جلسة 27 من ديسمبر سنة 1965
برياسة السيد المستشار/
توفيق أحمد الخشن نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: مختار مصطفى
رضوان، ومحمود عزيز الدين سالم، وحسين سامح، ومحمد أبو الفضل حفنى.
------------
(183)
الطعن رقم 1356 لسنة 35
القضائية
(أ، ب، جـ، د، هـ، و، ز،
ح، ط) كسب غير مشروع. "صورة". موظفون عموميون. قانون.
"تفسيره". "سريانه من حيث الزمان". محكمة الموضوع. حكم.
"تسبيبه. تسبيب معيب" إثبات. "قرائن. قرائن قانونية".
)أ) الكسب غير المشروع.
ماهيته: كل مال تملكه الموظف أو من في حكمه فصار ضمن ذمته المالية عنصرا من
عناصرها باستغلال ما تسبغه عليه وظيفته أو يخوله مركزه من إمكانيات تطوع له
الاجتراء على محارم القانون مما يمس ما يفترض في الموظف العام أو من في حكمه من
الأمانة والنزاهة.
(ب) صوره. له صورتان:
الأولى: - التي يثبت فيها على الموظف ومن في حكمه أيا كان نوع وظيفته استغلاله
بالفعل لأعمال أو نفوذ أو ظروف وظيفته أو مركزه وحصوله كذلك بالفعل على مال مؤثم
نتيجة لهذا الاستغلال. والثانية: - هي التى لا يثبت فيها الاستغلال الفعلي على
الموظف ومن في حكمه ولكن يثبت أن لديه في ماله زيادة عجز عن إثبات مصدرها.
)جـ) على قاضي الموضوع
لأخذ المتهم بجريمة الكسب غير المشروع أن يثبت في حكمه توافر أمرين - هما الزيادة
غير المبررة في مال الموظف - وكون نوع وظيفته بالذات يتيح له فرصة ذلك الاستغلال
حتى يصح اعتبار عجزه عن إثبات مصدر الزيادة في ماله قرينة قانونية عامة على أن هذه
الزيادة تمثل كسبا غير مشروع.
)د) المراد بمصدر الايراد
بالنسبة لقانون الكسب غير المشروع؟ عموم المورد المالي دون بيان تفاصيل أسبابه.
)هـ) مجرد حيازة المال.
قرينة على تحقق الملك في القانون.
)و) عجز الموظف عن إثبات
ما يملكه. قرينة على أن الزيادة في ماله إنما حصلت من استغلاله لوظيفته.
(ز) متى تنتفى القرينة التي
افترضها الشارع في قانون الكسب غير المشروع؟ عند ثبوت مصدر سليم للزيادة في ثروة
الموظف وكان هذا المصدر من شأنه إنتاج الزيادة في ماله.
(ح) رجوع الزيادة في ثروة
الموظف إلى مصدر لا شأن له بالوظيفة مشروعا أو غير مشروع. إسنادها بمقتضى القرينة
العامة إلى الوظيفة. غير جائز.
(ط) إدانة الطاعن بجريمة
كسب غير مشروع على اعتبار أن مجرد قيام الوظيفة به وتقديم شكوى ضده وزيادة ثروته
طبقا. لما قدره الخبير على أن ما كسبه غير مشروع. خطأ في القانون وفساد في
الاستدلال وقصور في التسبيب.
-----------------
1 - يبين من نصوص القانون
رقم 193 لسنة 1951 المعدل بالقانون رقم 35 لسنة 1952 بشأن الكسب غير المشروع
والقانون رقم 191 لسنة 1952 - أن المقصود بالكسب غير المشروع كل مال تملكه الموظف
أو من في حكمه فصار ضمن ذمته المالية عنصرا من عناصرها باستغلال ما تسبغه عليه
وظيفته أو يخوله مركزه من إمكانيات تطوع له الإجتراء على محارم القانون مما يمس ما
يفترض في الموظف العام أو من في حكمه من الأمانة والنزاهة. وهذا هو المعنى الذى
عناه الشارع وبينه سواء فيما أورده من نصه أو فيما أفصح عنه من استمداده لقانون
الكسب غير المشروع من نظيره القانون الفرنسي الصادر في 6 من يناير سنة 1945 أو في
الأعمال التحضيرية استهدافا للقضاء على الشره إلى المال وقلة الأمانة والابقاء على
سلامة أداة الحكم وسمعته وذلك بأحكام الرقابة على الموظفين ومن في حكمهم من ذوى
الصفة النيابية العامة.
2 - الكسب غير المشروع
أخذا من نص قانونه لا يعدو صورتين. الأولى: وهي التي يثبت فيها على الموظف ومن في
حكمه أيا كان نوع وظيفته استغلاله بالفعل لأعمال أو نفوذ أو ظروف وظيفته أو مركزه
وحصوله كذلك بالفعل على مال مؤثم نتيجة لهذا الاستغلال. وهذه الصورة تواجهها
الفقرة الأولى من المادة الخامسة من القانون رقم 131 لسنة 1952 في صريح مدلولها.
والثانية: وهي التي لا يثبت فيها الاستغلال الفعلي على الموظف ومن في حكمه ولكن
بثبت أن لديه في ماله زيادة عجز عن إثبات مصدرها. وهذا هو موضوع الفقرة الثانية من
المادة وفي هذه الحالة يتعين أن يكون نوع وظيفة المتهم مما يتيح له فرص الاستغلال
على حساب الدولة أو على حساب الغير.
3 - يتعين على قاضى
الموضوع لأخذ المتهم بجريمة الكسب غير المشروع أن يثبت في حكمه توافر أمرين هما
الزيادة غير المبررة في مال الموظف وكون نوع وظيفته بالذات يتيح له فرصة ذلك الاستغلال
حتى يصح اعتبار عجزه عن إثبات مصدر الزيادة في ماله قرينة قانونية عامة على أن هذه
الزيادة تمثل كسبا غير مشروع ولا يسار إلى حكم القرينة المنصوص عليها في الفقرة
الثانية حتى يثبت ذلك في شأن الموظف أو من في حكمه لأن الفقرة الثانية تالية
للفقرة الأولى من نص المادة الخامسة من القانون 131 لسنة 1952 - منعطفة عليها في
الحكم، مرتبطة في المعنى. والقول بغير ذلك يؤدى إلى اعتبار القرينة العامة المنصوص
عليها في الفقرة الثانية دليلا مطلقا لا يندفع إذا اقتطع حكمها غير مرتبط بحكم
الفقرة الأولى لمحض كون المتهم الذى نسب إليه الكسب موظفا أو من في حكمه - وهو
بعيد عن أن يتعلق به مراد الشارع الذى أراد إيجاد مجرد قرينة عامة في حق المتهم
حتى لا تكلف سلطة الاتهام مؤونة تقديم الدليل على مصدر الزيادة في ثروته الأمر
الذى قد يعجزها إثباته خصوصا وأن لقانون الكسب غير المشروع أثرا رجعيا ينعطف إلى
أول سبتمبر سنة 1939 حين لم يكن يتوقع أحد من الموظفين أو من في حكهم أن سيجيئ وقت
يسأل فيه عن مصادر إيراده.
4 - المراد بمصدر الإيراد
بالنسبة لقانون الكسب غير المشروع هو عموم المورد المالي دون تفاصيل أسبابه ودقائق
أسانيده لأنه ليس في مقدور أحد - والقانون ذو أثر رجعى - أن يقدم الدليل المعتبر -
عند التنازع - على ملكيته لكل ما لديه بالتعيين والتحديد ما لا مالا.
5 - أقام القانون - حيازة
المال - قرينة على تحقق الملك حتى يرفع عن حائزه العنت إذا طولب بتقديم سند ملكيته
لكل ما في يده.
6 - يصح اتخاذ عجز الموظف
عن إثبات ما يملكه قرينة مقبولة على أن الزيادة في ماله إنما حصلت من استغلاله
لوظيفة هي بذاتها من نوع الوظائف التي تتيح هذا الاستغلال.
7 - متى ثبت مصدر سليم
للزيادة في ثروة المتهم، وكان هذا المصدر من شأنه إنتاج الزيادة في ماله فقد انتفت
القرينة التي افترضها الشارع ولم يجز من بعد اعتباره عاجزا عن إثبات مصدره.
8 - متى كانت الزيادة في
ثروة الموظف المتهم ترجع إلى مصدر لا شأن له بالوظيفة مشروعا كان أو غير مشروع فلا
يصح اسنادها بمقتضى القرينة العامة إلى الوظيفة.
9 - إذا كان الحكم حين
دان الطاعن بجريمة الكسب غير المشروع اعتبر مجرد قيام الوظيفة به وتقديم شكوى ضده
- لم يفصح عن مضمونها - وزيادة ثروته طبقا لما قدره الخبير دليلا على أن ما كسبه
غير مشروع. فإن الحكم يكون قد أخطأ في تطبيق القانون فوق فساد استدلاله وقصور
تسبيبه مما يعيبه بما يوجب نقضه.
الوقائع
اتهمت النيابة العامة
الطاعن بأنه في خلال الفترة من أول سبتمبر سنة 1963 حتى أول مايو سنة 1960 بدائرة
محافظة الشرقية: بصفته موظفا عاما "صرافا بمركز الحسينية" حصل على كسب
غير مشروع قدره 1476 ج و752 م عجز عن إثبات مصدره. وبتاريخ 26 ديسمبر سنة 1963
أحالته نيابة الشئون المالية والتجارية إلى محكمة الجنايات لمعاقبته بالمواد 1 و5/
1 - 2 و9/ 1 و10 و11 و14 و19 من المرسوم بقانون رقم 131 لسنة 1952 المعدل بالقانون
171 لسنة 1957. ومحكمة جنايات الزقازيق قضت حضوريا في 2 يونيه سنة 1964 عملا
بالمواد 1 و16 و19 من المرسوم بقانون 131 لسنة 1952 و8 و6 و10 و11 من القانون رقم
171 لسنة 1957 الخاص بالكسب غير المشروع مع تطبيق المادتين 55 و56 من قانون
العقوبات بمعاقبة المتهم بالحبس مع الشغل لمدة ستة أشهر وتغريمه مبلغ خمسين جنيها
وإلزامه أن يرد لخزانة الدولة الكسب غير المشروع الذى حصل عليه وقدره 1476 ج و752
م وأمرت بوقف تنفيذ عقوبة الحبس لمدة ثلاث سنوات تبدأ من تاريخ صدور الحكم. فطعن
المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض.... الخ.
المحكمة
حيث إن مما ينعاه الطاعن
على الحكم المطعون فيه الفساد في الاستدلال والقصور في التسبيب والخطأ في تطبيق
القانون ذلك بأنه دان الطاعن بجريمة الكسب غير المشروع على أساس أنه حقق على فترات
أربع كسبا يتمثل في زيادة ماله زيادة لا يغطيها مورد مشروع وكان من بين ما اعتمد
عليه في ذلك أنه تملك عشرة أفدنة بعد أول سبتمبر سنة 1939 وهو التاريخ المعتبر
بدءا لسريان القانون معولا على ما ذكره الطاعن في اقرار الذمة المالية المقدم منه
عن سنة 1952 تحت عنوان "المال المملوك لزوجته وقت كتابة الاقرار" مع أنه
قدم إلى المحكمة شهادة إدارية صادرة من عمدة ومشايخ الجهة تثبت أن زوجته تملك هذا
القدر قبل سنة 1939 فلا تسرى عليه أحكام المادة 11 من القانون رقم 131 لسنة 1952
المعدلة بالقانون رقم 171 لسنة 1957 ولكن المحكمة أطرحتها بما لا يسوغ في أصول
الاستدلال إذ ذكرت في حكمها أن الطاعن أثبت هذا القدر في إقرارات الذمة المالية
باعتباره ملكا لزوجته وقت كتابة الاقرار الأول سنة 1952 وفاتها أن هذا القول ينقضه
ما سجله الحكم نفسه من أن هذا القدر آل لزوجته بعقدين مسجلين في سنة 1944 وسنة
1945 أي قبل تحرير الاقرار المذكور كما استند الحكم إلى تقريري الخبيرين الحسابي والهندسي
إثباتا لزيادة ماله في الفترة الأولى موضوع البحث مقدارها 575 ج الأمر الذى ينقضه
ما سجله الحكم نفسه أيضا من أن الطاعن سطر في اقراره أنه يملك منقولات ومصوغات
ومالا نقديا تزيد في مجموع قيمتها على الفرق الذى احتسبه الخبيران في هذه الفترة
كما اعتمد الحكم على تقريري الخبرة في حساب الفترتين الثانية والثالثة مع أن تقدير
الخبيرين لم يبن على الواقع في احتساب القيمة الإيجارية للعقارات التي يملكها
الطاعن وفي احتساب التكاليف الفعلية للمباني فإذا زيد إيراد الأطيان وانقصت تكاليف
البناء واحتسب نتاج الماشية وأضيف ربح زوجته من حياكة الملابس غطى هذا كله الفرق
الذى احتسبه الخبيران كسبا وأخذ به الحكم دون مراجعة ولا تمحيص مما يعيبه بما يوجب
نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون
فيه بعد أن أورد واقعة الدعوى موجزة على قوله بأنه بناء على شكوى تبين من تحقيقها
أن الطاعن حقق كسبا غير مشروع مقداره 1476 ج و752 م ساق للتدليل على هذه الواقعة
ما ورد في إقرارات الذمة المالية المقدمة من الطاعن والمؤرخة 25/ 6/ 1952 و10/ 12/
1958 و3/ 8/ 1959 وما جاء في تقرير مكتب خبراء وزارة العدل الحسابي وتقرير مكتبها الهندسي
وقد قسم أول التقريرين المدة موضوع البحث إلى فترات أربع الأولى تبدأ من 1/ 9/
1939 وتنتهى بشراء زوجة المتهم 10 أفدنة و8 قراريط و4 أسهم في 6/ 3/ 1945 حسب فيها
الدخل والمنصرف فتبين أن المتهم حقق فرقا في ماله لم يبين مصدره مقداره 575 جنيها
و130 مليما والثانية من نهاية الفترة السابقة إلى 31/ 12/ 1948 وقد تحقق للمتهم
فيها فائض مقداره 689 جنيها و257 مليما والثالثة من 1/ 10/ 1949 وتنتهى في 31/ 8/
1951 تحققت فيها زيادة قدرها 17 جنيها و451 مليما والرابعة من نهاية الفترة
السابقة في 1/ 9/ 1951 إلى 1/ 5/ 1957 تحقق فيها فائض غير ثابت المصدر مقداره 124
جنيها و752 مليما مما يجعل مجموع الزيادة التي عجز المتهم عن إثبات مصدرها 1476
جنيها و752 مليما دانه الحكم بتحقيقه كسبا غير مشروع اعتبارا بأن عجزه عن إثبات
مصدر المال قرينة قانونية على عدم مشروعية هذا المصدر طبقا للفقرة الثانية من
المادة الخامسة من المرسوم بقانون رقم 131 لسنة 1952 بشأن الكسب غير المشروع
المضافة بقانون رقم 191 لسنة 1952 ثم عرض الحكم لدفاع الطاعن المنوه عنه في وجه
الطعن ورد عليه بما نصه "وأما ما دفع به المتهم من أن زوجته تملك الـ 10
أفدنة و 8 قراريط و14 سهما قبل عام 1939 فمردود بأنه لم يذكر ذلك في إقرار الذمة
المالية الموقع عليه منه المؤرخ 25/ 8/ 1952 وعلى العكس من ذلك فقد ذكر أنه في أول
سبتمبر عام 1939 لم يكن يمتلك سوى فدانين وأن نظرة واحدة إلى شكل إقرار الذمة
ليبين منها أن المتهم يتخبط في دفاعه ويحاول التنصل من تهمة ثبتت عليه - فان
الاقرار المحرر بتاريخ 25/ 8/ 1952 يحمل بيانين البيان الأول مثبت فيه بيان ما
يملكه الممول قبل عام 1939 والقسم الثاني بيان ما يمتلكه وقت تحرير الاقرار ولم
يدون في القسم الأول إلا الفدانين دون العشرة أفدنة وثمانية قراريط بينما أن تلك
المساحة أدرجت فيما تملكه زوجته في القسم الثاني وقت تحرير الاقرار وكذلك الحال
تماما بالنسبة لإقرار الذمة الذى حرره المتهم في 3/ 8/ 1959 والذى يشمل بدوره
بيانين منفصلين عن بعضهما أولهما عن الملكية قبل عام 1939 والثاني عن الملكية وقت
تحرير الاقرار - وواضح أن العشرة أفدنة وثمانية قراريط وأربعة عشر سهما لم تدرج في
القسم الأول وأدرجت في القسم الثاني - والمتهم عندما يقرر أنه سهى عليه إثبات تلك
الملكية في إقرار عام 1952 يتضح زيفه في أن البيان نفسه قد تكرر في اقرار عام 1959
وفضلا عن ذلك فانه قرر بتحقيقات النيابة أنه باع أطيانا زراعية مساحتها ستة قراريط
عام 1946 واستخدم ثمنها في شراء الـ 10 أفدنة و8 قراريط و4 أسهم لزوجته ومن غير
المعقول أن يستخدم المتهم ثمن البيع المدفوع عام 1946 في شراء أطيان يدعى أنها
كانت مملوكة له قبل عام 1939 ولا يقدح في ذلك الشهادة الإدارية المنوه عنها
المقدمة من المتهم فلا تطمئن لها المحكمة إذ يستطيع المتهم بطرقه وبصفته صرافا أن يستحوذ
على بعض المشايخ فوقعوا له على أوراق ثبت من إقراره الكتابي الحاسم الموقع عليه
منه ما يدحضها.
وحيث إنه من كل ذلك يكون
المتهم قد عجز عجزا كليا عن إثبات مصدر الزيادة في الثروة التي طرأت على ثروته
وثروة زوجته وأما ما زعمه من أنه يكتسب من المشاركة في تجارة المواشي ومما يتقاضاه
من مكافآت فقد أدخل الخبير كل ذلك في حسبانه وقدم تقريره على ضوء ذلك ومن ثم
فتنطبق في حقه المادة 4 من القانون رقم 131 لسنة 1952 والتي تنص على أن عجز المتهم
عن بيان مصدر زيادة ثروته يعتبر كسبا غير مشروع". وهذا الذى ذكره الحكم
المطعون فيه ينطوي على فساد في الاستدلال وقصور في التسبيب ذلك بأنه يبين من
مدونات الحكم نفسه في أكثر من موضع نقلا عن تقرير الخبير الحسابي أن الطاعن اشترى
عشرة الأفدنة المملوكة لزوجته بعقد سجله في 6/ 3/ 1945 مما يجعل استناد الحكم إلى
إقرار الذمة المالية المقدم من الطاعن في 25/ 8/ 1952 في قوله إن ملكية هذا القدر
لم تؤل إلى الزوجة إلا وقت كتابة الاقرار ينقضه حتما ثبوت ملكيتها له بعقد مسجل
قبل ذلك بسبع سنين مما يرشح لإمكان وضع يد الطاعن عليه قبل ذلك بمقتضى عقد عرفي
كما هو المألوف الجاري الذى أراد أن يثبته بالشهادة الإدارية التي قدمها للمحكمة
ولا يعرف مبلغ الأثر الذى كان يتركه هذا الدليل في وجدان المحكمة لو تنبهت إلى
حقيقته والأدلة في المواد الجنائية ضمائم متساندة ومنها مجتمعة تتكون عقيدة القاضي
فاذا تطرق الفساد إلى أحدها عاب سائرها كما أن الحكم أطرح دفاع الطاعن المبين في
الطعن والمردد في جلسة المحاكمة جملة بمقولة إن ما زعمه من أنه يربح من تجارة
الماشية وأن بعض الزيادة في ماله نجمت مما يتقاضاه من مكافأة كل ذلك قد أدخله
الخبير الحسابي في تقديره وقدم تقريره على ضوئه دون أن يعرض للمصادر الأخرى
للزيادة في ماله والتي أوردها في دفاعه ودون أن يورد ما جاء في تقرير الخبير أو
يحيل إلى أسبابه مما يصلح ردا على هذا الدفاع بل اعتنق رأى الخبير رأيا له وأخذ به
دون بحث ولا تدقيق مع أن الأحكام الجنائية يجب أن تبنى على الأدلة التي يقتنع منها
القاضي بإدانة المتهم أو ببراءته صادرا في ذلك عن عقيدة يحصلها هو مما يجريه من
التحقيق مستقلا في تحصيل هذه العقيدة بنفسه لا يشاركه فيها غيره ولا يصح بمجال أن
تبنى على رأى لغير من يصدر الحكم وذلك سواء أكان ما يبنى عليه القاضي رأيه دليلا
صريحا على المتهم في الادانة أو ردا على دفاع جوهري له إذ أن رد الدفاع على المتهم
ينتج في وجدان القاضي الذى يبسط لديه، ما ينتجه سوق أدلة الاتهام عليه. لما كان
ذلك، وكان القانون رقم 193 لسنة 1951 المعدل بالقانون رقم 35 لسنة 1952 بشأن الكسب
غير المشروع قد عرفه في مادته الثالثة بنصه على أنه "يعد كسبا غير مشروع كل
مال حصل عليه أى شخص من المذكورين بالمادة الأولى - والموظفون منهم - بسبب استغلال
أعمال أو نفوذ أو ظروف وظيفته أو مركزه" وقد ألغى هذا القانون وحل محله
المرسوم بقانون رقم 131 لسنة 1952 ونص في مادته الخامسة المعدلة بالقانون رقم 191
لسنة 1952 على تعريف الكسب غير المشروع بقوله "يعد كسبا غير مشروع كل مال حصل
عليه أى شخص من المذكورين بالمادة الأولى بسبب أعمال أو نفوذ وظيفته أو مركزه أو
بسبب استغلال شيء من ذلك وكل زيادة يعجز مقدم الاقرار عن إثبات مصدرها يعتبر كسبا
غير مشروع". ومن هذين النصين يبين أن المقصود بالكسب غير المشروع كل مال
تملكه الموظف أو من في حكمه فصار ضمن ذمته المالية عنصرا من عناصرها باستغلال ما
تسبغه عليه وظيفته أو يخوله مركزه من إمكانيات تطوع له الاجتراء على محارم القانون
مما يمس ما يفترض في الموظف العام أو من في حكمه من الأمانة والنزاهة وهذا هو
المعنى الذى عناه الشارع وبينه سواء فيما أورده من نصه أو فيما أفصح عنه من
استمداده لقانون الكسب غير المشروع من نظيره القانون الفرنسي الصادر في 6 من يناير
سنة 1945 أو في الأعمال التحضيرية استهدافا للقضاء على الشره إلى المال وقلة
الأمانة والابقاء على سلامة أداة الحكم وسمعته وذلك بأحكام الرقابة على الموظفين
ومن في حكمهم من ذوى الصفة النيابية العامة. والكسب غير المشروع أخذا من نص قانونه
لا يعدو صورتين. الأولى: وهي التي يثبت فيها على الموظف ومن في حكمه أيا كان نوع
وظيفته استغلاله بالفعل لأعمال أو نفوذ أو ظروف وظيفته أو مركزه وحصوله كذلك
بالفعل على مال مؤثم نتيجة لهذا الاستغلال. وهذه الصورة تواجهها الفقرة الأولى من
المادة الخامسة من القانون رقم 131 لسنة 1952 في صريح مدلولها. والثانية: وهي التي
لا يثبت فيها هذا الاستغلال الفعلي على الموظف ومن في حكمه ولكن يثبت أن لديه في
ماله زيادة عجز عن إثبات مصدرها وهذا هو موضوع الفقرة الثانية من المادة - وفي هذه
الحالة - يتعين أن يكون نوع وظيفة المتهم مما يتيح له فرص الاستغلال على حساب
الدولة أو على حساب الغير ويتعين على قاضى الموضوع لإعمال هذه القرينة أن يثبت في
حكمه توافر هذين الأمرين وهما الزيادة غير المبررة في مال الموظف وكون نوع وظيفته
بالذات تتيح له فرصة ذلك الاستغلال حتى يصح اعتبار عجزه عن إثبات مصدر الزيادة في
ماله قرينة قانونية عامة على أن هذه الزيادة تمثل كسبا غير مشروع ولا يسار إلى حكم
القرينة المنصوص عليها في الفقرة الثانية حتى يثبت ذلك في شأن الموظف أو من في
حكمه لأن الفقرة الثانية تالية للفقرة الأولى من النص منعطفة عليها في الحكم مرتبطة
بها في المعنى والقول بغير ذلك يؤدى إلى اعتبار القرينة العامة المنصوص عليها في
الفقرة الثانية دليلا مطلقا لا يندفع إذا اقتطع حكمها غير مرتبط بحكم الفقرة
الأولى لمحض كون المتهم الذى نسب إليه الكسب موظفا أو من في حكمه وهو بعيد أن
يتعلق به مراد الشارع الذى أراد إيجاد مجرد قرينة عامة في حق المتهم حتى لا تكلف
سلطة الاتهام مؤونة تقديم الدليل على مصدر الزيادة في ثروته الأمر الذى قد يعجزها
إثباته خصوصا وأن لقانون الكسب غير المشروع أثرا رجعيا ينعطف إلى أول سبتمبر سنة
1939 حين لم يكن يتوقع أحد من الموظفين أو من في حكمهم أن سيجئ وقت يسأل فيه عن
مصادر إيراده والمراد بالمصدر عموم المورد المالي دون تفاصيل أسبابه ودقائق
أسانيده لأنه ليس في مقدور أحد - والقانون ذو أثر رجعى كما تقدم بيانه أن يقدم
الدليل المعتبر - عند التنازع - على ملكيته لكل ما لديه بالتعيين والتحديد ما لا مالا.
وقد أقام القانون نفسه
حيازة المال قرينة على تحقق الملك حتى يرفع عن حائزه العنت إذا طولب بتقديم سند
ملكيته لكل ما في يده وبهذا الفهم لمعنى وعاء الزيادة يصح اتخاذ عجز الموظف عن
إثباته قرينة مقبولة على أن الزيادة في ماله إنما حصلت من استغلاله لوظيفة هي بذاتها
من نوع الوظائف التي تتيح هذا الاستغلال على أنه متى ثبت مصدر سليم للزيادة في
ثروة المتهم وكان هذا المصدر من شأنه إنتاج الزيادة في ماله فقد انتفت القرينة التي
افترضها الشارع ولم يجز من بعد اعتباره عاجزا عن إثبات مصدره ومن جهة أخرى فإنه
متى كانت الزيادة في ثروة الموظف المتهم ترجع إلى مصدر لا شأن له بالوظيفة مشروعا
كان أو غير مشروع فلا يصح إسنادها بمقتضى القرينة العامة إلى الوظيفة. ولما كان ما
تقدم، وكان الحكم حين دان الطاعن بجريمة الكسب غير المشروع لم يتفطن ابتداء إلى
المعاني القانونية المتقدمة وإنما اعتبر مجرد قيام الوظيفة به وتقديم شكوى ضده لم
يفصح عن مضمونها وزيادة ثروته طبقا لما قدره الخبير دليلا على أن ما كسبه غير
مشروع وكانت أوجه الطعن كلها تتسع لهذا المأخذ، فإن الحكم المطعون فيه يكون قد
أخطأ في تطبيق القانون فوق فساد استدلاله وقصور تسبيبه مما يعيبه بما يوجب نقضه.