينئذٍ خاضعة للتسجيل.
3) الأحكام المؤيدة:
يتنازع الطرفان في الحق العيني العقاري الذي قرره أحدهما للآخر على عقار مملوك للمقرر فيلتجئ المشتري مثلاً إلى القضاء يطلب إقراره على حقه، والحكم الذي يصدر يعتبر مؤيدًا لحقه من قبل، ولا يعتبر هذا الحكم نافذًا على الغير إلا من وقت تسجيله، على شرط أن يكون الغير حسن النية.
وما قلناه في حالة العقود المؤيدة يسري هنا بشأن القانون المدني وقانون التسجيل، إلا أنه لا بد من بيان أثر سوء النية وحسن النية في الأحكام، والعقود أيضًا، وبيان أثر ذلك في التسجيل الجديد.
4) النية والتسجيل:
( أ ) النية والتسجيل في القانون المدني:
لا ينفذ عقد المشتري على الغير إذا تسجل عقد المشتري، وكان الغير مسجلاً قبله وحسن النية، فإذا ثبت سوء نيته نفذ عقد المشتري عليه، ولو أن عقد المشتري مسجل بعد عقد الغير (المادة 270/ 341 مدني) وهذه القاعدة المقررة بالقانون المدني مأخوذة عن القضاء والفقه الفرنسيين (كولين وكابتان ج 1 صـ 959 الطبعة الأولى 1914 – وصـ 969 من الطبعة الثانية سنة 1919 - النقض الفرنسي في 14 مارس سنة 59، د 59 1، 500 0 - س، 59، 1، 0833 - كتابنا في إثبات الالتزامات ج 2 صـ 0302 - البيع للهلالي بك صـ 282 ن 452 وما بعدهما).
في تقدير سوء النية:
هناك آراء ثلاثة:
رأي يقول بأن مجرد العلم بسبق حصول الشراء يجعل الغير سيئ النية، ولا نقر هذا الرأي، بل نشترط أن يكون العلم أكيدًا لا شك فيه، لا مجرد العلم البسيط، ورأي يقول بأنه لا بد من حصول تواطؤ بين البائع والمشتري الثاني، ونقر هذا الرأي، لأن العلم الأكيد قريب جدًا من التواطؤ (راجع تفصيل ذلك والأدوار التي مر بها القضاء المصري المختلط على الأخص، والأهلي، كتابنا في إثبات الالتزامات ج 2 صـ 298 - 322 - واستئناف م 10 فبراير سنة 1925 الجازيت المجلد 15 صـ 250 رقم 377).
(ب) النية والتسجيل في قانون التسجيل الجديد:
تقرر المادة (2) من قانون التسجيل الجديد أن الحكم المؤيد (أو العقد المؤيد) لا يكون حجة على الغير إلا إذا تسجل، ويشترط في الغير أن يكون حسن النية، وأوردت ذلك بالصيغة الآتية: (فإذا لم تسجل هذه الأحكام والسندات فلا تكون حجة على الغير، كما أنها لا تكون حجة كذلك ولو كانت مسجلة إذا داخلها التدليس (eutachés de fraude)) ويظن أن الشارع يريد الأخذ بمذهب التواطؤ التدليسي، ولكن لا بد أيضًا من الأخذ بالعلم الأكيد لدى الغير، لأن صاحب الحكم المؤيد المسجل (أو صاحب العقد المؤيد المسجل) لا يهمه فيما إذا كان هناك تواطؤ بين الغير والبائع له، أو أن الغير يعلم علمًا أكيدًا لا شبهة فيه بسبق التصرف.
ومما مر ومما ورد بالمذكرة الإيضاحية وطبقًا للقواعد العامة نرى الإدلاء بالبيان الآتي:
إذا حصل تعاقد شفوي ثم حصل نزاع فيه ورُفعت الدعوى من المشتري وصدر حكم لمصلحة المشتري، وجب تسجيل الحكم ليكون حجة على الغير، وليكون ناقلاً للملكية بين الطرفين.
وإذا حصل التعاقد كتابةً وحصل نزاع بشأنه فإما أن يكون العقد مسجلاً وإما لا، فإن كان غير مسجل، وجب الأخذ هنا بحالة التعاقد الشفوي، أي لا بد من التسجيل لأجل نقل الملكية بين الطرفين، وبالنسبة للغير، وإن كان مسجلاً فإنا لا نرى محلاً لتسجيل الحكم المؤيد، وذلك طبقًا لما قررناه بشأن القانون المدني، وعلى الأخص إذا كان النزاع في العقد المسجل نزاعًا لم يشر إلى مصدره بالعقد، ولا يقبل العقل ولا القانون أن الحكم المؤيد لعقد مسجل لا يكون حجة على الغير إلا من وقت تسجيله، مع أن العقد مسجل ولم تشبه شائبة، والحكم صدر بالتأييد، وإلا إذ قيل العكس لترتب على ذلك أن البائع يعمل على خلق إشكال لا محل له ثم يرفع الدعوى، أو يترك المشتري يرفعها ثم يتصرف البائع في العقار لمشترٍ حسن النية ويسجل هذا المشتري الثاني عقده بعد تسجيل عقد المشتري الأول وقبل تسجيل الحكم المؤيد، ثم يأتي هذا المشتري الثاني ويدعي أفضليته على المشتري الأول: مثل ذلك لا يقبله العقل ولا القانون (ومع ملاحظة أنه يجوز للمشتري الأول الاستناد إلى أسبقية تسجيل عقده أيضًا) ولكن ما القول فيما إذا اشترى المشتري الأول بعقد كتابي لم يتسجل ثم جاء الغير واشترى العقار من نفس البائع، وكان يعلم علمًا أكيدًا بحصول البيع الأول، أو جاء وتواطأ مع البائع إضرارًا بالمشتري الأول وسجل المشتري الثاني عقده قبل تسجيل عقد المشتري، فهل ينفذ عقد المشتري الثاني على عقد المشتري الأول؟
هناك رأي يقول بأنه ما دام أن الملكية لم تنقل إلى المشتري الأول بسبب عدم تسجيله لعقده، يجب تفضيل عقد المشتري الثاني المسجل ولو أنه سيئ النية.
لأن الملكية لا تنتقل إلى المشتري الأول ما دام لم يسجل عقده، ولأنها انتقلت إلى المشتري الثاني بالتسجيل، ولأن قانون التسجيل قاطع في أن الملكية لا تنتقل بين الطرفين إلا بالتسجيل (المادة الأولى من قانون التسجيل الجديد - الهلالي بك في البيع صـ 297 ن 469 - العقوبات لأحمد بك أمين صـ 739 الطبعة الثانية).
ويقول أصحاب هذا الرأي بأنه يجوز مع ذلك للمشتري الأول أن يرفع دعوى بطلان تصرفات المدين ضد البائع والمشتري الثاني وإنّا لا نستطيع أن نقر هذا الرأي ويجب الأخذ بعكسه للأسباب الآتية:
1 - قلنا في شرحنا للمادة (2) من قانون التسجيل بأن الحكم المؤيد لعقد غير مسجل لا ينفذ على الغير إلا إذا كان مسجلاً، وعلى شرط أن يكون الغير حسن النية، وقلنا بأنه إذا كان الغير سيئ النية أي يعلم علمًا أكيدًا، أو متواطئًا مع البائع، فإن عقده المسجل قبل تسجيل الحكم، لا ينفذ على الحكم المسجل بعده: كل ذلك لأن الغير سيئ النية، أي يعلم بسبق تصرف البائع في العقار، والمذكرة الإيضاحية تشير إلى أن العقد غير المسجل يقرر مع ذلك حقًا للمشتري، والمادة الأولى من قانون التسجيل تقول بالالتزامات الشخصية عند عدم تسجيل العقد، وقلنا بأن الالتزامات هذه تنصرف إلى الحقوق التي تنشأ عن طبيعة العقد.
إذا عرف ذلك كله فكيف يمكن القول بأن المشتري الثاني سيئ النية، وهو من تواطأ تواطؤ تدليسيًا مع البائع، يفضل على المشتري الأول؟ هل هناك فرق محسوس بين حماية الشارع للمشتري الأول الذي لم يسجل عقده والذي رفع دعوى وصدر له حكم وسجله بعد المشتري الثاني سيئ النية، هل هناك فرق بين هذا المشتري، وبين المشتري الأول الذي لم يسجل عقده ولم يرفع دعوى وجاء المشتري الثاني واشترى بعد الأول وبسوء نية؟ أليس هذا المشتري جديرًا بنفس هذه الحماية التي تقررت للمشتري الذي أخذ حكمًا؟ وهل هناك حكمة من التمييز بين المشتري الذي أخذ حكمًا، وبين الذي لم يرفع دعوى؟
2 - إن للمشتري الأول غير المسجل حقوقًا قبل البائع منصبة على العقار، فله حق المطالبة بتسليم العقار، وكيف يتحقق هذا الحق إزاء المشتري الثاني سيئ النية وهو المسجل عقده؟ إن قيل بأن للمشتري الأول حق رفع دعوى بطلان التصرفات، فإن هذه الدعوى لا تصح إلا إذا ثبت إعسار المدين، وهذا ليس بالسهل، وقيل بأنه عند الفشل في تلك الدعوى فيطالب بتعويض، ولكن كيف يحرم المشتري، وهو دائن بحق استلام العقار ضد البائع، من حقه في المطالبة بالتسليم، بينما العقار موجود، وهو في حل من المطالبة بالتنفيذ بأصل الالتزام (وهو ما يسمونه بالتنفيذ العيني) ويلزم بالمطالبة بتعويض؟ إن المشتري في هذه الحالة دائن بالاستلام، فهو لا يلجأ إلا إليه إذا أمكن تحققه، وعند عدم تحققه يرجع للتعويض، لأن الاختيار له وليس للمدين، وما دام أن المشتري الثاني سيئ النية فهو معتمد على حق المشتري الأول، ويستحيل أن الاعتداء على الحق يصبح في مناعة القانون وحصانته لأن القانون لا يحمي سوء النية بأي وجه ما.
3 - قد يقال بأن المذكرة الإيضاحية أوردت ما يفيد إلى أن الغرض من وضع المادة الأولى عدم العودة لإشكالات سوء النية في عهد القانون المدني، ولكن كيف يقال ذلك مع أن الشارع قرر العودة إليها بالمادة (2) من قانون التسجيل؟
4 - إن الفقه بمصر يؤيد هذا الرأي حتى قبل صدور قانون التسجيل، وعلى الأخص برناردي واضع مشروع قانون التسجيل (مجلة مصر الحديثة سنة 1918 صـ 522 من مقال الأستاذ كاديمنوس المحامي، ونفس المجلة سنة 1922 صـ 201 من مقال للمستشار برناردي).
5 - وإذا حصل عقد بيع وقام المشتري بإجراء عملية المصادقة الرسمية على إمضائه طبقًا للمادة (6) من قانون التسجيل، ولما طالب البائع بالحضور أمام الموظف الحكومي المعين للمصادقة أبى الحضور، وتعطل التسجيل على المشتري، فهل من القانون أنه إذا سارع هذا المشتري في رفع دعوى إثبات صحة الإمضاء طبقًا لقانون المرافعات (المواد (251) وما بعدها) وصدر له الحكم بصحة الإمضاء وسجل العقد والحكم مرفق به، فلا ينفذ عقده على من اشترى بسوء نية من هذا البائع، وعلى الأخص إذا حصل تواطؤ بينهما إضرارًا به؟ نظن لا، وعلى الأخص إذا لاحظنا بأن المادة لم تقل بضرورة تسجيل عريضة الدعوى في هذه الحالة حتى يكون تسجيلها حجة على الغير من تاريخ التسجيل.

أحكام القسمة

حكم القسمة (أو عقد القسمة) لا ينفذ على الغير إلا إذا كان مسجلاً، فإذا لم يتسجل ولم يكن هناك غير نفذ على أصحابه.

حكم الصلح

حكم الصلح أو عقد الصلح كلاهما مؤيد للملكية الثابتة من قبل لمن حصل الصلح له من العقار المتنازع فيه، وإن كانت ورقة الصلح عقدًا كانت أو حكمًا نافذة على الطرفين بلا تسجيل إلا أنها لا تسري على الغير حسن النية إلا بالتسجيل (المادة (2) من قانون التسجيل) وإذا تناول الصلح عقارًا آخر خلاف العقار محل النزاع فلا تنتقل الملكية فيه بالعقد أو الحكم إلا بالتسجيل سواء بالنسبة للطرفين أو بالنسبة للغير.

حكم الشفعة

تقضي المادة (18) من قانون الشفعة الصادر في 23 مارس سنة 1901 بأن (الحكم الذي يصدر نهائيًا بثبوت الشفعة يعتبر سندًا لملكية الشفيع وعلى المحكمة تسجيله من تلقاء نفسها) والحكم هنا في نظرنا إنما هو مؤيد لحق الشفعة لا منشئ له، لأن حق الشفعة تقرر للشفيع من وقت وصول إنذاره إلى المشتري، إذ بوصول هذا الإنذار يجب أن يتحقق العقد، فإذا أبى المشتري إقرار الشفيع في حقه، فلا يخرج الحكم الذي يصدر فيما بعد عن كونه كاشفًا للحق، أي مؤيدًا له، وربما ينصرف نص المادة (18) المذكورة إلى اعتبار الحكم بمثابة العقد الكتابي الذي كان يجب أن يحصل بمجرد وصول الإنذار إلى المشتري (انظر كتابنا في الأموال صـ 735 ن 525 وما بعدهما - والقضاء المصري على خلاف هذا الرأي).
هذا هو حكم القانون المدني، وأما في عهد قانون التسجيل فإنا نرى أيضًا أن الحكم بالشفعة حكم مؤيد لحق الشفعة، وعلى ذلك يصبح خاضعًا لحكم المادة (2) من قانون التسجيل، لا للمادة الأولى منه.
4/ في الأحكام المعدلة أو الملغية أو المبطلة لعقود سابقة:
الدعاوى التي تُرفع بإبطال عقد Annulation أو فسخه Résolution أو إلغائه R voction أو الرجوع فيه Rescision، أو دعوى الاستحقاق Revendication، يجب تسجيل عريضة الدعوى فيها ليكون الحكم حجة على الغير من تاريخ تسجيل العريضة إذا كان العقد المطعون فيه غير مسجل، أو من وقت التأشير بها على هامش العقد إن كان مسجلاً (المادة (7) من قانون التسجيل) ورود بالمذكرة الإيضاحية أن دعوى بطلان التصرفات ودعوى الصورية، وهما اللتان لم تذكرهما المادة (7) المذكورة، خاضعتان لأحكام القضاء المقررة من قبل، ونرى أن في ذلك نقصًا تشريعيًا وعلى الأخص إذا قيل بأن المادة وردت على سبيل الاستثناء وأن الدعاوى المعينة بها وردت على سبيل الحصر. ووجه الخطر في دعوى إبطال تصرفات المدين، إذا لم تسجل عريضة الدعوى فيها، أن المشتري يبيع العقار أثناء قيام الدعوى إلى مشترٍ حسن النية فينفذ عقده المسجل على الحكم الذي يصدر فيما بعد بإبطال العقد، إذ لا يمكن عدم حماية المشتري حسن النية من المشتري الأول ما دام أنه لم يجد تسجيلات ضد البائع، وكذلك الحال أيضًا في دعوى الصورية (كتابنا في الأموال صـ 934 ن 640 وما بعدها) وكذلك في دعوى إثبات صحة الإمضاء عند عدم رضاء البائع بالحضور أمام الموظف الحكومي لأجل المصادقة على الإمضاء حتى يمكن تسجيل العقد - وكذلك أيضًا دعوى شطب الرهن الرسمي طبقًا للمواد (570) مدني وما بعدها.

في التملك المضاف إلى ما بعد الموت
المشتري من المورث والمشتري من الوارث

اشترى مشترٍ من المورث ولم يسجل عقده، واشترى مشترٍ آخر من الوارث وسجل عقده، فأي العقدين نافذ على الآخر؟ وأي المشتريين أجدر بحماية القانون له؟
هناك رأيان: رأي يقول بصحة عقد المورث دون عقد الوارث، ورأي يقول العكس.
الرأي الأول: تفضيل عقد المورث على عقد الوارث:
وحجته أن العقار المبيع من المورث خرج من التركة بالبيع، والوارث لا يرث في العقار لخروجه عن التركة، وهذا هو حكم الشريعة الإسلامية إذا كان المتوفى مسلمًا، أخذًا بالمادة 54/ 77 مدني التي جعلت مسائل المواريث خاضعة لشريعة المتوفى، وعلى ذلك فتصرف الوارث في هذا العقار يعتبر حاصلاً فيما لا يملكه (إسكندرية بهيئة استئنافية في 27 يوليو سنة 1918م ر 1، 19 صـ 132 رقم 92).
الرأي الثاني: تفضيل عقد الوارث المسجل على عقد المورث غير المسجل وأدلته:
1 - يرجع في التفاضل في العقود إلى نظرية التسجيل التي قررها الشارع الحاضر على خلاف الأصول المنطقية البحتة المعروفة من قبل وضع نظام التسجيل.
2 - الوارث يملك عن المورث بحكم القانون (المادة 610/ 736) وتملكه ليس خاضعًا للتسجيل، بل يملك قبل الغير بمجرد تحقق شروط الإرث فيه، وهي موت المورث وحياة الوارث بعد موت المورث وثبوت جهة الإرث، فإذا تحققت هذه الشروط لدى المشتري من الوارث اشترى هذا المشتري العقار وهو مطمئن، لأنه لم يسبق تسجيل عقد المشتري من المورث.
3 - وما دام أن الإشكال خاضع لأحكام التسجيل، يكون عقد المورث غير المسجل معتبرًا أنه غير موجود بالنسبة لمن تملك نفس العقار بعقد مسجل (المادة 615/ 742 مدني).
4 - من أحكام التسجيل أن المشتري من المورث بعقد ثابت التاريخ مفضل على الموصى له بوصية لاحقة لهذا العقد ولو تسجل العقد قبل تسجيل الموصى إليه (المادة 617/ 744 مدني) ولكن المشتري من الموصى إليه بعقد مسجل، بعد تسجيل عقد البيع الصادر من المورث، والثابت التاريخ قبل الوصية، وقبل تسجيل عقد المشتري من الموصى إليه، هذا المشتري من الموصى إليه مفضل على ذلك المشتري من الموصي، بمعنى أنه إذا تنازع المشتري من المورث والمشتري من الموصى له وجب تفضيل الأسبق في التسجيل، وإذا كان الأمر كذلك أليس يكون من باب أولى إذا تنازع المشتري من المورث هذه المرة مع المشتري من الوارث بدلاً من المشتري من الموصى له، ونعلم أن الوارث أقوى من الموصى له؟ (راجع مقالاً للأستاذ لامبير بمجلة مصر الحديثة المجلد 4 صـ 207 - 212 - انظر إثبات المداينات لنا ج 2 صـ 296 والحاشية الأولى - انظر البيع للهلالي بك صـ 223 ن 381 وما بعدها وصـ 288 ن 459 وما بعدها - زكي بك العرابي صـ 37 - 44 من رسالته في (مركز الوارث في الشريعة ونتائجه في القانون) وتأيد هذا الرأي بالقضاء المصري استئناف م 2 مارس سنة 1916م ت ق، 28، 0186 - استئناف 10 مايو سنة 1921م ر 1، 24 رقم 17) وبالقضاء الفرنسي (النقض: س، 903، 1، 0180 - د، 904، 1، 5).
وإذا نظرنا إلى هذه النظرية لأمكن الفصل فيها بالأخذ بمبدأ التفاضل بين المتنازعين، ووجه التفاضل أنه يجب تفضيل من لم يكن الخطأ من جانبه، فالمشتري من الوارث تأكد من صحة وراثة البائع له ومن صحة تملك المورث له فاشترى وهو مطمئن، وأما المشتري من المورث فإنه أخطأ في عدم المحافظة على عقده من طريق تسجيله، فالخطأ من جانبه ولا محالة.

النظرية وقانون التسجيل الجديد

نظن أن الملكية ما دامت لا تخرج من مال المورث إلا بالتسجيل ولم يتسجل العقد، فالبيع الحاصل من الوارث نافذ حتمًا، وهذا على شرط، في نظرنا، أن يكون المشتري من الوارث غير متواطئ مع الوارث (الأموال ص 937 ن 641 وما بعدها، مع ملاحظة أن قانون التسجيل ألغى المادتين (617) و(618) مدني).

القسم الثاني: قانون المرافعات والتسجيل الجديد
الدعوى الشخصية والدعوى العينية العقارية

إن النزاع الذي يقوم بين طرفي العقد الخاص بحق عيني عقاري، إما أن ينصرف إلى عقد مسجل وإما لا، ففي حالة العقد المسجل ترفع الدعوى بتثبيت الملكية، وفي هذه الحالة ترفع أمام محكمة محل وجود العقار، وإذا كان العقد غير مسجل لأي سبب من الأسباب، أو كان التعاقد شفويًا، أو كان هناك مبدأ دليل بالكتابة، فلا يجوز رفع الدعوى بتثبيت الملكية بل تُرفع ضد المدعى عليه شخصيًا باعتبارها متعلقة بحق شخصي، ويطلب فيها الحكم بصحة التعاقد وتسليم العقار، أي ترفع أمام محل إقامة المدعى عليه، ذلك لأن المحكمة لا تستطيع الحكم بتثبيت الملكية، لأن الملكية لا تنتقل إلا بالتسجيل، والتسجيل وضع من الأوضاع الشكلية المقررة في القانون بقيود خاصة لا يملك القاضي فيها أن يجعل حكمه يحل محلها، فكما أن القاضي لا يملك الحكم في تثبيت الملكية عن عقد هبة عرفي، أو تقرير الرهن الرسمي عن تعاقد عرفي به، فهو كذلك لا يملك الحكم بأن يحل حكمه محل التسجيل، أي لا يقضي بتثبيت الملكية.

القسم الثالث: قانون العقوبات والتسجيل
التصرف في العقار مرتي

يرى القضاء الجنائي المصري والفقه المصري أيضًا أخذًا بظاهر نص المادة الأولى من قانون التسجيل الجديد، أنه إذا باع المالك العقار مرتين ولم يسجل المشتري الأول، انتقلت الملكية للمشتري الثاني فقط، باعتبار أن الملكية آلت إليه من البائع الذي يظل مالكًا ما دام أن المشتري الأول لم يسجل عقده (منفلوط الجزئية في 5 مارس سنة 1925 المحاماة 5 صـ 553 رقم 452 - شرح قانون العقوبات، القسم الخاص لأحمد بك أمين الطبعة الثانية صـ 739) ويقول أصحاب هذا الرأي بأنه لا عبرة بحسن أو سوء نية المشتري الثاني.
وإنا لا نقر هذا الرأي، ونرى محلاً للمؤاخذة الجنائية واعتبار البيع الثاني نصبًا معاقبًا عليه بالمادة (293) عقوبات فيما إذا كان هناك تواطؤ بين البائع والمشتري الثاني للأسباب الآتية:
1 - قلنا بأن المشتري الأول ولو أنه لم يسجل إلا أن له حقًا قبل البائع انصب على العقار، سواء كان حقًا عينيًا عقاريًا أو حقًا خاصًا sui generis وقلنا بأنه إذا تواطأ البائع مع مشترٍ ثانٍ تواطؤ تدليسيًا concert frauduleux إضرارًا بالمشتري الأول غير المسجل، فإنه يجوز لهذا المشتري الأول طلب الحكم بإبطال عقد المشتري الثاني المسجل، لأن في التعاقد الثاني افتياتًا على حق مقرر للمشتري الأول. (نقول هنا بالتواطؤ التدليسي، ولم نشأ القول بحسن النية أو سوئها ما دام أنه ظاهر من المذكرة الإيضاحية أن الشارع أراد بقاعدة التسجيل المقررة بالمادة الأولى الإجهاز على نظرية حسن النية وسوئها وما قام حولها من الخلاف، وعدم الأخذ بها، إلا أن المحضرين لقانون التسجيل صرحوا بأن التواطؤ التدليسي لا يدخل ضمن حسن النية وسوئها، بل تعتبر هذه الأعمال باطلة، كما قرر ذلك موسيو برناردي بمجلة مصر الحديثة سنة 1922 المجلد 13 صـ 201 وكما رأيناه وبمكانه).
وعلى ذلك نرى أن في البيع الثاني اعتداءً مشوبًا بالتدليس والتواطؤ على الحق المقرر للمشتري الأول، وما دام أن العقد باطل مدنيًا فلا بد أن يكون العقد مؤاخذًا عليه جنائيًا، لأن البائع تصرف في العقار وهو محمل بحق المشتري الأول، تصرفًا أراد به النيل من المشتري الأول والإضرار به.
2 - إن الغرض من معاقبة فعل التصرف في ملك الغير بالبيع أو الرهن أو غير ذلك إنما هو (كما ورد بنصه بمحضر جلسة مجلس شورى القوانين) مطاردة (أولئك المحتالين الذين يبيعون عقارهم إلى شخص ثم قبل أن يسجل العقد أو بعده يبيعون أو يرهنون إلى شخص آخر ويأكلون بذلك ما يأخذونه ثمنًا أو دينًا، فإذا أراد أحد المتعاقدين معهم أن يرجع عليهم بما دفع لا يجد في أيديهم شيئًا ويضيع عليه ما دفع، فهؤلاء من أشهر النصابين نصبًا الذين تجب عقوبتهم) (التعليقات الجديدة على قانون العقوبات الأهلي الطبعة الثانية لعبد الهادي بك الجندي صـ 384 - 385).
ألا نلمس هنا من حكمة التشريع في معاقبة التصرف في ملك الغير stellionat أن هذه الحكمة لا زالت قائمة أيضًا في عهد القانون الجديد؟ أليس النصب هو هو في الحالتين، حالة القانون المدني وحالة قانون التسجيل؟ إن قيل بأن الملكية لم تنتقل إلى المشتري الأول بسبب عدم تسجيله للعقد، فليس معنى ذلك أن هذا المشتري الأول قد أصبح أجنبيًا عن العقار لا حق له فيه، ألم نرَ أنه له حق المطالبة بتسليمه، وحق رفع دعوى بصحة التعاقد للحصول على حكم وتسجيله؟ وألم نرَ أيضًا بالمذكرة الإيضاحية بأنه يجب على البائع تمكين المشتري من التسجيل؟ فكيف يتفق ذلك مع القول بأن للبائع التصرف ثانيًا إضرارًا بالمشتري الأول والافتيات على حقوقه المقررة على العقار؟ وكيف يتفق القول بعدم العقوبة مع الإباحة للبائع حق مطالبة المشتري بالثمن ولو أن عقد المشتري غير مسجل؟
هذه الحقوق المتبادلة بين المشتري غير المسجل والبائع لا يمكن معها القول بأن للبائع حق التواطؤ مع المشتري الثاني تواطؤ تدليسيًا على الإضرار بالمشتري الأول غير المسجل.

خاتمة

رأينا كيف أثار قانون التسجيل الجديد ثائرة المبادئ القانونية المعروفة في عهد القانون المدني وكيف ولَّد في مجالات العمل إشكالات ضاعفت من اضطراب المبادئ القانونية السابقة وجعل الناس قد يسيرون في طريق يتعارض مع الغرض الذي ينشده الشارع، ولعل الإحصائيات المنشورة حديثًا في الصحف السيارة تؤكد هذا الظن، إذ يحجم عدد غير قليل من الناس عن القيام بعملية التسجيل، كما يدل على ذلك العدد العظيم من العقود التي لم تُسجل، وربما يتخذ الشارع قريبًا احتياطًا خاصًا في تقرير جزاء معين لمن لم يسارع إلى القيام بعملية التسجيل، ولكن الذي نراه أن الشارع، وقد قصد بهذا القانون الجديد أن يكون نواة لنظام السجلات العقارية، لم يحط بالإشكالات المحتملة كل الإحاطة ولم يتخذ من الوسائل ذات الأثر الظاهر ما يكون له عدة نافعة في تأييد الآثار المرجوة من هذا القانون.
ونرى فوق ما تقدم أن الشارع قد أورد بعض النصوص بما يترك هناك محلاً للأخذ والرد، وبما يدعو الأفراد إلى التشكك والاضطراب في تقرير القواعد القانونية الجديدة، الأمر الذي نمَّ عليه قضاء المحاكم في كثير من أحكامه، ولقد رأينا كيف تضطرب المعاملات فيما يتعلق بالشفعة، من جراء تعارض الأحكام بين أحكام القضاء الأهلي من جانب، وبين الأحكام الأهلية والأحكام المختلطة، من جانب آخر.
هذا ونلاحظ أيضًا أن المذكرة الإيضاحية لم تكن من البيان والإيضاح بالقدر اللازم في تنوير الأفراد وإرشاد أهل القانون بما يرفع عن قانون التسجيل ما يشوبه من نقص ويعيبه من غموض.
وإذا كان الناس لم يطمئنوا إلى هذا القانون، وهو نواة السجلات العقارية المقبلة، فكيف يكون اطمئنانهم إذا ما وُضع قانون السجلات العقارية ونُفذ في معاملاتهم، وهو ذلك القانون الذي سيكون له من الأثر القانون أمرًا لم يألفه الأفراد من قبل؟
لذا ننصح إما بالمسارعة أو وضع قانون السجلات العقارية وضعًا محكمًا قاطعًا لكل إشكال ومؤيدًا بجزاءات مختلفة تضمن له نفاذه وبقاءه، وإما إعادة النظر في قانون التسجيل الحاضر ووضعه بحيث ترتفع عنه شوائب الغموض والنقص، حتى يطمئن الأفراد في معاملاتهم وحتى يضمن الشارع نفاذ قانون السجلات العقارية فيما بعد بطريقة بعيدة عن الشكوك والمخاوف في المعاملات.
ملاحظة: هذا ولما كان لقانون التسجيل ذلك الشأن الظاهر والأثر البين في المساس بالأصول القانونية المقررة بالقانون المدني، وكان قانون التسجيل في ذاته أمارة من الأمارات الدالة على رغبة الشارع هنا وهناك في اعتبار التسجيل وحده دون غيره أداة العلانية ووسيلة الإشهار، وكانت هذه الصحف القليلة لا تتسع في الإدلاء بالأدلة بإسهاب وفي الإفاضة بما يؤكد الإقناع ويثبته، رأينا أن نفرد رسالة على حدة تظهر في أوائل يونيو القادم سنة 1926 نعالج فيها ما شذ من هذا القانون، ومبلغ الصلة القائمة بين أصوله وأحكامه وبين المبادئ القانونية المقررة من قبل، ونبغي فيها على الأخص التعرف على حقيقة التيار التشريعي العالمي الآن لنظرية التسجيل وما تنشره الشرائع الحاضرة من التسجيل باعتباره وحده أداة الإشهار والعلانية، وهنا نحاسب القائمين بالفقه وسدنة القانون على ما حققوه وأثبتوه بشأن حماية الغير في عهد التسجيل القديم، وهل يتفق ما قرروه فيه مع النزعة التشريعية الحاضرة بشأن التسجيل الجديد أم لا يتفق، وسنبين كيف غلب عليهم المنطق البحت وأفسد عليهم وعلى القانون وعلى الأفراد، المبادئ الصحيحة القويمة، التي يجب أن يرجع في تقريرها، وأن لا يرجع في تقريرهما، إلا إلى الاعتبارات العملية، وهي المنبت الحي للقانون الحي. والله الموفق.

الأثر الرجعي للتسجيل ملاك كامل المحامي

مجلة المحاماة

قانون التسجيل الجديد
الأثر الرجعي للتسجيل

صدر قانون التسجيل الجديد ونص على أن الملكية لا تنتقل بالنسبة للمتعاقدين ولا بالنسبة لغيرهما إلا بالتسجيل ولكنه لم يعين الوقت الذي تنتقل فيه الملكية بعد تسجيل العقد، فهل يعتبر انتقالها من يوم العقد أو من يوم التسجيل؟ وبعبارة أخرى هل للتسجيل أثر رجعي؟ هناك رأيان: رأي يقول بالأثر الرجعي للتسجيل (راجع مقالة أستاذنا الفاضل الدكتور عبد السلام بك ذهني في المحاماة سنة 6 عد 7 صـ 607) - ورأي ينكر هذا الأثر له.
أما حجج أصحاب نظرية الأثر الرجعي فتنحصر فيما يأتي:
1 - أن قانون التسجيل لم ينص على أن الملكية تنتقل من يوم التسجيل بل إنها تنتقل بالتسجيل، ويصح أن يرجع أثره ليوم العقد، فإذا بيع عقار في 10 يناير ولم يسجل إلا في 20 يناير اعتبر المشتري مالكًا من 10 لا من 20 يناير، طالما أنه لم يتقرر للغير حق على العقار من جانب البائع.
2 - ما دامت الملكية لا تنتقل إلا إذا تسجل العقد، فكأن انتقالها معلق على شرط التسجيل، فإذا تحقق الشرط كان له أثر رجعي ليوم العقد.
3 - التسجيل شرع لمصلحة المشتري فلا يصح أن يضار به ما دام لم يتقرر للغير حق على العقار.
4 - ما دمنا نقرر بوجود البيع قبل التسجيل كعقد منشئ لحقوق وواجبات فمن المتعذر تعليل هذه الآثار إذا لم يعتبر العقد موجودًا قبل التسجيل, وإلا فكيف نبرر التزام المشتري بدفع الثمن والبائع بتسليم المبيع، وعلى من يكون هلاكه إذا هلك قبل التسجيل؟
5 - الاعتبارات العملية تؤيدها، لأننا لو لم نقل بنظرية الأثر الرجعي، وحصلت تصرفات قبل تسجيل العقد فماذا يكون مصيرها؟ مثلاً بيعَ عقار في 10 يناير، وتسجل العقد في 20 يناير، ثم:
( أ ) في الفترة بين 10 – 20 يناير باع البائع العقار مرة ثانية وسجل المشتري الثاني عقده في 15 يناير.
(ب) أو في الفترة بين 10 – 20 يناير باع المشتري الأول العقار لآخر وسجل العقد الثاني في 15 يناير.
(جـ) حصلت رهون من المشتري الأول أو رهون من المشتري الثاني وسجلت في تواريخ مختلفة قبل 20 يناير، فإذا قيل بالأثر الرجعي للتسجيل اعتُبر المشتري الأول مالكًا من 10 يناير والمشتري الثاني من 15 يناير وأمكن ترتيب الرهون والعقود الأخرى بحسب تواريخها ولم يكن ثمت صعوبة.
أما إذا قلنا إن المشتري الأول لا يملك إلا من يوم التسجيل (20 يناير)، وإن تسجيل المشتري الثاني (15 يناير) لا يكسبه الملكية لأنه اشترى في وقت لم يكن البائع له مالكًا، فالتسجيل لا يفيده شيئًا ما دام اشترى من غير مالك، ولا تنتقل إليه الملكية إلا إذا تسجل عقد المشتري الأول (في 20 يناير) وحينئذٍ تنتقل الملكية فورًا وفي هذا اليوم (20 يناير) إلى المشتري الثاني - إذا قلنا بذلك فكأن الملكية ستنتقل للمشتري الأول والثاني في يوم واحد، فإذا تعددت البيوع والرهون فكيف نرتب بينها؟ أليس الأفضل أن نقول بالأثر الرجعي فينشأ كل حق وقت تقريره ويسهل التفضيل بينها؟
- إذن الأثر الرجعي له مبررات من الوجهة العملية وهو لا يتعارض مع نصوص قانون التسجيل ولا مع القواعد القانونية العامة.
ردنًا على هذه الحجج:
1 - أن الشارع لم يكن في حاجة للنص صراحةً على أن ليس للتسجيل أثر رجعي لأن ذلك يُفهم من نصوصه ومن روح التشريع.
( أ ) لقد كانت الملكية قبل قانون التسجيل لا تنتقل بالنسبة لغير المتعاقدين إلا بالتسجيل، ولم يقل أحد إنه بحصول التسجيل يرجع أثره ليوم العقد فيحتج به على الغير من يوم حصوله، فلما جاء القانون الجديد وقرر أن الملكية لا تنتقل بالنسبة للمتعاقدين أيضًا إلا بالتسجيل أصبحت الملكية لا تنتقل بالنسبة للمتعاقدين وغيرهما على السواء إلا بالتسجيل ومن يوم التسجيل.
ب - لم يوضع قانون التسجيل الجديد إلا ليضيق من أثر الاتفاق على نقل الملكية، فجعل الاتفاق وحده لا ينقلها بدون تسجيل حتى بين المتعاقدين أنفسهما، فليس بمعقول أن يفسر قانون التسجيل بما يخالف الغرض المقصود منه ويوسع نطاق القانون القديم بدلاً من أن يضيقه.
(جـ) إن نظرية الأثر الرجعي تتصادم مع القواعد القانونية العامة، لأنها تجعل البيع يسري على الغير من يوم تحريره ولو لم يكن ثابت التاريخ - في حين أن المبادئ القانونية تقرر أن العقد (ولو كان مقررًا لحقوق شخصية) لا يسري على الغير إلا إذا ثبت تاريخه ثبوتًا رسميًا ومن يوم هذا الثبوت.
وإذا قلنا إن البيع يسري على المتعاقدين من تاريخه وعلى الغير من يوم تسجيله (أو ثبوت تاريخه) فكأننا رجعنا للقاعدة القديمة من أن الملكية تنتقل بالنسبة للمتعاقدين قبل أن تنتقل بالنسبة للغير، وهذا ما أراد الشارع أن يتلافاه.
2 - التسجيل قيد لانتقال الملكية لا تنتقل إلا به، لا تعليق لانتقالها على شرط.
3 - عدم انتقال الملكية جزاء على عدم التسجيل، فهو عقاب مدني يحل بالمشتري الذي لم يسجل عقده.
4 - الآثار التي ترتب على عقد البيع لا شأن لها بانتقال الملكية.
لقد كان الالتزام بنقل الملكية في القانون القديم ينشأ ويتم في وقت واحد وبدون احتياج إلى إجراءات غير الاتفاق على نقلها فأصبحت الآن لا تنتقل إلا بحصول إجراءات مادية (التسجيل) فكأن القانون رجع للنظرية الرومانية القديمة في التفريق بين نشوء الالتزام بنقل الملكية وتنفيذ هذا الالتزام، وليس من مستلزمات عقد البيع Essence أن تنتقل فيه الملكية بمجرد التعاقد بل كانت هناك أحوال في القانون القديم لا تنتقل فيها الملكية إلا بعد عمل إجراءات مخصوصة ولم يقل أحد بأنه في هذه الأحوال التي لا تنتقل فيها الملكية بمجرد التعاقد لا يكون لعقد البيع أثر، فلم ينكر وجوده في القانون الجديد لمجرد قوله بأن الملكية لا تنتقل من يوم العقد؟
التاجر الذي يشتري 100 قنطار قطن – أليس له الحق في مطالبة البائع بتعيين القطن وتسليمه إليه. هذه حالة من الأحوال التي لا تنتقل فيها الملكية بمجرد التعاقد ومع ذلك لم ينكر أحد أحقية المشتري في مطالبة البائع بتسليم المبيع ونقل ملكيته إليه وكذا الحال بالنسبة للبيع بخيار التعيين والبيع المؤجل فيه نقل الملكية.
النتيجة: يجب التمييز بين عقد البيع والالتزامات الناشئة عنه، فالعقد يوجد ولو أن الالتزامات التي تنشأ عنه لم يحصل تنفيذها، بل هذا هو الترتيب المنطقي والطبيعي: أن يوجد العقد قبل الشروع في تنفيذه، فعقد البيع يوجد ولو لم تنتقل الملكية وتنشأ عنه التزامات ومن ضمنها الالتزام بنقل الملكية، والأصل أن كل هذه الالتزامات تنفذ عينًا en nature إلا إذا استحال التنفيذ العيني فتؤول إلى المطالبة بتعويضات.
بقيت إذن مسألة هلاك المبيع قبل تسجيل العقد، هل يتحمل البائع هلاك المبيع باعتبار أنه مالك له وأن الأشياء تهلك على مالكها؟ أو يتحمله المشتري الذي استلم المبيع وهلك في يده ولو لم يسجل العقد؟
للرد على ذلك:
1 - يجب ملاحظة أن ضمان المبيع التزام متفرع عن عقد البيع كما يتفرع الالتزام بنقل الملكية، وأن الضمان التزام شخص لم يتأثر بقانون التسجيل، وأن القانون المصري كان ولا يزال يحمل البائع هلاك المبيع قبل تسليمه للمشتري وكأنه يعتبر الملكية قد انتقلت إلى المشتري بمجرد التعاقد (القانون القديم) أي أنه جعل الهلاك مرتبطًا بالتسليم ولم يأخذ بقاعدة جعل الهلاك على المالك، لذا يجب أن يتحمل المشتري هلاك المبيع الذي تسلم إليه ووضع يده عليه بصفة مالك ولو قبل تسجيل العقد وانتقال الملكية إليه ولذا يجب التفريق بين:
( أ ) حصول الهلاك قبل التسليم: يكون على البائع، تسجل العقد أو لم يتسجل مع ملاحظة أن التسليم يحصل بالتخلية، فيجوز للبائع أن يحول مسؤولية الهلاك إلى المشتري إذا وضع المبيع تحت تصرفه وأخطره بذلك.
(ب) الهلاك بعد التسليم: يكون على المشتري تسجل العقد أو لم يتسجل.
2 - لأن التسجيل من واجبات المشتري لا البائع، فإذا قصد فيه عمدًا أو إهمالاً فلا يصح أن يتخذ من خطئه حجة يتمسك بها على البائع، لأن القاعدة أنه لا يصح أن يستفيد الشخص من غشه وتدليسه وأن المخطئ يكون مسؤولاً حتى عن الحوادث الجبرية ولذا يتحمل المشتري - الذي وضع يده على المبيع بدون إذن البائع - هلاك المبيع تحت يده نمرة (274) مدني.
3 - لأن الشارع أجاز للقاضي أن يحكم بالتعويضات على المتعاقد المقصر، فإذا تبين له أن المشتري أهمل في اتخاذ الإجراءات اللازمة لنقل الملكية، كان للقاضي أن يحكم عليه بالتعويضات للبائع وليس ما يمنع من تقدير هذه التعويضات بثمن المبيع أو قيمه.
4 - لأنه يمكن افتراض أن المشتري الذي قبل استلام المبيع - ووضع يده عليه بصفة مالك قبل تسجيل العقد – قد قبل ضمنًا تحمل هلاك المبيع إذا هلك ولو بقوة قاهرة، لأنه ليس في هذا التعهد ما يمس النظام العام وهو تفسير لرغبة المتعاقدين.
والواقع أن هذا التعهد لا يستلزم نقل الملكية إذ قد يتعهد المستعير أو المستأجر أو حائز الشيء على العموم بتحمل هلاكه عند القوة القاهرة أثناء وجوده تحت يده.
وإذا فرض أن شخصًا باع عقارًا لآخر قبل تكامل مدة وضع يده واكتسابه الملك، وسلم العقار للمشتري ليتمم مدة وضع اليد وامتلاك المبيع، فليس للمشتري أن يطالب البائع برد الثمن إذا هلك المبيع تحت يده ولو قبل تمام مدة التقادم.
5 - لأن المشتري لا يمكنه أن يعلل وجود الشيء تحت يده إذا أنكر البيع ووضع يده على المبيع بصفة مالك، وإلا كان مغتصبًا والمغتصب يتحمل هلاك الشيء ولو كان الهلاك بدون تقصيره.
6 - الاعتبارات العملية - لا تستلزم الاعتراف بالأثر الرجعي:
أولاً: لأن القانون الجديد اشترط لحصول التسجيل التأشير على العقد من المساحة وهي تبحث عن موقع الأرض على الخرائط واسم ملاكها (3 قانون التسجيل) فالشخص الذي يشتري عقارًا ولا يسجل عقده لا يعتبر مالكًا في نظر هذا القانون، بل تبقى الملكية لصاحبها الأصلي، وتصرفات الأخير هي التي تنفذ.
ثانيًا: استلزم القانون تسجيل كل العقود السابقة لعقد البيع ولا يكفي تسجيل العقد الأخير عنها.
فلا يمكن مع وجود هذين العقدين تصور الحالات الخيالية التي يصورها أصحاب نظرية الأثر الرجعي، من أن أشخاصًا تلقوا حقوقًا على المبيع وسجلوها قبل تسجيل عقد المملك لهم، وحتى بفرض إمكان تصور هذه المنازعات فيجب أن تحل طبقًا للقواعد القانونية:
( أ ) فإذا كانت التصرفات من البائع: لمشترٍ سجل قبل تسجيل المشتري الأول، فالعقد المسجل هو الذي ينفذ ولا يكون للمشتري الأول الذي لم يسجل إلا المطالبة بتعويضات طبقًا للمادة نمرة (1) من قانون التسجيل.
(ب) إذا كانت التصرفات من المشتري الأول قبل أن يسجل عقده وتنتقل الملكية إليه:
1 - فهي إن كانت بيوع وتمكن أصحابها من تسجيلها قبل تسجيل عقد المملك لهم، فليس ثمت صعوبة في ترتيب أصحابها حسب أسبقية تسجيلاتهم، وإلا إذا استحال التوفيق بينها آلت حقوق أصحابها إلى حقوق شخصية محضة.
2 - وإن كانت رهونًا (فهي باطلة باعتبار أنها صادرة من غير مالك، حتى ولو تعهد باكتساب الملكية في المستقبل نمرة (563) مدني ولذا تؤول حقوق الدائنين إلى حقوق شخصية أيضًا.. وأنه بفرض إمكان تصور هذه المنازعات عقلاً فإذا أمكن ترتيب هذه الحقوق حسب تواريخ تسجيلها كان بها وإلا إذا استحال التوفيق بينها تستحيل إلى التزامات شخصية بناءً على المادة (1) من قانون التسجيل الجديد...).

ملاك كامل
المحامي

بحث في استرداد الشيوع للأستاذ أحمد بك لطفي المحامي

مجلة المحاماة
السنة الأولى - 1920

بحث في استرداد الشيوع
للأستاذ أحمد بك لطفي المحامي

الغرض من هذا البحث:
1 - إذا باع شخص حصة شائعة في عقار مشترك بينه وبين آخرين فلهؤلاء بعضهم أو كلهم الحق في أخذ الحصة المبيعة لأنفسهم جبرًا على المشتري بالثمن الذي بيعت به وهذا الحق مقرر بمقتضى قانون الشفعة الصادر في مارس سنة 1901.
وقد اشترط هذا القانون سلسلة قيود نص عليها وأوجب العمل بها ورتب على عدم اتباعها سقوط الحق في أخذ البيع بالشفعة فمنها وجوب الطلب في زمان معين وبصفة مخصوصة ولزوم عرض الثمن عرضًا حقيقيًا وغير ذلك من الإجراءات العديدة التي تعرض حقوق الشفيع للخطر في كل دور من أدوار التقاضي.
وليس قانون الشفعة هو الوحيد الذي قرر هذا الحق للشريك فقد جاء في باب الشركات نص آخر هو نص المادة (462) مدني التي قررت:
(يجوز للشركاء في الملك قبل قسمته بينهم أن يستردوا لأنفسهم الحصة الشائعة التي باعها أحدهم للغير ويقوموا بدفع ثمنها له والمصاريف الرسمية والمصاريف الضرورية أو النافعة).
فإن هذه المادة إذا أُخذت على ظاهرها تفيد:
1 - تقرير حق الشفعة للشريك في أي ملك مشترك منقولاً كان أو عقارًا.
2 - أن حق الشفعة هذا يكون فيما يباع شائعًا في الملك المشتري سواء كان منقولاً أو عقارًا.
3 - أن هذا الحق يظل للشريك ما دام الشيوع قائمًا ولو لبث أعوامًا طويلة.
4 - أن استعمال هذا الحق ليس مقيدًا بأي قيد ويكفي لثبوته مجرد دفع الثمن ومصاريف البيع.
ومن هنا يفهم أن الشفعة المقررة للشريك بقانون مارس سنة 1901 والاسترداد المقرر بنص المادة (462 مدني) يلتقيان في موضع واحد هو حالة بيع حصة شائعة في عقار مشترك لأجنبي عن الشيوع فإن موضوعهما في هذه الحالة والغرض منهما يكون واحدًا هو الحصول على البيع جبرًا على المشتري بالثمن ومصاريف البيع - ويختلف الحقان في مواضع أخرى هي القيود التي يوجبها قانون الشفعة في الطلب والدعوى فإن المادة (462) لم تشترطها ويختلفان أيضًا في انقضاء حق الشفعة وسقوطه سواء بالعلم والسكوت عن الطلب أو بمضي ستة شهور على تسجيل البيع فإن (المادة 462) على خلاف ذلك قد أطلقت الاسترداد منها وحفظت للشريك الحق فيه لغاية القسمة.
كان اتفاق الشفعة والاسترداد في الموضوع والغرض واختلافهما في القيود موجبًا لتساؤل المشتغلين بالقانون عن الحكمة التي دعت الشارع لتقرير حق واحد بنصين مختلفين من جهة الإجراءات والقيود ودعا ذلك طبعًا للبحث فيما إذا كان حق الاسترداد هو حق آخر غير حق الشفعة لا يجوز تطبيقه إلا في دائرة غير الدائرة التي يسري عليها قانون الشفعة بل أدى ذلك إلى البحث فيما إذا كان قانون الشفعة لم يلغِ الاسترداد ولغير ذلك من المسائل العديدة التي أدى إليها تعارض النصوص.
تضاربت أحكام المحاكم في هذا الموضوع تضاربًا شديدًا ولكن اختلافها لم يلفت نظر المتقاضين والمشتغلين بالقانون في أي زمان بمقدار ما ألفته إليها الآن - ذلك لأن دوائر القضاء أصبحت مشحونة بعدد كبير من قضايا الاسترداد التي رُفعت حديثًا وهي حالة دعا إليها طمع الناس بالأرباح الفادحة التي جر إليها ارتفاع أسعار الأراضي الزراعية لأضعاف أثمانها وقت البيع.
لم يثبت القضاء الأهلي على مبادئ معينة في دعاوى الاسترداد فإن دوائر محكمة الاستئناف تارة تنكر وجوده وأخرى تقره وتارة تقول بوجوده في المنقولات دون العقارات وأخرى تقصر تطبيقه على البيوع الواقعة في حصة شائعة في تركة أو شركة وترفض تطبيقه في حالة بيع حصة شائعة في عقار معين ومرارًا تقره وتطلق استعماله في أي حالة من هذه الأحوال - شجعت هذه الحالة المضاربين على اقتحام أخطار التقاضي طمعًا بنوال الأرباح الكبيرة وأحجم المحامون عن إرشاد المتقاضين لما يجب أن يتبعوه لأنهم إن أشاروا بالتقاضي جاز أن يسوق الموكل سوء طالعه لإحدى الدوائر التي لا تقر الاسترداد وإن أشاروا بعدم التقاضي فقد يضيع على الموكل ربح كان المحامي سببًا في حرمانه منه.
دعاني كل ذلك لنشر هذا البحث راجيًا أن تحقق هيئة القضاء أمنية المحاماة بأن تتفضل فترفع الخلاف وتوحد المبادئ التي تراها صائبة في هذا الموضوع الهام فإنها بذلك تقضي على آمال المشاغبين وتسمح للمحاماة بتأدية واجبها السامي وهو إرشاد الناس لما فيه خيرهم وإقناعهم بترك التقاضي الذي لا أساس له من الحق ولا من القانون.
وتحقيقًا لهذا الغرض رأيت أن أدون في هذا البحث بغير تعليق جميع الآراء المختلفة والأحكام المتناقضة في أهم المسائل المتعلقة بالمادة (462) متبعًا في ذلك الترتيب الآتي:
1 - تعريف الاسترداد وأنواعه.
2 - مأخذ المادة (462 مدني أهلي).
3 - تأثير قانون الشفعة على حق الاسترداد.
4 - البيوع التي يجوز فيها الاسترداد.
5 - الأشخاص الذين لهم حق الاسترداد.
6 - الأشخاص الذين ترفع عليهم الدعوى بالاسترداد.
7 - متى يسقط حق الاسترداد.
8 - ما يترتب على الاسترداد.

تعريف الاسترداد وأنواعه

الاسترداد على وجه العموم هو أن يحل شخص محل آخر فيما اشتراه مقابل دفع الثمن ومصاريف البيع - وحق الاسترداد إما أن يكون مقررًا باتفاق المتعاقدين أو بمقتضى نص من نصوص القانون، ومثال الأول بيع الوفاء إذ يكون للبائع حق استرداد الشيء المبيع في مدة معينة، ومثال الثاني استرداد الحقوق المتنازع فيها إذا باعها الدائن فإن للمدين حق استردادها في نظير دفع الثمن والمصاريف (المادة 354 مدني).
وحق الاسترداد قديم ولكنه لم يكن معروفًا في القانون الروماني بل لم يعرف في التشريع الفرنسي إلا من القرن السادس عشر وأنواعه في هذا التشريع كثيرة حيث بلغت خمسًا وعشرين نوعًا لم يبقَ منها (منذ صدور قانون سنة 1804 على ما نعلم) سوى أربعة - بيع الوفاء - استرداد الحقوق المتنازع فيها - استرداد الوارث للحصة الشائعة التي يبيعها أحد الورثة لأجنبي عن التركة (المادة 841 مدني فرنسي) واسترداد الزوجة للحصة التي يشتريها زوجها في عقار لها حصة شائعة فيه (مادة 1408 فرنسي) واسترداد البائع بيعًا وفائيًا لما يبيعه نظير رد الثمن والمصاريف، أما القانون المصري فإن أنواع الاسترداد الواردة فيه هي - الشفعة - واسترداد الحقوق المتنازع فيها - واسترداد المبيع بيعًا وفائيًا - واسترداد الشيوع المقرر بالمادة (462 مدني أهلي).
مآخذ المادة (462 مدني):
الغرض من هذا الباب هو معرفة الأصل التشريعي الذي استمدت منه المادة (462) لأن معرفة ذلك توصلنا لإدراك الغرض منها والدائرة التي تنطبق عليها.
اختلفت آراء المشتغلين بالقانون في مصر في مأخذ المادة المذكورة، ويمكن حصر آرائهم فيما يلي:
الرأي الأول: المادة (462) مأخوذة من المادة (841 فرنسي) التي أباحت للورثة أن يأخذوا بطريق الاسترداد الحصة الشائعة التي يبيعها الورثة لأجنبي وأصحاب هذا الرأي يقولون بأن المادة (462) هي بعينها نفس المادة (841) ولكنها مع ذلك لا تنطبق فقط في البيوع التي تقع في التركات بل تتناول البيوع التي تقع في الشركات وهذه البيوع هي التي تقع في حصص شائعة في مجموع حقوق والتزامات الشركة أو التركة فلا تنطبق إذن في حالة بيع حصة شائعة في عقار معين من شركة أو تركة.
(راجع حكم الاستئناف الصادر في 3 مايو سنة 1901 نمرة (323) سنة 1900 حقوق سنة سادسة عشرة صحيفة (235) – وحكم الاستئناف الصادر في 10 يونيو سنة 1906 نمرة (261) حقوق السنة الحادية والعشرين صحيفة (310)، وحكم الاستئناف الصادر في 31 ديسمبر سنة 1916 مجموعة رسمية سنة ثامنة عشرة عدد (1) صحيفة (170) وحكم محكمة طنطا الابتدائية الصادر بتاريخ 22 أكتوبر سنة 1919 وحكم محكمة طنطا الصادر في 15 ديسمبر سنة 1919).
ويؤيد أصحاب هذا الرأي قولهم بأنه لا يظهر من نص المادة (462 مدني) أن الشارع قصد منها حكمة تخالف ما رآه الشارع الفرنسي في نص المادة (841 مدني) ولو أنه بسط حكمها فجعلها تشمل الشركات والتركات وأنه لو قيل بعكس ذلك لتعارضت مع حق الشفعة المقرر للشريك في العقار ولأدى ذلك إلى القول بتكليف الشفيع بإجراءات معينة وخضوعه لقيود عديدة ليس المسترد مكلفًا بها ولا خاضعًا لها في طلب العين المبيعة وهو عيب يجب تنزيه الشارع عنه - وأنه لا يمكن التوفيق بين النصين إلا باعتبار نص المادة (462 مصرية) نفس نص المادة (841 مدني فرنسي) مع التوسع في تطبيقها بحيث تشمل التركات والشركات لأن الحكمة فيهما واحدة وهي عدم نفوذ الأجنبي إلى أسرار العائلات أو الشركات.
والرأي الثاني: هو أن المادة (462 مدني) مأخوذة من نص المادة (1408 فرنسي) التي جعلت للزوجة حق استرداد الحصة الشائعة التي يشتريها زوجها في عقار لها فيه ملك شائع (راجع المقالة المنشورة في مجلة الاستقلال لحضرة نجيب بك شقرا المحامي سنة خامسة صحيفة 158).
والرأي الثالث: هو أن المادة (462 مدني) ليست منقولة عن القانون الفرنسي، وأصحاب هذا الرأي يؤيدونه بأنه لا دليل على أن المشرع أراد نقل مضمون المادة (841 فرنسي) إلى القانون المصري ولأن حق الاسترداد إنما أدخل على القانون الفرنسي لأنه لا يوجد فيه حق عام كحق الشفعة الذي ينطبق في حالة الاشتراك على الشيوع في الملك من غير بيان سببه فلا محل إذن للقول بوجود حق منفصل يستعمله الشركاء على الشيوع في مثل الأحوال التي يستعمل فيها حق الاسترداد الوراثي في فرنسا فالمادة نقلت من القانون الفرنسي ولكن على سبيل الاطراد أي من غير أن يقصد منها الغرض الذي وُضعت له في فرنسا إذ الشارع المصري قد بدل في تركيب المادة (841 فرنسي) بما يدل على أنه أراد تغيير حكمها فجعلها تتناول كل أنواع الشيوع ولم يرد أن يقصرها على ما يباع شائعًا في تركة أو شركة ولذا أطلق لفظ (الحصة الشائعة) بعكس المادة الفرنسية فإن الشارع قيدها بأن تكون شائعة في ميراث.
(راجع حكم 26 يناير سنة 1904 استقلال سنة ثالثة صحيفة (28)).
ومما تقدم يتضح جليًا أن مأخذ المادة (462) لا يخرج عن حالتين: إما أن يكون أصلها من التشريع الفرنسي وإما أن يكون من مبتكرات المشرع المصري.
فإذا كان مصدرها القانون الفرنسي فيجب مراعاة القواعد والأصول الفرنسية عند العمل بحق الاسترداد وقصر تطبيقه على أحوال الشركة والتركة، وإن كانت من مبتكرات الشارع المصري فيجب قصر البحث عند التطبيق على ألفاظ المادة (462) وإطلاق نصها على جميع البيوع التي تقع شائعة سواء كان ذلك في تركة أو شركة أو مجرد شيوع في ملك ثابت.
وقد بحثت محكمة الاستئناف الأهلية أخيرًا هذا الموضوع وأصدرت فيه حكمًا مبدئيًا نرى من الفائدة إيراد أسبابه وهي:
ومن حيث إن المستأنفة ترتكن في دعواها استرداد العين موضوع النزاع على ما جاء بالمادة (462) من القانون المدني الأهلي التي نصها (يجوز للشركاء في الملك قبل قسمته بيوم أن يستردوا لأنفسهم الحصة الشائعة التي باعها أحدهم للغير ويقوموا بدفع ثمنها له والمصاريف الرسمية والمصاريف الضرورية والنافعة).
ومن حيث إن الحكم في الدعوى يستلزم معرفة ما إذا كانت المادة المذكورة تتعارض مع قانون الشفعة وهل القانون المذكور من شأنه إلغاء تلك المادة وجعلها لا عمل لها أم لا.
ومن حيث لا نزاع في أن قانون الشفعة والمادة (462) يلتقيان في موضع واحد وهو حق الشريك في العقار الشائع لأخذ الحصة التي يكون باعها أحد الشركاء لأجنبي عن الشيوع مقابل دفع الثمن ومصاريف البيع ويختلفان في القيود التي يشترطها قانون الشفعة لذلك.
وحيث إن الزعم بأن المسترد العقار حق اختيار أحد الطريقين إما قانون الشفعة الصادر في مارس سنة 1901 أو المادة (462) لا يمكن الأخذ به مع وجود القيود في أحدها دون الآخر إذ لو صح ذلك لكان الشارع المصري متناقضًا في أحكامه فإنه يكون وضع في باب حكمًا قيده بقيود وشروط مخصوصة ووضع في باب آخر حكمًا بغير قيد ولا شرط لحق واحد فمن لم يتيسر له الانتفاع بذلك الحق من الطريق الأول لصعوبة قيوده ولجه من الطريق الثاني لخلوه منها وهذا يكون غاية في التناقض يجب تنزيه الشارع عنه.
وحيث إن القول بأن قانون الشفعة الصادر في مارس سنة 1901 جاء ملغيًا للمادة (462) لا يمكن الأخذ به أيضًا ما دام أنه لم يرد نص في القانون المذكور عليه.
ومن حيث متى ما تقرر هذا وجب البحث فيما هي الأحوال التي أرادها الشارع بالمادة (462) وهل هي تختلف عن تلك التي قضاها قانون الشفعة ولأجل الوصول إلى هذا يجب الرجوع إلى مأخذ المادة المذكورة.
وحيث إن الرأي الراجح والذي تأخذ به هذه المحكمة أن المادة (462) مأخوذة من المادة (841) من القانون الفرنسي التي أباحت للورثة أن يأخذوا بطريق الاسترداد الحصة الشائعة أو بعضها التي يتنازل عنها أحدهم في التركة بلا تعيين لأجنبي حرصًا على عدم نفوذ ذلك الأجنبي إلى أسرار العائلات، ومعلوم أن الشفعة غير موجودة في القانون الفرنسي، لهذا اضطر الشارع هناك أن يضع المادة (841) للحكمة سالفة الذكر فأخذها الشارع المصري بعد أن أطلقها من قيدها وأباحها في الشركات كما التركات.
وحيث إن عدا هذا التعديل لا يظهر من نص المادة (462) أهلي والمادة (561) مختلطة المقابلة لها أن الشارع أراد قاعدة جديدة لها حكمة تختلف عن تلك التي وضعت القاعدة المقابلة لها في المادة (841) من القانون الفرنساوي.
وحيث متى ما تقرر هذا أصبح من اللازم عدم التوسع في استعمال المادة (462) ووجوب حصرها في الحالة التي اقتضت حكمة الشارع الفرنساوي وضع المادة (841) من أجلها يجعلها قاصرة على حق الشريك في التركات والشركات قبل قسمتها متى ما كان البيع حاصلاً في غير عين معينة، أما إذا كان في عين معينة فقط بطلت حكمة الشارع من خوف نفوذ الأجنبي إلى سر العائلة وإذن ينقل المسترد إلى شفيع ويجب عليه أن يلجأ لقانون الشفعة بقيوده المعلومة.

تأثير قانون الشفعة على حق الاسترداد

تعارض الاسترداد في الملك المشترك والشفعة في المبيع الشائع واختلاف الإجراءات والقيود في استعمال كل واحد من الحقين جعل المحاكم تبحث فيما إذا كان قانون الشفعة الصادر في سنة 1901 قد ألغى مفعول المادة (462) فانقسمت الأحكام لرأيين:
الأول: أن قانون الشفعة قد ألغى حكم المادة (462) مدني بحيث أصبح لا وجود لها بعد صدور قانون سنة 1901.
(راجع حكم الاستئناف الصادر في 7 يوليو سنة 1904 – نمرة (5) سنة 1904 – حقوق سنة تاسعة عشرة صحيفة (174)).
الثاني: يقول بأن المادة (462) ملغاة فيما يناقض قانون الشفعة الصادر في 22 مارس سنة 1901 فإذا باع وارث حصته لشخص غير وارث ولم يسترد باقي الورثة هذه الحصة في الميعاد المعين في المادة (19) من قانون الشفعة ضاع حقهم في الاسترداد.
(راجع حكم الاستئناف الصادر في 31 مارس سنة 1906 مجموعة رسمية سنة ثامنة صحيفة (26)).
الثالث: يقول بعكس ذلك وأن المادة (462) لم تلغَ لأن حق الشفعة غير حق الاسترداد.
(راجع حكم الاستئناف الأهلي الصادر في 10 يونيو سنة 1906 حقوق صحيفة (210) وحكم الاستئناف المختلط الصادر في 7 فبراير سنة 1907 سنة تاسعة عشرة مجموعة رسمية صحيفة (114) وحكم الاستئناف المختلط الصادر في 23 ديسمبر سنة 1907 السنة العشرين من المجموعة الرسمية صحيفة (143) وحكم الاستئناف المختلط الصادر في 24 إبريل سنة 1901 مجموعة رسمية سنة ثالثة عشرة صحيفة (259) وحكم الاستئناف المختلط الصادر في 14 مارس سنة 1907 صحيفة (152) مجموعة سنة تاسعة عشرة وحكم 4 مايو سنة 1911 مجموعة مختلطة سنة ثالثة وعشرين صحيفة (302)... إلخ).
البيوع التي يقع فيها الاسترداد
القسم الذين يقولون بأن حق الاسترداد لا يزال باقيًا ومعمولاً به إلى رأيين:
الأول: يقول بأن الاسترداد لا يطبق إلا على البيوع التي تقع على حصة شائعة في مجموع حقوق والتزامات في شركة أو تركة Universalité de droits et d'obligations.
وأصحاب هذا الرأي هم الذين يقولون بأن أصل المادة (462) مأخوذ من التشريع الفرنسي (841) وإن الشارع توسع فيه فأصبح يشمل الشركات والتركات - وعلى ذلك فلا يجيزون الاسترداد في البيع الواقع في حصة شائعة من عقار معين في تركة أو شركة بل يقولون بأنه في هذه الحالة لا يجوز إلا تطبيق أحكام الشفعة دون الاسترداد.
وأهم الأحكام الصادرة بهذا المعنى هي ما يأتي:
راجع حكم استئناف أهلي 2 مايو سنة 1901 حقوق سنة سادسة عشرة صـ 265،
وحكم استئناف أهلي 10 يونيه سنة 1906 حقوق سنة حادية وعشرين صـ 310،
وحكم استئناف أهلي 31 ديسمبر سنة 1916 مجموعة رسمية سنة ثامنة عشرة صـ 170،
وحكم محكمة طنطا الابتدائية الصادر في 22 أكتوبر سنة 1919 (لم يُنشر)،
وحكم محكمة طنطا الابتدائية الصادر في 15 ديسمبر سنة 1919 (لم يُنشر).
الثاني: يقول أصحاب الرأي الثاني إن الاسترداد جائز في البيع الذي يقع في أي حصة شائعة سواء كانت في عقار معين من شركة أو تركة أو من مجرد شيوع قائم بين اثنين أو أكثر.
وأصحاب هذا الرأي هم الذين يقولون بأن المادة (462 مدني) هي من مبتكرات المشرع المصري وإنها لم تؤخذ من تشريع آخر وإن التشريع الفرنسي لم يكن مأخذًا لها بل كان سببًا في تفكير شارعنا المصري في النص عليها.
راجع شرح المستشار دوهلس جزء رابع باب الاسترداد والأحكام الآتية:
حكم استئناف أهلي 12 مايو سنة 1917 مجموعة رسمية السنة التاسعة عشرة العدد الأول صـ 8،
وحكم استئناف أهلي 21 أكتوبر سنة 1917 مجموعة رسمية السنة التاسعة عشرة العدد 2 صـ 27.

فيمن له حق الاسترداد

الخلاف في هذه المسألة واقع بين الذين يقولون بأن المادة (462) هي من ابتكار المشرع المصري فإن أكثرهم يقولون بأن حق الاسترداد لا يكون إلا للشركاء الأصليين دون من يتلقون الحق عنهم سواء كان انتقال حقوقهم للغير بطريق الإرث أو البيع أو الوصية أو غير ذلك - فليس لوارث الشريك الأصلي ولا لمن يتلقى الحق عنه حق استرداد ما يباع من باقي الشركاء للغير.
ويعرفون الشركاء الأصليين بأنهم الذين نشأ بينهم الشيوع فإن كان الشيوع نشأ عن إرث فيكون الاسترداد للورثة دون سواهم ولا يكون لورثتهم، وإن كان الشيوع ناشئًا عن شركة مدنية أو تجارية فحق الاسترداد يكون لمن انعقدت بينهم الشركة، وإن كان الشيوع نتيجة اشتراك في عقار فالاسترداد لمن امتلكوا العقار بالعقد ولا ينتقل هذا الحق لا لورثتهم ولا لغيرهم ممن يتلقون الحق عنهم.
ويؤيد أصحاب هذا الرأي قولهم بالنص فإن المادة (462) أضيف في أصلها الفرنسي لكلمة (الشركاء) لفظ (الأصليين) فأصبحت تجيز حق الاسترداد للشركاء الأصليين - وكذلك وردت هذه اللفظة في نص المادة (561 مدني مختلط) التي نصت على الاسترداد، أما الأحكام التي قررت هذه القاعدة فهي:
راجع استئناف أهلي 12 مايو سنة 1917 مجموعة رسمية السنة التاسعة عشرة العدد الأول صـ 8،
وحكم استئناف أهلي 21 أكتوبر سنة 1917 مجموعة رسمية السنة التاسعة عشرة العدد الثاني في صـ 27،
وحكم محكمة الاستئناف المختلطة 2 مارس سنة 1902 مجموعة التشريع والقضاء المختلط السنة الرابعة عشرة صـ 204،
وحكم محكمة الاستئناف المختلطة 6 يونيه سنة 05 مجموعة التشريع والقضاء السنة السابعة عشرة صـ 327،
وحكم محكمة الاستئناف المختلطة 31 ديسمبر سنة 1914 مجموعة التشريع والقضاء السنة السابعة والعشرين صـ 100.
وهناك رأي آخر يقول بغير ذلك ويطلق هذا الحق لأي شريك سواء كان أصليًا أو متلقيًا الحق عن شريك أصلي.
(راجع حكم الاستئناف المختلط 27 مارس سنة 1902 مجموعة مختلطة السنة الرابعة عشرة صـ 204 وعلى هذا الرأي المسيو ده هلس الفقرة التاسعة من باب الاسترداد جزء رابع صـ 137).

فيمن يطلب منه الاسترداد

إذا أردنا أن نتقيد بنص المادة (462) مدني فإننا نقول بأنها اشترطت أن يكون الاسترداد في البيوع التي تصدر من شريك أصلي وفي الواقع فإن نصها يفيد ذلك حيث تقول (يجوز للشركاء - الأصليين - في الملك قبل قسمته بينهم أن يستردوا الحصة الشائعة التي باعها أحدهم للغير) - فإن الضمير في أحدهم عائد على الشركاء الأصليين - وعلى ذلك فلا يجوز الاسترداد إلا في البيع الصادر من شريك أصلي بحيث إذا صدر ممن تلقى الحق عن الشريك الأصلي فلا يجوز الاسترداد، وعلى هذا الرأي قضاء محكمة الاستئناف المختلطة فإنها قررت بحكمها الصادر في 31 ديسمبر سنة 1914 مجموعة رسمية سنة سبعة وعشرين صـ 100 ما يأتي:
(حق الاسترداد المنصوص عليه في المادة (561) مدني مختلط لم ينص عليه إلا لمصلحة الشركاء الأصليين ويشرط أن يكون البيع صادرًا من أحدهم، أما كون طالب الاسترداد من بين ورثة أحد الشركاء الأصليين فذلك لا يخوله شخصيًا صفة الشريك الأصلي كما هي الحال في الشريعة الإسلامية حيث الوارث ليس معتبرًا مكملاً لشخصية المورث).

متى يسقط الحق في الاسترداد

نصت المادة (462 مدني) على أن حق الاسترداد يبقى للشركاء لغاية القسمة - ولكن المادة لم تبين المقصود بالقسمة هل يجب أن تقع القسمة في جميع العين المشتركة أو يجوز أن يسقط الاسترداد بحصول قسمة في جزء من الأعيان المشتركة دون الآخر وهل يلزم أن تكون القسمة نهائية أي قسمة فرز أو مجرد تخصيص للشيوع بين الشركاء كأن يتعين حق كل شريك بعين من الأعيان المشتركة مع بقائه شائعًا فيها.
كذلك لم يرد في النص ما يشير إلى سقوط حق الاسترداد بالتنازل عنه صراحةً أو ضمنًا أو بالسكوت عنه بعد التكليف من المشتري بإبداء الرغبة فيه.
تعرضت أحكام المحاكم للفصل في بعض هذه المسائل فمن ذلك أن قضى بأن المراد بالقسمة هو مجرد صدور مثل هذا الحكم يأمر بإجرائها وأن الحق في الاسترداد يسقط بمجرد صدور مثل هذا الحكم ولا لزوم لحصول القسمة وتعيين الحصص فعلاً.
وقررت بعض الأحكام سقوط الحق في الاسترداد بالتنازل عنه صراحةً أو ضمنًا.
فقد قضت محكمة الاستئناف المختلطة بحكمها الصادر بتاريخ 5 مارس سنة 1898 المنشور في المجموعة سنة ثامنة صحيفة (148) أن هذا الحق يسقط كلما صدر من الشريك عمل يدل على اعترافه بالمشتري شريكًا معه على الشيوع، وقضت محكمة الاستئناف الأهلية بحكمها الصادر في 26 يناير سنة 1904 (الاستقلال سنة ثانية صحيفة (29)) بسقوط حق الشريك متى صدر منه أمر يدل على رضائه بالبيع الحاصل لأجنبي وقضت بهذه القاعدة أيضًا محكمة الاستئناف المختلطة بأحكامها الصادرة في 22 مارس سنة 1900 مجموعة رسمية سنة ثانية عشرة صحيفة (175) وفي 19 يونيو سنة 1895 مجموعة سنة سابعة صحيفة (345).
ومن هذا يفهم أن المحاكم لا تأخذ بنص المادة (462) على إطلاقه فيما يتعلق بسقوط الحق في الاسترداد بل تميل إلى تقييد هذا الحكم بكل ما يمكن أن تتقيد به من القواعد العامة المسقطة للحقوق.
وهو في الواقع أقرب لروح العدل والقانون.

فيما يترتب على الاسترداد

1 - إذا كان حق الاسترداد مقررًا وكان للشريك في العقار أن يعتمد عليه في أخذ ما يباع شائعًا من أحد الشركاء الآخرين فإن بقاء هذا الحق بجانب حق الشفعة يؤدي للنتائج الآتية:
أولاً: ليس المسترد مقيدًا باتباع إجراءات معينة في المطالبة بحقه لا بالنسبة للبائع والمشتري ولا بالنسبة لحقوق الغير بل يكفي أن يرفع دعواه على المشتري ويأخذ العين المبيعة في نظير دفع ثمنها ومصاريف البيع والمصاريف الضرورية أو النافعة التي يكون صرفها المشتري على العين المبيعة.
كذلك لا يلزم المسترد بتسجيل الطلب ولا الحكم الصادر له بالاسترداد ليمكن الاحتجاج به على الغير كما هو الحال في الشفعة.
ثانيًا: يعتبر المسترد أنه حل محل المشتري وأنه تملك من البائع من وقت البيع ويعتبر المشتري في كل ما أجراه من التصرفات أو استثمار العين المبيعة أنه طفيلي Girant d'af faire) لا يلزم المسترد منها إلا بما كان داخلاً في سلطة الطفيلي فجميع التصرفات العينية التي يكون أجراها المشتري تصبح ساقطة وجميع المصاريف التي صرفت لا يلزم المشتري منها سوى الضرورية أي التي كانت لازمة لصيانة العين أو النافعة التي زادت في قيمتها.

كلمة أخيرة

دونّا هذا البحث للإحاطة بالآراء المختلفة والأحكام المتضاربة في موضوع الاسترداد بغير تعليق عليها أو ترجيح لأحدها على الآخر ولكننا سنعود في مقال آخر لمناقشة هذه الآراء والتعليق عليها إن شاء الله.


ما هو أصل الوقف

 مجلة المحاماة – العدد الرابع

السنة الأولى - أول أكتوبر سنة 1920

المباحث القانونية والتشريعية
ما هو أصل الوقف
ولأي داعٍ أخرج عن اختصاص المحاكم الأهلية

تخرج عن اختصاص المحاكم الأهلية المسائل المذكورة بالمادة السادسة عشرة من لائحة ترتيبها.
ومن ضمن هذه المسائل ما يتعلق بأصل الوقف - فما هو أصل الوقف؟

من جهة اللغة

إن أصل الشيء هو أساسه ووجوده وإن ما عدا الأصل هو فروع الشيء تتفرع من الأصل.

من جهة القانون

إن أصل الوقف هو عبارة عن الأركان الجوهرية التي يُبنَى عليها إنشاء الوقف وتكوينه أو بعبارة أخرى هو كل ما يكون أركان وجوده وشرائط صحته وما عدا ذلك من مسائل الوقف فهو فروع عن وجود الأصل، لذلك أجمع الفقهاء على أن الوقف يمكن أن يكون له وجود بدون الشرائط وأما الشرائط فلا يمكن أن يكون لها وجود إلا إذا ثبت وجود أصل الوقف.
ولقد رأى الشارع أن الحكم في أصل الوقف يحتاج إلى معلومات شرعية خاصة ومراجعات طويلة في كتب الشرع والقياس على فتاوى فقهائه.
فالقاضي الشرعي هو الذي يستطيع أن يعرف إذا كانت الصيغة التي استعملها المنشئ في إنشاء وقفه تدخل في الألفاظ الخاصة التي ينعقد بها الوقف وهو الذي يستطيع بعد مراجعة كتب الفقهاء وتحكيم سوابق الشرع هل هذه الصيغة مقترنة أو غير مقترنة بما لا يجعل الوقف ينعقد.
والقاضي الشرعي هو الذي يعرف أن يحكم في أهلية الواقف الخاصة، وهو الذي يعرف إذ كان المال الموقوف يصح وقفه شرعًا أو لا يصح كل ذلك تطبيقًا لقواعد الشرع.
فالنظر إذن في أصل الوقف يحتاج إلى قضاة درسوا دراسة شرعية مكينة، وهذا الأمر لا يتوفر وجوده دائمًا لدى القضاة الأهليين لذلك استثنى الشارع أصل الوقف من اختصاصهم.
ويظهر مراد الشارع بوضوح تام:
أولاً: بما جاء في النص الموجود في النسخة الفرنسية من لائحة ترتيب المحاكم وهو ينطق بأن المراد من أصل الوقف إنما هو صحة أركانه وانعقاده.
ثانيًا: بما جاء في المادة (15) من لائحة المحاكم الشرعية الصادر بها الأمر العالي المؤرخ 17 يونيه سنة 1880 فإن هذه المادة عند كلامها على كيفية قسمة الاستحقاق والعمل بشروط الوقف فرقت بين أصل الوقف من جهة وبين الاستحقاق والشروط من جهة أخرى فجاء فيها ما نصه:
(إذا حصل تنازع في استحقاق وقف بين مستحقيه وكان أصل الوقف ثابتًا لا نزاع فيه وكان لهذا الوقف كتاب مسجل).
فاللائحة الشرعية التي كان العمل جاريًا عليها وقت وضع لائحة المحاكم الأهلية عبر فيها الشارع عن أصل الوقف بشيء غير الشروط والاستحقاق.
ثالثًا: أحكام الشريعة الإسلامية في تعريف أصل الوقف فقد جاء في المادة (567) من قانون العدل والإنصاف للمرحوم قدري باشا:
(إن كل ما تعلقت به صحة الوقف من شرائط المالك ونحوها يتوقف عليه صحة العقد فهو من أصله).
وجاء في كتاب محمد بك زيد في الوقف صحيفة (135):
(وأصل الوقف هو كل ما توقفت عليه صحته فإذا شهد اثنان بأن هذه الأرض وقف ولكنهما قالا لم نعاين ذلك بل اشتهر عندنا أو سمعنا من الناس قبلت شهادتهما على الراجح وحكم بوقفيتها ولو شهدا بالتسامع على شرائط الوقف التي يشترطها الواقف في الوقفية من تخصيص الغلة وكيفية صرفها لم تقبل هذه الشهادة).
وجاء في نفس هذا المؤلف صحيفة (11):
(لو كان الشرط غير مؤثر على أصل الوقف ولا على المنفعة كما إذا اشترط أنه يبدأ من ريع الوقف بقضاء دينه صح كل من الوقف والشرط اتفاقًا).
وجاء في صحيفة (193) من مؤلف في الوقف للشيخ عبد الجليل عبد الرحمن عشوب:
(أصل الوقف عند الفقهاء كل ما تتوقف عليه صحته من شروط في الصيغة أو في الواقف أو الموقوف أو الجهة الموقوف عليها، والمراد بشرائط الوقف ما عدا ذلك من كل ما يشتمل عليه كتاب الوقف من الشروط التي يشترطها الواقف في الولاية على وقفه أو صرف غلتها).
وجاء في الجزء الثالث صحيفة (415) الطبعة الثالثة من (رد المحتار على الدر المختار لابن عابدين):
(كل ما يتعلق بصحة الوقف ويتوقف عليه فهو من أصله وما لا يتوقف عليه فهو من الشرائط).
وفي الفتاوى الهندية الجزء الثاني صحيفة (345):
(الشهادة على الوقف بالشهرة تجوز وعلى شرائطه لا، ومعنى قول المشائخ لا تقبل الشهادة على شرائطه أنه بعد ما بينوا الجهة وقالوا هذا وقف على كذا لا ينبغي لهم أن يشهدوا أنه يبدأ من غلته فيصرف إلى كذا ثم إلى كذا ولو ذكروا ذلك لا تقبل شهادتهم).
فيؤخذ من هذا أن الشرط شيء وأصل الوقف شيء آخر.
رابعًا: قضاء المحاكم في هذا الصدد:
( أ ) جاء في حكم استئنافي صادر في 6 مارس سنة 94 منشور بمجموعة الحقوق السنة التاسعة صحيفة (62) ما يأتي: (نص المادة (16) إنما يقصد به منع المحاكم الأهلية من نظر المنازعات التي يتراءى لها أنها تمس أصل الوقف لا منعها من نظر المسائل الحسابية والاستحقاق وكل ما كان منصوصًا عنه بعبارة صريحة في كتاب الوقف).
(ب) وجاء في حكم استئنافي صادر في 20 يناير سنة 98 منشور بالحقوق سنة 12 صـ 49 (قرر علماء الحنفية أن كل ما يتعلق بصحة الوقف ويتوقف عليه فهو من أصله كأهلية الواقف للتبرع ونحوها وما لا يكون كذلك فليس منه كمسائل اشتراط النظر والتغيير والتبديل والإخراج والإدخال وغيرها من الشرائط التي يشترطها الواقف في كتاب وقفه وتختص المحاكم الأهلية بنظر المنازعات الواقعة فيه).
(جـ) وجاء في حكم استئنافي صادر في 22 فبراير سنة 1906 (تختص المحاكم الأهلية بالمنازعات الخاصة بالأوقاف ولا يستثنى من ذلك سوى ما كان فيها خاصًا بأصل الوقف والمراد بأصل الوقف الأركان الجوهرية التي ينبني عليها إنشاء الوقف وتكوينه، وبعبارة أخرى أن كل ما يتوقف عليه الوقف فهو من أصله وما لا يتوقف عليه فهو من الشرائط).
(د) وجاء في حكم استئنافي صادر في 12 يونيه سنة 1915 (أن ما جاء المادة (16) من إخراج المنازعات المتعلقة بأصل الوقف من اختصاص المحاكم الأهلية العام إنما يقصد به المسائل التي لها مساس بأصل وجود الوقف ذاته وعليه فمتى لم يكن النزاع متعلقًا بأصل أو صحة الوقف فكافة المنازعات التي تقع على أي شرط من شروطه التي لا يكون لوجودها أو عدم وجودها تأثير على الوقف نفسه بل مجرد تغيير في كيفيته إنما هي من اختصاص المحاكم الأهلية العام الاعتيادي).
ومما يجب ملاحظته أنه لا يمكن الرجوع إلى أحكام المحاكم المختلطة لأن لائحتها خالية من هذا التخصيص الموجود في لائحة ترتيب المحاكم الأهلية.


الطعن 13928 لسنة 80 ق جلسة 13 / 2 / 2014 مكتب فني 65 ق 43 ص 255

جلسة 13 من فبراير سنة 2014

برئاسة السيد القاضي/ مصطفى جمال الدين نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة القضاة/ يحيى الجندي، أحمد داود، علي عبد المنعم ووائل داود نواب رئيس المحكمة.

-----------

(43)

الطعن 13928 لسنة 80 ق

(1 - 3) عمل "سكن إداري: إساءة استعمال السكن الإداري". حكم "عيوب التدليل: مخالفة الثابت بالأوراق: الفساد في الاستدلال: القصور المبطل: الخطأ في تطبيق القانون".
(1) شاغل الوحدة السكنية بالشركة المصرية لنقل الكهرباء. وجوب إقامته فيها بصفة دائمة وتحليه بالاستقامة في السلوك ومراعاة قواعد الآداب العامة وحسن الجوار والزمالة. خروجه عن ذلك. إلغاء الوحدة السكنية ومساءلة العامل إداريا دون حاجة للجوء للقضاء. المواد 3، 10، 15، 16 من قواعد إسكان العاملين بالشركة المصرية لنقل الكهرباء.

(2) مخالفة الثابت بالأوراق التي تبطل الحكم. ماهيتها. تحريف محكمة الموضوع للثابت ماديا في بعض المستندات أو ابتناء الحكم على فهم خاطئ حصلته المحكمة مخالفا لما هو ثابت بأوراق الدعوى.

(3) قضاء الحكم المطعون فيه بإلغاء قرار مجازاة المطعون ضده وسحب الوحدة السكنية منه استنادا لعدم وجود فعل إيجابي أو سلبي نسب إليه رغم ثبوت تركه مفتاح المسكن يتداول بين الشباب لممارسة الأعمال المخلة بالآداب فيه. استخلاص غير سائغ لابتنائه على فهم خاطئ حصلته المحكمة للواقع في الدعوى. أثره. فساد في الاستدلال وقصور وخطأ.

-----------

1 - إن مفاد النصر في المواد 3، 10، 15، 16 من قواعد إسكان العاملين بالشركة التابعة لكهرباء مصر أنه يجب على شاغلي الوحدة السكنية التابعة للشركة الطاعنة أن يقيم فيها بصفة دائمة وأن يتحلى بالاستقامة في السلوك ونقاء السمعة والبعد عن مواطن الشبهات بمراعاة قواعد الآداب العامة وحسن الجوار والزمالة، وإذا ثبتت مساهمته بفعل إيجابي أو سلبي محدد يخرج فيه عن هذه القواعد يعرض على اللجنة المشكلة وفق المادة 3 من لائحة إسكان العاملين بالشركة الطاعنة لعرض الأمر على السلطة المختصة لإلغاء الوحدة السكنية ومساءلة العامل إداريا دون حاجة إلى اللجوء إلى القضاء.

2 - المقرر - في قضاء محكمة النقض - أن مخالفة الثابت بالأوراق التي تبطل الحكم هي تحريف محكمة الموضوع للثابت ماديا ببعض المستندات أو ابتناء الحكم على فهم حصلته المحكمة مخالفا لما هو ثابت بأوراق الدعوى.

3 - إذ كان الحكم المطعون فيه قد انتهى إلى تأييد الحكم الابتدائي فيما قضى به من إلغاء القرار رقم 716/ 2007 فيما تضمنه من مجازاة المطعون ضده بخصم خمسة أيام من راتبه وسحب الوحدة السكنية ... تأسيسا على أنه لا يوجد فعل إيجابي أو سلبي يمكن نسبته إليه وصعوبة الوصول إلى شخص المتسبب في وقوع الواقعة محل التحقيق بما يكون معه قرار مجازاته استنادا إلى تلك الواقعة قد جاء مشوبا بالتعسف في استعمال الحق، وكان هذا الاستخلاص من الحكم غير سائغ لابتنائه على فهم حصلته المحكمة على فهم خاطئ للواقع في الدعوى ومخالفا للثابت بأوراق الدعوى خاصة تحقيقات الإدارة القانونية من أن السكن الإداري مسلم للمطعون ضده في عام 1984 وأنه لا يقيم فيه بصفة دائمة ويتردد عليه من وقت لآخر وأنه ترك مفتاح السكن يتداول بين الشباب يمارسون فيه الأعمال المخلة بالآداب دون أن يبرر ذلك بسبب مقبول لاسيما وأنه قد تم ضبط فتاة شبه عارية داخل هذا السكن وتمكنت من الهرب هي وشابان بصحبتها في وجود المطعون ضده وزملائه وحدثت هذه الواقعة من قبل في ذات السكن دون أن يتخذ المطعون ضده أي إجراء لمنع تكرارها حفاظا على سمعته وسمعة عائلات القاطنين معه، وقد طالب زملاؤه في التحقيقات جهة الإدارة باتخاذ الإجراءات حيال المساكن الغير المستغلة من العمال وتستخدم في الأعمال المنافية للآداب مما يسئ إليهم، ومن ثم يكون قرار الجزاء الموقع عليه قد صدر من الطاعنة متفقا ولوائحها ووفق صحيح القانون بما يصم الحكم المطعون فيه بعدم السلامة في الاستنباط ويكشف عن عدم استيعاب المحكمة بحقيقة الواقع وهي أن عدم إقامة المطعون ضده بالوحدة السكنية المخصصة له بصفة دائمة السبب الرئيسي في الجزاء الموقع عليه، ومن ثم يكون قد شابه الفساد في الاستدلال والقصور المبطل الذي جره إلى الخطأ في تطبيق القانون.

-----------

الوقائع

وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن المطعون ضده أقام الدعوى رقم ... لسنة 2007 عمال أسيوط الابتدائية على الطاعنة - الشركة ... لنقل الكهرباء - بطلب الحكم بإلغاء القرار رقم 716 لسنة 2007 المؤرخ 10/ 11/ 2007 فيما تضمنه من مجازاته بخصم خمسة أيام من راتبه وسحب الوحدة السكنية رقم (...) بالعمارة رقم (...) بمساكن محطة الكهرباء بحي الأربعين بأسيوط مع كافة ما يترتب على ذلك من آثار، وقال بيانا لها إنه من العاملين لدى الطاعنة ومخصص له ولأسرته الوحدة السكنية سالفة الذكر وأنه أثناء سفره إلى قريته قام جيرانه وزملاؤه في العمل بضبط أحد الأشخاص وبرفقته فتاة داخل وحدته السكنية في وضع مخل بالآداب فتم تحويله إلى التحقيق الإداري، وإذ أصدرت الطاعنة القرار المنوه عنه سلفا بمجازاته بخصم خمسة أيام من راتبه وسحب الوحدة السكنية المخصصة له ولأسرته فقد أقام الدعوى بطلباته سالفة البيان. ندبت المحكمة خبيرا، وبعد أن قدم تقريره قضت بتاريخ 26/ 2/ 2009 بإلغاء القرار رقم 716 لسنة 2007 والمؤرخ 10/ 11/ 2007 والصادر من الطاعنة في شقيه. استأنفت الطاعنة هذا الحكم لدى محكمة استئناف أسيوط بالاستئناف رقم ... لسنة 84 ق، وبتاريخ 9/ 6/ 2010 حكمت المحكمة بتأييد الحكم المستأنف. طعنت الطاعنة في هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي بنقضه، وإذ عرض الطعن على المحكمة - في غرفة مشورة - حددت جلسة لنظره، وفيها التزمت النيابة رأيها.

-------------

المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد القاضي المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن مما تنعاه الطاعنة على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والفساد في الاستدلال والقصور في التسبيب، إذ استند في قضائه بإلغاء قرار الجزاء بشقيه إلى أنه لا يوجد فعل إيجابي أو سلبي يمكن نسبته للمطعون ضده وثبت بالتحقيقات عدم تواجده بسكنه الإداري وقت حدوث الواقعة محل التحقيق وعدم معرفته بتفاصيلها إلا بعد إخباره بها وانتفاء الصلة بينه وبين من تم ضبطهم بالسكن ورتب على ذلك أن الجزاء الموقع عليه مشوب بالتعسف في استعمال الحق، حال أن قرار الجزاء قد صدر متفقا ولوائحها خاصة نص المادتين 15، 16 من لائحة سكان العاملين بها - والواجبة التطبيق على النزاع الماثل - لا سيما وأنه قد ثبت تكرار واقعة اصطحاب بعض الشباب لفتاة داخل السكن نتيجة عدم إقامة المطعون ضده به لفترات طويلة، بما يعيبه ويستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي في محله، ذلك أن النص في المادة 3 من قواعد إسكان العاملين بالشركة التابعة لكهرباء مصر - الواجبة التطبيق على واقعة النزاع - على أن "يشكل بقرار من السلطة المختصة لجنة للإسكان يكون من بين أعضائها ممثلا للشئون القانونية وآخر من اللجنة النقابية، وتجتمع اللجنة بدعوة من رئيسها أو السلطة المختصة كلما دعت الضرورة إلى ذلك وتختص اللجنة بما يلى ... 5- مراقبة تنفيذ أحكام هذه القواعد وعليها في حالة ثبوت أية مخالفة أن ترفع الأمر للسلطة المختصة. 6- اتخاذ القرارات التنفيذية سواء لإشغال الوحدات السكنية أو إخلائها أو استردادها". والنص في المادة 10 منها على أنه "يجب على العامل شاغل الوحدة السكنية التابعة للشركة مراعاة الآتي: ... ثانيا: قواعد الآداب العامة وحسن الجوار والزمالة". وفي المادة 15 منها على أن "كل عامل تخصص له وحدة سكنية ويثبت أنه لا يقيم فيها بصفة دائمة سواء كان بسبب وجود سكن خاص أو لأي سبب آخر تعرض حالته على لجنة الإسكان ولها أن تقرر سحبها وتخصيصها لمن يليه في ترتيب الأولوية". وفي المادة 16 منها على أنه "في حالة مخالفة العامل هذه القواعد يحق للسلطة المختصة دون اللجوء للقضاء أن تلغى الوحدة السكنية مع مسائلته إداريا"، مفاده أنه يجب على شاغل الوحدة السكنية التابعة للشركة الطاعنة أن يقيم فيها بصفة دائمة وأن يتحلى بالاستقامة في السلوك ونقاء السمعة والبعد عن مواطن الشبهات بمراعاة قواعد الآداب العامة وحسن الجوار والزمالة، وإذا ثبت مساهمته بفعل إيجابي أو سلبي محدد يخرج فيه عن هذه القواعد يعرض على اللجنة المشكلة وفق المادة 3 من لائحة إسكان العاملين بالشركة الطاعنة لعرض الأمر على السلطة المختصة لإلغاء الوحدة السكنية ومساءلة العامل إداريا دون حاجة إلى اللجوء إلى القضاء. لما كان ذلك، وكان من المقرر - في قضاء هذه المحكمة - أن مخالفة الثابت بالأوراق التي تبطل الحكم هي تحريف محكمة الموضوع للثابت ماديا ببعض المستندات أو ابتناء الحكم على فهم حصلته المحكمة مخالفا لما هو ثابت بأوراق الدعوى، وكان الحكم المطعون فيه قد انتهى إلى تأييد الحكم الابتدائي فيما قضى به من إلغاء القرار رقم 716/ 2007 فيما تضمنه من مجازاة المطعون ضده بخصم خمسة أيام من راتبه وسحب الوحدة السكنية ... تأسيسا على أنه لا يوجد فعل إيجابي أو سلبي يمكن نسبته إليه وصعوبة الوصول إلى شخص المتسبب في وقوع الواقعة محل التحقيق بما يكون معه قرار مجازاته استنادا إلى تلك الواقعة قد جاء مشوبا بالتعسف في استعمال الحق، وكان هذا الاستخلاص من الحكم غير سائغ لابتنائه على فهم حصلته المحكمة على فهم خاطئ للواقع في الدعوى ومخالفا للثابت بأوراق الدعوى خاصة تحقيقات الإدارة القانونية من أن السكن الإداري مسلم للمطعون ضده في عام 1984 وأنه لا يقيم فيه بصفة دائمة ويتردد عليه من وقت لآخر وأنه ترك مفتاح السكن يتداول بين الشباب يمارسون فيه الأعمال المخلة بالآداب دون أن يبرر ذلك بسبب مقبول سيما وأنه قد تم ضبط فتاة شبه عارية داخل هذا السكن وتمكنت من الهرب هي وشابان بصحبتها في وجود المطعون ضده وزملائه وحدثت هذه الواقعة من قبل في ذات السكن دون أن يتخذ المطعون ضده أي إجراء لمنع تكرارها حفاظا على سمعته وسمعة عائلات القاطنين معه، وقد طالب زملاؤه في التحقيقات جهة الإدارة باتخاذ الإجراءات حيال المساكن غير المستغلة من العمال وتستخدم في الأعمال المنافية للآداب مما يسئ إليهم، ومن ثم يكون قرار الجزاء الموقع عليه قد صدر من الطاعنة متفقا ولوائحها ووفق صحيح القانون بما يصم الحكم المطعون فيه بعدم السلامة في الاستنباط ويكشف عن عدم استيعاب المحكمة بحقيقة الواقع وهي أن عدم إقامة المطعون ضده بالوحدة السكنية المخصصة له بصفة دائمة السبب الرئيسي في الجزاء الموقع عليه، ومن ثم يكون قد شابه الفساد في الاستدلال والقصور المبطل الذي جره إلى الخطأ في تطبيق القانون، وهو ما يعيبه ويوجب نقضه لهذا السبب دون حاجة لبحث باقي أوجه الطعن.
وحيث إن الموضوع صالح للفصل فيه، ولما تقدم، يتعين القضاء في موضوع الاستئناف رقم ... لسنة 84 ق أسيوط بإلغاء الحكم المستأنف ورفض الدعوى.