الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 22 سبتمبر 2021

تعارض أسباب الأحكام لا يشكل تناقضًا بين حكمين نهائيين في مجال التنفيذ أمام المحكمة الدستورية العليا

الطعن 2 لسنة 43 ق "تنازع" جلسة 28 / 8 / 2021

باسم الشعب

المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الثامن والعشرين من أغسطس سنة 2021م، الموافق العشرين من المحرم سنة 1443 هـ.
برئاسة السيد المستشار / سعيد مرعى عمرو رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: محمد خيرى طه النجار ورجب عبد الحكيم سليم ومحمود محمد غنيم والدكتور عبد العزيز محمد سالمان وطارق عبد العليم أبو العطا وعلاء الدين أحمد السيد نواب رئيس المحكمة

وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشرى رئيس هيئة المفوضين

وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع أمين السر

المقامة من
رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب لشركة مياه الشرب والصرف الصحي بالبحيرة.
ضد
1- عز العــرب إبراهيم عبدالحميــد زعيتـر
2- رئيس الوحدة المحلية لمركز ومدينة دمنهور

أصدرت الحكم الآتي
في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 2 لسنة 43 قضائية "تنازع".

---------------

" الإجراءات "

بتاريخ الرابع من يناير سنة 2021، أودعت الشركة المدعية صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبة الحكم، بصفة مستعجلة: وقف تنفيذ الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بالبحيرة في الدعوى رقم 10195 لسنة 17 قضائية، وفى الموضوع: تحديد الحكم الأولى بالتنفيذ بين الحكمين النهائيين، الصادر أولهما من محكمة استئناف الإسكندرية (مأمورية دمنهور) في الدعوى رقم 68 لسنة 73 قضائية، والصادر ثانيهما من محكمة القضاء الإداري بالبحيرة في الدعوى رقم 10195 لسنة 17 قضائية.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم بعدم قبول الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى بجلسة 3/ 7/ 2021، وقدمت فيها الشركة المدعية حافظة مستندات، وقررت المحكمة إصدار الحكم في الدعوى بجلسة اليوم، مع التصريح بالاطلاع ومذكرات خلال أسبوع، قدم خلاله المدعى عليه الأول حافظة مستندات، ومذكرة، طلب فيها الحكم، أصليًّا: بعدم قبول الدعوى، واحتياطيًّا: برفضها.
----------------

" المحكمة "

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل - على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - في أن المدعى عليه الأول كان قد أقام الدعوى رقم 1308 لسنة 2016 مدنى كلى عمال، أمام محكمة دمنهور الابتدائية، ضد الشركة المدعية، والمدعى عليه الثاني، طالبــًا الحكم بإلزامهما ضامنين متضامنين بأن يؤديا له المقابل النقدي لرصيد إجازاته الاعتيادية التي لم يستنفدهـــا منذ تاريخ تعيينه حتى تاريخ انتهاء خدمته، على سند من أنه كان يعمل بالوحدة المحلية لمركز ومدينة دمنهور بموجب القرار رقم 513 لسنة 1980، وتم نقله إلى شركة مياه الشرب والصرف الصحي بموجب القرار رقم 1175 لسنة 2008 بتاريخ 1/ 12/ 2008، واستمر بالعمل بتلك الشركة حتى إحالته إلى المعاش في 21/ 8/ 2016. وكان له رصيد إجازات اعتيادية غير مستنفـــدة. وإذ لـــم تصــرف له الشركة سوى المقابل النقدي لرصيد الإجازات عن مدة 191 يومًا، فقد أقام الدعــوى المشار إليها توصلاً للقضاء بطلباته المتقدمة. وبجلسة 28/ 11/ 2016، قضت المحكمة بإلـزام الشركة المدعية - في الدعوى المعروضـــة - أن تؤدى له مبلغ (121861,68) جنيهًا. لم يلق هذا القضاء قبولاً لدى الشركة، فأقامت الاستئناف رقم 68 لسنة 73 قضائية، أمام محكمة استئناف الإسكندرية "مأمورية دمنهور"، وبجلسة 11/ 4/ 2017، حكمت المحكمة بإلغاء الحكم المستأنف، والقضاء مجددًا بعدم اختصاص المحكمة ولائيًّا بنظر الدعوى وإحالتها بحالتها لمحكمة القضاء الإداري بدمنهور، تأسيسًا على أن الشركة المدعية قامت بصرف المقابل النقدي لرصيد إجازات المدعى عليه الأول، وعــددها 191 يومًا، ومن ثم لا يكون هناك التزام ملقى على عاتق الشركة عن الفترة المطالب بها. ولكون المدعى عليه الأول خلال مدة عمله بالوحدة المحلية بدمنهور كان يدخل في عداد الموظفين العموميين، ومن ثم فإن المنازعة حول أحقيته في المقابل النقدى لرصيد إجازاته الاعتيادية عن هذه المدة تُعد منازعة إدارية، ينعقد الاختصاص بالفصل فيها إلى جهة القضاء الإداري. ونفاذًا للقضاء المتقدم تم إحالة الدعوى إلى محكمة القضاء الإداري بالبحيرة، وقيدت أمامها برقم 10195 لسنة 17 قضائية، وبجلسة 22/ 5/ 2018، قضت المحكمة بإلزام الجهة الإدارية بأن تؤدى للمدعى المقابل النقدي لرصيد إجازاته الاعتيادية. وإذ ارتأت الشركة المدعية أن ثمة تناقضًا بين ما تضمنه قضاء جهة القضاء العادي في أسبابه من انتفاء صفة الشركة بالنسبة لما يطالب به المدعى عليه الأول من المقابل النقدي لرصيد إجازاته الاعتيادية عن مدة عمله بالوحدة المحلية لدمنهور، وما تضمنته أسباب الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري، من إلزام الشركة بأداء هذا المقابل له، فقد أقامت دعواها المعروضة.
وحيث إن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن مناط قبول طلب الفصل في النزاع الذى يقوم بشأن تنفيذ حكمين نهائيين متناقضين طبقًا للبند "ثالثًا" من المادة (25) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، أن يكون أحد الحكمين صادرًا من أية جهة من جهات القضاء أو هيئة ذات اختصاص قضائي، والآخر من جهة أخرى منها، وأن يكونا قد تعامدا على محل واحد، وحسما النزاع في موضوعه، وتناقضا بحيث يتعذر تنفيذهما معًا. مما مؤداه أن لكل تناقض مُدعى به حدين متصادمين يتعذر تنفيذهما معًا، فإذا ما آل أمر الادعاء بالتناقض إلى انصرافه إلى حد واحد، خرج الفصل فيه عن ولاية هذه المحكمة.
وحيث إنه متى كان ما تقدم، وكان الحكم الصادر من محكمة استئناف الإسكندرية المشار إليه، قد انتهى إلى إلغاء الحكم المستأنف، والقضاء مجددًا بعدم اختصاص المحكمة ولائيًّا بنظر الدعوى، وإحالتها بحالتها لمحكمة القضاء الإداري بدمنهور، التي انتهت إلى أحقية المدعى عليه الأول في طلباته بشأن المقابل النقدي لرصيد إجازاته الاعتيادية التي لم يحصل عليها إبان عمله بالوحدة المحلية لمركز ومدينة دمنهور. مما مؤداه أن كلا الحكمين قد انتهى إلى اختصاص جهة القضاء الإداري بنظر الدعوى، وأيلولة الادعاء بالتناقض إلى حد واحد، وتبعًا لذلك ينتفى مناط قيام التناقض الذى يستنهض ولاية هذه المحكمة للفصل فيه.
ولا ينال مما تقدم، قالة إن الدعوى لا تستند إلى قيام تناقض فيما انتهى إليه قضاء الحكمين مثار النزاع في منطوقهما، ولكنها تبنى طلبها إلى هذه المحكمة على أن ثمة تعارضًا يقوم بين ما ورد بأسباب الحكمين، وكان التعارض الذى تثيره الشركة المدعية بين أسباب الحكمين - بفرض قيامه - لا يشكل تناقضًا بين حكمين نهائيين في مجال التنفيذ بالمعنى الذى يقصده المشرع في البند "ثالثًا" من المادة (25) من قانون المحكمة المشار إليه، مما يستنهض ولايتها بالفصل فيه، الأمر الذى يتعين معه القضاء بعدم قبول الدعوى.
وحيث إنه عن الطلب العاجل بوقف تنفيذ حكم محكمة القضاء الإداري بالبحيرة السالف الإشارة، فإنه يُعد فرعًا من أصل النزاع المعروض، وإذ انتهت المحكمة فيما تقدم إلى القضاء بعدم قبول الدعوى، فإن مباشرة رئيس المحكمة الدستورية العليا اختصاص البت في هذا الطلب إعمالاً لنص المادة (32) من قانونها المشار إليه، يكون قد بات غير ذى موضوع.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم قبول الدعوى.

الثلاثاء، 21 سبتمبر 2021

دستورية إعفاء مرتكبي جريمة تقليد الأختام من العقاب (المادة 210 من قانون العقوبات)

الدعوى 99 لسنة 40 ق "دستورية" جلسة 28 / 8 / 2021
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الثامن والعشرين من أغسطس سنة 2021م، الموافق العشرين من المحرم سنة 1443 هـ.
برئاسة السيد المستشار / سعيد مرعى عمرو رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: محمد خيرى طه النجار ورجب عبد الحكيم سليم ومحمود محمد غنيم والدكتور عبد العزيز محمد سالمان وطارق عبد العليم أبو العطا وعلاء الدين أحمد السيد نواب رئيس المحكمة

وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشرى رئيس هيئة المفوضين

وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع أمين السر

أصدرت الحكم الآتي
في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 99 لسنة 40 قضائية "دستورية"، بعد أن أحالت محكمة جنايات الجيزة - الدائرة 15 جنوب الجيزة -بحكمها الصادر بجلسة 20/ 9/ 2018، ملف الدعوى رقم 55 لسنة 2017 جنايات قسم الجيزة، المقيدة برقم 6290 لسنة 2017 كلى جنوب الجيزة.

المقامة من
النيابة العامة
ضد
1- محمـد سيد محمد طه
2- رضا محمد سعدى محرم عبد الرحمن

------------------
" الإجـراءات "
بتاريخ الثامن والعشرين من أكتوبر سنة 2018، ورد إلى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، ملف الدعوى رقم 55 لسنة 2017 جنايات قسم الجيزة، المقيدة برقم 6290 لسنة 2017 كلى جنوب الجيزة، نفاذًا لحكم محكمة جنايات الجيزة، الصادر بجلسة 20/ 9/ 2018، بإحالة الأوراق إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في دستورية نص المادة (210) من قانون العقوبات.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم بعدم قبول الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر جلسة 5/ 6/ 2021، وفيها قررت المحكمة حجز الدعوى ليصدر فيها الحكم بجلسة اليوم، مع التصريح للمدعى عليها الثانية بتقديم مذكرة خلال أسبوعين، أودعت خلالها مذكرة، طلبت في ختامها الحكم، أصليًّا: بعدم قبول الدعوى، واحتياطيًّا: برفضها.

------------------
" المحكمة "

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل - على ما يتبين من حكم الإحالة وسـائر الأوراق - في أن النيابة العامة، اتهمت كلاَّ من محمد سيد محمد طه، ورضا محمد سعدى محرم عبدالرحمن، بأنهما في يوم 27/ 12/ 2016، وبتاريخ سابق عليه، بدائرة قسم الجيزة، محافظة الجيزة: المتهم الأول، وهو ليس من أرباب الوظائف العمومية: 1- ارتكب تزويرًا في محرر رسمي هو رخصة قيادة خاصة، المنسوب صدورها للإدارة العامة للمرور - وحدة مرور مدينة نصر- وكان ذلك بطريق الاصطناع على غرار نظائرها الصحيحة التي تصدرها تلك الجهة، أثبت فيها البيانات المثبتة بها، وضمنها العلامة الحكومية التي تصدرها تلك الجهة وعزاها زورًا إليها. 2- ارتكب تزويرًا في محررات رسمية هي بطاقات رقم قومي، المنسوب صدورها زورًا لمصلحة الأحوال المدنية، وكان ذلك بطريق الاصطناع على غرار نظائرها الصحيحة التي تصدرها تلك الجهة، أثبت بها البيانات المذكورة بها، وضمنها العلامة الحكومية التي تصدرها تلك الجهة وعزاها زورًا إليها. 3- ارتكب تزويرًا في محرر إحدى النقابات (نقابة المحامين)، هو كارنيه إثبات القيد بالنقابة، وكان ذلك بطريق الاصطناع على غرار نظائره الصحيحة التي تصدرها تلك الجهة، أثبت فيه البيانات المذكورة به، وعزاه زورًا إليها. 4- قلد خاتم شعار الجمهورية الخاص بمصلحة الشهر العقاري - مكتب شمال القاهرة، فرع توثيق شبرا - بأن قام باصطناعه على غرار القالب الصحيح لتلك الجهة، واستعمله بأن بصم به توكيلاً خاليًا من البيانات. 5- اشترك بطريقي الاتفاق والمساعدة مع المتهمة الثانية في استعمال المحـــرر المزور محل الاتهام الأول، بأن اتفق معها على استعماله، وساعدها بأن قدمه إليها، فمثلت به أمام مكتب توثيق الشهر العقاري، وقدمته للموظف المختص للاعتداد به في إثبات شخصيتها مع علمها بتزويره، فتمت الجريمة بناء على ذلك الاتفاق وتلك المساعدة. المتهمة الثانية، وهى ليست من أرباب الوظائف العمومية: 6- اشتركت بطريقي الاتفاق والمساعدة مع المتهم الأول في ارتكاب تزوير في محرر رسمي هو رخصة قيادة خاصة، المنسوب صدورها للإدارة العامة للمرور - وحدة مرور مدينة نصر- وكان ذلك بطريق الاصطناع على غرار نظائرها الصحيحة التى تصدرها تلك الجهة، بأن اتفقت معه على تزويرها، وساعدته بأن أمدته بصورة شخصية لها، فقام بإثبات البيانات المذكورة بها، وكذا صورة المتهمة الثانية، وضمنها العلامة الحكومية التي تصدرها تلك الجهة وعزاها زورًا إليها، فتمت الجريمة بناءً على ذلك الاتفاق وتلك المساعدة. 7- استعملت المحرر المزور محل الاتهام الأول فيما زور من أجله، بأن مثلت به أمام مكتب توثيق الشهر العقاري، وقدمته للموظف المختص للاعتداد به في إثبات شخصيتها بمقتضاه، مع علمها بتزويره. وطلبت النيابة العامة معاقبتهما بالمواد (40/ ثانيًا وثالثًا، 41/ 1، 206/ 3، 211، 212، 214، 214 مكررًا/ 1) من قانون العقوبات. وأحيلت الدعوى إلى محكمة جنايات الجيزة - الدائرة 15- وتدوولت على النحو الثابت بمحاضر الجلسات. وبجلسة 16/ 9/ 2018، أبدى الحاضر مع المتهمة الثانية، عدة دفوع، من بينها: الدفع بتوافر أحد موانع العقاب طبقًا لنص المادة (210) من قانون العقوبات، لقيامها بتسهيل القبض على المتهم الأول، كما دفع بعدم دستورية نص تلك المادة، وطلب التصريح برفع الدعوى الدستورية. وبجلسة 20/ 9/ 2018، قضت المحكمة بإحالة الأوراق إلى المحكمة الدستورية العليا، للفصل في دستورية نص المادة (210) من قانون العقوبات، لما تراءى لها من مخالفة ذلك النص لمبدأ المساواة وحق الدفاع والقضاء على كافة أشكال التمييز.
وحيث إن المادة (210) من قانون العقوبات (النص المحال) تنص على أن " الأشخاص المرتكبون لجنايات التزوير المذكورة بالمواد السابقة يعفون من العقوبة إذا أخبروا الحكومة بهذه الجنايات قبل تمامها وقبل الشروع في البحث عنهم وعرفوها بفاعليها الآخرين أو سهلوا القبض عليهم ولو بعد الشروع في البحث المذكور".
وحيث إنه عن الدفع المبدى من هيئة قضايا الدولة، ومن المدعى عليها الثانية بعدم قبول الدعوى لانتفاء المصلحة، فإن قضاء المحكمة الدستورية العليا، قد استقر على أن المصلحة الشخصية المباشرة - وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية - مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، بما مؤداه أن تفصل المحكمة الدستورية العليا في الخصومة من جوانبها العملية وليس من معطياتها النظرية أو تصوراتها المجردة، وهو ما يقيد تدخلها في تلك الخصومة القضائية ويرسم تخوم ولايتها، فلا تمتد لغير المطاعن التي يؤثر الحكم بصحتها أو بطلانها على النزاع الموضوعي، وبالقدر اللازم للفصل فيه. والمحكمة الدستورية العليا وحدها هي التي تتحرى توافر شرط المصلحة في الدعوى المقامة أمامها للتثبت من هذا الشرط اللازم لقبولها، وليس لجهــة أخرى أن تنازعها في ذلك أو تحل محلها فيه. ومن ثم، فإنه لا تلازم بين اتصال الدعوى بهذه المحكمة عن طريق الإحالة من إحـدى محاكم الموضوع، وتوافـر شرط المصلحة في الدعـوى الدستوريـة، فالأولى لا تغني عـن الثانية، فإذا انتهت هذه المحكمة إلى أن الفصل في دستورية النص المحال الذى تراءى لمحكمة الموضوع عدم دستوريته، ليس له من أثر مباشر على الطلبات المبداة في النزاع الموضوعي، فإن الدعوى الدستورية تضحى غير مقبولة.
وحيث إن النيابة العامة كانت قد أحالت المتهمة الثانية إلى المحاكمة الجنائية، وأسندت إليها ارتكاب جريمتي الاشتراك بطريقي الاتفاق والمساعدة مع المتهم الأول، في تزوير محرر رسمي، واستعمال هذا المحرر فيما زور من أجله، المعاقب عليهما بمقتضى نصوص المواد (40/ ثانيًا وثالثًا، 41/ 1، 211، 212، 214) من قانون العقوبات، على نحـو ما ورد بأمـر الإحالـة. وكان من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن إسباغ القيد والوصف على الفعل المنسوب إلى المتهم يُعد من المسائل المحجوزة لمحكمة الموضوع في ضوء الوقائع المطروحة أمامها، ولا تتقيد في هذا الشأن بالمواد التي أحيل بها المتهم إلى المحاكمة، وذلك إعمالاً لنص المادة (308) من قانون الإجراءات الجنائية، التي تخول المحكمة سلطة تغيير الوصف القانوني للفعل المسند للمتهم ارتكابه، وكذلك تعديل التهمة بإضافة الظروف المشددة التي تثبت من التحقيق أو من المرافعـة في الجلسـة، ولو كانت لم تذكر بأمر الإحالة. متى كان ذلك، وكان الفعل المؤثم بمقتضى نص البند الثالث مــن المادة (206) مـن قانون العقوبــات، تقليـد أو تزويـر المتهـم - بنفسـه أو بواسطة غيره - علامات إحدى المصالح أو إحدى الجهات الحكومية، وكذلك استعمال هذه الأشياء مع علمه بتقليدها أو تزويرها، وهى من بين مواد القيد التي تضمنها أمر إحالة المتهمين إلى المحاكمة الجنائية، وتواجه به المتهمة الثانية، في إطار الصلاحيات المقررة لمحكمة الموضوع. وكان نص تلك المادة من بين نصوص المواد التي يسري في شأنها الإعفاء من العقوبة المقرر بالمادة (210) من قانون العقوبات، وثارت لدى محكمة الموضوع شبهة مخالفته لأحكام الدستور، وأسست عليه قرارها بالإحالة إلى هذه المحكمة، فمن ثم يكون الفصل في دستورية النص المحال، في حدود النطاق المتقدم، يرتب انعكاسًــا أكيدًا وأثرًا مباشرًا على الفصل في الطلبات المعروضة في الدعــوى الموضوعية، ويتوافــر به شرط المصلحة في الدعــوى المعروضة، الأمر الذى يتعين معه الالتفات عن الدفع بعدم قبول الدعوى.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن القانون الجنائي وإن اتفق مع غيره من القوانين في سعيها لتنظيم علائق الأفراد فيما بين بعضهم البعض وكذلك على صعيد علاقاتهم بمجتمعاتهم، فإن القانون الجنائي يفارقها في اتخاذه العقوبة أداة لتقويم ما لا يجوز التسامح فيه اجتماعيًّا من مظاهر سلوكهم، وشرط ذلك أن يكون الجزاء الجنائي حائلاً دون الولوغ في الإجرام، ملبيًا ضرورة أن يتهيأ المذنبون لحياة أفضل، مستلهمًا أوضــاع الجناة وخصائص جرائمهم وظروفهــا، نائيًا بعقابهم عن أن يكون غلوًا أو تفريطًا بما يفقد القواعد التي تــدار العدالة الجنائية على ضوئها فعاليتها. ويتعين بالتالي أن يكون الجزاء الجنائي محيطًا بهذه العوامل جميعًا وأن يصاغ على ضوئها، فلا يتحدد بالنظر إلى واحد منها دون غيره، وكلما استقام الجزاء على قواعد يكون بها ملائمًا ومبررًا، فإن إبدال المحكمة الدستورية العليا لخياراتها محل تقدير المشرع في شأن تقرير جزاء أو تحديد مداه، لا يكون جائزًا دستوريًا.
وحيث إن الجزاء الجنائي كان عبر أطوار قاتمة في التاريخ أداة طيعة للقهر والطغيان، محققًـــا للسلطة المستبدة أطماعها، ومبتعدًا بالعقوبة عن أغراضها الاجتماعية. وكان منطقيًا وضروريًا أن تعمل الدول المتمدنة على أن تقيم تشريعاتها الجزائية وفق أسس ثابتة تكفل بذاتها انتهاج الوسائل القانونية السليمة في جوانبها الموضوعية والإجرائية، لضمان ألا تكون العقوبة أداة قامعة للحرية عاصفة بها بالمخالفة للقيم التى تؤمن بها الجماعة في تفاعلها مع الأمم المتحضرة واتصالها بها. وكان لازمًا - في مجال دعم هذا الاتجاه وتثبيته - أن تقرر الدساتير المعاصرة القيود التي ارتأتها على سلطان المشرع في مجال التجريم تعبيرًا عن إيمانها بأن حقوق الإنسان وحرياته لا يجوز التضحية بها في غير ضرورة تمليها مصلحة اجتماعية لها اعتبارها، واعترافًا منها بأن الحرية في أبعادها الكاملة لا تنفصل عن حرمة الحياة، وأن الحقائق المريرة التي عايشتها البشرية على امتداد مراحل تطورها تفرض نظـامًا متكاملاً يكفل للجماعـة مصالحها الحيوية، ويصون - في إطار أهدافه - حقوق الفرد وحرياته الأساسية بما يحول دون إساءة استخدام العقوبة تشويهًا لأغراضها. وقد تحقق ذلك بوجه خاص من خلال ضوابط صارمة ومقاييس أكثر إحكامًا لتحديد ماهية الأفعال المنهى عن ارتكابها، بما يزيل غموضها، وعلى نحو يجرد المحكمة من السلطة التقديرية التي تقرر بها قيام جريمة أو فرض عقوبة بغير نص، كى تظل المصلحة الاجتماعية - في مدارجها العليا - قيدًا على السلطة التشريعية تحريًا للشرعية في أعماق منابتها.
وحيث إن الهدف من التجريم قديمًا كان مجرد مجازاة الجاني عن الجريمة التي اقترفها. ولقد تطور هذا الهدف في التشريع الحديث ليصبح منع الجريمة، سواء كان المنع ابتداءً أو ردع الغير عن ارتكاب مثلها، فالاتجاهات المعاصرة للسياسة الجنائية في مختلف الدول تتجه - كما تشير المؤتمرات المتعاقبة للأمم المتحدة بشأن منع الجريمة ومعاملة المجرمين - إلى أهمية اتخاذ التدابير المانعة لوقوع الجريمة، وسن النصوص التي تكفل وقاية المجتمع منها، وتجريم الاشتراك في الجمعيات الإجرامية، وتنمية التعاون الدولي لمكافحة الجريمة المنظمة، إلا أن شرعية النصوص التي تُتخذ كوسيلة لتحقيق هذه الأهداف، مناطها توافقها وأحكام الدستور واتفاقها ومبادئه ومقتضاه. ومن ثم يتعين على المشرع - في هذا المقام - إجراء موازنة دقيقة بين مصلحة المجتمع والحرص على أمنه واستقراره من جهة، وحريات وحقوق الأفراد من جهة أخرى.
وحيث إن السياسة الجنائية الرشيدة يتعين أن تقوم على عناصر متجانسة، فإن قامت على عناصر متنافرة، نجم عن ذلك افتقاد الصلة بين النصوص ومراميها، بحيث لا تكون مؤدية إلى تحقيق الغاية المقصودة منها لانعدام الرابطة المنطقية بينهما، تقديرًا بأن الأصل في النصوص التشريعية - في الدولة القانونية - هو ارتباطها عقلاً بأهدافها، باعتبار أن أى تنظيم تشريعي ليس مقصودًا لذاته، وإنما هو مجرد وسيلة لتحقيق تلك الأهداف. ومن ثم يتعين دائمــًا استظهار ما إذا كان النص المطعون فيه أو المحال - على حسب الأحوال - يلتزم إطارًا منطقيًّا للدائرة التى يعمل فيها، كافلاً من خلالها تناغم الأغراض التي يستهدفها، أم متهادمًا مع مقاصده أو مجاوزًا لها، ومناهضًا - بالتالي - لأحكام الدستور.
وحيث إن التجريم ليس عملاً قضائيًّا، وإنما هو عمل تشريعي أصيل، يتولاه المشرع، طبقًا لنص المادة (101) من الدستور، فيحدد ملاءمته، ونطاقه، ملتزمــًا الضوابط الدستورية السالف ذكرها، ويبين - على نحو جلى لا غموض فيه - النموذج القانوني، الذى يتلبس الفعل المادي، والركن المعنوي لهذا النموذج، وكافة شرائط هذا النموذج ومتطلباته، ثم يحدد العقوبة المقررة لذلك النموذج، وذلك كله إعمالاً لمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات، المنصوص عليه في المادة (95) من الدستور، التي تقضى بأنه "لا جريمة ولا عقوبة إلا بناءً على قانون".
وحيث إن مبدأ مساواة المواطنين أمام القانون - وبقدر تعلقه بالحدود التي تباشر فيها هذه المحكمة ولايتها - مؤداه أنه لا يجوز أن تخل السلطتان التشريعية أو التنفيذية في مباشرتهما لاختصاصاتهما التي نص عليها الدستور، بالحماية القانونية المتكافئة للحقوق جميعها، سواء في ذلك تلك التى نص عليهـا الدستور أو التي ضمنها المشرع. ومن ثم كان هذا المبدأ عاصمًا من النصوص القانونية التى يقيم بها المشرع تمييزًا غير مبرر تتنافر به المراكز القانونية التي تتماثل عناصرها، فلا تكون وحدة بنيانها مدخلاً لوحدة تنظيمها، بل تكون القاعدة القانونية التي تحكمها، إما مجاوزة باتساعها أوضاع هذه المراكز أو قاصرة بمداها عن استيعابها.
وحيث إن الدستور الحالي قد اعتمد بمقتضى نص المادة (4) منه مبدأ المساواة، باعتباره إلى جانب مبدأي العدل وتكافؤ الفرص، أساسًا لبناء المجتمع وصيانة وحدته الوطنية، وتأكيدًا لذلك حرص الدستور في المادة (53) منه على كفالة تحقيق المساواة لجميع المواطنين أمام القانون، في الحقوق والحريات والواجبـات العامـــة، دون تمييز بينهم لأى سبب، إلا أن ذلك لا يعنى - وفقًا لما استقر عليه قضاء هذه المحكمة - أن تعامـل فئاتهم على ما بينهـا من تفـاوت في مراكزهــا القانونية معاملة قانونية متكافئة، كذلك لا يقـــوم هــذا المبدأ على معارضة صـور التمييز جميعهـا، ذلك أن مـن بينهـا ما يستند إلـى أسـس موضوعية، ولا ينطوي بالتالي على مخالفة لنصى المادتين (4، 53) المشار إليهما. مما مؤداه أن التمييز المنهى عنه بموجبها هو ذلك الذى يكون تحكميًّا، وأساس ذلك أن كل تنظيم تشريعي لا يعتبر مقصودًا لذاته، بل لتحقيق أغراض بعينها تعكس مشروعيتها إطارًا للمصلحة العامـة التي يسعى المشـرع إلى تحقيقهـا من وراء هذا التنظيم، فإذا كان النص المطعون عليه أو المحال على حسب الأحوال - بما انطوى عليه من تمييز - مصادمًا لهذه الأغراض بحيث يستحيل منطقًا ربطه بها أو اعتباره مدخلاً إليها، فإن التمييز يكون تحكميًّا، وغير مستند بالتالي إلى أسس موضوعية، ومن ثم مجافيًا لمبدأ المساواة.
وحيث إنه متى كان ما تقدم، وكان المشرع، في حدود نطاق الدعوى المعروضة، رصد بنص المادة (206) من قانون العقوبات، عقوبة الجناية لكل من قلــد أو زور، سواء بنفسه أو بواسطة غيره، أختام أو علامات إحدى المصالح أو إحدى جهات الحكومة، وكذلك من استعمـل هــذه الأشياء مـع علمـه بتقليدهـا أو تزويرها. وبمقتضى نص المادة (210) من قانون العقوبات (النص المحال) أعفى المشرع مرتكبي هذه الجنايات، من العقاب، في حالتين، أولاهما: إذا أخبروا الحكومة بها قبل تمامها، وقبل الشروع في البحث عنهم، بشرط التعريف بفاعليها الآخرين. وثانيتهمـا: إذا سهلوا القبض على فاعليها الآخرين، ولو كان الإخبار بعد الشروع في البحث عنهم. وقد استهدف المشرع من الإعفاء من العقوبة المقرر بذلك النص تحقيق مصلحة عامة، بالكشف عن الجنايات المنصوص عليها في البند الثالث من المادة (206) من قانون العقوبات، والوقوف على مرتكبيها، والقبض عليهم، وضبط المحررات محل تلك الجريمة، نظرًا لخطورتها، ونيلها من الثقة الواجب توافرها في المحررات الرسمية، خاصةً أن تلك الجريمة يكون الخفاء والخـــداع عنصرًا رئيسيًا من مكوناتها، لقيامها على التقليد أو التزوير للأشياء التي عددها المشرع، وهى بطبيعتها عصية على الكشف، وتصعب معها مهمة سلطات الدولة في اكتشافها والقبض على مرتكبيها، وضبط موضوعها والحيلولة دون استعمالها، وإنهاء الأثر الضار المترتب عليها. وهو مبرر كاف ومقبول لما قرره المشرع بالنص المحال من إعفاء الجاني من العقاب، إذا سهل مهمة سلطات الدولة في اكتشاف الجريمة والقبض على فاعليها الآخرين، حتى يتسنى لها إنزال العقاب بهم، ووقف مشروعهم الإجرامي، وهو ما يدخل في إطار السلطة التقديرية للمشرع، بحسبانه قدر أن العقاب لن يحقق أهدافه، بحماية المصلحة العامة بالصورة الكاملة، إلا بتقرير هذا الإعفاء، مراعاة للطبيعة الخاصة لهذه الجرائم وخطورتها، فمن ثم يكون تقرير الإعفاء من العقاب المقرر بالنص المحال قد جاء محققًا ومراعيًا الضرورة الاجتماعية والمصلحة العامة للمجتمع.
وحيث إن النص المحال، في النطاق السالف تحديده، قد قرر مكافأة لأى من مرتكبي الجنايات المنصوص عليها في المادة (206) من قانون العقوبات، والمشارك فيها، نظير الخدمة التي يقدمها للعدالة وللمصلحة العامة. وكان ما تضمنه النص المحال يمثل قاعدة عامة مجردة لا تتضمن تمييزًا من أي نوع بين المخاطبين بأحكامها، وجاءت هذه القاعدة مرتبطة بالغرض من وراء تقريرها، باعتبارهــا الوسيلة التي يُعــد اختيارهــا من قبيل السياسة التشريعية التي تندرج في نطاق السلطة التقديرية للمشرع، متى كان تنفيذها من خلال النصوص القانونية لا يناقض أحكام الدستور، وكانت مدخلاً منطقيًّا وعقليًّا لكفالة تحقيق الأهداف والأغـــراض المتقدمة، التي يعكس مشروعيتها إطارًا لمصلحة جوهرية غايتها تحقيق الصالح العام وصالح الجماعة، ليضحى النص المحال بذلك مستندًا إلى أسس موضوعية تبرره، وغير متضمن تمييزًا تحكميًّا، ولا يخالف - من ثم - مبدأ المساواة الذى كفله الدستور في المادتين (4، 53) منه.
وحيث إن ضمان الدستور، في المادة (98) منه، لحق الدفاع قد تقرر باعتباره أحد الأركان الجوهرية لسيادة القانون، كافلاً للخصومة القضائية عدالتها وبما يصون قيمتها، ويندرج تحتها ألا يكون الفصل فيها بعيدًا عن أدلتها أو نابذًا الحق في إجهاضها من خلال مقابلتها بما يهدمها من الأوراق وأقوال الشهود فلا يكون بنيان الخصومة متحيفــًا حقوق أحد من الخصوم بل مكافئا بين فرصهم في مجال إثباتها أو نفيها، استظهارًا لحقائقها، واتصالاً بكل عناصرها. متى كان ذلك، وكان المشرع قد قرر بالنص المحال إعفاء مرتكبي الجنايات المنصوص عليها في المادة (206) من قانون العقوبات، في حدود النطاق المتقدم، من العقوبة إذا أخبروا الحكومة بها قبل تمامها وقبل الشروع في البحث عنهم، وعرفوها بفاعليها الآخرين، أو سهلوا القبض عليهم ولو بعد الشـروع في البحـث عنهم، متوخيًّا من ذلك تحقيق مصلحة عامة جوهرية، بالكشف عن هذه الجرائم والقبض على مرتكبيها. ولم يتضمن النص المحال إلزام محكمة الموضـوع بأن تأخـذ من إخبار أو اعتراف أحد الجناة دليل إدانة لغيره من المتهمين فيها، ذلك أنه وفقًا لنص المادة (308) من قانون الإجراءات الجنائية، يحكم القاضي في الدعوى حسب العقيدة التي تكونت لديه بكامل حريته. ومن جهة أخرى، لم يحرم ذلك النص المتهم من تفنيد الدليل الناشئ عن ذلك الإخبار، ومناهضته أمام المحكمة، أو يعفى النيابة العامة من التزامها القانوني بتقديم أدلة الاتهام في مواجهتهم، أو أن تناضلَ في إثبات أركان وعناصر الجريمة ونسبتها إليهم أمام المحكمة. كما لم يحد النص المشار إليه من حــق المتهم في تقديــر سبل دفاعه ووسائله والاختيار من بينها، ســواء بتقدير مدى الاستفادة من مكنة الإعفاء من العقوبـة التي قـررها المشـرع بالنص المحال، أو الطعــن في صحة إخبـار أو اعتراف غيره من المتهمين، أو مواجهة الأدلة التي تطرحها النيابة العامة إثباتـــًا للجريمة، ولم يخل كذلك بحقه في أن تحقق المحكمـــة دفاعه كاملاً، على نحو يمكنه دفع الاتهام الموجه إليه، مما لا يكون معه النص المحال متضمنًا إخلالاً بحق الدفاع الذى كفلته المادة (98) من الدستور.
وحيث إن النص المحال لا يخالف أي نص آخر من نصوص الدستور.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة برفض الدعوى

عدم دستورية توقيع عقوبة سالبة للحرية في جرائم علانية المنتج الفني أو الأدبي أو الفكري

الدعوى 66 لسنة 31 ق " دستورية" جلسة 28 / 8 / 2021
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الثامن والعشرين من أغسطس سنة 2021م، الموافق العشرين من المحرم سنة 1443 هـ.
برئاسة السيد المستشار / سعيد مرعى عمرو رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: الدكتور عادل عمر شريف وبولس فهمى إسكندر والدكتور محمد عماد النجار والدكتور طارق عبد الجواد شبل وخالد أحمد رأفت والدكتورة فاطمة محمد أحمد الرزاز نواب رئيس المحكمة

وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشرى رئيس هيئة المفوضين

وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع أمين السر

أصدرت الحكم الآتي
في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 66 لسنة 31 قضائية "دستورية".

المقامة من
أشجان عيسى عبد العزيز عيسى
ضــد
1- رئيس الجمهورية
2- رئيس مجلس الوزراء
3- وزيـر العـــدل
4- النائــب العــام
5- وزيـــر الثقافـة
6- وزيـر الشئـون الاجتماعية
7- رئيس الاتحاد العام للنقابات الفنية
8- نقيب المهن التمثيلية

--------------------

" الإجــراءات "
بتاريخ السادس عشر من مارس سنة 2009، أودعت المدعية صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبة الحكم بعدم دستورية نصى الفقرة الرابعة من المادة (5)، والمادة (5 مكررًا) من القانون رقم 35 لسنة 1978 في شأن إنشاء نقابات واتحاد نقابات المهن التمثيلية والسينمائية والموسيقية، المعدل بالقانون رقم 8 لسنة 2003. وبتاريخ السادس من سبتمبر سنة 2009، قدمت المدعية مذكرة إلى هيئة المفوضين بالمحكمة، أضافت فيها طلبًا جديدًا، بالحكم بعدم دستورية نص الفقرة الثانية من المادة (5) من القانون رقم 35 لسنة 1978 المشار إليه.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم بعدم قبول الدعوى.
وقدم المدعى عليه الأخير مذكرة، طلب فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.

-------------

" المحكمة "

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل - حسبما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - في أن النيابة العامة، كانت قد قدمت المدعـية إلى المحاكمة الجنائية، في الدعوى رقم 9132 لسنة 2008 جنح السيدة زينب، متهمة إيّاها بأنها بتاريخ 6/ 6/ 2008: " زاولت العمل بالتمثيل دون أن تكون مقيدة بجدول نقابة المهن التمثيلية، على النحو المبين بالأوراق "، وطلبت عقابها بالمواد (1، 2، 5/ 1، 5 مكررًا) من القانون رقم 35 لسنة 1978 في شأن إنشاء نقابات واتحاد نقابات المهن التمثيلية والسينمائية والموسيقية، المعدل بالقانون رقم 8 لسنة 2003. وحال نظر الدعوى بجلسة 7/ 9/ 2008، دفع الحاضر عن المدعية بعدم دستورية نصى المادتين (5) و(5 مكررًا) من القانون رقم 8 لسنة 2003، المعدل لأحكام القانون رقم 35 لسنـة 1978 المشـار إليه، وتمســـك بالدفــع بجلسة 8/ 1/ 2009، وفيها قدرت المحكمة جدية الدفع، وصرحت للمدعية بإقامة الدعوى الدستورية، فأقامت الدعوى المعروضة.
وحيث إن المادة (5) من القانون رقم 35 لسنة 1978 في شأن إنشاء نقابات واتحاد نقابات المهن التمثيلية والسينمائية والموسيقية، قبل استبدال فقرتها الرابعة بالقانون رقم 8 لسنة 2003، تنص على أن " ينشأ في كل نقابة من النقابات السالفة الذكر جدول عام يقيد فيه أسماء الأعضاء العاملين في النقابة، ويلحق به جدولان، أحدهما للأعضاء المنتسبين، والآخر لأعضاء الشرف.
ولا يجوز لأحد أن يشتغل بفنون المسرح أو السينما أو الموسيقى على النحو المنصوص عليه في المادة (2) من هذا القانون ما لم يكن عضوًا عاملاً بالنقابة.
ويجوز لمجلس النقابة التصريح بصفة مؤقتة لعمل محدد أو لفترة محددة قابلة للتجديد لغير الأعضاء العاملين وذلك تيسيرًا لإظهار المواهب الكبيرة الواعية واستمرار الخبرات المتميزة أو مراعاة لظروف الإنتاج المشترك أو تشجيعها للتبادل الثقافي بين مصر والبلاد العربية وغيرها أو بسبب الندرة أو عدم وجود نظير من أعضاء النقابة لطالب التصريح، ولا يكسب هذا التصريح الطالب أي حق من الحقوق أو أية ميزة من المميزات المكفولة للأعضاء العاملين في هذا القانون.
وعلى طالب التصريح مصريًّا كان أو أجنبيًّا أن يؤدى إلى صندوق الإعانات والمعاشات بالنقابة رسمًا نسبيًّا مقداره (20%) من الأجور والمرتبات التي يحصل عليها نتيجة التصريح المؤقت".
وقد استبدل نص الفقرة الرابعة من المادة (5) من القانون المشار إليه، بموجب القانون رقم 8 لسنة 2003، بالنص الآتي " وتقوم النقابة بمتابعة تنفيذ العقد لضمان حصول طالب التصريح على حقوقه قبل المتعاقد معه فترة سريان العقد.
ويؤدى طالب التصريح للنقابة، مقابل متابعتهـــا تنفيذ العقد، مبلغًا من المال - حسب التصنيف الفئوي - لا يجاوز عشرة آلاف جنيه. وإذا كان طالب التصريح من غير المصريين يكون الحد الأقصى عشرين ألف جنيه. وتحدد اللائحة الداخلية لكل نقابة التصنيف الفئوي.
ويحظر التعاقد أو التشغيل لغير الأعضاء العاملين بالنقابة أو غير الحاصلين على تصاريح عمل مؤقتة ".
وتنص المادة (5 مكررًا) من القانون رقم 35 لسنة 1978 السالف بيانه، المستبدلة بالقانون رقم 8 لسنة 2003 على أن " يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن شهر ولا تزيد على ثلاثة أشهر وبغرامة لا تقل عن ألفى جنيه ولا تزيد على عشرين ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من خالف أحكام المادة (5) من هذا القانون ".
وحيث إنه عن الطعن بعدم دستورية نص الفقرة الثانية من المادة (5) من القانون رقم 35 لسنة 1978 المشار إليه، فالثابت بالأوراق أن محكمة الموضوع كانت قد صرحت للمدعية بجلسة 8/ 1/ 2009 بإقامة الدعوى الدستورية عن كامل نص تلك المادة، والمادة (5 مكررًا) من ذلك القانون، إلا أن المدعية أقامت دعواها المعروضة، قاصرة الطعن بعدم الدستورية على نص الفقرة الرابعة من المادة (5)، والمادة (5 مكررًا) من ذلك القانون، ولم تطلب الحكم بعدم دستورية الفقرة الثانية من المادة (5) منه إلا أثناء تحضير الدعوى أمام هيئة المفوضين بتاريخ 6/ 9/ 2009، حال أن المقرر في قضاء هذه المحكمة أنه لا يجوز إبداء طلبات جديدة أو إضافية أمام هيئة المفوضين، فضلاً عن أن هذا الطلب قد أبدى بعد انقضاء أكثر من ثلاثة أشهر من تاريخ صدور تصريح محكمة الموضوع بإقامة الدعوى الدستورية، بالمخالفة لنص البند (ب) من المادة (29) من قانون هذه المحكمة الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، ومن ثــم يكــون الطعن على دستورية هذا النص بمثابة دعوى مباشرة، لم تتصل بالمحكمة الدستورية العليا على النحو المقرر بقانونها، ويتعين القضاء بعدم قبول الدعوى بشأنه.
وحيث إنه عن الدفع المبدى من هيئة قضايا الدولة بعدم قبول الدعوى لسبق الحكم بعدم دستورية ما نصت عليه الفقرة الرابعة من المادة الخامسة من القانون رقم 35 لسنة 1978 في شأن إنشاء نقابات واتحاد نقابات المهن التمثيلية والسينمائية والموسيقية، من إلزام طالب التصريح بأن يؤدى إلى صندوق الإعانات والمعاشات بالنقابة رسمًا نسبيًّا مقداره 20% من الأجور والمرتبات التي يحصل عليها نتيجة التصريح المؤقت، وبعدم دستورية المادة الخامسة مكررًا من هذا القانون "، وذلك بمقتضى الحكم الصادر في الدعوى رقم 2 لسنة 15 قضائية "دستورية". فإن هذا الدفع مردود؛ ذلك أن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الحجية المطلقة للأحكام الصادرة في الدعاوى الدستورية يقتصر نطاقها على النصوص التشريعية التي كانت مثارًا للمنازعة حول دستوريتها، وفصلت فيها المحكمة فصلاً حاسمًا بقضائها، أما ما لم يكن مطروحًا على المحكمة، ولم تفصل فيه بالفعل، فلا تمتد إليه تلك الحجية. متى كان ذلك، وكان الحكم الصادر بجلسة 4/ 1/ 1997، في الدعوى الدستورية رقم 2 لسنة 15 قضائية قد قضى بعدم دستورية نصى الفقرة الرابعة من المادة الخامسة، والمادة الخامسة مكررًا من القانون رقم 35 لسنة 1978 في شأن إنشاء نقابات واتحاد نقابات المهن التمثيلية والسينمائية والموسيقية. ورفض الدعوى بشأن الطعن على دستورية نص الفقرة الثانية من المادة (5) من ذلك القانون. ومن ثم، فإن حجية هذا الحكم تكون مقصورة على هذا النطاق وحده، ولا تمتد إلى نصى الفقرة الرابعة من المادة (5)، والمادة (5 مكررًا) من القانون رقم 35 لسنة 1978 المشار إليه، بعد استبدالهما بالقانون رقم 8 لسنة 2003، ليبقى النصان المستبدلان - المطعون عليهما في الدعوى المعروضـة - خارجين عن نطــاق الحجية المطلقــة للحكم الصادر في الدعوى رقم 2 لسنة 15 قضائية "دستورية".
وحيث إن المصلحة في الدعوى الدستورية، وهى شرط لقبولها، مناطها - على ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة - أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يؤثر الحكم في المسألة الدستورية على الطلبات المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع، فإذا لم يكن للفصل في دستورية النص الذى ثارت بشأنه شبهة عدم الدستورية لدى محكمة الموضوع انعكاس على النزاع الموضوعي، فإن الدعوى الدستورية تكون غير مقبولة .
متى كان ما تقدم، وكان الاتهام الذى أسندته النيابة العامة إلى المدعية في الدعوى رقم 9132 لسنة 2008 جنح السيدة زينب، بمزاولة العمل بمهنة التمثيل دون أن تكون مقيدة بجدول نقابة المهن التمثيلية، يتساند إلى نصوص الفقرة الثانية من المادة (5)، والشطر الأخير من الفقـــرة الرابعة من المادة ذاتها، والمادة (5 مكررًا) من القانون رقم 35 لسنة 1978 المشـار إليه، المســتبدل ثانيتها وثالثتها بالقانون رقم 8 لسنة 2003. وكان نص الفقــرة الثانية من المادة (5) من القانــون رقم 35 لسنة 1978 - السالف البيان - فضلاً عن أنه لم يتصل بهذه المحكمة على النحو المقرر بقانونها، على ما سلف بيانه، فقد سبق أن قُضى برفض الطعن على دستوريته بمقتضى حكم هذه المحكمة الصادر بجلسة 4/ 1/ 1997، في الدعوى رقم 2 لسنة 15 قضائية "دستورية". وقد تم نشره بالعدد رقم (3) من الجريدة الرسمية بتاريخ 16/ 1/ 1997. ولما كان مقتضى نص المادة (195) من الدستور القائم، ونصى المادتين (48، 49) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، أن يكون للأحكام والقرارات الصادرة من هذه المحكمة، حجية مطلقة في مواجهة الكافة، وبالنسبة إلى الدولة بسلطاتها المختلفة، باعتباره قولاً فصلاً لا يقبل تأويلاً ولا تعقيبًا من أى جهة كانت، وهى حجية تحول بذاتها دون المجادلة فيها، أو إعادة طرحها على هذه المحكمة من جديد لمراجعتها في شأن بحث دستورية النصوص المقضي فيها، ومن ثم يغدو الطعن على الفقرة الثانية من المادة (5) من القانون رقم 35 لسنة 1978 المار بيانها قمينًا بعدم القبول.
وحيث إنه في ضوء ما تقدم، يتحدد نطاق الدعوى المعروضة في الشطر الأخير من الفقرة الرابعة من المادة (5)، والمادة (5 مكررًا) من القانون رقم 35 لسنة 1978 في شأن إنشاء نقابات واتحاد نقابات المهن التمثيلية والسينمائية والموسيقية المستبدلتين بالقانون رقم 8 لسنة 2003، فيما نصتا عليه من أنه " ويحظـر التعاقـد أو التشغيل لغير الأعضاء العاملين بالنقابة أو غير الحاصلين على تصاريح عمل مؤقتة"، وأن "يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن شهر ولا تزيد على ثلاثة أشهر وبغرامة لا تقل عن ألفى جنيه ولا تزيد على عشرين ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من خالف أحكام المادة (5) من هذا القانون".
وحيث إن المدعية تنعى على النصين اللذين تحدد بهما نطاق الدعوى المعروضة، التفافهما على الحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا في الدعوى رقم 2 لسنة 15 قضائية "دستورية" - السالف بيان منطوقه - وإهدارهما لحرية الرأي والإبداع الأدبي والفني والثقافي التي تكفلها الدولة، ومخالفتهما لحقوق الملكية الفكرية لفناني الأداء التمثيلي المنصوص عليها في قانون حماية الملكية الفكرية الصادر بالقانون رقم 82 لسنة 2002، فضلاً عن العدوان على الحرية الشخصية بإقرارهما جزاءً جنائيًّا على الاشتغال بالمهن التمثيلية دون الانضمام إلى نقابتها.
وحيث إن المقرر في قضاء المحكمة الدستورية العليا أن الرقابة التي تباشرها على دستورية القوانين، من حيث مطابقتها للقواعد الموضوعية التي تضمنها الدستور، تخضع لأحكام الدستور القائم، دون غيره، ذلك أن هذه الرقابة تستهدف أصلاً صون هذا الدستور، وحمايته من الخروج على أحكامه، لكون نصوصه تمثل دائمًا القواعد والأصول التى يقوم عليها نظام الحكم، ولها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام التي يتعين التزامها ومراعاتها، وإهدار ما يخالفها من التشريعات، باعتبارها أسمى القواعد الآمرة. متى كان ذلك، وكانت المناعي التي وجهتها المدعية إلى النصين التشريعيين اللذين تحدد بهما نطاق الدعوى المعروضة، تندرج تحت المطاعن الموضوعية التي تقوم في مبناها على مخالفة نص تشريعي لقاعدة في الدستور من حيث محتواها الموضوعي. وكان النصان السالف بيانهما، وإن صدرا قبل العمل بدستور سنة 2014، إلا أنهما مازالا ساريين، ومن ثم تتولى المحكمة الدستورية العليا الرقابة على دستوريتهما في ضوء أحكام هذا الدستور.
وحيث إن من المقرر قانونًا أن المحكمة الدستورية العليا - بما لها من هيمنة على الدعوى - هي التي تعطيها وصفها الحق وتكييفها القانوني الصحيح، متقصية في سبيل ذلك طلبات الخصوم، مستظهره حقيقة مراميها وأبعادها. متى كان ذلك، وكان حاصل المنعى الأول من مناعي المدعية على النصين المستبدلين بالقانون رقم 8 لسنة 2003، قالة التفافهما على حكم هذه المحكمة الصادر بجلسة 4/ 1/ 1997، في الدعوى رقم 2 لسنة 15 قضائية "دستورية"، فيما قضى به من عدم دستورية الفقرة الرابعة من المادة الخامسة والمادة الخامسة مكررًا من القانون رقم 35 لسنة 1978 في شأن إنشـــاء نقابــات واتحــاد نقابات المهن التمثيلية والسينمائية والموسيقية. وكان ما تهدف إليه المدعية من هذا النعي إنما يتحصل في طلب الاستمرار في تنفيذ الحكم الصادر في الدعوى الدستورية السالفة الذكر، ومن ثم، فإن نعى المدعية يندرج - بهذه المثابة - في عداد المنازعات التي عنتها المادة (50) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، بنصها على اختصاص هذه المحكمة، دون غيرها، بالفصل في كافة المنازعات المتعلقة بتنفيذ الأحكام والقرارات الصادرة منها.
وحيث إن المقرر في قضاء المحكمة الدستورية العليا أن منازعات التنفيذ تتعدد صورها وتتنوع تطبيقاتها، وإن كان يجمعها أنها تطرح عوائق تحول دون تنفيذ أحد أحكام هذه المحكمة، سواء كانت مُعطِلة له أو مُقيِدة مداه. ويندرج ضمن هذه المنازعات أن يتبنى المشرع بتشريع جديد أحكام نص تشريعي سبق لهذه المحكمة القضاء بعدم دستوريته، أو أن تستمر السلطة التنفيذية في إعمال حكم نص تشريعي سبق للمحكمة - استنادًا للأحكام الموضوعية في الدستور - إبطال نص مطابق له في النطاق عينه وموجه للمخاطبين به أنفسهم، بحجة أنه نص جديد، مستترة في ذلك وراء فكرة استقلال النصوص القانونية؛ إذ لا يعدو أن يكون ذلك تحايلاً على أحكام الشرعية الدستورية، ومن ثم يعتبر هذا التشريع الجديد أو ما يصدر من قرارات تنفيذًا له عقبة من عقبات التنفيذ، ويجــوز لهذه المحكمة عندئذ أن تُعمل ما خولته إياها المادة (27) من قانونها من التصدي لدستورية النص الجديد الذى عرض لها بمناسبة نظرها منازعة التنفيذ المطروحة عليها لاتصاله بها، وذلك بعد اتباع الإجراءات المقررة لتحضير الدعوى الدستورية.
متى كان ما تقدم، وكان نصا الشطر الأخير من الفقرة الرابعة من المادة (5)، والمادة (5 مكررًا) من القانون رقم 35 لسنة 1978 المشار إليه، المستبدلان بالقانون رقم 8 لسنة 2003، قد أورد أولهما حظرًا على التعاقد أو التشغيل لغير الأعضاء العاملين بالنقابة أو غير الحاصلين على تصاريح عمل مؤقتة، ليشمل الحظر بهذه المثابة المتعاقد والمشتغل بالمهن التمثيلية والسينمائية والموسيقية من غير الأعضاء العاملين بالنقابة المعنية أو غير الحاصلين على تصاريح عمل مؤقتة، ويشمل الحظر أيضًا من تعاقد معهم أو قام بتشغيلهم، وهى فئة لم يكن يشملها نص الفقرة الرابعة من المادة (5) من القانون رقم 35 لسنة 1978 قبل استبداله. كما قيد ثانيهما الحد الأقصى لعقوبتي الحبس والغرامة، ولم يطلقهما على نحو ما كان قائمًا بمقتضى نص المادة (5 مكررًا) من القانون ذاته قبل استبداله. بما مؤداه مفارقة المشرع في النصين المطعون عليهما، أحكام النصين المقضي بعدم دستوريتهما، قبل استبدالهمـا بالقانون رقـم 8 لسنة 2003. ومن ثم، لا يكون النصان المستبدلان عقبة في تنفيذ حكم المحكمة الدستورية العليا الصادر في الدعوى رقم 2 لسنة 15 قضائية "دستورية"، ويغدو نعى المدعية السالف البيان مفتقرًا لسنده الصحيح، دون أن ينال ذلك من مضى هذه المحكمة في إعمال رقابتها القضائية على دستورية النصين اللذين تحدد بهما نطاق الدعوى المعروضة، على ما سلف بيانه.
وحيث إن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الرقابة القضائية التي تباشرها في شأن دستورية النصوص التشريعية، مناطها مخالفة تلك النصوص لقاعدة تضمنها الدستور، ولا شأن لها بالتعارض بيـن نصين قانونيين جمعهما قانون واحــد أو تفرقا بين قانونين مختلفين، ما لم يكن هذا التعارض منطويًا - بذاته - على مخالفة دستورية. متى كان ما تقدم، وكان نعى المدعية بشأن إهدار حقوق الملكية الفكرية لفناني الأداء التمثيلي، قوامه مقابلة بين النصين اللذين تحدد بهما نطاق الدعوى المعروضة، ونصوص قانون حماية الملكية الفكرية الصادر بالقانون رقم 82 لسنة 2002، دون أن يستطيل هذا النعي لوجود تعارض بين النصين المشار إليهما، وأي من الأحكام الموضوعية للدستور، ومن ثم يضحى الالتفات عن النعي المار ذكره متعينًا.
وحيث إن تجريم المشرع لأى فعل أو امتناع يرتبط بالضرورة الاجتماعية التي اقتضتها ظروف الجماعة في مرحلة من مراحل تطورها، ذلك أن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن القانون الجنائي وإن اتفق مع غيره من القوانين في سعيها لتنظيم علائق الأفراد فيما بين بعضهــم البعض، وعلى صعيد صلاتهــم بمجتمعهم، فإن هذا القانون يفارقها في اتخاذه الجزاء الجنائي أداة لحملهم على إتيان الأفعال التى يأمرهم بها، أو التخلي عن تلك التي ينهاهم عن مقارفتها، وهو بذلك يتغيا أن يحدد، من منظور اجتماعي، ما لا يجوز التسامح فيه من مظاهر سلوكهم. بما مؤداه أن الجزاء على أفعالهم لا يكون مخالفًا للدستور، إلا إذا كان مجاوزًا حدود الضرورة التي اقتضتها ظروف الجماعة في مرحلة من مراحل تطورها، فإذا كان مبررًا من وجهة اجتماعية، انتفت عنه شبهة المخالفة الدستورية.
وحيث إن الأصل في النصوص الدستورية أنها تتكامل مع بعضها لتجمعها وحدة عضوية تضم أجزاءها، وتوحد بين قيمها، فلا تنعزل عن محيطها، ولا ينظر إلى بعضها استقلالاً عن سواها، بل تتناغم فيما بينها بما يكفل تقابلها وتفاعلها، لا تعارضهـا وتهادمهـا. متى كان ذلـك، وكان الدستور بعـد أن كفـل حرية التعبير - ويندرج تحتها حرية الإبداع - بالمادتين (65، 67) منه على التوالي، أقام إلى جانبها - بنص المادة (76) منه - الحرية النقابية؛ فقد غدا لازمًا إعمال أحكامها جميعًا، بافتراض تواصل أجزائها وتضافر توجهاتها، إذ يملك المشرع تنظيم حرية الإبداع، بما لا يمس أصلها، أو جوهرها. وترتيبًا على ذلك، فإن تدخل المشرع لتنظيم حرية الإبداع الفني، من خلال القيود التي يفرضها التنظيم النقابي، لا يعتبر منافيًا لحرية الإبداع الفني والأدبي والفكري، بل هو يثريها من خلال رد كل عدوان عليها، واضعًا من خلال تلك القيود النقابية إطارًا يؤمن مصالح أعضائها الذين استوفوا شروط القيد بها، وحق لهم بالتالي مباشرة كل الأعمال التي تدخل في نشاطها، لا قيد عليهم في ذلك إلا إذا كان عائدًا إلى دستور نقابتهم. إذ كان ذلك، وكانت عبارة الشطر الأخير من الفقرة الرابعة من المادة (5) من القانون رقم 35 لسنة 1978 المستبدلة بالقانون رقم 8 لسنة 2003، السالف بيانها، قد صيغت صياغة واضحة، لا خفاء فيها ولا غموض، مستظهرة، في إفصاح جهير، ماهية الركن المادي للجريمة، وحددتـه في التعاقـد أو تشغيل غير الأعضـاء العامليـن بالنقابة أو غير الحاصلين على تصـاريح عمـــل مؤقتة من النقابة المعنية - في حدود اختصاصها المبين في المادة (2) من القانون ذاته -، وقطعت بكونه فعلاً عمديًّا، يرنو إلى تحقيق النتيجة الناشئة عن الركن المادي، ليتسق ركنا الجريمة في وحدة تنال - حال تحققها - من المصلحة المحمية بالنص المطعون فيه، التي تتجاوز مصالح أعضاء نقابات المهن التمثيلية والسينمائية والموسيقية، على أهميتها، إلى حماية المجتمع، بالتصدي لظاهرة تفشى الأعمال الفنية الهابطة، بما لها من تأثير بالغ الخطورة على قيم الجماعة الوطنية وهويتها الثقافية والحضارية. ومن ثم يغدو الشطر الأخير من الفقرة الرابعة من المادة (5) من القانون رقم 35 لسنة 1978 المستبدلة بالقانون رقم 8 لسنة 2003، مراعيًا الموازنة بين مصالح الجماعة الوطنية في النهــوض بفنون المسرح والسينما والموسيقى، وبين حماية الحقــوق النقابية ومراعاة قيودهــا التنظيمية، مستويًا في ذلك على قواعــد الدستور ومبادئه المقررة في شأن التجريم في المواد الجنائية.
وحيث إنه بشأن الطعن على دستورية نص المادة (5 مكررًا) من القانون المشار إليه، فقد جرى قضاء هذه المحكمة على أن شرعية الجزاء - جنائيًّا كان أم مدنيًّا أم تأديبيًّا - مناطها أن يكون متناسبًا مع الأفعال التي أثمها المشرع، أو حظرها أو قيد مباشرتها. وأن الأصل في العقوبة هو معقوليتها، فلا يكون التدخل بها إلا بقدر لزومها، نأيًّا بها أن تكون إيلامًا غير مبرر يؤكد قسوتها في غير ضرورة، ولا يجوز بالتالي أن تناقض - بمداها أو طرائق تنفيذها - القيم التى ارتضتها الأمم المتحضرة مؤكدة بها ارتقاء حسها، تعبيرًا عن نضجها على طريق تقدمها، واستواء فهمها لمعايير الحق والعدل التي لا يصادم تطبيقها ما يراه أواسط الناس تقييمًا خلقيًّا واعيًا لمختلف الظروف ذات الصلة بالجريمة، ذلك أن القانون الجنائي، وإن اتفق مع غيره من القوانين في تنظيم بعض العلائق التي يرتبط بها الأفراد فيما بين بعضهم البعض، أو من خلال مجتمعهم بقصد ضبطها، فإن القانون الجنائي يفارقها في اتخاذه العقوبة أداة لتقويم ما يصدر عنهم من أفعال نهاهم عن ارتكابها، وهو بذلك يتغيا أن يحدد - من منظور اجتماعي - مالا يجوز التسامح فيه من مظاهر سلوكهم، وأن يسيطر عليهم بوسائل يكون قبولها اجتماعيًّا ممكنًا. بما مؤداه أن الجزاء على أفعالهم لا يكون مبررًا إلا إذا كان مفيدًا من وجهـة اجتماعيـة، فإن كان مجاوزًا تلك الحدود التي لا يكون معها ضروريًّا، غدا مخالفًا للدستور.
وحيث إن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن العقوبةَ التخييريةَ، أو استبدالَ عقوبة أخف أو تدبير احترازي بعقوبة أصلية أشد - عند توافر عذر قانوني جوازي مخفف للعقوبة - أو إجازة استعمال الرأفة في مواد الجنايات بالنزول بعقوبتها درجة واحدة أو درجتين إذا اقتضت أحوال الجريمة ذلك التبديل، عملاً بنص المادة (17) من قانون العقوبات، أو إيقاف تنفيذ عقوبتي الغرامة أو الحبس الذى لا تزيد مدته على سنة إذا رأت المحكمة من الظروف الشخصية للمحكوم عليه أو الظروف العينية التي لابست الجريمة ما يبعث على الاعتقاد بعدم العودة إلى مخالفة القانون على ما جرى به نص المادة (55) من قانون العقوبات، إنما هي أدوات تشريعية يتساند القاضي إليها - بحسب ظروف كل دعوى - لتطبيق مبدأ تفريد العقوبة. ومن ثم ففي الأحوال التي يمتنع فيها إعمال إحدى هذه الأدوات، فإن الاختصاص الحصري بتفريد العقوبة المعقــود للقاضي يكون قد استغلق عليه تمامًا، بما يفتئت على استقلاله ويسلبه حريته في تقديــر العقوبــة، ويفقد جوهـــر وظيفته القضائية، وينطوي على تدخل محظور في شئون العدالة.
وحيث إنه لما كان ما تقدم، وكانت عقوبة الغرامة المنصوص عليها في المادة (5 مكررًا) من القانون رقم 35 لسنة 1978 المستبدلة بالقانون رقم 8 لسنة 2003 - المطعون عليها - هي عقوبة تخييرية بحسب الأصل، تستمد معقوليتها من تماهيها مع الغرض من إقرارها، وتتسم بالمراوحة بين حد أدنى لا يجاوز المقابل النقدي للتصريح المؤقت الذى تمنحه النقابة الفنية لغير أعضائها من المصريين لعمل محدد، أو لفترة محددة قابلة للتجديد، وحد أقصى لا يجاوز مقابل التصريح المؤقت الذى يمنح إذا كان طالب التصريح من غير المصريين. وكانت هذه العقوبة المالية في حديها الأدنى والأقصى مما يجوز إيقاف تنفيذها، ومن ثم تكون عقوبة الغرامة المنصوص عليها في المادة (5 مكررًا) المطعون عليها، قد التزمت ضوابط التفريد التشريعي، ولم تفارق مؤدى التفريد القضائي للعقوبة، بما لازمه أن يكون الطعن على دستوريتها متهافتًا، متعينًا رفضه.
وحيث إن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الإبداع في العلوم، والفنون - أيًّا كان لونها - ليس تسليمًا بما هو قائم من ملامحها، بل تغييرًا فيها، تعديلاً لبنيانها، أو تطويرًا لها، ليؤكد المبدع، بذلك، انفراده بإحداثها، فلا يمكن نسبتها لغيره، إذ هو صانعها، ولأن العناصر التي يضيفها لا ينقلها بتمامها، عن سواه، إنما تعود أصالتها إلى احتوائهـا على حـد أدنى من عناصر الخلـق التي تقـارن الابتكـار، فلا ينفصل عنها، بما يؤكد دلالتها على استقلال مبدعها بها، ويبلور نوع وعمق المشاعر التي تتفاعل معها، مستثيرًا من خلالها، قوة العقل ومعطياتها، فلا يكون نبتها إلا إلهامًا بصيرًا. ويتعين على ضوء ما تقدم، أن يكون الإبداع محل تقدير الأمم على تباين مذاهبها، وتوجهاتها، وأن تيسر الطريق إليه بكل الوسائل التى تملكها، فلا ينعزل حبيسًا، أو يتمخض لهوًا أو ترفًا، بل ينحل جهدًا ذهنيًّا فاعلاً، ونظرًا متوثبًا في تلك العلوم والفنون، يعيد تشكيلها، ويطرح أبعادًا جديدة لها، كافلاً ذيوع الحقائق التى تتعلق بتطوير عناصرها، ليكون نتاجها بعثًا من رقاد، وثمارها حقًا عائدًا إلى المواطنين في مجموعهم، يملكونها ويفيدون منها، ينقلون عنها ويتأثرون بها، على أن يكون مفهومًا أن الإبداع ليس بالضرورة إحياءً كاملاً أو مبتدأً، ولا قفـزًا في الفـراغ، بل اتصالٌ بما هو قائم إكمالٌ لمحتواه، وانتقالٌ بمداه إلى آفاق أرحب. ومن المتصور بالتالي أن يكون الإبداع وئيدًا في خطاه، وإن تعين دومًا أن يكون نهجًا متواصلاً على طريق يمتد أمدًا، رائيًا لآفاق لا تنحصر أبعادها، مبددًا مفاهيم متعثرة، متخذًا من الابتكار - مهمــا ضؤل قدره - أسلوبًا ثابتًا، وعقيـدة لا يُتَحول عنها، لا امتيازًا في الإقنـاع بهــا والدعـــوة إليهـا والحض عليها لأحد على غيره، ليظل نهرًا متجددًا، ومتدفقًـــا دون انقطـاع.
وحيث إن الاشتغال بفنون المسرح أو السينما أو الموسيقى، وإن كان مما يندرج ضمن مدلولات الإبداع الفني، إلا أنه - على ما سلف بيانه - غير عصى على التنظيم الذى أقره القانون رقم 35 لسنة 1978، قاصرًا الاشتغال بالفنون المذكورة - بحسب الأصل - على العضو العامل بالنقابة المعنية، ولغيره ممن لم يستوف شروط القيد في أي من النقابات الثلاث، وأراد مزاولة أعمال تدخل في اختصاصها، فإن الطريق إليها يظل متاحًا في الحدود التي يصدر بها تصريح بمباشرتها وفق الأحكام المنصوص عليها في الفقرة الثالثة من المادة (5) من القانون رقم 35 لسنة 1978، لتظل لحرية الإبداع مكانتها وأدواتها، وقدراتها الفاعلة، فلا ترتد على عقبيها، بل يكون التمكين من أسبابها وتعميقها لازمًا.
وحيث إنه عطفًا على ما تقدم بيانه، يغدو متعينًا أن يغاير المشرع بين أحكام قانون نقابات واتحاد نقابات المهن التمثيلية والسينمائية والموسيقية، وغيرها من النقابات المهنية، في مجال العقوبات السالبة للحرية المقررة على جرم التداخل والاشتغال بعمل محجوز لأعضاء النقابة العاملين دون غيرهم؛ مراعاة لتفرد النقابات الفنية الثلاث في طبيعتها وأهدافها ووسائلها لتحقيق أغراضها، عما عداها من نقابات مهنية أخرى، إذ بغير هذه المفارقة العقابية، يصبح الالتزام الدستوري بكفالة حرية الإبداع الفني، بوصفه فرعًا من فروع حرية التعبير، ومظهرًا من مظاهرها، وأثرًا مترتبًا عليها، ليس إلا نصوصًا جوفاء، أُفرغت من مضامينها، فلا تقرع سمعًا، ولا يقام لها أودٌ، ولا يؤبه بإنفاذها، رغم سموها عما عداها في مدارج التشريع الوضعي.
وحيث إن امتناع توقيع عقوبة سالبة للحرية في الجرائم التي ترتكب بسبب علانية المنتج الفني أو الأدبي أو الفكري - على ما يتبين من استصفاء مناقشات لجنة الخمسين لإعداد المشروع النهائي للتعديلات الدستورية في شأن نص المادة (67) من دستور سنة 2014 - إنما شُرعت كفالة لحرية الإبداع الفني أو الأدبي، باعتبارها قاطرة الفكر، وداعمة الثقافةـ، وحاضنة قوى المجتمع الناعمة، فلا يخشى صاحب الإبداع الفني أو الأدبي من مداهمته بعقوبة تسلب حريته، على ما أنتجته قريحته الذهنية من منتج أدبى، أو ما قدمته موهبته الفطرية من أداء فنى. وفي المقابل، فإن امتناع توقيع عقوبة سالبة للحرية في الجرائم المشار إليها إنما ينضبط بشروط واضحة، وتحده تخوم غير متميعة، فلا حصانة لمنتج فني أو أدبي أو فكري من معاقبة كل من شارك فيه بعقوبة سالبة للحرية، إذا كون فعله جريمة متعلقة بالتحريض على العنف أو التمييز بين المواطنين أو الطعن في أعراض الأفراد، ليشمل توقيع العقوبة السالبة للحرية سائر النماذج العقابية التي تواجه الإخلال بالحماية الواجبة لمصلحة مجتمعية مما تقدم ذكره، وما يرتبط بها حتمًا من جرائم تدور في فلك العدوان على المصلحة ذاتها، أو تتعدد مع الجرم عينه معنويًّا كان أم ماديًّا، إذ بوقوع هذه الأنماط الإجرامية ما ينافي الغرض من الحماية المقررة للمنتج الفني أو الأدبي. وتبعًا لذلك ينحسر عن العمل المادي وصف المنتج الفني، ويتجرد من خصائصه، التي أسبغت الحماية المقررة للمشاركين فيه، في شأن امتناع توقيع العقوبات السالبة للحرية عليهم، بينما تظــل تلك الحماية مقــررة للجرائم التنظيمية التي تقع بسبب علانية المنتج الفني أو الأدبي أو الفكري، إذ هي جرائم - ترتكب في الغالــب الأعــم - مرتبطــة بمخالفة قيــود نقابيــة، أو ضوابط رقابية، على أداء أو عرض أو تصوير أو إذاعة أو استغلال أي منتج فنى أو أدبى أو فكرى، دون التصريح أو الترخيص به من الجهــات النقابية أو الإدارية المختصة.
وحيث إنه لما كان ما تقدم، وكانت عقوبة الحبس، بحديها الأدنى والأقصى، المنصوص عليها في المادة (5 مكررًا) من القانون رقم 35 لسنة 1978، المستبدلة بالقانون رقم 8 لسنة 2003، قد رصدها المشرع لجريمة تنظيمية قوامها مخالفة قيود نقابية باشتغال غير أعضاء النقابة العاملين بأعمال تخص أعضاءَها المذكورين، وبغير الحصول على تصريح مؤقت بذلك من مجلس النقابة، دون أن يتضمن المنتج الفني العلني أركان جريمة أخرى من الجرائم التي رصد لها المشرع عقوبة سالبة للحرية وجوبية كانت أم جوازية، فإن النص المطعون عليه، في هذا النطاق وحده، يكون قد خالف نهي المشرع الدستوري، وقيد الحرية الشخصية اعتسافًا، في غير ضرورة اجتماعية تبررها، وتصادم مع مبادئ المساواة والعدل، وأهدر سيادة القانون، وذلك بالمخالفة للمواد (4، 65، 67، 94، 95) من الدستور.
فلهـذه الأسبـاب
حكمت المحكمة:
بعدم دستورية المادة (5 مكررًا) من القانون رقم 35 لسنة 1978 في شأن إنشاء نقابات واتحاد نقابات المهن التمثيلية والسينمائية والموسيقية، المستبدلة بالقانون رقم 8 لسنة 2003، فيما نصت عليه من عقوبة الحبس مدة لا تقل عن شهر ولا تزيد على ثلاثة أشهـــر، في مجال سريانها على نصى الفقرة الثانية والشطـر الأخير من الفقـرة الرابعة من المــادة (5) من القانـون ذاته، المستبدل ثانيتهمــا بالقانـون رقــم 8 لسنــة 2003 المشار إليه، وبرفض ما عدا ذلك من طلبات.
وألزمت الحكومة المصروفات ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة