الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 2 ديسمبر 2021

أعمال معهد القانون الدولي بمدينة الهاي في شهر أغسطس سنة 1926 محمد عبد المنعم رياض

مجلة المحاماة - السنة السابعة
العدد الثالث - عدد ديسمبر سنة 1926

أعمال معهد القانون الدولي بمدينة الهاي في شهر أغسطس سنة 1926
Académie de droit international, Palais de la Paix. La Haye

كلفت من وزارة الحربية بحضور المحاضرات التي تلقى في معهد القانون الدولي بقصر السلام بمدينة الهاي بهولندا في الدورة الثانية التي تبدأ من يوم 2 أغسطس سنة 1926، وتنتهي في 28 منه - وقبل أن أبين ملخص هذه المحاضرات يجدر بي أن أذكر شيئًا عن هذا المعهد ونظامه ونظام جمعية المستمعين الملحقة به.
تأسس بقصر السلام بالهاي معهد أو أكاديمي للقانون الدولي

Académie de droit international de la Haye.

والغرض من إنشائه هو إجراء أبحاث في المسائل الدولية وإلقاء محاضرات في مواد القانون الدولي يشترك فيها بعض العلماء ورجال السياسة الدولية من مختلف البلاد، وقد ألحق بهذا المعهد جمعية تضم مستمعي هذه المحاضرات - أسست في 26 يولية سنة 1923 باسم جمعية المستمعين الحاليين والسابقين بمعهد القانون الدولي بالهاي

Association des auditeurs et anciens auditeurs de deoit international de la Haye.

وقد ذكر في المادة الثانية من قانون تأسيس هذه الجمعية أن الغرض منها هو:
أولاً: توطيد العلاقات الأدبية بين مستمعي معهد القانون الدولي السابقين والحاليين وترقية روح الارتباط الدولي.
ثانيًا: تسهيل سبل الإقامة على المستمعين بمدينة الهاي.
ولهذه الجمعية مكتب ومجلس، والمكتب مكون من خمسة أعضاء رئيس ووكيل وعضوان ينتخبهم المجلس في كل عام وسكرتير مكلف بأمانة الصندوق ينتخبه المجلس لمدة ثلاث سنوات، ويشترط أن يكون هولانديًا لكي يضمن استمرار العمل في الجمعية - والمجلس مكون من أعضاء تنتخبهم المجاميع القومية للمستمعين أي أن كل فريق من الأعضاء ينتمي لجنسية واحدة ينتخب عضوًا يمثله في المجلس، ويجب أن يجتمع المجلس مرة على الأقل في كل دورة من دورتي الاجتماع السنوي للمعهد كما تجتمع الجمعية العمومية لجميع أعضاء المعهد مرة أيضًا على الأقل في كل دورة.
وتلقى المحاضرات بهذا المعهد على دورتين الأولى في شهر يوليو عادةً والثانية في شهر أغسطس أو حوالي هذا التاريخ وتتساوى محاضرات الدورتين في العدد والأهمية ولو أنها تختلف في المواد.
وقد رأت الحكومة الهولندية تسهيلاً للحضور بمدينة الهاي لسماع هذه المحاضرات أن تجعل التأشير مجانًا على جوازات السفر لهولندا كما أنها قررت منح إعانة لخمسة أشخاص مساعدة لهم على الإقامة بالهاي لسماع المحاضرات على أن تكون الإعانة المخصصة لكل شخص (400 فلورين) أي ما يوازي 32 جنيهًا مصريًا تقريبًا كما أن المعهد نفسه تبرع في سنة 1926 بخمس إعانات أخرى بالقيمة المذكورة وقامت بعض المعاهد الخصوصية في بلاد أخرى بمنح إعانات مماثلة ليتمكن بعض الأفراد من الإقامة في مدينة الهاي، ومن ذلك المعهد العلمي الدانمركي ومعهد كوبا كما أوفدت بعض الحكومات على نفقتها بعض رجالها القانونيين لحضور هذه المحاضرات وساعدت المعهد بصفة رسمية، ومن أمثال هذه الدول ألمانيا وبلغاريا والصين والدانمرك ومدينة دانترج واليونان والنرويج وبولونيا وسيام وتركيا وقد وضع نظام لبيان الشروط التي يلزم توفرها لإمكان الحصول على إعانة الحكومة الهولندية أو على إعانة المعهد الدولي بالهاي، وهي تتخلص في أن طلاب هذه الإعانة يجب أن يقدموا طلباتهم قبل 20 إبريل من كل سنة لرئيس مجلس المعهد président du Curatorium
ويبينوا في الطلب أسماءهم وألقابهم وجنسيتهم ومحل ميلادهم والمؤهلات التي يستندون عليها للحصول على الإعانة ويرسلون نسخًا من الأبحاث العلمية التي نشروها ليطلع عليها المجلس، وبعد أن يبحث المجلس في هذه الطلبات ويحققها يبعث بقراره إلى أربابها قبل 15 يونية من كل عام - ولا تمنح إعانة لأكثر من شخص واحد في كل دولة في السنة الواحدة كما أن إعانات الحكومة الهولندية لا تمنح للهولنديين لما يتمتعون به من ميزة الوجود في أرض وطنهم فلا يشعرون بالغلاء الفاحش الذي يشعر به الأجانب.
وهناك نظام أيضًا للمواظبة على حضور المحاضرات يتلخص في أن المحاضرات التي تلقى في المعهد تنقسم قسمين قسمًا إجباريًا وقسمًا اختياريًا فالقسم الأول يتعلق بالمواد الآتية:
1 - بحث التطور التاريخي للقانون الدولي العام.
2 - بحث في مبادئ القانون الدولي العام.
3 - بحث في مبادئ القانون الدولي الخاص.
وما عدا ذلك من المحاضرات يعتبر من القسم الاختياري.
ويمكن لكل مستمع أن يحصل على شهادة بالمواظبة Certificat d’assiduité إذا حضر بانتظام جميع المحاضرات الإجبارية لإحدى الدورتين أو كلتيهما وحضر فوق ذلك محاضرات أربع أبحاث من المواد الاختيارية.
ولقد تقدم هذا المعهد تقدمًا كبيرًا وكان يزيد عدد المستمعين في كل سنة عن الأخرى حتى وصل عددهم من سنة 1925 إلى 380 وزاد كثيرًا هذا العالم أيضًا - وقد منحت بعض امتيازات للمستمعين في أثناء إقامتهم بالهاي، فسمح لهم بالدخول مجانًا في بعض النوادي الهولندية العالية وبشيء من التخفيض في أجور بعض الفنادق كما أعطى لهم الحق في استعارة كتب من مكتبة قصر السلام وفي المطالعة بداخلها وهذه المكتبة تعد من أكمل مكاتب العالم في القانون الدولي، إذ تحتوي على أكثر من 5500 مجلد في القانون الدولي العام والخاص وفي القوانين الدستورية والداخلية لبلاد متعددة وفي التاريخ والاقتصاد وغير ذلك.
هذا هو موجز عن النظام العام لمعهد القانون الدولي الذي أصبح الآن منبرًا عالميًا يجتمع حوله كثير من علماء القانون وتلقى فيه أحدث الآراء والمبادئ التي تساعد على توطيد السلم وتنمية العلاقات الدولية.

نظرة عامة في المحاضرات التي ألقيت
أثناء الدورة الثانية لمعهد القانون الدولي بالهاي

بدأت محاضرات هذه الدورة يوم الاثنين 2 أغسطس سنة 1926 الساعة التاسعة والنصف صباحًا، وكانت تلقى أربع محاضرات يوميًا ما عدا يومي السبت والأحد.
وقد بحثت المحاضرات التي ألقيت في مواضيع متنوعة وسأبين فيما يلي خلاصة عامة لهم ما جاء فيها.
1 - التطور التاريخي للقانون الدولي:
ألقي البارون م. دي تاوب M. de Taube M. le Baron الأستاذ بجامعة بطرسبرج سابقًا اثنتي عشرة محاضرة في التطور التاريخي للقانون الدولي في أوروبا الشرقية بحث فيها في تطور القانون الدولي في بيزنطة والعالم الإسلامي وبلاد أوروبا الشرقية، وقد ذكر في كلامه عن العالم الإسلامي أنه كان للعرب قواعد تشبه القواعد الحالية الدولية فكانوا يتبعون في حروبهم قواعد خاصة في معاملة الأسرى إذ كانوا يحسنون معاملتهم ويبتعدون عن إيذائهم وكان لهم في علاقاتهم التجارية مع البلاد الأجنبية طرق تتفق مع مبادئ الصدق والشرف - ثم تدرج إلى الكلام عن حالة روسيا الدولية وعلاقتها من القرن الحادي عشر إلى الآن مع البابا والدول الأخرى، وبحث في تطور روح السلام في أوروبا الشرقية من القرون الوسطى إلى أواخر القرن التاسع عشر حيث نادى قيصر الروس نيقولا الثاني بوجوب عقد مؤتمر دولي للسلام وقد عقد فعلاً أول مؤتمر على أثر ذلك في مدينة الهاي سنة 1899 - وقد ختم محاضراته بعبارات مؤثرة نادى فيها بوجوب توطيد دعائم السلم وناشد فيها الدول الكبيرة بأن تحترم حقوق الشرق ولا ترتكن على القوة لاغتصاب حقوق الأمم الضعيفة إذ للقوة حدود وينتهي أمرها عادةً بالزوال مثلها في ذلك مثل كرة ذهبية قيل في بعض القصص أنها عرضت على السيد المسيح وهو طفل وكان ذهبها مجموع من أنحاء مملكة الإسكندر أبان عظمته وجبروته فلما وقع نظر المسيح عليها استحالت إلى رماد - وقال الأستاذ المحاضر أن كل دولة تغتر بقوتها وتغتصب حقوق غيرها مآلها إلى الدمار، إذا لا بقاء للقوة أمام الحق وأضاف إلى ذلك أنه يجب أن تحترم حقوق الشرق الذي يعتقد أنه سيستعيد مجده.
2 - مبادئ القانون الدولي العام:
ألقيت المحاضرات التي تتعلق بمبادئ القانون الدولي بمعرفة الأستاذين - المسيو بول هلبورن M. Paul Heilbourn الأستاذ بجامعة برزلو Breslau، والمسيو هانس كلسن M. Hans Kelsen الأستاذ بجامعة فينا، ولقد تكلم الأول عن مصادر القانون الدولي ونطاقه وكيفية تفسيره وكيفية جمعه.

Codification du droit international

أما الثاني فتكلم على العلاقة بين القانون الدولي والقانون الداخلي فذكر أنه يرى أنهما يتحدان في الأصل ثم تكلم على العلاقة بين الدولة والقانون فقال إنه يرى أن الدولة ما هي إلا الرمز الممثل للقانون Personification du droit وشبهها في ذلك بالعلاقة بين الله والعالم فالله هو الممثل الأعلى للعالم، ثم تكلم على سيادة الدولة souveraineté والأركان اللازمة لتكوين الدولة وهي.
أولاً: قطعة من الأرض أي إقليم territoire فنفاذ القانون مقيد بحدود معينة ويدخل في نطاق القانون الدولي تعيين الحدود التي تسري في داخلها القوانين المختلفة.
ثانيًا: أما الركن الثاني لتكوين الدولة فهو وجود قوم يعيشون على قطعة الأرض وهم مجموع الأشخاص الذين يسري عليهم القانون ويرجع القانون الدولي أيضًا تعيين النطاق الذي يحدد صحة القانون من الوجهة الشخصية أي يحدد الأشخاص الذين يسري عليهم القانون.
ثالثًا: وهناك ركن ثالث للدولة وهو ضرورة وجود سلطة لها السيادة لا تخضع لسلطة أخرى وبعد أن أفاض في بحث هذه الأركان الثلاثة تكلم على السلطات الثلاث التي للدولة وهي التشريع والقضاء والإدارة Pouvoir législatif, Jndiciaire et Administratif وعارض الفكرة القائلة باستقلال كل من هذه السلطات وقال إنها عبارة عن درجات متتابعة تحدد كل منها الأخرى ثم ذكر في ختام محاضراته أن القانون الدولي والقانون الداخلي متحدان معًا ويكونان نظامًا عامًا واحدًا للقانون

Un système universel de droit

3 - مواد خاصة في القانون الدولي الخاص:
ألقى المسيو أوجين أودينبه أستاذ القانون الدولي الخاص بجامعة بواتيه Poitiers محاضرات في اختلاف القوانين في مسائل الزواج والطلاق فقارن بين الحالات التي يوجد فيها اختلاف بين القوانين في مسائل الزواج والطلاق كأن يعقد الزواج مثلاً في بلد أجنبي يشترط قانونه شروطًا أقسى من الشروط التي يتطلبها قانون بلد الزوجين الأصلي أو يقرر موانع للزواج لا توجد في القانون الأصلي للزوجين حسب جنسيتهما فيرى البعض في هذه الحالة أنه يجب أن يسري قانون البلد على كل من فيها من أجانب ووطنيين، أي أن الشروط والموانع تسري على الأجانب أيضًا ولو أنها لا توجد في قانونهم وهذا هو المذهب الإيطالي، وهناك رأى آخر أكثر اعتدالاً يفرق بين الموانع التي توضع لحماية الزوجين فقط ولا تمس الآداب أو النظام الاجتماعي كضرورة الحصول على إذن من الوالدين قبل عقد الزواج، ففي هذه الحالة يمكن تطبيق قانون الزوجين الأصلي - أما الحالة التي تكون فيها الموانع مبنية على أسباب اجتماعية أو أدبية كعدم عقد زواج مع وجود زواج سابق فهذه تعتبر من النظام العام الذي يجب أن يخضع له الجميع من أجانب ووطنين، ثم تكلم على الاختلافات بين القوانين من حيث شكل عقد الزواج وأبان الفرق بين البلاد التي تعتبر الزواج عقدًا مدنيًا فقط، وبذلك تستطيع أن تعترف بالزواج الذي يعقد في البلاد الأجنبية حسب شكل قانونها المحلي وبين البلاد الأخرى التي تعتبر الزواج عقدًا دينيًا، ولا تعترف بالزواج المدني الذي يعقد في غير بلادها، وهكذا أخذ يبحث في النزاعات التي تحدث عند تطبيق القوانين المحلية المتعلقة بالزواج والطلاق والتفريق البدني séparation de corps ، وقد تطرف في إحدى محاضراته وقرر أنه يرى أن الزواج الذي يعقد تحت نظام يبيح الطلاق من جانب واحد فقط هو زواج باطل بل يُعتبر نوعًا من الاجتماع الغير الشرعي union libre وأشار في ذلك إلى نظام السوفيت الذي يُبيح الطلاق من جانب واحد ولكنه لفت نظره أثناء المحاضرة إلى أن الشريعة الإسلامية تجيز الطلاق من جانب واحد فقال إنه يعبر عن رأيه الشخصي ويتكلم عن نظام الطلاق في روسيا البلشفية.
4 - القانون الإداري الدولي – النظام الدولي للموانئ:
ألقى الدكتور رودلف لاون Dr. Rudolf Laun الأستاذ في كلية الحقوق بهامبورج والقاضي بالمحكمة العليا بهامبورج ست محاضرات على النظام الدولي للموانئ، فبدأ بتعريف الموانئ بأنها هي الأمكنة المعدة لنقل الأشخاص والمتاجر من الأرض إلى الماء أو من الماء إلى الأرض أو من طريق نقل مائي إلى طريق مائي آخر.

On entend par ports des installations destinées à transborder les chargements de personnes ou de marchandises, tantôt de la terre ferme sur l’rau tantôt de l’eau sur la terre ferme, tantôt enfin d’un moyen de transport par eau sur un autre moyen de transport analogue.

وتدرج من ذلك إلى الكلام على المياه الإقليمية Eaux Territoriales، وهي المنطقة التي تمتد إلى ثلاثة أميال من شاطئ الدولة [(1)].
ثم تكلم على أنواع الموانئ المختلفة فقرر أن التقسيم الأساسي هو التقسيم بين الموانئ البحرية والموانئ الداخلية فالميناء البحرية Port de mer هي التي يمكن للسفن التي تعبر المحيط أن تصل إليها Un port accessible Aux navires qui traversent l’océan والميناء بالداخلية هي التي لا تصل إليها مثل هذه السفن، وبذلك يمكن أن توجد ميناء بحرية بالمعنى الجغرافي، ولكن تعتبر ميناء داخلية في عرف القانون الدولي وقد تحددت صفة هذه الموانئ في النظام الذي وضع في جنيف في 9 ديسمبر سنة 1922 - ثم تكلم على الموانئ البحرية وهي التي تصلح لأن تكون قاعدة حربية والموانئ التجارية واستتبع ذلك بحث التفرقة بين السفن التجارية والسفن البحرية أو ما يلحق بها من سفن الدولة التي يعتبرها القانون الدولي في حكم السفن البحرية وتكلم على الامتياز الذي تتمتع به السفن البحرية إذ تعتبر جزءًا من الدولة التي تحمل السفينة علمها ولاحظ أن هذا الامتياز لا يسري على السفن العادية التي تنقل الجيوش إلا إذا أدخلت ضمن قوة الدولة المسلحة Incorporé dans la force armée de l’état
وقد صدر بهذا المعنى حكم من محكمة استئناف لندرة في 27 فبراير سنة 1880، وبعد أن أفاض في المقارنة بين الأنظمة التي تتبع في زمن السلم والأنظمة الأخرى التي تتبع في أثناء الحرب تكلم على الموانئ الدولية والقنوات المفتوحة لجميع الدول وتطرق من ذلك إلى بحث حالة قناة السويس فقرر أنه يجب أن تبقى دولية، ولا يجوز لإحدى الدول أن تغير نظامها بدون اشتراك بقية الدول الأخرى التي عقدت معها اتفاقية القناة، ولقد تناقشت معه في هذا الموضوع فقال إنه يرى أن مصر نفسها لا تملك وحدها حق تغيير حالة القناة بدون رضاء بقية الدول الأخرى وأنه يرى أن كل مفاوضة متعلقة بالقناة يجب أن تشترك فيها جميع الدول التي اشتركت في الاتفاقية الأولى [(2)]، وقد ختم محاضراته ببحث حالة الموانئ الداخلية ونظام الملاحة فيها والاتفاقات الدولية المتعلقة بمثل هذه الموانئ مثل اتفاق برشلونة في 20 إبريل سنة 1920 الذي قرر نظامًا لطرق الملاحة الدولية ونظام نهر الألب ونهر الرين الذي قررته معاهدة فرساي.
5 - القانون الاقتصادي الدولي:
ألقى الأستاذان المسيو إدجار ميلهان M. Edgard Milhand أستاذ علم الاقتصاد السياسي بجامعة جنيف والأستاذ بنفنوتوجر تسيوتى M. Benvenuto Griziotti بجامعة بافيا بإيطاليا محاضرات في مسائل اقتصادية دولية فبحث أولهما كيفية التنظيم الاقتصادي وقت السلم وتكلم على وضع نظام اقتصادي واحد تشترك فيه جميع الدول أو بعبارة أخرى إيجاد اتحاد اقتصادي دولي وهيئة دائمة لبحث المسائل الاقتصادية الدولية وأخذ يبين في أكثر محاضراته الفوائد التي تعود من إيجاد هذا التعاون الدولي في المسائل الاقتصادية، أما الأستاذ الثاني فقد ألقى محاضرات في موضوع عملي يعتبر من المواضيع التي تهم القطر المصري وهو فرض الضرائب على الأجانب فقال إنه يرى من العدل أن تفرض ضرائب على الأجانب لأنهم يستفيدون من البلد الذي يقيمون فيه، ولكن يجب أن لا تصل الضرائب التي تفرض عليهم إلى حد الزيادة الجائرة excès d’imposition كما أنه يحسن الابتعاد عن فرض ضرائب متكررة أو مضاعفة أي لا تفرض ضرائب على أشياء يدفع عنها الأجنبي رسومًا أخرى في بلده الأصلي وإنما يجب أن تكون الضريبة متناسبة مع العنصرين الآتيين:
1 - مقدرة الممول على الدفع capacité contributive وهو عنصر شخصي.
2 - الفوائد التي يستمدها الممول les avantages tirés par le contribuable وهذا عنصر مادي élément objectif ثم تكلم على المؤتمرات التي عقدت لبحث مسائل الضرائب المختلفة وختم محاضراته باقتراح وضع نظام لفرض الضرائب تقبله جميع الدول مع إنشاء محكمة اقتصادية دولية Cour économique internationale لبحث النزاعات المتعلقة بالمسائل الاقتصادية وتقرير مبادئ تسير الدول عليها في مثل هذه المسائل.
6 - القانون الجنائي الدولي:
ألقى المسيو فسباسيان بيلا الأستاذ بكلية الحقوق بجامعة باسي برومانيا Mr. Vespasien Pella ست محاضرات على معاقبة القرصنة، فبدأ ببحث تاريخ القرصنة وبتقسيمها إلى نوع مطلق تشترك في مقاومته الدول ونوع خاص سياسي يوجه ضد الحكومة من بعض رعاياها الثائرين عليها فينهبون سفنها ولا تتداخل الدول الأجنبية في قمع هذه الأعمال الأخيرة التي تعتبر من المسائل الداخلية للدولة المعتدى عليها ثم تكلم بعد ذلك على أركان جريمة القرصنة وهي:
أولاً: وجود بعض أعمال القوة actes de violence
ثانيًا: عدم وجود تصريح من إحدى الدول بارتكاب هذه الأعمال.
ثالثًا: وجود نية السلب، فلا تعد أعمال القوة التي ترتكب في سبيل الانتقام مكونة لجريمة القرصنة.
رابعًا: وجوب ارتكاب أعمال القوة في مكان بعيد عن السلطة المطلقة لإحدى الدول وبشكل من شأنه جعل الأمن في هذا المكان في خطر، ثم تكلم بعد ذلك على العقوبات التي توقع على القرصان وعدم توحيدها في جميع الدول ومصادرة السفن والأدوات التي تستعمل في ارتكاب هذه الجريمة والإجراءات التي تتبع لمطاردة القرصان وأسرهم ومحاكمتهم أمام محاكم الدولة التابعة لها السفينة التي أسرت القرصان بشرط أن يكون في قانونها ما يعطي هذا الاختصاص لمحاكمها وختم محاضراته باقتراح وضع معاهدة بين جميع الدول المتمدينة تبين فيها الأركان المكون لجريمة القرصنة العامة وتتوحد فيها الإجراءات التي تتبع لاكتشاف هذه الجريمة ومحاكمة مرتكبيها [(3)].
7 - مسائل التحكيم وعصبة الأمم:
ألقى الأساتذة م. ماندلستام M. Mandelestam عضو معهد القانون الدولي والمدير السابق للإدارة القضائية بوزارة خارجية روسيا والمسيو مرسييه Mr. Mercier عضو المعهد الدولي والأستاذ بجامعة لوزان محاضرات على المصالحات الدولية والتحكيم وأعمال عصبة الأمم في ذلك، فألقى الأستاذ الأول محاضرات على التوسط ولجان التحكيم الدولية ونظام المصالحات في عهد عصبة الأمم وشرح بعض المنازعات التي فصل فيها مجلس العصبة مثل مسألة جزائر آلند والحالات التي عرضت على مجلس العصبة ومؤتمر السفراء كمسألة الحدود الألبانية والمسائل التي حولها مؤتمر السفراء لمجلس جمعية عصبة الأمم وفصل فيها هذا الأخير كمسألة سيليزيا العليا ثم تكلم على حالة قضى فيها مؤتمر السفراء مع أنها من اختصاص مجلس العصبة وهي النزاع الذي نشأ بين إيطاليا واليونان وختم محاضراته بالكلام على اختصاص الجمعية العمومية للعصبة ومعاهدات التصالح التي عقدت بعد عصبة الأمم مثل بروتوكول جنيف واتفاقات لوكارنو.
وتكلم الأستاذ مرسييه على التحكيم الدولي واختصاص محكمة العدل الدولية الدائمة وكان أكثر محاضراته منحصرة في إبداء ملاحظات عامة على نظام المحكمة فذكر مثلاً أن هذه المحكمة يجب أن تنظر في النزاع الذي يعرض عليها فإذا وجدت أنه لا يمكنها إصدار حكم فيه لعدم وجود قواعد قانونية مقبولة من الدول المتمدينة فلها أن تفصل في موضوع النزاع تبعًا لقواعد العدل والإنصاف d’après l’équité; ex aequo at bono إذا قبل الطرفان ذلك وهذا يُخالف المذهب الأمريكي الذي يرى أن المحكمة لا يجب أن تضع قواعد جديدة كما لا يمكن لطرفي النزاع أن يعطيا للمحكمة هذا الحق لأنها ليست محكمة تحكيم وإنما إذا وجدت محكمة العدل أنه لا توجد قاعدة قانونية لفحص النزاع المطروح أمامها فتحيل هذا النزاع على محكمة التحكيم، واقترح المحاضر وضع نظام تفصيلي للإجراءات التي تتبع أمام محكمة العدل كالدفوع والدعاوى الفرعية والتداخل والأحكام التمهيدية والتحضرية وطرق الإثبات وأسباب البطلان وطرق الطعن كالاستئناف والنقض وتنظيم محكمة عليا يطعن أمامها في قرار المحكمة الأولى ثم شرح الأنواع المختلفة للمنازعات التي تطرح على محكمة العدل وإمكان اختصاص هذه المحكمة بنظر نزاع سبق أن فصلت فيه المحاكم الداخلية في إحدى الدولتين المتنازعتين، وذلك طبقًا لما جاء في المادة الثالثة من معاهدة لوكارنو إذا نص في جميع اتفاقات لوكارنو أنه إذا حصل نزاع يدخل موضوعه في اختصاص المحاكم الداخلية لإحدى الدول المتنازعة طبقًا لتشريعها الخاص فلا يعرض هذا النزاع على محكمة تحكيم أو على محكمة العدل الدولية إلا بعد أن يصدر حكم حائز لقوة الشيء المحكوم فيه في مدة معقولة من الهيئة القضائية الداخلية المختصة.

S’il s’agit d’une contestation don’t l’objet, d’après la lègislation intèrieure de l’une des parties, relève de la com - pétence des tribunaux nationaux de celle - ci, le différend ne sera soumis à la procédure prévue par la présente convention qu’après jugement passé en force de chose jugée rendu, dans les délais raisonnables, par l’autorité judi - ciaire nationale compétente.

ثم بحث في عدم السماح للأفراد بالالتجاء لمحكمة العدل إذ لا يمثل أمامها إلا الدول ولكنه يرى أنه يمكن للدولة أن تمثل مصالح بعض أفرادها أمام محكمة العدل، وذكر في هذا الصدد قضية فصلت فيها محكمة العدل، كانت رفعت أمامها من حكومة اليونان بالنيابة عن أحد رعاياها المسمى مافروماتيس Mavromatis مطالبة الحكومة البريطانية بدفع تعويض له بسبب إلغائها الامتيازات التي كان حصل عليها في فلسطين من السلطة العثمانية في أثناء الحرب ولكن كانت هناك أقلية في المحكمة رأت عكس ذلك واعتبرت محكمة العدل غير مختصة بنظر مثل هذه الدعاوى، وبعد أن تكلم في المقارنة بين المنازعات القضائية التي يمكن حلها بناءً على قواعد قانونية موضوعية والمنازعات السياسية التي تحل عادةً بطريق التوفيق والمصالحة ختم محاضراته بذكر أمثلة عديدة مما تتبعه بلاده (سويسرا) في هذا الصدد.
8 - الامتيازات السياسية وحقوق السفراء ومن يلحق بهم:
ألقى السرسيسيل هرست Sir Cecil Hurts مستشار وزارة الخارجية البريطانية ست محاضرات على الحقوق والامتيازات السياسية، فبدأ كلامه ببحث تاريخي للسفارات الدائمة ثم تكلم على الأساس الذي بنيت عليه هذه الامتيازات للممثلين وهو تمكين الممثلين السياسيين ورجالهم من مباشرة أعمالهم، ثم قال إن واجب الدولة نحو الممثلين السياسيين ينحصر فيما يلي:
1 - منح الحماية اللازمة للمثلين السياسيين.
2 - الامتناع عن الأعمال التي تضربهم.
3 - منع الأفراد من القيام بأعمال تسبب لهم ضررًا.
4 - معاقبة الأفراد الذين يسببون بأعمالهم ضررًا للممثلين السياسيين - ومثل بحادثة مقتل فورسكي مندوب السوفيت وقت انعقاد مؤتمر لوزان - وقال بأن الحكومة السويسرية قررت بأنها لم تقصر في واجبها لأنها لم تكن تعلم بوجود ممثل رسمي للسوفيت حتى تتكفل بحمايته - ثم بحث فيما ينتج من عدم حماية أحد الممثلين السياسيين من احتجاج جميع ممثلي الدول كما حصل في سنة 1708 عندما اعتدى على ممثل قيصر روسيا في لندرة، ومن واجب الدولة أيضًا أن تمنع حصول أي عمل من أعمال السيادة في دور السفارات الأجنبية فلا يجوز مثلاً أن يقوم أحد المحضرين بإعلان ورقة قضائية في دار سفارة، وقد عوقب لذلك تأديبيًا أحد المحضرين في فرنسا، كما أن محكمة السين أظهرت دهشتها في قرار أصدرته في 21 يناير سنة 1875 من إعلان ورقة من أوراق المحضرين بدار سفارة.
وقد كان أيضًا من المحرم على الصحف أن تمس الممثلين السياسيين ولكن العرف جرى الآن على اعتراف الممثلين بحرية الصحافة وبان الدولة ليست مسؤولة عما تكتبه الصحف وأشار إلى بعض القوانين التي تنص على أن سب الممثلين السياسيين بواسطة الصحف عمل معاقب عليه كالقانون الفرنسي الصادر في سنة 1819 - [(4)]، ولكن لا يكون هناك محل لحماية الدولة للسفير إذا كان هو المتسبب بعمله في السب والاعتداء الذي يوجه إليه أو أتى عملاً يمس سيادة الدولة المعتمد فيها.
ولا يجوز للممثل السياسي أن يقتص لنفسه ممن اعتدى عليه بل عليه أن يبلغ حكومة الدولة المعتمد فيها فإذا لم تتخذ ما يجب من الإجراءات أمكن للممثل أن يلجأ لحكومته، ثم تكلم على أنواع الممثلين السياسيين وإعفائهم من القضاء الجنائي ومن القضاء المدني ثم بحث في ذلك في حق الإيواء Droit d’asile فقال بأنه لا يجب أن تستغل حرمة دار السفارة لحماية مجرم وأن استعمال حق الإيواء أصبح الآن غير شائع، على أن بعض دول أمريكا الجنوبية لا تزال تحترم هذا الحق وإنما تطالب بوجوب طرد المجرم بأقرب ما يمكن ولكن سينقضي استعمال حق الإيواء تدريجيًا بمرور الزمن - وقد كان هذا الحق شائعًا في العجم ويسمى بست Bast إذ كانت السفارات تأوي بعض المضطهدين وقد عقد اتفاق بين إيران وإنجلترا وبينها وبين الولايات المتحدة لإلغاء هذا الحق، وتدرج من بحث إيواء المجرمين بإحدى دور السفارات إلى حبس بعض الأفراد في دار سفارة بسبب آرائهم السياسية مثلاً وقال إن هذا الإجراء لا تسمح به عادةً الدولة التي توجد بها دار السفارة كما حدث مرة في إنجلترا عندما حبس أحد الصينيين في سفارة الصين بلندن فتداخلت الحكومة البريطانية حتى أخلى سبيله، وبحث في ختام محاضراته حالة امتيازات الممثلين السياسيين أثناء الحرب فقال بأن ممثلي الدولة المحاربة يجب أن ينسحبوا عند إعلان الحرب وإنما يمنحون أجلاً معقولاً للانسحاب ويتمتعون في مدى هذا الأجل بالحماية اللازمة وبكل ما يلزم لتسهيل الرحيل مع المحافظة على دار السفارة وما تحويه بعد رحيلهم.
9 - تحرير الوثائق السياسية غير المعاهدات:
ألقى المسيو بادفان M. Basdevant أستاذ القانون الدولي بجامعة باريس محاضرات في موضوع تحرير الوثائق السياسية غير المعاهدات فتكلم على أنواع هذه الوثائق وقارن بينها - ثم بحث في الوثائق الصادرة من جانب واحد والوثائق المتبادلة ووثائق انضمام دولة لمعاهدة معقودة بين دولة أخرى adhésion، وهذا الانضمام يجوز أن يتم بمعاهدة مستقلة كما كان النظام المتبع قديمًا أو بتبادل مذكرات الموافقة أو بإرسال قرار الانضمام لدولة معينة من الدول المشتركة في المعاهدة ومتى أجابت عليه بالقبول قام ذلك مقام قبول بقية الدول المشتركة فيها كما حصل في معاهدة جنيف التي عقدت سنة 1864 لتحسين حالة المرضى والجرحى في أثناء الحروب البرية إذ نص فيها على قيام مجلس الاتحاد السويسري مقام بقية الدول المشتركة في المعاهدة في قبول انضمام دول أخرى وفي هذه الطريقة تسهيل كثير ولكن فيها مضار أيضًا إذ يجوز أن يقبل مجلس الاتحاد انضمام دولة لم تعترف بها بعض الدول المشتركة في المعاهدة فيكون ذلك بمثابة اعتراف من هذه الدول ثم تكلم على الانضمام الصادر من جانب واحد Adhésion par déclartion unilatérale، كما حصل بالنسبة لاتفاقية باريس التي عقدت سنة 1856 وشرح بعد ذلك نظام الوثائق التي تمهد إتمام المعاهدات فتكلم على البروتوكول وأنواعه فالبروتوكول الخاص بتبادل التصديقات Protocole d’échange de ratifications هو عبارة عن محضر procès - verbal والبروتوكول النهائي Protocole de clôture يحتوي على اتفاقات تكميلية أو معدلة لما جاء في المعاهدة وينص فيه عادةً على وجوب التصديق عليه أسوة بالمعاهدة، وقد لاحظ أنه لم يتفق على أنواع البروتوكول وعلى معنى كل نوع فتطلق البروتوكول أيضًا على اتفاق بين مندوبين غير مفوضين تفويضًا تامًا ويحتاج اتفاقهم إلى اعتماد الحكومات المختصة كاتفاقات اللجان التي تكلف بتحديد التخوم وقد تصدر من جمعية الأمم قرارات باسم بروتوكول ولكنها تختلف عن القرارات التي تصدر من مؤتمر عادي في إنه في حالة جمعية الأمم تعتبر الآراء الصادرة من الأعضاء صحيحة ولو كانت مخالفة للتعليمات الصادرة من حكوماتهم كما أن هذه القرارات لا تكون خاضعة لضرورة التصديق عليها إذ لها قيمة في ذاتها وأخذ المحاضر في خلال محاضراته يحلل كثيرًا من الوثائق السياسية المهمة كالوثائق النهائية لمؤتمر لاهاي سنة 1899، وسنة 1907 ومؤتمر بروكسل سنة 1874 والمؤتمر الأمريكي سنة 1902 إلخ، وقد خصص نصف محاضراته لمناقشات متبادلة بينه وبين المستمعين وكان يطلب أحيانًا تحرير ديباجات بعض الوثائق أو تغييرها بشكل آخر أو تحويل اتفاق وارد في مذكرات متبادلة إلى معاهدة واحدة وقد اشتركت في هذه المناقشات والتحريرات ووجد الجميع فيها فائدة كبرى وتمرينًا عمليًا نافعًا.
هذا هو موجز ما ألقى من المحاضرات وقد توخيت في تلخيصها أن أترك بقدر الإمكان ما جاء في بعض المحاضرات من مسائل عادية توجد في الكتب المتداولة أو مواضيع معروفة لا تحتاج إلى شرح فلم أطل في تلخيص هذا النوع من المحاضرات بل اكتفيت بذكر النقط الهامة التي يمكن أن يتبين منها وجهة آراء المحاضر، ويتضح من هذا الموجز قيمة هذه المحاضرات من الوجهة العلمية لا سيما أن الأساتذة الذين ألقوها منتخبين من بين علماء القانون الدولي في العالم ولا تقتصر فائدة حضور هذه المحاضرات على الوجهة العلمية فقط بل فيها أيضًا فائدة اجتماعية كبرى لأن وسط المستمعين وسط راقٍ يضم كثيرين من رجال القانون بالبلاد المختلفة، فمنهم القضاة والمحامين وأساتذة القانون بالجامعات وغيرهم من المشتغلين بالمسائل القانونية ففي معرفتهم والاجتماع بهم فائدة كبرى وقد تعرفت بكثير منهم وحصلت منهم على معلومات شتى متعلقة ببلادهم وبأنظمتهم وأرسلت لهم في مقابل ذلك كتبًا تتعلق بالتشريع المصري وبالأنظمة المصرية ووجدت أنهم يهتمون كثيرًا بالمسائل والقوانين المصرية ويأملون أن تستعيد مصر مجدها القديم وتتبوأ مركزها بين الدول ولقد تفضل رئيس جمعية المستمعين فأشار بذكر مصر في الوليمة الختامية للمعهد فشكرته على ذلك باسم المصريين كما أنني قمت بالخطابة نيابةً عن المستمعين في الاجتماع الختامي للمحاضرات فرددت على خطاب الشكر والوداع الذي وجهه الأستاذ السر جميس برون سكوت رئيس مجلس الأكاديمي وأستاذ القانون بجامعة جورج تون بأمريكا ومندوب الولايات المتحدة بمؤتمر لاهاي سنة 1907، ومؤتمر الصلح بباريس سنة 1919 وشكرت رجال المعهد (الأكاديمي) في شخصه وأشخاص الأساتذة وقلت إن جمعية الأكاديمي هي في نظري جمعية أمم صغيرة وإنما على نظام أتم من نظام جمعية الأمم قي جنيف إذ ترأسها أمريكا (مشيرًا إلى السر جميس برون سكوت) بينما هي غائبة عن جنيف وكل الأعضاء فيها متساوون بل كلهم يتمتعون بكراسي دائمة وقد لاحظت على مجلس الأكاديمي أنه لم يبعث بدعوة لمصر لإيفاد أحد أساتذتها لإلقاء محاضرات على منبر قصر السلام لأن النظام المتبع أن يرسل مجلس الأكاديمي دعوات للبلاد المختلفة لإيفاد أساتذة يلقون محاضرات في مواد القانون الدولي فوعد السر جميس برون سكوت بإرسال دعوة لمصر في العام المقبل، وعلى ذلك انتهت الدورة العلمية لأكاديمي القانون الدولي بلاهاي لسنة 1926.
ولا يفوتني أن أذكر شكري الجزيل على المساعدة التي لقيتها من مفوضية مصر بلاهاي وخصوصًا من سعادة وزيرها أحمد موسى باشا وحضرة صاحب العزة الأستاذ الدكتور محمد كامل مرسي بك سكرتيرها فقد كان سعادة الوزير دائم الاتصال بالأكاديمي وحضر بعض المحاضرات كما أن حضرة سكرتيرها كان مستمرًا على حضور المحاضرات وكان أكبر مشجع ليّ على إتمام مهمتي.
وأنني أختم تقريري بأن اقترح أن توفد الحكومة كل عام بضعة أشخاص من رجال القانون لحضور اجتماعات الأكاديمي في كل من دورتيها العلميتين أسوة بما عملت الدول الأخرى، ويمكن أن يقتصر مبدئيًا على دفع مكافأة مالية لكل منهم تعادل المكافأة التي يدفعها مجلس الأكاديمي والتي ذكرتها آنفًا ويا حبذا لو عرض على بعض الأغنياء أن يهبوا مبالغ معينة يستعين بها بعض المصريين على الذهاب إلى مدينة الهاي لحضور المحاضرات ويمكن أن يشترط لنوالها نفس الشروط التي يشترطها مجلس الأكاديمي كما يمكن أن يترك اختيار الأشخاص لهذا المجلس كما هو الحال بالنسبة للمكافأة التي وضعتها الحكومة الهولندية أو يترك اختيارهم لوزارة المعارف أو للجامعة المصرية أو لوزارة الحقانية أو الخارجية - أما الفوائد العلمية الأدبية التي تنجم من حضور رجال القانون المصريين لهذه المحاضرات فعديدة إذ بذلك يتمكنون من الاتصال بالأوساط العلمية في البلاد الممثلة في جمعية الأكاديمي ويستفيدون من مناقشة العملاء والأساتذة في ذلك المعهد العلمي الهادئ فيعلمون دقائق الأنظمة المتبعة في البلاد المختلفة والنظريات والمبادئ القانونية الحديثة كما أن في ذلك أيضًا ما يساعد على نشر الدعوة لمصر ورفع اسمها في المجتمعات الدولية ويحسن أيضًا أن يقبل رجال القانون على حضور اجتماعات هذا المعهد أثناء زيارتهم لأوروبا بل ويشتركون في إلقاء بعض المحاضرات أيضًا لا سيما وأن لدينا الآن من أساتذة القانون وعلمائه من يضارعون علماء أوروبا في درجة الاطلاع وسعة العلم.

محمد عبد المنعم رياض
عضو مجلس معهد القانون الدولي بالهاي ومدرس
القانون الدولي بالمدرسة الحربية

[(1)] مسألة المياه الإقليمية من المسائل التي أثارت بحثًا كبيرًا بين علماء القانون الدولي، وقد فحصت أخيرًا بمعرفة لجنة الخبراء التي انتدبتها عصبة الأمم لجمع قواعد القانون الدولي ووضعها بشكل اتفاق يعرض على الدول - وكانت نتيجة ذلك أن وضع مشروع بالأحكام الآتية:
أولاً: صفة حقوق الدولة ذات الساحل البحري وموضوعها:
للدولة حق السيادة على منطقة المياه التي تتصل بساحلها ما دام هذا الحق لا يتعارض مع المبادئ العامة للقانون الدولي ومع حقوق المجتمع الدولي في الانتفاع ومع الحقوق الخاصة بإحدى الدول.
ثانيًا: مدى حقوق الدولة ذات الساحل البحري:
منطقه المياه الإقليمية تمتد إلى ثلاثة أميال بحرية (60 درجة عرض) - تقاس في حالة انخفاض الجزر وبطول كل السواحل، ويجوز للدول خارج منطقة السيادة أن تباشر حقوقًا إدارية ناشئة من العرف أو الضرورة القصوى وتدخل أيضًا حقوق الاختصاص اللازمة لحمايتها على أنه لا يمكن أن تتمتع الدولة بحقوق اقتصادية خاصة خارج المنطقة الإقليمية.
ثالثًا: الخلجان:
بالنسبة للخلجان التي تحيط بها أرض دولة واحدة يتبع البحر الإقليمي تعاريج الساحل إلا إذا أقيس البعد بين طرفي الخليج في الجزء الأقرب من فتحة البحر - وكان يبلغ عشرة آلاف ميل بحري عرضًا وهذا في حالة عدم وجود عرف مستمر وقديم مثبت لعرض أكبر من ذلك.
أما بالنسبة إلى الخلجان التي تحيط بها أراضي دولتين أو دول متعددة فيتبع البحر الإقليمي تعاريج الساحل.
رابعًا: الجزائر:
في حالة وجود جزائر طبيعية غير مغمورة بالمياه بصفة مستمرة وواقعة تجاه الساحل تقاس المنطقة الداخلية للبحر من هذه الجزائر إلا إذا كانت الجزائر بعيدة عن أرض القارة بمسافة تجعلها خارجة عن المنطقة البحرية الإقليمية ففي هذه الحالة يكون للجزيرة بحر إقليمي خاص بها.
وفي حالة وجود أرخبيل تعتبر الجزائر المكونة له كمجموع واحد ويعتبر البحر الإقليمي مبتدئًا من أبعد الجزائر عن وسط الأرخبيل.
خامسًا: المضايق:
يستمر العمل بمقتضى نظام المضايق الحالي المقرر في معاهدات خاصة - وفي حالة وجود مضايق تتبع سواحلها دولة واحدة يكون البحر إقليميًا حتى لو زاد البعد بين الساحلين على عشرة آلاف ميل بشرط أن لا يزيد كل مدخل للمضيق على هذه المسافة - وفي حالة المضايق التي لا يزيد البعد بين ساحليها على عشرة آلاف ميل وتدخل سواحلها في حدود دول متعددة تصل المنطقة الإقليمية فيها إلى وسط المضيق.
سادسًا: المرور الحر:
لكل السفن بدون أي تمييز حرية المرور في البحر الإقليمي على أن هذا الحق يرتبط بالنسبة للغواصات بواجب السير على سطح الماء - ويشمل حق المرور حق البقاء حسب ما يكون لازمًا للملاحة كما يشمل أيضًا حرية مرور الأشخاص والمتاجر دون دخولها أرض الإقليم الأجنبي.
سابعًا: الاختصاص:
سفن الأمم الأجنبية المارة في البحر الإقليمي لا تخضع بسبب ذلك الاختصاص المدني في الدولة المالكة للساحل - وكذلك تخرج من اختصاص هذه الدولة الجرائم التي ترتكب على ظهر سفينة أجنبية مارة في البحر الإقليمي من أشخاص على ظهرها وضد أشخاص أو أشياء على ظهرها أيضًا - وإنما يدخل في اختصاص الدولة المالكة للساحل الجرائم التي تتعدى نتائجها أو دائرة الأشخاص المشتركين فيها سطح السفينة بشرط أن تكون الأعمال المرتكبة معاقبًا عليها في قوانين هذه الدولة وتكون محاكمها مختصة بنظرها - ويعتبر في حكم الجرائم التي تتعدى نتائجها أو دائرة الأشخاص المشتركين فيها سطح السفينة كل جريمة تعكر السلام العام والنظام الحسن القائم في البحر الإقليمي.
ثامنًا: اللوائح:
للدولة المالكة للساحل أن تضع تشريعها وتباشر أعمال إدارتها بداخل البحر الإقليمي في كافة المسائل العامة مع مراعاة القيود التي يضعها هذا الاتفاق ولها أن تستعمل وسائل التهديد اللازمة لتجعل اختصاصها محترمًا ولكي تتمكن من مقاومة الجرائم - وللدولة المالكة للساحل أن تستمر في عرض البحر في مطاردة بدأتها في بحرها الإقليمي وتوقف وتحاكم السفينة التي ارتكبت جريمة في حدود مياهها وفي حالة أسر سفينة في عرض البحر يجب تبليغ ذلك إلى الدولة التي تحمل السفينة علمها وتنقطع المطاردة عندما تدخل السفينة في منطقة المياه الإقليمية لبلادها أو لدولة ثالثة كما أن حق المطاردة ينتهي بدخول السفينة في إحدى موانئ بلادها أو إحدى موانئ بلاد أخرى.
ولا تحصل رسوم من أي نوع عن الملاحة في البحر الإقليمي ما عدا الرسوم المخصصة لمصاريف المراقبة والإدارة وإنما يجب في تطبيق الرسوم والضرائب مراعاة قواعد المساواة ويعفى من دفع الرسوم كل السفن التي تدخل البحر الإقليمي بسبب القوة القاهرة أو بسبب كارثة.
تاسعًا: موارد الثروة:
للدولة المالكة الحق في أن تستولي على موارد الثروة في البحر الإقليمي وما يوجد منها في الأرض وتحت الأرض.
عاشرًا: يجوز للدولة المالكة للساحل أن تضع قواعد خاصة لتنظيم مرور السفن الحربية - وعلى السفن الحربية الأجنبية التي يسمح لها بدخول البحار الإقليمية أن تحترم القوانين واللوائح المحلية خصوصًا ما كان متعلقًا منها بالملاحة وبالمراسي وبالبوليس الصحي.
وفي حالة حصول مخالفة خطيرة مستمرة يطلب من قائد السفينة الحربية بعد إخطار ودي غير رسمي أن يخرج إلى البحر وقد يكره على ذلك عند الضرورة ويتبع مثل هذا الإجراء إذا رأت السلطة المحلية أن في وجود السفينة خطرًا على أمن الدولة على أن يراعى عدم الالتجاء لهذه الإجراءات الشديدة إلا بناء على أمر صادر من الحكومة المركزية للبلاد وفي حالة وقوع مخالفة بسيطة يلتجأ للطريق السياسي.
حادي عشر: الاختصاص بالنسبة للسفن التجارية الأجنبية في الموانئ البحرية: تخضع السفن التجارية الأجنبية الراسية في الموانئ البحرية بدون قيد للاختصاص المدني في الدولة المالكة للساحل، وكذلك لاختصاصها الولائي (أي غير القضائي) أما الاختصاص الجنائي للدولة المالكة للساحل فينحصر في الحالتين الآتيتين:
1 - لمعاقبة الجرائم التي تحصل على سطح السفينة إذا ارتكبت ضد أحد أفراد نوتيتها أو ضد أحد ركابها أو ممتلكاتهم.
2 - في حالة طلب ربان الباخرة مساعدة من سلطات الميناء أو إذا خشي حدوث ما يعكر السلام العام أو النظام الحسن في الميناء.
[(2)] الاتفاقية التي يشير إليها المحاضر هي التي عقدت في 29 أكتوبر سنة 1888 بين كل من ألمانيا والنمسا والمجر وإسبانيا وفرنسا وبريطانيا العظمى وإيطاليا وهولندا وروسيا وتركيا لتحديد النظام النهائي لقناة السويس، وهذه الاتفاقية تشتمل على مبدأين:
الأول: خاص بحرية استعمال القناة،
والثاني: خاص بحماية القناة حماية دولية، وقد جاء فيها أن القناة مفتوحة وقت الحرب ووقت السلم لكل السفن سواء أكانت تجارية أو حربية، محايدة أو محاربة على أن لا تتخذ إجراءات عدائية في القناة أو في البحر إلى مسافة ثلاثة أميال من كل طرف كذلك نص على أن مدخل القناة لا يقفل ولا يسمح للسفن الحربية لدول متحاربة أن تمكث في موانئ أي طرف من طرفي القناة أكثر من أربع وعشرين ساعة كما لا يجوز للمتحاربين إن ينزلوا جنودًا أو ذخائر حربية في القناة أو في موانئها وحفظ الحق لمصر وتركيا - بصفتها الدولة صاحبة السيادة في اتخاذ ما يلزم لحماية القناة عند الاعتداء عليها مع إحاطة ذلك الحق ببعض قيود - وقد ورد في هذه الاتفاقية أيضًا أن الدول المتعاقدة لا تسعى للحصول على منافع ممتازة أو خاصة في إقليم القناة وأن أحكام الاتفاقية تستمر سارية حتى بعد انتهاء عقد امتياز شركة القناة أي بعد سنة 1968 - على أنه بعد الحرب العظمى تنازلت بعض الدول عن حقوقها المبينة في هذه الاتفاقية فقبلت ألمانيا في المادة (152) من معاهدة فرساي والنمسا في المادة (107) من معاهدة سانجرمان والمجر في المادة (91) من معاهدة تريانون وتركيا في المادة (109) من معاهدة سيفر أن يتنازلوا عن حقوقهم في المعاهدة السالفة إلى بريطانيا العظمى، ولما عقدت معاهدة لوزان في 24 يولية سنة 923 لتحل محل معاهدة سيفر نص فيها على أن تنازل تركيا عن حقوقها في مصر والسودان يرجع إلى 5 نوفمبر سنة 1914 كما نص أيضًا على أن المسائل التي تنشأ من الاعتراف بالدولة المصرية ستحدد في اتفاقات خاصة بين الدول ذات الشأن.
وقد ورد في التحفظات التي تضمنها تصريح 28 فبراير سنة 1922 مسألة ضمان مواصلات الإمبراطورية البريطانية في مصر وهي تشمل طبعًا قناة السويس.
[(3)] مما يدل على أنه لا يزال يوجد بالبحار بعض القرصان الذين يتعرضون للمتاجر والأشخاص ما ورد في تلغرافات روتر بتاريخ 13 نوفمبر سنة 1926 من أنه (هاجمت فرقة من القرصان عددها 26 - الباخرة هانوا الفرنسية ما بين هينج وهنج كنج بالقرب من خليج بباس وقتلوا الحرس وسرقوا خمسين ألف دولار)،
وفي 17 نوفمبر سنة 1926 وردت أخبار أيضًا تفيد هجوم بعض القراصنة على سفن أخرى بين سنغافورة وهنج كونج.
وقد وضعت أخيرًا اللجنة المكلفة بتقنين قواعد القانون الدولي تحت إشراف عصبة الأمم مشروعًا يتضمن الأحكام الآتية:
المادة الأولى: القرصنة جريمة ترتكب في عرض البحر لحساب مرتكبيها وتتكون من أعمال نهب موجهة ضد الممتلكات أو أعمال قوة ضد الأشخاص على أنه لا يشترط أن ترتكب هذه الأعمال بغرض الانتفاع المادي ولكن الأعمال التي ترتكب لغرض سياسي لا تعتبر مكونة لجريمة القرصنة.
المادة الثانية: لا تقضي القرصنة بحرمان مركب القرصان من وضع علم معترف به وإنما يفقد القرصان عند ارتكاب عمل من أعمال القرصنة حماية الدولة التي تحمل سفينتهم علمها.
المادة الثالثة: لا ترتكب جريمة القرصنة إلا السفن الخاصة فإذا سارت سفينة حربية وارتكبت لحسابها الخاص أعمالاً مما نص عليه في المادة الأولى فإنها تفقد بذلك صفتها العامة.
المادة الرابعة: إذا حصل في أثناء حرب داخلية أن اعتبرت الحكومة النظامية من القرصان بعض الثائرين الغير معترف لهم بصفة المحاربين فلا تلزم الدول الأخرى بمعاملتهم على هذا الاعتبار.
ويعتبر من القرصان الثوار الذين يرتكبون الأعمال المبينة في المادة الأولى إلا إذا ارتكبت هذه الأعمال لأغراض سياسية بحتة.
المادة الخامسة: يجوز لكل سفينة حربية أن توقف في عرض البحر أي مركب يقدم بحارتها على ارتكاب عمل من أعمال القرصنة ولها أن تستولي عليها - وإذا بدأت المطاردة في عرض البحر فيمكن أن تستمر ولو في مياه إحدى الدول بشرط أن يترك الحكم في المسألة للسلطات المختصة في الدولة المالكة للساحل.
المادة السادسة: إذا اشتبهت سفينة حربية بأن مركبًا تقوم بأعمال القرصنة فلها أن تتحقق تحت مسؤوليتها من صفة هذه المركب فإذا ظهر بعد التحقيق أن الشبهة لم تكن على أساس فلربان المركب المشتبه فيها أن يطالب بتعويض أو غرامة حسب الأحوال وإذا ظهر بالعكس ما يؤيد الشبهة فلقائد السفينة الحربية أن يتولى محاكمة القرصان إذا حصل القبض عليهم فغي عرض البحر أو يسلمهم للسلطات المختصة.
المادة السابعة: حق الفصل في مسائل القرصنة يرجع للدولة التي تنتمي إليها السفينة التي قامت بالأسر إلا في الحالتين الآتيتين:
1 - في حالة المطاردة المنصوص عنها في الفقرة الثانية من المادة الخامسة.
2 - في حالة وجود تشريع داخلي أو اتفاق دولي يقضي بالعكس.
المادة الثامنة: يكون الحكم في كل ما يترتب على الأسر مثل صحة الغنائم وحق استرداد الملاك الشرعيين لممتلكاتهم ومكافأة الآسرين طبقًا لقوانين الدولة صاحبة الاختصاص.
[(4)] قانون العقوبات المصري ينص أيضًا في المادة (161) على عقاب من تعدي بواسطة طرق النشر إلى سب الوكلاء السياسيين أو القناصل العموميين المعتمدين لدى الحكومة المصرية أو الافتراء عليهم بسبب أمور تتعلق بوظائفهم.


الغنائم البحرية بحث لحضرة صاحب السعادة الأستاذ أحمد صفوت باشا المحامي

 مجلة المحاماة - العدد الأول 

السنة الحادية والثلاثون

الغنائم البحرية
بحث لحضرة صاحب السعادة الأستاذ أحمد صفوت باشا المحامي
(1)

لم تعرف الغنائم البحرية في الشرق الأوسط ولا في التاريخ الإسلامي لأن فتوحات بلاد الإسلام كانت كلها برية حتى استتبت الدولة العثمانية في قارة أوروبا وصار لها أسطول بحري.
ولم تعرف في مصر إلا في عهد محمد علي فقد جاء ذكرها في كتاب صفحة من تاريخ مصر في عهد محمد علي (الجيش المصري البري والبحري) للأمير عمر طوسون في صفحة 132 في الكلام على السفن والتجارة ما يأتي:
(فانتظمت طوائف السفائن وصارت نظاماتها تحاكي النظامات البحرية بالأساطيل الأوروبية ونقل ما كان بتلك السفن من الملاحين الغير النظاميين إلى سفنه المسماة بميزة قرصان التي حصل لها إدارة خاصة).
وكان بين إنجلترا والممالك الشمالية بأوروبا وأمريكا أيضًا وبين أمير الجزائر (المسلم) معاهدة حتى آخر القرن الثامن عشر على أن يحمي أمير الجزائر مراكبها في البحر الأبيض المتوسط من القرصان مقابل جزية سنوية تدفعها إليه بريطانيا.
لكن يظهر أن الغنائم البحرية وقتئذٍ كانت تؤخذ أسلابًا فلم تكن لها صفة الغنائم البحرية في المعنى الحديث التي يجب أن يحكم بصحتها.
ماهية الغنائم البحرية:
تقضي قواعد الحرب الحديثة باحترام الملكية الفردية في الحرب البرية دون البحرية.
ففي الحروب البحرية يجوز ضبط أموال أفراد الأعداء في البحار وأيضًا أموال المحايدين الموجهة إلى بلاد العدو.
أما في الحرب البرية فيجب عدم الاعتداء على أملاك جميع الأفراد في البلاد المحتلة سواء كانوا من الأعداء أم من المحايدين وعدم الاستيلاء عليها إلا مقابل دفع تعويض عنها.
وتتميز الغنائم عن الأسلاب بأن الأسلاب Butin هي ما يؤخذ من أموال العدو في المواقع الحربية بحرية كانت أو برية وهذه تنتقل فيها الملكية بالاستيلاء عليها.
أما الغنائم البحرية فهي حالة ضبط أموال أفراد العدو (لا الدولة المحاربة)، وأيضًا أموال المحايدين الموجهة إلى بلاد العدو.
وضبط أموال أفراد العدو وأموال المحايدين في البحار مقيد الآن بقيود كثيرة تحدد الأحوال التي يجوز فيها هذا الضبط والأحوال التي لا يجوز فيها، ولذلك أصبح واجبًا على من يضبط غنيمة أن يعرض أمرها على محكمة الغنائم في الدولة التابع هو لها لتحكم بصحة الضبط والاغتنام أو بعدم صحته فإذا حكم بصحة الضبط والاغتنام أصبحت الغنيمة الآن ملكًا للدولة - وكانت قديمًا تصبح ملكًا للفرد الذي ضبطها.
والحكم صحة الضبط والاغتنام ينقل ملكيتها إلى الغانم وينزعها من ملك صاحبها الأصلي، فيعتبر الحكم سندًا منشئًا لملكيتها للغانم ضد صاحبها وضد الكافة تحترمه محاكم سائر الدول وبدون صدور حكم بذلك من محكمة غنائم تبقى ملكيتها لصاحبها الأصلي.
وإذا حكم بعدم صحة الضبط يفرج عن الغنيمة وتسلم لصاحبها الأصلي.
وأصبح ذلك قاعدة مقررة في الغنائم فيقال (لا غنيمة إلا بحكم) فيجب الحكم بها:
أولاً: ليثبت الغانم سندًا لملكيته بالحكم حتى يمكنه التصرف في الغنيمة بالبيع للغير.
ثانيًا: ليطمئن ذوي الحقوق على الغنيمة بالمحاكم على أن حقوقهم لا تغتصب بل تؤخذ طبقًا لقواعد مقررة.
ثالثًا: رعاية لحسن العلاقات بين الدول فلا تتعدى دولة على حقوق رعايا غيرها في غير الأحوال التي يجيزها القانون الدولي.
رابعًا: وثمت سبب رابع كان له الأهمية العظمى في نشوء هذه القاعدة وهو أن أمراء البحار كان له عشرها فلكي يتحصلوا على هذا العشر يجب أن يحكم بصحة الغنيمة في مواجهتهم بأنهم ضبطوها ويحكم لهم بالقدر المقررة من ثمنها الذي يستحقونه.
وقد نشأت هذه القاعدة بالعادة تدريجيًا من زمن قديم في أوائل العصور الوسطى منذ القرن الثاني عشر أو قبل ذلك.
وأساسها أن البحار لم تكن تخضع إلى سلطة تحفظ الأمن فيها بين السفن وكانت التجارة البحرية محاطة بمخاطر جسيمة من جراء لصوص البحار في السلم ومن جراء مراكب العدو في الحرب.
وكان من عادة الملوك والأمراء إذا كان لهم حق قبل الغير لم يصلوا إليه بالطرق السلمية أن يبيحوا أموال أعدائهم لرعاياهم وأن يفوضوهم بالانتقام للملك ولأنفسهم من العدو باستباحة أمواله فيكون الأفراد من بينهم جماعة يجهزون سفنًا ويخرجون في البحر للتعرض لتجارة العدو وأمواله.
وكان هذا التفويض يصدر من الأمير في حالة الحرب أمرًا عامًا لجميع رعاياه، وفي أحوال السلم يصدر إلى جماعة من رعاياه مقيدًا لمدة من الزمن محددة للحصول من أموال العدو على قدر معين يفي بالضرر الذي أوجب الأخذ بالثأر، فلم يكن الغرض منه الاعتداء ابتداءً على أموال العدو بل الاستيلاء عليها تعويضًا لضرر سبق أن حصل من قبل هذا العدو من الأمير نفسه أو من قبل رعاياه ولم يعدل فيه من قبل الأمير العدو أو من قبل محاكمة ولم يعوض الضرر الذي نتج عنه.
وكان الأمر في حالة الحرب يسمى (نفيرًا) lettres de marques والتفويض في حالة السلم يسمى (ثأرًا) lettres de represailles.
ولم يكن ذلك من أول الأمر قاصرًا على البحار بل يشمل في الحالتين أموال العدو في البر والبحر.

التعدي
النفير في حالة الحرب

إذا قامت حرب نفر أهل كل إمارة إليها فيجهز أفراد منهم على حسابهم حملة بحرية على أموال العدو يأسرونها وعلى تجارة المحايدين معه يمنعونها وكان هؤلاء يسمون Corsaires ومنها جاء لفظ القرصان إلا أنهم يتميزون عن لصوص البحار Pirates بأنهم:
1 - يحملون أمرًا من أميرهم، واللصوص لا يحملون أمرًا.
2 - أنهم لا ينفرون إلا في حالة حرب، ولصوص البحر يقطعونه في السلم والحرب معًا.
3 - أنهم يتبعون التعليمات والقواعد الرعية في هذا الشأن فلا يتعرضون إلا لأموال العدو ولتجارة المحايدين غير الجائزة مع العدو، في حين أن اللصوص يتعرضون لأموال جميع التجار ولا يتبعون قانونًا.
4 - عليهم أن يقدموا مغانمهم إلي ديوان البحرية، أما اللصوص فيمتلكون ما يسرقونه.
لكن هؤلاء القرصان ما كانوا ينفرون إلى الحرب بدافع الوطنية بل بدافع المصلحة الشخصية في الغنائم، ولذلك انحط كثيرون منهم في أعمالهم إلى درجة اللصوص فارتكبوا مآثم كثيرة روعت بعضها كثيرًا من الممالك.
وكان القائمون بتجهيز المراكب لهذا الغرض أحيانًا يحلفون البحارة قبل استخدامهم إيمانًا مغلظة أن لا يشهدوا على مآثمهم ولا يفشوا أسرارهم وكان من أحطها أن يتفاهم هؤلاء القرصان مع مركب من أعدائهم فيأسرونها برضائها حتى إذا حكم لهم باغتناها اقتسموها مع بحارتها.
ولم يكونوا مسؤولين عن أعمالهم إلا إذا انحطوا إلى درجة اللصوصية وثبت ذلك عليهم فيعاقبون عقاب اللصوص بالشنق.
وكان يترتب على سوء تصرفاتهم أن يطالب الذين نهبت أموالهم بحقهم لدى الدولة التي يتبعها هؤلاء القرصان، ونشأت عن ذلك مشاكل بين دول ذلك العصر.
ولذلك بدأت حركة مقاومتهم في جميع الدول فسنت قوانين تمنع رعايا دولة من خدمة دولة أجنبية في القرصنة وتمنع إصدار النفير إلى أجانب بغير رضاء دولتهم.
ثم فرض على القرصان الحصول على إذن من ديوان البحرية حتى يتأكد الديوان من كفاية التجهيزات البحرية وتقديم ضمانة شخصية من شخص معتمد يكفل التعويضات والغرامات التي قد يحكم بها على هؤلاء بما لا يزيد عن 1500 جنيهًا، كما فرض على القادة ثم على جميع البحارة أن يقسموا يمينًا باحترام القوانين والقواعد المرعية.
وما زالت القيود تفرض وتزاد حتى شملت أيضًا:
1 - تحريم الاتفاق مع أصحاب الغنيمة على مفاداة مجلس الغنائم.
2 - تحريم إغراق الغنيمة في البحر إلا في أحوال خاصة.
3 - وجوب استحضار شهود الغنيمة من أصحابها.
4 - وجوب استحضار جميع أوراق السفينة المغتنمة.
5 - إحضار اثنين أو ثلاثة من كبار رجال السفينة أسرى.
وكان يجوز للقرصان قبول الفدية عن الغنيمة ونظرًا لاحتمال التلاعب في ذلك منع قبول الفدية في سنة 1780 في فرنسا.
أما استحضار الأسرى فكان الغرض منه الحصول على فدية لفك أسرهم.
أما استحضار شهود الغنيمة وأوراق المركب فكان القصد منه حماية حق أمير البحار في نصيبه في الغنيمة.
ثم كان على القرصان أن يرسوا بالغنيمة في البناء التي خرجوا منها وجهزوا فيها، وسبب ذلك أنه كان لأمير البحر نصيب في الغنيمة وكان في فرنسا وفي إنجلترا عدة أمراء بحار كل في إحدى الموانئ الكبرى، فلكيلا يغمط حق أحدهم نص على إحضار غنائم كل تجهيرة في الميناء التي جهزت فيها.
وكانت الغنائم تحفظ في المراكب حتى تباع إلا ما يخشى عليه من البقاء فيها فهذا يودع لدى شخص معتمد أو يخزن في مخزن ذي ثلاث مفاتيح - مفتاح يبقى مع أمير البحر ومفتاح مع القرصان وآخر مع أصحاب الغنيمة أو نائب الملك.
ثم كان عليهم أن يقدموا تقريرًا مكتوبًا بإحصاء الغنائم وبيان ظروف ضبطها ويقوم موظفو أمير البحر باستجواب القباطنة ثم الضباط ثم البحارة ومن يكون معهم من شهود الغنيمة أو من الأسرى ثم تترجم الأوراق المضبوطة على كل سفينة ثم يرسل هذا التحقيق إلى مجلس الغنائم.
وهذه الأحكام لم تنشأ كلها إلا تدريجيًا - من القرن الثاني عشر إلى الثامن عشر - فكلما ظهر سبب لحكم منها أجرى هذا الحكم بأمر عالٍ حتى تكون مجموعها قواعد القانون الدولي بهذا الخصوص في القرن الثامن عشر بني علي ثلاث قواعد:
1 - لا قرصنة بغير إذن صادر من الدولة وإلا اعتبر صاحبها من لصوص البحر Pirate قبل دولته وقبل الذين يعتدى عليهم في البحر فيحل قتله.
2 - يحق للقرصان في هذه الحالة أن يطلبوا الحكم لهم بمغانمهم.
3 - لا يمتلكون مغانمهم قبل الحكم لهم بها.
فمن هذه الإجراءات نشأت قاعدة (لا غنية بغير حكم)، وعلى كل حال فإن القرصنة المشروعة سواء في السلم أو في الحرب قلت ابتداءً من القرن الثامن عشر وحرمت نهائيًا بمعاهدة باريس في 16 إبريل سنة 1856 ومن يحترفها من بعد يعتبر من لصوص البحار Pirates يوحل قتله.

الأمر بالثأر Lettres de Represailles

والأمر في حالة الحرب واضح وأما في حالة السلم فإنه أمر بالأخذ بالثأر.
والأخذ بالثأر كان عامًا في أكثر الأمم القديمة فيؤخذ الثأر في الاعتداء على المال من العائلة أو من البطن أو من القبيلة.
إنما أخذ الثأر من غير المعتدي لم يكن معروفًا في بلاد اليونان القديمة ولا لدى الرومان فليس في القانون الروماني منذ نشأته ما يبيح أخذ الثأر قانونًا من غير المعتدي لا في الجرائم ولا في الأموال وإنما دخلت هذه الفكرة السائدة في القبائل الجرمانية مع قبائل البربر الذين غزو الإمبراطورية الرومانية وأول ما ظهرت في البلاد الرومانية ظهر تحريمها Constitution de Zenon (Code Jusl. X1 59)، ولذلك لما قاومت الكنيسة هذا الحق في العصور الوسطى استندت إلى أن القانون الروماني لا يبيحه.
والأخذ بالثأر في هذا مقصور على الأموال دون الأشخاص، وقد حدث في سنة 1369 أن أصدر برلمان باريس تفويضًا بالثأر ضد رئيس كنيسة Evêque بوترخت Utrecht لأن أتباعه تعدوا على أموال أهل باريس فقبض أهل باريس على بعض تجار من يوترخت فأصدر برلمان باريس أمرًا بالإفراج عنهم وقال في سبب ذلك إن التفويض بالثائر لا يبيح القبض على أفراد العدو.
وكانت إجراءات الثائر محددة بقوانين في موانئ البحر الأبيض المتوسط مثل جنوا وأراجون والبندقية وفلورنسا منذ القرن الثالث عشر تنص على إجراءات يتحتم اتباعها في الحصول على التفويض وفي تنفيذه بعد الحصول عليه، ومنها أن يثبت الطالب حقه وأنه سعى إليه في بلاد العدو فلم يعدل معه، ثم يسجل التفويض في المحكمة بعد الحصول عليه أو لدى ديوان البحرية، ثم يعلنه في بلاد العدو وينتظر مهلة تتراوح بين ثلاثة أشهر واثني عشر شهرًا ثم يباشر تنفيذه بنفسه أو بواسطة غيره فله حق التنازل عنه للغير الذي يجهز المراكب لهذا الغرض وما يغنمه من شيء يحضره إلى محكمة بلده فيباع علنًا حتى يستوفي حقه ومصاريفه ثم يعطى إيصالاً باستلام حقوقه وينتهي بذلك مفعول التفويض.
وكلما صدر تفويض بالثأر من بلد صدر ضده مثله من البلد الآخر ويؤدي ذلك إلى الإضرار بالتجارة البحرية وتعريض أموال تجار أبرياء للضبط والمصادرة، لذلك نشأ نظام يقضي بفرض ضرائب على تجارة البلد التي يطلب منها تعويض منعًا لمصادرة بضائع أهلها وحصل ذلك في البندقية وفي مرسيليا في سنة 1318، ولذلك أيضًا كان بعض التجار ذوي السمعة الحسنة يلجأون إلى الحصول على براءات من الثائر حين يتاجرون مع بلاد أخرى أو يقيمون فيها وتسمى Sauf Conduit.
وبقي هذا النظام معمولاً به حتى ألغي بمعاهدة باريس في 16 إبريل سنة 1856، وكان مبناه مسؤولية كل إمارة عن ديون أفرادها ومسؤولية أفرادها عن ديونها قبل الإمارات الأخرى وقبل أهلها ولا يعني اتباعه قيام حالة حرب بين الإمارتين.
وقد نص عليه وعلى إجراءاته بأمر عالٍ في فرنسا في سنة 1681 كما كرسته بعض المعاهدات في العصور الوسطى وآخرها معاهدة يوترخت في سنة 1713.
ومنعًا لإساءة استعمال التفويض يفرض على من أذن له به أن يقدم ضمانًا يوازي نصف قيمة مطلوبة ولا يزيد عن خمسة عشر ألفًا من الجنيهات وطبعًا ما كان الإذن يعطي إلا للوفاء بديون كبيرة القيمة، وتكتب قيمة المطلوب في الإذن حتى لا يتعداها في مغانمه.
وعلى من أذن له أن يقدم كل ما يغنمه إلى محكمة للغنائم تعقد في ديوان البحرية.
وإذا جاءت الغنائم بأكثر من حقه ومصاريفه يودع الباقي في ديوان البحرية على ذمة صاحبه.
ومن يخالف الإذن في إجراءاته والذي يثبت أنه زاد في طلباته فوق حقه فجزائه أن يعتبر سارقًا لما زاد عن حقه ويجازي بأربعة أضعافه وهذا حكم القانون الروماني في تعويض السرقة.
ولقد قصرت معاهدات القرن الثامن عشر حق إصدار هذا الإذن على الحالات الكبرى، وقل إصداره فلم يصدر في فرنسا في القرن الثامن عشر إلا مرتين في سنة 1702 ضد أهالي دانزج، وفي سنة 1778 لمصلحة تاجرين في بوردو، ثم أبطل نهائيًا بمعاهدة باريس في 16 إبريل سنة 1856 عقب حرب القرم.
وأهمية هذا التاريخ أنه أساس نشوء محاكم الغنائم وقضاء الغنائم وكان على كل من صدر له إذن أن يأتي بمغانمه إلى محكمة الغنائم في ديوان البحرية لبحث ما إذا كان اتبع الإجراءات القانونية ولتبيع ما غنمه وتعطيه حقه وتأخذ منه إيصالاً تسلمه إلى صاحب الغنيمة كما تسلم إليه ما يتبقى من ثمنها.
وكان الذين يقومون في البحر بهذه المهمة يسمون Corsaires ومنه جاء اسم (القرصان) في اللغة العربية.

تاريخ محاكم الغنائم

بينا باختصار تاريخ نشوء فكرة مجلس الغنائم ولا شك أنها مرت بتقلبات طويلة عديدة لا محل لعرضها هنا.
ولكي نكون فكرة واضحة عن هذا التاريخ نذكر باختصار تاريخ نشوء محاكم الغنائم في إنجلترا في ديوان البحرية الأميرالية L’amir auté لأنها ثبتت من سنة 1357 ثم صارت محكمة منظمة محددة في سنة 1426م.
والظاهر أن أمير البحار كانت وظيفته في وقت السلم المحافظة على أمن البحار وتقديم القرصان اللصوص للمحاكمة وتقديم الغنائم إلى المحاكم العامة التي لم تكن إجراءاتها رادعة مما أدى إلى اضطراب الأمن في البحار وإلى إشاعة الأخذ بالثأر بين رعايا الدول البحرية.
لذاك فوض الملك أمير البحار بالحكم في هذه الدعاوى باعتبارها من دعاوى التجارة البحرية التي كانت تنظر في ديوان البحرية.
وفي سنة 1357 كانت إنجلترا وفرنسا في حالة حرب ثم أسرت سفينة فرنسية سفينة برتغالية محايدة ثم قابلتهما سفينة إنجليزية فأسرت السفينة الفرنسية ومعها السفينة البرتغالية وقدمتهما إلي ديوان البحرية للحكم بصحة اغتنامهما.
ولا شكل أن ضبط السفينة البرتغالية وهي محايدة لم يكن في ذاته صحيحًا من قبل السفينة الفرنسية إذ لا حرب بين فرنسا والبرتغال لكن محكمة ديوان البحرية حكمت بمصادرتها مع السفينة الفرنسية لأن السفينة البرتغالية كانت وقت ضبطها من أموال الأعداء لأنها كانت في حوزة وملك السفينة الفرنسية المعادية.
فطلب ملك البرتغال إلى ملك الإنجليز الإفراج عن السفينة البرتغالية فنظر الطلب على أنه استئناف لدى الملك في المجلس الخاص Privy Council وقد رفض هذا الاستئناف وبنى الرفض على أن الدعوى نظرت لدى محكمة ديوان البحرية بالطرق المعتادة وأن حكم المحكمة في محله، وقد ترتب على ذلك إقرار ولاية القضاء في الغنائم للأميرال في محكمة ديوان البحرية في هذا التاريخ وإقرار نظام الاستئناف لدى الملك في المجلس الخاص.
وبعد هذا التاريخ تركزت الغنائم في محكمة ديوان البحرية بلوندرة بعد أن كانت موزعة على أربع محاكم في الموانئ الكبرى التي بها أمراء للبحار.
ورغم ذلك فإن بعض الغنائم ما كانت تعرض على المحكمة من قبل الغانمين لذلك أصدر هنري السادس في سنة 1426 أمرًا بعرض جميع الغنائم على ديوان البحرية وأن الغانم لا يستحق نصيبه من الغنيمة إلا بعد الحكم بصحة الاغتنام فثبت بذلك قاعدة أن لا غنيمة بغير حكم.
ولما كانت محكمة ديوان البحرية مختصة أصلاً بالدعاوى التجارية البحرية فإن اختصاصها بالغنائم يأتي أول كل حرب بتفويض خاص من الملك (ليحكم فيها طبقًا لسوابق الأميرالية وللقانون الدولي)، وهذا التفويض مهم جدًا لأنه حدد القانون الذي يطبق في هذه الدعاوى وجعله القانون الدولي لا الشريعة الإنجليزية حتى قال القاضي السير Hedges في آخر القرن السابع عشر (أن القانون الدولي يعتبر لدى هذه المحكمة جزءًا من شريعة البلاد).
وكانت السرعة في الإجراءات من مميزاتها حتى قال في ذلك القاضي السير Jenkins في آخر القرن السابع عشر (يجب الفصل في هذه الدعاوى بسرعة لا بين عشية وضحاها بل بين الجزر والمد)، ومن أسباب ذلك الرغبة في عدم تعطيل المراكب الغانمة عن العودة إلى البحر لمتابعة الاغتنام.
وهذا التصوير المختصر لتاريخ نشوء محكمة الغنائم يتجاوز فيه عما أصابها من تدخل من هيئة السلطة التنفيذية ومن فساد القضاة أحيانًا ومن تهرب الغانمين من عرض غنائمهم ومن منازعة المحاكم الأخرى اختصاصها غيره منها لكثرة إيرادات محكمة الغنائم، وكان القضاة يومئذٍ يأخذون مرتباتهم من إيرادات المحكمة.
وأخيرًا صدرت قوانين تنظيم إجراءات هذه المحكمة في سنة 1864.
وكان تنفيذ أحكام المحكمة موكولاً إلى موظف تابع لها اسمه The Marshall ولديه تحفظ البضائع ثم تباع، وكان لها قلم حسابات خاص، وكانت بذلك مستقلة في إجراءاتها وإدارتها وحساباتها وسلطتها على الغنائم تثبت من حين الضبط حتى تباع الغنيمة وتوفي الحقوق التي عليها.
وقد نشأت معظم محاكم الغنائم على هذا المنوال مثل مجلس الغنائم الفرنسي الذي ثبت أخيرًا بدكريتو 9 مايو سنة 1851.
ومحاكم الغنائم في العالم نوعان بعضها قضائي يتكون من قضاة مثل إنجلترا وأمريكا والبرتغال والبلجيك في الدرجة الاستئنافية، وبعضها مختلط يتشكل من قضاة وموظفين مثل مجلس الغنائم الفرنسي والإيطالي والألماني.

(2)
أساس حق الاغتنام

يقضي القانون الدولي والعرف باتباع قواعد في الحروب تمليها عاطفة الإنسانية ومراعاة حقوق المحايدين وحسن علائقهم بالمحاربين.
ومن أسس قواعد الحرب احترام الملكية الفردية وفي هذا الخصوص تختلف قواعد الحرب البرية عن الحرب البحرية.
فاحترام ملكية الأفراد واجب في الحرب البرية لأنها تجري في ميدان محدد بين قوات محددة فما يأخذه المحارب من قوات العدو ومعداته في المعارك الحربية يعتبر أسلابًا Butin لا غنيمة يتملكها بالاستيلاء عليها بحق الحرب.
أما أملاك أفراد الأعداء في البلاد التي تجري فيها المواقع الحربية أو التي يحتلها العدو فلا يجوز للعدو تملكها، وإنما له حق الاستيلاء عليها فقط مقابل تعويض يدفع آخر الأمر ويدخل في حساب تعويضات الحرب ولذلك تعتبر الملكية الفردية محصنة Inviolable وإن كانت هذه الحصانة لا تكفي لحمايتها إنما لا يجوز للعدو تملكها قانونًا بالاستيلاء عليها.
أما الحروب البحرية فتجري في ميدان واسع غير محدد في البحار التي لا تمتد إليها سيادة أحد من المحاربين فتتقاتل سفن المحاربين أينما التقت فيه وتحاول أيضًا منع التجارة عن العدو وتستولي على أموال أفراده في البحار.
والغرض من الحروب البحرية التوصل إلى السيادة على البحار، فإذا ما تمت السيادة البحرية لأحد المحاربين فإنه يستعين بها على قطع تجارة العدو ليخنقه اقتصاديًا ولا يتم هذا الخنق إلا بضبط السفن والبضائع المملوكة لأفراد الأعداء وللمحايدين إذا كانت موجهة من قبلهم إلى بلاد العدو.
فحق الاغتنام إذن هو أداة الحرب الاقتصادية، وإنما هذا الحق غير مطلق بل مقيد بالتشريعات الأهلية في كل دولة وبأحكام المعاهدات سواء الثنائية أو الجماعية وبالعرف المطرد في القانون الدولي، ثم هو يخضع لتقدير محاكم الغنائم في استعماله طبقًا للقواعد المقررة في شأنه.
وأهم المعاهدات الدولية تصريح مؤتمر باريس في 16/ 4/ 1856 بين إنجلترا وفرنسا وبروسيا والنمسا وروسيا وتركيا وسردينيا ثم اتفاقات مؤتمر لاهاي الثاني في سنة 1907 ثم تصريح مؤتمر لوندرة في سنة 1909.
أما تصريح باريس فجاء بعد حرب القرم وحرم القرصنة وقرر قاعدتين أساسيتين: الأولى: أن الراية المحايدة تحمى أموال الأعداء.
والثانية: أن أموال المحايدين لا تضبط على مراكب الأعداء.
أما مؤتمر لاهاي الثاني في سنة 1907 فقد تمخض عن عدة اتفاقات خاصة بالحرب البحرية منها الاتفاق السادس الخاص بحالة السفن عند بدء حالة الحرب والسابع الخاص بتحويل السفن التجارية إلى سفن حربية والحادي عشر الخاص بفرض قيود على حق الاغتنام والثالث عشر الخاص بحقوق المحايدين مراعاة لحرمة البريد وحرمة الصيد الساحلي والتجارة الصغيرة الساحلية وحرمة المراكب التي تقوم بخدمة إنسانية أو علمية أو دينية، ثم الثاني عشر الخاص بمشروع إنشاء محكمة غنائم دولية.
ولما كان إنشاء محكمة غنائم دولية يستلزم تقنين قواعد الغنائم لاختلاف أحكامها في بعض الدول - فقد تقرر في هذا الاتفاق عقد مؤتمر لجمع وتقنين هذه الأحكام، ولهذا الغرض عقد مؤتمر لوندرة في 12/ 12/ 1908 الذي أسفر عن تقنين قواعد الغنائم لتكون واحدة في كل الدول وانتهى بوضعها في صيغة قواعد عامة عرفت باسم تصريح لوندرة في (71 مادة) جمعت جميع قواعد الغنائم.
فلأول مرة في التاريخ وضع قانون يكاد يكون شاملاً جامعًا لكل أحكام الغنائم ولم يتم ذلك بسهولة لنضارب القواعد والنظريات المعمول بها في البلاد الإنجليزية - إنجلترا وأمريكا - وبلاد قارة أوروبا.
وقد كان التوفيق بينهما عسيرًا واستلزم تنازلاً من كل فريق عن التمسك ببعض القواعد والنظريات المتبعة في محاكم بلده فجاء جامعًا لنظريات متعارضة يرقع بعضها مع بعض.
فلذلك رفض مجلس اللوردات في إنجلترا التصديق عليه ولم تصادق عليه بقية الدول، لكنه بقي تقنينًا جامعًا لأحكام الغنائم في القانون الدولي حتى إذا جاءت حرب سنة 1914 فوجدت إنجلترا أنها في صف فرنسا وروسيا في الحرب ويحسن أن يتبعوا معًا قواعد موحدة في شأن الغنائم فلذلك وبناءً على طلب حكومة الولايات المتحدة اتفقوا فيما بينهم على العمل معًا بالقواعد الواردة فيه.
ومع ذلك أظهرت تجارب الحرب - على ما سنوضحه بعد - عدم إمكان اتباع أحكامه جملة فلم تمضِ أسابيع حتى تقرر عدم اتباع بعضها ولم تمضِ أشهر حتى تقرر عدم اتباع بعض أحكام أخرى، وأخيرًا تقرر العدول عنه صراحة بالاتفاق بين إنجلترا وفرنسا في 7 يولية سنة 1916 بديكريتو فرنسي ومرسوم ملكي إنجليزي وكان سبب ذلك عدم احترام ألمانيا لأحكامه خصوصًا فيما يتعلق بحرب الغواصات وإغراق الغنائم، فعادت محاكم الغنائم إلى القواعد المتبعة في كل دولة من قبل صدور هذا التصريح.

قواعد الغنائم

تنقسم الأموال التي يجوز اغتنامها إلى:
1 - أموال العدو.
2 - أموال المحايدين.
وهناك حالة ثالثة تغتنم فيها السفن والبضائع بصرف النظر عن البحث في ملكيتها ووجهتها وهي حالة اختراق الحصر البحري وتلك حالة بسيطة واضحة الأحكام لم تنشأ في حرب فلسطين، وقد قضى عليها في الحروب الحديثة بسبب اختراع الألغام والغواصات والطائرات فلم يترتب عليها أحكام في الحرب العالمية الثانية والأولى إلا في السنتين الأوليتين فيها.
1 - أموال العدو:
القاعدة أن أموال العدو بواخر وبضائع يجوز اغتنامها.
لكن من هو العدو ؟ هل هو من يكون من رعايا الدولة المحاربة فقط بحسب جنسيته ؟ أينما كان مقيمًا، ولو أقام في بلد محايد، أم هو الشخص المقيم في دولة محاربة ولو لم يكن من رعاياها ولو كان محايدًا أو من رعايا الدولة الغانمة ؟
تختلف القاعدة الإنجليزية في ذلك عن القاعدة المتبعة في قارة أوربا، فالإنجليز يعتبرون عدوًا (بالنسبة للغانم) من قيم في بلاد العدو مهما كانت جنسيته ولو كان إنجليزيًا بسبب موطنه Domicile في بلاد العدو، وفرنسا وأكثر دول أوروبا تعتبر العدو من كان من رعايا الدولة المعادية ولو كان مقيمًا في بلاد محايدة، وتتبع القاعدة الإنجليزية كل من الولايات المتحدة وإسبانيا وهولندا.
وفي مؤتمر لوندرة تعارضت الآراء في هذا الخصوص فتفادوا النص عليها فلم يعرفوا العدو، فسار الإنجليز على قاعدة الموطن وسارت أكثر الدول الأوربية على قاعدة الجنسية.
ويقول الإنجليز إن الغرض من الاغتنام هو تضييق الحصر التجاري على العدو بمصادرة متاجره، فالشخص المتوطن في بلاد العدو - بصرف النظر عن جنسيته - لا يمكن ترك أمواله تؤول إليه لأنها تدخل في بلاد العدو وتزيد ثروته وبالتالي قدرته على الكفاح، أما العدو الذي يقيم في بلاد محايدة فلا معنى لمصادرة أمواله لأن ذلك لا يضر دولته المحاربة وإنما يتعدى أثره إلى بلد محايد، ويترتب على ذلك أن الإنجليزي المتوطن في بلاد العدو يعتبر من الأعداء وتصادر أمواله.
ويلحق ببلاد العدو البلاد التي يحتلها العدو أثناء الحرب فيصبح أهلها المقيمون فيها من الأعداء ولو كانوا حلفاء معهم في الحرب، فأهل هولندا وبلجيكا أصبحوا في نظر الإنجليز من الأعداء بعد أن احتلت ألمانيا بلادهم في الحربين الماضيين.
ويقول الفرنسيون وأهل القارة الأوروبية إن العدو هو من كان من رعايا الدولة المحاربة بصرف النظر عن موطن إقامته فتصادر أملاكه وأمواله ولو كانت مرسلة من بلد محايد لتصل إليه في موطنه في بلد محايد، وعلى هذا الرأي إيطاليا وألمانيا وروسيا والسويد.
ما هو الموطن:
للموطن تعريف خاص في القانون الدولي الخاص وهو الإقامة على وجه الدوام والاستمرار، لكن في قواعد الغنائم لا يجب أن تكون الإقامة على وجه الدوام والاستمرار، بل يكفي في ذلك كل إقامة غير مؤقتة بطبيعتها.
فالإقامة لغرض مؤقت كالاستشفاء أو الفسحة أو لعمل خاص لا تعتبر توطنًا، والمعول عليه هو نية الإقامة ولو لم تكن على الدوام والاستمرار، وهذه مسألة واقعية تفصل فيها المحكمة.
والمحاكم عادةً تتشدد في ثبوت الموطن المحايد لرعايا الأعداء وتتساهل في ثبوت الموطن المعادي للمحايدين.
واستثناءً من هذه القاعدة قد تكون البضاعة معادية ولو كان مالكها محايدًا مقيمًا في بلاد محايدة في حالتين:
1 - إذا كان مالكها يتاجر مع أو في بلاد العدو فيعتبر أن له موطنًا تجاريًا في بلاد العدو.
2 - إذا كانت البضاعة من حاصلات أرض بلاد العدو مهما كان مالكها.
1 - الموطن التجاري:
كل محل تجاري في بلاد العدو يعتبر معاديًا، ولو كان صاحبه محايدًا وفي هذا الخصوص لا تشترط إقامة صاحبه في بلاد العدو بل يكفي مجرد وجوده فيكتسب هذا الموطن بالقيام بعمل تجاري فيه.
بل ذهبت الأحكام إلى أبعد من ذلك فاعتبرت المحل التجاري في بلاد العدو معاديًا ولو كان مالكه محايدًا مقيما في بلاد محايدة بناءً على أن له تجارة مع بلاد العدو.
وفي تطبيق القاعدة على الشركات تنشأ صعوبات جمة من مكان تسجيلها وجنسيتها ومركز أعمالها وجنسية مديريها وموطنهم.
والقاعدة في ذلك أن الأصل أن الشركة تكتسب جنسية البلد المسجلة فيه لكن قد تعتبر حسب جنسية البلد الذي فيه مركز أعمالها أو جنسية أو موطن مديريها وفي كل الأحوال لا عبرة بالمساهمين فيها.
وفي فرنسا تحدد جنسية الشركات حسب مركز عملها، لكن إن كانت فرعًا لشركة مركزها في بلد العدو فهي معادية.
وفي ذلك تقترب النظرية الفرنسية من النظرية الإنجليزية إذ تعتمد على البلد التي فيها أعمال الشركة أي على الموطن التجاري.
وقد سار مجلس الغنائم في مصر على قاعدة الموطن دون قاعدة الجنسية ذلك لأن النظام الإنجليزي في الغنائم هو الأعم انتشارًا ولأن القاعدة الإنجليزية هي الأصلح تطبيقًا لأن الغرض هو تضييق التجارة على المقيمين في بلاد العدو، ولذلك اعتبر المقيمين في فلسطين (في غير القسم العربي) من الأعداء وكان بعضهم من العرب.
2 - حاصلات أرض بلاد العدو:
يعتبر الإنجليز من يتملك أرضًا في بلاد العدو كأنه متوطن فيها، وبدون أن يسيروا على قاعدة الموطن قالوا إن حاصلات أرض بلاد العدو تعتبر معادية مهما كان مالكها ولو كان محايدًا متوطنًا في بلد محايد، وأهم قضية بهذا الخصوص تعرف بقضية Benson وهو دانيماركي مقيم في الدانيمارك يملك أرضًا في جزيرة Santa Cruz التي أخذها الإنجليزي في حرب الاستقلال مع الولايات المتحدة في سنة (1813 – 1814) فصدر من زراعته ثلاثين برميلاً من السكر فضبطها الأمريكان وحكموا بمصادرتها لأنها من حاصلات بلاد العدو ولو أن صاحبها محايد مقيم في بلد محايد.
وقد طبق مجلس الغنائم هذه القاعدة وصادر ألف صندوق من ليمون صادرة من بلاد فلسطين إلى الولايات المتحدة في قضية الباخرة Marine carp باعتبارها من حاصلات أرض بلاد العدو.
وهذه القاعدة مع قاعدة الموطن التجاري لم يؤخذ بها في مؤتمر لوندرة، ولكن لما بطل العمل بتصريح لوندرة سقطت أحكامه وعاد الإنجليز إلى القواعد السابقة.

تحديد الصفة المعادية للبضائع

قلنا إن البضائع تأخذ صفة مالكها (سواء حسب جنسيته أم حسب موطنه) فالعبرة إذن بحق الملكية يوم الضبط فهو الذي يصادر فيتملكها الغانم بحق الحرب خالصة ومطهرة من سائر الحقوق الأخرى التي تكون عليها للغير مثل حق الرهن أو الامتياز وبدون ذلك لا يكون لحق الاغتنام قيمة لأن صاحب المال يمكنه أن يرتب عليه حقوقًا للغير يكون استيفاؤها معطلاً لحق الغانم، ومن ثم فلا حق لأصحاب هذه الحقوق قبل الغانم.
وهذه القاعدة مقررة من قبل تصريح لوندرة وأقرها التصريح في المادة (58).

إثبات الملكية

الأصل أن الضبط يحصل بمجرد الاشتباه وعلى المالك أن يتقدم بإثبات أن البضاعة ملكه وأنه من المحايدين.
والقواعد المتبعة في فرنسا هي القواعد العامة في القانون التجاري فيجوز أن تكون البضاعة مرسلة من عدو إلى محايد أو بالعكس وتسافر في الحالتين على ملك المحايد كما يجوز أن تنتقل الملكية فيها بتحويل سند الشحن أثناء سفرها، ويشترط في كل ذلك أن تثبت حسن النية في المعاملات التي تنتقل بها ملكية البضاعة من عدو إلى محايد.
أما في إنجلترا فإثبات الملكية يخضع لقيدين:
الأول: تحريم نقل ملكية البضاعة المعادية أثناء سفرها إلى محايد Prohibition du transfert de propriété in transitu
الثاني: أن كل بضاعة مرسلة إلى عدو تسافر على ملك العدو وليس لبائعها أو مرسلها المحايد أن يحتفظ بملكيتها لحين التسليم ولو تحمل هلاكها أثناء السفر.
وتتلخص القاعدتين في قاعدة جامعة لهما وهي أن البضاعة المرسلة من عدو إلى محايد تبقى على ملك العدو طوال سفرتها، والبضاعة المرسلة من محايد إلى عدو تعتبر دائمًا على ملك العدو طول سفرتها.
القاعدة الأولى:
تحريم نقل الملكية أثناء السفرة in transite
إن تحريم نقل الملكية أثناء السفرة إنما ينطبق على حالة واحدة وهي إذا بدأت البضاعة رحلتها معادية فلا يمكن أن تتغير الصفة المعادية للبضاعة أثناء السفرة.
وقد قبل مؤتمر لوندرة هذه القاعدة وكرسها في المادة (60)، والمقصود من هذه القاعدة أن يمتنع على المحايدين التحايل على حق اغتنام البضائع المعادية.
أما إذا بدأت البضاعة رحلتها بريئة ونقلت ملكيتها وهي في عرض البحر إلى عدو فيجوز ضبطها، وبعدئذٍ لا يجوز نقل ملكيتها ثانية إلى محايد ما دامت في عرض البحر على ملك عدو.
وطبيعي أن القاعدتين المذكورتين لا تنطبقان إلا بعد بدء حالة الحرب ولذلك فالبضاعة التي سافرت قبل بدء حالة الحرب تعتبر الملكية فيها إلى حين بدء حالة الحرب طبقًا للقواعد التجارية العامة، وبعد بدء حالة الحرب تسري عليها القاعدتان السابقتان.
ويشبه بحالة الحرب الفعلية حالة احتمال قيام حالة الحرب في نظر طرفي العقد، فكل تصرف يراعي فيه احتمال قيام حالة الحرب يعتبر كأنه حصل بعد بدء قيام حالة الحرب وتطبق عليه القاعدتان السابقتان.
البضائع التي تضبط على اليابسة:
تعتبر البضائع المودعة في مستودعات المواني البحرية كأنها في البحر وكذلك البضائع التي تفرغها السفن المعادين على الأرض قبل أن يتسلمها مالكها، والقاعدة في ذلك أن البضائع تعتبر سفرتها البحرية مستمرة ما دامت ملكيتها متعلقة بسند الشحن.
وعلى هذه القاعدة صادر مجلس الغنائم بضائع كثيرة كانت مودعة في مخازن الجمرك ومخازن الاستيداع على ذمة أصحابها أو لإعادة تصديرها.

بواخر الأعداء

القاعدة الفرنسية:
تعتبر الباخرة معادية في حالتين:
1 - إذا كان علمها معاديًا، وعلمها هو الذي يجب عليها رفعه لا الذي ترفعه فعلاً.
2 - إذا كانت مملوكة لعدو ولو ترفع علمًا محايدًا.
والعدو في القاعدة الفرنسية هو من يكون عدوًا حسب جنسيته.
فإذا كانت الباخرة مملوكة لأشخاص مختلفي الجنسية بينهم عدو فتصادر كلها لا بعضها لأن السفينة لا تتجزأ.
والمصادرة تقع على حق الملكية في السفينة غير مجزأ ومطهر من كل حقوق للدائنين عليها، ولو أجيز الاعتراف بحقوق الدائنين المحايدين على سفن الأعداء لأمكن تفادي اغتنام السفن بتقرير حقوق للغير عليها، وهذه القاعدة متبعة في محاكم جميع الدول، وحتى لو كان صاحب حق الدين من رعايا الدولة الغانمة.
القاعدة الإنجليزية:
تعتبر الباخرة معادية في ثلاث حالات:
1 - حسب علمها الذي يجب عليها رفعه لا الذي ترفعه فعلاً.
2 - حسب صفة مالكها.
3 - حسب استعمالها.
فكل سفينة ترفع علم العدو تعتبر معادية، أما إن كان العلم محايدًا فيرجع إلى صفة مالكها إن كان عدوًا أو محايدًا، وذلك حسب موطنه.
وإن كانت مملوكة لشركة فيسري عليها ما قيل عن الشركات في الكلام على أموال الأعداء.
أما حالة الاستعمال فتكون إذا ضبطت السفينة وهي في خدمة العدو كأن تمون أساطيله أو تنقل جيوشه أو رسائله.
ولا يعتبر في خدمة العدو أنها تنقل بضائع إلى بلاده أو من بلاده أو تنقل مهربات فهذه التجارة حرة لجميع البواخر مع ما يعقبها من ضبط البضائع.
ومن أحوال خدمة العدو حالة خاصة لها أهمية في تاريخ نشوء قواعد الغنائم، وإن تكن بطلت الآن، ففي منتصف القرن الثامن عشر سنة 1756 أثناء حرب السبع سنوات بين إنجلترا وفرنسا كانت فرنسا تحتفظ لنفسها بحق التجارة البحرية بينها وبين مستعمراتها دون مراكب الدول الأخرى فتحرمها عليها، فلما قطعت الأساطيل البحرية البريطانية على البواخر الفرنسية خط اليسر إلى المستعمرات سمحت فرنسا للمراكب الهولندية بنقل المتاجر بينها وبين مستعمراتها فأعلنت إنجلترا أن كل مركب تقوم بهذه التجارة الجديدة التي كانت محرمة عليها في وقت السلم تعتبر في خدمة العدو (فرنسا)، فعمدت المراكب المحايدة إلى حيلة لكي لا تسافر مباشرةً بين فرنسا وبين مستعمراتها فكانت تقطع الرحلة بالرسو في ميناء محايد، فأعلن الإنجليزي أن هذه حيلة وإن الرحلة تعتبر متصلة.
فنشأت بذلك نظرية الرحلة أو السفرة المتصلة المشهورة في قواعد الغنائم........ Theorie du voyage continu
التي سنشرحها في الكلام على المهربات الحربية.
ولنقل ملكية السفن أحكام تختلف إذا حصلت قبل الحرب أو بعد الحرب وهي مختلفة في فرنسا عما هي عليه في إنجلترا ومختلفة في كلتاهما عما ورد في تصريح لوندرة في المادتين (55) و(56) وكانت مثار نزاع كبير بين حكومة الولايات المتحدة من طرف وبين الحلفاء من طرف آخر في أول الحربين الماضيين إذ كانت الولايات المتحدة محايدة أو لا وكان في موانيها عدد كبير من بواخر الأعداء اشتراها الأمريكيون، ولا محل للخوض فيها لعدم عرض مثل هذه الحالات على مجلس الغنائم في مصر.

موانع الضبط

يخضع حق الضبط لقيود معينة بعضها ثابت في معاهدات دولية وبعضها ثابت بالعرف المطرد المبني على اعتبارات من العدل والإنسانية وخدمة المجتمع والعلم، وعلى رعاية حقوق الدول المحايدة في الأحوال الآتية:
1 - إعطاء مهلة delai de grâce لبواخر العدو الراسية في مياه الدولة المحاربة إذا فاجأتها حال الحرب.
يحدث كثيرًا أن تفاجئ حالة الحرب بواخر دولة محاربة وهي راسية في مياه الدولة المعادية، وكانت القاعدة القديمة في ذلك - حتى منتصف القرن التاسع عشر، أن للدولة ضبط ومصادرة هذه البواخر وكان لها الحق أيضًا عندما تتوتر العلاقات السياسية وتنذر بحرب أن تحجز بواخر الدولة المعادية وتمنعها من السفر فإن قامت الحرب ضبطتها.
وفي القرن التاسع عشر توافقت الدول حماية للتجارة الدولية على منح السفن المعادية التي تكون راسية في موانيها وتفاجأ بقيام الحرب وكذلك التي تدخلها جاهلة حالة الحرب مهلة للرحيل تتراوح بين ثمان وأربعين ساعة وبين ست أسابيع - لكن هذا التوافق لم يكن تقريرًا لحق بل تفضلاً ومنا (delaide grace) على أن يقابل بمثله من الدول المعادية ويبقى الحق لكل دولة إذا شاءت ضبطت السفن من غير أن تعطيها مهلة كما حكم بذلك من محكمة الغنائم الإنجليزية في قضية الباخرة (The marie leonhardt) في سنة 1921.
ثم جاء اتفاق لاهاي السادس في سنة 1907 فنص في المادة الأولى منه على استحسان إعطاء مهلة للرحيل لمراكب العدو الراسية في مواني دولة محاربة وكذلك للسفن التي تدخل موانيها جاهلة قيام حالة الحرب فلم تجعله واجبًا مفروضًا بل قررت جعله أمرًا مندوبًا.
وقد راعت الدول هذه القاعدة بعضها قبل بعض في حرب سنة 1914 - 1918 مقابلة للمثل بالمثل، ومقابله المثل بالمثل اعتبر شرطًا أساسيًا.
لكن اتفاق لاهاي لم يلغِ حق الدولة المحاربة في الضبط إذا شاءت أن لا تعطي مهلة للرحيل كما حكم بذلك في القضية السابق ذكرها.
وهذا الحكم إنما يسري على المراكب التجارية دون الحربية.
وقد نص اتفاق لاهاي السادس على حالة مشابهة هي حالة السفن التي تضبط في عرض البحر جاهلة قيام حالة الحرب، فنص على جواز ضبطها دون مصادرتها على أن ترد هي أو قيمتها بعد الحرب (م 3).
ويستثني منها السفن التي تبني بغرض تحويلها إلى سفن حربية أثناء الحرب فتأخذ حكم السفن الحربية (م 5).
وتنص المادة الرابعة من هذا الاتفاق على تطبيق هذه القاعدة على أموال الأعداء التي تحملها هذه السفن، فلا تصادر بل تضبط فقط لحين نهاية الحرب.
لكن ألمانيا تحفظت ولم تقبل حكم المادة (3) من هذا الاتفاق بدعوى أن سفنها لا تجد موانئ تلجأ إليها إذا فاجأتها الحرب وهي في عرض البحر - فلم يطبق في حقها في الحربين الماضيين العالميين.
وقد حكم مجلس الغنائم في مصر بمصادرة سفينة فاجأتها حالة الحرب وهي في عرض البحر باعتبار أن إعفاءها من المصادرة لم يكن متفقًا عليه بالإجماع بين الدول ولم يعمل به في الحربين العالميين.
2 - البواخر المخصصة لنقل أسرى الحرب وتسمى Cartel:
وهذه البواخر التي تستعمل لتبادل الأسرى أو لنقلهم وتسري رافعة علم الهدنة وتنتقل باتفاق بين الطرفين وتحصل على جواز مرور Sauf - conduit ويشترط أن لا تنقل ذخائر أو متاجر.
3 - بواخر الاستشفاء Bâtiments Hospitaliers
(اتفاق لاهاي العاشر):
وهي البواخر التي تعدها الحكومات أو الأفراد لنقل المرضى والجرحى وللإغاثة بشرط أن لا تشترك في أعمال حربية مثل نقل الأخبار - كما حدث من باخرة الاستشفاء الألمانية Ophelia فضبطت وصودرت.
4 - المراكب المخصصة للصيد في السواحل.
5 - المراكب المخصصة للملاحة الساحلية المحلية.
6 - المراكب المخصصة لأغراض علمية أو دينية أو خيرية مثل إغاثة الأسرى والمشردين.
7 - المراكب المخصصة لنقل البريد.
الإعفاء في هذه الأحوال الأربعة تقرر في اتفاق لاهاي الحادي عشر، أما بالنسبة لبواخر الصيد فإنها تشتعل في تجارة يعتمد عليها أهل السواحل، ويستثنى منها ما يكون في عرض البحر.
وكذلك بالنسبة للملاحة الساحلية التي تستعمل فيها مراكب صغيرة للنزهة أو للتجارة بين أطراف السواحل في المملكة الواحدة.
أما بالنسبة للبريد فإن الدول المحاربة تنظر بعين الاشتباه إليها خشية أن ينقل بواسطتها أخبار أو مواد داخل المظاريف تكون مهربات، ولذلك فإن لها حق تفتيشها وتفتيش محتوياتها ومصادرة ما يحوي أخبارًا أو مواد تعتبر مهربات - وقد ضبطت رقائق من الكاوتشوك في المراسلات - وفي ما عدا ذلك يجب إخلاء سبيلها وتسهيل سفرها.
أما طرود البريد فلا تعتبر مراسلات بل تعتبر بضائع لا تسري عليها أحكام المراسلات، وقد حكم مجلس الغنائم بمصادرة عدد كبير منها.
8 - أمتعة البحارة:
تتسامح جميع الدول في أمتعة القبطان والبحارة وهذه تشمل ملابسهم والأدوات والآلات المملوكة لهم وكذلك النقود التي توجد معهم.
وقد حكم مجلس الغنائم في قضية الباخرة Frankisky برد أمتعة البحارة ونقودهم إليهم.
حماية الراية المحايدة:
الأصل أن أموال العدو تضبط وتصادر ولو كانت على مراكب محايدة، وفي القرن السابع عشر ادعى الهولنديون حماية مراكبهم لبضائع المحاربين باعتبار أن السفينة تعتبر امتدادًا لأرض الدولة التابعة لها، ولم يكن ذلك مسلمًا به حتى نص عليه صراحةً في تصريح باريس في 16/ 4/ 1856 بأن الراية المحايدة تحمي أموال العدو.
وهذه الحماية تدفع بها الباخرة المحايدة والدولة المحايدة والعدو أيضًا يستفيد منها.
وقد طبق مجلس الغنائم هذه القاعدة باستمرار وخصوصًا في قضية الباخرة marine carp.
أما إذا أفرغت السفينة المحايدة بضاعتها على اليابسة فتسقط عنها حماية الراية المحايدة، وقد حكم بأن إيداع بضائع في الجمرك من قبل البواخر المحايدة يزيل حماية الراية المحايدة.
وقد حكم مجلس الغنائم بهذا المعنى كما حكم بمصادرة شحنات على باخرة محايدة لأن أحدًا لم يدفع بحماية الراية المحايدة لأن الراية المحايدة لا تمنع الضبط بل توجب الإفراج عند الاحتماء بها.
منبع الضبط في المياه الساحلية المحايدة:
وهذه من أقدم قواعد القانون الدولي مبناها أن المياه الساحلية هي جزء من الدولة المحايدة لا يجوز ارتكاب عمل عدائي فيها، والضبط عمل عدائي، وقد كرست هذه القاعدة في المادة الأولى من اتفاق لاهاي الثالث عشر ويحدد عرض المياه الساحلية بثلاثة أميال بحرية.
ويشترط أن تكون الباخرة المعادية دخلت المياه الساحلية في رحلة عادية فإن ارتكبت عملاً عدائيًا في المياه الساحلية المحايدة جاز ضبطها كما حصل بالنسبة للباخرة Altmark في 14 فبراير سنة 1940 التي كانت تحمل أسرى من البريطانيين وطاردتها باخرة إنجليزية فلجأت إلى مياه النرويج ورغم ذلك ضبطتها الباخرة الإنجليزية وحكم بمصادرتها لأنها استعملت المياه المحايدة لعمل عدائي هو إنزال الأسرى الإنجليز.
وحماية المياه الساحلية مقررة للدولة المحايدة رعاية لسلطانها على سواحلها فلها وحدها حق الاعتراض وطلب الإفراج وليس للعدو هذا الحق لأن الضبط صحيح بالنسبة إليه، وهذا هو الرأي الإنجليزي أما في فرنسا وألمانيا فالحماية مطلقة للعدو ولو لم تتدخل الدولة المحايدة.
ومن دقائق القانون الدولي بهذا الخصوص أنه إذا تعذر الإفراج وجب دفع قيمة السفينة المضبوطة إلى الدولة المحايدة وهي تردها من قبلها إلى مالكها، أما إذا هلكت السفينة كأن غرقت وحدها أو بفعل العدو قبل ردها فلا تعويض عنها للدولة المحايدة لأن الرد واجب والتعويض غير واجب.

(3)
المهربات الحربية

إن بحث المهربات الحربية يرتبط ببحث أحكام الحياد لأن المهربات هي في الأصل أموال المحايدين فإن كانت مملوكة لعدو جاز ضبطها باعتبارها مالاً معاديًا بصرف النظر عن صفتها مهربات حربية.
والحياد هي حالة الدولة التي لا تدخل في حرب وتعامل الطرفين المتحاربين معاملة واحدة.
وحقوق المحايدين ليست ثابتة على حالة واحدة في كل حرب بل تتغير تبعًا لنسبة قوة المحايدين للمحاربين إذ يجب على المحايدين تأييد حقوقهم بالقوة أو يفقدونها، والمحاربون الأقوياء يضيقون باستمرار من نطاق الحياد مراعاة لمصالحهم الحربية.
وفي العصور الوسطى حين كانت الحروب تثار لأسباب دينية ولأسباب يعتبر بعضها مشروعًا أو غير مشروع كان رجال الدين في إسبانيا يفرقون بين حقوق المحايدين في الحروب المشروعة Juste وفي الحروب غير المشروعة، وبعد نشوء فكرة سيادة الدولة انعدمت هذه التفرقة وتوحدت أحكام الحيدة في كل الحروب.
فلما انتهت حرب سنة 1914 بإنشاء عصبة الأمم التي حرمت الحروب العدوانية وأوجبت على أعضاء جمعية الأمم مقاومة المعتدي أصبحت بعض الحروب بحكم عهدة عصبة الأمم مباحة Licite وبعضها غير مباح فأصبحت الحيدة مشربة بروح التعاون مع المحارب المدافع وبروح المقاومة ضد المحارب المعتدي، فلم تكن الحيدة إذن حالة ثابتة.
وفي الحرب العالمية الثانية ضعفت حالة الحياد وضاقت حقوق المحايدين لعظم قوة الحلفاء واشتراك عدد كبير منهم ضد الألمان وحلفائهم فخضع المحايدون لقيود ما كانوا يخضعون لها من قبل فقيدت وارداتهم وأجبروا على تموين الحلفاء وحدهم وعلى العموم نظمت التجارة الدولية على المنوال الذي فرضه الحلفاء.
وكانت الولايات المتحدة في القرن التاسع عشر أكبر الدول المحايدة لعدم تدخلها في الحروب الأوروبية فكانت زعيمة المحايدين المطالبة بحقوقهم، وكانت تحمي حقوق المحايدين بشدة في أول الحربين العالميين وهي محايدة ثم انقلبت ضد هذه الحقوق بعينها بعد أن دخلت في الحرب.
ولما كانت حالة الحياد تتعلق في هذا الخصوص بالتجارة البحرية فيمكن تلخيصها في كلمتي (حرية البحار).
ومعنى عبارة حرية البحار ترك طرقها الواسعة حرة لتجارة المحايدين فيما بينهم ومع المحاربين.
ولحماية هذا الحق ذهبت الدول الكبرى إلى حد تحديد القوى البحرية لكل منها في مؤتمرات تحديد السلاح البحري كما حصل في مؤتمر واشنطن في سنة 1922 وما تلاها من مؤتمرات في جنيف.
ومهما يكن العرف الدولي والمعاهدات والقوانين الأهلية فالحياد حالة غير ثابتة تتأثر وتختلف في كل حرب عن التي تليها.
ولم تكن حالة الحياد معروفة في اليونان القديمة كحالة ثابتة فمن لا يتدخل في حرب لا يعد على الحياد فإن شاء ساعد أحد المحاربين على الآخر.
وفي تاريخ الرومان إنكار تام لحالة الحياد فهم يعتبرون باقي الأمم إما معهم أو عليهم.
ولم تنبثق فكرة الحياد إلا في العصور الوسطى مع تقدم التجارة البحرية فكان المحارب يمنع التجارة من عدوه وفي ذلك إضعاف لقوة العدو ثم يقوم هو بهذه التجارة مع عدوه ليستفيد منها لبلده.
وكان المحايدون يقاومون ذلك بالقوة، ونتج عن ذلك تفاهم على أن التجارة التي لا تؤثر في الحرب تعتبر جائزة والتي تؤثر في الحرب تمنع وتعتبر مهربات حربية.
وعلى هذه القاعدة كانت علاقة البضائع بالمراكب مقررة بأن المركب المحايد ينقل أموال الأعداء التي لا تعد مهربات حربية ومراكب الأعداء تنقل أموال المحايدين التي لا تعد مهربات حربية.
وفي هذه الأحوال تجوز مصادرة أموال الأعداء على مراكب المحايدين ولا تجوز مصادرة مراكب المحايدين لهذا السبب، ويجوز مصادرة مراكب الأعداء دون أموال المحايدين التي تحملها.
كان هذا حكم نظام قنصلاتو البحر Consulat de la mer المعمول به حتى تصريح باريس سنة 1856.
وفي القرن السادس عشر قويت الدول وحدت من هذه الحقوق فأصدرت فرنسا قوانين قلبت هذه القواعد إذ رجعت إلى فكرة قديمة هي فكرة العدوى المعادية Infection hostile.
فاعتبرت البضائع المعادية تعدي المراكب المحايدة واعتبرت المركب المعادية تعدي البضائع المحايدة فأصبحت أموال المحايدين على مركب الأعداء تصادر ومراكب المحايدين التي تحمل أموال الأعداء تصادر.
وقابل الدول هذه القوانين بمثلها فتأثرت التجارة الدولية وصار المحايدون يتدخلون في الحروب لمصلحتهم وعقدوا مؤتمرات لهذا الغرض في سنة 1691 - 1693، وفي سنة 1800.
وكان الدول أحيانًا تخفف قيودها إذا احتاجت للمحايدين وتشددها إذا استغنت عنهم.
ولم تكن هذه التنظيمات مبنية على قواعد من العدل بل على فائدتها للدول المحاربة - فإنجلترا مثلاً لعظم أسطولها التجاري والبحري كانت تؤيد قواعد قنصلاتو البحر لأن مراكبها تحمل متاجرها ولا تخشى الاعتداء عليها.
وأخيرًا جاءت معاهدة Utreclit في سنة 1713 - 1715 في صالح المحايدين إذ قررت قاعدة بسيطة وهي أن البضائع تتبع المركب، فالبضائع التي على مركب محايد تعتبر محايدة والتي على مركب معادية تعتبر معادية، فنشطت تجارة المحايدين إذ ليس على صاحب المركب أن يبحث عن صفة صاحب البضاعة وأصبحت كل مركب محايد غير معرضة للتفتيش والضبط.
وما زالت الحال رغم ذلك بين جذب ورد إلى ما بعد انتهاء حرب القرم في منتصف القرن التاسع عشر حين عملت معاهدة باريس في 16 إبريل سنة 1856 التي وقعتها أو انضمت إليها كل الدول، والتي تقرر فيها إبطال القرصنة وحمالة الراية المحايدة لأموال الأعداء وحماية أموال المحايدين حتى على مراكب العدو ما عدا المهربات الحربية في كلتا الحالتين.
فأصبحت المركب المحايدة تحمي أموال العدو وأصبحت أموال المحايدين محمية على مراكب العدو، وبذلك تمت حماية تجارة المحايدين بواخرًا وبضائعًا لا قيد عليها إلا في حالتين حالة الحصر البحري وحالة المهربات الحربية، فالحصر البحري هو تحديد جغرافي ضيق تمنع فيه التجارة عمومًا.

الأساس القانون لأحكام المهربات

بينما كانت أحكام المهربات تتغير تارة بالتشديد وتارة بالتخفيف كان ذلك يفسر أو يبني نظريًا على الصيغة القانونية التي تصطبغ بها عملية التهريب هل هي عمل تجاري مباح أو هي جنحة في حق المحاربين ؟
فالتشديد يبني على أنها جريمة في حق المحاربين، والتخفيف يبني على أنها عملية مباحة وأكبر أنصار فكرة الجنحة الأستاذ Kleen في كتابين عن أحكام الحياد (1898)، وعن المهربات (1893).
ويقوم هذا البحث على بحث الصيغة القانونية لحالة الحياد هل هي حالة ترتبط بها الدول فقط أم يرتبط بها رعايا الدول المحايدة أيضًا.
ولا شك أن الحياد هو علاقة بين الدول المتحاربة وغير المحاربة، فالدولة المحايدة تلتزم واجبات نحو المحاربين فتعاملهم على قدم المساواة وتمتنع عن مساعدة أحدهم أو تسهيل أي إجراء لهم يكون من شأنه معاونتهم في المجهود الحربي.
أما أفراد رعايا الدول المحايدة فليس لهم صفة الحياد، إنما هم يخضعون لما تفرضه حكوماتهم عليهم من قيود وتعاقبهم على مخالفاتها.
والدول المحاربة لا تفرض واجبات على رعايا غيرها من الدول، لذلك ترتبط الدول دون الأفراد بحالة الحياد.
فلأفراد رعايا الدول المحايدة حق التعامل مع المحاربين، ويقابل المحاربون هذا الحق بجزاء من قبلهم، فمن اشترك من المحايدين في أعمال حربية أخذ حكم المحارب تمامًا، ومن اشترك في أعمال تجارية فجزاؤه مصادرة أمواله فقط دون توقيع أي عقاب على نفسه، ودون المساس بحياد دولته ودون ترتيب مسؤولية عليها وليس لدولته أن تتدخل لحماية رعاياها الذين يخالفون قواعد الحرب وأحكام الحياد ما دام الجزاء الذي توقعه الدولة المحاربة هو الجزاء المقرر في القانون الدولي، وهو لا يتعدى مصادرة المهربات.
وفي المؤتمر الذي عقده معهد القانون الدولي في باريس في سنة 1894 دافع الأستاذ (كلين) عن نظريته لكن أعضاء المؤتمر ما عدا الأستاذ الإيطالي (بروشا) رفضوها بالإجماع، ثم جاء مؤتمر لاهاي الثاني في سنة 1907 ومؤتمر لوندرة في سنة 1909 فأيدا نظرية أن التهريب عملية تجارية ويترتب على ذلك أن حق المحارب يكون ضد صاحب المركب وصاحب البضاعة فقط وأن هذا لا يسأل إلا إذا كان عالمًا بقيام حالة الحرب، وهذا الشرط الأخير كان مهمًا وقتئذٍ لكن ضعفت أهميته بعد اختراع اللاسلكي.
ويشترط أيضًا أن يقع الضبط على البضاعة المهربة فإن تم التهريب فلا جزاء على المهرب بمعنى أن الباخرة التي حملت مهربات وسلمتها لا تضبط في عودتها.

المهربات الحربية

نظام المهربات الحربية هو نظام وسط بين حق المحايدين في المتاجرة مع المحاربين وبين حق المحاربين في منع كل ما يقوي المجهود الحربي لدى أعدائهم.
وتاريخ المهربات الحربية طويل ثم ليس له أهمية عملية الآن إلا من حيث تقرير قواعده.
وهذه كانت في القرنين السابع عشر والثامن عشر تحدد باتفاقات بين الدول، وفي القرن التاسع عشر أصبح المحاربون يحددون أنواع المهربات بإعلانات من طرفهم فكانوا يتحكمون في تجارة المحايدين، وهؤلاء يلجأون للاحتجاجات السياسية والضغط السياسي من قبل دولهم.
وفي مستقل القرن العشرين رئي الاتفاق على أحكام المهربات الحربية في مؤتمر لاهاي الثاني في سنة 1907 التي نظمت فيه قواعد الحرب البحرية واتفق فيه على إنشاء محكمة غنائم دولية فكان من اللازم الاتفاق على القواعد التي تحكم بمقتضاها، ولذا عقد مؤتمر لوندرة في ديسمبر سنة 1908 وانتهى بتصريح لوندرة في 26 فبراير سنة 1909 الذي حوى قواعد الغنائم في 71 مادة، وقسم المهربات الحربية إلى ثلاث أنواع:
1 - المهربات المطلقة.
2 - المهربات النسبية.
3 - الكشف الحر La liste libre
وهو يحوي البضائع التي لا يجوز اعتبارها مهربات.
فالمهربات المطلقة (م 22) هي الذخائر والأسلحة وما يدخل في صناعتها وملابس العساكر وأدوات الحرب.
والمهربات النسبية (م 24) هي ما يجوز استعماله للمحاربين وللمدنيين مثل الأغذية والملابس والجلود والوقود والمعادن والنقود.
أما الكشف الحر فكان يحوي القطن الخام والكاوتشوك والمعادن وخامات الصناعة والصيني وأدوات الزينة.
ويكفي أن بعض ما ورد في الكشف يعتبر الآن من المهربات المطلقة كالقطن والكاوتشوك لدخولها في الصناعات والأدوات الحربية.
وبنى هذا التقسيم على نظم الحرب القديمة التي تفرق بين القوات المحاربة وبين المدنيين، ولكن الحربين العالميتين الأخيرتين قد قبلتا نظام الحروب وجعلتها حروبًا لا بين جيوش وأساطيل بل بين جميع أفراد الأمم المتحاربة فهي حرب جماعية تجند فيها سائر قوي المدنيين لخدمة المجهود الحربي لذلك لم يحتمل تقسيم المهربات إلى مطلقة ونسبية تجربة الحرب العالمية الأولى فعدل عنه إذ كل ما يلزم للمدنيين أصبح يساد على تقوية المجهود الحربي.
أركان التهريب:
يقوم التهريب على ركنين:
1 - محل التهريب Objet.
وهو البضائع التي من شأنها المعاونة على تقوية المجهود الحربي.
2 - الوجهة Destination
وهي أن تكون موجهة إلى بلاد العدو وتسمى الوجهة المعادية.
( أ ) المهربات:
كانت تنقسم إلى قسمين:
1 - مطلقة Absolu
وتشمل الأسلحة والذخائر وكل ما يستعمل خصيصًا للحرب والمحاربين.
2 - النسبية Conditionnnelle ou Relative
وتشمل كل ما يمكن أن يستعمل للحرب وللمحاربين أو للمدنيين كالملابس والأغذية والوقود وأدوات النقل والمعادن والخامات والنقود والأوراق المالية.
وقد حصرت في تصريح لوندرة في 13 صنفًا (م 24).
1 - الأغذية.
2 - العلف.
3 - الملابس.
4 - الذهب والفضة والأوراق المالية.
5 - أدوات النقل.
6 - المراكب وأجزاؤها.
7 - أدوات المواصلات البرية والسلكية.
8 - أدوات الطيران.
9 - البارود والمفرقعات غير الخاصة بالحرب.
10 - الأسلاك الشائكة.
11 - أدوات ركوب الخيل.
12 - النظارات والساعات والآلات البحرية.
13 - غير ذلك مما يستعمل للمدنيين أو للمحاربين بشرط الإعلان عنه من قبل كل دولة.
(ب) الوجهة المعادية:
يكفي بالنسبة للمهربات المطلقة أن يكون موجهة لبلاد العدو، ويلزم بالنسبة للمهربات النسبية أن تكون موجهة للقوات المحاربة أو للدولة المحاربة لا لاستهلاك المدنيين فيها.
ولصعوبة تحقيق وجهة الاستعمال في المهربات النسبية كان بحثها مثار نقاش واسع لاختلاف مصالح الدول الكبرى بشأنها، وهذا النقاش يلقي ضوءًا كبيرًا على الأسباب التي تحمل كل دولة على اعتبار أي صنف منها مهربات فالأغذية مثلاً ما كانت إنجلترا تريد اعتبارها مهربات لحاجتها إليها - وفرنسا كانت تعتبرها مهربات لعدم حاجتها إليها لاستغنائها بحاصلاتها الزراعية، وما كانت قبل مؤتمر لندرة تعتبر مهربات إلا في الأحوال التي يحتاج إليها العدو.
وتاريخ المهربات مشحون بمثل هذه المناقضات التي كانت تقتضيها ضرورة الحرب ففي أثناء حرب فرنسا مع الصين في سنة 1865 اعتبرت فرنسا الأرز المرسل إلى الصين مهربات لأنه غذاؤهم، وكانت إنجلترا لا تعتبر الفحم مهربات لأنها تصدره فلما تحاربت مع فرنسا واعتبرت فرنسا الأغذية مهربات لتمنعها عن إنجلترا اعتبرت انجلترا الفحم المرسل إلى فرنسا مهربات.
وعلى كل حال فنظام المهربات في تصريح لندرة بني على التفرقة بين المحاربين وبين المدنيين فلم يحتمل تجربة الحرب العالمية الأولى التي تغيرت فيها نظم الحرب بالاختراعات الحديثة وبتولي الحكومات نظام التموين للشعب وتجنيد المدنيين لمساعدة المجهود الحربي فأصبحت الحرب الحديثة جماعية totalitariau وصارت جميع المهربات النسبية مهربات مطلقة كما أن كثيرًا من الأشياء التي وردت في الكشف الحر أصبحت لازمة للحرب مثل القطن والكاوتشوك فأصبحت المهربات تشمل كل ما تستورده الأمم المحاربة.
وعبر عن ذلك أحسن تعبير H. A. Smith الأستاذ بجامعة لوندرة بقوله (إن الدولة المحاربة هي التي تحدد وارداتها إذ تمنع الكماليات ولا تستورد إلا ما يلزم لبقاء الشعب واستمرار المجهود الحربي فكل ما تبيح استيراده يكون بالنسبة لعدوها مهربات حربية).
فزالت بذلك عن المهربات أحكام تصريح لوندرة ولذلك عدلت الدول عن بعض أحكامه من أول الحرب ثم عدلت عنه كلية في 16/ 7/ 1916 وأصبحت تسير في المهربات على قاعدة واحدة هي أن كل ما يقوي المجهود الحربي يعتبر مهربات ولو أن تقسيمها إلى مطلقة ونسبية بقي نظريًا حتى الحرب العالمية الثانية إلا أنه كان غير مطبق عملاً.
وكذلك توسعت المحاكم فاعتبرت أن تولي الحكومات تنظيم التموين واستيلائها على جميع الواردات لهذا النص يجعل كل المهربات النسبية في حكم المهربات المطلقة لأنها مرسلة للدولة (المحكمة البريطانية في قضية الباخرة Alwaki في سنة 1940 والمجلس الخاص في قضية الباخرة Montes Contes في سنة 1943).
وقد اتبع مجلس الغنائم في مصر هذه القاعدة فاعتبر كل سلعة تساعد على تقوية المجهود الحربي مهربات واعتبر الأغذية والملابس كلها مهربات لسبب تجنيد العدو لسائر قوى المدنيين ولسبب توليه التموين لسائر الأفراد، ففي نهاية الحرب العالمية الأولى بلغ عدد أنواع المهربات المطلقة والنسبية التي أعلنتها إنجلترا 248 نوعًا، كما تقرر أن المهربات النسبية تعامل معاملة المطلقة ما دامت الحكومة تراقب وتنظم التموين وتجند سائر القوى المدنية للمجهود الحربي.
وفي الحرب العالمية الثانية أعلنت إنجلترا في 4 سبتمبر أن المهربات الحربية المطلقة تشمل 4 أنواع هي:
1 - الأسلحة والذخائر والمواد الكيميائية التي تستعمل في الحرب أو في الصناعات الحربية.
2 - كل أنواع الوقود وكل أدوات المواصلات البحرية والبرية والجوية.
3 - طرق المواصلات وأدواتها بما فيها الخرط والورق والنقود والمعادن والأوراق المالية.
والمهربات النسبية هي الأغذية والعلف والملابس، وهذا الكشف على صغره حوى كل شيء إذ يدخل في كل صنف كل المواد الأولية والآلات التي تستخدم في صنعه أو إنتاجه.
وقد اتبعت فرنسا هذا الكشف بإعلانها في 4 سبتمبر سنة 1939 وتبعته ألمانيا وإيطاليا.
وقد توسعت المحاكم في تفسيره فكل ما يشتبه في احتمال استعماله للحرب أو في تقوية المجهود الحربي ولو كان أصلاً لاستعمال المدنيين يصادر فصودرت شحنة من السردين المملح ولو أن هذا الصنف لا يعطى أبدًا للمحاربين وقالت المحكمة في ذلك إن استعماله للمدنيين يوفر غذاء بقدر قيمته غذاء للمحاربين (المجلس الخاص في قضية الباخرة Hakan في سنة 1918).

تحديد الوجهة المعادية

من السهل على المحاربين إخفاء الوجهة المعادية بقطع السفرة على مرحلتين الأولى إلى بلد محايد ثم منها إلى بلاد العدو، لكن المحاربين لم يقبلوا ذلك وعدوا الرحلة متصلة ما دام يثبت لديهم أن البضاعة موجهة في النهاية إلى بلاد العدو حتى لو كانت الرحلة تتم بالبر كما حصل في قضية الباخرة Doelwyck الهولندية التي كانت محملة ذخائر إلى ميناء جيبوتي الفرنسية لترسل منها إلى الحبشة أثناء الحرب الإيطالية الحبشية في سنة 1896.
ومن تطبيقات نظرية الرحلة المتصلة في الحربين الماضيين ما لاحظه الحلفاء من ازدياد واردات الدول الصغيرة المجاورة لألمانيا نحو عشرة أَعافها عما كانت عليه قبل الحرب فلجأوا إلى الإحصائيات لإثبات أن كل زيادة عن وارداتها قبل الحرب تعتبر موجهة إلى بلاد العدو، ومن أمثلة ذلك أن واردات الدانيمارك في سنة 1913 بلغت 178 مليون من الكرون فزادت في 1914 إلى 300 مليون، وفي سنة 1915 إلى 487 مليونًا وفي سنة 1916 إلى 600 مليون بينما نقصت صادراتها إلى إنجلترا من 490 مليون في سنة 1913 إلى 381 مليونًا في سنة 1915 و351 مليونًا في سنة 1916.
وكان تصريح لوندرة قد نص في المادة (35) على أن المهربات النسبية لا تضبط إلا إذا كانت موجهة إلى بلاد العدو ولا تضبط إذا كانت موجهة إلى ميناء محايد.
وقد لاحظ الحلفاء من أول حرب سنة 1914 زيادة الواردات إلى البلاد الصغيرة المجاورة لألمانيا فصدر مرسوم ملكي في إنجلترا 20/ 8/ 1914 ودكريتو فرنسي في 25/ 8/ 1914 بجواز ضبط المهربات النسبية المرسلة إلى ميناء محايد إذا كانت موجهة منها إلى بلاد العدو، ثم صدر مرسوم ملكي في إنجلترا وديكربتو فرنسي في 30/ 10/ 1914 باعتبار كل ما يرسل إلى ميناء محايد مهربًا إلى كان مرسلاً لحامل سند الشحن.

عدوى المهربات

قلنا إن الجزاء على التهريب هو مصادرة المهربات، لكن منذ القرن الثاني عشر ابتدعت نظرية عدوى المهربات لتوقيع جزاء شديد على المهربين إذ قررت بعض الدول أن الباخرة المحايدة إذا حملت كمية كبيرة من المهربات تصادر الباخرة أيضًا بحكم الدعوى.
وهذه العدوى هي من آثار فكرة أن التهريب جريمة.
وقد اتفق عليها في مؤتمر لوندرة وجعل معيارها نصف حمولة الباخرة سواء حسب الوزن أو حسب النولون أو حسب القيمة، فالباخرة التي تحمل نصف حمولتها مهربات تصادر - وقد روعي في تقرير المعايير الثلاثة أن لا تتمكن المركب من مفاداة المصادرة إذا استعمل أحدها فقط.
وقد طبق مجلس الغنائم هذه القاعدة في قضية الباخرة Frankisky التي كانت كل حمولتها مهربات ولو أنها أقل من نصف سعة المركب.
ولدى الإنجليز تمتد عدوى المهربات إلى كل بضاعة مملوكة لصاحب البضاعة المهربة على نفس الباخرة بصرف النظر عن نسبة قيمة المهربات إلى غير المهربات - وقد أقر هذه القاعدة تصريح لوندرة في المادة (42).
وقد سبق هذه القاعدة أيضًا مجلس الغنائم في مصر في أحوال كانت فيها البضائع مرسلة إلى بلاد العدو لمالك واحد بعضها مهربات وبعضها لا يعتبر مهربات.

ضرورة العلم بقيام حالة الحرب

إذا بدأت بضائع سفرتها بريئة قبل إعلان حالة الحرب وفاجأتها حالة الحرب وهي في البحر فالقاعدة في ذلك أنها لا تصادر إلا مقابل دفع قيمتها إلا إذا ثبت أنه كان من الممكن إنزالها في ميناء محايد قبل ضبطها، وقد أقر هذه القاعدة تصريح لوندرة في المادة (43).

الحصر البحري التجاري

قلنا إن تصريح باريس وتصريح لوندرة تحمي أموال الأعداء على البواخر المحايدة فكان ذلك وسيلة لحماية التجارة الألمانية الصادرة والواردة.
وأول حيلة قانونية لمفاداة ذلك أن لجأ الحلفاء إلى أن حماية الراية المحايدة تقتصر على أموال الأفراد دون أموال الدولة، وأن البضائع المرسلة إلى بلاد العدو تعتبر كلها ملكًا للدولة إذا تولت الدولة تنظيم التموين ومراقبته كما حكم بذلك من مجلس الغنائم الفرنسي في قضية الباخرة Sibilla في 14 فبراير سنة 1916.
وقابلت ألمانيا هذا التضييق على تجارة المحايدين بإعلان حرب الغواصات فقرر الإنجليز والفرنسيون الحصر البحري التجاري باعتبار جميع صادرات ألمانيا ووارداتها مهربات تضبط وتصادر، ولكن ينظر في دفع قيمتها بعد الحرب بمرسوم ملكي في 11 مارس سنة 1912 وديكريتو فرنسي في 13 مارس سنة 1915.
ومع تحقق سيادة البحار للحلفاء لجأوا إلى تحديد التجارة الدولية صادرات وواردات بحصص تحدد لكل دولة تبني على إحصاءات حالة ما قبل الحرب، وفرض ذلك على المحايدين تارة بالضغط وطورًا بالاقتناع وبالمساعدة في تخفيف قيود الضبط والتفتيش بإعطاء رخص المرور الحرة في البحارة بعد التحقق من مصدر البضاعة ومآلها.

(4)
قضاء الغنائم الحديث

تشكل محاكم الغنائم في بعض الدول من قضاة كما في إنجلترا وأمريكا والبرتغال والبلجيك في الدرجة الاستئنافية أو من قضاة وموظفين أو ضباط بحريين كما في إيطاليا وألمانيا وفرنسا.
وفي جميع البلاد توجد درجتان، محكمة ابتدائية ومحكمة استئنافية، ويراعي في المحكمة الاستئنافية أن يكون أعضاؤها من كبار رجال القضاء والقانون في الدولة، ففي فرنسا ينظر الاستئناف لدى مجلس الدولة بهيئة جمعية عمومية ويصدر قراره بديكريتو من رئيس الجمهورية.
وفي إنجلترا يتولى القضاء الدرجة الابتدائية قاضي واحد على النظام الإنجليزي في أكثر القضايا ويرفع الاستئناف إلى المجلس الخاص Privy Council، ويصدر الحكم بصيغة مرسوم من الملك Order in Council ويرجع سبب ذلك إلى أنها في الحقيقة محاكم دولية تطبق قواعد القانون الدولي وأكثرها غير ثابت إلا من أحكام المحاكم، ثم إن هذه تتكيف دائمًا بظروف الحرب التي تتغير طرقها في العصر الحديث نتيجة للاختراعات الحديثة ولنظم الحرب الجماعية ولتطور نظم التجارة الدولية وأحكام التجارة البحرية - فلكل ذلك ومراعاة لمسؤولية الدولة عن أحكام محاكم الغنائم فإنه يعهد بها إلى أكبر القضاة ورجال القانون في كل دولة لأنها تعتبر محاكم دولية لأنها لا تطبق الشرائع المحلية بل تطبق القانون الدولي.
وبعض الدول سنت تشريعًا كاملاً لأحكام الغنائم مثل إيطاليا.
وفي فرنسا وضعت الحكومة الفرنسية تعليمات مطابقة لأحكام القانون الدولي ليسترشد بها رجال البحرية في ضبط الغنائم وتعدل الحكومة فيها من وقت لآخر فمنها تعليمات سنة 1912 الموافقة لتصريح مؤتمر لوندرة ثم تعليمات سنة 1916 بعد العدول عنه ثم تعليمات سنة 1934.
وهذه التعليمات لا تلزم مجلس الغنائم إنما كثيرًا ما يستند إليها في أحكامه لا باعتبارها تشريعًا واجب الاتباع بل باعتبارها تنص على قاعدة دولية مسلم بها.
أما في إنجلترا فباعتبارها محكمة مفوضة بالحكم طبقًا للقانون الدولي ولعرف الأميرالية فإن المحاكم لا تتقيد إلا بقواعد القانون الدولي ولا تطبق من تعليمات أو مراسيم السلطة التنفيذية إلا إذا كانت في صالح صاحب الغنيمة كما حكم بذلك في قضية الباخرة Zamora في سنة 1916 من قبل المجلس الخاص.
ويدخل في عداد القانون الدولي المعاهدات الدولية وتصريح باريس واتفاقات لاهاي الثاني عشر التي صدقت عليها الدول، أما تصريح لوندرة فلم يتصدق عليه من أحد وعدل عنه بإعلانات من قبل إنجلترا وفرنسا.

مسؤولية الدولة عن أحكام محاكم الغنائم

تعترف الدول مبدئيًا بقوة حكم محاكم الغنائم وأن له حجية الشيء المقضى به باعتباره حكمًا صادرًا من محكمة نظامية تتبع قواعد ثابتة مطردة.
إنما هذه الحجية مقيدة بقيدين الأول أن يكون الحكم وفقًا لقاعدة ثابتة في القانون الدولي، والثاني أن تكون إجراءات الدعوى سليمة لم تمس حق الدفاع وسنشرح ذلك في الكلام على إجراءات الدعوى.
فإن كان الحكم لم يبنَ على قاعدة ثابتة في القانون الدولي فإن صاحب الغنيمة يلجأ لدولته لتطالب بقيمة الغنيمة وعند التنازع إذا لم يتفق الطرفان معًا يلجأ إلى التحكيم لدى محكمين يختارهم الطرفان في كل حالة.
ولا يحدث ذلك إلا بعد انتهاء الحرب، وكثيرًا ما تنص معاهدات الصلح على إقرار أحكام محاكم الغنائم أو على إعادة النظر في بعضها.
وهذا لا يمس طبعًا حق المحايدين في طلب التحكيم، وهو حق معترف به إذا حصل التنازع على صحة أحكام محاكم الغنائم، والأمثلة كثيرة عليه ففي سنة 1794 اتفقت أمريكا وإنجلترا على التحكيم ثم في سنة 1853، وسنة 1871، وفي سنة 1807 اتفقت أمريكا والدنيمارك على التحكيم، وفي سنة 1831 اتفقت أمريكا وفرنسا على التحكيم.
وفي كل حالة حصل فيها تحكيم لم يحكم برد الغنائم بل يدفع تعويض عنها فترك الحكم قائمًا نهائيًا فيما قضى به من مصادرة الغنيمة فبقيت على ملك الغانم.
وفي غير أحوال التحكيم التي هي عمل سياسي غير قضائي يعتبر الحكم نهائيًا ساريًا على الكافة ومرعيًا لدى المحاكم المدنية في جميع الدول فلا يجوز لصاحب باخرة ضبطت وصودرت أن يرفع دعوى بثبوت ملكيته للباخرة بعدئذٍ لدى أية محكمة وقد حكمت بذلك محكمة النقض الفرنسية في 20 مارس سنة 1809 (P & P, II, 188)
ويتم التوفيق بين حجية حكم محاكم الغنائم وبين التحكيم بالقول إن حكم محكمة الغنائم يعتبر نهائيًا بالنسبة للعين in rem لكنه عند التحكيم لا يعتبر نهائيًا in personum بالنسبة لصاحب الغنيمة.
وحدث في الحرب العالمية الأولى أن صادرت محكمة غنائم الصين الباخرة Silesia التابعة لشركة لويد فريستينو ثم أجرتها بعد الحرب إلى حكومة تشيكوسلوفاكيا فلما وصلت إلى تريستا حجز عليها أصحابها وحكمت محكمة تريستا لصالحهم لكن حكومة إيطاليا اعترفت بحجية حكم محكمة غنائم الصين وألزمت شركة لويد فريستينو برد الباخرة وقد أصدر ثلاثة محكمون سويسريون حكمًا في 30/ 6/ 1930 بين البرتغال وبين ألمانيا قالوا فيه:
(إن حكم محكمة الغنائم هو حكم نهائي chose jugée بالنسبة للعين in rem يعتبرًا سندًا ناقلاً للملكية الباخرة والبضاعة).

الإجراءات لدى محاكم الغنائم

تمر الإجراءات لدى محكمة الغنائم بثلاث أدوار، أولها تفتيش السفن ثم الضبط ثم الحكم في صحة الضبط.
فالتفتيش هو من حقوق المحارب ما دام له حق الضبط، والغرض من التفتيش التحقق من صفة الباخرة معادية أو محايدة ومن صفة البضاعة معادية أم مهربات.
ويترتب على ذلك:
أولاً: أن ليس للمحايدين المعارضة في التفتيش ومن يمتنع ويقاوم يعامل معاملة المحارب.
ثانيًا: لا يثبت حق التفتيش إلا للدولة المحاربة دون الثوار.
ثالثًا: أنه يجوز في فترات الهدنة لأن الهدنة يرتبط بها المحاربون دون المحايدين ولأن حالة الحرب واحتمال العودة إليها ما زالت قائمة.
وفي التفتيش تفحص أوراق الباخرة وسندات الشحن فإن رئي بعدئذٍ ضبط الباخرة أو البضاعة تقاد الباخرة إلى الميناء.
ونظرًا إلى عظم حجم البواخر وعظم شحناتها أصبح تفتيشها في عرض البحر مستحيلاً خصوصًا مع مراعاة الغواصات والطائرات والألغام.
لذلك اتبع في الحربين الماضيين تحديد موانئ معينة لإجراء التفتيش فيها مما أدى إلى تحميل شركات الملاحة مصاريف باهظة فضلاً عن ضياع الوقت وقد أدى ذلك إلى احتجاجات المحايدين خصوصًا الولايات المتحدة حتى دخلت الحربين.
وتفاديًا لذلك لجأ الحلفاء في آخر الحربين الماضيين إلى نظام تفتيش السفن في ميناء القيام وإعطاء تصريح مرور إذا كانت السفينة وشحنتها بريئة لديهم.
وإذا ترتب على التفتيش ضبط الباخرة أو البضاعة فتعمل قائمة بما ضبط وتجب المحافظة بعناية على البضاعة المضبوطة كيلا تتلف وليس الغانم مسؤولاً عن هلاكها بغير إهماله ولا يجب عليه التأمين عليها، وهذا لا يمنع صاحبها من التأمين عليها.
وإن كانت البضائع قابلة للتلف يجب بيعها بالمزاد العلني وينتقل الحق فيها إلى ثمنها، ويتم هذا بواسطة موظفين تحت إشراف محكمة الغنائم.
ويترتب على الضبط إجراء تحقيق ابتدائي عن ماهية المضبوطات وملكيتها ومآلها فإن ترتب عليه ثبوت براءتها مما يوجب ضبطها يفرج عنها.
وإن ثبتت شبهة تستوجب مصادرتها يُحال أمرها إلى المحكمة.

إجراءات المحكمة

يجب تقديم جميع الغنائم إلى المحكمة لتصدر حكمها في صحة الضبط أو عدم صحته.
ويجب ذلك حتى لو لم يتقدم أحد بطلب إذ لا غنيمة بغير حكم.
ووظيفة المحكمة تقتصر على بحث صحة الضبط (La legalité de l'acte de saisie) من حيث قيام أسباب تستوجب المصادرة فلا تتدخل المحكمة في مسائل لا تمس صحة الضبط وأسبابه، فليس لها أن تبحث ملكية العين إذا تنازعها شخصان بل تقصر بحثها على موجبات الضبط وهي أسباب الاشتباه في العين، هل هي على ملك عدو ؟ هل هي مهربات ؟ هل خرقت الحصار البحري ؟ هل هي في خدمة العدو ؟ أو أسباب موانع الضبط التي تقدم لها، مثل حماية الراية المحايدة أو غير ذلك من الأسباب.
فإن كان مبنى البحث هل هي مهربات فلا يبحث عن مالكها، وإن كان مبناه أنها مال مملوك لعدو فإن لم يثبت ملكيتها لعدو فلا يبحث فيمن يملكها.
ويجب الحكم في أمرها حتى لو بيعت خشية التلف، أو هلكت أو تنازل عنها صاحبها أو أغرقها الغانم عند الضبط، وهي في ذلك تشبه دعوى إبطال القرارات الإدارية بسبب تجاوز السلطة في إصدارها.
وينبني على ذلك أنه يجوز المطالبة بالإفراج عنها لكل ذي شأن ولو لم يكن مالكها لأنه لا يطالب بها بل يطلب الحكم بعدم صحة الضبط.
كما أن حق المطالبة لا يسقط بمضي المدة فلا يوجد قيد من الزمن ترفع فيه الدعوى، وينتهي الحق فيها بصدور الحكم.
وترفع الدعوى من قبل السلطة التي أجرت الضبط أو من قبل كل ذي شأن في الغنيمة، ولا معارضة في الحكم لأن مبناه ليس نزاعًا بين خصمين بل فصل في صحة عملية الضبط.
وينبني على اعتبار الدعوى نزاعًا في صحة الضبط أن يكون الحكم فيها عامًا يسري على الكافة الذين مثلوا في الدعوى والذين لم يمثلوا فيها.
وأن الاستئناف الذي يرفع من أحدهم يستفيد منه الغير إن صدر الحكم بعدم صحة الضبط.
وينبني عليه أيضًا أن يحكم بعدم صحة الضبط ولم يتقدم طلب بذلك من أحد إذا كان عدم جواز الضبط ظاهرًا من الأوراق.
وينبني على ذلك أيضًا تحديد اختصاص المحكمة فقط بالبحث في أي نزاع آخر سوى مسألة التعويض الناتج عن تجاوز السلطة في إجراء عملية التفتيش والضبط إذا لم يكن هناك ما يبرر هذا التجاوز مثل حجز السفينة مدة طويلة بغير مبرر لتفتيشها ومثل ضبط ما لا يجوز ضبطه إذا لم يكن هناك وجه للاشتباه يستوجب الضبط.
وسبب ذلك أن تقدير أسباب الاشتباه هو تطبيق لأحكام الغنائم فلا يدخل في اختصاص محكمة أخرى، وإن كل إجراء يتعلق بالغنيمة يرد إلى محكمة الغنائم دون غيرها للفصل في صحته.

هل للعدو حق المطالبة لدى المحكمة ؟

كان الرأي السائد حتى آخر القرن التاسع عشر عدم السماح للأعداء بالمطالبة لدى محكمة الغنائم في جميع الدول، لكن ما عقد مؤتمر لاهاي الثاني في سنة 1907 تقررت فيه عدة أحكام خاصة بالغنائم ارتبطت بها الدول وبعضها في صالح المحاربين - ثم جاء مؤتمر لوندرة الذي قرر كل أحكام الغنائم وبعضها في صالح المحاربين فرأت محاكم الغنائم في جميع الدول أن العدو إذا كان يحتمي باتفاق دولي فيجب رعاية حقه ويسمح له بالمطالبة به، ولذلك حكمت المحاكم الإنجليزية ومحاكم سائر الدول بقبوله مدعيًا إذا كان يستند في حقه على اتفاق دولي أو قاعدة مرعية، وعادةً يطلب الأذن بالمطالبة أولاً ويبين فيه القاعدة التي يستند عليها، وعادةً يجاب إلى طلبه.

حق الاستيلاء على المضبوطات

يجوز للدولة الغانمة طبقًا لتشريعاتها الداخلية الاستيلاء على المضبوطات إن كانت تحتاج إليها على وجه الضرورة إلى أن يحكم بمصادرتها فإن أفرج عنها تدفع ثمنها.
ولا بد في إنجلترا من استئذان المحكمة قبل الاستيلاء خشية أن يحصل الضبط لمجرد الاستيلاء ولكيلا يُضار بذلك المحايدون في بواخرهم.

الحجز على الغنيمة

بما أن الغنيمة تجلب أو تضبط رغم إرادة صاحبها فلا يجوز الحجز عليها لدين على صاحبها ذلك لأنه إن حكم بمصادرتها تتملكها الدولة الغانمة مطهرة من كل الحقوق، وإن أفرج عنها يجب تسليمها لصاحبها أولاً كما حكم بذلك من المحاكم البريطانية في قضية الباخرة Orange Nassan في سنة 1921.

قواعد الإثبات لدى محاكم الغنائم

إن ضبط البواخر والبضائع يقوم على الاشتباه في صفتها المعادية وعلى وجهتها إن كانت تعد مهربات، ويجب أن يستند الاشتباه إلى ما يرجحه.
وكانت العادة قديمًا أن تفحص أوراق المركب ويستوجب ضباطها وبحارتها بعد حلف اليمين وتفحص بضائعها وكان هذا سهلاً وممكنًا في عصر المراكب الشراعية ذات الحمولة المحدودة والرحلات المحدودة فكان القبطان وضباطه وبحارته يعرفون كل شيء عن كل شحنة مصدرها ومآلها، ولذلك قيل إن المراكب تصادر من أوراقها، فإن كانت أوراقها تؤيد الاشتباه فلا يقبل عكس ذلك وقد فطنت لذلك شركات الملاحة فصدر في هولندا كتاب عنوانه الأسئلة والأجوبة يبين للبحارة كيف يتفادون الحق ويجيبون زورًا على أسئلة الغانم وفي إحدى الحالات وجد هذا الكتاب على مركب وعلى هوامشه الإجابة محضرة عن شحناتها.
فلهذا وبعد اختراع البخار زادت البواخر وتطورت التجارة البحرية فأصبح القبطان والضباط لا يعلمون شيئًا عن شحنات الباخرة إلا ما ورد في مستندات الشحن وأصبح تحقيق مصدر ومال الشحنات في البحر أمرًا عسيرًا يتطلب تعطيل الباخرة مدة طويلة ومع اختراع التليفون واللاسلكي وتقدم البريد وإمكان مراقبة الأخبار أجازت المحاكم للغانم الاستعانة بأي دليل آخر وفق الأدلة المستقاة من أوراق الباخرة، وفي الوقت نفسه أجيز لصاحب الغنيمة أن يقدم أي دليل آخر من قبله زيادة على أوراق الشحن مثل عقود المبايعات.
وتم ذلك في سنة 1914 في بدء الحرب العالمية الأولى.

تطبيق قواعد الإثبات المدنية والتجارية

لا تتقيد محاكم الغنائم بقواعد الإثبات في القانون المدني والتجاري لسببين أحدهما قانوني والآخر واقعي، فأما الأول فلأن الغانم يعتبر شخصًا ثالث بالنسبة للمستندات التي تقدم لإثبات الملكية فلا يتقيد بها، والسبب الثاني خشية أن تكون هذه المستندات صورية لا تدل على حقيقة الواقع.
والقاعدة في فرنسا هي احترام هذه العقود إذا ثبت صحتها وثبت أنها تمت بحسن نية لا بغرض تفادي حق الغانم سواء أتمت هذه العقود قبل الحرب أو أثناء قيام حالة الحرب.
أما في إنجلترا فيفرقون بين العقود التي تمت قبل الحرب فتحترم هذه العقود وتطبق في حقها قواعد الإثبات العامة في القانون التجاري أما العقود التي تحصل بعد الحرب فيحكمها ثلاث قواعد:
الأولى: إن البضاعة المصدرة من عدو تبقى على ملكه حتى يتسلمها المرسل إليه فعلاً فإن ضبطت في البحر تضبط على ملك العدو المرسل.
الثانية: إن البضاعة المرسلة من محايد إلى عدو فتعتبر على ملك العدو ليس للبائع حق الاحتفاظ بالملكية ولو كان الهلاك عليه.
والغرض من القاعدتين عدم تمكين المحايدين والأعداء من تفادي حق الغانم بإثبات أن الملكية تكون على ذمة المحايد المرسل أو المرسل إليه.
ولا يبقى بعد ذلك إلا بحث حالة البضاعة المصدرة من محايد إلى بلد محايد لترسل منه إلى العدو والبضاعة المصدرة من عدو حتى بالبر إلى بلد مجاور محايد ومنه بالبحر إلى محايد آخر.
أما البضاعة المصدرة إلى محايد فإثبات أنها ستوجه في النهاية إلى بلاد العدو هو إثبات أمر واقعي fait وله أحكام تفصيلية كثيرة أهمها الاشتباه في كل رسالة مرسلة إلى حامل سند الشحن أو إلى شخص أو شركة عرف عنها الاتجار مع العدو فتعتبر في القائمة السوداء التي تحوي أسماء الأشخاص والشركات التي اشتهرت بالاتجار مع العدو أو مرسلة من شخص أو شركة لها مثل هذا الاتصال ومع مراعاة نسبة زيادة صادرات وواردات البلاد المحايدة المجاورة لبلاد العدو.
أما البضاعة المصدرة من بلاد العدو إلى بلد محايد ومنها بالبحر إلى محايد فتعتبر رحلتها كلها واحدة رحلة متصلة وتعتبر على ملك العدو وكما حكم بذلك من مجلس الغنائم الفرنسي في قضية الباخرة United State (2) في 21 يونيو سنة 1917.
الثالثة: تحريم نقل الملكية أثناء الرحلة فكل تصرف في البضاعة وهي في البحر باطل بالنسبة للغانم إلا إذا تم التسليم فعلاً للمحايد قبل الضبط.
والإنجليز يطبقون هذه القواعد على البضائع المصدرة قبيل الحرب خشية قيام حالة الحرب.

واجبات الغانم

إن أحكام الغنائم غالبها في صالح الغانم كما تبين جليًا مما سبق.
لكن على الغانم واجبات والتزامات مقررة نلخصها فيما يلي:
1 - يجب إجراء التفتيش في أقصر وقت ممكن مع مراعاة اللياقة وعدم المساس بأشخاص البحارة وعدم إحداث تلف بالبضائع ويترتب على مخالفة ذلك تعويض كل ضرر ينشأ عن تعطيل الباخرة بدون مبرر.
2 - تجب المحافظة على البضائع المضبوطة ويلزم الغانم بالتعويض من تلفها بإهماله ولكن لا يلزم بهلاكها قضاء وقدرًا ولا يلزم بالتأمين عليها.
3 - يلزم الغانم بدفع أجور الشحن على البضائع التي يضبطها لأن البضائع تضمن أجرة الشحن ولأن الشحن من حق المركب كما يلزم دائمًا بأجرة التفريغ لأن الضبط يحصل فوق المركب والتفريغ عملية تقوم بها المركب لصالح الغانم.
4 - يلزم الغانم بما يستحق على البضاعة أو المركب من حقوق الإنقاذ Average طبقًا لقواعد قانون التجارة البحري لأن مصاريف الإنقاذ تستحق على المركب أو البضاعة ولولا مصاريف الإنقاذ لغرقت المركب وغرقت البضاعة وهذه الحقوق هي حقوق عينية يرتبها القانون على المركب وعلى البضاعة وهي عامة ومعترف بها في سائر القوانين أما الحقوق العينية الأخرى على البضاعة مثل عدم دفع باقي الثمن، والحقوق الممتازة على المركب مثل أجر إصلاحها فلا تستحق قبل الغانم لأنها حقوق يرتبها الأفراد لأنفسهم نتيجة عقود فلا تسري على الغانم.
5 - يجب عدم إغراق السفن والبضائع المضبوطة ولا يجوز ذلك إلا إذا تعذر قيادتها في البحر في الميناء، ورغم هلاكها فيجب عرض أمرها على محكمة الغنائم لا لتحكم في تبرير الإغراق بل لتفصل في صحة الضبط فقط فإن حكمت بعدم صحته فعلى الغانم دفع قيمتها.

مجلس غنائم مصر

لما قامت حالة الحرب أنشأت الحكومة مجلس الغنائم على النظام الفرنسي فجعل رئيسه من كبار رجال القضاء وأعضاءه من أساتذة القانون الدولي وكبار رجال الإدارة والحربية بأمر من الحاكم العسكري العام صدر بتاريخ 8 يوليو سنة 1948 وذلك لاعتبارين:
أولاً: قيام المحكمة المختلطة خشية أن تتدخل في المنازعات الخاصة بالغنائم وإن كان هذا السبب مستبعد لأن نظام الغنائم أحكامًا ومحاكمًا هو من أعمال السيادة التي تسري على الأجانب رغم الامتيازات القضائية.
ثانيًا: روعي في جدة الموضوع احتمال إصدار تشريعات للمجلس قد يرى تعديلها أو الزيادة عليها باستمرار مما يصعب إجراؤه بسرعة بطريقة التشريع العادي.
فلذلك اكتفى بإنشاء المجلس بأمر عسكري لكي يتيسر إجراء تشريع يطبقه المجلس بأمر عسكري.
ومن حسن الحظ أن تفويض المجلس بالحكم جاء في المادة الثالثة من الأمر المذكور بالنص الآتي:
(يطبق المجلس في دعاوى الغنائم قواعد القانون الدولي العام وفي حالة عدم وجود قاعدة تحكم الحالة المعروضة يفصل فيها على مقتضى قواعد العدالة).
وهذا النص مأخوذ حرفيًا من النص الوارد في مشروع محكمة الغنائم الدولية التي تقررت باتفاق لاهاي الثاني عشر في سنة 1907.
وترتب على هذا النص الوحيد أن المجلس تقيد باستمرار بقواعد القانون الدولي التي منها عدم تطبيق أوامر السلطة التنفيذية إلا إذا كانت في مصلحة صاحب الغنيمة، فزالت بذلك عن جميع الأوامر العسكرية الأخرى التي صدرت بهذا الخصوص كل قيمة قانونية وأصبحت كما حكم بذلك المجلس تعليمات صادرة للسلطة التي تجري الضبط، وأهم حكم بهذا الخصوص في قضية الباخرة Marine Carp الأمريكية في 21 سبتمبر سنة 1949 التي كانت تحمل بضائع صادرة من فلسطين وكان الحاكم العسكري قد أصدر أمرًا في شهر يونيه سنة 1948 بمصادرة جميع البضائع المصدرة من فلسطين فقرر المجلس أن هذا الأمر يطبق في حدود أحكام القانون الدولي، وفي هذه الحالة كانت الراية الأمريكية المحايدة تحمي البضائع فأفرج عنها.
وأخيرًا صدر القانون رقم (32) سنة 1950 بإنشاء مجلس للغنائم وجعل الحكم فيها طبقًا للقانون الدولي في المادة (4) التي وردت بنص المادة (3) من الأمر العسكري الذي أنشأ المجلس.
وقد التزم المجلس أحكام القانون الدولي في جميع أحكامه وعند الخلاف بين القواعد الإنجليزية والقواعد الفرنسية المتبعة في أغلب قارة أوروبا سار على القواعد الإنجليزية لأنها الأعم في أحكام الغنائم ولأنها في نظره أكثر توافقًا مع نظام الغنائم.

الطعن 223 لسنة 72 ق جلسة 22 / 1 / 2014 مكتب فني 65 ق 21 ص 124

جلسة 22 من يناير سنة 2014

برئاسة السيد القاضي/ إسماعيل عبد السميع نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة القضاة/ هشام قنديل، الدسوقي أحمد الخولي، محمد الأتربي وطارق تميرك نواب رئيس المحكمة.

-------------

(21)

الطعن 223 لسنة 72 ق

(1 - 3) عمل "علاقة عمل: العاملون بشركات توزيع الكهرباء: تعيين: شرط تعيين العمالة الموقتة". حكم "عيوب التدليل: مخالفة الثابت بالأوراق: مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه".
(1) لوائح نظام العاملين بشركات توزيع الكهرباء قبل صدور القانون رقم 18 لسنة 1998. اعتبارها. الأساس في تنظيم علاقة العاملين بها. صدور القانون الأخير. مؤداه. سريان لوائح كل شركة وفقا لهذا القانون. عدم ورود نص خاص. أثره. الرجوع إلى أحكام قانون العمل.(2) لائحة الجزاءات الخاصة بالعمال الدائمين بشركة مصر العليا لتوزيع الكهرباء. سريانها على العمال المؤقتين وفقا للضوابط الواردة باللائحة. م 9 منها. تعيين العامل المؤقت في وظيفة دائمة. شرطه. ألا يكون وقع عليه عقوبة خلال مدة العقد المؤقت.
(3) انصراف المطعون ضده من العمل قبل انتهاء المواعيد دون التوقيع في دفتر الانصراف. مخالفة تأديبية. صدور قرار الطاعنة بمجازاته بعقوبة الإنذار. بمنأى عن التعسف. مؤداه. ادعاؤه باستئذانه من رئيسه المباشر بالانصراف. لا ينفي عنه ارتكاب المخالفة. أثره. عدم تعيينه في وظيفة دائمة لمجازاته. بعقوبة تأديبية خلال مدة العقد المؤقت. صحيح. مخالفة الحكم المطعون فيه ذلك. مخالفة للثابت بالأوراق ومخالفة للقانون وخطأ.

-------------

1 - إن مؤدى النص في المادتين الأولى والرابعة من القانون رقم 18 لسنة 1998 ببعض الأحكام الخاصة بشركات توزيع الكهرباء ومحطات التوليد وشبكات النقل وبتعديل أحكام القانون رقم 12 لسنة 1976 بإنشاء هيئة كهرباء مصر المعمول به اعتبارا من 27/ 3/ 1998 يدل على أن أحكام لوائح نظام العاملين بكل شركة من شركات توزيع الكهرباء المعمول بها قبل صدور القانون رقم 18 لسنة 1998 سالف الذكر تظل سارية إلى أن يضع مجلس إدارة كل شركة لائحة لنظام العاملين وفقا لأحكام هذا القانون وأن أحكام هذا القانون وأحكام لوائح العاملين الصادرة نفاذا له هي الأساس في تنظيم علاقات العاملين بتلك الشركات وتطبق تلك الأحكام ولو تعارضت مع أحكام قانون العمل أو أي قانون آخر وأن الرجوع إلى أحكام قانون العمل لا يكون إلا فيما لم يرد به نص خاص في هذا القانون أو اللوائح الصادرة تنفيذا له.

2 - إذ كان النص في المواد الثامنة والتاسعة والحادية عشرة من لائحة نظام توظيف العمال المؤقتين والخبراء الوطنيين والأجانب بالشركة الطاعنة السارية وقت توقيع جزاء الإنذار على المطعون ضده في 23/ 12/ 1998 يدل على أن لائحة الجزاءات الخاصة بالعمال الدائمين بالشركة الطاعنة تسري على العمال المؤقتين وفقا للضوابط المشار إليها بالمادة التاسعة سالفة الذكر وأنه يشترط لتعيين العامل المؤقت في وظيفة دائمة ألا يكون قد توقع عليه عقوبة تأديبية خلال مدة العقد المؤقت.

3 - إذ كان الثابت بلائحة المخالفات التأديبية الجزاءات المقررة لها أن عدم التوقيع في دفتر الحضور أو الانصراف من المخالفات التأديبية والجزاء المقرر عنها خصم يوم من الأجر في المرة الأولى، وإذ كان الثابت بالأوراق - وبما لا يماري فيه المطعون ضده - أنه أنصرف من العمل يوم 19/ 11/ 1998 قبل انتهاء مواعيد العمل الرسمية دون أن يوقع في دفتر الانصراف، وإذ صدر قرار الطاعنة بمجازاته عن هذه المخالفة بعقوبة الإنذار إعمالا للمادة التاسعة سالفة البيان فإن قرارها في هذا الخصوص يكون بمنأى عن التعسف، ولا يغير من ذلك ادعاء المطعون ضده أنه حصل على إذن من رئيسه المباشر بالانصراف من العمل لمدة مؤقتة لأن هذا الإذن - وبفرض صحته - لا يعفيه من وجوب التوقيع في دفتر الانصراف ولا ينفي عنه ارتكابه لهذه المخالفة، ويضحى قرار الطاعنة بعدم تعيينه في وظيفة دائمة لمجازاته بهذه العقوبة التأديبية خلال مدة العقد المؤقت طبقا لأحكام لائحتها في هذا الشأن بمنأى عن التعسف أيضا، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر وقضى بإلغاء قرار الطاعنة بمجازاة المطعون ضده بجزاء الإنذار وتعيينه في وظيفة دائمة اعتبارا من 3/ 1/ 1999 بمقولة إن انصرافه من العمل كان بإذن من رئيسه فإنه يكون - فضلا عن مخالفة الثابت بالأوراق - قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه.

-------------

الوقائع

وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن المطعون ضده أقام الدعوى رقم ... لسنة 1999 عمال أسوان الابتدائية على الطاعنة - شركة مصر العليا لتوزيع الكهرباء - بطلب الحكم بإلغاء القرار رقم ... لسنة 1998 الصادر في 23/ 12/ 1998 فيما تضمنه من مجازاته بالإنذار وما يترتب على ذلك من آثار وإلزامها بتعيينه بصفة دائمة في إحدى وظائف الدرجة الثالثة وضم مدة خدمته السابقة وذلك اعتبارا من 1/ 1/ 1999، وقال بيانا لها إنه من العاملين لدى الطاعنة بعقد مؤقت اعتبارا من 24/ 4/ 1995 والتي أصدرت القرار سالف الذكر بتاريخ 27/ 12/ 1998 لعدم توقيعه على كشوف الانصراف يوم 19/ 11/ 1998 رغم استئذانه من رئيسه المباشر قبل مغادرة مكان العمل، ولما كان قرار الجزاء يعد حائلا بينه وبين تعيينه بصفة دائمة لدى الطاعنة فقد أقام الدعوى بطلباته سالفة البيان. ندبت المحكمة خبيرا، وبعد أن قدم تقريريه الأصلي والتكميلي حكمت بتاريخ 26/ 6/ 2001 برفض الدعوى استأنف المطعون ضده هذا الحكم بالاستئناف رقم ... لسنة 20 ق قنا "مأمورية أسوان" وبتاريخ 8/ 1/ 2002 حكمت المحكمة بإلغاء الحكم المستأنف وإلغاء قرار الجزاء سالف الذكر وإلزام الطاعنة بتعيين المطعون ضده بصفة دائمة في وظيفة فني رابع ميكانيكا اعتبارا من 3/ 1/ 1999. طعنت الطاعنة في هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن، وعرض الطعن على المحكمة - في غرفة مشورة - فحددت جلسة لنظره، وفيها التزمت النيابة رأيها.

------------

المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد القاضي المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الطعن أقيم على سببين تنعى بهما الطاعنة على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه والقصور في التسبيب ومخالفة الثابت بالأوراق، وفي بيان ذلك تقول إنها قامت بإجراء تحقيق مع المطعون ضده لتركه العمل وعدم توقيعه على كشوف الانصراف يوم 19/ 11/ 1998 وقد أقر بذلك في التحقيقات وطبقت عليه لائحة الجزاءات الخاصة بها ولم تتعسف معه إلا أن الحكم المطعون فيه خالف هذا النظر وقضى بإلغاء قرار الجزاء الموقع منها لتعسفها مع المطعون ضده وألزمها بتعيينه بصفة دائمة في وظيفة فني رابع ميكانيكا اعتبارا من تاريخ 3/ 1/ 1999 أخذا بما انتهى إليه الخبير المنتدب في الدعوى رغم عدم توفر شروط التعيين لديها لعدم وجود وظيفة خالية وواردة بجدول الوظائف لديها، فإنه يكون معيبا بما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي في محله، ذلك أن النص في المادة الأولى من القانون رقم 18 لسنة 1998 ببعض الأحكام الخاصة بشركات توزيع الكهرباء ومحطات التوليد وشبكات النقل وبتعديل أحكام القانون رقم 12 لسنة 1976 بإنشاء هيئة كهرباء مصر المعمول به اعتبارا من 27/ 3/ 1998 على أنه "اعتبارا من تاريخ العمل بهذا القانون تنقل تبعية شركات توزيع الكهرباء في القاهرة والإسكندرية والقناة وشمال الدلتا وجنوب الدلتا والبحيرة وشمال الصعيد وجنوب الصعيد بما لها من حقوق وما عليها من التزامات إلى هيئة كهرباء مصر" وفي المادة الرابعة منه على أن "يكون لمجلس إدارة هيئة كهرباء مصر اختصاصات الجمعية العامة لكل شركة من الشركات المنصوص عليها في هذا القانون ... ويستمر العمل بلائحة نظام العاملين بكل شركة لحين إصدار لائحة جديدة لها تتضمن على الأخص نظام الأجور والبدلات والإجازات وتعتمد من وزير الكهرباء والطاقة ويسري على العاملين بهذه الشركات أحكام القانون رقم 137 لسنة 1981 بإصدار قانون العمل وذلك فيما لم يرد بشأنه نص خاص في اللائحة التي يضعها مجلس إدارة كل شركة" يدل على أن أحكام لوائح نظام العاملين بكل شركة من شركات توزيع الكهرباء المعمول بها قبل صدور القانون رقم 18 لسنة 1998 سالف الذكر تظل سارية إلى أن يضع مجلس إدارة كل شركة لائحة لنظام العاملين وفقا لأحكام هذا القانون وأن أحكام هذا القانون وأحكام لوائح العاملين الصادرة نفاذا له هي الأساس في تنظيم علاقات العاملين بتلك الشركات وتطبق تلك الأحكام ولو تعارضت مع أحكام قانون العمل أو أي قانون آخر وأن الرجوع إلى أحكام قانون العمل لا يكون إلا فيما لم يرد به نص خاص في هذا القانون أو اللوائح الصادرة تنفيذا له. لما كان ذلك، وكان النص في المادة الثامنة من لائحة نظام توظيف العمال المؤقتين والخبراء الوطنيين والأجانب بالشركة الطاعنة السارية وقت توقيع جزاء الإنذار على المطعون ضده في 23/ 12/ 1998 على أنه تسري على العاملين المؤقتين فيما يتعلق بواجباتهم والأعمال المحظورة عليهم والمخالفات التي يرتكبونها والتحقيق معهم ومجازاتهم الأحكام الواردة في هذا الشأن بقانون نظام العاملين بالقطاع العام وبلائحة الجزاءات الخاصة بالشركة مع مراعاة أحكام المادة التالية، والنص في المادة التاسعة على أن "الجزاءات التأديبية التي يجوز توقيعها على العاملين المؤقتين هي أ- الإنذار، ب- الخصم من المكافأة الشاملة لمدة لا تجاوز ثلاثة أيام في الشهر ج- الفصل ... ويصدر بتوقيع الجزاء المنصوص عليه في الفقرتين (أ)، (ب) قرار من الرئيس المختص، والنص في المادة الحادية عشرة من ذات اللائحة على أنه "يجوز تعيين العاملين المؤقتين الموجودين بالعمل المؤقت في وظائف دائمة بالشركة بدون امتحان وذلك وفقا للشروط الآتية: 1- ... 2- ... 3- ... ألا يكون قد وقعت على العامل عقوبات تأديبية خلال مدة العقد أو أحيل إلى محاكمة جنائية. 4- ..." يدل على أن لائحة الجزاءات الخاصة بالعمال الدائمين بالشركة الطاعنة تسري على العمال المؤقتين وفقا للضوابط المشار إليها بالمادة التاسعة سالفة الذكر وأنه يشترط لتعيين العامل المؤقت في وظيفة دائمة ألا يكون قد توقع عليه عقوبة تأديبية خلال مدة العقد المؤقت. لما كان ذلك، وكان الثابت بلائحة المخالفات التأديبية الجزاءات المقررة لها أن عدم التوقيع في دفتر الحضور أو الانصراف من المخالفات التأديبية والجزاء المقرر عنها خصم يوم من الأجر في المرة الأولى، وإذ كان الثابت بالأوراق وبما لا يمارى فيه المطعون ضده أنه انصرف من العمل يوم 19/ 11/ 1998 قبل انتهاء مواعيد العمل الرسمية دون أن يوقع في دفتر الانصراف، وإذ صدر قرار الطاعنة بمجازاته عن هذه المخالفة بعقوبة الإنذار إعمالا للمادة التاسعة سالفة البيان فإن قرارها في هذا الخصوص يكون بمنأى عن التعسف ولا يغير من ذلك ادعاء المطعون ضده أنه حصل على إذن من رئيسه المباشر بالانصراف من العمل لمدة مؤقتة لأن هذا الإذن - وبفرض صحته - لا يعفيه من وجوب التوقيع في دفتر الانصراف ولا ينفي عنه ارتكابه لهذه المخالفة، ويضحى قرار الطاعنة بعدم تعيينه في وظيفة دائمة لمجازاته بهذه العقوبة التأديبية خلال مدة العقد المؤقت طبقا لأحكام لائحتها في هذا الشأن بمنأى عن التعسف أيضا، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر وقضى بإلغاء قرار الطاعنة بمجازاة المطعون ضده بجزاء الإنذار وتعيينه في وظيفة دائمة اعتبارا من 3/ 1/ 1999 بمقولة إن انصرافه من العمل كان بإذن من رئيسه، فإنه يكون - فضلا عن مخالفة الثابت بالأوراق - قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه بما يوجب نقضه.
وحيث إن الموضوع صالح للفصل فيه، ولما تقدم، يتعين الحكم في الاستئناف رقم ... لسنة 20 ق "مأمورية أسوان" برفضه وتأييد الحكم المستأنف.