جلسة 30 مايو سنة 1935
برياسة سعادة عبد العزيز فهمى باشا وبحضور حضرات: مراد وهبة بك ومحمد
فهمى حسين بك وحامد فهمى بك وعبد الفتاح السيد بك المستشارين.
------------------
(275)
القضية
رقم 2 سنة 5 القضائية
(أ) نقض وإبرام.
تقديم الطاعن صورتين مطابقتين للأصل من الحكم المطعون فيه. ليس من
الإجراءات الجوهرية. الغرض منه. (المادة 18 من قانون محكمة النقض)
)ب) نقض وإبرام.
اشتمال تقرير الطعن على تفصيل الأسباب التي بني عليها الطعن. الغرض
منه.
(حـ) نقض وإبرام.
تحصيل فهم الواقع في الدعوى. مدى سلطة محكمة الموضوع في ذلك.
(د) محام.
إسناد محكمة الموضوع للمحامي أمورا تستوجب النظر في أمره. حق محكمة
النقض في محاكمته مباشرة.
---------------
1 - إن تقديم الطاعن لكل من الصورتين المطابقتين للأصل من الحكم
المطعون فيه في الميعاد المبين بنص المادة 18 من قانون محكمة النقض ليس من
الإجراءات الجوهرية التي تستوجب مخالفتها عدم قبول الطعن شكلا، وإنما هو إجراء قصد
به توفير العناصر اللازمة لجعل القضية صالحة للحكم في موضوع الطعن بحيث إن إحدى
الصورتين إذا كانت هي وحدها المقدّمة فقط في الميعاد فانه يكون للمحكمة أن تقضى
بقبول الطعن شكلا وتلزم الطاعن بمصاريف صورة أخرى من الحكم إذا أمسك عن تقديم تلك
الصورة الأخرى. فاذا هو قدّمها فتأخره في تقديمها لا يستوجب جزاءً مّا.
2- إن غرض الشارع من إيجاب اشتمال تقرير الطعن في الحكم على تفصيل
الأسباب التي بني عليها الطعن إنما هو تمكين المطعون ضدّه من الوقوف على حدود
الطعن وماهية وجوهه حتى يتيسر له الإسراع في تحضير دفاعه وجمع المستندات التي
يراها لازمة لتأييد هذا الدفاع.
3 - إذا كانت محكمة الاستئناف في تحصيلها فهم الواقع في الدعوى من
المستندات المقدّمة من الطرفين قد تناولت هذه المستندات بالبحث معتمدة في تأويلها
على اعتبارات معقولة مقبولة، فهذا التصرف من جانبها داخل في سلطة تحصيل فهم الواقع
في الدعوى من عيون المستندات والدلائل المقدّمة فيها ولا رقابة لمحكمة النقض عليها
في ذلك.
4 - إذا أسندت محكمة الموضوع في حكمها إلى أحد المحامين أمورا من
شأنها أنها تستدعى محاكمته تأديبيا فلمحكمة النقض أن تحيله إلى النائب العام لرفع
الدعوى التأديبية عليه بالطريق المعتاد كما لها حق التصدي لمحاكمته مباشرة.
الوقائع
تتحصل وقائع هذه المادة - على ما يؤخذ من الحكم المطعون فيه - في أن
سامى نجيب أفندي رفع لدى محكمة أسيوط الابتدائية دعوى قيدت بجدولها تحت رقم 356
سنة 1930 طلب الحكم فيها بالزام خصمه محمد محمود الكاشف بصفتيه بأن يدفع له ألفى
جنيه مصري أتعابا عن قضايا باشرها له وخدمات قام بها وتعويضا عن إساءات وقعت عليه
من خصمه مع إلزامه بالمصاريف والأتعاب وذلك مع تثبيت الحجز التحفظي الذى أوقعه تحت
يد قلم كتاب محكمة مصر الابتدائية على مبلغ أربعمائة جنيه كان أودعها على ذمة خصمه
في 15 فبراير سنة 1930. ولدى نظر هذه الدعوى رفع محمد محمود الكاشف دعوى فرعية طلب
فيها الحكم بالزام المدّعى الأصلي بأن يدفع له 1580 جنيها، منها مبلغ الأربعمائة
الجنيه المتقدّم الذكر، وإلزام قلم الكتاب بصرفه له مع إلزام سامى نجيب أفندي
بجميع المصاريف.
وبتاريخ 14 مايو سنة 1931
حكمت المحكمة الابتدائية: (أوّلا) بالزام محمد محمود الكاشف بأن يدفع لسامى نجيب أفندي
مبلغ 130 جنيها والمصاريف المناسبة ورفضت ما عدا ذلك من الطلبات و(ثانيا) في الدعوى
الفرعية بالزام سامى أفندي بأن يدفع لمحمد محمود الكاشف بصفتيه مبلغ 1580 جنيها
والمصاريف وأمرت بالمقاصة في أتعاب المحاماة. وقد استأنف سامى أفندي هذا الحكم لدى
محكمة استئناف أسيوط وقيد استئنافه لديها برقم 67 سنة 7 قضائية طالبا الحكم بتعديل
الحكم المستأنف في الدعوى الأصلية وإلزام محمد محمود الكاشف بصفتيه بأن يدفع له
ألف جنيه أتعابا وتعويضا وفى الدعوى الفرعية بإلغاء الحكم المستأنف وبراءة ذمته
قبل المستأنف عليه وإلزام هذا الأخير بالمصاريف والأتعاب عن الدرجتين. ولدى نظر
هذا الاستئناف رفع محمد محمود الكاشف استئنافا فرعيا طلب به تعديل الحكم المستأنف
في الدعوى الأصلية إلى مبلغ 45 جنيها فقط والتصريح له بصرف مبلغ الأربعمائة الجنيه
المودعة والمحجوز عليها المتقدّمة الذكر، وقيد هذا الاستئناف برقم 69 سنة 7 قضائية.
وبجلسة 19 مايو سنة 1932
قرّرت محكمة الاستئناف التصريح لمحمد محمود الكاشف بصرف هذا المبلغ، ثم سمعت
مرافعة الطرفين وطلباتهم وحكمت بتاريخ 19 فبراير سنة 1933 بقبول الاستئنافين شكلا
وفى موضوعهما: (أوّلا) بتأييد الحكم المستأنف في الدعوى الأصلية وإلزام كل مستأنف
بمصاريف استئنافه مع المقاصة في أتعاب المحاماة. (ثانيا) بتعديل الحكم المستأنف في
الدعوى الفرعية وإلزام المستأنف سامى أفندي نجيب بأن يدفع للمستأنف عليه بصفتيه
مبلغ 1180 جنيها والمصاريف عن الدرجتين و400 قرش أتعاب محاماة.
وقد أعلن هذا الحكم إلى
الطاعن في 6 أكتوبر سنة 1934، فطعن فيه بطريق النقض في 4 نوفمبر سنة 1934 بتقرير
أعلن إلى المطعون ضدّه في 10 منه، وقدم الطاعن مذكرته الكتابية في الميعاد، ولم
يقدّم المطعون ضدّه أوراقه إلا بعد الميعاد واستبعدت بأمر سعادة رئيس المحكمة،
وقدّمت النيابة مذكرتها في 23 أبريل سنة 1935.
وبجلسة اليوم المحدّدة
لنظر هذا الطعن سمعت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة.
المحكمة
بعد سماع المرافعة الشفوية والاطلاع على الأوراق والمداولة قانونا.
من حيث إن النيابة العامة
لاحظت أن الطاعن لم يودع لدى قلم كتاب هذه المحكمة فيما أودعه من أوراقه في الميعاد
المحدّد له إلا صورة الحكم المطعون فيه المعلنة له من خصمه وأنه أودع بعد انقضاء
هذا الميعاد صورة رسمية أخرى من ذلك الحكم ولاحظت كذلك أنه لم يفصل في تقرير الطعن
الأسباب التي بنى عليها طعنه على الوجه المبين بالمادة 15 من قانون محكمة النقض،
ثم لم يشرحها في مذكرته التي أودعها بقلم الكتاب. لذلك طلبت من هذه المحكمة
التقرير بعدم قبول الطعن شكلا.
وحيث إن الثابت بملف هذا
الطعن أن الطاعن أودع في يوم 24 نوفمبر سنة 1934 - وهو اليوم الأخير من الميعاد
المحدّد له كنص المادة 18 لإيداع أوراقه - صورة واحدة من الحكم المطعون فيه هي
الصورة المعلنة له من خصمه، ثم قدّم في اليوم التالي الصورة الثانية من هذا الحكم.
وحيث إن تقديم الطاعن لكل
من الصورتين المطابقتين للأصل من الحكم المطعون فيه في الميعاد المبين بنص المادة
18 من قانون محكمة النقض ليس هو من الإجراءات الجوهرية التي تستوجب مخالفتها عدم
قبول الطعن شكلا، وإنما هو إجراء قصد به توفير العناصر اللازمة لجعل القضية صالحة
للحكم في موضوع الطعن بحيث إن إحدى الصورتين إذا كانت هى وحدها المقدّمة فقط في الميعاد
فانه يكون للمحكمة أن تقضى بقبول الطعن شكلا وتلزم الطاعن بمصاريف صورة أخرى من
الحكم إذا أمسك عن تقديم تلك الصورة الأخرى. وبما أن الطاعن قد قدّم فعلا الصورة
الثانية من الحكم المطعون فيه فتأخره في تقديمها لا تراه هذه المحكمة يستوجب جزاء
مّا.
وحيث إن غرض الشارع من إيجاب
اشتمال تقرير الطعن في الحكم على تفصيل الأسباب التي بنى عليها الطعن إنما هو
تمكين المطعون ضدّه من الوقوف على حدود الطعن وماهية وجوهه حتى يتيسر له الإسراع
في تحضير دفاعه وجمع المستندات التي يراها لازمة لتأييد هذا الدفاع.
وحيث إن الطاعن قد صدّر
تقرير الطعن ببيان موجز لموضوع الدعويين الأصلية والفرعية، ثم ذكر أنه قدّم في دعوى
خصمه الفرعية لإثبات براءة ذمته أوراقا كتابية بتوقيع خصمه بإمضائه توقيعا معترفا
به، ثم قال إن من تلك الأوراق الكتابية ورقتين عينهما وبيّن تاريخيهما وموضوعيهما
إحداهما خطاب محرّر له من محمد محمود الكاشف بتاريخ 22 ديسمبر سنة 1927 والأخرى
صورة خطاب محرّر من سامى نجيب أفندي في 19 ديسمبر سنة 1929 للبنك العقاري وعليه
توقيع من محمد محمود الكاشف بإقراره ما جاء فيها. ثم قال "ولكن الحكم المطعون
فيه لم يأخذ بهذه الأوراق الكتابية الصريحة المعترف بالإمضاء والتوقيع عليها مع
عدم حصول الطعن فيها بالتزوير". ثم قال "ولهذا نطعن بطريق النقض ونبنيه
على ما يأتي". ثم ذكر علل الطعن كما سيأتي بيان محصلها.
وحيث إن هذا البيان الذى
أتى به الطاعن كاف في فهم كنه مطعنه وبمثله يستطيع المطعون ضدّه تحضير أوراقه
وتهيئة دفاعه. ولهذا ترى هذه المحكمة أن عبارة التقرير غير مبهمة. وإذن يكون الطعن
قد رفع صحيحا في الميعاد عن حكم قابل له ويكون مقبولا شكلا.
وحيث إن حاصل الطعن أن
محكمة الاستئناف حين قضت بتعديل الحكم المستأنف على الوجه المبين بالحكم المطعون
فيه لم تأخذ بمضمون الأوراق الكتابية التي قدّمها الطاعن لإثبات براءة ذمته مما
طلب خصمه الحكم عليه به وكان ينبغي لها، ما دام خصمه قد اعترف بتوقيعه عليها، أن
تأخذه بها وأن لا تمكنه من التنصل منها إلا إذا ادّعى فيها بالتزوير. وفوق ذلك فان
المحكمة أخطأت في تفسير المستندات الكتابية التي قدّمها الطاعن مع صراحة نصوصها
وعدم احتماله التأويل والتخريج.
وحيث إن محكمة الاستئناف
بعد أن بينت موضوع الدعوى الأصلية والفرعية قد بحثت مزاعم الطرفين في كل منهما
بحثا تفصيليا مستفيضا خرجت منه إلى النتيجة التي حكمت بها. وقد تناولت في بحثها
الخطابين اللذين يشير إليهما سامى أفندي نجيب فقالت عن أوّلهما المحرّر في 22
ديسمبر سنة 1927 إنه لا يفيد ما يزعمه سامى أفندي نجيب من أنه دفع للبنك شيئا عن
محمد محمود الكاشف وأن لا وجه لتمسك سامى أفندي بالشبهة التي يتمسك بها من ذلك
الخطاب. ثم قالت عن خطاب سامى أفندي المحرّر للبنك العقاري بتاريخ 19 ديسمبر سنة
1929 وهو الخطاب الآخر الذى يستند إليه في تقرير الطعن اعتمادا على ما جاء بآخره
على لسان محمد محمود الكاشف من أنه اطلع على هذا الطلب وأقرّ على كل ما جاء به -
قالت إن ما جاء بهذا الخطاب من أن محرّره هو الذى أعاد دفع مبلغ 600 جنيه من ماله
الخاص هي واقعة غير صحيحة ولا يمكن أن يتناولها تصديق محمد محمود الكاشف على هذا
الخطاب الذى كان موضوعه متعلقا بطلب تخصيص مبلغ معين من دين البنك العقاري على
الأطيان التي اشتراها لا بتسوية الحساب بين سامى أفندي نجيب وموكله، بل إنها هي
ترى أن تصديق محمد محمود الكاشف على الخطاب قد وقع بطريق الخطأ فيما يتعلق بهذه
الواقعة. وقد شرحت المحكمة أسلوب هذا الخطاب وما فيه من إبهام مقصود وانتهت بقولها
إن الوقائع التي أثبتتها هي أبعد ما يكون دليلا على براءة ذمة سامى أفندي نجيب من
المبلغ المشار إليه (أي المطلوب منه في الدعوى الفرعية).
وحيث إنه يبين مما تقدّم
أن محكمة الاستئناف قد حصّلت فهم الواقع في الدعوى (الذى هو شغل ذمة سامى أفندي
نجيب بما قبضه عن موكله) من المستندات المقدّمة من الطرفين. ولئن كانت قد تأوّلت
بعض هذه المستندات كما يزعم الطاعن فقد استندت في هذا التأوّل إلى اعتبارات معقولة
مقبولة. وهى إذ فعلت ذلك لا رقابة عليها لمحكمة النقض لأن هذا التصرف داخل في سلطة
تحصيل فهم الواقع في الدعوى من عيون المستندات والدلائل المقدّمة فيها.
وحيث إنه لذلك يتعين
الحكم برفض الطعن.
وحيث إن محكمة الاستئناف
قد نسبت للمحامي سامى أفندي نجيب في حكمها أمورا من شأنها أنها تستدعى محاكمته
تأديبيا وترى محكمة النقض أنها وإن كان لها حق التصدّي مباشرة لمحاكمته إلا أنها
ترى إحالته إلى النائب العام لرفع الدعوى التأديبية عليه بالطريق المعتاد.