الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 8 أكتوبر 2020

الطعن 5 لسنة 5 ق جلسة 30 / 5 / 1935 مج عمر المدنية ج 1 ق 276 ص 821

جلسة 30 مايو سنة 1935

برياسة سعادة عبد العزيز فهمى باشا وبحضور حضرات: مراد وهبة بك ومحمد فهمى حسين بك وحامد فهمى بك وعبد الفتاح السيد بك المستشارين.

--------------

(276)
القضية رقم 5 سنة 5 القضائية

)أ) إثبات التاريخ. 
الوسائل المبينة بالمادة 229 مدنى. ليست على سبيل الحصر.
)ب) تسجيل. 
ملك لإخوة متعدّدين. شراء حق بعضهم. تسجيل عقد الشراء. علاقة المشترى بالبعض الآخر. تصرف أحد أفراد هذا البعض الآخر. لا حق للمشترى في إجباره على التسجيل بمعرفته.
(حـ) تصرف عقاري. 
الوسيلة التي يمكن بها الاحتجاج بالتصرف العقاري في وجه الغير. المادة 610 من القانون المدني. المراد منها. تسجيل. قسمة التركات بين الورثة. عقودها الصادرة قبل قانون التسجيل. عدم وجوب تسجيلها. عقود القسمة الواردة على عقارات مشتركة غير آيلة بطريق الإرث. وجوب تسجيلها.

-----------------
1 - إن وسائل إثبات التاريخ الواردة بالمادة 229 مدنى ليست واردة بها على وجه الحصر. فاذا قدّمت ورقة مّا في قضية وتناولتها المرافعة بالجلسة التي نظرت بها تلك القضية فهذا يكفى لاعتبار تاريخ الورقة ثابتا من يوم تلك الجلسة.
2 - إذا كان الملك لإخوة متعدّدين ولم يبع للمشترى منهم إلا بعضهم فحصة الآخرين باقية لهم بداهة. ولا يستطيع المشترى بتسجيل عقد مشتراه أن يخلق لنفسه علاقة بهؤلاء الآخرين يمنعهم بها من التصرف في ملكهم الباقي لهم تصرفا إنشائيا أو بطريق الإجازة ولا أن يجبرهم كلما تصرفوا أو كلما أجازوا عمل فضولي أن يسجلوا تصرفهم أو إجازتهم حتى يكون أيهما حجة عليه.
3 - إن المادة 610 من القانون المدني وما بعدها من المواد مسوقة بحسب المادة 609 لبيان الوسيلة التي يمكن بها الاحتجاج بالتصرف العقاري في وجه الغير الذى يكون له حق على ذات العقار آيل إليه من المالك الحقيقي الأصلي الصادر منه مباشرة أو بالواسطة ذلك التصرف المراد الاحتجاج به.
والمادة 610 فيها زيادة في مدلول عباراتها عن المعنى المراد منها في الموطن الذى وضعت فيه. إذ عبارتها توهم أن أيلولة عقار للوارث كان في حيازة مورّثه تجعل لهذا الوارث ملكية للعقار يحتج بها على مالكه الحقيقي، وهذا غير صحيح قطعا. وتوهم أيضا أن أيلولة عقار للوارث كان يملكه مورّثه بعقد غير صالح للاحتجاج به على الغير تجعل لهذا الوارث ملكية في هذا العقار صالحة لأن يحتج بها على هذا الغير، وهذا أيضا غير صحيح قطعا. والصحيح المراد بهذه المادة، كما يدل عليه موطنها، أنها إنما وضعت لغرض واحد هو إمكان احتجاج الوارث الحقيقي بمجرّد ثبوت وراثته على التصرفات العقارية الصادرة من الوارث الظاهر أو من أحد الورثة ولو كانت مسجلة وإمكان احتجاج الوارث على تصرفات مورّثه الصادرة في مرض موته مثلا ولو كانت مسجلة. وإذن فمن الممكن القول بأن حقوق الوارث في عقارات مورّثه سواء قبل القسمة أو بعدها هي حقوق آيلة بطريق الإرث، فهي حجة على الغير الذى تصرف له فيها وارث آخر تصرفا مسجلا حتى لو كانت تلك الحقوق مفرزة بقسمة وكان عقد القسمة غير مسجل. كما أنه من الممكن القول بأن هذا المفهوم يخصص نص المادة 612 ويجعل عقود القسمة الواجبة التسجيل بمقتضاها هي العقود الواردة على عقارات مشتركة غير آيلة من طريق الإرث. على أن هذه النظرية مهما يكن عليها من الاعتراض وما يترتب عليها من الضرر بالغير السليم النية الذى يشترى من وارث فان لها وجاهتها، وقد أخذت بها المحاكم الأهلية والمختلطة وتركزت لديهما. وإذ كانت نتيجة اجتهاد في تفسير نص قابل تفسيره لإنتاجها، فان محكمة النقض لا يسعها سوى إقرارها ولكن في مثل الخصوصية المحكوم فيها فقط. على أنه لا يصح الأخذ بها إلا فيما كان من عقود قسمة التركات صادرا قبل سنة 1924، أما الصادر منها بعد السنة المذكورة فتسرى عليه أحكام قانون التسجيل الجديد المفيدة إيجاب تسجيل عقود القسمة العقارية مطلقا حتى تكون حجة على الغير.


الوقائع

تتحصل الوقائع في أن طه بك أمين العارف المطعون ضدّه الأوّل رفع في 17 و22 سبتمبر سنة 1928 لدى محكمة أسيوط الابتدائية الأهلية على نصر الله أفندي بباوى وبباوى أفندي جرجس وطاهر أفندي يس العارف هذه الدعوى التي انتهت أخيرا بالحكم المطعون فيه طلب بها تثبيت ملكيته في 8 قراريط وسهمين بحوض الساحل الوسطاني بسوهاج اشتراها من مالكها طاهر أفندي يس العارف بعقد عرفي محرّر في 6 أغسطس سنة 1928 ومسجل في 19 أغسطس سنة 1928، وإلغاء ما توقع عليها من التسجيلات الصادرة لمصلحة نصر الله أفندى بباوى وبباوى أفندى جرجس اللذين صدر لهما عقدان محرّران في 2 أغسطس سنة 1928 ومسجلان في 5 أغسطس سنة 1928 من إبراهيم أفندي يس العارف وعبد المجيد أفندي يس العارف أخوى طاهر أفندي المذكور ببيع 3 قراريط وسهمين من المقدار المذكور لأوّلهما بباوى أفندي جرجس و3 قراريط لثانيهما نصر الله أفندي بباوي. وفى أثناء سير هذه الدعوى أدخل نصر الله أفندي كلا من إبراهيم أفندي وعبد المجيد أفندي المذكورين وأخيهما هاشم أفندي يس العارف ضمانا طالبا إلزامهم بثمن المبيع في صورة ما إذا قضى بالعين لطه بك أمين العارف المدّعى. ومحكمة أسيوط الابتدائية التي قيدت هذه الدعوى بجدولها برقم 571 كلى سنة 1928 حكمت فيها بتاريخ 12 فبراير سنة 1933 بتثبيت ملكية المدّعى لـ 8 قراريط وسهمين المذكورة وبإلغاء التسجيلات المتوقعة عليها لمصلحة ورثة بباوى أفندي جرجس (الذى توفى أثناء نظر الدعوى) ولمصلحة نصر الله أفندى بباوى ثم بالزام إبراهيم أفندي يس العارف وعبد المجيد أفندي يس العارف بدفع مبلغ 249 جنيها و200 مليم لنصر الله أفندى بباوى ورفضت دعواه قبل هاشم أفندى يس العارف. فاستأنف نصر الله أفندي هو وورثة بباوى أفندى جرجس هذا الحكم طالبين إلغاءه فيما يتعلق بدعوى طه بك أمين العارف وبرفضها، كما طلب نصر الله أفندى فيما يختص بدعوى الضمان التي رفعها أن تستبقى محكمة الاستئناف فيها هاشم أفندي يس العارف وأن تحكم عليه وعلى أخويه إبراهيم وعبد المجيد متضامنين بمبلغ 2100 جنيه قيمة ما طلب الحكم به عليهم لدى المحكمة الابتدائية. ومحكمة استئناف أسيوط التي قيدت هذه الدعوى بجدولها برقم 16 سنة 9 قضائية قضت فيها بتاريخ 9 يونيه سنة 1934 برفض الاستئناف وبتأييد الحكم المستأنف وإلزام المستأنفين بالمصاريف.
وقد أعلن هذا الحكم إلى الطاعن في 24 أكتوبر سنة 1934 فطعن فيه بطريق النقض بتاريخ 24 نوفمبر سنة 1934 بتقرير أعلن إلى المطعون ضدّهم في 1 و2 ديسمبر سنة 1934، وقدّم الطاعن والمطعون ضدّه الأول (طه بك أمين العارف) المذكرات الكتابية في الميعاد القانوني ولم يقدّم باقي المطعون ضدّهم شيئا، وقدّمت النيابة مذكرتها في 12 مارس سنة 1935.
وبجلسة يوم الخميس الموافق 2 من شهر مايو سنة 1935 المحدّدة لنظر هذا الطعن سمعت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة وتأجل النطق بالحكم لجلسة 16 منه ومنها لجلسة اليوم لعدم إتمام المداولة.


المحكمة

بعد سماع المرافعة الشفوية والاطلاع على الأوراق والمداولة قانونا.
حيث إن الطعن رفع صحيحا في الميعاد عن حكم قابل له فهو مقبول شكلا.
وحيث إن الطعن قائم على وجهين يتحصل كل منهما فيما يلى:
الوجه الأوّل: مخالفة الحكم المطعون فيه للقانون وذلك:
 (1)أن طه بك أمين العارف المطعون ضدّه الأوّل يتمسك بعقد بيع مسجل صادر له من طاهر أفندي يس العارف المقول بأنه امتلك ما منه القدر المبيع بموجب إقرار 15 سبتمبر سنة 1922 الصادر له من أخويه إبراهيم أفندي وعبد المجيد أفندي. فأساس ملكية طه بك العارف ينتهى إلى هذين الأخوين. وهذان الأخوان هما نفسهما اللذان باعا للطاعن، فالأوّلوية تكون للطاعن الذى سجل عقده أوّلا دون طه بك العارف الذى لم يسجل عقده إلا من بعد. فقضاء محكمة استئناف أسيوط الذى أتى بغير ذلك فيه مخالفة لأحكام المواد 611 و612 و615 من القانون المدني - تلك المواد القديمة التي هي المنطبقة على صورة الدعوى.
 (2)أن قانون التسجيل الجديد الصادر في يونيه سنة 1923 إذا كان جعل التسجيل شرطا لنقل الملكية حتى بين المتعاقدين أنفسهم واستثنت المادة 14 منه ما كان من العقود ثابت التاريخ قبل وجوب العمل به فهذا الاستثناء راجع إلى مسألة نقل الملكية بالنسبة للعاقد نفسه. أما نقلها بالنسبة للغير فقد نصت المادة 14 نفسها على أن الذى يتبع في ذلك هي قواعد القانون المدني القديم. ومقتضى هذا أن العقد السابق أو اللاحق لسنة 1924 لا يكون حجة على الغير إلا بالتسجيل سواء أكان ثابت التاريخ قبل سنة 1924 أو غير ثابته. وإذن فالحكم المطعون فيه الذى اعتبر أن ورقة 15 سبتمبر سنة 1922 حجة على الغير وإن لم تسجل قد خالف المواد 1 و2 و3 و14 من قانون التسجيل الجديد. ويضيف الطاعن في مذكرته بيانا لهذا الطعن أن محكمة الاستئناف أخطأت فيما قرّرته من أن عقود قسمة العقارات الموروثة لم تكن بحاجة للتسجيل قبل صدور قانون التسجيل الجديد.
 (3)أن الحكم المطعون فيه أدخل في وسائل إثبات التاريخ وسيلة ليست واردة بالقانون وبذلك يكون خالف أيضا المادة 229 مدنى.
 (4)أن إقرار 15 سبتمبر سنة 1922 الذى هو أساس ملكية طه بك أمين العارف هو في حقيقته ورقة قسمة ولكنها غير موقع عليها من اثنين من الشركاء وهما هاشم وتوفيق بل إن أحدهما وهو توفيق كان قاصرا عند تحريرها، ومتى كان الأمر كذلك فالقسمة لا تكون إلا بحسب المأمور به في المادتين 452 و456 مدنى. وإذن فيكون الحكم خالف هاتين المادتين.
الوجه الثاني: إغفال الحكم الرد على دفاع جوهري وذلك بأن الطاعن تمسك بأن عقد طه بك أمين العارف إنما صدر بطريق التواطؤ بينه وبين طاهر أفندي وباقي إخوته المطعون ضدّهم لعرقلة تنفيذ عقد الطاعن الصادر له من اثنيهم إبراهيم وعبد المجيد، ولكن الحكم لم يرد على هذا الدفاع.
وحيث إن الشطر الثالث من الوجه الأوّل في غير محله فان وسائل إثبات التاريخ الواردة بالمادة 229 مدنى ليست واردة بها على وجه الحصر. ويكفى أن تكون ورقة ذلك الإقرار تقدّمت لمحكمة سوهاج في القضية المقيدة بجدولها برقم 471 سنة 1923 وتناولتها المرافعة بجلسة 22 سبتمبر سنة 1923 التي نظرت بها تلك القضية - يكفى هذا حتى يعتبر تاريخها ثابتا من يوم تلك الجلسة كما قالته محكمة الاستئناف بحق.
وحيث إن الشطر الرابع من الوجه المذكور غير صحيح على إطلاقه، إذ هاشم وتوفيق، بعد بلوغ رشد، قد صادقا على إقرار 15 سبتمبر سنة 1922 كما أثبتته محكمة الاستئناف؛ وعلى فرض أنهما لم يصادقا فان الطعن غير منتج إذ البائعان للطاعن هما إبراهيم وعبد المجيد، فان كان هاشم وتوفيق لم يوقعا على الإقرار المذكور فلا شأن للطاعن بهذا لأن حقه مقيس فقط بحق إبراهيم وعبد المجيد البائعين له. وأما ما يقوله الطاعن في مذكرته من أن إجازة هاشم وتوفيق كان يجب أن تكون مسجلة وأن يكون تسجيلها من قبل تسجيل عقده ليمكن الاحتجاج بها عليه - ما يقوله من هذا ليس في القانون ما يوجبه، لأن الملك ما دام قد كان للأخوة الخمسة ولم يبع له منهم إلا اثنان فحصه الثلاثة الآخرين باقية لهم ولا يستطيع بتسجيل عقد مشتراه من اثنين أن يخلق لنفسه علاقة بالثلاثة الآخرين يمنعهم بها من التصرف في ملكهم الباقي لهم تصرفا إنشائيا أو بطريق الإجازة ولا أن يجبرهم كلما تصرفوا أو كلما أجازوا عمل فضولي أن يسجلوا تصرفهم أو إجازتهم حتى يكون أيهما حجة عليه. ولذلك يكون ما أشار إليه الطاعن من هذا في غير محله، وهذا على فرض أن صورة النزاع الحالي تتحمل مثل هذا المطعن.
وحيث إن محكمة الاستئناف تناولت ما ادعاه الطاعن من التواطؤ على تحرير ورقة 15 سبتمبر سنة 1922 إضرارا به، وبينت أنه ما دام هذا الإقرار ثابتا وجوده من سنة 1923 والطاعن لم يشتر من إبراهيم وعبد المجيد إلا في سنة 1928 فهذا الادعاء لا جدّ فيه. وهذا الذى قالته محكمة الاستئناف يجعل الوجه الثاني غير صحيح.
وحيث إنه لإمكان النظر في الشطرين الأول والثاني من الوجه الأوّل تنبغي ملاحظة ما هو الواقع الثابت في هذه الدعوى ثم ما ارتأته محكمة الاستئناف من تكييفها لهذا الواقع وتطبيقها حكم القانون عليه.
وحيث إن الواقع الثابت في الدعوى أن المرحوم يس بك العارف توفى عن أولاده المطعون ضدهم من جهة وعن سيدات شقيقات له من جهة أخرى، ففريقا الورثة هذان اقتسما الأطيان المخلفة عنه بموجب عقد قسمة محرر في 19 أغسطس سنة 1918 ومسجل في 19 مايو سنة 1919، وهذا العقد الذى وقعه ولده إبراهيم عن نفسه وبوصايته على باقي إخوته قد اختص بمقتضاه كل فريق بجزء من الأطيان، ومما اختص به فريق الأولاد 12 قيراطا و8 أسهم بحوض الساحل الوسطانى نمرة 6 بسوهاج بقيت شائعة بينهم هم الخمسة، وأنه في 15 سبتمبر سنة 1922 حرر إبراهيم وعبد المجيد ورقة لأخيهما طاهر بأنهما خصصا له هذا المقدار ليستقل بملكيته وحده، وأن المتفق عليه بين خصم الدعوى الحالية أن هذا الإقرار هو عقد قسمة، وأن تاريخه قد ثبت في سنة 1923 على الصفة الموضحة سابقا في هذا الحكم، وأنه حدث بعد ذلك أن باع إبراهيم وعبد المجيد من هذا المقدار 6 قراريط وسهمين لبباوي جرجس ونصر الله بباوي مفرزة محدّدة، منها 3 قراريط وسهمان محدّدة للأول و3 قراريط محدّدة للثاني بموجب عقدين محرّرين في 2 أغسطس سنة 1928 ومسجلين تسجيلا كليا في 5 أغسطس سنة 1928، كما حدث أن طه بك أمين العارف اشترى تلك الصفقة نفسها وهى 6 قراريط وسهمان من طاهر أفندي يس العارف بعقد عرفي محرر في 6 أغسطس سنة 1928 ومسجل تسجيلا كليا في 19 أغسطس سنة 1928 مؤسس على أيلولة هذا المقدار لطاهر أفندي بمقتضى إقرار 15 سبتمبر سنة 1922 السابق ذكره.
وحيث إن كل طرف من الطرفين أفرغ جهده ليظفر بجعل عقد مشتراه هو الأولى. أما نصر الله وورثة بباوي فمن جهة أنهم هم المسجلون أوّلا وأن خصمهم لم يسجل من قبلهم لا عقد مشتراه ولا إقرار 15 سبتمبر سنة 1922 المبنى عليه هذا العقد. وأما طه العارف فمن جهة أن البائع له هو المالك وأما البائعان لخصومه فلم يكن لهم ملك عند البيع.
وحيث إن القاعدة التي اتبعتها محكمة الاستئناف للفصل في هذه الخصومة بعد أن صرحت بأن إقرار 15 سبتمبر سنة 1922 قد ثبت تاريخه من سنة 1923 وأنه غير صادر من عبد المجيد وإبراهيم فقط بل مصدّق عليه من هاشم وتوفيق - تلك القاعدة هي ما قالته من أن عقود القسمة العقارية في الأعيان المملوكة بطريق الميراث لم تكن بحاجة إلى تسجيل قبل صدور قانون التسجيل الجديد رقم 18 لسنة 1923 كيما يحتج بها على الغير. وبناء على القاعدة المذكورة قالت إن عقد 15 سبتمبر سنة 1922 هو بذاته ومن غير أن يكون مسجلا حجة على نصر الله بباوى وبباوى جرجس مهما يكن عقد كل منهما مسجلا لأنهما اشتريا من غير مالك، أما طه العارف فلأنه اشترى من المالك فعقده هو الصحيح النافذ.
وحيث إن القاعدة التي أخذت بها محكمة الاستئناف قد بناها بعضهم أحيانا على نصوص القانون الفرنسي وأقوال الفقهاء الفرنسيين مع التباين الكلى بين تلك النصوص ونصوص قوانيننا المصرية. ذلك بأن الفقرة الثانية من المادة 612 من القانون المدني الأهلي ومثلها المادة 739 من القانون المختلط كانتا تنصان على وجوب تسجيل "الأحكام الصادرة بالبيع الحاصل بالمزاد والعقود المشتملة على قسمة عين العقار" وذلك كيما يحتج بها على الغير. أما النصوص الفرنسية الخاصة بالتسجيل وبالاحتجاج به على الغير فهي التي يتضمنها قانون 23 مارس سنة 1855. وهذا القانون ليس فيه أي نص موجب لتسجيل عقود قسمة العقار مطلقا سواء أكان العقار موروثا أم كان مملوكا على الشيوع بسبب آخر غير الإرث، بل على العكس من هذا ورد في مادته الأولى المبينة لما يجب تسجيله ما يأتي مترجما: "رابعا جميع أحكام مرسى المزاد ما عدا ما صدر منها لمصلحة وريث (Cohéritier)  أو شريك قسيم  (Copartageant) في حالة بيع العقار لعدم إمكان قسمته بلا ضرر". فمبدأ القانون الفرنسي المنتزع من ذات نصوصه هو إمكان الاحتجاج بعقود القسمة على الغير وإن لم تسجل مهما يكن موضوع القسمة أي سواء أكان العقار المشترك المقسوم موروثا أم كان غير موروث. وما دامت تلك النصوص تخالف نصوص قوانيننا فالرجوع إليها غير جائز مطلقا.
وحيث إن المهم حقيقة مما يرجع إليه الآخذون بتلك القاعدة إنما هو المبدأ الذى نصت عليه المادة 457 مدنى أهلي من أن القسمة تعتبر مظهرة لحق القسيم لا منشئة له، ثم المبدأ المقرر بالمادة 610 (الموافقة للمادة 736 مدنى مختلط) المصرحة بأن ملكية العقار والحقوق المتفرعة عنها إذا كانت آيلة بالإرث تثبت في حق كل إنسان بثبوت الوراثة - يرجعون إلى هذين المبدأين ويقولون إنه ما دام الوارث إذا قسم وخصه نصيب في القسمة فهذا النصيب المفرز معتبر بقوّة القانون أنه هو ملكه الذى لم يملك غيره من يوم وفاة مورّثه وأيلولة الميراث إليه، وما دام هذا النصيب مملوكا بسبب الوراثة وكل مملوك بسبب الوراثة فالملكية فيه حجة على كل إنسان. فالنتيجة أن ملكية الوارث لهذا النصيب الذى آل له بالقسمة هي ملكية يحتج بها على كل إنسان ولو لم يسجل عقد القسمة.
وحيث إن المادة 610 وما بعدها مسوقة بحسب المادة 609 لبيان الوسيلة التي يمكن بها الاحتجاج بالتصرف العقاري في وجه الغير الذى يكون له حق على ذات العقار آيل إليه من المالك الحقيقي الأصلي الصادر منه مباشرة أو بالواسطة ذلك التصرف المراد الاحتجاج به.
وحيث إنه متى لوحظ ذلك علم أن المادة 610 فيها زيادة في مدلول عباراتها عن المعنى المراد منها في الموطن الذى وضعت فيه. إذ عبارتها توهم أن أيلولة عقار للوارث كان في حيازة مورّثه تجعل لهذا الوارث ملكية للعقار يحتج بها حتى على مالكه الحقيقي، وهذا غير صحيح قطعا؛ وتوهم أيضا أن أيلولة عقار للوارث كان يملكه مورّثه بعقد غير صالح للاحتجاج به على الغير تجعل لهذا الوارث ملكية في هذا العقار صالحة لأن يحتج بها على هذا الغير، وهذا أيضا غير صحيح قطعا. والصحيح المراد بهذه المادة، كما يدل عليه موطنها، أنها إنما وضعت لغرض واحد هو إمكان احتجاج الوارث الحقيقي بمجرّد ثبوت وراثته على التصرفات العقارية الصادرة من الوارث الظاهر أو من أحد الورثاء ولو كانت مسجلة، وإمكان احتجاج الوارث على تصرفات مورّثه الصادرة في مرض موته مثلا ولو كانت مسجلة.
وحيث إنه متى علم هذا أمكن القول بأن حقوق الوارث في عقارات مورّثة سواء قبل القسمة أو بعدها هي حقوق آيلة بطريق الإرث فهي حجة على الغير الذى تصرف له فيها وارث آخر تصرفا مسجلا ولو كانت تلك الحقوق مفرزة بقسمة وكان عقد القسمة غير مسجل. كما أمكن القول بأن هذا المفهوم يخصص نص المادة 612 ويجعل عقود القسمة الواجبة التسجيل بمقتضاها هي العقود الواردة على عقارات مشتركة غير آيلة من طريق الإرث.
وحيث إنه مهما يكن على هذه النظرية من الاعتراض، ومهما يترتب عليها من الضرر بالغير السليم النية الذى يشترى من الوارث فإنها نظرية لها وجاهتها والمحاكم الأهلية سارت عليها من زمن وتركزت لديها في العمل، بل المحاكم المختلطة نفسها سارت عليها وتركزت لديها في العمل أيضا مع أن المادة 555 من قانونها المدني لا تجعل القسمة مظهرة (déclaratif) لحقوق القسماء بل تجعلها مخوّلة (attributif) لكل قسيم ملكية الجزء الشائع الذى كان في قسمه للقسماء الآخرين مقابل تخويل هؤلاء القسماء الآخرين ملكية ما كان لذلك القسيم من الجزء الشائع في قسم كل منهم.
وحيث إن تلك النظرية ما دامت هي نتيجة اجتهاد في تفسير نص قابل تفسيره لإنتاجها فالأحرى بمحكمة النقض الإقرار عليها في مثل خصوصية الدعوى الحالية فقط، سيما وهى لن يعمل بها إلا فيما كان من عقود قسمة التركات صادرا قبل سنة 1924، أما الصادر منها بعد السنة المذكورة فتسرى عليه أحكام قانون التسجيل الجديد المفيدة إيجاب تسجيل عقود القسمة العقارية مطلقا حتى تكون حجة على الغير.
وحيث إنه لذلك يكون الشطران الأوّل والثاني من الوجه الأوّل غير معتبرين ما دام الثابت أن إقرار 15 سبتمبر سنة 1922 يتضمن قسمة لأطيان موروثة وهو ثابت التاريخ من سنة 1923، وما دام هو بهذه المثابة حجة لطاهر أفندي يس العارف يحتج بها على كل وريث وعلى كل من تصرف إليه أي وريث في شيء مما بهذا الإقرار ولو كان التصرف مسجلا، وما دام أنه يكون بالتالي حجة لطه بك أمين العارف الذى تصرف إليه طاهر أفندي مهما يكن تسجيل تصرف الورثة الآخرين للطاعن حاصلا قبل تسجيل طه بك المذكور.


الطعن 2 لسنة 5 ق جلسة 30 / 5 / 1935 مج عمر المدنية ج 1 ق 275 ص 815

جلسة 30 مايو سنة 1935

برياسة سعادة عبد العزيز فهمى باشا وبحضور حضرات: مراد وهبة بك ومحمد فهمى حسين بك وحامد فهمى بك وعبد الفتاح السيد بك المستشارين.

------------------

(275)
القضية رقم 2 سنة 5 القضائية

(أ) نقض وإبرام.

تقديم الطاعن صورتين مطابقتين للأصل من الحكم المطعون فيه. ليس من الإجراءات الجوهرية. الغرض منه. (المادة 18 من قانون محكمة النقض)
)ب) نقض وإبرام.

اشتمال تقرير الطعن على تفصيل الأسباب التي بني عليها الطعن. الغرض منه.
(حـ) نقض وإبرام.

تحصيل فهم الواقع في الدعوى. مدى سلطة محكمة الموضوع في ذلك.
(د) محام.

إسناد محكمة الموضوع للمحامي أمورا تستوجب النظر في أمره. حق محكمة النقض في محاكمته مباشرة.

---------------
1 - إن تقديم الطاعن لكل من الصورتين المطابقتين للأصل من الحكم المطعون فيه في الميعاد المبين بنص المادة 18 من قانون محكمة النقض ليس من الإجراءات الجوهرية التي تستوجب مخالفتها عدم قبول الطعن شكلا، وإنما هو إجراء قصد به توفير العناصر اللازمة لجعل القضية صالحة للحكم في موضوع الطعن بحيث إن إحدى الصورتين إذا كانت هي وحدها المقدّمة فقط في الميعاد فانه يكون للمحكمة أن تقضى بقبول الطعن شكلا وتلزم الطاعن بمصاريف صورة أخرى من الحكم إذا أمسك عن تقديم تلك الصورة الأخرى. فاذا هو قدّمها فتأخره في تقديمها لا يستوجب جزاءً مّا.
2- إن غرض الشارع من إيجاب اشتمال تقرير الطعن في الحكم على تفصيل الأسباب التي بني عليها الطعن إنما هو تمكين المطعون ضدّه من الوقوف على حدود الطعن وماهية وجوهه حتى يتيسر له الإسراع في تحضير دفاعه وجمع المستندات التي يراها لازمة لتأييد هذا الدفاع.
3 - إذا كانت محكمة الاستئناف في تحصيلها فهم الواقع في الدعوى من المستندات المقدّمة من الطرفين قد تناولت هذه المستندات بالبحث معتمدة في تأويلها على اعتبارات معقولة مقبولة، فهذا التصرف من جانبها داخل في سلطة تحصيل فهم الواقع في الدعوى من عيون المستندات والدلائل المقدّمة فيها ولا رقابة لمحكمة النقض عليها في ذلك.
4 - إذا أسندت محكمة الموضوع في حكمها إلى أحد المحامين أمورا من شأنها أنها تستدعى محاكمته تأديبيا فلمحكمة النقض أن تحيله إلى النائب العام لرفع الدعوى التأديبية عليه بالطريق المعتاد كما لها حق التصدي لمحاكمته مباشرة.


الوقائع

تتحصل وقائع هذه المادة - على ما يؤخذ من الحكم المطعون فيه - في أن سامى نجيب أفندي رفع لدى محكمة أسيوط الابتدائية دعوى قيدت بجدولها تحت رقم 356 سنة 1930 طلب الحكم فيها بالزام خصمه محمد محمود الكاشف بصفتيه بأن يدفع له ألفى جنيه مصري أتعابا عن قضايا باشرها له وخدمات قام بها وتعويضا عن إساءات وقعت عليه من خصمه مع إلزامه بالمصاريف والأتعاب وذلك مع تثبيت الحجز التحفظي الذى أوقعه تحت يد قلم كتاب محكمة مصر الابتدائية على مبلغ أربعمائة جنيه كان أودعها على ذمة خصمه في 15 فبراير سنة 1930. ولدى نظر هذه الدعوى رفع محمد محمود الكاشف دعوى فرعية طلب فيها الحكم بالزام المدّعى الأصلي بأن يدفع له 1580 جنيها، منها مبلغ الأربعمائة الجنيه المتقدّم الذكر، وإلزام قلم الكتاب بصرفه له مع إلزام سامى نجيب أفندي بجميع المصاريف.
وبتاريخ 14 مايو سنة 1931 حكمت المحكمة الابتدائية: (أوّلا) بالزام محمد محمود الكاشف بأن يدفع لسامى نجيب أفندي مبلغ 130 جنيها والمصاريف المناسبة ورفضت ما عدا ذلك من الطلبات و(ثانيا) في الدعوى الفرعية بالزام سامى أفندي بأن يدفع لمحمد محمود الكاشف بصفتيه مبلغ 1580 جنيها والمصاريف وأمرت بالمقاصة في أتعاب المحاماة. وقد استأنف سامى أفندي هذا الحكم لدى محكمة استئناف أسيوط وقيد استئنافه لديها برقم 67 سنة 7 قضائية طالبا الحكم بتعديل الحكم المستأنف في الدعوى الأصلية وإلزام محمد محمود الكاشف بصفتيه بأن يدفع له ألف جنيه أتعابا وتعويضا وفى الدعوى الفرعية بإلغاء الحكم المستأنف وبراءة ذمته قبل المستأنف عليه وإلزام هذا الأخير بالمصاريف والأتعاب عن الدرجتين. ولدى نظر هذا الاستئناف رفع محمد محمود الكاشف استئنافا فرعيا طلب به تعديل الحكم المستأنف في الدعوى الأصلية إلى مبلغ 45 جنيها فقط والتصريح له بصرف مبلغ الأربعمائة الجنيه المودعة والمحجوز عليها المتقدّمة الذكر، وقيد هذا الاستئناف برقم 69 سنة 7 قضائية.
وبجلسة 19 مايو سنة 1932 قرّرت محكمة الاستئناف التصريح لمحمد محمود الكاشف بصرف هذا المبلغ، ثم سمعت مرافعة الطرفين وطلباتهم وحكمت بتاريخ 19 فبراير سنة 1933 بقبول الاستئنافين شكلا وفى موضوعهما: (أوّلا) بتأييد الحكم المستأنف في الدعوى الأصلية وإلزام كل مستأنف بمصاريف استئنافه مع المقاصة في أتعاب المحاماة. (ثانيا) بتعديل الحكم المستأنف في الدعوى الفرعية وإلزام المستأنف سامى أفندي نجيب بأن يدفع للمستأنف عليه بصفتيه مبلغ 1180 جنيها والمصاريف عن الدرجتين و400 قرش أتعاب محاماة.
وقد أعلن هذا الحكم إلى الطاعن في 6 أكتوبر سنة 1934، فطعن فيه بطريق النقض في 4 نوفمبر سنة 1934 بتقرير أعلن إلى المطعون ضدّه في 10 منه، وقدم الطاعن مذكرته الكتابية في الميعاد، ولم يقدّم المطعون ضدّه أوراقه إلا بعد الميعاد واستبعدت بأمر سعادة رئيس المحكمة، وقدّمت النيابة مذكرتها في 23 أبريل سنة 1935.
وبجلسة اليوم المحدّدة لنظر هذا الطعن سمعت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة.


المحكمة

بعد سماع المرافعة الشفوية والاطلاع على الأوراق والمداولة قانونا.
من حيث إن النيابة العامة لاحظت أن الطاعن لم يودع لدى قلم كتاب هذه المحكمة فيما أودعه من أوراقه في الميعاد المحدّد له إلا صورة الحكم المطعون فيه المعلنة له من خصمه وأنه أودع بعد انقضاء هذا الميعاد صورة رسمية أخرى من ذلك الحكم ولاحظت كذلك أنه لم يفصل في تقرير الطعن الأسباب التي بنى عليها طعنه على الوجه المبين بالمادة 15 من قانون محكمة النقض، ثم لم يشرحها في مذكرته التي أودعها بقلم الكتاب. لذلك طلبت من هذه المحكمة التقرير بعدم قبول الطعن شكلا.
وحيث إن الثابت بملف هذا الطعن أن الطاعن أودع في يوم 24 نوفمبر سنة 1934 - وهو اليوم الأخير من الميعاد المحدّد له كنص المادة 18 لإيداع أوراقه - صورة واحدة من الحكم المطعون فيه هي الصورة المعلنة له من خصمه، ثم قدّم في اليوم التالي الصورة الثانية من هذا الحكم.
وحيث إن تقديم الطاعن لكل من الصورتين المطابقتين للأصل من الحكم المطعون فيه في الميعاد المبين بنص المادة 18 من قانون محكمة النقض ليس هو من الإجراءات الجوهرية التي تستوجب مخالفتها عدم قبول الطعن شكلا، وإنما هو إجراء قصد به توفير العناصر اللازمة لجعل القضية صالحة للحكم في موضوع الطعن بحيث إن إحدى الصورتين إذا كانت هى وحدها المقدّمة فقط في الميعاد فانه يكون للمحكمة أن تقضى بقبول الطعن شكلا وتلزم الطاعن بمصاريف صورة أخرى من الحكم إذا أمسك عن تقديم تلك الصورة الأخرى. وبما أن الطاعن قد قدّم فعلا الصورة الثانية من الحكم المطعون فيه فتأخره في تقديمها لا تراه هذه المحكمة يستوجب جزاء مّا.
وحيث إن غرض الشارع من إيجاب اشتمال تقرير الطعن في الحكم على تفصيل الأسباب التي بنى عليها الطعن إنما هو تمكين المطعون ضدّه من الوقوف على حدود الطعن وماهية وجوهه حتى يتيسر له الإسراع في تحضير دفاعه وجمع المستندات التي يراها لازمة لتأييد هذا الدفاع.
وحيث إن الطاعن قد صدّر تقرير الطعن ببيان موجز لموضوع الدعويين الأصلية والفرعية، ثم ذكر أنه قدّم في دعوى خصمه الفرعية لإثبات براءة ذمته أوراقا كتابية بتوقيع خصمه بإمضائه توقيعا معترفا به، ثم قال إن من تلك الأوراق الكتابية ورقتين عينهما وبيّن تاريخيهما وموضوعيهما إحداهما خطاب محرّر له من محمد محمود الكاشف بتاريخ 22 ديسمبر سنة 1927 والأخرى صورة خطاب محرّر من سامى نجيب أفندي في 19 ديسمبر سنة 1929 للبنك العقاري وعليه توقيع من محمد محمود الكاشف بإقراره ما جاء فيها. ثم قال "ولكن الحكم المطعون فيه لم يأخذ بهذه الأوراق الكتابية الصريحة المعترف بالإمضاء والتوقيع عليها مع عدم حصول الطعن فيها بالتزوير". ثم قال "ولهذا نطعن بطريق النقض ونبنيه على ما يأتي". ثم ذكر علل الطعن كما سيأتي بيان محصلها.
وحيث إن هذا البيان الذى أتى به الطاعن كاف في فهم كنه مطعنه وبمثله يستطيع المطعون ضدّه تحضير أوراقه وتهيئة دفاعه. ولهذا ترى هذه المحكمة أن عبارة التقرير غير مبهمة. وإذن يكون الطعن قد رفع صحيحا في الميعاد عن حكم قابل له ويكون مقبولا شكلا.
وحيث إن حاصل الطعن أن محكمة الاستئناف حين قضت بتعديل الحكم المستأنف على الوجه المبين بالحكم المطعون فيه لم تأخذ بمضمون الأوراق الكتابية التي قدّمها الطاعن لإثبات براءة ذمته مما طلب خصمه الحكم عليه به وكان ينبغي لها، ما دام خصمه قد اعترف بتوقيعه عليها، أن تأخذه بها وأن لا تمكنه من التنصل منها إلا إذا ادّعى فيها بالتزوير. وفوق ذلك فان المحكمة أخطأت في تفسير المستندات الكتابية التي قدّمها الطاعن مع صراحة نصوصها وعدم احتماله التأويل والتخريج.
وحيث إن محكمة الاستئناف بعد أن بينت موضوع الدعوى الأصلية والفرعية قد بحثت مزاعم الطرفين في كل منهما بحثا تفصيليا مستفيضا خرجت منه إلى النتيجة التي حكمت بها. وقد تناولت في بحثها الخطابين اللذين يشير إليهما سامى أفندي نجيب فقالت عن أوّلهما المحرّر في 22 ديسمبر سنة 1927 إنه لا يفيد ما يزعمه سامى أفندي نجيب من أنه دفع للبنك شيئا عن محمد محمود الكاشف وأن لا وجه لتمسك سامى أفندي بالشبهة التي يتمسك بها من ذلك الخطاب. ثم قالت عن خطاب سامى أفندي المحرّر للبنك العقاري بتاريخ 19 ديسمبر سنة 1929 وهو الخطاب الآخر الذى يستند إليه في تقرير الطعن اعتمادا على ما جاء بآخره على لسان محمد محمود الكاشف من أنه اطلع على هذا الطلب وأقرّ على كل ما جاء به - قالت إن ما جاء بهذا الخطاب من أن محرّره هو الذى أعاد دفع مبلغ 600 جنيه من ماله الخاص هي واقعة غير صحيحة ولا يمكن أن يتناولها تصديق محمد محمود الكاشف على هذا الخطاب الذى كان موضوعه متعلقا بطلب تخصيص مبلغ معين من دين البنك العقاري على الأطيان التي اشتراها لا بتسوية الحساب بين سامى أفندي نجيب وموكله، بل إنها هي ترى أن تصديق محمد محمود الكاشف على الخطاب قد وقع بطريق الخطأ فيما يتعلق بهذه الواقعة. وقد شرحت المحكمة أسلوب هذا الخطاب وما فيه من إبهام مقصود وانتهت بقولها إن الوقائع التي أثبتتها هي أبعد ما يكون دليلا على براءة ذمة سامى أفندي نجيب من المبلغ المشار إليه (أي المطلوب منه في الدعوى الفرعية).
وحيث إنه يبين مما تقدّم أن محكمة الاستئناف قد حصّلت فهم الواقع في الدعوى (الذى هو شغل ذمة سامى أفندي نجيب بما قبضه عن موكله) من المستندات المقدّمة من الطرفين. ولئن كانت قد تأوّلت بعض هذه المستندات كما يزعم الطاعن فقد استندت في هذا التأوّل إلى اعتبارات معقولة مقبولة. وهى إذ فعلت ذلك لا رقابة عليها لمحكمة النقض لأن هذا التصرف داخل في سلطة تحصيل فهم الواقع في الدعوى من عيون المستندات والدلائل المقدّمة فيها.
وحيث إنه لذلك يتعين الحكم برفض الطعن.
وحيث إن محكمة الاستئناف قد نسبت للمحامي سامى أفندي نجيب في حكمها أمورا من شأنها أنها تستدعى محاكمته تأديبيا وترى محكمة النقض أنها وإن كان لها حق التصدّي مباشرة لمحاكمته إلا أنها ترى إحالته إلى النائب العام لرفع الدعوى التأديبية عليه بالطريق المعتاد.


الطعن 11 لسنة 5 ق جلسة 23 / 5 / 1935 مج عمر المدنية ج 1 ق 271 ص 804

جلسة 23 مايو سنة 1935

برياسة سعادة عبد العزيز فهمى باشا رئيس المحكمة وبحضور حضرات: مراد وهبة بك ومحمد فهمى حسين بك وحامد فهمى بك وعبد الفتاح السيد بك المستشارين.

----------------

(271)
القضية رقم 11 سنة 5 القضائية

نقض وإبرام.

مستند. قول محكمة الاستئناف عنه إنه غير موقع عليه من المستأنف عليه. الورقة المقدّمة لمحكمة النقض موقع عليها منه. تقدير قيمة هذه الورقة موضوعا. نقض الحكم وإعادته لمحكمة الاستئناف.

----------------
إذا سهت محكمة الموضوع فقالت عن ورقة قدّمها خصم ليستدل بها على تعهد صادر له من خصمه إنها ورقة غير موقع عليها من الخصم المنسوبة هي إليه، ولاحظت محكمة النقض أن تلك الورقة - وقد قدّمها لها المتمسك بها (الطاعن) - عليها توقيع من خصمه، فنظرا من جهة لعدم اختصاص محكمة النقض بتقدير قيمة هذه الورقة موضوعا ومن جهة أخرى لاحتمال أن محكمة الموضوع ربما كان وجه رأيها يتغير لو أنها اعتمدت حصول توقيع الخصم على تلك الورقة يتعين أن ينقض الحكم وتعاد الدعوى لمحكمة الاستئناف لنظرها من جديد.


الوقائع

تتحصل وقائع هذه المادة - على ما يؤخذ من الحكم المطعون فيه والحكم الابتدائي المؤيد به ومن المستندات المقدّمة لهذه المحكمة وكانت مقدّمة لمحكمة الاستئناف - في أن إلياس نعمة كانت له ورشة نجارة لصنع الموبليات، وقد أشهر إفلاسه بحكم من المحكمة التجارية المختلطة باسكندرية في 21 أكتوبر سنة 1931، وانتهت التفليسة بصلح ودّى صدّقت عليه المحكمة في 16 مايو سنة 1932 مقتضاه التزام المفلس بدفع 25% من ديونه على ستة أقساط كل قسط منها يستحق بعد ستة أشهر ابتداء من تاريخ التصديق على الصلح. ولعدم وجود مال بطرف إلياس نعمة لإدارة الورشة فقد اتفق مع حنا جرجورة الذى يداينه في مبلغ 1100 جنيه على أن يقوم حنا جرجورة هذا بصرف جميع ما يلزم لها مع الاستيلاء على إيراداتها إلى أن يسدّد دينه وديون غيره من المداينين الذين اصطلحوا مع إلياس نعمة وأن يكون إلياس نعمة مديرا فنيا بأجرة شهرية قدرها 1000 قرش وأن يعين جبران نعمة مراقبا لهذه الورشة بمرتب شهري قدره ستة جنيهات وعمولة قدرها 1.5 في المائة من أثمان المبيعات، وكتب بذلك الاتفاق عقد عرفي في أوّل أكتوبر سنة 1932 وقع عليه الطرفان. وفى نفس هذا اليوم أعطى حنا جرجورة لجبران نعمة ورقة تتضمن التزامه بدفع ذلك المرتب وتلك العمولة السابقة الذكر، وأخذ حنا جرجورة ورقة أخرى إلى إلياس نعمة تتضمن قبوله بأن ما سيقوم هو بدفعه من أجر وعمولة لجبران نعمة يصير احتسابه على إلياس نعمة المذكور. ولأن هذا المحل التجاري قد تعين عليه حارس قضائي بعد ذلك وهذا الحارس أخرج جبران نعمة من العمل. فرفع جبران هذا على حنا جرجورة وعلى الحارس القضائي المدعو عبد الحميد أفندي عنبر لدى محكمة إسكندرية الابتدائية الأهلية دعوى قيدت بجدولها برقم 462 سنة 1933 قال فيها إنه في يوم 10 أبريل سنة 1933 قد طرده الحارس القضائي من عمله ولم يدفع له مرتبه من يوم 15 فبراير سنة 1933 ولا عمولته من أوّل يناير سنة 1933 وبما أن إخراجه من العمل حصل في وقت غير لائق فهو يطلب الحكم على المدّعى عليهما حنا جرجورة والحارس القضائي بأن يدفعا له متضامنين مبلغ 2880 جنيها قائلا إنه قيمة ما يستحقه من مرتب وعمولة متأخرين وما ضاع عليه من مرتب وعمولة عن المدّة الباقية.
وبتاريخ 19 أكتوبر سنة 1933 حكمت محكمة إسكندرية الابتدائية برفض الدعوى وبالزام رافعها بالمصاريف. فاستأنف المدّعى هذا الحكم لدى محكمة استئناف مصر ضدّ حنا جرجورة فقط دون الحارس القضائي عبد الحميد أفندي عنبر وقيد استئنافه بجدولها برقم 246 سنة 51 قضائية. ومحكمة الاستئناف قضت بتاريخ 30 أبريل سنة 1934 بتأييد الحكم المستأنف.
وقبل إعلان هذا الحكم إلى الطاعن طعن فيه بطريق النقض في 15 يناير سنة 1935 بموجب قرار الإعفاء من الرسوم رقم 28 سنة 4 قضائية، وأعلن تقرير الطعن إلى المطعون ضدّه في 29 من الشهر المذكور، وقدّم الطاعن مذكرته الكتابية في الميعاد القانوني، ولم يقدّم المطعون ضدّه شيئا، وقدّمت النيابة مذكرتها في 21 أبريل سنة 1935.
وبجلسة يوم الخميس الموافق 23 مايو سنة 1935 المحدّدة لنظر هذا الطعن سمعت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة.


المحكمة

بعد سماع المرافعة الشفوية والاطلاع على الأوراق والمداولة قانونا.
من حيث إن الطعن رفع صحيحا في الميعاد عن حكم قابل له فهو مقبول شكلا.
وحيث إن مبنى الطعن أن الحكم المطعون فيه القاضي بتأييد الحكم المستأنف الصادر برفض الدعوى باطل من ناحيتين: (الأولى) من ناحية أخذ محكمة الاستئناف بأسباب الحكم الابتدائي فيما ورد بها من أن الطاعن لم يكن طرفا في عقد أوّل أكتوبر سنة 1932 الذى تم بين إلياس نعمة أخي الطاعن المالك للورشة وحنا جرجورة المرتهن لها ومن أنه إذا كان هو قد عمل في ورشة أخيه فإنما يكون أجره عليه لا على حنا جرجورة. ويقول الطاعن إن كلتا المحكمتين قد أخطأت في تفسير هذا العقد، لأنه وإن لم يكن هو طرفا فيه إلا أنه قد تضمن فيما تضمنه اتفاق طرفيه على توظيفه هو مراقبا للورشة بمرتب معلوم يقبضه من حنا جرجورة الذى التزم بالصرف على الورشة وكان له قبض أثمان المبيعات - هذا إلى أن حنا جرجورة قد التزم للطاعن بدفع مرتبه وعمولة بمقتضى تعهد خاص سلمه له في أوّل أكتوبر سنة 1932. (الثانية) من ناحية أن محكمة الاستئناف بعد أن قرّرت في صدر حكمها أن الحكم المستأنف قد أصاب فيما قضى به للأسباب التي بني عليها زادت على هذه الأسباب فقالت: "إن الورقة المؤرّخة في أوّل أكتوبر سنة 1932 التي يتمسك بها المستأنف في إثبات صلة قانونية بينه وبين المستأنف ضدّه غير موقع عليها من الأخير". ويقول الطاعن إن هذا القول مخالف للواقع لأن هذه الورقة موقع عليها من حنا جرجورة.
وحيث إنه اتضح لهذه المحكمة أن الطاعن كان قدّم لمحكمتي الموضوع مستندين تاريخهما أوّل أكتوبر سنة 1932: (أوّلهما) موقع عليه من إلياس نعمة (أخي الطاعن) وحنا جرجورة وهو يتضمن اتفاقهما على توظيف الطاعن مراقبا للورشة براتب شهري معين وعمولة محدّدة من أثمان المبيعات. وقد جاء فيه أن حنا جرجورة هو الملزم بجميع ما يلزم للورشة من أجور وثمن أخشاب وغير ذلك من وجوه الصرف اللازمة لسير العمل ويستولى على إيراداتها، وأن إلياس نعمة نفسه يعتبر مديرا لها بأجرة شهرية قدرها 1000 قرش. (وثانيهما) موقع عليه باسم حنا جرجورة يتضمن التزامه بدفع مرتب الطاعن وعمولته.
وحيث إن محكمة النقض وإن كان لم يفتها أن الذى أخرج الطاعن من عمله إنما هو الحارس القضائي الذى لم يستأنف الطاعن الحكم ضدّه، ولم يفتها أيضا ما ورد بالحكم الابتدائي من الأسباب الخاصة بعلاقة الطاعن مع حنا جرجورة، تلك الأسباب التي اعتمدتها محكمة الاستئناف - إذا كانت محكمة النقض لم يفتها هذا فإنها على كل حال قد رأت محكمة الاستئناف تقول إن الورقة الأخرى المؤرّخة أوّل أكتوبر سنة 1932 التي قدّمها جبران نعمة المستأنف (الطاعن) ليستدل بها على تعهد حنا جرجورة بدفع مرتبه وعمولته وعلى أن الصلة بينهما هي صلة قانونية مباشرة هى ورقة غير موقع عليها من حنا جرجورة مع أن تلك الورقة التي قدّمها الطاعن لمحكمة النقض عليها توقيع باسم جرجورة المذكور. وبما أن محكمة الموضوع ربما كان وجه رأيها يتغير لو أنها اعتمدت حصول توقيع حنا جرجورة على تلك الورقة التي لا اختصاص لمحكمة النقض بتقدير قيمتها موضوعا، فمحكمة النقض مضطرة لهذا السبب أن تنقض الحكم وأن تعيد الدعوى لمحكمة الاستئناف لتنظرها من جديد.


الطعن 6 لسنة 5 ق جلسة 16 / 5 / 1935 مج عمر المدنية ج 1 ق 266 ص 778

جلسة 16 مايو سنة 1935

برياسة سعادة عبد العزيز فهمى باشا وبحضور حضرات: مراد وهبة بك ومحمد فهمى حسين بك وحامد فهمى بك وعبد الفتاح السيد بك المستشارين.

------------------

(266)
القضية رقم 6 سنة 5 القضائية

جنسية:
(أ ) القوانين التي لا يصح التحدي بها في صدد الجنسية.
(ب) قانون. عنوانه. لا يجوز التحدي به.
(حـ) امرأة أجنبية. تزوّجها من عثماني من أهل مصر. التحاقها بالجنسية العثمانية. عدم اكتسابها أهلية زوجها الخاصة. كيف تكتسبها؟
(د) ماهية الجنسية.
(هـ، و) امرأة أجنبية. 
تزوّجها من عثماني من أهل مصر. التحاقها بالجنسية العثمانية. بقاؤها على هذه الجنسية حتى بعد الطلاق. طلاقها من قبل 5 نوفمبر سنة 1914. متى تعتبر مصرية؟
(ز) حق الحكومة في التصريح لغير المصري الجنسية بدخول الديار المصرية أو عدم التصريح. لا تدخل للمحاكم فيما تقرّره الحكومة من ذلك.
(ح) نقض وإبرام. 
طلب قدم لمحكمة الموضوع من شأنه أن يرفض. حكم عدم الاختصاص يشمل الرفض. نقد الحكم من هذه الناحية. غير منتج.
(المواد 1و 2 و3 و7 من قانون الجنسية الصادر في سنة 1926 والمادة الأولى من قانون الجنسية الصادر في سنة 1929)

-------------------
1 - لا يجوز في صدد موضوع الجنسية المصرية التحدي بالمادة الثالثة من قانون العقوبات الصادر في سنة 1904 لأن المصريين في عرف قانون العقوبات لا يقتصر الحال فيهم على سكان مصر من العثمانيين، بل إنهم هم كافة سكان مصر من عثمانيين مصريين أصليين وعثمانيين آخرين وأجانب غير عثمانيين ممن ليس لدولهم اتفاقات تجعلهم غير خاضعين لسلطة المحاكم الأهلية. كذلك لا يجوز في هذا الصدد التحدّي بالأمر العالي الصادر في 9 أبريل سنة 1892 الشامل للائحة المستخدمين الملكيين في مصالح الحكومة ولا بالأمر العالي الصادر في 29 يونيه سنة 1900 وعنوانه في نسخته العربية هو "دكريتو بشأن من يعتبرون مصريين" ولا بالمادة العاشرة من لائحة المستخدمين الملكيين الصادر بها أمر عال في 24 يونيه سنة 1901 ولا بقانون القرعة العسكرية الصادر في 4 نوفمبر سنة 1902 فان صفة تلك القوانين أنها قوانين تقرّر أهلية (Capacité) خاصة للعثمانيين الذين تتوافر فيهم شروط خاصة أو تقرّر تكليفا خاصا على العثمانيين الذين تتوافر فيهم شروط خاصة. فكل شخص من العثماني الجنسية لا تتوافر فيه تلك الشروط الخاصة فلا تحصل له تلك الأهلية الخاصة ولا يلتزم بهذا التكليف الخاص مهما يكن قد استوطن مصر استيطانا لم يبلغ في مدّته حدّ المشروط.
2 - لا يجوز التحدي بعنوانات القوانين فان هذه العنوانات يضعها في العادة العمال المكلفون بطبع القوانين ونشرها وليس لها أقل قيمة، بل المعوّل عليه هو نصوص القوانين ذاتها.
3 -  المرأة الأجنبية الجنسية متى تزوّجت من عثماني من أهل مصر أو من غيرهم فإنها تفقد جنسيتها الأصلية وتلتحق بالجنسية العثمانية، إلا أن مجرّد زواجها وإن كان يكسبها جنسية زوجها فانه لا يصيرها من فورها كمثل زوجها تماما فيها أهليته الخاصة، لأن اكتسابها جنسية زوجها شيء واكتسابها تلك الأهلية شيء آخر لا يمكن أن يحصل لها إلا إذا توافرت فيها شروط تلك الأهلية.
4 - الجنسية هي من المعاني المفردة البسيطة التي لا تحتمل التخليط ولا التراكب. والقانون الدولي ما كان يعرف شيئا اسمه جنسية عثمانية مصرية ولا عثمانية عراقية أو حجازية أو سورية، ولا يعرف الآن شيئا اسمه جنسية فرنسية تونسية أو فرنسية جزائرية ولا اسمه جنسية إنجليزية اسكتلاندية. ذلك بأن الجنسية فرع عن السيادة (Souveraineté) ولازم من لوازمها، وللسيادة وحدانية يهدمها الإشراك والتخليط.
5 - الأصل في الحق المكتسب هو بقاؤه ما لم يظهر كاسبه الرغبة في العدول عنه. فالمرأة الأجنبية التي تزوّجت من عثماني من أهل مصر أو من غيرهم فالتحقت بالجنسية العثمانية تبقى على هذه الجنسية العثمانية حتى بعد طلاقها ولا ترتد بمجرّد الطلاق إلى أصل جنسيتها التي كانت قبل الزواج.
6 - الأجنبية التي تزوّجت من عثماني من أهل مصر، ثم طلقت منه قبل 5 نوفمبر سنة 1914 سواء أبقيت على الجنسية العثمانية التي التحقت بها أم اختارت الرجوع لجنسيتها القديمة يتعين لاعتبارها مصرية الجنسية أن تتوافر فيها الشروط الواردة بالمواد 1 و2 و3 و7 من قانون الجنسية المصرية الأوّل الصادر في سنة 1926 أو المادة الأولى من قانون الجنسية المصرية الثاني الصادر في سنة 1929. فاذا لم تتوافر فيها تلك الشروط فإنها لا تعتبر مصرية الجنسية.
7 - الحكومة المصرية وحدها هي صاحبة الشأن في التصريح لغير المصريى الجنسية بدخول الديار المصرية أو عدم التصريح. وما تقرّره من هذا هو أمر راجع لسلطتها العليا التي ليس للمحاكم التدخل فيها.
8 - إذا كان طلب التعويض عن الضرر المزعوم لحوقه بمن امتنعت الحكومة، في حدود سلطتها وحقها، عن التصريح له بدخول القطر المصري من شأنه أن يرفض، وكان الظاهر من حكم محكمة الموضوع أنها بدل أن ترفضه جعلت قضاءها بعدم الاختصاص شاملا أيضا له، فان مصلحة المحكوم ضدّه في نقد الحكم من هذه الجهة مصلحة نظرية صرف لا يؤبه لها ما دام إسقاط التعويض من اللوازم الحتمية التي تلزم عن كون الطالب غير مصري وعن كون الحكومة لها الحق المطلق في عدم التصريح له بدخول الديار المصرية الأمرين اللذين هما العلة في عدم الاختصاص.


الوقائع

تتلخص وقائع الدعوى بحسب ما يؤخذ من الحكم المطعون فيه وما أشار إليه من المستندات فيما يلى:
حضرة الطاعنة الست جاويدان هانم كانت مجرية الجنسية وقد تزوّجها سموّ الخديوي السابق عباس حلمي الثاني بعقد زواج شرعي تم على يد قاضى مصر في 28 فبراير سنة 1910 ثم طلقها بإشهاد شرعي بتاريخ 7 أغسطس سنة 1913 أمام رئيس محكمة إسكندرية الشرعية. وعقب طلاقها غادرت الديار المصرية واستمرّت خارجها إلى أن كانت سنة 1931، إذ رفعت وهي في الخارج الدعوى الحالية في 11 نوفمبر من السنة المذكورة على وزارة الداخلية لدى محكمة مصر الابتدائية الأهلية تقول فيها إنها باعتبارها مصرية قد طلبت من المفوّضية المصرية ببرلين ومن الحكومة المصرية في مصر جواز سفر مصري يسمح لها بالعودة إلى مصر والإقامة فيها، ولكن الحكومة لم تجبها إلى طلبها هذا مع أن الدستور المصري يقضي بأن المصريين لدى القانون سواء، وأنهم متساوون في التمتع بالحقوق المدنية والسياسية لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الأصل أو اللغة أو الدين، كما يقضى بأنه لا يجوز إبعاد مصري من الديار المصرية ولا أن يحظر على مصري الإقامة في جهة مّا، ولا أن يلزم بالإقامة في مكان معين إلا في الأحوال المبينة في القانون. ثم تقول إنه لإباء الحكومة عليها الدخول لمصر قد بقيت في البلاد الأجنبية للآن ولم تستطع أن تنظر فيما لها بمصر من الشئون الخاصة؛ وقد أصابها من هذا ضرر بليغ، ولذلك فهي تطلب الحكم على وزارة الداخلية (أوّلا) بأن تدفع لها مبلغ 40000 جنيه تعويضا عن حرمانها من التمتع بحقوقها وحرمانها من العودة إلى مصر والإقامة بها (وثانيا) بأن تسلم إليها جواز سفر لتدخل بمقتضاه الديار المصرية وتقيم بها وإلا كانت ملزمة بأن تدفع لها تعويضا قدره عشرة جنيهات عن كل يوم من أيام التأخير مع إلزامها بالرسوم والمصاريف الخ. وهذه الدعوى قيدت بجدول محكمة مصر برقم 384 سنة 1932. وبعد نظرها حكمت فيها تلك المحكمة بتاريخ 21 مايو سنة 1932 بعدم اختصاص المحاكم الأهلية بنظرها، وألزمت المدّعية بالمصاريف وبمبلغ 500 قرش مقابل أتعاب المحاماة.
استأنفت حضرة الست جاويدان هانم هذا الحكم لدى محكمة استئناف مصر الأهلية، وقيدت استئنافها بجدولها برقم 148 سنة 50 قضائية. وبعد نظره حكمت المحكمة في 30 يونيه سنة 1934 بقبول الاستئناف شكلا وبرفضه موضوعا وبتأيد الحكم المستأنف وبالزام المستأنفة بالمصاريف وبمبلغ 500 قرش أتعاب محاماة لوزارة الداخلية.
وقد أعلن هذا الحكم إلى الطاعنة في 21 نوفمبر سنة 1934، فطعنت فيه بطريق النقض بتاريخ 27 من الشهر المذكور بتقرير أعلن إلى وزارة الداخلية في أوّل ديسمبر سنة 1934، وقدّم طرفا الخصومة المذكرات الكتابية في الميعاد القانوني، وقدّمت النيابة مذكرتها في 12 مارس سنة 1935.
وبجلسة يوم الخميس الموافق 2 من شهر مايو سنة 1935 المحدّدة لنظر هذا الطعن سمعت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة ثم تأجل النطق بالحكم لجلسة اليوم.


المحكمة

بعد سماع المرافعة الشفوية والاطلاع على الأوراق والمداولة قانونا.
حيث إن الطعن رفع صحيحا في الميعاد عن حكم قابل له فهو مقبول شكلا.
وحيث إن مبنى الطعن أن محكمة الاستئناف أخطأت في تطبيق القانون. ذلك بأنها مع كونها أثبتت في حكمها أن حضرة الست الطاعنة قد اكتسبت جنسية زوجها، وأن هذه الجنسية التي اكتسبتها بالزواج لا تفقد بالطلاق، فقد أصرت على تأييد الحكم المستأنف لسبب ذكرته بقولها: "إن الخديوي عباس كان وقت زواجه عثمانيا فاكتسبت الأميرة جاويدان جنسيته العثمانية، وبقيت محتفظة بالجنسية العثمانية بعد الطلاق، ولم تعمل شيئا لاكتساب الجنسية المصرية". وما دامت الأميرة جاويدان غير مصرية فلا يحق لها التمتع بأحكام قانون الجنسية المصرية وأحكام الدستور المصري. ثم عللت المحكمة ذلك بقولها "إنه في تاريخ زواج الأميرة جاويدان بسموّ الخديوي وفى تاريخ طلاقها منه كانت مصر تابعة للدولة العثمانية ولم يكن لها قوانين جنسية خاصة". ثم تعقب حضرة الطاعنة على هذا في تقريرها مبينة وجه خطأ المحكمة فتقول إن الشارع المصري فرّق في قوانين عدّة بين المصري وغير المصري عثمانيا كان أو غير عثماني (كذا)، ثم تورد النصوص القانونية المصرية التي تعتمد عليها فتقول: إنها هي (أوّلا) المادة الثالثة من قانون العقوبات الأهلي الصادر في سنة 1883 (وثانيا) الأمر العالي الصادر في 9 أبريل سنة 1892 الشامل للائحة تعيين المستخدمين الملكيين في مصالح الحكومة (وثالثا) الأمر العالي الصادر في 29 يونيه سنة 1900 وعنوانه في نسخته العربية هو: "دكريتو بشأن من يعتبرون مصريين" وعنوانه في نسخته الفرنسية:
"Décret portant attribution de nationalité égyptienne à diverses catégories des personnes"
أي "دكريتو يخوّل الجنسية المصرية لبعض طوائف من الأشخاص" (ورابعا) المادة العاشرة من لائحة المستخدمين الملكيين الصادر بها أمر عال في 24 يونيه سنة 1901 (وخامسا) قانون القرعة العسكرية الصادر في 4 نوفمبر سنة 1902. ثم تقول حضرة الطاعنة - بعد إيرادها نصوص الأوامر العالية المشار إليها وعنوانات بعضها - إن قانون الجنسية المصرية الأوّل الصادر في 26 مايو سنة 1926 قد أتى في مواده الأولى والثانية والثالثة - مع اضطراب عباراتها - بتفريق ظاهر بين المصري والعثماني، كما أن قانون الجنسية المصرية الثاني وهو رقم 19 لسنة 1929 أعلن في مادته الأولى أنه يعتبر داخلا في الجنسية المصرية بحكم القانون: (أوّلا) أعضاء الأسرة المالكة (وثانيا) كل من يعتبر في تاريخ نشر هذا القانون مصريا بحسب حكم المادة الأولى من الأمر العالي الصادر في 29 يونيه سنة 1900 (وثالثا) من عدا هؤلاء من الرعايا العثمانيين الذين كانوا يقيمون عادة في القطر المصري في 5 نوفمبر سنة 1914 وحافظوا على تلك الإقامة حتى تاريخ نشر هذا القانون.
ثم تستخلص حضرة الطاعنة من كل ذلك أنها قد صارت بالزواج مصرية مثل سموّ الخديوي عباس تماما، وأنها بعد طلاقها بقيت مصرية، وأنه يحق لها أن تتمتع بأحكام الدستور المصري، وأن قضاء محكمة الاستئناف بأنها أجنبية لا تتمتع بهذه الأحكام وبأن للحكومة المصرية منعها من دخول مصر، كما هو مقتضى حقها وسلطتها العليا في منع الأجانب من دخول ديارها، هو قضاء خاطئ قانونا. ولذلك تطلب نقض حكمها المطعون فيه.

هذا

وحيث إن محكمة الاستئناف لم تذكر في حكمها ذلك السبب المنقول في تقرير الطعن، بل ذكرت في مواضع متفرّقة من الحكم ما ملخصه أن حضرة الست جاويدان هانم بزواجها بسموّ الخديوي السابق أصبحت جنسيتها عثمانية كجنسيته كما أنها بعد طلاقها منه بقيت عثمانية كذلك وهى غير حاصلة على ما يوفر لها شروط اكتساب الجنسية المصرية بحسب قانوني سنة 1926 وسنة 1929، بل هي من وقت طلاقها في سنة 1913 إلى 5 نوفمبر سنة 1914 تاريخ انفصال مصر عن تركيا، ومن بعد هذا التاريخ غير حاصلة إلا على الجنسية العثمانية فقط فهي أجنبية الجنسية ولا يمكن اعتبارها مصرية الجنسية حتى يسوغ لها التحدي في دعواها الحالية بأحكام الدستور المصري.
وحيث إنه فيما يتعلق بالمادة الثالثة من قانون العقوبات الصادر في سنة 1904 (لا قانون العقوبات الأوّل الصادر في سنة 1883 كما ذكر في تقرير الطعن سهوا) فان التحدّي بالمادة المذكورة لا يجدى في الدعوى الحالية لأن المصريين في عرف قانون العقوبات لا يقتصر الحال فيهم على سكان مصر من العثمانيين؛ بل إنهم هم كافة سكان مصر من عثمانيين مصريين أصليين وعثمانيين آخرين وأجانب غير عثمانيين ممن ليس لدولهم اتفاقات تجعلهم غير خاضعين لسلطة المحاكم الأهلية.
وحيث إن التحدّي بالعنوانين العربي أو الفرنسي لدكريتو 29 يونيه سنة 1900 غير مجد أيضا، فان عنوانات القوانين يضعها في العادة العمال المكلفون بطبع القوانين ونشرها وليس لها أقل قيمة، بل المعوّل عليه هي نصوص القوانين ذاتها.
وحيث إنه - فيما يتعلق بقانون 29 يونيه سنة 1900 المذكور وبغيره من القوانين المصرية الأخرى الصادرة قبل قانوني الجنسية والتي تعتمد عليها حضرة الطاعنة - فان مما ينبغي التذكير به أن مصر كانت تابعة للدولة العثمانية ولم يكن لها شخصية دولية مستقلة قائمة بذاتها ولا جنسية دولية خاصة، بل كانت شخصيتها الدولية فانية في شخصية الدولة العثمانية، وعلاقاتها الخارجية بيد تلك الدولة إلا مقدارا يسيرا خلص ليدها في بعض الشئون التجارية وغيرها. وكانت جنسيتها هي الجنسية العثمانية، وقانون جنسيتها في علاقتها بالدول الأجنبية هو قانون الجنسية العثمانية. غير أن مصر، وهى جزء من بلاد الدولة العثمانية تابع لها دوليا، قد كان لها استقلال داخلي فكان لها جيش خاص لا يشترك في شيء مع جيش الدولة إلا من حيث الاعتبار النظري دون العملي، وكان لها نظام خاص للتشريع وللإدارة وللقضاء متميز في كلًّ تمام التميز عن أنظمة الدولة العثمانية. والجيش والتشريع والإدارة والقضاء كل أولئك يقتضى عمالا يقومون بالعمل. ولئن كان في القيام بذلك العمل مغرم فكان فيه كثير من المغنم. لذلك كان الناس يستبقون إلى الخدمة الحكومية بمصر - كما هو الشأن فيها للآن - إما إرضاء لشهوة وطنية أو سدّا لما يحيق بالمتبطلين منهم من عوز. وبينما مصر على تلك الحال كان الرجل من العثمانيين - تركيا كان أو عراقيا أو سوريا أو أرمنيا أو روميا - بمجرّد نزوله بأرضها يتطلع إلى مركز من مراكز رجال التشريع أو إلى وظيفة في الإدارة أو القضاء، وسنده الذى يدلى به أنه عثماني ككل المصريين. فاذا ما طلب إليه أن يقوم بالخدمة العسكرية في الجيش المصري احتج بأنه أدّى تلك الخدمة بالجيش العثماني أو أنه دفع لخزانة الدولة العثمانية الإتاوة التي تعفيه من تلك الخدمة، وبأن الجيش المصري ما دام جزءا من الجيش العثماني - ولو في الاعتبار النظري - فيكون أدّى واجبه كعثماني وله مزاحمة العثمانيين المصريين في مصر ومشاركتهم في الحقوق السياسية وحق التوظف في مختلف جهات حكومتها. كان لهذا الاحتجاج بعض الوجاهة ولكنه كان فيه نبوّ عن منطق العدل. وكان لا بد من فض هذا الإشكال بقوانين تحدّد الحدود وتبين من هم العثمانيون الذين لهم التمتع في مصر بحق التوظف وبالحقوق السياسية ومن عليهم الخدمة في جيشها، فوضعت الحكومة المصرية فعلا في قانوني الاستخدام الصادرين في سنة 1892 وسنة 1901 الشروط اللازم توافرها في العثماني حتى يسوغ له التوظف في مصر. وقاعدة هذين القانونين وضعتها الحكومة أيضا بالنسبة لعمال القضاء الأهلي  (Officiers de justice) في قانون سنة 1893 الخاص برجال القضاء وعماله. ثم وضعت قانون 29 يونيه سنة 1900 خصيصا لبيان الشروط اللازم توفرها في العثماني حتى يسوغ له التمتع بحقوق الانتخاب في مصر. ووضعت في قانون القرعة العسكرية الصادر في 4 نوفمبر سنة 1902 الشروط الواجب توفرها في العثماني حتى تلزمه الخدمة العسكرية في مصر. فتلك القوانين جميعا لا شأن لها ألبتة بجنسية المصريين المعتبرة في العلاقات الدولية من حيث تقريرها أو كسبها أو فقدها فان جنسية مصرية قائمة بذاتها لم يكن لها وجود، بل كانت جنسية المصريين الدولية هي الجنسية العثمانية المقرّرة بالقانون العثماني الصادر في سنة 1869 الذى ما كانت مصر تملك فيه صرفا ولا عدلا، بل هي قوانين محلية صرف حاصل ما فيها إجمالا أن من يتمتعون في مصر بحقوق الاستخدام أو حقوق الانتخاب أو يكون عليهم أداء الخدمة العسكرية فيها هم العثمانيون الثابتة إقامتهم بمصر من سنة 1264 هجرية - سنة 1848 إفرنكية (وهى سنة أوّل تعداد للسكان حصل في آخر عهد المغفور له محمد على) ثم العثمانيون المولودون بمصر المقيمون بها أو العثمانيون المتوطنون بها من خمس عشرة سنة على الأقل. وبالجملة فان صفة تلك القوانين أنها قوانين تقرّر أهلية (capacité) خاصة للعثمانيين الذين تتوافر فيهم شروط خاصة أو تقرّر تكليفا خاصا على العثمانيين الذين تتوافر فيهم شروط خاصة. فكل شخص من العثماني الجنسية لا تتوافر فيه تلك الشروط الخاصة فلا تحصل له تلك الأهلية الخاصة ولا يلتزم بهذا التكليف الخاص مهما يكن قد استوطن مصر استيطانا لم يبلغ في مدّته حدّ المشروط.
وحيث إنه لا محل للنزاع في أن المرأة الأجنبية الجنسية متى تزوجت بعثماني من أهل مصر أو من غيرهم فإنها تكتسب جنسيته العثمانية - لا محل للنزاع فان المادة السابعة من قانون الجنسية العثمانية جاء نصها هكذا: "المرأة التي هي من تبعة الدولة العلية وتزوّجت بأجنبي تستطيع أن ترجع إلى تابعيتها الأصلية بتقديمها الاستدعاء بذلك في ظرف ثلاث سنوات بعد موت رجلها...". وهذه المادة التي لم يرد غيرها في شأن المرأة تتزوّج بآخر من غير جنسيتها ليست نصا في أن العثمانية إذا تزوّجت أجنبيا تفقد جنسيتها العثمانية وتلتحق بجنسية زوجها. وإنما هي نص في بيان ما يجب على تلك المرأة بعد موت رجلها إذا أرادت أن تعود للجنسية العثمانية. وتحرير المادة بهذه الكيفية يفيد بإشارته أن من المقرّر في ذهن واضع هذا التشريع ومن المسلم به عنده أن زواج المرأة من أي جنسية كانت بأجنبي عن جنسيتها يفقدها جنسيتها الأصلية ويلحقها بجنسية زوجها، وأن هذه القاعدة ما دام مسلما بها عنده فقد استغنى عن التنصيص عليها لا في شأن العثمانية تتزوّج أجنبيا ولا في شأن الأجنبية تتزوّج عثمانيا. ولهذا فقد أصابت محكمة الاستئناف إذ قالت إن زواج الأجنبية بالعثماني يفقدها جنسيتها ويلحقها بجنسيته العثمانية وإنه لا يمنع من ذلك عدم النص عليه في قانون الجنسية العثمانية، خصوصا وأنه - كما قالت تلك المحكمة - قد صدرت أوامر متكررة من الدولة العثمانية تفسر قانونها على هذا النحو.
وحيث إنه لا محل أيضا للنزاع في كون الأجنبية التي كسبت الجنسية العثمانية بزواجها من عثماني تبقى عثمانية بعد طلاقها ولا ترتد بمجرّد الطلاق إلى أصل جنسيتها الأجنبية التي كانت قبل الزواج - لا محل للنزاع ما دام الأصل في الحق المكتسب هو بقاؤه ما لم يظهر كاسبه الرغبة في العدول عنه. وإذا كانت عبارة التشريع العثماني قد اقتصرت على صورة إرادة المرأة الرجوع لجنسيتها الأصلية بعد وفاة زوجها فقط فإنها لا تعارض مقتضى ذلك الأصل ولا تمس به أي مساس.
وحيث إن محل النزاع فقط هو ما تريد حضرة الطاعنة - بالعبارات المضطربة الواردة بتقريرها - ما تريد حضرتها أن تقوله من أنها بمجرّد زواجها بسموّ الخديوي فقد اكتسبت لا جنسيته العثمانية فحسب، بل اكتسبت أيضا مصريته وكل حقوقه كمصري، وأن المصرية هي صفة خاصة أو جنسية خاصة دلت عليها تلك القوانين المصرية السابقة الإشارة إليها وعنوان بعضها، وأن اكتسابها جنسيته العثمانية وصفته أو جنسيته المصرية صيرها عثمانية مصرية، كما أنها باكتسابها مصرية زوجها صارت حتما وبقوّة القانون مصرية الجنسية بحسب المواد 1 و2 و3 من قانون الجنسية الصادر في سنة 1926، وخصوصا بحسب المادة الأولى من قانون الجنسية المصرية الصادر في سنة 1929.
وحيث إن الجنسية هي من المعاني المفردة البسيطة التي لا تحتمل التخليط ولا التراكب. والقانون الدولي ما كان يعرف شيئا اسمه جنسية عثمانية مصرية ولا عثمانية عراقية أو حجازية أو سورية ولا يعرف الآن شيئا اسمه جنسية فرنسية تونسية أو فرنسية جزائرية ولا اسمه جنسية إنجليزية أسكتلندية. ذلك بأن الجنسية فرع عن السيادة (Souverainité) ولازم من لوازمها وللسيادة وحدانية يهدمها الإشراك والتخليط. كما أن تلك القوانين المصرية الصادرة لغاية سنة 1902 لا شأن لها - كما سلف القول - بالجنسية ولا ترتب للمصريين شيئا من الجنسية الدولية (أي المعتبرة دوليا).
وحيث إنه مع التقرير بأن حضرة الطاعنة بزواجها قد فقدت جنسيتها الدولية وهي الجنسية المجرية وكسبت جنسية زوجها المعتبرة دوليا أي الجنسية العثمانية، ومع التقرير أيضا بأنها بزواجها بمصري وإقامتها بأرض مصر قد وضعت قدمها في مبدأ الطريق الذى كان يوصلها إلى أن تكون يوما مّا عثمانية حاصلة على الأهلية المقرّرة في تلك القوانين المصرية، إلا أن مما لا يسلم به ألبتة ما تدّعيه من أن السيدة الأجنبية مثلها إن كانت مثلها تزوّجت في سنة 1910 بأحد أفراد العثمانيين من سكان مصر المولودين أو المقيمين فيها من زمن طويل فان مجرّد زواجها كان يصيرها من فورها كمثل زوجها تماما فيها أهلية التوظف في الحكومة المصرية وأهلية الانتخاب لو كان للنساء في مصر حقوق الانتخاب - لا يمكن التسليم بذلك لأن اكتسابها جنسية زوجها شيء واكتسابها تلك الأهلية شيء آخر بالمرة لا يمكن أن يحصل لها إلا إذا أقامت بمصر الزمن المقرّر لحيازة تلك الأهلية. وما تقرّره المحكمة الآن ما كان يصدق فقط في حق الأجنبية تتزوّج مصريا، بل إنه كان يصدق أيضا في حق العثمانية الأرمنية أو التركية أو العراقية أو السورية تتزوّج مصريا، إذ هذه الزوجة العثمانية، ما دامت هي لم تكن من أهالي القطر المصري السابقين ولا ولدت فيه ولا أقامت به قبل زواجها خمس عشرة سنة، فإنها ما كانت تستطيع بمجرّد زواجها ومجيئها إلى الديار المصرية للإقامة بها مع زوجها أن تدّعى حقا في وظائف الحكومة ولا في الانتخاب (لو كان للنساء حقوق فيه) بعلة أن زوجها عثماني حائز في مصر للأهلية اللازمة للتمتع بذلك الحق.
وحيث إن اعتبار أن تلك القوانين الخاصة تسبغ على الزوجة الأجنبية أو العثمانية بمجرّد زواجها ذات الأهلية الحاصلة من قبل لمن تزوّجها من العثمانيين المصريين ليس إلا ضربا من التقدير التصوّري (fiction) الذى لا يغنى من الواقع شيئا. وهو في عدم صحته يشبه عدم صحة رأى من يزعم مثلا أن المرأة المصرية الجنسية الآن إذا تزوّجت بإنجليزي فكسبت بزواجها الجنسية الإنجليزية فانه يصبح لها حتما كل حقوقه السياسية، فيكون لها حق إعطاء صوتها في الانتخابات العامة وأن تنتخب هي لمركز نيابي ما دام لزوجها هذا الحق حتى لو فرض وأن في إنجلترا قانون انتخاب يقضى بأن لا يكون ناخبا أو نائبا إلا من كانت سنه كذا أو كذا وكان اسمه مقيدا سنين معلومة بجداول الانتخابات في الصورتين وكان يدفع لخزانة الدولة مبلغ كذا أو كذا من الضريبة - يصبح لها هذا الحق ولو كانت هي لم تبلغ السنّ المقرّرة في أية الصورتين، وليس اسمها في الجدول ولا تدفع شيئا من الضرائب بل كان زوجها وحده الحائز لكل هذه الشروط. ولا شك أن مثل هذا الزعم ظاهر البطلان.
وحيث إنه يبين من ذلك أن حضرة الطاعنة بمجرّد إقامتها بمصر من عهد زواجها في سنة 1910 إلى طلاقها في سنة 1913 لا تستفيد أدنى فائدة من التحدّي بتلك القوانين الخاصة، بل كل شأنها أنها بزواجها قد كسبت الجنسية العثمانية فقط.
وحيث إن تركيا قد استقلت بشئونها والجنسية العثمانية لا وجود لها بمصر، ومصر أيضا استقلت بجنسيتها، فقوانين الجنسية المصرية هي وحدها التي إليها المرجع في معرفة ما إذا كانت حضرة الطاعنة مصرية الجنسية الآن أم لا.
وحيث إن المواد 1 و2 و3 من قانون الجنسية المصرية الأوّل الصادر في سنة 1926 واضحة المعنى ولا شيء فيها يجعل حضرة الطاعنة مصرية الجنسية، بل إنه على العكس من هذا قد تكلمت المادة السابعة منه على مثل حالة حضرتها تماما - أي حالة من كان عثمانيا مقيما بمصر قبل 5 نوفمبر سنة 1914 ولكنه غادرها ولم يحافظ على الإقامة بها لغاية التاريخ المذكور - فقضت بأن من في هذا الوضع يجوز له أن يطلب من الحكومة المصرية اعتباره مصريا ولكن يكون لوزير الداخلية الحق المطلق في رفض طلبه. فاذا كانت حضرتها طلبت اعتبارها مصرية وكانت الحكومة المصرية رفضت فهي في حال من هذا الرفض بمقتضى ذلك النص الصريح.
وحيث إنه فيما يتعلق بقانون الجنسية المصرية الثاني الصادر في سنة 1929 الذى تتمسك حضرة الطاعنة بمادته الأولى فان الأوصاف التي أوردتها تلك المادة وجعلتها ضابطا لمن يعتبرون مصريي الجنسية بقوّة القانون لا شيء منها متحقق في حضرتها. فلا هي من أعضاء الأسرة المالكة وقت نشر قانون سنة 1929 لأن سموّ الخديوي السابق كان طلقها وانقطعت علاقتها بالأسرة المالكة قبل نشر ذلك القانون بست عشرة سنة، ولا هي ممن كانوا وقت نشر ذلك القانون يعتبرون مصريين بحكم المادة الأولى من قانون 29 يونيه سنة 1900 أي بسبب كونها من سكان مصر من عهد تعداد سنة 1848 أو كونها مولودة في مصر ومقيمة بها أو متوطنة بها فعلا من خمس عشرة سنة وإن لم تكن مولودة بها، ولا هي من الرعايا العثمانيين الذين كانوا يقيمون عادة بالقطر المصري في 5 نوفمبر سنة 1914 وحافظت على إقامتها فيه حتى تاريخ نشر القانون المذكور.
وحيث إنه يبين مما تقدّم أن لا شيء في القوانين المصرية الصادرة لغاية سنة 1902 مفيدا في الطعن الحالي وأن لا شيء في قانوني الجنسية المصرية يجعل حضرة الطاعنة مصرية الجنسية. وما دامت حضرتها ليست مصرية الجنسية - كما قرّرت محكمة الاستئناف بحق - فالحكومة المصرية وحدها هي صاحبة الشأن في التصريح لها بالعودة لمصر أو عدم التصريح وما تقرّره من هذا هو أمر راجع لسلطتها العليا التي ليس للمحاكم التدخل فيها. وإذن فيكون قضاء محكمة الاستئناف بعدم الاختصاص في هذا الصدد هو قضاء في محله ولا مخالفة فيه للقانون. كما أنه على اعتبار أن حضرة الطاعنة لا زالت عثمانية الجنسية، فان الأسباب المتقدّمة الخاصة بالجنسية وبحق الحكومة المطلق في التصريح لها بالعودة وعدم التصريح من شأنها أيضا أن تجعل طلب التعويض المرتبط أشدّ الارتباط بمسألة الجنسية من جهة وبذلك الحق المطلق الذى للحكومة من جهة أخرى هو طلب على غير أساس ومتعين رفضه. فان كانت حضرة الطاعنة ترمى في طعنها إلى نقد حكم محكمة الاستئناف من جهة انسحاب ما قضى به من عدم الاختصاص على ما يتعلق بالتعويض أيضا فان مصلحتها في هذا النقد مصلحة نظرية صرفة لا يمكن الاعتداد بها ما دام إسقاط هذا التعويض من اللوازم الحتمية التي تلزم عن كونها غير مصرية وعن كون الحكومة لها الحق المطلق في عدم التصريح لها بدخول الديار المصرية.