جلسة 29 من إبريل سنة 1986
برئاسة السيد المستشار: جلال الدين انسي نائب رئيس المحكمة وعضوية
السادة المستشارين: محمد راسم، مدحت المراغي نائبي رئيس المحكمة، جرجس اسحق ود.
رفعت عبد المجيد.
----------------------
(106)
الطعون
أرقام 1412، 1468 و1495 لسنة 50 القضائية
(1)اختصاص "اختصاص ولائي". حراسة "حراسة إدارية".
نقض الخصومة في الطعن".
اختصاص محكمة القيم بنظر
المنازعات المتعلقة بالحراسات التي فرضت قبل العمل بالقانون 34 لسنة 1971. نطاقه.
م 6 ق 141 لسنة 1981. الطعن بالنقض في حكم نهائي صادر قبل العمل بالقانون المذكور.
اختصاص محكمة النقض وحدها بنظره. علة ذلك. اختلاف خصومة الطعن بالنقض عن الخصومة
أمام محكمة الموضوع. خصومة الطعن بالنقض. ماهيتها.
(2) إعلان
"إعلان المقيمين بالخارج". موطن.
إعلان صحف الدعاوى
والطعون للأشخاص الذين لهم موطن معلوم بالخارج. تمامه بتسليم الصورة للنيابة.
(3)قانون "تنازع
القوانين من حيث المكان". معاهدات. حراسة "الحراسة الإدارية".
الاتفاقات الدولية
الجماعية. قصر سريان أحكامها على الدول التي انضمت إليها. مؤدى ذلك. سريان أحكام
القانون الدولي على العلاقات بين الدول غير المنضمة لتلك الاتفاقات.
(4) اختصاص
"الاختصاص الولائي" "أعمال السيادة". قانون "سريانه من
حيث المكان". حصانة "الحصانة القضائية".
الحصانة القضائية للدول
الأجنبية. نطاقها. تحديدها بالأعمال التي تباشرها الدولة بما لها من سيادة. مؤداه.
انحسارها عن المعاملات المدنية والتجارية وما يتفرع عنها من منازعات.
(5)حراسة "الحراسة
الإدارية". معاهدات.
الاتفاقية المصرية
اللبنانية بشأن تسوية التعويضات المستحقة للرعايا اللبنانيين. استهدافها تسوية
جميع الأوضاع الناشئة عن فرض الحراسة وفقاً للقانون 162 لسنة 1958. مؤدى ذلك
اقتصار حق أولئك الرعايا على الاستفادة من أحكام تلك الاتفاقية بصرف النظر عن مدى
شرعية قرارات فرض الحراسة. علة ذلك.
(6)اختصاص" الاختصاص
الولائي". حراسة "الحراسة الإدارية". نقض.
نقض الحكم والإحالة في
منازعات متعلقة بالحراسات التي فرضت قبل العمل بالقانون 34 لسنة 1971. لازمة. أن
تكون الإحالة إلى محكمة القيم. علة ذلك.
------------------
1 - لئن كانت المادة السادسة من القانون 141 لسنة 1980 بشأن تصفية
الأوضاع الناشئة عن فرض الحراسة قد جعلت محكمة القيم مختصة دون غيرها بنظر
المنازعات المتعلقة بتحديد الأموال وقيمة التعويضات والمنازعات الأخرى المتعلقة
بالحراسات التي فرضت قبل العمل بالقانون 34 سنة 1971 بتنظيم فرض الحراسة وتأمين
سلامة الشعب أو المترتبة عليها ما لم يكن قد قفل فيها باب المرافعة ودون أن ينص
صراحة على استثناء الطعون المعروضة على محكمة النقض من ذلك، إلا أن البين من النص
المذكور أن المنازعات التي قصد المشرع إحالتها إلى محكمة القيم هي تلك المنازعات
الموضوعية التي تدور حول تقرير الحق أو نفيه، أما الطعن بالنقض فهو طريق غير عادي
لا يؤدي إلى طرح نفس الخصومة التي كانت مرددة بين طرفيها أمام محكمة الاستئناف
وإنما إلى طرح خصومة أخرى هي البحث حول صحة تطبيق القانون على الوقائع التي أكدها
الحكم المطعون فيه وفي أحوال مبينة بيان حصر - فخصوصية الطعن بالنقض لها ذاتية
خاصة مختلفة عن الخصومات التي تنظرها محكمة الموضوع إذ هي لا تهدف كقاعدة عامة إلى
تقرير حق أو نفيه أو إلى إحلال حكم جديد محل الحكم المطعون فيه بل يقتصر الأمر على
بحث توافق هذا الحكم مع التطبيق الصحيح للقانون ومعالجة ما يكون قد شابه من عيوب
قانونية - هذا إلى أنه وقد استثنى المشرع من الإحالة إلى محكمة القيم طبقاً لنص
المادة السادسة من القانون المشار إليه الدعاوى التي قفل فيها باب المرافعة قبل
العمل به فإن هذا الاستثناء ينسحب من باب أولى على الدعاوى التي تم الفصل فيها
بحكم نهائي نافذ وإن طعن فيه بالنقض إذ ليس من شأن الطعن فيه بهذا الطريق المساس
بحجيته أو وقف تنفيذه - ولا يصح القول بأن المشرع وقد ناط بمحكمة القيم الفصل في
كافة المنازعات المتعلقة بالحراسة بهدف تصفية الأوضاع الناشئة عنها قد قصد إسقاط
ما سبق صدوره من أحكام ولو كانت نهائية مما يخول تلك المحكمة نظر الموضوع من جديد
إذا أحيل إليها الطعن بحالته من محكمة النقض ذلك أن النزاع الموضوعي - وعلى ما سلف
بيانه - يخرج عن نطاق الطعن بالنقض فضلاً عن أنه طالما أن المشرع لم ينص صراحة على
إسقاط هذه الأحكام فإنها لا تسقط بطريقة الاستنتاج لما يترتب على سقوطها من المساس
بالحقوق المكتسبة للخصوم، وأن مجرد الطعن بالنقض في هذه الأحكام لا ينال من حجيتها
ولا يترتب عليه إعادة عرض النزاع على محكمة النقض وإنما تظل هذه الأحكام محتفظة
بحجيتها التي تعلو على اعتبارات النظام العام وهي حجية لا تسقط إلا بنقض الحكم إذ
أنه في هذه الحالة فقط يسقط عن الحكم النهائي حصانته. لما كان ما تقدم فإن
الاختصاص بنظر طعون النقض المقامة عن الأحكام الصادرة من محاكم الاستئناف في
منازعات متعلقة بالحراسات يظل منعقداً المحكمة النقض وحدها.
2 - وإن كان الأصل في إعلان أوراق المحضرين - وعلى ما جرى به قضاء
هذه المحكمة - إن تصل إلى علم المعلن إليه علماً يقينياً بتسليم الصورة لنفس الشخص
المعلن إليه إلا أن المشرع يكتفي بالعلم الظني في بعض الحالات بإعلان الشخص في
موطنه وبمجرد العلم الحكمي في البعض الآخر لحكمة تسوغ الخروج فيها على هذا الأصل.
وقد قرر المشرع أنه في حالة المقيم في خارج البلاد في موطن معلوم فإن الإجراءات
التي يتم بها تسليم الصورة في الخارج لا تجرى بواسطة المحضر ولا سبيل للمعلن عليها
ولا مساءلة القائمين بها فاكتفى بالعلم الحكمي بتسليم الصورة للنيابة في إعلان صحف
الدعاوى أو الطعون استثناء من الأصل ومن ثم ينتج الإعلان أثاره بتسليم صورته
للنيابة.
3 - الاتفاقات الدولية الجماعية لا تلزم إلا الدول أطرافها في
علاقاتهم المتبادلة وهي الدول التي صدقت عليها على النحو الذي يحدده تشريعها
الداخلي وقامت بإيداع هذا التصديق بالطريقة التي توجبها كل اتفاقية مما مؤداه أن
الدول التي تنضم إلى اتفاقية جماعية معينة تخضع في علاقاتها المتبادلة وفي
علاقاتها مع الدول التي انضمت إليها للقواعد المقررة في القانون الدولي دون تلك
التي نصت عليها الاتفاقية إذ لا يتصور أن تنشئ الاتفاقية التزامات أو حقوقاً للدول
غير الأطراف بدون موافقتها احتراماً لسيادة تلك الدول كما أنه من غير المقبول أن
تستفيد دولة من أحكام اتفاقية ليست طرف فيها.
4 - قواعد القانون الدولي المتمثلة في العرف الدولي والواجبة
التطبيق باعتبارها مندمجة في القانون الداخلي لمصر فيما لا إخلال فيه بنصوص وإن
استقرت على أن الأصل هو أن تتمتع الدولة الأجنبية بالحصانة القضائية وهو ما ينبني
عليه خضوعها لقضاء دولة أخرى إلا أنه لما كانت الحصانة غير مطلقة وإنما تقتصر على
الأعمال التي تباشرها الدولة الأجنبية بما لها من سيادة فلا يندرج فيها المعاملات
المدنية والتجارية وما يتفرع عنها من منازعات مما تنحسر عنه هذه الحصانة.
5 - إذ أبرمت الحكومتان المصرية واللبنانية في 18/ 11/ 1964
اتفاقاً بشأن التعويضات المستحقة للرعايا اللبنانيين نتيجة خضوع أموالهم لقوانين
التأمين أو فرض الحراسة وفقاً للقانونين 162 سنة 1958، 150 سنة 1964 وبمقتضى هذه
الاتفاقية تعاقدت حكومة الجمهورية اللبنانية عن نفسها باسم رعاياها - الذين يقبلون
العمل بأحكامها بطلب يقدم منهم خلال ثمانية عشر شهراً من تاريخ العمل بالاتفاق -
على أن تتخالص تخالصاً كاملاً ونهائياً عن كل تعويض مستحق لهؤلاء عن إدارة الأموال
أو التصرف فيها - ونص المادة الرابعة على أن يفتتح البنك المركزي المصري حساب خاص
باسم حكومة الجمهورية اللبنانية تودع فيه قيمة مطالبات الرعايا اللبنانيين محسوباً
على النحو المبين بالاتفاقية وفي المادة الثامنة على أن تتعهد حكومة الجمهورية
اللبنانية بأن تسلم إلى مالكي الأموال المنصوص عليها بالمادة الرابعة القيمة التي
تم إيداعها لحسابهم وفي المادة الثانية عشر على أن تطبق مبادئ اتفاقيات التعويضات
التي تبرمها حكومة الجمهورية المصرية مع الدول الأخرى والممتلكات الخاصة لها سواء
كانت قرارات فرض الحراسة قد صدرت مخالفة للقانون أو متفقة معه.
6 - لما كانت المادة السادسة من القانون 141 سنة 1981 قد نصت على
اختصاص محكمة القيم المنصوص عليها بالقانون 85 لسنة 1980 دون غيرها بنظر المنازعات
المتعلقة بالحراسات التي فرضت قبل العمل بالقانون 34 سنة 1971 وعلى أن تحال إليها
جميع المنازعات المطروحة على المحاكم الأخرى بجميع درجاتها، فإن تلك المحكمة تكون
هي المختصة دون غيرها بالفصل في موضوع الاستئناف الماثل باعتباره من المنازعات
المتعلقة بالحراسات آنفة البيان مما يتعين معه إحالة القضية إليها لاختصاصها
بنظرها.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار
المقرر... والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعون استوفت
أوضاعها الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما
يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن المطعون ضدهما الأول
والثانية أقاما الدعوى رقم 441 سنة 1977 مدني كلي جنوب القاهرة بطلب الحكم ببطلان
عقد البيع المشهر في 23/ 6/ 1964 رقم 3949 توثيق القاهرة الصادر من جهاز تعيين
الحراسة بصفته حارساً عاماً ومديراً لإدارة الأموال التي آلت للدولة إلى شركة مصر
للتأمين فيما تضمنه من بيع العقار المبين بالصحيفة والتأشير الهامشي بذلك لدى مكتب
الشهر العقاري المختص وما يترتب عليه من إلغاء أي عقد يكون قد حرر مع سفير جمهورية
ألمانيا الاتحادية بصفته بشأن هذا العقار مع تسليمه لهما. وقالا بياناً للدعوى أن
الحراسة فرضت على أموالهما وممتلكاتهما بمقتضى أمر رئيس الجمهورية رقم 138 لسنة
1960 وشملت الحراسة ذلك العقار ورغم انعدام الأمر بفرض الحراسة وانتفاء صفة الحارس
في التصرف في هذا العقار الذي يحق لهما الاحتفاظ به سكناً خاصاً لهما. لشركة
الادخار للتأمين التي أدمجت فيما بعد في شركة مصر التأمين والتي باعته بدورها
لسفارة جمهورية ألمانيا الاتحادية بما يترتب عليه بطلان ذلك التصرف وأنهما وإن
خضعا لأحكام الاتفاقية المصرية اللبنانية بشأن تسوية التعويضات المستحقة على
الرعايا اللبنانيين إلا أن هذه الاتفاقية لا تصحح إجراءات البيع الباطلة بالإضافة
إلى أنه يحق لهما الاستفادة من الاتفاقية المصرية البريطانية التي تخول لهما
الاحتفاظ بالعقار عيناً ومن ثم فقد أقاموا الدعوى بطلباتهم أنفة البيان. حكمت المحكمة
برفض الدعوى. استأنف المطعون ضدهما هذا الحكم بالاستئناف رقم 5480 سنة 95 ق
القاهرة. حكمت محكمة الاستئناف باستجواب الخصوم فيما إذا كان المطعون ضدهما
الأولين قد قبلا المعاملة بالاتفاق المبرم بين الحكومتين المصرية اللبنانية - وبعد
تمام الاستجواب حكمت بجلسة 21/ 4/ 1980 بإلغاء الحكم المستأنف وببطلان عقد البيع
المؤرخ 25/ 12/ 1962 المشهر برقم 3949 في 23/ 6/ 1964 توثيق القاهرة الصادر من
المستأنف عليه الثالث إلى المستأنف عليه الأول فيما تضمنه من بيع عقار المدعيين
المبين بذلك العقد وبصحيفة افتتاح الدعوى والتأشير بذلك لدى مكتب الشهر العقاري
المختص وما يترتب على ذلك من إلغاء أي عقد يكون قد حرر ببيع العقار للمدعى عليه
الرابع (سفير جمهورية ألمانيا الاتحادية بصفته) مع تسليم ذلك العقار. طعنت شركة
مصر للتأمين في هذا الحكم بطريق النقض بالطعن رقم 412 سنة 50 ق كما طعن فيه سفير جمهورية
ألمانيا الاتحادية بصفته بالطعن رقم 1468 سنة 50 ق، وطعن فيه كذلك وزير المالية
بصفته المشرف على جهاز تصفية الحراسات ورئيس هذا الجهاز بصفته حارساً عاماً
ومديراً لإدارة الأموال التي آلت للدولة ووزير العدل بصفته المشرف على مصلحة الشهر
العقاري وأمين الشهر العقاري بالقاهرة وقيد طعنهم برقم 1495 سنة 50 ق وقدمت
النيابة مذكرة في كل من الطعون الثلاثة أبدت فيها الرأي بنقض الحكم. وإذ عرضت
الطعون الثلاثة على هذه المحكمة في غرفة مشورة حددت جلسة لنظرها وفيها قررت ضم
الطعنين الثاني والثالث للطعن الأول ودفع الحاضر عن الطاعنة في الطعن رقم 1412 سنة
50 ق بإحالة الطعون إلى محكمة القيم، وإذ صرحت المحكمة لمحامي الخصوم وللنيابة
بتقديم مذكرات تكميلية قدمت النيابة مذكرة في كل من الطعون الثلاثة عدلت فيها عن
رأيها وأبدت الرأي برفضها والتزمت بهذا الرأي بالجلسة الأخيرة.
وحيث إن مبنى الدفع
بالإحالة إلى محكمة القيم أن القانون رقم 141 سنة 1981 نص في مادته السادسة على أن
تختص محكمة القيم دون غيرها بنظر المنازعات المتعلقة بتحديد الأموال وقيمة
التعويضات والمنازعات الأخرى المتعلقة بالحراسات وأوجب على المحاكم بجميع درجاتها
إحالة هذه القضايا إلى محكمة القيم.
وحيث إن هذا الدفع غير
سديد ذلك أنه وإن كانت المادة السادسة من القانون رقم 141 سنة 1980 بشأن تصفية
الأوضاع الناشئة عن فرض الحراسة قد جعلت محكمة القيم مختصة دون غيرها بنظر
المنازعات المتعلقة بتحديد الأموال وقيمة التعويضات والمنازعات الأخرى المتعلقة
بالحراسات التي فرضت قبل العمل بالقانون 34 سنة 1971 بتنظيم فرض الحراسة وتأمين
سلامة الشعب أو المترتبة عليها وأوجبت إحالة جميع المنازعات المطروحة على المحاكم
الأخرى إليها ما لم يكن قد قفل فيها باب المرافعة ودون أن ينص صراحة على استثناء
الطعون المعروضة على محكمة النقض من ذلك، إلا أن البين من النص المذكور أن
المنازعات التي قصد المشرع إحالتها إلى محكمة القيم هي تلك المنازعات الموضوعية
التي تدور حول تقرير الحق أو نفيه، أما الطعن بالنقض فهو طريق غير عادي لا يؤدي
إلى طرح الخصومة التي كانت مرددة بين طرفيها أمام محكمة الاستئناف وإنما إلى طرح
خصومة أخرى هي البحث حول صحة تطبيق القانون على الوقائع التي أكدها الحكم المطعون
فيه وفي أحوال مبنية بيان حصر - فخصوصية الطعن بالنقض لها ذاتية خاصة مختلفة عن
الخصومات التي تنظرها محكمة الموضوع إذ هي لا تهدف كقاعدة عامة إلى تقرير حق أو
نفيه أو إلى إحلال حكم جديد محل الحكم المطعون فيه بل يقتصر الأمر على بحث توافق
هذا الحكم مع التطبيق الصحيح للقانون ومعالجة ما يكون قد شابه من عيوب قانونية -
هذا إلى أنه وقد استثنى المشرع من الإحالة إلى محكمة القيم طبقاً لنص المادة
السادسة من القانون المشار إليه الدعاوى التي قفل فيها باب المرافعة قبل العمل به
فإن هذا الاستثناء ينسحب من باب أولى على الدعاوى التي تم الفصل فيها بحكم نهائي
نافذ وإن طعن فيه بالنقض إذ ليس من شأن الطعن فيه بهذا الطريق المساس بحجيته أو
وقف تنفيذه - ولا يصح القول بأن المشرع وقد ناط بمحكمة القيم الفصل في كافة
المنازعات المتعلقة بالحراسة بهدف تصفية الأوضاع الناشئة عنها قد قصد إسقاط ما سبق
صدوره من أحكام ولو كانت نهائية مما يخول تلك المحكمة نظر الموضوع من جديد إذا
أحيل إلها الطعن بحالته من محكمة النقض ذلك أن النزاع الموضوعي - وعلى ما سلف
بيانه - يخرج عن نطاق الطعن بالنقض فضلاً عن أنه طالما أن المشرع لم ينص صراحة على
إسقاط هذه الأحكام فإنها لا تسقط بطريقة الاستنتاج لما يترتب على سقوطها من المساس
بالحقوق المدنية المكتسبة للخصوم وأن مجرد الطعن بالنقض في هذه الأحكام لا ينال من
حجيتها ولا يترتب على إعادة عرض النزاع على محكمة النقض وإنما تظل هذه الأحكام
محتفظة بحجيتها التي تعلو على اعتبارات النظام العام هي حجية لا تسقط إلا بنقض
الحكم إذ أنه في هذه الحالة فقط يسقط عن الحكم النهائي حصانته. لما كان ما تقدم
فإن الاختصاص بنظر طعون النقض المقامة عن الأحكام الصادرة من محاكم الاستئناف في
منازعات متعلقة بالحراسات يظل منعقداً لمحكمة النقض وحدها ويكون الدفع بالإحالة
على غير أساس متعيناً رفضه.
وحيث إن الطاعن في الطعن
رقم 1468 سنة 50 ق (سفير جمهورية ألمانيا الاتحادية) ينعى بالسبب الأول على الحكم
المطعون فيه البطلان وفي بيان ذلك يقول أن الأصل في إعلان أوراق المحضرين أن تصل
إلى علم المعلن إليه علماً يقينياً بتسليم صورة الإعلان له ما لم ينص صراحة على
غير ذلك وإذ سلمت أوراق إعلانه بصحيفة الاستئناف وما تلا ذلك من إجراءات للنيابة
العامة لكي تتولى إعلانها بالطرق الدبلوماسية دون تسليمه صورها وترتب على ذلك عدم
حضوره في الاستئناف فإن هذه الإعلانات تكون باطلة بما يستتبع بطلان الحكم المطعون
فيه.
وحيث إن هذا النعي مردود،
ذلك أنه وإن كان الأصل في إعلان أوراق المحضرين وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة -
أن تصل إلى علم المعلن إليه علماً يقينياً بتسليم الصورة لنفس الشخص المعلن إليه
إلا أن المشرع يكتفي بالعلم الظني في بعض الحالات بإعلان الشخص في موطنه وبمجرد
العلم الحكمي في البعض الآخر لحكمة تسوغ الخروج فيها على الأصل - وقد قرر المشرع
أنه في حالة المقيم خارج البلاد في موطن معلوم فإن الإجراءات التي يتم بها تسليم
الصورة في الخارج لا تجرى بواسطة المحضر ولا سبيل للمعلن عليها ولا مساءلة
القائمين بها فأكتفي بالعلم الحكمي بتسليم الصورة للنيابة العامة في إعلان صحف
الدعاوى أو الطعون استثناءً من الأصل ومن ثم ينتج الإعلان أثاره بتسليم صورته
للنيابة. لما كان ما تقدم فإن النعي ببطلان الإعلانات المشار إليها وبطلان الحكم
المطعون فيه تبعاً لذلك يكون على غير أساس.
وحيث إن الطاعن المذكور
ينعى بالسبب الثاني من أسباب طعنه على الحكم المطعون فيه مخالفة قواعد الاختصاص
الولائي في بيان ذلك يقول أن الدول الأجنبية لا تخضع لولاية القضاء الخاص بدولة
أخرى إذ تتمتع بحصانة قضائية مطلقة بالنسبة لما تباشره من أعمال وتمتد هذه الحصانة
لكل من يمثلها في الخارج وهو ما أكدته اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية وإذ كان
الطاعن بصفته ممثلاً لحكومته فقد كان يتعين على المحكمة أن تقضي من تلقاء نفسها
بعدم اختصاصها بنظر الدعوى لتعلق الاختصاص الدولي بقواعد النظام العام وإذ تصدى
الحكم المطعون فيه رغم ذلك للنزاع وفصل فيه فإنه يكون معيباً بما يوجب نقضه.
وحيث إن النعي غير سديد
ذلك أن الاتفاقات الدولية الجماعية لا تلزم إلا الدول أطرافها في علاقاتهم
المتبادلة وهي الدول التي صدقت عليها على النحو الذي يحدده تشريعها الداخلي وقامت
بإيداع هذا التصديق بالطريقة التي توجبها كل اتفاقية بما مؤداه أن الدول التي تنظم
إلى اتفاقية جماعية معينة تخضع في علاقاتها المتبادلة وفي علاقاتها مع الدول التي
انضمت إليها للقواعد المقررة في القانون الدولي دون تلك التي نصت عليها الاتفاقية
إذ لا يتصور أن تنشئ الاتفاقية التزامات أو حقوقاً للدولة غير الأطراف بدون
موافقتها احتراماً لسيادة تلك الدول كما أنه من غير المقبول أن تستفيد دولة من
أحكام اتفاقية ليست طرف فيها - ولما كان أمر انضمام دولة أجنبية إلى اتفاقية
جماعية معينة لا يعدو أن يكون واقعة مادية يتعين إقامة الدليل عليها - وكان الطاعن
لم يقدم دليل انضمام دولته - جمهورية ألمانيا الاتحادية - إلى اتفاقية فيينا
للعلاقات الدبلوماسية الصادرة في 18/ 4/ 1961 فإن تمسك الطاعن بأعمال هذه
الاتفاقية - أياً كان وجه الرأي في مدى انطباقها على الدعوى - يكون مفتقراً إلى
سنده - لما كان ذلك وكانت قواعد القانون الدولي المتمثلة في العرف الدولي والواجبة
التطبيق باعتبارها مندمجة في القانون الداخلي لمصر فيما لا إخلال فيه بنصوصه وإن استقرت
على أن الأصل هو أن تتمتع الدولة الأجنبية بالحصانة القضائية وهو ما ينبني عليه
عدم خضوعها لقضاء دولة أخرى إلا أنه لما كانت الحصانة غير مطلقة وإنما تقتصر على
الأعمال التي تباشرها الدولة الأجنبية بما لها من سيادة فلا يندرج فيها المعاملات
المدنية والتجارية وما يتفرع عنها من منازعات مما تنحسر عنه هذه الحصانة، وكان
النزاع في الدعوى الماثلة يتعلق بمعاملة مدنية عادية هي بيع عقار لحكومة جمهورية
ألمانيا الاتحادية ممثلة في شخص سفيرها مما لا يتصل بأعمال السيادة لهذه الدولة
فإن النزاع على هذه الصورة يخرج عن نطاق الحصانة القضائية التي تتمتع بها مما لا
يحول دون اختصاص القضاء المصري بالفصل فيه ويكون النعي على الحكم لهذا السبب على
غير أساس.
وحيث إن مما ينعاه
الطاعنون في الطعنين رقمي 1412 سنة 50، 1495 سنة 50 ق على الحكم المطعون فيه الخطأ
في تطبيق القانون وفي بيان ذلك يقولون أن المطعون ضدهما الأولين لبنانياً الجنسية
وقبلا الانتفاع بالاتفاقية المبرمة بين الحكومتين المصرية واللبنانية لتسوية
الأوضاع الناشئة عن فرض الحراسة والتأميم، وقد أقر المطعون ضدهما أمام محكمة
الاستئناف بأنه تم تحويل جزء من التعويض المستحق بموجب هذه الاتفاقية ومن ثم فإن
أحكامها تكون هي الواجبة التطبيق على النزاع الماثل وإذ أطرحها الحكم المطعون فيه
ولم يعمل أحكامها في حق المطعون ضدهما فإنه يكون معيباً بما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي في
محله ذلك أن الحكومتين المصرية واللبنانية أبرمتا في 18/ 11/ 1964 اتفاقاً بشأن
تسوية التعويضات المستحقة للرعايا اللبنانيين نتيجة خضوع أموالهم لقوانين التأميم
أو فرض الحراسة وفقاً للقانونين 162 سنة 1958، 150 سنة 1964 وبمقتضى هذه الاتفاقية
تعاقدت حكومة الجمهورية اللبنانية عن نفسها باسم رعاياهم - الذين يقبلون العمل
بأحكامها بطلب يقدم منهم خلال ثمانية عشر شهراً من تاريخ العمل بالاتفاق - على أن
تتخالص تخالصاً كاملاً ونهائياً عن كل تعويض مستحق لهؤلاء عن إدارة الأموال أو
التصرف فيها - ونص المادة الرابعة على أن يفتتح البنك المركزي المصري حساب خاص
باسم حكومة الجمهورية اللبنانية تودع فيه قيمة مطالبات الرعايا اللبنانيين محسوباً
على النحو المبين بالاتفاقية وفي المادة الثامنة على أن تتعهد حكومة الجمهورية
اللبنانية بأن تسلم إلى مالكي الأموال المنصوص عليها بالمادة الرابعة القيمة التي
تم إيداعها لحسابهم وفي المادة الثانية عشر على أن تطبق مبادئ اتفاقيات التعويضات
التي قد تبرمها حكومة الجمهورية المصرية مع الدول الأخرى إذا كانت أكثر ملائمة
بدلاً من مبادئ هذا الاتفاق. وإذ كان المطعون ضدهما الأولين لبنانيين الجنسية
وطلبا الاستفادة من أحكام هذه الاتفاقية وتقاضي حقوقهما على أساسها طبقاً لما جاء
على لسان وكيلهما لدى تنفيذ حكم الاستجواب أمام محكمة الاستئناف وما تضمنته
مذكرتهما المقدمة لتلك المحكمة بجلسة 21/ 4/ 1980 فإن أحكام تلك الاتفاقية بعد
الموافقة عليها بقرار رئيس الجمهورية رقم 901 سنة 1965 تكون هي الواجبة التطبيق
بشأن كل نزاع يتعلق بحقوق المطعون ضدهما على الأموال التي فرضت عليها الحراسة ومدى
إمكان رد هذه الأموال عيناً إليهما ولا يغير من ذلك القول بانعدام القرار الصدر
بفرض الحراسة إذ لا يسوغ - وأياً كان وجه الرأي في هذا القول - عدم تطبيق أحكام
الاتفاقية في حق المطعون ضدهما ذلك أنها استهدفت تسوية جميع الأوضاع الناشئة عن
فرض الحراسة استناداً إلى القانون رقم 162 سنة 1958 بما في ذلك تلك التي نشأت عن
تصرف الجهات المتولية شئون الحراسة في الأموال والممتلكات الخاصة لها سواء كانت
قرارات فرض الحراسة قد صدرت مخالفة للقانون أو متفقة معه. لما كان ما تقدم وكان
الحكم المطعون فيه لم يعمل أحكام الاتفاقية المصرية اللبنانية في حق المطعون ضدهما
رغم قبولهما المعاملة على أساسها بمقولة أنها لا تصحح قرار فرض الحراسة على
أموالهما وممتلكاتهما لانعدامه فإنه يكون قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه مما
حجبه عن الفصل في باقي أوجه النزاع التي أثارها المطعون ضدهما حول تطبيق أحكام
الاتفاقية في حقهما ومنها جواز إفادتهما بأحكام الاتفاقيات الأخرى. لما كان ذلك،
وكان موضوع الدعوى غير مقابل للتجزئة فإنه يتعين - لما تقدم - نقض الحكم المطعون
فيه بالنسبة لجميع الطاعنين دون حاجة لبحث باقي أوجه الطعن في الطعون الثلاثة.
وحيث إنه لما كانت المادة
السادسة من القانون 141 سنة 1981 قد نصت على اختصاص محكمة القيم المنصوص عليها
بالقانون 85 لسنة 1980 دون غيرها بنظر المنازعات المتعلقة بالحراسات التي فرضت قبل
العمل بالقانون 34 سنة 1971 وعلى أن تحال إليها جميع المنازعات المطروحة على
المحاكم الأخرى بجميع درجاتها، فإن تلك المحكمة تكون هي المختصة دون غيرها بالفصل
في موضوع الاستئناف الماثل باعتباره من المنازعات المتعلقة بالحراسات أنفة البيان
مما يتعين معه إحالة القضية إليها لاختصاصها بنظرها.