الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 6 أغسطس 2021

الطعنان 12195 ، 12645 لسنة 59 ق جلسة 21 / 2 / 2016 إدارية عليا مكتب فني 61 ج 1 ق 52 ص 651

جلسة 21 من فبراير سنة 2016
الطعنان رقما 12195 و 12645 لسنة 59 القضائية (عليا)
(الدائرة السابعة)
برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ حسن كمال محمد أبو زيد شلال نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة المستشارين/ د. محمد ماهر أبو العينين، ود. مجدي صالح يوسف الجارحي، وعمرو محمد جمعة عبد القادر، وهاشم فوزي أحمد شعبان. نواب رئيس مجلس الدولة
------------------
(52)
(أ‌) حقوق وحريات:
الحق في الرعاية الصحية- تلتزم الدولة، بحكومتها ومؤسساتها العامة والخاصة، بتوفير جميع الخدمات الصحية المتكاملة للمواطنين، على وفق معايير الجودة العالمية- يجرم الامتناع عن تقديم العلاج بأشكاله المختلفة لكل إنسان في حالات الطوارئ أو الخطر على الحياة- يسبغ هذا الالتزام الحماية الدستورية والقانونية لعلاج المواطنين على نفقة الدولة، سواء تحققت وسيلة العلاج داخل البلاد أو خارجها، وأيا كانت أنظمة العلاج الوظيفية العامة أو الخاصة أو التكافلية أو التأمينية التي يخضع لها المواطن، أو يندرج تحت مظلتها، وسواء اكتفت تلك الأنظمة بكفالة العلاج كاملا أو جزئيا- يلزم أن يتوافق مبدأ الالتزام الدستوري والقانوني للدولة ومؤسساتها جميعا بالرعاية الصحية والعلاجية للمواطنين، مع مبدأين آخرين يضاهيانه أهمية: (أولهما) جودة العلاج، ويعني مجابهة الأمراض بأفضل وسائل علاجية من خلال الفحوصات والتشخيص والدواء أو العمليات الجراحية وخلافها، و(ثانيهما) وقتية العلاج، ويعني كفالة سرعة العلاج وآنيته؛ إذ يمثل البطء في العلاج إهمالا يتعارض مع ماهية الرعاية الصحية- تشكل هذه المبادئ الثلاثة إطار المنظومة العلاجية المتكاملة، المتفرعة عن الحق في الصحة، الذي تغياه المشرع الدستوري- يجب أن تتم الرعاية الصحية في ظل مبدأي المساواة وعدم التمييز بين المواطنين، المنصوص عليهما دستوريا.

- المواد أرقام (16) و(17) و(40) من دستور 1971.

- المادتان رقما (18) و(53) من دستور 2014.

(ب‌) حقوق وحريات:
الحق في الرعاية الصحية- العلاج على نفقة الدولة- نظم القرار الجمهوري رقم 691 لسنة 1975 علاج العاملين والمواطنين على نفقة الدولة، وقرر أن يشكل وزير الصحة مجالس طبية متخصصة في فروع الطب المختلفة من بين أعضاء هيئة التدريس بكليات الطب والإخصائيين بوزارة الصحة والقوات المسلحة، وغيرهم ممن يرى الإفادة بهم، ومن ممثلين للإدارة العامة للمجالس الطبية، وأن تختص هذه المجالس الطبية بفحص الحالة الصحية لطالبي العلاج في الخارج، وتقدم تقاريرها وتوصياتها بمنحهم، سواء كانوا من العاملين بالدولة وهيئات الإدارة المحلية والهيئات العامة والمؤسسات العامة ووحدات القطاع العام، أم من المواطنين طالبي العلاج على نفقة الدولة، أم من المواطنين طالبي العلاج في الخارج على نفقتهم الخاصة- توصي المجالس بعلاج المريض في الخارج إذا لم تتوفر إمكانياته في الداخل واقتضت حالته ذلك، على أن يكون العلاج على نفقة الدولة بقرار من رئيس مجلس الوزراء- مع مراعاة ما هو مقرر طبقا لنظم التأمينات الاجتماعية والمعاشات، تتحمل الجهات التى يتبعها المريض نفقات علاجه في الداخل أو في الخارج، إذا كان من العاملين المنصوص عليهم فى البند (أ) من المادة (3) من ذلك القرار، وهم: العاملون بالدولة وهيئات الإدارة المحلية والهيئات العامة والمؤسسات العامة ووحدات القطاع العام، وكان مرضه أو إصابته مما يعد إصابة عمل، على أنه يجوز في غير هذه الحالات أن يتضمن القرار الصادر بالموافقة على علاج العامل أو المواطن في الداخل أو في الخارج تحمل الدولة كل أو بعض تكاليف علاجه على وفق حالته الاجتماعية.

- المواد (1) و(2) و(3) و(4) و(6) من قرار رئيس الجمهورية رقم 691 لسنة 1975 في شأن علاج العاملين والمواطنين على نفقة الدولة.

(ج‌) حقوق وحريات:
الحق في الرعاية الصحية- العلاج على نفقة الدولة- لا يجوز لجهة الإدارة أن تضع قواعد جامدة في تقسيمات مالية محددة تنظم الحد الأقصى لمساهمة الدولة في تكاليف العلاج في الداخل والخارج، ولا تفسح المجال لترتيب نفقات علاج كافية لكل حالة مرضية على حدة؛ لمخالفة ذلك لمبادئ الدستور والقانون، ونأيه عن واقع الحال في البلاد- تجب مراعاة ما يقرره المشرع الدستوري من المساواة بين المصريين جميعا أمام القانون في الحقوق والحريات والواجبات العامة، دون تمييز بينهم لأي سبب.

(د‌) حقوق وحريات:
الحق في الرعاية الصحية- العلاج على نفقة الدولة- لئن كانت التوجيهات الرسمية لرئيس مجلس الوزراء تقضي بضرورة عرض كل حالة مرضية على حدة على رئيس مجلس الوزراء لاتخاذ اللازم، وكان ذلك مطلبا إداريا قويما لضبط مشروعية الاستحقاق ومسائل الصرف وتوجيه الإنفاق على وفق الاحتياج الطبي الحقيقي لكل حالة مرضية على حدة، فإنه لا يجوز الانعطاف بهذه التوجيهات إلى كهوف المحسوبية المنغلقة على فئات وظيفية ومجتمعية خاصة وذويهم وما ملكت معارفهم، والتغاضي عن منح هذا الحق كاملا أو مجزءا إلى مواطنين آخرين.

(هـ) حقوق وحريات:
الحق في الرعاية الصحية- العلاج على نفقة الدولة- خضوع المواطن لأنظمة علاج وظيفية عامة أو خاصة، تكافلية أو تأمينية، لا يعفي الدولة ووزاراتها ومؤسساتها جميعا من مسئوليتها الدستورية في تطبيق حق الرعاية الصحية دون تمييز؛ إذ قد لا تمد لوائح تلك الأنظمة كامل مصروفات العلاج في بعض الأمراض أو الحالات المرضية، مما يقتضي أحيانا كثيرة بسط الدولة لأجنحتها وواجباتها على رعاياها المرضى العزل من العلاج الكافي، وإضفاء الطمأنينة والأمان عليهم وأسرهم والمجتمع عموما- تطبيق (أعضاء هيئة التدريس ومعاونوهم بالجامعات).

(و) جامعات:
أعضاء هيئة التدريس ومعاونوهم- رعايتهم صحيا- قرر المشرع أن تكفل الدولة على نفقتها علاج أعضاء هيئة التدريس الذين يصابون بالمرض بسبب العمل، حيث يكون علاج أعضاء هيئة التدريس والمدرسين المساعدين والمعيدين الذين يصابون بالمرض بسبب أو بمناسبة العمل على نفقة الجامعة بقرار من مجلس الجامعة إذا كان يمكن علاجهم داخل الجمهورية، وذلك استثناء من أحكام القرارات واللوائح الصادرة في شأن علاج العاملين، وبقرار من وزير التعليم العالي إذا كان مرضهم لا علاج له إلا في الخارج، وفي جميع الأحوال تتولى فحصهم وتحديد ما يلزم من علاج لجنة طبية، يشكلها مجلس الجامعة من أساتذة كلية الطب.

- المادة (94) من قانون تنظيم الجامعات، الصادر بالقرار بالقانون رقم 49 لسنة 1972.

- المادة (61) من اللائحة التنفيذية لقانون تنظيم الجامعات (المشار إليه)، الصادرة بقرار رئيس الجمهورية رقم 809 لسنة 1975، المعدلة بموجب القرار الجمهوري رقم 470 لسنة 1999.

(ز) حقوق وحريات:
الحق في الرعاية الصحية- نفقات العلاج- أداؤها- إذا كانت نفقات العلاج المستحقة لدى الجهة الإدارية بالعملة الأجنبية، وجب عليها أداؤها بالسعر الرسمي لهذه العملة وقت أداء الاستحقاق، وليس وقت نشوئه، مادام أن المستحق لم يكن متسببا في تأخير الوفاء بها.
--------------
الوقائع
- في يوم الاثنين الموافق 25/2/2013 أقيم الطعن رقم 12195 لسنة 59 القضائية عليا، بموجب تقرير طعن موقع من محام مقبول، أودع قلم كتاب هذه المحكمة، وقيد في جدولها العام بالرقم عاليه، وأعلن للمطعون ضدهما (رئيس مجلس الوزراء ورئيس جامعة الأزهر)، إعلانا قانونيا، بطلب الحكم -للأسباب المثبتة في متنه- بقبول الطعن شكلا، وبوقف تنفيذ وإلغاء الحكم الصادر عن محكمة القضاء الإداري بجلسة 30/12/2012، في الدعوى رقم 43220 لسنة 65 القضائية، والقضاء مجددا بأحقية الطاعن في استرداد كل ما أنفقه من مصروفات على علاجه بالصين، وتبلغ مئة ألف دولار أمريكي، أو ما يعادلها بالجنيه المصري، وقت الأداء، بالإضافة إلى قيمة تذكرة السفر، وتبلغ 4826 جنيها مصريا، بالإضافة إلى قيمة بدل السفر، بواقع 60 يورو عن كل ليلة قضاها في الخارج، وبسعر الصرف وقت الأداء، مع إلزام الجهة الإدارية المصروفات.

- وفي يوم الخميس الموافق 28/2/2013 أقيم الطعن رقم 12645 لسنة 59 القضائية عليا (من رئيس مجلس الوزراء)، بموجب تقرير طعن أودع قلم كتاب هذه المحكمة، وقيد في جدولها العام بالرقم عاليه، وأعلن للمطعون ضده (الطاعن في الطعن الأول) إعلانا قانونيا، بطلب الحكم -للأسباب المثبتة في متنه- بقبول الطعن شكلا، وبوقف تنفيذ وإلغاء الحكم الصادر عن محكمة القضاء الإداري بجلسة 30/12/2012 في الدعوى رقم 43220 لسنة 65 القضائية، والقضاء مجددا برفض الدعوى موضوعا، مع إلزام المطعون ضده المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة عن الدرجتين.

إذ قضى منطوق الحكم المطعون فيه بقبول الدعوى شكلا، وفي الموضوع بإلزام جهة الإدارة أن تدفع للمدعي مبلغ اثني عشر ألف يورو، بالإضافة إلى قيمة بدل السفر، بواقع 60 يورو عن كل ليلة قضاها في الخارج، وبسعر الصرف وقت الأداء، على النحو المبين بالأسباب، وبمراعاة خصم ما سبق صرفه له بذات قاعدة الاستحقاق، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وإلزام الجهة الإدارية المصروفات.

وقد جرى تحضير الطعنين أمام هيئة مفوضي الدولة للمحكمة الإدارية العليا، وأودعت الهيئة تقريرا بالرأي القانوني فيهما، ارتأت فيه -لما حواه من أسباب-: (أولا) بقبول الطعن رقم 12195 لسنة 59 القضائية عليا شكلا، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء مجددا بإلزام جهة الإدارة أن تدفع للسيد/... نفقات العلاج التي تكبدها من واقع الفواتير في حدود مبلغ مئة ألف دولار أمريكي أو ما يعادلها بالجنيه المصري وقت الأداء، بالإضافة إلى قيمة تكاليف السفر، على النحو المبين بالأسباب، وبمراعاة خصم ما سبق صرفه له، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وإلزام الجهة الإدارية المصروفات عن درجتي التقاضي، و(ثانيا) بقبول الطعن رقم 12645 لسنة 59 القضائية عليا شكلا، ورفضه موضوعا، وإلزام الطاعن مصروفاته.

ونظر الطعنان أمام الدائرة السابعة (فحص الطعون) بالمحكمة الإدارية العليا على النحو الثابت بمحاضر جلسات المرافعة، والتي قررت ضمهما للارتباط، وإحالتهما إلى الدائرة السابعة (موضوع) بالمحكمة، وتدوول الطعنان أمام الدائرة السابعة (موضوع) على وفق الثابت بمحاضر جلسات المرافعة، وبجلسة 19/10/2014، قررت المحكمة حجز الطعنين للحكم بجلسة 16/11/2014، مع التصريح بتقديم مذكرات لمن يشاء من الطرفين خلال أسبوعين، وبالجلسة المذكورة قررت المحكمة إعادة الطعنين للمرافعة بجلسة 4/1/2015؛ لتقدم الجهة الإدارية المستندات الآتية:
1- القواعد المنظمة لعلاج أعضاء هيئة التدريس بجامعة الأزهر.

2- لائحة صندوق استكمال نفقات العلاج الخاصة بأعضاء هيئة التدريس بالجامعة.

3- قواعد صرف نفقات العمليات الجراحية لأعضاء هيئة التدريس بالجامعة.

4- كتاب رئيس هيئة مستشاري مجلس الوزراء رقم 2652 المؤرخ في 17/4/2002.

5- توجيهات رئيس مجلس الوزراء بعدم تجاوز نفقات العلاج مبلغ 12 ألف دولار أمريكي.

6- بيان ما إذا كانت جراحة زرع الكبد -كحالة الطاعن- موجودة في مصر في توقيت إجرائه العملية بالخارج من عدمه، مع تقديم بيان بذلك من مستشفى .............

7- الأساس القانوني الذي استند إليه تقريرا اللجنة الطبية الثلاثية لأعضاء هيئة التدريس بجامعة الأزهر، وكذا اللجنة الخماسية، والمودعان بالأوراق.

8- بيان المستحقات المالية التي حصل عليها الطاعن من الجامعة، كما جاء بتقرير الطعن المقدم من الجهة الإدارية، وسندها القانوني.

9- بيان ما إذا كان مبلغ الـ 12 ألفا المقضي به بموجب حكم محكمة أول درجة يدخل ضمن مبلغ الـ 70 ألفا الوارد بتقرير اللجنة الطبية الثلاثية لأعضاء هيئة التدريس بجامعة الأزهر، أم لا يدخل فيه.

10- المنشور العام الصادر عن مكتب الأمين العام لجامعة الأزهر بتاريخ 7/6/2005، والمتضمن إصدار الأوامر التنفيذية الخاصة بعلاج أعضاء هيئة التدريس ومعاونيهم بالداخل، المشار إليها بالأمر التنفيذي رقم 1235 لسنة 2008 بتاريخ 5/6/2008.

11- قرار رئيس جامعة الأزهر رقم 8 لسنة 1997.

12- القرار الصادر عن مكتب نائب رئيس الجامعة بتاريخ ديسمبر 2006 المشار إليه بالتقرير الطبي المودع بحافظة المستندات المقدمة من الطاعن بجلسة 5/10/2011.

وتداولت المحكمة الطعنين من جديد على النحو الثابت بجلسات المرافعة، وقدمت الجهة الإدارية بعض المستندات التي طلبتها المحكمة في قرار إعادة الطعنين للمرافعة، وتخلفت عن تقديم البعض الآخر رغم تأجيل الجلسات مرارا ومطالبة المحكمة لها بذلك، وبجلسة 13/12/2015 قررت المحكمة حجز الطعنين للحكم بجلسة اليوم مع التصريح بتقديم مذكرات لمن يشاء من الطرفين خلال أسبوعين، أودع فيها كل من الطرفين مذكرة دفاع، انتهت كل منهما في ختامها إلى الطلبات نفسها لكل منهما، ثم صدر الحكم في الطعنين، وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه لدى النطق به علانية.
--------------
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة قانونا.

حيث إن الطاعنين يطلبان الحكم في الطعنين بالطلبات المبينة سالفا.

وحيث إنه عن شكل الطعنين، وإذ استوفيا جميع أوضاعهما الشكلية المقررة قانونا، فيضحيان مقبولين شكلا.

وحيث إن عناصر المنازعة تخلص -حسبما يبين من الأوراق- في أن الطاعن في الطعن رقم 12195 لسنة 59 القضائية عليا، أقام بتاريخ 6/7/2011 الدعوى رقم 43220 لسنة 65 القضائية أمام محكمة القضاء الإداري بالقاهرة، ضد كل من رئيس مجلس الوزراء (وزير شئون الأزهر) (الطاعن في الطعن رقم 12645 لسنة 59 القضائية عليا)، ورئيس جامعة الأزهر، بطلب الحكم بأحقيته في استرداد كل ما أنفقه من مصروفات على علاجه بالصين بشأن إجراء عملية جراحية (زراعة الكبد)، وقيمتها مئة ألف دولار أمريكي أو ما يعادلها بالجنيه المصري وقت سدادها للمدعي، إضافة إلى قيمة تذكرة السفر وبدل السفر، على النحو المبين بصحيفة الدعوى، وإلزام المدعى عليهما المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.

وذكر المدعي -شرحا لدعواه تلك- أنه أصيب بتليف في الكبد مع وجود بؤرة خبيثة بالفص الأيمن، وتم عرضه على اللجنة الطبية الثلاثية بالجامعة بتاريخ 26/5/2008، وأثبت تقريرها وجود بؤرة خبيثة واحتياجه لعملية زرع كبد عاجلة، ورصدت الجامعة مبلغ أربع مئة ألف جنيه لإجراء العملية بمستشفى دار الفؤاد، وصدر القرار التنفيذي رقم 1235 بتاريخ 5/6/2008 بهذا الشأن، إلا أن حالته تدهورت سريعا لاتساع البؤرة السرطانية وانتشارها بالكبد، وأصبحت حالته حرجة ومتفاقمة، ويحتاج لزراعة الكبد بالكامل، ولعدم توفر هذه العملية في مصر، فقد سافر إلى الصين لإجراء الجراحة بمستشفى "........"، دون انتظار القرار الوزاري بشأن علاجه لتدهور حالته الصحية، وبعد عودته أخطر الجامعة، وعرض على اللجنة الثلاثية، التي اعتمدت إجراء العملية الجراحية، وتقرر صرف مبلغ سبعين ألف دولار أو ما يعادلها بالجنيه المصري، ثم عرض أمره مرة أخرى على اللجنة الثلاثية، فأوصت باسترداده ما أنفقه إذا سمحت اللوائح بذلك، ثم عرض على اللجنة الخماسية، التي أوصت باعتماد نفقات العلاج والسفر واسترداد مبلغ مئة ألف دولار أو ما يعادله بالجنيه المصري، وقد وافقت الجامعة على التقرير وكذلك شيخ الأزهر، وصدرت توجيهات رئيس هيئة المستشارين بمجلس الوزراء بما يفيد بأنه تم عرض كل حالة مرضية على حدة، وبمراجعته رئاسة مجلس الوزراء، أخبر بأنه لم يتم البت في الموضوع بعد، مما حداه على التقدم بطلب إلى لجنة التوفيق في المنازعات المختصة، ثم إقامة دعواه التي انتهت صحيفتها بالطلبات المبينة سالفا.

وتدوول نظر تلك الدعوى أمام محكمة القضاء الإداري بالقاهرة (الدائرة الرابعة عشرة)، على النحو الثابت بمحاضر جلسات المرافعة، وبجلسة 30/12/2012 أصدرت المحكمة حكمها الطعين المبين سالفا.

وشيدت المحكمة قضاءها -بعد استعراض نصوص المادتين (17) و(40) من الدستور المصري، والمواد (1) و(2) و(3) و(4) و(6) من قرار رئيس الجمهورية رقم 691 لسنة 1975 في شأن علاج العاملين والمواطنين على نفقة الدولة- على أساس أن القواعد التي أقرها مجلس الوزراء تقضي بأحقية المريض الذي تقرر علاجه في الخارج في الحصول على مبلغ 12 ألف يورو، وكذا بدل سفر بواقع 60 يورو عن كل ليلة، وهو ما يستحقه المدعي، دون إلزام الجهة الإدارية سداد قيمة التكلفة الفعلية للعملية؛ لأن طلبه لا يجد له سندا من القانون.

- وإذ لم يلق هذا القضاء قبولا من جانب الطاعن في الطعن رقم 12195 لسنة 59 القضائية عليا، فقد أقام طعنه الجاري، ناعيا على الحكم الطعين -بين ما نعى- مخالفته للقانون واللوائح التنفيذية، والخطأ في تطبيقها وتأويلها، ومخالفة مبدأ المساواة بين المتماثلين في المراكز القانونية، ومخالفة السوابق القضائية في الحالات المتماثلة، منتهيا -بعد سرد تفصيلات أسبابه- إلى الطلبات المبينة سالفا بصحيفة الطعن.

- كما لم يلق هذا القضاء قبولا من جانب الطاعن بصفته في الطعن رقم 12645 لسنة 59 القضائية عليا، فأقام طعنه الجاري، ناعيا على الحكم الطعين -بين ما نعى- مخالفته للقانون، والخطأ في تطبيقه وتفسيره تأويله، والفساد في الاستدلال. منتهيا -بعد سرد تفصيلات أسبابه- إلى الطلبات المبينة سالفا بصحيفة الطعن.

وحيث إن الفصل في موضوع الطعنين يغني -بحسب الأصل- عن النظر في طلب وقف تنفيذ الحكم المطعون فيه.

وحيث نكلت جهة الإدارة عن تقديم بعض المستندات التي طلبتها المحكمة، على النحو الثابت بمحاضر جلسات المرافعة.

وحيث إنه عن موضوع الطعنين، فإن دستور جمهورية مصر العربية الصادر في عام 1971 نص في المادة (16) على أن: "تكفل الدولة الخدمات الثقافية والاجتماعية والصحية، وتعمل بوجه خاص على توفيرها للقرية في يسر وانتظام رفعا لمستواها".

وفي المادة (17) على أن: "تكفل الدولة خدمات التأمين الاجتماعي والصحي، ومعاشات العجز عن العمل...".

وفي المادة (40) على أن: "المواطنون لدى القانون سواء، وهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو اللغة أو الدين أو العقيدة".

وحيث إن الدستور المصري الحالي ينص في المادة (18) على أن: "لكل مواطن الحق فى الصحة وفي الرعاية الصحية المتكاملة وفقا لمعايير الجودة،... وتلتزم الدولة بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومي للصحة لا تقل عن 3% من الناتج القومي الإجمالي تتصاعد تدريجيا حتى تتفق مع المعدلات العالمية. وتلتزم الدولة بإقامة نظام تأمين صحي شامل لجميع المصريين يغطي كل الأمراض،... ويجرم الامتناع عن تقديم العلاج بأشكاله المختلفة لكل إنسان في حالات الطوارئ أو الخطر على الحياة".

وفي المادة (53) على أن: "المواطنون لدى القانون سواء، وهم متساوون في الحقوق والحريات والواجبات العامة، لا تمييز بينهم بسبب الدين، أو العقيدة، أو الجنس، أو الأصل، أو العرق، أو اللون، أو اللغة، أو الإعاقة، أو المستوى الاجتماعي، أو الانتماء السياسي أو الجغرافي، أو لأي سبب آخر. التمييز والحض على الكراهية جريمة، يعاقب عليها القانون. وتلتزم الدولة باتخاذ التدابير اللازمة للقضاء على كافة أشكال التمييز، وينظم القانون إنشاء مفوضية مستقلة لهذا الغرض".

وحيث إن قانون تنظيم الجامعات، الصادر بالقرار بالقانون رقم 49 لسنة 1972، ينص في المادة (94) على أن: "... وتكفل الدولة على نفقتها علاج أعضاء هيئة التدريس الذين يصابون بالمرض بسبب العمل وفقا لما تبينه اللائحة التنفيذية".

وحيث إن اللائحة التنفيذية لقانون تنظيم الجامعات، الصادرة بقرار رئيس الجمهورية رقم 809 لسنة 1975، تنص في المادة (61) المستبدلة بموجب القرار الجمهوري رقم 470 لسنة 1999، على أنه: "استثناء من أحكام القرارات واللوائح الصادرة في شأن علاج العاملين، يكون علاج أعضاء هيئة التدريس والمدرسين المساعدين والمعيدين الذين يصابون بالمرض بسبب أو بمناسبة العمل على نفقة الجامعة بقرار من مجلس الجامعة إذا كان يمكن علاجهم داخل الجمهورية، وبقرار من وزير التعليم العالي إذا كان مرضهم لا علاج له إلا في الخارج، وفي جميع الأحوال يتولى فحصهم وتحديد ما يلزم من علاج لجنة طبية يشكلها مجلس الجامعة من أساتذة كلية الطب".

وحيث إن قرار رئيس الجمهورية رقم 691 لسنة 1975 في شأن علاج العاملين والمواطنين على نفقة الدولة، ينص في المادة (1) على أن: "يكون تقرير علاج العاملين والمواطنين داخل وخارج الجمهورية وفقا لأحكام هذا القرار".

وفي المادة (2) على أن: "تشكل بقرار من وزير الصحة مجالس طبية متخصصة في فروع الطب المختلفة من بين أعضاء هيئة التدريس بكليات الطب والإخصائيين بوزارة الصحة والقوات المسلحة وغيرهم ممن يرى الإفادة بهم ومن ممثلين للإدارة العامة للمجالس الطبية".

وفي المادة (3) على أن: "تختص المجالس الطبية المذكورة بفحص الحالة الصحية لطالبي العلاج في الخارج من الفئات الآتية وتقدم تقاريرها وتوصياتها عنهم: (أ) العاملون بالدولة وهيئات الإدارة المحلية والهيئات العامة والمؤسسات العامة ووحدات القطاع العام. (ب) المواطنون طالبو العلاج على نفقة الدولة. (ج) المواطنون طالبو العلاج في الخارج على نفقتهم الخاصة".

وفي المادة (4) على أن: "توصي المجالس بعلاج المريض في الخارج إذا لم تتوفر إمكانياته في الداخل واقتضت حالته ذلك".

وفي المادة (6) على أن: "يكون العلاج على نفقة الدولة بقرار من رئيس مجلس الوزراء، ومع مراعاة ما هو مقرر طبقا لنظم التأمينات الاجتماعية والمعاشات، تتحمل الجهات التى يتبعها المريض بنفقات علاجه في الداخل أو في الخارج إذا كان من العاملين المنصوص عليهم فى البند (أ) من المادة (3) من هذا القرار، وكان مرضه أو إصابته مما يعد إصابة عمل، وفي غير هذه الحالات يجوز أن يتضمن القرار الصادر بالموافقة على علاج العامل أو المواطن في الداخل أو في الخارج، تحمل الدولة كل أو بعض تكاليف علاجه وفقا لحالته الاجتماعية".

وحيث إن مفاد النصوص المتقدمة، أن دستور سنة 1971 -الواقع النـزاع الجاري في ظل العمل بأحكامه- أقر كفالة الدولة خدمات التأمين الاجتماعي والصحة ومعاشات العجز عن العمل، وأن المواطنين متساوون في الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم في هذا الشأن بسبب الجنس أو اللغة أو الدين أو العقيدة، وهي المبادئ نفسها التي أرساها دستور مصر الحالي، إذ أعطى للمواطنين حقوق الصحة والرعاية الصحية المتكاملة طبقا لمعايير الجودة، على أن تلتزم الدولة بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومي للصحة لا تقل عن 3% من الناتج القومي الإجمالي، وتتصاعد تدريجيا حتى تتفق مع المعدلات العالمية، وكذا بإقامة نظام تأمين صحي شامل لجميع المصريين يغطي كل الأمراض، ويجرم الامتناع عن تقديم العلاج بأشكاله المختلفة لكل إنسان في حالات الطوارئ أو الخطر على الحياة، وأن المواطنين متساوون في الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم في هذا الشأن بسبب الدين، أو العقيدة، أو الجنس، أو الأصل، أو العرق، أو اللون، أو اللغة، أو الإعاقة، أو المستوى الاجتماعي، أو الانتماء السياسي أو الجغرافي، أو لأي سبب آخر، وأن التمييز والحض على الكراهية جريمة يعاقب عليها القانون، وأن الدولة تلتزم باتخاذ التدابير اللازمة للقضاء على أشكال التمييز كافة، وينظم القانون إنشاء مفوضية مستقلة لهذا الغرض، وأن المشرع في قانون تنظيم الجامعات الصادر بالقرار بالقانون رقم 49 لسنة 1972 ولائحته التنفيذية المشار إليهما، قرر أن تكفل الدولة على نفقتها علاج أعضاء هيئة التدريس الذين يصابون بالمرض بسبب العمل (على وفق ما تبينه اللائحة التنفيذية)، حيث يكون علاج أعضاء هيئة التدريس والمدرسين المساعدين والمعيدين الذين يصابون بالمرض بسبب أو بمناسبة العمل على نفقة الجامعة بقرار من مجلس الجامعة إذا كان يمكن علاجهم داخل الجمهورية، وذلك استثناء من أحكام القرارات واللوائح الصادرة في شأن علاج العاملين، وبقرار من وزير التعليم العالي إذا كان مرضهم لا علاج له إلا في الخارج، وأنه في جميع الأحوال تتولى فحصهم وتحديد ما يلزم من علاج لجنة طبية، يشكلها مجلس الجامعة من أساتذة كلية الطب.

وأن المشرع في القرار الجمهوري رقم 691 لسنة 1975 (بشأن علاج العاملين والمواطنين على نفقة الدولة المشار إليه) أخضع علاج العاملين والمواطنين داخل وخارج الجمهورية على وفق أحكامه، وأن يشكل وزير الصحة مجالس طبية متخصصة في فروع الطب المختلفة من بين أعضاء هيئة التدريس بكليات الطب والإخصائيين بوزارة الصحة والقوات المسلحة وغيرهم ممن يرى الإفادة بهم ومن ممثلين للإدارة العامة للمجالس الطبية، وأن تختص هذه المجالس الطبية بفحص الحالة الصحية لطالبي العلاج في الخارج، وتقدم تقاريرها وتوصياتها بمنحهم، سواء كانوا من العاملين بالدولة وهيئات الإدارة المحلية والهيئات العامة والمؤسسات العامة ووحدات القطاع العام، أم من المواطنين طالبي العلاج على نفقة الدولة، أم من المواطنين طالبي العلاج في الخارج على نفقتهم الخاصة، وتوصي المجالس بعلاج المريض في الخارج إذا لم تتوفر إمكانياته في الداخل واقتضت حالته ذلك، على أن يكون العلاج على نفقة الدولة بقرار من رئيس مجلس الوزراء، ومع مراعاة ما هو مقرر طبقا لنظم التأمينات الاجتماعية والمعاشات تتحمل الجهات التى يتبعها المريض بنفقات علاجه في الداخل أو في الخارج، إذا كان من العاملين المنصوص عليهم فى البند (أ) من المادة (3) من هذا القرار، وكان مرضه أو إصابته مما يعد إصابة عمل، على أنه يجوز في غير هذه الحالات أن يتضمن القرار الصادر بالموافقة على علاج العامل أو المواطن في الداخل أو في الخارج تحمل الدولة كل أو بعض تكاليف علاجه على وفق حالته الاجتماعية.

وحيث إنه هديا بكل ما تقدم وأخذا به، ولما كان الثابت من الأوراق أن الطاعن من مواليد عام 1946، ويعمل بهيئة التدريس بكلية الشريعة والقانون بفرع دمنهور بالجامعة المطعون ضدها، وقد أصيب أثناء عمله بوظيفة "أستاذ مساعد" بمرض تليف الكبد ووجود بؤرة سرطانية خبيثة بالفص الأيمن للكبد، وذلك بناء على التقرير الطبي الصادر عن اللجنة الطبية لأعضاء هيئة التدريس بجامعة الأزهر بتاريخ 26/5/2008، والتي أوصت في تقريرها باحتياجه إلى عملية زرع كبد بصورة عاجلة، كما أوصت اللجنة الطبية الثلاثية بالجامعة بتحويل الطاعن إلى مستشفى دار الفؤاد بمدينة السادس من أكتوبر لعمل عملية زرع كبد بتكلفة مقدارها أربع مئة ألف جنيه، وبناء عليه أصدرت الإدارة العامة للشئون الإدارية بالجامعة المطعون ضدها الأمر التنفيذي رقم 1235 بتاريخ 5/6/2008، ناصا في مادته الأولى على: "الموافقة على تحمل الجامعة نفقات علاج السادة أعضاء هيئة التدريس داخل القطر، مع اعتبار إصابتهم إصابة بسبب العمل، وفي حدود المبالغ الموضحة قرين اسم كل منهم"، وكان من ضمنهم الطاعن، وحددت له مبلغ أربع مئة ألف جنيه ودخول مستشفى ........، وفي مادته الثانية: "على جهة عمل كل منهم (الكلية) مطالبتهم بفواتير علاج معتمدة من رئيس اللجنة الطبية، مع مراعاة قرار رئيس الجامعة رقم 8 لسنة 1997"، بيد أن حالة الطاعن الصحية تدهورت بشكل سريع، فاتخذ قراره بالسفر إلى جمهورية الصين الشعبية لإجراء عملية زرع كبد كامل المطلوبة لحالته الصحية، وأتمها فعلا على نفقته الخاصة بمستشفى ".............." بجمهورية الصين الشعبية، إذ أقام بتلك المستشفى في الفترة من 2/6/2008 حتى 23/7/2008، وأجريت له العملية الجراحية المشار إليها خلالها بتاريخ 27/6/2008.

وحيث إنه عقب عودة الطاعن من رحلته العلاجية وإجرائه العملية الجراحية المشار إليها، أصدرت الإدارة العامة للشئون الإدارية بالجامعة المطعون ضدها الأمر التنفيذي رقم 345 بتاريخ 8/10/2008، ناصا في مادته الأولى على: "الموافقة على تحمل الجامعة نفقات علاج السادة أعضاء هيئة التدريس ومعاونيهم الآتي أسماؤهم بعد داخل القطر، مع اعتبار إصابتهم إصابة بسبب العمل، وفي حدود المبالغ الموضحة قرين اسم كل منهم"، وكان من ضمنهم الطاعن، وحددت له مبلغ سبعين ألف دولار أو ما يعادلها بالجنيه المصري، وفي مادته الثانية: "على جهة عمل كل منهم (الكلية) مطالبتهم بفواتير علاج معتمدة من رئيس اللجنة الطبية، مع مراعاة قرار رئيس الجامعة رقم 8 لسنة 1997".

وبتاريخ 22/3/2009 قامت اللجنة الطبية لأعضاء هيئة التدريس بالجامعة بفحصه من جديد، وأقرت التشخيص نفسه لحالة الطاعن الصحية السابقة على إجراء العملية، وأنه أجريت له عملية زرع كبد بالخارج على نفقته الخاصة نظرا لحاجته إلى إجراء العملية في أقرب وقت ممكن وعلى وجه السرعة، وبتاريخ 10/5/2009 أوصت اللجنة الطبية لأعضاء هيئة التدريس بالجامعة في تقريرها النهائي باعتماد عملية زرع الكبد التي أجريت للطاعن بتاريخ 27/6/2008، مؤكدة على اسم المستشفى نفسه واسم الطبيب الذي أجرى العملية، نظرا لحاجته إلى إجراء العملية في أقرب وقت ممكن وعلى وجه السرعة، وأوصت باسترداد ما تم صرفه بالخارج إذا سمحت اللوائح الجامعية، وقدرته اللجنة بمئة ألف دولار أمريكي أو ما يعادله بالجنيه المصري، وبتاريخ 13/5/2009 قررت اللجنة الطبية الخماسية للموافقة على علاج أعضاء هيئة التدريس بجامعة الأزهر خارج الجمهورية، والمشكلة برئاسة عميد كلية الطب بنين بجامعة الأزهر وعضوية عميدة كلية الطب بنات ورئيس قسم الباطنة ورئيسي قسم الجراحة العامة بكليتي الطب بنين وبنات، قررت اعتماد سفر الطاعن للعلاج بجمهورية الصين الشعبية كحالة حرجة، وبأنه يلزم اعتماد نفقات العلاج والسفر واسترداد مبلغ مئة ألف دولار أمريكي، وقد ورد إلى إدارة الموازنة بالجامعة المطعون ضدها الكتاب رقم 1080 بتاريخ 25/5/2009 بشأن اعتماد رئيس الجامعة المطعون ضدها لتقرير اللجنة الطبية لعلاج الطاعن بمبلغ مئة ألف دولار أمريكي (قيمة استرداد نفقات علاجه بجمهورية الصين الشعبية طبقا لتقرير اللجنة الطبية)، وبتاريخ 9/8/2009 أبلغت إدارة الموازنة مدير عام الشئون الإدارية بالارتباط رقم (2) بالترخيص بمبلغ نفقات الطاعن في العملية (مئة ألف دولار أمريكي)، خصما من موازنة جامعة الأزهر قسم التعليم للسنة المالية 2009/2010 (الباب الأول/ البند 6/ نوع 3/ مجموعة تكاليف العلاج بالخارج)، وأن مدة سريان الترخيص بهذا الارتباط حتى 30/6/2010، وبتاريخ 14/9/2009 وافق شيخ الأزهر على قيام الجامعة المطعون ضدها برفع الأمر إلى رئيس مجلس الوزراء، وبتاريخ 4/10/2009 أرسلت الجامعة كتابها إلى رئيس مجلس الوزراء (ووزير شئون الأزهر) بموافقة الجامعة على تقرير اللجنة الطبية المختصة بالجامعة على استرداد النفقات التي قام بصرفها الطاعن، (مبلغ مئة ألف دولار أمريكي، بما يعادل خمس مئة وسبعين ألف جنيه مصري)، ولما لم ينل الطاعن من الأمر شيئا، لجأ إلى لجنة التوفيق المختصة في بعض المنازعات التي تكون الوزارات والأشخاص الاعتبارية العامة طرفا فيها، وقيد طلبه برقم 538 لسنة 2011، وأوصت اللجنة بجلستها المنعقدة في 11/5/2011 بأحقية الطاعن في استرداد نفقات العلاج ومصاريف السفر إلى الصين، على النحو الذي تكبده لإجراء عملية زراعة الكبد، إلا أن أحدا لم يستجب إلى طلباته، واستمر الطاعن مطالبا بحقوقه بتنفيذ قرارات اللجان الطبية المتخصصة وقرار الجامعة المطعون ضدها، حتى أقام دعواه أمام محكمة القضاء الإداري على النحو المبين سالفا.

وحيث إن الثابت من الاطلاع على حافظتي المستندات المقدمتين من الطاعن أمام محكمة أول درجة بجلسة 5/10/2011 -وهو ما لم تجحده الجهة الإدارية المطعون ضدها خلال درجتي التقاضي- أنها احتوت صورا ضوئية من: 1- التقرير الطبي التفصيلي الصادر عن إدارة مستشفى "............" بجمهورية الصين الشعبية، والمؤرخ في 23/7/2008، والذي يسرد جميع الإجراءات الطبية التي أجريت للطاعن منذ وصوله لمقر المستشفى وإقامته بها بتاريخ 2/6/2008، ومرورا بما تم من الفحوصات والتجهيزات الطبية استعدادا لعملية زرع الكبد، ثم إجراء العملية الجراحية بتاريخ 27/6/2008، وانتهاء بمغادرة المستشفى بتاريخ 23/7/2008، وقد صدقت على هذا المستند السفارة المصرية في بكين (عاصمة جمهورية الصين الشعبية). 2- شهادة رسمية من إدارة المستشفى المذكورة مؤرخة في 23/7/2008، بنفقات وتكاليف إجراء عملية زراعة الكبد والفحوصات والإقامة بالمستشفى، بإجمالي مبلغ مئة ألف دولار أمريكي، وقد صدقت على هذا المستند السفارة المصرية في بكين. 3- فاتورة ضريبية صادرة عن شركة ...... للسياحة مؤرخة في 28/5/2008، بقيمة تذكرة الطائرة من القاهرة إلى بكين والعودة، بإجمالي مبلغ أربعة آلاف وستة وعشرين جنيها مصريا.

وحيث إن الثابت من الاطلاع على حافظة المستندات المقدمة من الطاعن أمام محكمة أول درجة بجلسة 5/10/2011 -وهو ما لم تجحده الجهة الإدارية المطعون ضدها خلال درجتي التقاضي، أو تقدم أسبابا لما حوته من مستندات- والحاوية صورا ضوئية لقرارات علاجية صادرة عن الحكومة المصرية، تبين للمحكمة أن رئيس مجلس الوزراء أصدر بتاريخ 11/10/2005 القرار رقم 1683 لسنة 2005 بالموافقة على سفر الدكتور/ ....... الأستاذ بكلية الطب بنين القاهرة بجامعة الأزهر إلى الصين للعلاج لمدة ثلاثة شهور ومعه مرافق، بنفقات علاج مقدارها ستون ألف دولار أمريكي، بخلاف مصاريف السفر وبدل السفر بالفئة المقررة لوظيفته وبالفئة الموحدة بالنسبة للمرافق عن كل ليلة تقضى خارج دور العلاج، على أن تتحمل موازنة جامعة الأزهر بالتكاليف، وأصدر بتاريخ 8/3/2006 القرار رقم 398 لسنة 2006 بالموافقة على سفر الدكتور/ .......... الأستاذ بكلية العلوم بنين بالقاهرة بجامعة الأزهر إلى الصين للعلاج بمستشفى "........" لمدة شهر ومعه مرافق، بنفقات علاج مقدارها سبعون ألف دولار أمريكي، بخلاف مصاريف السفر وبدل السفر بالفئة المقررة لوظيفته وبالفئة الموحدة بالنسبة للمرافق عن كل ليلة تقضى خارج دور العلاج، على أن تتحمل موازنة جامعة الأزهر بالتكاليف، وأصدر بتاريخ 2/5/2006 القرار رقم 754 لسنة 2006 بالموافقة على سفر الدكتورة/ ......... الأستاذ بكلية الطب بنات بالقاهرة بجامعة الأزهر إلى الصين للعلاج لمدة ثلاثة شهور ومعها مرافق، بنفقات علاج مقدارها خمسة وستون ألف دولار أمريكي، بخلاف مصاريف السفر وبدل السفر بالفئة المقررة لوظيفتها وبالفئة الموحدة بالنسبة للمرافق عن كل ليلة تقضى خارج دور العلاج، على أن تتحمل موازنة جامعة الأزهر بالتكاليف، وأصدر بتاريخ 25/5/2006 القرار رقم 905 لسنة 2006 بالموافقة على سفر الدكتور/ ........... الأستاذ بكلية اللغة العربية بالزقازيق بجامعة الأزهر إلى الصين للعلاج بمستشفى "............" لمدة شهرين ومعه مرافق، بنفقات علاج مقدارها خمسة وستون ألف دولار أمريكي، بخلاف مصاريف السفر وبدل السفر بالفئة المقررة لوظيفته وبالفئة الموحدة بالنسبة للمرافق عن كل ليلة تقضى خارج دور العلاج، على أن تتحمل موازنة جامعة الأزهر بالتكاليف، وأصدر بتاريخ 25/5/2006 القرار رقم 906 لسنة 2006 بالموافقة على سفر الدكتور/ ........... الأستاذ بكلية العلوم بنين بأسيوط بجامعة الأزهر إلى الصين للعلاج بالمركز الدولي بمدينة "تان جنج" لمدة ثلاثة شهور ومعه مرافق بنفقات علاج مقدارها خمسة وستون ألف دولار أمريكي، بخلاف مصاريف السفر وبدل السفر بالفئة المقررة لوظيفته وبالفئة الموحدة بالنسبة للمرافق عن كل ليلة تقضى خارج دور العلاج، على أن تتحمل موازنة جامعة الأزهر بالتكاليف، وأصدر بتاريخ 14/3/2007 القرار رقم 578 لسنة 2007 بالموافقة على سفر الدكتور/ .......... إلى ألمانيا للعلاج بمستشفى جامعة "أسن" لمدة شهرين ومعه مرافق، بنفقات مقدارها مئة وعشرون ألف يورو، شاملة تكاليف العلاج ومصاريف السفر وبدل السفر بالفئة المقررة لوظيفته وبالفئة الموحدة بالنسبة للمرافق عن كل ليلة تقضى خارج دور العلاج، على أن تتحمل موازنة جامعة الأزهر بالتكاليف، وأصدر بتاريخ 6/12/2007 القرار رقم 2728 لسنة 2007 بالموافقة على سفر الطبيب/ ............... إلى الولايات المتحدة الأمريكية لإجراء عملية زرع كبد لمدة شهر، بنفقات قدرها ثلاث مئة ألف دولار أمريكي، شاملة جميع تكاليف العلاج ورسوم التحويل ومصاريف السفر وبدل السفر بواقع ستين دولارا أمريكيا عن كل ليلة، على أن تتحمل موازنة هيئة قناة السويس التكاليف.

وحيث إن صون حقوق المواطنين وحرياتهم يندرج ضمن الغايات الرئيسة للمبادئ الدستورية والقانونية، والتي يتقدمها على الإطلاق الحق في الحياة، بلا نيل منه أو تقييد ممارسته، وينعطف عنه في الأساس الحق الطبيعي والإلزامي في الصحة ورعايتها، وهو ما يغدو الوسيلة الوكيدة لتقرير الحق في الحياة، الذي نصت عليه الدساتير والقوانين، وأنزلته من قبلها الشرائع السماوية الثلاث، وأوجدته الديانات المختلفة، والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان كافة، وقد ساير المشرع الدستوري المصري ذلك في دساتيره المتعاقبة بدءا من دستور سنة 1923، ومرورا بدستور سنة 1956، ودستور سنة 1971، وانتهاء بالدستور الحالي، إذ يقر الحق في الصحة، ويلزم الدولة صراحة بحكومتها ومؤسساتها العامة والخاصة كفالة خدمات الصحة للمواطنين ورعايتهم الصحية الكاملة على وفق معايير الجودة العالمية، وإقامة منظومة متكاملة للتأمين الصحي تغطي كل المصريين والأمراض بأنواعها المتباينة، ويجرم الامتناع عن تقديم العلاج بأشكاله المختلفة لكل إنسان في حالات الطوارئ أو الخطر على الحياة، ويلزم الدولة تخصيص نسبة مالية سنوية من الإنفاق الحكومي لهذه الأغراض، لا يقل حدها الأدنى عن نسبة 3% من الناتج القومي الإجمالي، مع التصاعد التدريجي حتى التماثل والمعدلات العالمية، ويوجب على الدولة ضمان تنفيذ التزاماتها عموما، وهو ما يسبغ في النهاية الحماية الدستورية والقانونية لعلاج المواطنين على نفقة الدولة، سواء تحققت وسيلة العلاج داخل البلاد أو خارجها، كما يساوي المشرع الدستوري بين المصريين جميعهم أمام القانون، وفي الحقوق والحريات والواجبات العامة، دون تمييز بينهم بسبب الجنس أو الأصل أو العرق أو اللون أو الدين أو العقيدة أو اللغة أو الإعاقة أو المستوى الاجتماعي، أو الانتماء السياسي أو الجغرافي، أو لأي سبب آخر، ويعد التمييز والحض على الكراهية جريمة يعاقب عليها القانون، ويلزم الدولة اتخاذ التدابير اللازمة للقضاء على جميع أشكال التمييز.

وحيث إن مبدأ الالتزام الدستوري والقانوني للدولة ومؤسساتها جميعا بالرعاية الصحية والعلاجية للمواطنين، يلزم أن يتوافق مع مبدأين آخرين يضاهيانه أهمية: وهما مبدأ "جودة العلاج"، الذي يعني مجابهة الأمراض بأفضل وسائل علاجية من خلال الفحوصات والتشخيص والدواء أو العمليات الجراحية وخلافها، ومبدأ "وقتية العلاج" لأن كفالة الدولة بعلاج مواطنيها يجب أن ترتبط بآنية العلاج وسرعته، لكونه ينحدر إلى هاوية الإهمال حين يجتمع مع البطء الروتيني والبيروقراطي في الإجراءات الإدارية لإنفاذ العلاج على أرض الواقع، وتشكل هذه المبادئ الثلاثة إطار المنظومة العلاجية المتكاملة المتفرعة عن الحق في الصحة الذي تغياه المشرع الدستوري، فلا يتمخض عن انزواء أي منها سوى استمرار الحالة المرضية أو استحضار الموت قهرا.

وحيث إن خضوع المواطن لأنظمة علاج وظيفية عامة أو خاصة أو التكافلية أو التأمينية، لا يعفي الدولة ووزاراتها ومؤسساتها ومصالحها وأجهزتها جميعا من مسئوليتها الدستورية عن إنزال وتطبيق حق الرعاية الصحية لمواطنيها، دون تمييز بسبب السن أو الجنس أو العقيدة أو المركز الوظيفي أو الاجتماعي أو لأي سبب آخر، إذ قد لا تمد لوائح تلك الأنظمة كامل مصروفات العلاج في بعض الأمراض أو الحالات المرضية، مما يقتضي أحيانا كثيرة بسط الدولة لأجنحتها وواجباتها على رعاياها المرضى العزل من العلاج الكافي، وإضفاء الطمأنينة والأمان عليهم وأسرهم والمجتمع عموما.

وحيث إن تقارير اللجان الطبية المتخصصة لأعضاء هيئة التدريس بالجامعة المطعون ضدها، أثبتت في شهر مايو سنة 2008 إصابة الطاعن بمرض تليف الكبد وإصابة الفص الأيمن لكبده ببؤرة سرطانية خبيثة، موصية بسرعة تحويله إلى مستشفى دار الفؤاد بمدينة السادس من أكتوبر لإجراء عملية زرع كبد بالكامل وتوصيف حالته الصحية بـ"الحالة الحرجة"، ووافقت إدارة الجامعة المطعون ضدها على تحمل نفقات علاج الطاعن، مع اعتبار إصابته "إصابة بسبب العمل"، راصدة لإجرائها مبلغا مقداره أربع مئة ألف جنيه مصري، وبدأت في اتخاذ الإجراءات الإدارية لإتمام ذلك، بيد أنه لما انتاب الحالة الصحية للطاعن تدهور فجائي، وتغلب فيها الأسوأ على السيئ، ومضت الخلايا السرطانية في طريقها الشيطاني نحو هدفها الميقاتي داخل جسده المترهل، غير عابئة بالموروث البيروقراطي الماضي بالسلطة الإدارية في طريق مواز مميت، فأنزل القدر على الطاعن أحد خيارين قاسيين: إما انتظار وقت التأشيرات الحكومية المنفذة لقرار علاجه وما تاخمها من موافقات الصرف من بنود الميزانية وخلافه، على الرغم من توصية اللجنة الطبية المتخصصة بـ "حالته الحرجة" وحاجته إلى "إجراء العملية على وجه السرعة" وفي أقرب وقت ممكن، أو الهرع إلى حلم البقاء الشافي على طائرة تهبط به خارج البلاد، التي مارس مسئولوها عليه أقنعتهم البيروقراطية مهملين النظر إلى مراياهم، آملا اللحاق بآخر عربات الحياة، وموكلا مصيره في النهاية إلى القادر الرحيم، فحسم قراره بالسفر إلى جمهورية الصين الشعبية على نفقته الخاصة لإجراء تلك العملية الجراحية، إذ أقام بمستشفى "..................." في الفترة من 2/6/2008 حتى 23/7/2008 وأجريت له العملية الجراحية المشار إليها خلالها بتاريخ 27/6/2008، بتكلفة مقدارها مئة ألف دولار أمريكي شاملة الإقامة بالمستشفى والفحوصات الطبية والعملية الجراحية بمشتملاتها.

وحيث إنه بعد إتمام الطاعن فترة النقاهة والعودة إلى الكنانة، أحالته الجامعة المطعون ضدها من جديد إلى اللجنة الطبية الثلاثية لأعضاء هيئة التدريس بالجامعة، والتي اعتمدت إجراء العملية الجراحية المشار إليها موصية بصرف مبلغ سبعين ألف دولار أمريكي أو ما يعادله بالجنيه المصري، وتم عرض الأمر على اللجنة الخماسية التي أوصت باعتماد نفقات العملية الجراحية والسفرة واسترداد مبلغ مئة ألف دولار أمريكي أو ما يعادله بالجنيه المصري، ووافقت إدارة الجامعة على هذا التقرير الأخير، رافعة الأمر إلى شيخ الأزهر الذي لم يقرر سوى رفع الأمر إلى رئيس مجلس الوزراء بصفته وزير شئون الأزهر لاستصدار قرار بالصرف، إلا أن الأخير امتنع عن صرف كامل مبلغ تكلفة العملية الجراحية الذي سدده الطاعن من ماله الخاص، مقررا صرف مبلغ اثني عشر ألف يورو وبدل سفر بواقع مبلغ ستين يورو عن كل ليلة قضيت خارج دور العلاج طبقا للقواعد المتبعة.

وحيث إن امتناع المطعون ضدهما بصفتيهما عن سرعة إنجاز علاج الطاعن داخل البلاد إعمالا لتوصيات اللجان الطبية المتخصصة، ثم امتناعهما أيضا عن سداد كامل تكلفة عملية زرع الكبد التي أجريت للطاعن بمعرفته في الخارج على نفقته الخاصة، يمثل مخالفة صارخة لأحكام الدستور المقرة لحق المواطن المصري في الصحة، وما يتفرع عن هذا الحق من حقوق وارفة يتزعمها الحق في العلاج والحق في الدواء وغيرهما، وما قد ينعطف عن التزام الدولة المصرية بالرعاية الصحية الكاملة للمواطنين إلى استحقاق العلاج على نفقتها في الخارج مثله في الداخل، أيا كانت أنظمة العلاج الوظيفية العامة أو الخاصة أو التكافلية أو التأمينية التي يخضع لها المواطن أو يندرج تحت مظلتها، وسواء اكتفت تلك الأنظمة بكفالة العلاج كاملا أو جزئيا.

وحيث إن امتناع المطعون ضده الأول بصفته عن ذلك على نحو يغاير ما يصدره من قرارات سفر لبعض المواطنين للعلاج على نفقة الدولة، وبنفقات أعلى أحيانا من تكلفة العملية الجراحية الخاصة بالطاعن، يشكل إخلالا بمبدأ المساواة بين المواطنين وتمييزا صارخا بينهم، وهو الأمر الذي يبزغ معه تخلي أجهزة الدولة المطعون ضدها عن شطر أصيل من الرعاية الصحية العاجلة لأحد مواطنيها العزل من العلاج الناجز، وامتناعها عن تحمل كامل تكلفة علاجه في الخارج، وعدم إضفاء الحماية القانونية له في هذا الشأن، أيا كانت الأسباب التي عجلت بسفر الطاعن لإجراء العملية الجراحية المشار إليها.

وحيث إنه لما كان كل ذلك وهديا به، فإن المحكمة تقضي -وهي تسطر حكمها في المسافة الزمنية بين شهري يناير ويونيو وذكرى ثورتين مجيدتين خاضهما الشعب المصري الأبي ضد تلال الفساد بأنواعه، وعلى قمته الفساد المالي والإداري بأنماطه المتعددة- بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء مجددا بإقرار أحقية الطاعن في إجراء عملية زرع كبد بتكلفة غير محددة، وأحقيته في استرداد قيمة التكلفة الفعلية لعملية زرع الكبد التي أجريت له بتاريخ 27/6/2008 بجمهورية الصين الشعبية والبالغ مقدارها مئة ألف دولار أمريكي، وقيمة بدل سفر بواقع ستين يورو عن كل ليلة قضاها بتلك السفرة في الفترة من 2/6/2008 حتى 23/7/2008، وقيمة تذكرة السفر البالغ مقدارها أربعة آلاف وستة وعشرون جنيها مصريا، وبإلزام المطعون ضدهما بصفتيهما سداد قيمة التكلفة الإجمالية كاملة للطاعن بشكل عاجل، وعلى نفقة الدولة، على أن يكون الصرف بالجنيه المصري، وبمراعاة خصم ما يكون قد صرف للطاعن في هذا الشأن، مع ما يترتب على كل ذلك من آثار.

وحيث إنه ولئن تقضي المحكمة للطاعن بأحقيته فيما سلف، فإنها ترتئي أنه لا دخل له أو مسئولية عليه في تأخير اقتضاء حقه لسنوات مضت، نتيجة امتناع الجهة الإدارية المطعون ضدها بداية عن سداده، ثم عدم استجابتها إلى تظلمه الموكول إليها، ثم إطالة أمد التقاضي لسنوات ما بين لجوئه إلى لجنة التوفيق المختصة في بعض المنازعات التي تكون الوزارات والأشخاص الاعتبارية العامة طرفا فيها، فرفعه دعواه أمام محكمة أول درجة، فإقامة طعنه الجاري أمام هذه المحكمة، ومن ثم لا يجب أن يتم سداد مستحقات الطاعن على أساس سعر الصرف للعملة الأجنبية مقابل الجنيه المصري وقت استحقاقه إياها، بل على أساس سعر الصرف الرسمي للعملة الأجنبية مقابله في تاريخ أداء الاستحقاق فعليا وتنفيذ الحكم الجاري؛ مسايرة لاعتبارات العدالة، وكي لا يضار الطاعن من جراء حرمانه من حقوقه محل التداعي طيلة هذه السنوات إلى أن قضي له بأحقيته فيها، وهو ما تقضي به المحكمة.

وحيث إنه لا ينال من كل ما تقدم، ما أودعته الجهة الإدارية المطعون ضدها من التوجيهات الرسمية لرئيس مجلس الوزراء التي ضمها كتاب رئيس هيئة المستشارين بمجلس الوزراء رقم 2652 بتاريخ 17/4/2002 من ضرورة عرض كل حالة مرضية على حدة على رئيس مجلس الوزراء لاتخاذ اللازم؛ إذ إنه ولئن كان ذلك في ظاهره مطلبا إداريا قويما لضبط مشروعية الاستحقاق ومسائل الصرف وتوجيه الإنفاق على وفق الاحتياج الطبي الحقيقي لكل حالة مرضية على حدة، بيد أن الواقع العملي انعطف به إلى كهوف المحسوبية المنغلقة على فئات وظيفية ومجتمعية خاصة وذويهم وما ملكت معارفهم، وهي وإن كانت أيضا حقهم الفعلي الواجب في الرعاية الصحية، إلا أن الدولة تغاضت عن منح هذا الحق كاملا أو مجزءا إلى مواطنين آخرين، حتى إن الطاعن وهو يشغل منصبا علميا مرموقا احتار بين اللجان الطبية والإدارية طلبا لحقه المشروع دون جدوى، فما بال المواطن العادي الذي يغزوه المرض في بيئة يضاجعها الفقر.

وحيث إنه لا يقدح في ذلك ما دافعت به الجهة الإدارية من أن توجيهات رئيس مجلس الوزراء التي ضمها كتاب رئيس هيئة المستشارين بمجلس الوزراء المؤرخ في 5/9/2002 تفيد بأن مساهمة الدولة في تكاليف العلاج تكون اثني عشر ألف يورو في دول الاتحاد الأوروبي وخمسين يورو بدل سفر عن كل ليلة تقضى خارج دور العلاج، واثني عشر ألف يورو في بقية دول العالم وستين يورو بدل سفر عن كل ليلة تقضى خارج دور العلاج، وخمسين ألف جنيه في داخل جمهورية مصر العربية؛ إذ إن تلك القرارات لا تحوي إلا قواعد إدارية جامدة مناوئة لمبادئ الدستور والقانون، ونائية من قبلهما عن واقع الحال في بلاد يلعق فيها الفقر والمرض صنوان، ولا تفسح المجال لترتيب نفقات علاج كافية لكل حالة مرضية على حدة، بل رصت الأمر في تقسيمات مالية ضريرة، وقد درجت حكومات العصر البالي على ابتداع مثل هذه القواعد في أسوأ نماذج الابتداع على إطلاقه، وسايرتها الحكومات المتعاقبة دون وعي وجرأة على إلغائها أو تعديلها أو إصدار قواعد أكثر تحضرا وقربا من حقوق هذا الشعب البسيط الوفي الذي التحف بهموم مصر الحديثة عقودا عديدة، ومازال يحلم بوجودها واحتمائه في ظلها لعقود آتية، حتى إن امتناع المطعون ضدهما عن سداد مصروفات العملية الجراحية التي أجريت للطاعن طوال هذه السنوات تسبب في تحمل ميزانية الدولة لمئات الآلاف من الجنيهات نتيجة ارتفاع سعر الصرف لعملة الدولار الأمريكي.

وحيث إنه لا يبدل من هذا ما أوردته الجهة الإدارية في دفاعها من أن مجلس جامعة الأزهر كان قد أصدر في جلسته رقم (427) المنعقدة بتاريخ 7/2/2001 موافقة عامة على علاج أعضاء هيئة التدريس بالجامعة من الأساتذة غير المتفرغين في أماكن متميزة بمستشفيات الجامعة، وتكليف عمداء كليات الطب بالجامعة ومديري المستشفيات بالإشراف الشخصي على هذه الحالات، إذ إنه ولئن أبرز هذا القرار نوعا من الاهتمام المحسوب لإدارة الجامعة المطعون ضدها بالرعاية الصحية لأعضاء هيئة التدريس بها، غير أن عملية زرع الكبد للطاعن التي أوصت بها اللجنة الطبية المتخصصة لأعضاء هيئة التدريس بالجامعة، لم تكن وقتها من العمليات الجراحية المتاحة داخل مستشفيات الجامعة، فضلا عن أن حالته الصحية كانت من الحالات الحرجة المحتاجة إلى إجراء العملية على وجه السرعة، على وفق ما أوردته تقارير تلك اللجنة الطبية المتخصصة، والتي ما كانت تستدعي مجرد الانتظار البيروقراطي لإقرار البدائل.

وحيث أخذ الحكم المطعون فيه بغير النظر المتقدم، فإنه يضحى مخالفا للواقع والقانون، ويبدو الطعن رقم 12195 لسنة 59 القضائية العليا قائما على أساس صحيح من القانون، ويتعين قبوله، ويغدو الطعن رقم 12645 لسنة 59 القضائية العليا غير قائم على أساس سليم، ويتعين رفضه.

وحيث إن من يخسر الطعن يلزم مصروفاته، عملا بحكم المادة (184) من قانون المرافعات المدنية والتجارية.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة:

(أولا) بقبول الطعن رقم 12195 لسنة 59 القضائية عليا شكلا، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء مجددا بأحقية الطاعن في استرداد قيمة تكلفة عملية زرع الكبد التي أجريت له بتاريخ 27/6/2008 بمستشفى ".................." بجمهورية الصين الشعبية، والبالغ مقدارها مئة ألف دولار أمريكي، وقيمة بدل سفر بواقع ستين يورو عن كل ليلة قضاها بتلك السفرة، وقيمة تذكرة السفر البالغ مقدارها أربعة آلاف وستة وعشرون جنيها مصريا، وإلزام المطعون ضدهما بصفتيهما أداء مجموع هذه المبالغ كاملة للطاعن على نفقة الدولة، على أن يكون الصرف بالجنيه المصري، وبسعر الصرف وقت الأداء، وبمراعاة خصم ما يكون قد صرف للطاعن في ذاك الشأن، مع ما يترتب على هذا من آثار، وذلك كله على النحو المبين بالأسباب.

(ثانيا) قبول الطعن رقم 12645 لسنة 59 القضائية عليا شكلا، ورفضه موضوعا، وألزمت الجهة الإدارية المطعون ضدها مصروفات الطعنين عن درجتي التقاضي.

الخميس، 5 أغسطس 2021

إمكانية الطعن على قرارات قاضي التفليسة حال تجاوزه نطاق اختصاصه

الدعوى رقم 14 لسنة 42 ق " منازعة تنفيذ " جلسة 3 / 7 / 2021
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الثالث من يوليه سنة 2021م، الموافق الثاني والعشرين من ذى القعدة سنة 1442 ه.

برئاسة السيد المستشار / سعيد مرعى عمرو رئيس المحكمة

وعضوية السادة المستشارين: الدكتور عادل عمر شريف وبولس فهمى إسكندر والدكتور محمد عماد النجار والدكتور طارق عبد الجواد شبل وخالد أحمد رأفت والدكتورة فاطمة محمد أحمد الرزاز نواب رئيس المحكمة

وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشرى رئيس هيئة المفوضين

وحضور السيد / محمد ناجى عبد السميع أمين السر


أصدرت الحكم الآتى

فى الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 14 لسنة 42 قضائية " منازعة تنفيذ ".

المقامة من

1 - عمرو أمين حمزة النشرتى

2 - محمد عبد الحليم لبنة، بصفته أمين التفليسة في الدعوى رقم 32 لسنة 2002 إفلاس كلى الجيزة

ضد

1- رئيس الجمهورية

2- رئيس مجلس الوزراء

3- أمين عام محكمة القاهرة الاقتصادية

4- قاضى تفليسة شركة المجموعة المصرية للتوزيع (إيدج)

5- رئيس مجلس إدارة بنك التجارى وفا بنك (بنك باركليز مصر سابقًا)

الإجراءات

بتاريخ الحادي عشر من يوليه سنة 2020، أودع المدعيان صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبين الحكم، أولاً: بالاستمرار في تنفيذ الحكم الصادر في الدعوى رقم 273 لسنة 25 قضائية "دستورية". ثانياً: بعدم الاعتداد بالحكم الصادر من محكمة استئناف القاهرة، في الاستئنافين رقمي 1313 لسنة 126 قضائية و1006 لسنة 127قضائية، والأحكام الصادرة من محكمة النقض في الطعون أرقام 18373 و18390 و18402 لسنة 84 قضائية، واعتبار تلك الأحكام كأن لم تكن.

وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم بعدم قبول الدعوى.

وقدم البنك المدعى عليه الخامس مذكرة، طلب فيها الحكم، أصليًّا: بعدم قبول الدعوى، واحتياطيًّا: برفضها.

وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.

ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر جلسة 5/6/2021، ومثل فيها محام عن المدعى الأول وقدم مذكرة، وبالجلسة ذاتها قررت المحكمة إصدار الحكم في الدعوى بجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.

حيث إن الوقائع تتحصل– على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - في أن المدعى الأول كان يمتلك 95% من أسهم شركة المجموعة المصرية للتوزيع (إيدج)، وخلال عام 2001، أودع مبلغ ثلاثمائة مليون جنيه، لدى البنك المدعى عليه الخامس، قيمة الزيادة في رأس مال تلك الشركة، ونظرًا لمرور الشركة بضائقة مالية تم إشهار إفلاسها بموجب الحكم الصادر في الدعوى رقم 32 لسنة 2002 إفلاس كلى جنوب الجيزة، وتعيين المدعى الثاني أمينا للتفليسة، فقام الأخير بمطالبة البنك المدعى عليه الخامس بأداء المبلغ المودع لديه وتسليمه له بصفته، فامتنع البنك، فتقدم أمين التفليسة بطلب إلى قاضى التفليسة لإلزام البنك بأداء ذلك المبلغ، وبتاريخ 15/9/2008، أصدر قاضى التفليسة أمرًا بإلزام البنك بتقديم شيك مقبول الدفع إلى محكمة الإفلاس باسم تفليسة عمرو النشرتى – بمبلغ ثلاثمائة مليون جنيه وإيداعه خزينة المحكمة، وتقديم شهادة بكيفية إيداع ذلك المبلغ، وتاريخ الإيداع، والفوائد القانونية المستحقة عليه اعتبارًا من تاريخ الإيداع حتى تقديم هذه الشهادة، فتظلم البنك من هذا الأمر أمام محكمة الجيزة الابتدائية، بالتظلم المقيد برقم 126 لسنة 2008 إفلاس كلى الجيزة، وقضى فيه بجلسة 24/6/2009، بعدم جواز التظلم، استنادًا إلى أن الأمر المتظلم منه يدخل في حدود اختصاص قاضى التفليسة، ومن ثم فلا يجوز الطعن عليه إعمالاً لحكم المادة (580/1) من قانون التجارة. وإزاء عدم تنفيذ البنك الأمر المشار إليه، أصدر قاضى التفليسة بتاريخ 18/7/2009، أمرًا بالاستمرار في تنفيذ الأمر السابق، وقيد تظلمه برقم 82 لسنة 2009 تجارى كلى جنوب الجيزة، وقضت فيه المحكمة بجلسة 31/3/2010، بعدم قبول التظلم، استنادًا إلى التقرير به بعد الميعاد القانونى، فاستأنف البنك ذلك القضاء أمام محكمة استئناف القاهرة " مأمورية استئناف الجيزة " بالاستئنافين رقمى 1313 لسنة 126 قضائية و 1006 لسنة 127 قضائية، وبعد أن ضمت المحكمة الاستئنافين ليصدر فيهما حكم واحد، قضت بجلسة 10/8/2014، بقبول التظلم رقم 82 لسنة 2009 تجارى جنوب الجيزة شكلاً وفى موضوع التظلمين: بإلغاء الحكمين المستأنفين رقمى 126 لسنة 2008 و82 لسنة 2009 إفلاس كلى الجيزة، والقضاء مجددًا بإلغاء الأمرين المتظلم منهما الصادرين من قاضى التفليسة رقم 32 لسنة 2002 إفلاس كلى جنوب الجيزة بتاريخى 15/9/2008 و18/7/2009، واعتبارهما كأن لم يكونا. وشيدت قضاءها على سند من أن قاضى التفليسة أصدر الأمرين المتظلم منهما دون التحقق من صحة الدين، خروجًا عن حدود اختصاصه، وأن قراره بإلزام البنك المستأنف تقديم شيك مقبول الدفع إلى محكمة الإفلاس بمبلغ ثلاثمائة مليون جنيه، لإيداعه خزينة المحكمة على ذمة القضية، وكذا تقديم شهادة مبين فيها كيفية إيداع المبلغ وتاريخ الإيداع والفوائد المستحقة عليه، يُعد فصلاً في حق موضوعي يخرج عن الاختصاص المحدد لقاضى التفليسة، ومن ثم يتعين القضاء بإلغائه واعتباره كأن لم يكن. لم يصادف هذا القضاء قبولاً لدى المدعى الأول، فطعن عليه أمام محكمة النقض بالطعن رقم 18402 لسنة 84 قضائية، وبجلسة 14/5/2017، قضت المحكمة – في غرفة مشورة – بعدم قبول الطعن. وشيدت قضاءها على سند من أن سلطة قاضى التفليسة هى الإشراف على أمين التفليسة ومراقبة سير أعمال التفليسة بطريق إصدار الأوامر تعتبر من قبيل الأعمال الولائية، ما لم يكن الأمر فاصلاً في نزاع فإنه يعتبر حكمًا يجاوز اختصاصه، يجوز التظلم منه، ويكون القضاء الصادر في التظلم قابلا للطعن بالطرق المقررة قانونًا إعمالاً لنص المادة (580/1) من قانون التجارة، وإذ التزم الحكم المطعون فيه هذا النظر فإنه يكون قد أصاب صحيح القانون. ومن جانب آخر، طعن المدعيان على حكم محكمة الاستئناف الصادر في الاستئنافين المار بيانهما، أمام محكمة النقض بالطعنين رقمى 18373 و 18390 لسنة 84 قضائية، وبجلسة 23/12/2018، قضت محكمة النقض – في غرفة مشورة – بعدم قبول الطعنين، استنادًا الى أن الحكم المطعون فيه قد استخلص من أوراق الدعوى أن قرار قاضى التفليسة يخرج عن نطاق اختصاصه، ومن ثم يجوز الطعن عليه، ورتب على ذلك وعلى ما حصله من تقرير الخبراء قضاءه بإلغاء هذا الأمر، وكان ذلك بأسباب سائغة لها معينها الثابت في الأوراق وكافيًا لحمل قضائه .

وإذ ارتأى المدعيان أن الحكم الصادر من محكمة استئناف القاهرة في الاستئنافين رقمى 1313 لسنة 126 قضائية و 1006 لسنة 127 قضائية، المؤيد بالحكمين الصادرين من محكمة النقض – في غرفة مشورة - في الطعون أرقام 18373 و18390 و18402 لسنة 84 قضائية، المؤيدة له، تُمثل عقبة في تنفيذ الحكم الصادر عن هذه المحكمة بجلسة 6/5/2012، في الدعوى رقم 273 لسنة 25 قضائية " دستورية "، ومن ثم أقاما دعواهما المعروضة بطلباتهما السالفة البيان.

وحيث إن منازعة التنفيذ - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة – قوامها أن التنفيذ قد اعترضته عوائق تحول قانونًا- بمضمونها أو أبعادها- دون اكتمال مداه، وتعطل أو تقيد اتصال حلقاته وتضاممها بما يعرقل جريان آثاره كاملة دون نقصان، ومن ثم، تكون عوائق التنفيذ القانونية هى ذاتها موضوع منازعة التنفيذ أو محلها، تلك المنازعة التى تتوخى في ختام مطافها إنهاء الآثار المصاحبة لتلك العوائق، أو الناشئة عنها، أو المترتبة عليها، ولا يكون ذلك إلا بإسقاط مسبباتها وإعدام وجودها، لضمان العودة بالتنفيذ إلى حالته السابقة على نشوئها. وكلما كان التنفيذ متعلقًا بحكم صدر عن المحكمة الدستورية العليا، بشأن مدى دستورية نص تشريعى، فإن حقيقة مضمونه، ونطاق القواعد القانونية التى يضمها، والآثار المتولدة عنها في سياقها، وعلى ضوء الصلة الحتمية التى تقوم بينها، هى التى تحدد جميعها شكل التنفيذ وصورته الإجمالية، وما يكون لازمًا لضمان فعاليته. بيد أن تدخل المحكمة الدستورية العليا - وفقًا لنص المادة (50) من قانونها الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 - لهدم عوائق التنفيذ التى تعترض أحكامها، وتنال من جريان آثارها في مواجهة الأشخاص الاعتباريين والطبيعيين جميعهم، دون تمييز، بلوغًا للغاية المبتغاة منها في تأمين حقوق الأفراد وصون حرياتهم، يفترض ثلاثة أمور، أولها: أن تكون هذه العوائق- سواء بطبيعتها أو بالنظر إلى نتائجها- ولو كانت تشريعًا أو حكمًا قضائيًّا أو قرارًا إداريًّا أو عملاً ماديًّا، حائلة دون تنفيذ أحكامها أو مقيدة لنطاقها. ثانيها: أن يكون إسنادها إلى تلك الأحكام، وربطها منطقيًّا بها ممكنًا، فإذا لم تكن لها بها من صلة، فإن خصومة التنفيذ لا تقوم بتلك العوائق، بل تعتبر غريبة عنها، منافية لحقيقتها وموضوعها. ثالثها: أن منازعة التنفيذ لا تعد طريقًا للطعن في الأحكام القضائية، وهو ما لا تمتد إليه ولاية هذه المحكمة.

وحيث إن المحكمة الدستورية العليا سبق لها أن قضت بحكمها الصادر بجلسة 6/5/2012، في الدعوى رقم 273 لسنة 25 قضائية "دستورية"، برفض الدعوى المقامة طعنًا على دستورية نصى المادتين (567/ب) و(580/1) من قانون التجارة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1999. وقد نُشر هذا الحكم في الجريدة الرسمية بالعدد رقم 20 مكرر (أ) بتاريخ 20 مايو سنة 2012. وشيدت المحكمة قضاءها على أن ما تضمنه النصان الطعينان من تقييد الطعن على قرارات قاضى التفليسة، وكذا على الأحكام الصادرة في الطعن على قرارات قاضى التفليسة، إنما قد جاء متّسقًا مع ما يتطلبه التنظيم التشريعى للإفلاس من خصوصية أوضاع التقاضى في حسم المنازعات التى تثور خلال سير إجراءات التفليسة على النحو الذى يحقق الأهداف المرجوة من هذا التنظيم، نظرًا لاصطباغ نظام الإفلاس بالسمات العامة لأحكام القانون التجارى التى تتمثل في خاصية الائتمان التى تقوم عليها المعاملات التجارية، وما تتطلبه من سرعة في حسم المنازعات الناشئة عنها، الأمر الذى يكون معه النصان الطعينان قد وقعا في إطار السلطة التقديرية للمشرع في تنظيم حق التقاضى، إذ لم يترتب على هذين النصين أى خطر أو إهدار لهذا الحق، بل جاء نتيجة اختيار المشرع للإجراءات الأكثر اتفاقًا مع طبيعة منازعة الإفلاس دونما إخلال بضماناتها الرئيسية التى تكفل إيصال الحقوق لأصحابها وفق قواعد منصفة، وبمراعاة ما يقتضيه الصالح العام؛ ومن ثم تكون قالة إهدارهما لحق التقاضى على غير أساس من صحيح القانون. وغير سديد كذلك ما نعاه المدعون من مخالفة النصين الطعينين لمبدأ المساواة أمام القانون، ذلك أن المشرع قد أفرد تنظيمًا قضائيًا لحسم النزاع محددًا قواعده وإجراءاته وفق أسس موضوعية لا تقيم في مجال تطبيقها تمييزًا من أى نوع بين المخاطبين بها المتكافئة مراكزهم القانونية بالنسبة إليها، مستهدفًا المصلحة العامة متمثلة في سرعة إنهاء المنازعات الدائرة بين أطرافها، دون إخلال بما تقتضيه دراستها وفحصها من تهيئة الأسس الكافية للفصل فيها، ومن ثم فإن القواعد التى يقوم عليها هذا التنظيم تعتبر مرتبطة بأغراضه النهائية المشروعة ومؤدية إليها بما لا مخالفة فيه لمبدأ المساواة أمام القانون.

وحيث إن حكم محكمة استئناف القاهرة، الصادر بجلسة 10/8/2014، في الاستئنافين رقمى 1313 لسنة 126 قضائية و 1006 لسنة 127 قضائية، قد تأسس على" ... أن قاضى التفليسة أصدر الأمرين المتظلم منهما دون التحقق من صحة الدين خروجًا عن حدود اختصاصه، وأن قراره بإلزام البنك تقديم شيك مقبول الدفع إلى محكمة الإفلاس بمبلغ ثلاثمائة مليون جنيه، وإيداعه خزينتها وكذا تقديم شهادة مبيّنًا فيها كيفية إيداع المبلغ وتاريخ الإيداع والفوائد المستحقة عليه، يُعد فصلاً في حق موضوعي يخرج عن الاختصاص الولائي المحدد لقاضي التفليسة، ومن ثم يتعين القضاء بإلغائه واعتباره كأن لم يكن". وقد تم تأييد هذا الحكم من محكمة النقض - في غرفة مشورة – بجلستى 14/5/2017 و23/12/2018، بعدم قبول الطعون أرقام 18373 و 1839 و18402 لسنة 84 قضائية، وكان هذا القضاء يُعد تطبيقًا لأحكام المادة (580/1) من قانون التجارة المشار إليه، فيما أجازه من إمكان الطعن على قرارات قاضي التفليسة حال تجاوزه نطاق اختصاصه، الأمر الذى ينتفى معه القول بأن حكم محكمة استئناف القاهرة المؤيد من محكمة النقض، والحال كذلك – في خصوصية الحالة المعروضة – قد جاء مصادمًا أو ماسًا بالحجية الثابتة لقضاء المحكمة الدستورية العليا في الدعوى رقم 273 لسنة 25 قضائية "دستورية"، سواء في أسبابه أو منطوقه، وهو ما تضحى معه الدعوى المعروضة - في حقيقتها - طعن على حكم محكمة استئناف القاهرة وأحكام محكمة النقض المشار إليها، يستهدف إهدار ما انتهت إليه تلك الأحكام من قضاء في شأن النزاع الموضوعى، وهو ما لا تمتد إليه ولاية هذه المحكمة، كما أن تلك الأحكام المطلوب عدم الاعتداد بها لا تُشكل أى عائق أو عقبة في سبيل تنفيذ حكم المحكمة الدستورية العليا الصادر في الدعوى المشار إليها سلفًا، الأمر الذى تقضى معه المحكمة بعدم قبول الدعوى المعروضة.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بعدم قبول الدعوى، وألزمت المدعيين المصروفات ومبلغ مائتى جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

الطعنان 11254 ، 11444 لسنة 58 ق جلسة 27 / 12 / 2015 إدارية عليا مكتب فني 61 ج 1 ق 25 ص 348

جلسة 27 من ديسمبر سنة 2015
الطعنان رقما 11254 و 11444 لسنة 58 القضائية (عليا)
(الدائرة السابعة)
برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ حسن كمال محمد أبو زيد شلال نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة المستشارين/ عبد العزيز أحمد حسن محروس، وصلاح شندي عزيز تركي، وأحمد محمد أحمد الإبياري، وهاشم فوزي أحمد شعبان. نواب رئيس مجلس الدولة
----------------
(أ‌) جامعات:
أعضاء هيئة التدريس- التعيين في وظيفة مدرس- شروطه: أن يكون المترشح حاصلا على درجة الدكتوراه أو ما يعادلها في مادة تؤهله لشغل الوظيفة، وأن يتمتع بحسن السمعة، وأن تكون قد مضت ست سنوات على الأقل على حصوله على درجة البكالوريوس أو الليسانس أو ما يعادلها- إذا كان المترشح من المدرسين المساعدين أو المعيدين في إحدى الجامعات الخاضعة لقانون تنظيم الجامعات، فإنه يشترط إضافة إلى ذلك أن يكون ملتزما في عمله ومسلكه منذ تعيينه، أما إذا كان من غيرهم، فيشترط التحقق من كفايته للتدريس- توفر هذه الشروط جميعها لا يكفي للتعيين في الوظيفة المعلنة، بل يتعين أيضا التحقق من مدى تطابق رسالة الدكتوراه الحاصل عليها المترشح والخبرة العلمية التي تمرس فيها في مجال الوظيفة المرشح لشغلها، وتقوم بهذه المهمة اللجنة العلمية المنصوص عليها قانونا- يتعين على هذه اللجنة أن تبحث في موضوع الرسالة وعناصرها بدقة، وتتأكد من تطابق التخصص الدقيق للرسالة مع الوظيفة المطلوب شغلها، وتقدم تقريرا مفصلا بذلك.

- المواد أرقام من (64) إلى (68) و(72) و(73) و(76) من قانون تنظيم الجامعات، الصادر بالقرار بقانون رقم 49 لسنة 1972، المعدل بموجب القانونين رقمي 54 لسنة 1973 و18 لسنة 1981.

- المادتان رقما (55) و(60) من اللائحة التنفيذية لقانون تنظيم الجامعات المشار إليه، الصادرة بالقرار الجمهوري رقم 809 لسنة 1972.

(ب) جامعات:
أعضاء هيئة التدريس- تعيينهم- الشروط الإضافية- شرط التخرج في جامعة أو كلية معينة- لئن أجاز القانون لمجلس الجامعة أن يضمن إعلانه عن شغل وظائف هيئة التدريس (فيما عدا وظائف الأساتذة) شروطا أخرى بالإضافة إلى الشروط المبينة في القانون، إلا أنه يتعين أن تكون هذه الشروط من جنس الشروط التي أجملها القانون، فتكون متصفة بالعمومية والتجريد، دون إخلال بمبدأي المساواة وتكافؤ الفرص- لا يجوز تضمين الإعلان شرطا بقصر التعيين على خريجي كلية معينة أو جامعة معينة؛ لأنه شرط يخل بمبدأ تكافؤ الفرص والمساواة، وينطوي على تمييز نهى عنه المشرع.

- المادة رقم (72) من قانون تنظيم الجامعات، الصادر بالقرار بقانون رقم 49 لسنة 1972.

(ج) جامعات:
أعضاء هيئة التدريس- التعيين في وظيفة مدرس- لجان الاستماع- إذا كان المترشح للتعيين من خارج الجامعة، فإنه يتعين التحقق من كفايته للتدريس- تتولى هذه المهمة لجنة منصوص على تشكيلها في اللائحة التنفيذية لقانون تنظيم الجامعات، حيث تقوم بتكليف المترشح بإعداد عدد محدود من الدروس، خلال مدة لا تقل عن أسبوع، يقوم بإلقائها أمام اللجنة، ويتعين عليها أن تقدم تقريرا عنه- لا يمكن التحقق من هذا الشرط أو تقديره من خلال إلقاء درس واحد؛ إذ لا يتفق ذلك مع قصد المشرع وصياغة النص- يجب ألا يشترك في لجنة الاستماع للمترشح للتعيين في الوظيفة المعلن عنها من كان عضوا بلجنة مناقشة رسالة الماجستير أو الدكتوراه الخاصة به؛ وذلك مراعاة للحيدة والنزاهة في إعداد التقرير- يترتب على مخالفة ذلك بطلان تقرير الاستماع.

- المادة رقم (67) من قانون تنظيم الجامعات، الصادر بالقرار بقانون رقم 49 لسنة 1972.

- المادة رقم (60) من اللائحة التنفيذية لقانون تنظيم الجامعات المشار إليه، الصادرة بالقرار الجمهوري رقم 809 لسنة 1972.

(د‌) جامعات:
أعضاء هيئة التدريس- تعيينهم- اللجان العلمية ولجان الاستماع- ناط المشرع باللجنة العلمية فحص الإنتاج العلمي للمتقدمين، والتأكد من مدى مطابقته للتخصص المطلوب وإعداد تقرير مفصل بذلك، كما ناط بلجنة الاستماع التحقق من مدى كفاية المترشحين للتدريس، وذلك بقيام كل مترشح بإعداد عدد من الدروس لإلقائها أمام اللجنة، التي تعد تقريرا عنه- يجب أن تكون اللجنتان مختلفتين في التشكيل، وألا تقوم بهاتين الوظيفتين لجنة واحدة.

- المواد أرقام (67) و(73) و(76) من قانون تنظيم الجامعات، الصادر بالقرار بقانون رقم 49 لسنة 1972.

- المادتان رقما (55) و(60) من اللائحة التنفيذية لقانون تنظيم الجامعات المشار إليه، الصادرة بالقرار الجمهوري رقم 809 لسنة 1972.

(هـ) موظف:
تعيين- أثر الحكم بإلغاء قرار التخطي في التعيين- يتعين على الجهة الإدارية حين قيامها بتعيين الصادر لمصلحته حكم بإلغاء القرار الذي تخطاه في التعيين، أن تجعل أقدمية تعيينه في الوظيفة اعتبارا من تاريخ تعيين زميله المطعون على تعيينه، وليس من تاريخ صدور القرار التنفيذي للحكم، مع إعمال هذا الأثر في التقدم للترقيات في الوظائف اللاحقة، مثل زميله في القرار المطعون عليه، سواء بسواء.

(و) تعويض:
طلب حفظ الحق في التعويض لا يقوم مقام طلب التعويض- يتعين على المدعي إذا أراد التعويض أن يقوم باتخاذ الإجراءات المقررة قانونا لرفع دعوى التعويض.
-------------
الوقائع
- في يوم الأربعاء الموافق 7/3/2012 أودع وكيل الطاعنة في الطعن الأول قلم كتاب هذه المحكمة تقريرا بالطعن قيد بجدولها العام برقم 11254 لسنة 58ق.عليا، وذلك طعنا في الحكم الصادر عن محكمة القضاء الإداري بالقاهرة (الدائرة الثالثة عشر- كادرات خاصة) بجلسة 22/1/2012 في الدعوى رقم 20404 لسنة 61ق، القاضي منطوقه بقبول الدعوى شكلا، وفي الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه إلغاء مجردا، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وإلزام الإدارة المصروفات.

وطلبت الطاعنة -للأسباب الواردة بتقرير الطعن- الحكم بقبول الطعن شكلا، وفي الموضوع بأحقيتها في شغل الوظيفة الصادر بشأنها القرار المقضي بإلغائه بالحكم المطعون عليه من تاريخ التعيين، مع ما يترتب على ذلك من آثار، مع حفظ حقها في طلب التعويض المناسب عن الأضرار المادية والأدبية التي لحقتها من جراء القرار الملغى، وإلزام الجهة الإدارية المصروفات.

- وفي يوم السبت الموافق 10/3/2012 أودع الحاضر عن الطاعن بصفته في الطعن الثاني قلم كتاب هذه المحكمة تقريرا بالطعن قيد بجدولها العام برقم 11444 لسنة 58ق.عليا، وذلك طعنا على الحكم المطعون عليه نفسه بالطعن الأول الصادر عن محكمة القضاء الإداري بالقاهرة (الدائرة الثالثة عشرة- كادرات خاصة) المشار إليه آنفا.

وطلب الطاعن بصفته -للأسباب الواردة بتقرير الطعن- الحكم بقبول الطعن شكلا، وبوقف تنفيذ وإلغاء الحكم المطعون فيه، مع إلزام المطعون ضدها المصروفات عن درجتي التقاضي.

وقد أعدت هيئة مفوضي الدولة تقريرا مسببا بالرأي القانوني في الطعنين، ارتأت فيه الحكم: (أولا) بعد إعلان تقرير الطعن إلى المطعون ضده على النحو المقرر قانونا، بقبول الطعن رقم 11254 لسنة 58ق.عليا شكلا، ورفضه موضوعا، وإلزام الطاعنة المصروفات. (ثانيا) بإعادة طلب التعويض -الذي تطالب به الطاعنة- إلى محكمة القضاء الإداري بالقاهرة لنظره والفصل فيه؛ لإغفال المحكمة الفصل فيه. (ثالثا) بعد إعلان تقرير الطعن إلى المطعون ضدها على النحو المقرر قانونا، بقبول الطعن رقم 11444 لسنة 58ق.عليا شكلا، ورفضه موضوعا، وإلزام جامعة حلوان المصروفات.

وتدوول نظر الطعنين أمام دائرة فحص الطعون بالمحكمة الإدارية العليا (الدائرة السابعة) على النحو الثابت بمحاضر الجلسات، وبجلسة 19/3/2014 قررت الدائرة إحالة الطعنين إلى الدائرة السابعة (موضوع) بالمحكمة الإدارية العليا لنظرهما بجلسة 11/5/2014، حيث تدوول نظرهما أمامها على النحو الثابت بمحاضر الجلسات، حتى قررت إصدار الحكم فيهما بجلسة اليوم، وفيها صدر، وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه ومنطوقه لدى النطق به.
--------------
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة قانونا.

- وحيث إن الطاعنة في الطعن الأول تهدف إلى طلب الحكم بقبول الطعن شكلا، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به، والقضاء مجددا بإلغاء القرار المطعون فيه فيما تضمنه من تخطيها في التعيين بوظيفة مدرس طباعة المنسوجات بكلية التربية الفنية جامعة حلوان، مع ما يترتب على ذلك من آثار، أخصها أحقيتها في شغل الوظيفة اعتبارا من تاريخ موافقة مجلس الجامعة على تعيين المطعون على تعيينها، مع حفظ حقها في التعويض المناسب عن الأضرار المادية والأدبية التى لحقتها من جراء القرار الطعين، وإلزام الجهة الإدارية المصروفات.

- وحيث إن الطاعن بصفته في الطعن الثاني يهدف إلى طلب الحكم بقبول الطعن شكلا، وبوقف تنفيذ وإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء مجددا برفض الدعوى، وإلزام المطعون ضدها المصروفات عن درجتي التقاضي.

وحيث إنه قد جرى إعلان الطعنين الماثلين على النحو المقرر قانونا.

وحيث إن الطعنين قد استوفيا جميع أوضاعهما الشكلية المقررة قانونا، فمن ثم يكونان مقبولين شكلا.

وحيث إنه عن الموضوع، فإن عناصر النزاع تخلص -حسبما يبين من الأوراق- في أن الطاعنة في الطعن الأول (المطعون ضدها في الطعن الثاني) كانت قد أقامت بتاريخ 8/4/2007 الدعوى رقم 20404 لسنة 61ق أمام محكمة القضاء الإداري بالقاهرة (د/13- كادرات خاصة)، طالبة في ختام عريضتها الحكم بقبول الدعوى شكلا، وبوقف تنفيذ وإلغاء قرار رئيس جامعة حلوان الصادر في 27/8/2006 فيما تضمنه من تخطيها في التعيين بوظيفة مدرس طباعة المنسوجات بكلية التربية الفنية جامعة حلوان، مع ما يترتب على ذلك من آثار، أهمها أحقيتها في التعيين في الوظيفة، مع حفظ حقها في التعويض، وإلزام جهة الإدارة المصروفات.

وذكرت شرحا لدعواها أن جامعة حلوان أعلنت عن حاجتها لشغل وظيفة مدرس طباعة منسوجات بكلية التربية الفنية، وتقدمت بأوراقها لشغل هذه الوظيفة، وبتاريخ 27/8/2006 صدر القرار بتعيين/ ...... بالوظيفة المذكورة، وتظلمت من هذا القرار بتاريخ 22/10/2006، ثم لجأت إلى لجنة التوفيق التى أصدرت توصيتها بجلسة 13/2/2007 برفض الطلب، وهو ما حداها على إقامة دعواها الماثلة، بغية القضاء لها بطلباتها المذكورة سالفا.

وبجلسة 22/1/2012 حكمت المحكمة بقبول الدعوى شكلا، وفي الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه إلغاء مجردا، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وألزمت الإدارة المصروفات.

وشيدت المحكمة قضاءها -بعد استعراضها لنصوص المواد (64 و65 و66 و67 و68 و72 و76) من قانون تنظيم الجامعات، الصادر بالقرار بقانون رقم 49 لسنة 1972، وفتوى الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع بمجلس الدولة رقم 437 بتاريخ 22/6/2003، ملف رقم 86/3/1023- تأسيسا على أن الثابت من الأوراق أن الجامعة المدعى عليها قد أعلنت بتاريخي 9 و10/7/2005 عن حاجتها لشغل بعض الوظائف، منها وظيفة مدرس بقسم الأشغال الفنية والتراث الشعبي بكلية التربية الفنية، وتقدمت المدعية بالأوراق اللازمة لشغل الوظيفة، وبتاريخ 26/6/2006 وافق مجلس القسم على تعيين/ ...... بتلك الوظيفة، ووافق مجلس الكلية بتاريخ 10/7/2006 على تعيينها أيضا، كما وافق مجلس الجامعة بتاريخ 27/8/2006، ولما كانت الجامعة قد أفصحت عن سبب تخطي المدعية في شغل تلك الوظيفة، وهو أنها ليست من خريجي كلية التربية الفنية جامعة حلوان، وهو من الشروط التى وافق عليها مجلس الجامعة بقراره رقم 311 بتاريخ 22/5/2005، ولما كان المشرع قد أجاز للجامعة أن تضيف شروطا أخرى غير تلك التى وردت في القانون بالنسبة لتعيين أعضاء هيئة التدريس، إلا أنه يجب أن تتسم تلك الشروط بالعمومية والتجريد، ودون أن تنطوي على تمييز منهي عنه، أو إخلال بالمساواة أو بتكافؤ الفرص التى حرص الدستور على تأكيدها، ولا شك أن اشتراط شغل الوظائف بالجامعات لأعضاء هيئة التدريس من خريجي نفس الجامعات يخل بمبدأ التكافؤ والمساواة، وينطوي على تمييز نهى عنه الشارع، وهو ما يكون معه القرار المطعون فيه قد صدر بالمخالفة للقانون، مما يتعين معه القضاء بإلغاء هذا القرار إلغاء مجردا، مع ما يترتب على ذلك من آثار. وخلصت المحكمة إلى قضائها المذكور سالفا.

- وإذ لم ترتض الطاعنة في الطعن الأول (المطعون ضدها في الطعن الثاني) هذا الحكم، فقد أقامت الطعن رقم 11254 لسنة 58ق.عليا، ناعية عليه صدوره بالمخالفة للقانون، وأنه جاء ناقصا ومبتسرا، وأغفل باقي طلبات الدعوى، ولم يطبق القانون تطبيقا كاملا، حيث قضى الحكم بإلغاء القرار المطعون فيه إلغاء مجردا دون النظر إلى الآثار المترتبة عليه، والأضرار التى ستصيبها نتيجة هذا القرار، الذي حرمها من حقها الأصيل في شغل هذه الوظيفة المعلن عنها؛ لتوفر شروط شغلها فيها، كما تسبب هذا الحكم الطعين في إصابتها بأضرار مادية ونفسية، وأرجع الأمر إلى نقطة الصفر (البداية)، كما أغفل طلبها بحقها في التعويض المناسب عن الأضرار المادية والأدبية التى لحقتها من جراء هذا القرار المقضي بإلغائه، واختتمت عريضة طعنها بما سلف من طلبات.

- وإذ لم يرتض الطاعن بصفته في الطعن الثاني (المطعون ضده في الطعن الأول) هذا الحكم، فقد أقام الطعن رقم 11444 لسنة 58ق.عليا، ناعيا عليه صدوره مشوبا بالخطأ في تطبيق القانون وتأويله، حيث قامت الجامعة بمراعاة جميع الشروط والضوابط من أجل تحقيق مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص أمام المتقدمين؛ حيث قامت بمراعاة ما نص عليه القانون في هذا الشأن بين المتقدمين، بالإعلان عن شغل هذه الوظيفة في الجرائد الرسمية، ثم بعد ذلك قامت بعمل لجان للفحص والاستماع للمتقدمين، ومنها المطعون ضدها، حيث ارتأت هذه اللجان أنها غير مناسبة لشغل هذه الوظيفة، وأعدت تقريرا بذلك بتاريخ 26/6/2006، وتم رفعه إلى مجلس الكلية، الذي وافق على ما جاء به بتاريخ 10/7/2006، وتم ترشيح الدكتورة/ ....... لشغل الوظيفة المعلن عنها، وبناء على ذلك صدر القرار المطعون فيه بتعيينها دون المطعون ضدها، ومن ثم تكون الجامعة قد أعملت صحيح حكم القانون طبقا لنصي المادتين (72) و(76) من قانون تنظيم الجامعات، الصادر بالقرار بقانون رقم 49 لسنة 1972.

كما صدر الحكم الطعين مشوبا بالفساد في الاستدلال والقصور في التسبيب؛ حيث استند الحكم الطعين إلى أن المطعون ضدها قد استبعدتها الجامعة -الطاعنة- من شغل هذه الوظيفة استنادا إلى أنها ليست من خريجي جامعة حلوان بالمخالفة للواقع؛ لأن الجامعة قد قامت باتخاذ جميع الإجراءات والضوابط القانونية لشغل الوظيفة المعلن عنها، ولم يكن هناك تمييز إلا مدى كفاءة المتقدمين لهذه الوظيفة من عدمها، وإذ خالف الحكم المطعون فيه ما تقدم، فإنه يكون جديرا بالإلغاء، واختتم الطاعن بصفته عريضة طعنه بطلباته المذكورة سالفا.

وحيث إن المادة رقم (64) من قانون تنظيم الجامعات، الصادر بالقرار بقانون رقم 49 لسنة 1972، تنص على أن: "أعضاء هيئة التدريس في الجامعات الخاضعة لهذا القانون هم: (أ) الأساتذة. (ب) الأساتذة المساعدون. (ج) المدرسون".

وتنص المادة رقم (65) من القانون نفسه، والمعدلة بالقانون رقم 18 لسنة 1981، على أن: "يعين رئيس الجامعة أعضاء هيئة التدريس بناء على طلب مجلس الجامعة بعد أخذ رأي مجلس الكلية أو المعهد ومجلس القسم المختص. ويكون التعيين من تاريخ موافقة مجلس الجامعة".

وتنص المادة (66) من هذا القانون، معدلا بالقانون رقم 54 لسنة 1973، على أنه: "يشترط فيمن يعين عضوا في هيئة التدريس ما يأتي:

(1) أن يكون حاصلا على درجة الدكتوراه أو ما يعادلها من إحدى الجامعات المصرية في مادة تؤهله لشغل الوظيفة، أو أن يكون حاصلا من جامعة أخرى أو هيئة علمية أو معهد علمي معترف به في مصر أو في الخارج على درجة يعتبرها المجلس الأعلى للجامعات معادلة لذلك، مع مراعاة أحكام القوانين واللوائح المعمول بها.

(2) أن يكون محمود السيرة حسن السمعة".

وتنص المادة (67) من هذا القانون على أنه: "مع مراعاة حكم المادة السابقة، يشترط فيمن يعين مدرسا أن تكون قد مضت ست سنوات على الأقل على حصوله على درجة البكالوريوس أو الليسانس أو ما يعادلها.

فإذا كان من بين المدرسين المساعدين أو المعيدين في إحدى الجامعات الخاضعة لهذا القانون، فيشترط فضلا عما تقدم أن يكون ملتزما في عمله ومسلكه منذ تعيينه معيدا أو مدرسا مساعدا بواجباته ومحسنا أداءها. وإذا كان من غيرهم فيشترط توافره على الكفاءة المتطلبة للتدريس".

وتنص المادة (68) من هذا القانون على أنه: "مع مراعاة حكم المادتين السابقتين، يكون التعيين في وظائف المدرسين الشاغرة دون إعلان من بين المدرسين المساعدين أو المعيدين في ذات الكلية أو المعهد. وإذا لم يوجد من هؤلاء من هو مؤهل لشغلها فيجرى الإعلان عنها".

وتنص المادة (72) من هذا القانون على أنه: "مع مراعاة أحكام المادتين (68) و(71)، يجرى الإعلان عن الوظائف الشاغرة في هيئة التدريس مرتين في السنة، ولمجلس الجامعة بناء على طلب مجلس الكلية أو المعهد بعد أخذ رأى مجلس القسم المختص أن يضمن الإعلان فيما عدا وظائف الأساتذة اشتراط شروط معينة وذلك بالإضافة إلى الشروط العامة المبينة في القانون...".

وتنص المادة (73) من القانون نفسه على أنه: "تتولى لجان علمية دائمة فحص الإنتاج العلمي للمتقدمين لشغل وظائف الأساتذة والأساتذة المساعدين أو للحصول على ألقابها...".

وتنص المادة (76) من القانون نفسه المشار إليه على أنه: "يتولى مجلس القسم المختص مهمة اللجنة العلمية بالنسبة للمتقدمين لشغل وظيفة مدرس. وعند الاستحالة أو التعذر، تشكل اللجنة بقرار من رئيس الجامعة بعد أخذ رأى مجلس الكلية أو المعهد من ثلاثة أعضاء من الأساتذة أو الأساتذة المساعدين في الجامعات الخاضعة لهذا القانون أو من المتخصصين من غيرهم".

وتنص المادة (55) من اللائحة التنفيذية لقانون تنظيم الجامعات المشار إليه، الصادرة بالقرار الجمهوري رقم 809 لسنة 1972، على أن: "يتولى مجلس القسم المختص مهمة اللجنة العلمية بالنسبة للمتقدمين لشغل وظيفة مدرس، وفي حالة خلو القسم من ثلاثة من الأساتذة أو الأساتذة المساعدين المتخصصين، تشكل اللجنة بقرار من رئيس الجامعة بعد أخذ رأي مجلس الكلية من ثلاثة أعضاء من الأساتذة أو الأساتذة المساعدين في الجامعات الخاضعة للقانون رقم 49 لسنة 1972 أو من المتخصصين من غيرهم".

وتنص المادة (60) من اللائحة نفسها على أنه: "إذا كان المرشح لشغل وظيفة في هيئة التدريس من خارج الجامعة، تشكل بقرار من رئيس الجامعة بناء على اقتراح مجلس الكلية المختص لجنة من ثلاثة أعضاء من الأساتذة الحاليين أو السابقين بالجامعات، تكلف المرشح بإعداد عدد محدود من الدروس خلال مدة لا تقل عن أسبوع، ويقوم بإلقائها أمام اللجنة ومن يدعى من أعضاء بمجلس الكلية ومجلس القسم المختص، وتقدم اللجنة تقريرا عن المرشح للتدريس".

وحيث إن مفاد ما تقدم أن المشرع حدد الشروط الواجب توفرها فيمن يعين عضوا بهيئة التدريس بالجامعة، والجهات ذات الشأن في التحقق منها، وذات الاختصاص في إصدار القرار بالتعيين، ووجه اتصالها بأمره، ودورها في تأسيس القرار، بحيث جعل الأمر تشترك فيه -على مقتضى نصوص القانون- أكثر من جهة، ويمر بأكثر من مرحلة، ويكون ذلك كله سلسلة واحدة، يجب أن تنتظم حلقاتها لتستقيم شرائط صحته.

وحيث إنه بالنسبة للتعيين في وظيفة مدرس بالجامعة، فإنه إلى جانب حصول المرشح على درجة الدكتوراه أو ما يعادلها في مادة تؤهله لشغل الوظيفة، وتمتعه بحسن السمعة، اشترط المشرع أن تكون قد مضت ست سنوات على الأقل على حصوله على درجة البكالوريوس أو الليسانس أو ما يعادلها، وإذا كان من المدرسين المساعدين أو المعيدين في إحدى الجامعات الخاضعة لقانون تنظيم الجامعات المشار إليه، فإنه يشترط إضافة إلى ذلك أن يكون ملتزما في عمله ومسلكه منذ تعيينه معيدا أو مدرسا مساعدا، أما إذا كان المرشح للتعيين من غيرهم، فقد تطلبت المادة (67) من قانون تنظيم الجامعات شرطا آخر، وهو توفره على الكفاية المتطلبة للتدريس.

وتوفر هذه الشروط جميعها لا يكفي للتعيين في الوظيفة المعلنة، بل يتعين إلى جانب ذلك التحقق من مدى تطابق رسالة الدكتوراه الحاصل عليها والخبرة العلمية التى تمرس فيها في مجال الوظيفة المرشح لشغلها، وهذه المهمة تقوم بها اللجنة العلمية المنصوص عليها في المادة (76) من قانون تنظيم الجامعات، والمادة (55) من لائحته التنفيذية، ولا يقف عمل هذه اللجنة عند التحقق من حصول المرشح على درجة الدكتوراه، فهذا أمر لا يحتاج إلى لجنة متخصصة، بل يتعين عليها أن تبحث في موضوع الرسالة وفي عناصرها وتمحص فيها بدقة؛ حتى تتأكد من تطابق التخصص الدقيق للرسالة مع الوظيفة المطلوب شغلها، وعلى اللجنة أن تقدم تقريرا مفصلا عن المهمة التى كلفت بها والنتيجة التى توصلت إليها.

وإذا كان المرشح للتعيين من خارج الجامعة، فإنه يتعين أيضا التحقق من كفايته للتدريس، وتتولى هذه المهمة اللجنة المنصوص على تشكيلها في المادة (60) من اللائحة التنفيذية المذكورة سالفا، حيث تقوم بتكليف المرشح بإعداد عدد محدود من الدروس، خلال مدة لا تقل عن أسبوع، يقوم بإلقائها أمام اللجنة، وعليها أن تقدم تقريرا عنه، ولقد استلزم هذا الشرط الأخير في المرشح للتدريس من خارج الجامعة أن يوضع تحت نظر السلطة المختصة بإصدار القرار بالتعيين مدى قدرة وكفاية المتقدم للقيام بمهمة التدريس بالجامعة، وقد أفصح المشرع صراحة عن أن هذه المقدرة لا يمكن قياسها وتقديرها من خلال إلقاء درس واحد، فذلك -على وفق ما جرى عليه قضاء المحكمة الإدارية العليا- لا يتفق مع قصد المشرع وصياغة النص، ويجعل لفظ "عدد" وعبارة "في مدة لا تقل عن أسبوع" لغوا وتزيدا يتنزه عنه المشرع، ومن ثم يتعين لتحقيق الغاية من النص أن يكون التقويم الصحيح من خلال سماع عدة دروس، يتم إلقاؤها خلال أسبوع على الأقل.

ومن ثم يتضح أنه على وفق أحكام قانون تنظيم الجامعات ولائحته التنفيذية، فإن المشرع قد ناط باللجنة العلمية لفحص الإنتاج العلمي للمتقدمين فحص موضوع رسالة الدكتوراه لكل من المتقدمين، وأن تمحص فيها بدقة، حتى تتأكد من تطابق التخصص الدقيق للرسالة مع الوظيفة المطلوب شغلها، وعلى اللجنة أن تقدم تقريرا مفصلا عن المهمة التى كلفت بها والنتيجة التى توصلت إليها، كما ناط بلجنة أخرى الاستماع إلى المرشحين للتحقق من كفايتهم للتدريس، وتتولى هذه المهمة اللجنة المنصوص على تشكيلها في المادة (60) من اللائحة التنفيذية المذكورة سالفا، حيث تقوم بتكليف المرشح بإعداد عدد محدود من الدروس، خلال مدة لا تقل عن أسبوع، يقوم بإلقائها أمام اللجنة، وعليها أن تقدم تقريرا عنه.

ومن ثم فإنه على وفق أحكام قانون تنظيم الجامعات ولائحته التنفيذية تكون قد نيطت هاتان المهمتان بلجنتين مختلفتين في التشكيل، وليس لجنة واحدة. (حكم المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 3001 لسنة 43ق.عليا بجلسة 4/11/2001).

وحيث إن المشرع بعد أن فصل شروط وقواعد التعيين في وظيفة مدرس على النحو المتقدم، أحال كيفية الإعلان إلى الفقرة الأولى من المادة (72) من القانون، التي أجازت لمجلس الجامعة أن يضمن الإعلان عن شغل وظائف أعضاء هيئة التدريس شروطا أخرى بالإضافة إلى الشروط المبينة في القانون، وهذه الشروط -حسبما استقر عليه إفتاء الجمعية العمومية- يتعين أن تكون من جنس الشروط التى أجملها القانون، بأن تكون متصفة بالعمومية والتجريد، لا أن تكون شروطا منطوية على تمييز منهي عنه، أو إخلال بالمساواة أو بتكافؤ الفرص، المكفولين بنص الدستور للمواطنين جميعا عند شغل الوظائف العامة، وعلى ذلك فلا يجوز أن يتضمن الإعلان قصر التعيين على خريجي كلية معينة أو سنة محددة؛ لما في ذلك من إخلال بمبدأي المساواة وتكافؤ الفرص، اللذين التزم بهما المشرع في الشروط التي حددها. (فتوى الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع رقم 37 بتاريخ 22/6/2003 ملف رقم 86/3/1023).

وحيث إنه بإعمال ما تقدم على وقائع الطعنين الماثلين، ولما كان الثابت من الأوراق أن جامعة حلوان قد أعلنت بتاريخي 9 و10/7/2005 -بموجب الإعلان رقم 12 لسنة 2005- عن حاجتها لشغل بعض وظائف أعضاء هيئة التدريس بكليات الجامعة عن طريق الإعلان فقط، ومن بينها وظيفة مدرس بقسم الأشغال الفنية والتراث الشعبي تخصص طباعة منسوجات بكلية التربية الفنية، واشترطت أن يكون المتقدم حاصلا على درجة الدكتوراه تخصص "طباعة منسوجات"، وأن يكون مستوفيا للشروط المنصوص عليها بقانون تنظيم الجامعات الصادر بالقرار بقانون رقم 49 لسنة 1972، والضوابط الموضوعة بمعرفة مجلس الجامعة، والخاصة بشرط السن، وتقدمت الطاعنة -في الطعن الأول- بالأوراق اللازمة والمطلوبة لشغل هذه الوظيفة، وتم تشكيل لجنة ثلاثية بقرار مجلس القسم من كل من أ. د/ ......- أستاذ طباعة المنسوجات ورئيس قسم الأشغال الفنية (الأسبق)، أ. د/ ......- أستاذ طباعة المنسوجات ووكيل الكلية لشئون خدمة المجتمع وتنمية البيئة، أ. د/ .......- أستاذ طباعة المنسوجات.

وقامت هذه اللجنة باستبعاد الطاعنة من الترشيح لشغل الوظيفة المعلن عنها؛ استنادا إلى أن الإعلان لا ينطبق على خريجي كلية التربية النوعية، والطاعنة من خريجي كلية التربية النوعية- قسم التربية الفنية- جامعة القاهرة، ومن ثم تم استبعادها، ووافق مجلس القسم بجلسته رقم 112 بتاريخ 31/10/2005 على قرار اللجنة، فعقدت اللجنة جلسة استماع للمطعون على تعيينها د/ ...... فقط دون باقي المتقدمات، وأعدت تقريرا انتهت فيه إلى قبول تعيين د/ ...... في وظيفة مدرس طباعة منسوجات بالكلية، ووافق مجلس القسم ومجلس الكلية على ترشيحها.

ولما كانت الجامعة قد أفصحت عن سبب تخطى الطاعنة في شغل تلك الوظيفة، وهو أنها ليست من خريجي كلية التربية الفنية- جامعة حلوان، فإنه وإن كان المشرع قد أجاز للجامعة أن تضيف شروطا أخرى غير تلك التى وردت في القانون بالنسبة لتعيين أعضاء هيئة التدريس، إلا أنه يجب أن تتسم تلك الشروط بالعمومية والتجريد، دون أن تنطوي على تمييز منهي عنه، أو إخلال بمبدأ المساواة وتكافؤ الفرص، الذي حرص الدستور على التأكيد عليه، ولا شك أن اشتراط شغل الوظائف بالجامعات لأعضاء هيئة التدريس من خريجي نفس الجامعة يخل بمبدأ تكافؤ الفرص والمساواة، وينطوي على تمييز نهى عنه المشرع.

هذا فضلا عن أن اللجنة الثلاثية المشكلة لفحص الأوراق، والتي هي لجنة الاستماع أيضا، من السادة الأساتذة المبينين سالفا، بها عضوان كانا ضمن لجنة مناقشة رسالة الماجستير والدكتوراه للمطعون على تعيينها، ومن ثم لا يجوز اشتراكهما في لجنة الاستماع للتعيين في الوظيفة المعلن عنها؛ وذلك مراعاة للحيدة والنزاهة في إعداد التقرير، مما يترتب عليه بطلان تقرير الاستماع.

ومتى كان ما تقدم يضحى مسلك الجهة الإدارية في إصدارها القرار المطعون عليه، وكذا حكم محكمة أول درجة قد خالفا صحيح حكم القانون، مما يستوجب الحكم بإلغائهما.

وحيث إنه لما كان الثابت من الأوراق أنه قد صدر قرار رئيس جامعة حلوان رقم 3148 لسنة 2013 بتاريخ 25/11/2013 بناء على موافقة مجلس الجامعة بجلسته رقم 18 بتاريخ 29/10/2013 بتعيين د/ ...... (الطاعنة في الطعن الأول) في وظيفة مدرس بقسم الأشغال الفنية والتراث الشعبي بكلية التربية الفنية- جامعة حلوان اعتبارا من 29/10/2013، وذلك تنفيذا لحكم محكمة القضاء الإداري بجلسة 22/1/2012 في الدعوى رقم 20404 لسنة 61ق، إلا أنه كان يجب على الجامعة حين قامت بتعيينها أن تجعل تعيينها اعتبارا من تاريخ موافقة الجامعة على تعيين المطعون على تعيينها د/...... في 27/8/2006، وليس اعتبارا من 29/10/2013، لاسيما أن قيامها بتعيين الطاعنة اعتراف منها بحقها في التعيين، ومن ثم كان يتعين عليها تعيينها اعتبارا من تاريخ موافقة الجامعة على تعيين المطعون على تعيينها والاعتراف بأقدميتها في الوظيفة منذ ذلك التاريخ، وإعمال هذا الأثر في التقدم للجان الترقيات مثل زميلتها المطعون على تعيينها سواء بسواء، وهو ما تقوم المحكمة بتصحيحه وإرجاع الأمر إلى نصابه الصحيح.

ومتى كان ما تقدم، فإنه يتعين الحكم بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من إلغاء القرار المطعون فيه إلغاء مجردا مع ما يترتب على ذلك من آثار، والقضاء مجددا بإلغاء القرار المطعون فيه الصادر عن مجلس جامعة حلوان بتاريخ 27/8/2006 فيما تضمنه من تخطى الطاعنة -في الطعن الأول- في التعيين في وظيفة مدرس بقسم الأشغال الفنية والتراث الشعبي- تخصص طباعة منسوجات- بكلية التربية الفنية- جامعة حلوان، مع ما يترتب على ذلك من آثار، أخصها تعيينها في هذه الوظيفة اعتبارا من تاريخ موافقة مجلس الجامعة على القرار المطعون فيه في 27/8/2006، وإعمال أثر ذلك في الدرجات الوظيفية اللاحقة من حيث الأقدمية والترقيات.

- وحيث إنه عن طلب الطاعنة الاحتفاظ بحقها في التعويض، فإنه لما كان الثابت من الأوراق أن الطاعنة -في الطعن الأول- لم تقم بطلب التعويض صراحة، بل طلبت حفظ حقها في طلب التعويض المناسب عن الأضرار المادية والأدبية التى أصابتها من جراء صدور القرار المطعون فيه، فإن عليها أن تقوم باتخاذ الإجراءات المقررة قانونا ورفع دعوى جديدة للمطالبة بالتعويض إن رأت ذلك، ومن ثم يكون طلبها هذا غير قائم على صحيح سنده من القانون، جديرا بالرفض.

ومتى كان ما تقدم، يضحى الطعن الأول رقم 11254 لسنة 58 ق.عليا قائما على صحيح سنده من القانون في شقه الخاص بطلب الإلغاء، جديرا بالقبول، وفاقدا لهذا السند في شقه الخاص بالتعويض، حريا بالرفض.

ويمسي الطعن الثاني رقم 11444 لسنة 58ق.عليا غير قائم على صحيح سنده من القانون، جديرا بالرفض.

وحيث إن من يخسر الطعن يلزم مصروفاته عملا بحكم المادة (184) مرافعات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة:

(أولا) بقبول الطعن رقم 11254 لسنة 58 ق. عليا شكلا، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء مجددا بإلغاء القرار المطعون فيه فيما تضمنه من تخطى الطاعنة في التعيين بوظيفة مدرس بقسم الأشغال الفنية والتراث الشعبي- تخصص طباعة منسوجات- بكلية التربية الفنية- جامعة حلوان، مع ما يترتب على ذلك من آثار، على النحو المبين بالأسباب، ورفض ما عدا ذلك من طلبات، وألزمت الجهة الإدارية مصروفاته.

و(ثانيا) بقبول الطعن رقم 11444 لسنة 58 ق. عليا شكلا، ورفضه موضوعا، وألزمت الجهة الإدارية مصروفاته.



الطعن 5117 لسنة 58 ق جلسة 6 / 1 / 2016 إدارية عليا مكتب فني 61 ج 1 ق 27 ص 377

جلسة 6 من يناير سظنة 2016
الطعن رقم 5117 لسنة 58 القضائية (عليا)
(الدائرة السادسة)
برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ عادل فهيم محمد عزب نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة المستشارين/ د. محمد عبد الرحمن القفطي، وعبد الفتاح أمين عوض الله الجزار، وسمير يوسف الدسوقي البهي، وعاطف محمود أحمد خليل. نواب رئيس مجلس الدولة
----------------
(أ‌) دعوى:
الصفة في الدعوى- تعلقها بالنظام العام- يلزم لصحة الخصومة القضائية أن تكون مُوجَّهةً من صاحب الشأن نفسه، أو من صاحب الصفة في تمثيله والنيابة عنه قانونًا أو اتفاقًا- التحقق من صفة الخصوم أمرٌ جوهري يتصل بالنظام العام للتقاضي، وبصفةٍ خاصة بالنسبة للدعاوى الإدارية، وعلى المحكمة التصدي له من تلقاء نفسها.

(ب‌) دعوى:
عوارض سير الخصومة- انقطاع سير الدعوى- مجرد وفاة الخصم أو فقده أهلية الخصومة يترتب عليه بذاته انقطاع سير الخصومة- لا يحصل هذا الانقطاع بمجرد بلوغ القاصر سن الرشد, حيث يحصل الانقطاع حينئذ بسبب ما يترتب على البلوغ من زوال صفة من كان يباشر الخصومة عن القاصر، فإذا بلغ القاصر سن الرشد بعد رفع الدعوى, ولم تنبه المحكمة إلى هذا التغيير, وترك من يباشر الخصومة عنه حتى تم حجزها للحكم، وصدر الحكم فيها, فإن حضور الولي أو الوصي في هذه الحالة عنه يكون منتجا لآثاره؛ إذ لم تزل صفة النائب هنا في تمثيل الأصيل, بل تغيرت فقط إلى نيابة اتفاقية بعد أن كانت قانونية.

- المادة (130) من قانون المرافعات المدنية والتجارية، الصادر بالقانون رقم 13 لسنة 1968، معدلا بموجب القانون رقم 23 لسنة 1992.

(ج) دعوى:
عوارض سير الخصومة- الحكم بوقف الدعوى جزائيا- شروطه- يتعين على المحكمة قبل أن تكلف المدعي بتتبع سير دعواه وتنفيذ ما تأمره به، أن تواجهه بهذا التكليف، ثم يثبت تقاعسه عن التنفيذ، أو تتيقن من إهماله في متابعته سير دعواه بعدم حضوره الجلسات المقررة لنظر الدعوى، مما يحول دون مواجهته بهذا التكليف- يجب على المحكمة أن تتثبت من إعلان المدعي بالجلسات المقررة لنظر دعواه، أو علمه بها، ثم يتقاعس عن الحضور لمتابعتها، فإذا أصدرت المحكمة حكما بالوقف الجزائي بدون ذلك، فإنها تكون قد أنزلت جزاء على المدعي دون مقتض- يجب أن يقوم حكم الوقف الجزائي على سنده الصحيح الذي يبرره.

- المادة (99) من قانون المرافعات المدنية والتجارية، الصادر بالقانون رقم 13 لسنة 1968، والمعدل بموجب القانونين رقمي 23 لسنة 1992 و18 لسنة 1999.

(د) دعوى:
عوارض سير الخصومة- الحكم بوقف الدعوى جزائيا- تحديد موقف المدعي ومصلحته في الدعوى من المسائل الموضوعية التي تقدرها المحكمة في ضوء المستندات والأوراق التي حواها ملف الدعوى، ومن ثم لا يجوز الحكم بوقف الدعوى جزائيا لعدم قيام المدعي بهذا التحديد.

(هـ) دعوى:
عوارض سير الخصومة- اعتبار الدعوى كأن لم تكن- سلطة المحكمة في الحكم باعتبار الدعوى كأن لم تكن بعد وقفها جزائيا- على وفق حكم المادة (99) من قانون المرافعات بعد تعديلها بموجب القانونين رقمي 23 لسنة 1992 و18 لسنة 1999 يجب الحكم باعتبار الدعوى كأن لم تكن، إذا سبق الحكم بوقفها، ولم يطلب المدعي السير فيها، أو لم ينفذ ما طلبته المحكمة- هذا الحكم يتعلق بالنظام العام.

- المادة (99) من قانون المرافعات المدنية والتجارية، الصادر بالقانون رقم 13 لسنة 1968، معدلا بموجب القانونين رقمي 23 لسنة 1992 و18 لسنة 1999.

(و) دعوى:
عوارض سير الخصومة- اعتبار الدعوى كأن لم تكن- الطعن في الحكم الصادر باعتبار الدعوى كأن لم تكن- لا يجوز الطعن على الحكم الصادر بالوقف الجزائي بسبب تقاعس المدعي عن تنفيذ ما أمرته به المحكمة- يجب على محكمة الطعن وهي بصدد إعمال رقابتها على الحكم الصادر باعتبار الدعوى كأن لم تكن، أن تمحص الحكم الصادر بالوقف الجزائي وأسبابه التي قام عليها؛ لكونه يمثل حجر الزاوية الذي بني عليه هذا الحكم، فإذا لم تتوفر الأسباب والموجبات التي تبرر الوقف الجزائي، انهار تبعا لذلك الأساس الذي قام عليه الحكم باعتبار الدعوى كأن لم تكن، مما يوقعه في حومة مخالفة القانون.

- المادة (99) من قانون المرافعات المدنية والتجارية، الصادر بالقانون رقم 13 لسنة 1968، معدلا بموجب القانونين رقمي 23 لسنة 1992 و18 لسنة 1999.

(ز) هيئة الشرطة:
أكاديمية الشرطة- طلاب كلية الشرطة- شروط قبولهم بها- مقومات الهيئة واتزان الشخصية- السلطة التقديرية للجنة القبول- حدودها- يتعين على لجنة قبول الطلاب حال استبعاد الطلبة الذين اجتازوا الاختبارات المقررة إذا لم تتوفر فيهم مقومات الهيئة العامة واتزان الشخصية، أن يكون قرارها بالاستبعاد قائما على أسبابه المبررة، ومستخلصا استخلاصا سائغا من أصول واقعية تبرره وتنتجه قانونا- إذا كان تقدير اللجنة لمدى استيفاء الطالب لمقومات الهيئة واتزان الشخصية هو مما تترخص فيه بما لها من سلطة تقديرية، إلا أن قرارها في هذا الشأن يجب أن يكون قائما على أسباب تبرره صدقا وحقا، وإلا كان مفتقرا لسببه- لا يكفي في ذلك الاستناد إلى عبارات عامة ومرسلة تكشف عن سلطة مطلقة عن أي قيد أو عاصم يحدها- عبء الإثبات في ذلك يقع على عاتق الجهة الإدارية، ولا يجوز في هذا المقام افتراض قيام القرار على سبب صحيح.

- المواد (7) و(10) و(11) و(12) من القانون رقم 91 لسنة 1975 بإنشاء أكاديمية الشرطة, معدلا بموجب القانونين رقمي 53 لسنة 1978 و30 لسنة 1994.

- المادتان (1) و(2) من اللائحة الداخلية لأكاديمية الشرطة، الصادرة بقرار وزير الداخلية رقم 864 لسنة 1976، معدلة بموجب القرارين رقمي 453 لسنة 1985 و3856 لسنة 1992، وقبل تعديلها بموجب القرار رقم 14162 لسنة 2001.

(ح) قرار إداري:
ركن السبب- إعفاء الإدارة من شرط تسبيب قرارها يتعلق بشكل القرار، ولا يعني إعفاءها من أن يكون قرارها قائما على سببه؛ لأن ركن السبب هو أحد أركان القرار الإداري، ويمثل الحالة الواقعية أو القانونية التي استندت إليها الإدارة في إصدار القرار.

(ط) قرار إداري:
قرينة الصحة- إذا كان القانون قد فصل الشروط والضوابط والمعايير اللازمة لإصدار قرار إداري، فإن من شأن توفر هذه الشروط والمعايير في حق صاحب الشأن أن تتزحزح قرينة الصحة المفترضة في قيام قرار الإدارة على أسبابه، وأن ينتقل عبء الإثبات فيما قام عليه القرار من أسباب جديدة ومغايرة ليقع على عاتق الإدارة.

(ي) إثبات:
قرينة النكول- مجال الأخذ بها- القاعدة العامة في الإثبات هي تحمل المدعي عبء إثبات ما يدعيه، وهذه القاعدة قوامها التكافؤ والتوازن بين طرفي الخصومة- يختلف الأمر في القضاء الإداري؛ لأن الجهة الإدارية تحوز وتمتلك أدلة الإثبات- ينقل هذا عبء الإثبات في الدعاوى المقامة ضد الجهات الإدارية إلى المدعى عليه (وهو الجهة الإدارية)، فبات عليها إثبات عدم صحة الواقعات الواردة بعريضة الدعوى أو الطعن، بينما يكتفي المدعي بالقول بوجودها وتأكيدها- إذا تقاعست الجهة الإدارية عن تقديم الأوراق والمستندات الدالة على نفي ادعاء المدعي، فإن هذا يكون قرينة على صحة ما يدعيه، إذا ما أكدتها شواهد وقرائن أخرى من الواقع وصحيح حكم القانون- القاضي الإداري يحافظ على حياده، ولا يحل محل أحد طرفي المنازعة، ولا ينحاز لأي منهما في هذا الخصوص.

- المادة (1) من قانون الإثبات في المواد المدنية والتجارية، الصادر بالقانون رقم 25 لسنة 1968.
--------------
الوقائع
في يوم الأربعاء الموافق 21/12/2011 أودع الأستاذ/... المحامي المقبول للمرافعة أمام المحكمة الإدارية العليا بصفته وكيلا عن الطاعنين، قلم كتاب المحكمة تقرير الطعن الماثل طعنا في الحكم الصادر عن محكمة القضاء الإداري بالقاهرة (الدائرة السادسة- تعليم) بجلسة 23/10/2011 في الدعوى رقم 1501 لسنة 55 القضائية، القاضي باعتبار الدعوى كأن لم تكن، وإلزام المدعي المصروفات.

وطلب الطاعنان في ختام تقرير الطعن -لما ورد به من أسباب- تحديد أقرب جلسة لنظر الطعن والحكم أولا: بقبول الطعن شكلا. ثانيا: وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء مجددا بإعادة الأوراق إلى محكمة القضاء الإداري لإلغاء القرار المطعون فيه، مع إلزام جهة الإدارة المصروفات ومقابل الأتعاب.

وقد تم إعلان تقرير الطعن على النحو المبين بالأوراق.

وأعدت هيئة مفوضي الدولة تقريرا بالرأي القانوني في الطعن ارتأت فيه الحكم بقبوله شكلا، ورفضه موضوعا، وإلزام الطاعنين المصروفات.

وتدوول نظر الطعن أمام الدائرة السادسة (فحص طعون) بالمحكمة الإدارية العليا بجلسات المرافعة على النحو الثابت بمحاضر جلساتها، إلى أن قررت تلك الدائرة إحالة الطعن إلى الدائرة السادسة (موضوع) بالمحكمة الإدارية العليا، التي نظرته بجلسات المرافعة أمامها على النحو الثابت بمحاضر جلساتها، حيث قدم الحاضر عن الطاعنين ثلاث حوافظ مستندات، طويت على المستندات المعلاة بغلافها، والتي منها صورة بطاقة الرقم القومي للطاعن الثاني تفيد أنه يشغل وظيفة ضابط شرطة برتبة نقيب، وشهادة صادرة عن وزارة الداخلية تفيد المضمون نفسه، وقد أرجأت المحكمة إصدار الحكم لجلسة اليوم، وبهذه الجلسة صدر، وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.
--------------
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة قانونا.

وحيث إنه عن شكل الطعن، فإنه متى كان قضاء هذه المحكمة قد استقر على أن الخصومة القضائية هي حالة قانونية تنشأ عن مباشرة الدعوى بالادعاء لدى القضاء، وقد حدد القانون إجراءات التقدم بهذا الادعاء الذي تنبني عليه الخصومة، ويلزم لصحتها أن تكون موجهة من صاحب الشأن نفسه، أو من جانب صاحب الصفة في تمثيله والنيابة عنه قانونا أو اتفاقا، وأن التحقق من صفة الخصوم أمر جوهري في انعقاد الخصومة، ويتصل بالنظام العام للتقاضي، وبصفة خاصة بالنسبة للدعاوى الإدارية، ويجب على المحكمة التصدي له للبت والنقض والتحقق من تلقاء نفسها.

وكان الثابت من الأوراق أن عناصر النزاع الماثل تدور حول مدى مشروعية القرار المطعون فيه فيما تضمنه من عدم قبول الطاعن الثاني (نجل الأول) بكلية الشرطة في العام الدراسي 2000/2001، وأنه من مواليد 28/9/1983 -طبقا للثابت بالرقم القومي الخاص به المودع الحافظة المقدمة للمحكمة بجلسة 29/7/2015- ومن ثم يكون قد بلغ سن الرشد القانونية (إحدى وعشرين سنة ميلادية كاملة) قبل إقامة الطعن الماثل في 21/12/2011 بسنوات، وأصبح أهلا لمباشرة حقوقه المدنية، ومنها حقه في التقاضي عن نفسه، فتنتفي عنه ولاية والده (الطاعن الأول بصفته)، ولا يكون للأخير صفة في النزاع، مما يتعين معه الحكم بعدم قبول الطعن بالنسبة له لرفعه من غير ذي صفة، مع الاكتفاء بذكر ذلك في الأسباب دون المنطوق، مع مراعاة أن هذا القضاء لا يتعارض واستمرار محكمة أول درجة في نظر الدعوى الصادر فيها الحكم محل الطعن في مواجهة المذكور (الطاعن الأول)، الذي أقامها بصفته وليا طبيعيا على نجله الذي لم يكن يملك أهلية التقاضي في وقتها، وإصدارها الحكم المطعون فيه على هذا الأساس، رغم بلوغ الطاعن سن الرشد قبل صدور الحكم المطعون فيه في 23/10/2011؛ إذ إنه من المقرر على وفق نص المادة (130) من قانون المرافعات( )، والتي تنص على أن: "ينقطع سير الخصومة بحكم القانون بوفاة أحد الخصوم، أو بفقده أهلية الخصومة، أو بزوال صفة من كان يباشر الخصومة عنه من النائبين، إلا إذا كانت الدعوى قد تهيأت للحكم في موضوعها. ..."، أن مفاد ذلك -وعلى ما جرى عليه القضاء وذهب إليه الفقه- أن مجرد وفاة الخصم أو فقده أهلية الخصومة يترتب عليه بذاته انقطاع سير الخصومة، أما بلوغ سن الرشد، فإنه لا يؤدي بذاته إلى انقطاع سير الخصومة، وإنما يحصل هذا الانقطاع بسبب ما يترتب على البلوغ من زوال صفة من كان يباشر الخصومة عن القاصر، وأنه مادامت الدعوى قد أقيمت من الولي الطبيعي بصفته، فيكون رفعها صحيحا، فإذا بلغ الابن سن الرشد القانونية أثناء سير الدعوى، ولم ينبه المحكمة بالتغيير الذي طرأ على حال الدعوى، وترك لوليه الطبيعي مباشرة الدعوى، فإن حضور الولي الطبيعي في هذه الحالة يكون رضائيا من الابن لوليه، ويكون حضوره -وعلى ما جرى به القضاء والفقه المصريان- حضورا منتجا لآثاره القانونية؛ ذلك لأنه ببلوغ القاصر سن الرشد أصبحت نيابة والده عنه نيابة اتفاقية، بعد أن كانت نيابة قانونية، ويكون حضوره في هذه الحالة برضائه، وتظل صفته قائمة في تمثيله، وينتج هذا التمثيل كل آثاره القانونية، ولا ينقطع سير الخصومة في هذه الحالة؛ لأنه ينقطع بزوال صفة النائب في تمثيل الأصيل، وهذه الصفة لم تزل هنا، بل تغيرت فقط، فبعد أن كانت نيابة قانونية، أصبحت اتفاقية، "على نحو ما قضت به هذه المحكمة بحكمها الصادر بجلسة 10/6/2015 في الطعن رقم 35600 لسنة 52 ق.ع"، ومن ثم فيكون الحكم المطعون فيه صدر سليما فيما يخص الصفة، أما المنازعة بالطعن على هذا الحكم، فتعتبر مرحلة تالية مستقلة عن مرحلة الدرجة الأولى، لذا يتعين تصدي المحكمة وتحققها من توفر الشروط والأوضاع المقررة قانونا لقبولها شكلا، ومنها شرط الصفة، وهو ما لم يتوفر بشأن الطاعن الأول الذي زالت ولايته الطبيعية عن نجله الطاعن الثاني قبل إقامة هذا الطعن.

وإذ استوفى الطعن أوضاعه الشكلية، فمن ثم يكون مقبولا قانونا.

وحيث إنه عن موضوع الطعن فإن عناصر هذه المنازعة إنما تخلص -حسبما يبين من الأوراق- في أنه بتاريخ 29/11/2000 أقام والد الطاعن (بصفته وليا طبيعيا على نجله وقتئذ) الدعوى رقم 1501 لسنة 55 القضائية أمام محكمة القضاء الإداري بالقاهرة (دائرة منازعات الأفراد- الثانية) طلب في عريضتها الحكم بقبول دعواه شكلا، وبوقف تنفيذ ثم إلغاء قرار جهة الإدارة بعدم قبول نجله (الطاعن) بكلية الشرطة في العام الدراسي 2000/2001، مع تنفيذ الحكم بمسودته بغير إعلان، وإلزامها المصروفات.

وقال المدعي بصفته -شرحا لدعواه- إن نجله المذكور حصل على الثانوية العام في العام الدراسي 1999/2000 بمجموع بلغت نسبته 80%، وتقدم للالتحاق بكلية الشرطة في هذا العام 2000/2001، واجتاز جميع الاختبارات المقررة، إلا أنه فوجئ بعدم قبوله بكلية الشرطة، ونعى على هذا القرار مخالفته القانون، وخلص لطلباته المبينة سالفا.

وتدوول نظر الشق العاجل من الدعوى بالجلسات أمام المحكمة -على النحو المبين بالمحاضر- وبجلسة 13/5/2001 قضت محكمة القضاء الإداري بالقاهرة (دائرة منازعات الأفراد الثانية) بقبول الدعوى شكلا، وبوقف تنفيذ القرار المطعون فيه فيما تضمنه من عدم قبول نجل المدعي بكلية الشرطة دفعة 2000/2001، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وأمرت بتنفيذ الحكم بمسودته الأصلية دون إعلان، وألزمت الجهة الإدارية المصروفات...

وشيدت المحكمة قضاءها -بعد استعراض المادتين (10) و(11) من القانون رقم 91 لسنة 1975 بإنشاء أكاديمية الشرطة، والمادة الثانية (فقرة أولى) من اللائحة الداخلية لأكاديمية الشرطة الصادرة بقرار وزير الداخلية رقم 864 لسنة 1976 والمعدلة بالقرار رقم 453 لسنة 1985- على أن البادي من ظاهر الأوراق أن نجل المدعي بصفته (الطاعن) حصل على شهادة إتمام الدراسة الثانوية في العام الدراسي 2000 بمجموع نسبته 80%، وأنه اجتاز جميع الاختبارات المقررة للقبول بكلية الشرطة، وهي المتعلقة بالقدرات واللياقة الطبية والرياضية والنفسية، علاوة على اجتيازه كشف الهيئة، وأن سنه حوالي سبعة عشر عاما، وأنه ينتمي إلى أسرة طيبة في الهيئة الاجتماعية، ولم تتمسك الجهة الإدارية في عدم قبوله إلا بسلطتها التقديرية، وما ارتأته لجنة القبول من عدم توفر مقومات الهيئة العامة واتزان الشخصية في نجل المدعي، وأن أوراق الدعوى جاءت خلوا من أي دليل يطمئن المحكمة إلى صحة هذا السبب، الذي ارتكنت إليه الجهة الإدارية في استبعاد المدعي، مع اجتيازه الاختبار النفسي والقدرات، وكلاهما يكشف عن توفر مقومات الهيئة العامة واتزان الشخصية، وأن الجهة الإدارية المدعى عليها نكلت عن تقديم محاضر أعمال لجنة الهيئة، وملف نجل المدعي وملفات آخر ثلاثة ممن قبلوا في الدفعة الاستثنائية في العام الدراسي 2000/2001، مع مقارنة حالاتهم وحالة نجل المدعي، رغم إعادة الدعوى للمرافعة لهذا السبب وتأجيلها وحجزها للحكم مع التصريح بمذكرات، ولكن دون جدوى، وهو ما يقيم قرينة لمصلحة نجل المدعي، مؤداها صحة ما تمسك به من اجتيازه كشف الهيئة وقبول الجهة الإدارية دفعة استثنائية بعد إعلان نتيجة القبول في العام الدراسي 2000/2001، وأن منهم من هم أقل منه في المجموع وأكبر في السن، ولو كان الأمر غير ذلك لسارعت الجهة الإدارية إلى تقديم المستندات التي تمكن المحكمة من مباشرة دورها الرقابي على أعمال الإدارة، وأنها لم تقدم مبررا معقولا لاستبعادهم ابتداء وقبولهم انتهاء، وظلت الجهة الإدارية معتصمة بسلطتها التقديرية، وإزاء هذا الوضع فلا مناص من الاعتصام بقواعد المساواة التي كفلها الدستور وأحكام القانون، وقواعد المفاضلة المنصوص عليها في اللائحة الداخلية، وبالتالي اللجوء إلى نسبة المجموع، وفي حالة التساوي يفضل الأصغر سنا، ومن ثم يكون نجل المدعي الأولى والأحق قانونا بالالتحاق بكلية الشرطة دفعة 2000/2001، ومن ثم يغدو القرار المطعون فيه -بحسب الظاهر من الأوراق- غير قائم على سبب صحيح يبرره، مما يصمه بمخالفة القانون، والانحراف في استعمال السلطة، مما يرجح معه إلغاء هذا القرار عند نظر الموضوع، الأمر الذي يتوفر به ركن الجدية، مع توفر ركن الاستعجال؛ لمساس القرار المطعون فيه بمستقبل نجل المدعي العلمي بحرمانه من استكمال دراسته بالكلية التي يرغبها، بما ينطوي على المساس بحقه الدستوري في التعليم، وخلصت المحكمة إلى القضاء بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه، مع ما يترتب على ذلك من آثار.

وقد أعدت هيئة مفوضي الدولة تقريرا مسببا بالرأي القانوني في الدعوى، ارتأت فيه الحكم بإلغاء القرار المطعون فيه، وإلزام الجهة الإدارية المصروفات.

ثم استأنفت محكمة القضاء الإداري نظر الدعوى -على النحو المبين بالمحاضر-، وبجلسة 8/5/2011 حكمت الدائرة السادسة (تعليم) بوقف الدعوى جزاء لمدة شهر؛ بسبب تقاعس المدعي عن تنفيذ تكليف المحكمة له بتحديد موقفه ومصلحته في الدعوى الآن، رغم تأجيل نظر الدعوى لهذا السبب أكثر من مرة.

وبجلسة 23/10/2011 أصدرت محكمة القضاء الإداري حكمها المطعون فيه، قاضية باعتبار الدعوى كأن لم تكن، وألزمت المدعي المصروفات.

وشيدت المحكمة قضاءها بعد استعراض نص المادة (99) من قانون المرافعات المدنية والتجارية رقم 13 لسنة 1968، وعلى أنه قد سبق للمحكمة أن قضت بجلسة 8/5/2011 المذكورة سالفا بوقف الدعوى جزاء لمدة شهر، وانقضت مدة الوقف دون أن ينهض المدعي لتنفيذ ما كلفته به المحكمة، ولم يطلب السير في دعواه، فمن ثم قضت المحكمة باعتبار الدعوى كأن لم تكن.

ونظرا إلى أن هذا القضاء لم يلق قبولا لدى الطاعنين، فقد طعنا عليه بالطعن الماثل، ونعيا عليه مخالفته القانون، والخطأ في تطبيقه، والفساد في الاستدلال؛ لأسباب حاصلها: 1- أن محكمة أول درجة استأنفت نظر الدعوى من الوقف الجزائي دون أن يتم إعلانهما بالجلسات المنوه عنها بالحكم، ومن ثم لم يوجه إليهما تكليف بأمر، ولا تنطبق المادة (99) من قانون المرافعات على وقائع الدعوى؛ لأن النص يخاطب العاملين بالمحكمة والخصوم الذين يتخلفون عن إيداع المستندات أو القيام بأي إجراء من إجراءات المرافعات، أما تحديد الموقف والمصلحة فهو ليس كذلك، لاسيما أن بحث المصلحة منوط بالمحكمة التي تبحث الموقف والمصلحة، خاصة أن المصلحة توفرت حال رفع الدعوى، وتم بحث ذلك في الشق العاجل وتقرير مفوضي الدولة وثابت بالأوراق. 2- أن محكمة أول درجة باشرت الإجراءات في مواجهة من زالت صفته في الدعوى، لأن الطاعن الثاني قد بلغ سن الرشد القانونية بتاريخ 28/9/2004، ومن ثم فإجراءاتها باطلة عملا بحكم المادة (132) من قانون المرافعات، والتي ترتب انقطاع الخصومة وقف جميع مواعيد المرافعات في حق الخصوم، وبطلان جميع الإجراءات التي تحصل أثناء الانقطاع.

وحيث إن المادة (99) من قانون المرافعات المدنية والتجارية، الصادر بالقانون رقم 13 لسنة 1968، معدلا بالقانونين رقمي 23 لسنة 1992 و18 لسنة 1999، تنص على أن: "تحكم المحكمة على من يتخلف من العاملين بها أو من الخصوم عن إيداع المستندات أو عن القيام بأي إجراء من إجراءات المرافعات في الميعاد الذي حددته له المحكمة بغرامة لا تقل عن أربعين جنيها... ويكون ذلك بقرار يثبت في محضر الجلسة له ما للأحكام من قوة تنفيذية. ولا يقبل الطعن فيه بأي طريق... ويجوز للمحكمة بدلا من الحكم على المدعي بالغرامة أن تحكم بوقف الدعوى لمدة لا تجاوز شهرا بعد سماع أقوال المدعى عليه. وإذا مضت مدة الوقف ولم يطلب المدعي السير في دعواه خلال الخمسة عشر يوما التالية لانتهائها، أو لم ينفذ ما أمرت به المحكمة، حكمت المحكمة باعتبار الدعوى كأن لم تكن"( ).

وحيث إن مفاد هذا النص -وعلى ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة- أن المشرع حدد في المادة (99) من قانون المرافعات المدنية والتجارية، معدلة بالقانونين رقمي 23 لسنة 1992 و18 لسنة 1999، الحد الأقصى لمدة الوقف الجزائي التي تقضي بها المحكمة لتخلف المدعي عن تقديم المستندات، أو القيام بأي إجراء من إجراءات المرافعات خلال الأجل الذي تحدده المحكمة، بشهر واحد، وأنه يجب على المحكمة إذا تقاعس المدعي عن تعجيل الدعوى من الوقف خلال الخمسة عشر يوما التالية لانقضاء مدة الوقف، أو في حالة عدم تنفيذه لما أمرت به المحكمة، وكان سببا في وقف الدعوى، أن تقضي باعتبار الدعوى كأن لم تكن، ولا تتمتع المحكمة طبقا لحكم المادة المذكورة سالفا بعد تعديلها بالقانونين المشار إليهما بسلطة تقديرية في القضاء باعتبار الدعوى كأن لم تكن، حسبما كانت تنص عليه تلك المادة قبل تعديلها، وذلك حتى لا يلجأ بعض المتقاضين إلى إطالة أمد النزاع بما يؤدي إلى زيادة عدد القضايا أمام المحاكم، وفي ضوء صراحة النص وما يستهدفه المشرع من تعديل المادة المشار إليها، يكون الحكم باعتبار الدعوى كأن لم تكن من النظام العام، بحيث يتعين على المحكمة الحكم به في حالة ما إذا كان قد سبق لها أن قضت بوقف الدعوى جزاء لتقاعس المدعي عن تقديم المستندات أو عن اتخاذ الإجراء الذي أمرت به المحكمة خلال الميعاد الذي حددته، وانقضت مدة الوقف، ولم يطلب المدعي السير في الدعوى خلال الخمسة عشر يوما التالية لانقضاء مدة الوقف، أو لم ينهض لتنفيذ ما أمرت به المحكمة وكان سببا لوقف الدعوى. (حكم المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 1807 لسنة 53 القضائية عليا بجلسة 26/12/2012).

وحيث إنه من المستقر عليه على وفق نص المادة (99) من قانون المرافعات المدنية والتجارية المشار إليها -وطبقا لما جرى عليه قضاء هذه المحكمة في شأنها- أن الحكم الصادر بالوقف الجزائي بسبب تقاعس المدعي عن تنفيذ ما أمرته به المحكمة لا يجوز الطعن عليه، فمن ثم أضحى لزاما على محكمة الطعن وهي بصدد إعمال رقابتها على الحكم الصادر باعتبار الدعوى كأن لم تكن أن تمحص هذا الحكم (الوقف الجزائي) وأسبابه التي قام عليها؛ لكونه يمثل حجر الزاوية التي ابتنى عليها الحكم الأخير، فإذا لم تتوفر من الأسباب والموجبات التي تبرر الوقف الجزائي حقا وصدقا، انهار تبعا لذلك -حتما وبحكم اللزوم- الأساس الذي قام عليه الحكم باعتبار الدعوى كأن لم تكن، مما يوقعه في حومة مخالفة القانون.

ونزولا على هدي ما تقدم، ولما كان الثابت من الأوراق أنه قد صدر حكم عن محكمة القضاء الإداري بالقاهرة (دائرة منازعات الأفراد الثانية) في الشق العاجل من الدعوى محل الحكم الطعين بجلسة 13/5/2001، الذي قضى منطوقه بقبول الدعوى شكلا، وبوقف تنفيذ القرار المطعون فيه فيما تضمنه من عدم قبول نجل المدعي بكلية الشرطة دفعة 2000/2001، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وأمرت بتنفيذ الحكم بمسودته الأصلية دون إعلان، وألزمت الجهة الإدارية المصروفات...، وأن الدعوى أحيلت إلى هيئة مفوضي الدولة، والتي قامت بتحضيرها بالجلسات -على النحو المبين بمحاضرها- والتي قدم خلالها والد الطاعن بصفته بجلسة 17/6/2002 حافظة مستندات طويت على المستندات المعلاة بالغلاف، والتي من بينها صورة ضوئية لكارنيه يفيد قيد نجله -الطاعن- بالسنة الأولى بكلية الشرطة في العام 2001/2002، ومستندات أخرى تفيد المضمون نفسه، كما قدم بجلسة 28/10/2002 حافظة أخرى، طويت على إيصال يفيد سداد المصروفات المقررة على نجله في الفرقة الثانية بالكلية المذكورة سالفا مؤرخ في 29/9/2002، وقدم نائب الدولة مذكرة دفاع طلب فيها الحكم بعدم قبول الدعوى لزوال شرط المصلحة؛ تأسيسا على أنه تم قبول نجل المدعي بصفته بالكلية للعام الدراسي 2001/2002، وقد أودعت هيئة مفوضي الدولة تقريرا بالرأي القانوني في موضوع الدعوى في شهر مارس عام 2003، ارتأت فيه الحكم بإلغاء القرار المطعون فيه، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وإلزام جهة الإدارة المصروفات، إلا أن هذا التقرير لم يعرض أمام المحكمة إلا بجلستها المنعقدة في 28/2/2010، وتدوول أمامها بالجلسات التي كان آخرها 24/4/2011، والتي قررت فيها حجز الدعوى للحكم بجلسة 8/5/2011، والتي حكمت فيها بوقف الدعوى جزاء؛ تأسيسا على تقاعس المدعي عن تنفيذ ما كلفته به المحكمة من تحديد موقفه ومصلحته في الدعوى.

فإنه ولئن كان المدعي ملزما بتتبع سير دعواه وتنفيذ ما تكلفه به المحكمة، ليعينها على تحقيق العدالة وسرعة حسم النزاع، بيد أنه يتعين على المحكمة أن تواجه المدعي بهذا التكليف ثم يثبت تقاعسه عن التنفيذ، أو تتيقن من إهماله في متابعته سير دعواه بعدم حضوره الجلسات المقررة لنظر الدعوى مما يحول دون مواجهته بهذا التكليف، (ففي كلتا الحالتين يسوغ نعته بالتقاعس عن تنفيذ أمر المحكمة)، وهو ما يوجب على المحكمة -بداية- التزاما بأن تتثبت من إعلانه بالجلسات المقررة لنظر دعواه، أو علمه بها، ثم يتقاعس عن الحضور لمتابعتها، وبدون ذلك تكون المحكمة قد أنزلت جزاء على المدعي دون مقتض؛ إذ لم تقم عليه الحجة التي تسوغ مؤاخذته على هذا المسلك، وفي الحالة الماثلة فإنه ولئن كان والد الطاعن بصفته لم يحضر أيا من الجلسات التالية لاستئناف المحكمة لنظر الشق الموضوعي من الدعوى الصادر فيها الحكم محل الطعن بعد إعداد تقرير هيئة مفوضي الدولة واستئناف نظرها، إلا أن الأوراق قد جاءت خلوا مما يطمئن هذه المحكمة إلى تحقق إعلانه بالجلسات التي تقررت لنظرها أو علمه بها، إذ لم يوجه إليه في هذا الشأن إلا إخطار واحد مؤرخ في 16/2/2010 لجلسة 28/2/2010، ولم يثبت تحقق علم المدعي به -وهو غير كاف بذاته بتحقق العلم بالجلسة المقررة لنظر الدعوى وما تلاها، خاصة أنه وجه على عنوان مكتب محاميه المختار استنادا لوجود علاقة وكالة بينهما قد انفصمت عراها في واقع الحال، بمضي العديد من السنوات من تاريخ صدور حكم محكمة أول درجة في الشق العاجل وإلى تاريخ استئنافها نظر الدعوى بعد إعداد التقرير بالرأي القانوني، على نحو ما سلف بيانه-، ومن ثم مما يجافي العدالة وينطوي على إخلال بحق الدفاع أن تتم مجازاة المدعي بوقف دعواه لتقاعسه عن تنفيذ تكليف لم يثبت تحقق علمه به، على نحو ما قضت به محكمة أول درجة بجلسة 8/5/2011.

فضلا عن أن موقف الطاعن قد أظهرته المستندات المقدمة من والده بصفته أمام هيئة مفوضي الدولة والتي حواها ملف الدعوى، ومذكرة دفاع الدولة، التي أفادت جميعها أنه قيد بالفرقة الأولى بكلية الشرطة للعام الدراسي 2001/2002، ثم انتقل للفرقة الثانية في العام التالي بسداده مصروفات الدراسة في 29/9/2002 -على نحو ما سلف ذكره-، ومن ثم فالسؤال عن موقفه الحالي غير جوهري؛ باعتبار أنه على وفق المجرى العادي للأمور قد أنهى دراسته بالكلية، كما أن مصلحته في الدعوى تعتبر من المسائل الموضوعية التي تقدرها المحكمة، خاصة أن الشق العاجل من الدعوى لا يتعارض في شيء من شقها الموضوعي، مادام رفعها أمام المحكمة نفسها، واختصت وحدها للتصدي لهما، والفصل في الشق الموضوعي يجب ما قبله ويستغرقه، وابتناء على ذلك يكون حكم الوقف الجزائي قد افتقد لسنده الصحيح الذي يبرره، وينهار من ثم الحكم المطعون فيه القاضي باعتبار الدعوى كأن لم تكن؛ الذي اتخذ من الحكم الأول ركيزة ومقاما، مما يتعين معه القضاء بإلغاء هذا الحكم.

وحيث إن الدعوى مهيأة للفصل فيها، وحرصا على اختصار مدد التقاضي؛ لذا تتصدى هذه المحكمة لبحث الدعوى الصادر فيها الحكم المطعون فيه المقضي بإلغائه.

وحيث إنه عن الموضوع، فإن المادة (7) من القانون رقم 91 لسنة 1975 بإنشاء أكاديمية الشرطة تنص على أن: "يختص مجلس إدارة الأكاديمية بما يأتي:...

(2) وضع نظام قبول الطلاب والدارسين بالأكاديمية وتحديد أعدادهم بما يتفق مع سياسة الوزارة وحاجاتها العملية. ...".

وتنص المادة (10) من القانون نفسه، المعدلة بالقانونين رقمي 53 لسنة 1978 و30 لسنة 1994، على أن: "يشترط فيمن يقبل بكلية الشرطة وقسم الضباط المتخصصين:... (1)... (2)... (3)... (4)... (5) أن يكون مستوفيا شروط اللياقة الصحية والبدنية والسن التي يحددها المجلس الأعلى للأكاديمية. (6)...

(7) بالنسبة لطلبة كلية الشرطة يختارون من بين المتقدمين من المصريين الحاصلين على شهادة إتمام الدراسة الثانوية العامة، مع مراعاة النسبة المئوية لمجموع درجات النجاح، وذلك وفقا للشروط والأوضاع التي يقررها المجلس الأعلى للأكاديمية".

وتنص المادة (11) من القانون نفسه، المستبدلة بموجب القانون رقم 30 لسنة 1994، على أن: "تشكل لجنة قبول الطلاب بكلية الشرطة برئاسة رئيس الأكاديمية، وعضوية كل من:

1- نائب رئيس الأكاديمية.

2- نائب رئيس قطاع مباحث أمن الدولة.

3- مدير كلية الشرطة.

4- مدير الإدارة العامة لشئون الضباط.

5- وكيل مصلحة الأمن العام.

ولا تكون قراراتها نافذة إلا بعد اعتمادها من وزير الداخلية".

وتنص المادة (12) من القانون المشار إليه على أنه: "... وتنظم اللائحة الداخلية أوضاع وإجراءات قبول الطلاب ونظام التثبت من الصلاحية".

ونفاذا للنص الأخير فقد صدرت اللائحة الداخلية لأكاديمية الشرطة بموجب قرار وزير الداخلية رقم 864 لسنة 1976، والمعدل بالقرارين رقمي 453 لسنة 1985، و3856 لسنة 1992، ونصت في المادة (1) منها، قبل تعديلها بالقرار رقم 14162 لسنة 2001 الصادر في 4/8/2001، على أن: "يكون نظام قبول الطلبة الجدد وفقا لما يأتي:

1- قبول الطلبات: 2-... 3-... 4-...

5- المفاضلة: تكون المفاضلة بين الطلبة راغبي الالتحاق -الذين تتوافر فيهم الشروط السابقة- على أساس نسبة مجموع الدرجات الحاصل عليها الطالب في شهادة الثانوية العامة، وفي حالة التساوي يفضل الأصغر سنا.

ولا تدخل درجات النجاح في اللياقة البدنية أو في اختبار القدرات ضمن عناصر المفاضلة بين المتقدمين".

ونصت المادة (2) من اللائحة نفسها على أن: "تتولى اللجنة المنصوص عليها في المادة (11) من القانون رقم 91 لسنة 1975 المشار إليه، استبعاد الطلبة الذين اجتازوا الاختبارات المقررة إذا لم تتوفر فيهم مقومات الهيئة العامة أو اتزان الشخصية أو صلاحية البيئة أو التحريات الجدية المناسبة، على أن تقوم باختيار العدد المطلوب من الباقين حسب ترتيب الدرجات التي حصلوا عليها في شهادة الثانوية العامة. ...".

وحيث إن مفاد ما تقدم أنه لضمان أداء هيئة الشرطة لواجبها في خدمة الشعب، وكفالة الطمأنينة والأمن للمواطنين، والسهر على حفظ النظام والأمن العام والآداب، وتنفيذ ما تفرضه عليها القوانين واللوائح من واجبات، فقد حرص المشرع في القانون رقم 91 لسنة 1975 بإنشاء أكاديمية الشرطة واللائحة الداخلية للأكاديمية المشار إليهما على وضع الشروط والضوابط والإجراءات التي تكفل انتقاء أفضل العناصر للقبول بكلية الشرطة من بين المتقدمين للالتحاق بها، حيث اشترط في المادة (10) من القانون فيمن يقبل بالكلية أن يكون مصري الجنسية، وأن يكون محمود السيرة حسن السمعة، وألا يكون قد حكم عليه بعقوبة جناية أو بعقوبة مقيدة للحرية في جريمة مخلة بالشرف والأمانة، وألا يكون قد سبق فصله من خدمة الحكومة بحكم أو بقرار تأديبي نهائي، وأن يكون من الحاصلين على شهادة إتمام الدراسة الثانوية العامة على وفق النسبة المئوية لمجموع درجات النجاح التي يقررها المجلس الأعلى للأكاديمية، وألا يكون متزوجا بأجنبية، وأن يكون مستوفيا لشروط اللياقة الصحية والبدنية والسن التي يحددها المجلس الأعلى للأكاديمية، وعهد في المادة (12) إلى اللائحة الداخلية بتنظيم أوضاع وإجراءات قبول الطلاب، وشكل في المادة (11) لجنة قبول الطلاب برئاسة رئيس الأكاديمية وعضوية عدد من قيادات هيئة الشرطة، وقد بينت اللائحة الداخلية نظام القبول بالكلية، سواء من حيث الحد الأدنى لدرجة النجاح في شهادة إتمام الدراسة الثانوية العامة، أو عدد المقبولين، واللذين يحددهما سنويا مجلس الأكاديمية، كما حددت الحد الأدنى لطول قامة الطالب ومتوسط عرض صدره والحد الأقصى لسن القبول، كما نظمت شروط اللياقة الصحية، وكذا الاختبارات النفسية التي تجريها لجان من الإخصائيين، وتستعين لجنة قبول الطلاب بنتائج هذه الاختبارات في تقدير اتزان شخصية الطالب، ونظمت اللائحة اختبارات اللياقة البدنية، كما نظمت اختبارات القدرات، ويتم فيها الكشف عن قوى وذكاء الطالب وفطنته وسرعة بديهته ودرجة ثقافته ومعلوماته العامة، وخولت اللائحة في المادة (2) منها لجنة قبول الطلاب المنصوص عليها في المادة (11) من القانون سلطة استبعاد الطلبة الذين اجتازوا الاختبارات المقررة، إذا لم تتوفر فيهم مقومات الهيئة العامة أو اتزان الشخصية أو صلاحية البيئة أو التحريات الجدية المناسبة، على أن تقوم باختيار العدد المطلوب من الباقين، حسب ترتيب الدرجات التي حصلوا عليها في شهادة الثانوية العامة، وفي حالة التساوي يفضل الأصغر سنا، وإذا كان تقدير اللجنة لمدى استيفاء الطالب لمقومات الهيئة واتزان الشخصية هو مما تترخص فيه، بما لها من سلطة تقديرية، إلا أن قرارها في هذا الشأن يجب أن يكون قائما على أسباب تبرره صدقا وحقا، ومستخلصا استخلاصا سائغا من أصول تنتجه واقعا وقانونا؛ ذلك أنه وخلافا لما جرت به بعض الأحكام -حكم المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 3220 لسنة 40ق. عليا بجلسة 13/8/1995 والأحكام المتواترة التي سارت على نهجه- من أن القانون لم يحدد أي إطار أو ضابط خاص يتعين على اللجنة المشار إليها الالتزام به عند قيامها باستبعاد من ترى عدم توفر مقومات الهيئة العامة أو اتزان الشخصية في شأنهم، فيما عدا الضابط العام الذي يحد جميع تصرفات الإدارة، وهو واجب عدم الانحراف بالسلطة، -خلافا لهذه الأحكام- فإن سلطة اللجنة تجد حدها الطبيعي فيما نص عليه القانون من شروط للقبول، وبينت اللائحة الداخلية أوضاعه وإجراءاته، على نحو يتناول حالة الطالب من حيث التأهيل العلمي، وسنه، وطول قامته ومتوسط عرض صدره، ولياقته الصحية (عضوية ونفسية)، ولياقته البدنية وأداؤه الرياضي، وأخيرا مستوى ذكائه وفطنته وسرعة بديهته وثقافته ومعلوماته العامة، وكل هذه الأمور وضع المشرع معايير وضوابط للتثبت منها، واستبعاد من لا تتوفر فيه النسبة المقررة لاجتيازها، وكثير من هذه العناصر مما يدخل بحسب طبائع الأشياء ضمن مقومات الهيئة العامة واتزان الشخصية، ومن ثم يتعين على لجنة القبول -وهي بصدد إعمال سلطتها في استبعاد من لا تتوفر فيه هذه المقومات- أن يكون قرارها قائما على أسبابه المستخلصة استخلاصا سائغا ومقبولا من وقائع محددة تنتجها وتبررها واقعا و قانونا، وإلا كان قرارها مفتقرا لسببه، ولا يكفي في ذلك الاستناد إلى عبارات عامة ومرسلة، تكشف عن سلطة مطلقة عن أي قيد أو عاصم يحدها، مما يجعل قرارها بمنأى عن أية رقابة قضائية، بالمخالفة لنص المادة (68) من الدستور التي تحظر النص في القوانين على تحصين أي عمل أو قرار إداري من رقابة القضاء، وتفرغ شروط القبول ومعاييره وضوابطه وإجراءاته التي حددها القانون وفصلته اللائحة الداخلية من محتواها، وتجردها من أي معنى، مادام أن اللجنة تستطيع بما لها من سلطة مطلقة استبعاد من توفرت فيه شروط القبول واجتاز جميع الفحوص والاختبارات المقررة، ودون أن تفصح عما استندت إليه في قرارها من أسباب جديدة ومغايرة، على نحو يمكن من إعمال الرقابة القضائية في شأنها، ليتبين مدى صحتها من ناحية الواقع والقانون، ولا محاجة في هذا الشأن في أن المشرع لم يلزم اللجنة بتسبيب قرارها؛ لأن مثل هذا النص يتعلق بشكل القرار، وعدم وجوده لا يعني إعفاء الإدارة من أن يكون قرارها قائما على سببه؛ باعتبار أن ركن السبب هو أحد أركان القرار الإداري، ويمثل الحالة الواقعية أو القانونية التي استندت إليها في إصدار القرار، ولا يجوز في هذا المقام افتراض قيام القرار على سبب صحيح؛ لأنه في ضوء ما فصله القانون واللائحة الداخلية من شروط وضوابط ومعايير للقبول يكون من شأن توفر هذه الشروط والمعايير في حق الطالب الماثل أمام اللجنة أن تزحزح قرينة الصحة المفترضة في قيام قرار اللجنة على أسبابه، وتنقل عبء الإثبات فيما قام عليه قرار الاستبعاد من أسباب جديدة ومغايرة على عاتق اللجنة، وليس على عاتق الطالب. (حكم المحكمة الإدارية العليا -دائرة توحيد المبادئ- في الطعن رقم 1012 لسنة 45ق.ع بجلسة 4/7/2002).

كما سبق لهذه المحكمة أن قضت بأن المشرع استن الشروط ووضع الضوابط التي يتم بهدي منها يتم اصطفاء بعض العناصر من بين المتقدمين للالتحاق بكلية الشرطة، وبحيث لا يتم قبول إلا من كان مؤهلا للدراسة بها، وتحمل تبعات مهام وظيفته التي يلحق بها بعد تخرجه وأقدر عليها، ليكون معاونا سريعا وفعالا في تحقيق السياسة الأمنية التي تضطلع بها هيئة الشرطة، فوضع المشرع شروطا يجب أن تتوفر ابتداء في شأنهم، مستمد أغلبها من اللياقة البدنية والصحية والنفسية، وتقوم على الوقوف على توفرها لجان متخصصة، ثم ناط بلجنة الاختيار المفاضلة بين من اجتازوا هذه الاختبارات، وقدر لها مئتي درجة من الدرجات الاعتبارية المقررة للاختبارات، واعتبر عدم الحصول على خمسين في المئة من مجموع هذه الدرجات المقررة للجنة الاختيار سببا للاستبعاد من القبول بالكلية، وجعل تقديرها على أساس من درب موحد بسطه الشارع، على نحو لا يجوز الانعطاف عنه؛ إذ يبين العناصر التي تكون محلا لتقديرها، وهو تقدير تتمتع اللجنة بشأنه بجانب من السلطة التقديرية في جانبه الموضوعي، لا تتعرض له المحكمة -في هذا الإطار- ما دامت قد التزمت في إعمال سلطتها التقديرية الضوابط التي حددها المشرع حدا من إطلاقها، واعتبرها تخوما لها لا يجوز تخطيها، وبقيد حاصله ألا تتعسف الإدارة في استعمال سلطتها، أو تنحرف عن مرامها إلى غاية أخرى لم يقصدها المشرع عندما خولها هذا الاختصاص التقديري، مما يبدد -عمدا أو إهمالا- هذه الغاية، وينحل عصفا بها، منافيا الحق في الالتحاق بكلية الشرطة -رغم توفر موجباته- فلا يظهر هذا الحق بوصفه شيئا مصونا، بل ركاما وعبثا عريضا، بما من شأنه أن يلحق بنفوس المتطلعين إلى ذلك ضررا يميد بأقدامهم، فلا يخلص للسياسة الأمنية مقوماتها التي تكفل انتظامها وحسن أدائها، بل يكون ترديا مؤثرا في بنيانها مؤذنا بانقضاض دعائمها. (الحكم الصادر عن هذه المحكمة بجلسة 1/7/2014 في الطعن رقم 7145 لسنة 59 ق.ع).

وحيث إنه ولئن كان من المقرر على وفق المادة (1) من قانون الإثبات في المواد المدنية والتجارية، الصادر بالقانون رقم 25 لسنة 1968، والتي تنص على أنه: "على الدائن إثبات الالتزام، وعلى المدين إثبات التخلص منه". وبذلك حددت القاعدة العامة في الإثبات، وهي تحمل المدعي عبء إثبات ما يدعيه، أي إثبات الواقعات التي يترتب عليها الآثار القانونية المتنازع عليها، وهذه القاعدة قوامها التكافؤ والتوازن بين طرفي الخصومة، فكل منهما في المركز القانوني نفسه، وبمكنته إثبات ما يراه بكل وسائل الإثبات، وللآخر أن يدرأ عن نفسه كل ما ينسب إليه أيضا بالوسائل نفسها.

ولئن كانت هذه هي القاعدة العامة في الإثبات، بيد أن الأمر يختلف في القضاء الإداري؛ لأن الجهة الإدارية وهي الطرف في كل دعوى إدارية تحوز وتملك أدلة الإثبات، وفي الأغلب الأعم تكون في مركز المدعى عليه في الدعاوى الإدارية، في حين يقف الطرف الآخر وهو المدعي أعزل من هذه الأدلة، الأمر الذي يفتقد معه التوازن والتكافؤ المفترض بين أطراف الدعوى الإدارية، وهو ما يجعل عبء الإثبات في الدعاوى الإدارية ينتقل إلى المدعى عليه وهي الجهة الإدارية، وبات عليها إثبات عدم صحة الواقعات الواردة بعريضة الدعوى أو الطعن، بينما يكتفي المدعي بالقول بوجودها وتأكيدها، ويترتب على ذلك أنه إذا ما تقاعست الجهة الإدارية عن تقديم الأوراق والمستندات الدالة على نفي ادعاء المدعي، فإن هذا يكون قرينة على صحة ما يدعيه رافع الدعوى، إذا ما أكدتها شواهد وقرائن أخرى من الواقع وصحيح حكم القانون، وهنا يبرز الدور الإيجابي للقاضي الإداري وإمكاناته في تقصي الحقيقة، محافظا على حياده، فلا يحل محل أحد طرفي المنازعة، ولا ينحاز لأي منهما في هذا الخصوص. (في هذا المعنى حكم المحكمة الإدارية العليا -دائرة توحيد المبادئ- في الطعن رقم 27412 لسنة 52ق.ع بجلسة 3/4/2010).

وترتيبا على ما تقدم، ولما كان الثابت من الأوراق أن الطاعن قد حصل على الثانوية العامة -شعبة علمي علوم- عام 2000 بمجموع بلغت نسبته 80%، وتقدم بأوراقه للالتحاق بكلية الشرطة في العام الدراسي 2000/2001، وتمسك في دعواه أنه اجتاز جميع الاختبارات المقررة للقبول بكلية الشرطة، وهي المتعلقة بالقدرات واللياقة الطبية والرياضية والنفسية، علاوة على تمسكه باجتيازه كشف الهيئة، وأن سنه كانت في حينها حوالي سبعة عشر عاما، وأنه ينتمي إلى أسرة طيبة في الهيئة الاجتماعية، ولم تتمسك الجهة الإدارية في عدم قبوله إلا بسلطتها التقديرية، وبما ارتأته لجنة القبول من عدم توفر مقومات الهيئة العامة واتزان الشخصية فيه، ولما كانت الأوراق قد جاءت خلوا من أي دليل يطمئن المحكمة إلى صحة هذا السبب، الذي ارتكنت إليه جهة الإدارة في استبعاده، مع اجتيازه الاختبار النفسي والقدرات، وكلاهما يكشف عن مقومات الهيئة العامة واتزان الشخصية في شأنه، لاسيما أن الجهة الإدارية قد نكلت عن تقديم محاضر أعمال لجنة الهيئة، وملف الطاعن وملفات أخرى لثلاثة ممن قبلوا في الدفعة الاستثنائية في العام 2000/2001، مع مقارنة حالاتهم بحالته، رغم تداول نظر الدعوى أمام محكمة أول درجة وإعادتها للمرافعة لهذا السبب وتأجيلها، وحجزها للحكم مع التصريح بمذكرات ومستندات، ولكن دون جدوى، وهو ما يقيم قرينة لمصلحته، مؤداها صحة ما تمسك به من اجتيازه كشف الهيئة، وقبول الجهة الإدارية دفعة استثنائية بعد إعلان نتيجة القبول في العام 2000/2001 المشار إليه، وأن منهم من هم أقل منه في المجموع وأكبر منه في السن، وهو ما لا مناص معه من الحكم بإلغاء القرار المطعون فيه فيما تضمنه من عدم قبوله بكلية الشرطة في العام الدراسي 2000/2001، مع ما يترتب على ذلك من آثار.

وحيث إن من أصابه الخسران في الطعن يلزم مصروفاته عملا بحكم المادة (184) من قانون المرافعات المدنية والتجارية.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء مجددا بإلغاء القرار المطعون فيه فيما تضمنه من عدم قبول الطاعن بكلية الشرطة في العام الدراسي 2000/2001، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وألزمت جهة الإدارة المصروفات.