الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 4 ديسمبر 2019

دستورية المسئولية الجنائية لمسئول الإدارة الفعلية للشركة المخالفة لأحكام اللائحة التنفيذية لقانون سوق رأس المال

الدعوى رقم 156 لسنة 34 ق "دستورية" جلسة 2 / 11 / 2019
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الثانى من نوفمبر سنة 2019م، الموافق الخامس من ربيع أول سنة 1441 هـ.
برئاسة السيد المستشار / سعيد مرعى عمرو    رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: الدكتور عادل عمر شريف وبولس فهمى إسكندر ومحمود محمد غنيم والدكتور عبدالعزيز محمد سالمان والدكتور طارق عبدالجواد شبل وطارق عبد العليم أبو العطا        نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشرى رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع        أمين السر

أصدرت الحكم الآتى
فى الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 156 لسنة 34 قضائية "دستورية".
المقامة من
باسل محمد مدحت –    بصفته عضو مجلس الإدارة المنتدب لشركة البحر المتوسط لتداول الأوراق المالية
ضـــــد
1-    رئيس الجمهوريــة
2-    رئيس مجلس الوزراء
3-    رئيس الهيئة العامة للرقابة المالية
الإجراءات
بتاريخ الرابع من شهر أكتوبر سنة 2012، أودع المدعى صحيفة هذه الدعوى، قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طلبًا للحكم بعدم دستورية نص المادة (68) من قانون سوق رأس المال الصادر بالقانون رقم 95 لسنة 1992.

وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
كما قدم المدعى عليه الثالث مذكرة، طلب فيها الحكم بعدم قبول الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمــة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل - حسبما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - في أن النيابة العامـة، كانت قد قدمت المُدعي وآخرين للمحكمة الجنائية - بناءً على طلب رئيس الهيئة العامة للرقابة المالية -، في الجنحة رقم 177 لسنة 2009 جنح اقتصادية القاهرة، متهمة إياهم: بأنهم بتاريخ 21/4/2008 وبتاريخ سابق عليه، بدائرة قسـم قصر النيل، بمحافظة القاهرة: 1- حاولوا بطريق التدليس التأثير على سوق الأوراق المالية، بأن تلاعبوا في سعر سهم الشركة العقارية للبنوك الوطنية والتنمية؛ بأن قاموا بتنفيذ عمليات لا تؤدي إلى تغيير المستفيد الفعلي منها، ومتفق عليها مسبقًا، بقصد الإيحاء بوجود تعامل على تلك الورقة، ومحاولة السيطرة على الطلبات والعروض بالسوق على تلك الورقة، لخلق أسعار غير مبررة لها. 2- المتهم السابع (المُدعى): بصفته العضو المنتدب لشركة البحر المتوسط لتداول الأوراق المالية، اشترك بطريق الاتفاق والمساعدة مع باقي المتهمين في ارتكاب الجريمة موضوع الاتهام الأول، بأن قام عن شركته بتنفيذ العمليات التي تشكل تلك الجريمة، على النحو الوارد بالأوراق. وطلبت النيابة العامة عقابهم بالمادة (40/1،2) من قانون العقوبات، والمواد (63/6، 67، 68) من قانون سوق رأس المال الصادر بالقانون رقم 95 لسنة 1992، والمواد (243، 321 بند 1، 2، 7، 9، 12، 13، 15) من اللائحة التنفيذية لهذا القانون. وأثناء نظر تلك الجنحة بجلسة 25/10/2010، دفع الحاضر عن المدعي بعدم دستورية نص المادة (68) من قانون سوق رأس المال الصادر بالقانون رقم 95 لسنة 1992. وبجلسة 11/6/2012 قررت المحكمة حجز الدعوى ليصدر فيها الحكم بجلسة 30/7/2012. وبتلك الجلسة قررت المحكمة مد أجل النطق بالحكم لجلسة 7/9/2012. وبهذه الجلسة قررت المحكمة إعادة الدعوى للمرافعة بجلسة 8/10/2012، مع التصريح للمدعى بإقامة الدعوى الدستورية، فأقام المُدعي الدعوى الدستورية المعروضة بطلباته المتقدمة.

وحيث إن قانون سوق رأس المال الصـادر بالقانون رقم 95 لسنة 1992، الذى ارتكبت الواقعة التى تمت إحالة المدعى إلى المحاكمة الجنائية في 21/4/2008، في ظل العمل بسريان أحكامه، قبل تعديله بالقانون رقم 123 لسنة 2008 – المعمول به اعتبارًا من 10/6/2008 – كان ينص في المادة (63) منه على أنه "مع عدم الإخلال بأية عقوبة أشد، منصوص عليها في أي قانون آخر، يعاقب بالحبس لمدة لا تزيد على خمس سنوات، وبغرامة لا تقل عن خمسين ألف جنيه، ولا تزيد على مائة ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين: ،........ 6- كل من عمل على قيد سعر غير حقيقي أو عملية صورية أو حاول بطريق التدليس التأثير على أسعار السوق ......". وبعد صدور القانون رقم 123 لسنة 2008 المشار إليه جرى النص على أنه "مع عدم الإخلال بأية عقوبة أشد، منصوص عليها في أي قانون آخر، يعاقب بالحبس لمدة لا تزيد على خمس سنوات، وبغرامة لا تقل عن خمسين ألف جنيه، ولا تزيد على عشرين مليون جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين: ،.......... 6- كل من عمل على قيد سعر غير حقيقي أو عملية صورية أو حاول بطريق التدليس التأثير على أسعار السوق ....".


وتنص المادة (67) من قانون سوق رأس المال المشار إليه، قبل استبدالها بالقانون رقم 123 لسنة 2008، على أن "مع عدم الإخلال بأى عقوبة أشد منصوص عليها في أى قانـون آخـر يعاقب بغرامـة لا تقـــل عن ألفى جنيه ولا تزيد على عشرة آلاف جنيه كل من يخالف أحد الأحكام المنصوص عليها في اللائحة التنفيذية لهذا القانون". وقد جرى استبدال هذا النص بمقتضى القانون رقم 123 لسنة 2008، ونص على أن "مع عدم الإخلال بأية عقوبة أشد منصوص عليها في أى قانون آخر، يعاقب بغرامة لا تقل عن ألفى جنيه، ولا تزيد على مليون جنيه، كل من يخالف الأحكام المنصوص عليها في اللائحة التنفيذية لهذا القانون.
وتنص الفقـرة الأولى من المـادة (68) من القانون ذاته على أن "يعاقب المسئول عن الإدارة الفعلية بالشركة، بالعقوبات المقررة عن الأفعال التي ترتكب بالمخالفة لأحكام هذا القانون". وقد تم استبدال ذلك النص بموجب المادة الأولى من القانون رقم 17 لسنة 2018 بتعديل بعض أحكام قانون سوق رأس المال المشار إليه - المعمول به اعتبارًا من 15/3/2018 - ليصير : "يعاقب المسئول عن الإدارة الفعلية للشركة، بالعقوبات المقررة عن الأفعال التى ترتكب بالمخالفة لأحكام هذا القانون، متى ثبت علمه بها وكانت المخالفة قد وقعت بسبب إخلاله بواجباته الوظيفية".
وحيث إنه عن الدفع المبدى من الهيئة العامـــة للرقابة المالية بعدم قبول الدعوى لانتفاء المصلحة فإنه مردود؛ ذلك أن المصلحة الشخصية المباشرة - وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية - مناطها – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الفصل في المسألة الدستورية لازمًا للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع. متى كان ذلك، وكانت النيابـــة العامـة قد أحالت المدعى، مع آخرين، للمحاكمة الجنائية – بناء على طلب رئيس الهيئة العامة للرقابة المالية – بوصف أنهم حاولوا بطريق التدليس التأثير على سوق الأوراق المالية، بأن تلاعبوا في سعر سهم الشركة العقارية للبنوك الوطنية والتنمية، بأن قاموا بتنفيذ عمليات لا تؤدى إلى تغيير المستفيد الفعلي منها، ومتفق عليها مسبقًا، بقصد الإيحاء بوجود تعامل على تلك الورقة، ومحاولة السيطــرة على الطلبــات والعروض على الورقة لخلق أسعار غير مبررة لها. وكذلك أن المدعى بصفته العضو المنتدب لشركة البحر المتوسط لتداول الأوراق المالية، اشترك بطريق الاتفاق والمساعدة مع باقى المتهمين في الجريمة موضوع الاتهام الأول بأن قام عن طريق شركته بتنفيذ العمليات التى تشكل تلك الجريمة، وذلك بالمخالفة للمادة (40/1،2) من قانون العقوبات، والمواد (63/6 و67 و68) من قانون سوق رأس المال الصادر بالقانون رقم 95 لسنة 1992، قبل استبداله بالقانون رقم 123 لسنة 2008، والقانون رقم 17 لسنة 2018، والمواد (243 و231 بند 1 و2 و7 و9 و12 و13 و15) من اللائحة التنفيذية لهذا القانون الصادرة بقرار وزير الاقتصاد رقم 135 لسنة 1993. وأثناء نظر الدعوى، دفع المدعى بعدم دستورية نص المادة (68) من هذا القانون، وقد قدرت محكمة الموضوع جدية هذا الدفع، وصرحت للمدعى بإقامة الدعوى الدستورية طعنًا عليه، وانحصرت فيه طلبات المدعى الختامية الواردة بصحيفة دعواه الدستورية المعروضة. ومن ثم، فإن نطاق الدعوى والمصلحة فيها يتحددان بما نصت عليه الفقرة الأولى من المادة (68) من قانون سوق رأس المال الصادر بالقانون رقم 95 لسنة 1992، قبل استبداله بالقانون رقم 17 لسنة 2018، وذلك في مجال انطباق أحكامهـا على نصى المادتين (63/6، 67) من القانون ذاته – قبل استبدالهما - بالقانون رقم 123 لسنة 2008، وهو النص المؤثم للفعل المنسوب للمدعى ارتكابه، الذى قدم للمحاكمة الجنائية استنادًا إليه. ومن ثم، فإن الفصل في دستورية هذا النص، في حدود هذا النطاق سيكون له أثر مباشر، وانعكاس أكيد على موقف المدعى من الاتهام المسند إليه في الدعوى الموضوعية، وقضاء محكمة الموضوع فيه، ولا تستطيل إلى غير ذلك من أحكـام. وترتيبًا على ما تقدم، يكون الدفع المبدى من الهيئة العامة للرقابة المالية بعدم قبول الدعوى فاقدًا سنده، متعينًا الالتفات عنه.
ولا ينال من ذلك سبق صدور حكم المحكمة الدستورية العليا في الدعوى رقم 107 لسنة 23 قضائية "دستورية" بجلسة 14/3/2015، القاضي برفض الدعوى – الذي نشر في العدد رقم 12 مكرر (ب) من الجريدة الرسمية بتاريخ 25/3/2015 -، والحكم الصادر في الدعوى رقم 186 لسنة 33 قضائية "دستورية" بجلسة 13/10/2018، القاضي برفض الدعوى - الذى نشر في العدد رقم 42 (مكرر) من الجريدة الرسمية بتاريخ 22/10/2018 - ذلك أن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الحجية المطلقة للأحكام الصادرة في الدعاوى الدستورية يقتصر نطاقها على النصوص التشريعية التي كانت مثارًا للمنازعة حول دستوريتها، وفصلت فيها المحكمة فصلاً حاسمًا بقضائها، أما ما لم يكن مطروحًا على المحكمة، ولم تفصل فيه بالفعل، فلا تمتد إليه تلك الحجية. متى كان ذلك، وكان الحكم الصادر في الدعوى الدستورية رقم 107 لسنة 32 قضائية، قد اقتصر على الفصل في دستورية نص الفقرة الأولى من المادة (68) من القانون رقم 95 لسنة 1992 المشار إليه، في مجال انطباقه على نص الفقرة الأولى من المادة (65 مكررًا) من ذلك القانون، المضافة بالقانون رقم 143 لسنة 2004، وكان الحكم الصادر في الدعوى الدستورية رقم 186 لسنة 33 قضائية، قد اقتصر على الفصل في دستورية نص الفقرة الأولى من المادة (68) من قانون سوق رأس المال الصادر بالقانون رقم 95 لسنة 1992 قبل استبداله بالقانون رقم 17 لسنة 2018، وذلك في مجال انطباقه على نص الفقرة الأولى من المادة (67) من ذلك القانون المستبدلة بالقانون رقم 123 لسنة 2008. ومن ثَمّ،َ فإن حجية هذين الحكمين تكون بدورها مقصورة على هذا النطاق وحده، ولا تمتد إلى ما يجاوز ذلك من أحكامهما. ليبقى نص الفقرة الأولى من المادة (68) من ذلك القانون، في حدود النطاق المتقدم، خارجًا عن إطار النص الصادر في شأنه الحكمين المتقدمين، وقابلاً للطرح على هذه المحكمة لتقول كلمتها فيه، بشأن مدى اتفاقه وأحكام الدستور.
كما لا يغير مما تقدم تعديل نصى المادتين (63/6، 67) من قانون سوق رأس المال المشار إليه بموجب القانون رقم 123 لسنة 2008، الذى شدد أولاهما عقوبة الغرامة على الفعل المنسوب للمدعى ارتكابه، برفع الحد الأقصى لها إلى عشرين مليون جنيه، مع إبقاء العقوبة السالبة للحرية على حالها، كما شدد ثانيهما الحد الأقصى لعقوبة الغرامة ليصير مليون جنيه. ولا ينال من ذلك كله إصدار المشرع القانون رقم 17 لسنة 2018 بتعديل بعض أحكام قانون سوق رأس المال المشار إليه، ومن بينها نص الفقرة الأولى من المادة (68) منه، متبنيًّا في تعديلها الأسس ذاتها التي اعتنقتها هذه المحكمة عند بيانها لمقتضى أحكام ذلك النص، الذى ضمنته مدونات حكمها الصادر في الدعوى رقم 107 لسنة 32 قضائية "دستورية" الآنف الذكر، والذى عينت فيه قواعد وضوابط المسئولية الجنائية للمسئول عن الإدارة الفعلية، وأسست عليه قضاءها برفض الدعوى، فأوجبت أن يكون ممن يعهد إليهم بقسط من نشاط الشركة يمارسه نيابة عنها، ويرتبط بتنفيذ الالتزام القانوني الذى فرضه المشرع على الشركة، واعتبر الإخلال به جريمة مؤثمة قانونًا، وهو يسأل عن فعله شخصيًّا، ولو كان ارتكابه الجريمة قد تم باسم الشركة ولحسابها ولمصلحتها وباستخدام إحدى وسائلها، وبحيث لا تتحقق المسئولية الجنائية عن الجريمة في هذه الحالة إلا بتوافر أركانها، التى تلتزم سلطة الاتهام بإثباتها كاملة في حقه، وبذلك أتى النهج الذى سلكه المشرع بالنص بعد التعديل المذكور، مواكبًا لذات أسس المسئولية الجنائية وعناصرها وأركانها للمسئول عن الإدارة الفعلية التى أوضحها وكشف عنها حكم المحكمة الدستورية العليا على النحو المتقدم ذكره. وعلى ذلك، لم يأت النص بعد استبداله بأحكام جديدة تخالف في مضمونها ومحتواها الحقيقي ما قرره النص المطعون فيه قبـــل استبداله بالنص الجديد. ومن جانب آخر، فقد شددت التعديلات التى جرت على نصى المادتين (63/6، 67) من قانون سوق رأس المال من عقوبة الغرامة على الأفعال المؤثمة بها، مما لا تُعد معه قانونًا أصلح للمتهم. ومن ثم، يظل المدعى مخاطبًا بنص المادة (68) من قانون سوق رأس المال المشار إليه في حدود نطاقه المتقدم.

وحيث إن المدعى ينعى على النص المطعون فيه - في حدود النطاق المار ذكره - مخالفته نصوص المواد (41، 66، 67، 86، 165) من دستور سنة 1971، قولاً منه إنه يخل بمبدأى شخصية العقوبة، وشخصية المسئولية الجنائية، لافتراضه مسئولية القائم بالإدارة الفعلية للشركة عن الأفعال التى ترتكب بالمخالفة لأحكام هذا القانون، وتحميله تبعة جريمة ارتكبها غيره، بما يمثل افتئاتًا على اختصاص السلطة القضائية، ويحول دون ممارستها الحق في التثبت من ارتكاب المسئول عن الإدارة الفعلية بالشركة للجريمة، فضلاً عما يمثله ذلك من مساس بالحرية الشخصية، وإنكار لأصل البراءة.
وحيث إن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الرقابة التى تباشرها على دستورية القوانين، من حيث مطابقتها القواعد الموضوعية التى تضمنها الدستور، تخضع لأحكام الدستور القائم دون غيره، ذلك أن هذه الرقابة تستهدف أصلاً صون هذا الدستور وحمايته من الخروج على أحكامه؛ لكون نصوصه تمثل دائمًا القواعد والأصول التى يقوم عليها نظام الحكم، ولها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام التى يتعين التزامها ومراعاتها، وإهدار ما يخالفها من التشريعات باعتبارها أسمى القواعد الآمرة، وكان النص المطعون فيه في الإطار المار ذكره مازال ساريًا ومعمولاً بأحكامه، ومن ثَمَّ فإن هذه المحكمة تباشر رقابتها على دستوريته من خلال أحكام الدستور الصادر سنة 2014، باعتباره الوثيقة الدستورية السارية.
      وحيث إنه في خصوص ما ينعاه المدعى على النص المطعون فيه - في حدود نطاقه المتقدم - إخلاله بمبدأي شخصية العقوبة، والمسئولية الجنائية، ومساسه بالحرية الشخصية، فإنه مردود؛ ذلك أن المقرر أن الدستور في اتجاهه إلى ترسم النظم المعاصرة، ومتابعة خطاها والتقيد بمناهجها التقدمية؛ نص في المادة (95) على أنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بناءً على قانون، ولا عقاب إلا على الأفعال اللاحقة لتاريخ نفاذ القانون الذى ينص عليها، وكان الدستور قد دل بهذه المادة على أن لكل جريمة ركنًا ماديًّا لا قـوام لها بغيره، يتمثل أساسًا في فعل أو امتناع وقع بالمخالفة لنص عقابي، مفصحًا بذلك عن أن ما يركن إليه القانون الجنائي ابتداء، في زواجره ونواهيه، هو مادية الفعل المؤاخذ على ارتكابه، إيجابيًّا كان هذا الفعل أم سلبيًّا، ذلك أن العلائق التى ينظمها هذا القانون في مجال تطبيقه على المخاطبين بأحكامه، محورها الأفعال ذاتها، في علاماتها الخارجية ومظاهرها الواقعية، وخصائصها المادية، إذ هى مناط التأثيم وعلته، وهى التى يتصور إثباتها ونفيها، وهى التى يتم التمييز على ضوئها بين الجرائم بعضها البعض، وهى التى تديرها محكمة الموضوع على حكم العقل لتقييمها وتقدير العقوبة المناسبة لها، بل إنه في مجال تقدير توافر القصد الجنائى، فإن محكمة الموضوع لا تعزل نفسها عن الواقعة محل الاتهام التى قام الدليل عليها قاطعًا واضحًا، ولكنها تجيل بصرها فيها منقبة من خلال عناصرها عما قصد إليه الجانى حقيقة من وراء ارتكابها، ومن ثَمَّ تعكس هذه العناصر تعبيرًا خارجيًّا وماديًّا عن إرادة واعية، ولا يتصور بالتالي وفقًا لأحكام الدستور أن توجد جريمة في غيبة ركنها المادى، ولا إقامة الدليل على توافر علاقة السببية بين مادية الفعل المؤثم، والنتائج التى أحدثها بعيدًا عن حقيقة هذا الفعل ومحتواه، ولازم ذلك أن كل مظاهر التعبير عن الإرادة البشرية - وليس النوايا التى يضمرها الإنسان في أعماق ذاته - تعتبر واقعة في منطقة التجريم كلما كانت تعكس سلوكًا خارجيًّا مؤاخذًا عليه قانونًا، فإذا كان الأمر غير متعلق بأفعال أحدثتها إرادة مرتكبها، وتم التعبير عنها خارجيًّا في صور مادية لا تخطئها العين، فليس ثمة جريمة.
      وحيث إن الأصل في الجرائم، أنها تعكس تكوينًا مركّبًا، باعتبار أن قوامها تزامنًا بين يد اتصل الإثم بعملها، وعقل واع خالطها ليهيمن عليها محددًا خطاها، متوجهًا إلى النتيجة المترتبة على نشاطها؛ ليكون القصد الجنائي ركنًا معنويًّا في الجريمة مُكملاً لركنها المادي، ومتلائمًا مع الشخصية الفردية في ملامحها وتوجهاتها. وهذه الإرادة الواعية هي التي تتطلبها الأمم المتحضرة في مناهجها في مجال التجريم بوصفها ركنًا في الجريمة، وأصلاً ثابتًا كامنًا في طبيعتها، وليس أمرًا فجًّا أو دخيلاً مقحمًا عليها أو غريبًا عن خصائصها. ذلك أن حرية الإرادة تعنى حرية الاختيار بين الخير والشر، ولكلٍ وجهة هو مُوَلِّيها، لتنحل الجريمة - في معناها الحق - إلى علاقة ما بين العقوبة التى تفرضها الدولة بتشريعاتها، والإرادة التى تعتمل فيها تلك النزعة الإجرامية التي يتعين أن يكون تقويمها ورد آثارها، بديلاً عن الانتقام والثأر المحض من صاحبها. وغدا أمرًا ثابتًا - وكأصل عام - ألا يجرم الفعل ما لم يكن إراديًّا قائمًا على الاختيار الحر، ومن ثَمَّ كان مقصودًا. ولئن جاز القول بأن تحديد مضمون تلك الإرادة وقوفًا على ماهيتها، مازال أمرًا عسرًا، إلا أن معناها - بوصفها ركنًا معنويًّا في الجريمة - يدور بوجه عام حول النوايا الإجرامية، أو الجانحة، أو النوازع الشريرة المدبرة، أو تلك التى يكون الخداع قوامها، أو التي تتمحض عن علم بالتأثيم، مقترنًا بقصد اقتحام حدوده، لتدل جميعها على إرادة إتيان الفعل بغيًا.
وحيث إن الجريمة في مفهومها القانونى - على ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة - تتمثل في الإخلال بنص عقابى، وأن وقوعها لا يكون إلا بفعل أو امتناع يتحقق به هذا الإخلال، وأن الأصل في الجريمة أن عقوبتها لا يتحمل بها إلا من أدين كمسئول عنها، وهى عقوبة يجب أن تتوازن وطأتها مع طبيعة الجريمة وموضوعها، بما مؤداه أن الشخص لا يزر غير سوء عمله، وأن جريرة الجريمة لا يؤاخذ بها إلا جناتها، ولا ينال عقابها إلا من قارفها، وأن شخصية العقوبة وتناسبها مع الجريمة محلها مرتبطان بمن يُعد قانونًا مسئولاً عن ارتكابها، ومن ثَمَّ تفترض شخصية العقوبة شخصية المسئولية الجنائية، بما يؤكد تلازمهما، ذلك أن الشخص لا يكون مسئولاً عن الجريمة ولا تفرض عليه عقوبتها إلا باعتباره فاعلاً لها أو شريكًا فيها، وهو ما يعبر عن العدالة الجنائية في مفهومها الحق.
وحيث إنه متى كان ما تقدم، وكان المشرع قد أثّم بالمادة (63/6) من قانون سوق رأس المال، قبل استبدالها بالقانون رقم 123 لسنة 2008، القيام بقيد سعر غير حقيقي، أو عملية صورية، أو المحاولة بطريق التدليس التأثير في أسعار السوق، وعَدَّ تلك الجريمة جنحة معاقبًا عليهـا بالحبس لمدة لا تزيد على خمس سنوات، وبغرامة لا تقل عن خمسين ألف جنيه، ولا تزيد على مائة ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين. كما اعتبرت المادة (67) من هذا القانون، قبل استبدالها بالقانون رقم 123 لسنة 2008، مخالفة أحكام اللائحة التنفيذية لقانون سوق رأس المال جريمة يعاقب عنها بعقوبة الغرامة بحديها الأدنى والأقصى المقررين بمقتضى هذا النص، ويسأل عن هذه الجرائم المسئول عن الإدارة الفعلية للشركة إعمالاً لنص الفقرة الأولى من المادة (68) من القانون ذاته، والذى يجب دومًا أن يكون من الأشخاص الذين يُعهد إليهم بقسط من نشاط الشركة يمارسه نيابة عنها، ويرتبط بتنفيذ الالتزام القانونى الذى فرضه المشرع عليها، وجعل الإخلال به جريمة - حرصًا منه على التزام الشركات العاملة في سوق رأس المال بالضوابط التشريعية؛ صونًا لحقوق عملائها، وبما ينعكس إيجابًا على العمل بسوق رأس المال - ليكون مناط مسئوليته عن هذه الجريمة ثبوت مسئوليته عن الإدارة الفعلية للشركة، في حدود الصلاحيات الممنوحـة له، وهو يسأل عن فعله شخصيًّا، ولو كان ارتكابه للجريمة قد تم باسم الشركة ولحسابها ولمصلحتها وباستخدام إحدى وسائلها، دون أن يقيم النص المشار إليه مسئوليته عن فعل الغير، أو يقرر مسئوليته عن الجريمة المنسوب إليه ارتكابها خارج نطاق الاختصاص والسلطة المعهود له بمباشرتها نيابة عن الشركة، ذلك أن الجريمة لا تقوم بحقه إلا بتوافر أركانها، والتي يتعين دومًا على سلطة الاتهام إثباتها كاملة، وبذلك يتحقق توافق قواعد المسئولية الجنائية التي نصت عليها المادة (68) المطعون عليها مع مبدأ شخصية العقوبة، على نحو يصون الحرية الشخصية .
وحيث إنه بشـأن ما نعاه المدعى على نص المادة (68) من القانون المشار إليه - في حدود نطاقه المتقدم - من إخلاله بأصل البراءة، ومساسه بمبدأ استقلال السلطة القضائية، فمن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الدستور إذ نص في المادة (96) منه على أن: "المتهم برىء حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية عادلة تكفل له فيها ضمانات الدفاع عن نفسه"، فمؤدى ذلك أن ضوابط المحاكمة المنصفة - التى عناها الدستور في هذه المادة - تتمثل في مجموعة من القواعد المبدئية، التي تعكس مضامينها نظامًا متكامل الملامح، يتوخى بالأسس التي يقوم عليها، صون كرامة الإنسان وحقوقه الأساسية، ويحول بضماناته دون إساءة استخدام العقوبة بما يخرجها عن أهدافها، وذلك انطلاقًا من إيمان الأمم المتحضرة بحرمة الحياة الخاصة، وبوطأة القيود التي تنال من الحرية الشخصية التى عَدَّها الدستور من الحقوق الطبيعية الكامنة في النفس البشرية، فلا تنفصل عنها عدوانًا، ولضمان أن تتقيد الدولة - عند مباشرتها لسلطاتها في مجال فرض العقوبة صونًا للنظام الاجتماعي - بالأغراض النهائية للقوانين العقابية، التى ينافيها أن تكون إدانة المتهم هدفًا مقصودًا لذاته، أو أن تكون القواعد التى تتم محاكمته على ضوئها مصادمة للمفهوم الصحيح لإدارة العدالة الجنائية إدارة فعالة، بل يتعين أن تلتزم هذه القواعد مجموعة من القيم التى تكفل لحقوق المتهم الحد الأدنى من الحماية، التى لا يجوز النزول عنها أو الانتقاص منها، ويندرج تحت هذه القواعد أصل البراءة كقاعدة أولية تفرضها الفطرة، وتوجبها حقائق الأشياء، وهى بعد قاعدة حرص الدستور القائم على إبرازها في المادة (96) منه.
وحيث إن افتراض البراءة لا يتمحض عن قرينة قانونية، ولا هو من صورها، ذلك أن القرينة القانونية تقوم على تحويل للإثبات من محله الأصلي - ممثلاً في الواقعة مصدر الحق المدعى به - إلى واقعة أخرى قريبة منها متصلة به، وهذه الواقعة البديلة هى التى يُعَدُّ إثباتها إثباتًا للواقعة الأولى بحكم القانون. وليس الأمر كذلك بالنسبة إلى البراءة التى افترضها الدستور، فليس ثمة واقعة أحلها الدستور محل واقعة أخرى، وأقامها بديلاً عنها، وإنما يُؤسس افتراض البراءة على الفطرة التى جبل الإنسان عليها، فقد ولد حرًا مبرءاً من الخطيئة أو المعصية، ويفترض على امتداد مراحل حياته أن أصل البراءة مازال كامنًا فيه، مصاحبًا له فيما يأتيه من أفعال، إلى أن تنقض محكمة الموضوع بقضاء جازم بات لا رجعة فيه هذا الافتراض، على ضوء الأدلة التى تقدمها النيابة العامة مثبتة بها الجريمة التى نسبتها إليه في كل ركن من أركانها، وبالنسبة إلى كل واقعة ضرورية لقيامها، بما في ذلك القصد الجنائى بنوعيه إذا كان متطلبا فيها، وحق المتهم في مواجهة الشهود الذين قدمتهم النيابة العامة إثباتًا للجريمة، والحق في دحض أقوالهم وإجهاض الأدلة التى طرحتها بأدلة النفى التى يعرضها، وبغير ذلك لا ينهدم أصل البراءة،إذ هو من الركائز التى يستند إليها مفهوم المحاكمة المنصفة التى كفلها الدستور، ويعكس قاعدة مبدئية تُعَدُّ في ذاتها مستعصية على الجدل، واضحة وضوح الحقيقة ذاتها، تقتضيها الشرعية الإجرائية، ويُعَدُّ إنفاذها مفترضًا أوليًّا لإدارة العدالة الجنائية، ويتطلبها الدستور لصون الحرية الشخصية في مجالاتها الحيوية، وليوفر من خلالها لكل فرد الأمن في مواجهة التحكم والتسلط والتحامل، بما يحول دون اعتبار واقعة تقوم بها الجريمة ثابتة بغير دليل، وبما يرد المشرع عن افتراض ثبوتها بقرينة قانونية ينشئها.
وحيث إنه من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الدستور إذ اختص بموجب المادة (101) منه السلطة التشريعية بسن القوانيـن، كما نص في المادتيــن (184، 188) منه على استقلال السلطة القضائية، واختصاصها بالفصل في المنازعات والجرائم، فإن لازم ذلك أن اختصاص السلطة التشريعية بسن القوانين لا يخولها التدخل في أعمال أسندهــــا الدستور للسلطة القضائية وقصرها عليهـا، وإلا كان هذا افتئاتًا على عملها، وإخلالاً بمبدأ الفصل بين السلطات. وعلى ذلك، فإن الاختصاص المقرر دستوريًا للسلطة التشريعية في مجال إنشاء الجرائم وتقرير عقوباتها، لا يخولها التدخل بالقرائن التى تنشئها لغل يد المحكمة الجنائية عن القيام بمهمتها الأصلية في مجال التحقق من قيام أركان الجريمة التى عينها المشرع.
وحيث إنه متى كان ما تقدم، وكان نص الفقرة الأولى من المادة (68) من قانون سوق رأس المال المطعون فيه، في حدود النطاق الذى تطرحه الدعوى المعروضة، ألقى على عاتق المسئول عن الإدارة الفعلية للشركة المسئولية الجنائية عن ارتكاب الجرائم المشار إليها، وقرن ثبوتها في حقه بثبوت مباشرته الإدارة الفعلية المتعلقة بتنفيذ الالتزام القانونى، الذى عَدَّ المشرع الإخلال به جريمة، ولم يعف النيابة العامة من واجب إقامة الدليل على ثبوت أركان الجريمة في حقه، بما في ذلك ثبوت قيامه بالإدارة الفعلية، كما لم يحل بينه ونفى عناصر الاتهام جميعها بكافة طرق ووسائل الإثبات القانونية في شتى الدعاوى الجنائية. وعلى ذلك، فإن النص المطعون فيه - محددًا نطاقه على النحو المتقدم - يكون قد جاء خلوًا من أى قرينة قانونية تعارض أصـل البراءة، ومن ثَمَّ فإن أحكامه تكون مبرأة من قالة الإخلال بأصل البراءة، أو المساس باستقلال السلطة القضائية.
وحيث إن النص المطعـون فيه لا يتعارض مع أى نص آخر من نصوص الدستور، الأمر الذى يتعين معه القضاء برفض الدعوى.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة برفض الدعوى، وبمصادرة الكفالة، وألزمت المدعى بالمصروفات، ومبلغ مائتى جنيه مقابل أتعاب المحاماه.

عدم اختصاص المحكمة الدستورية العليا بالفصل في تعارض نصين جمعهما قانون واحد أو تفرقا بين قانونين مختلفين

الدعوى رقم 154 لسنة 32 ق "دستورية" جلسة 2 / 11 / 2019

 باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الثاني من نوفمبر سنة 2019م، الموافق الخامس من ربيع أول سنة 1441 هـ.
برئاسة السيد المستشار / سعيد مرعى عمرو    رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: الدكتور عادل عمر شريف وبولس فهمى إسكندر ومحمود محمد غنيم والدكتور عبدالعزيز محمد سالمان والدكتور طارق عبدالجواد شبل وطارق عبد العليم أبو العطا   نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشرى رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع         أمين السر

أصدرت الحكم الآتى
فى الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 154 لسنة 32 قضائية "دستورية".
المقامة من
محمود محمد محمود الحفناوى
ضــــد
1- رئيس الجمهوريـــــــة
2- رئيس مجلس الشعـب (النواب حاليًا)
3- وزير العــــــــدل
4- رئيس مجلس الوزراء



الإجـراءات
بتاريخ الرابع عشر من أغسطس سنة 2010، أودع المدعى صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طلبًا للحكم بعدم دستورية نص المادة (418) من قانون الإجراءات الجنائية فيما تضمنته من الإحالة إلى نص المادة (401) من القانون ذاته.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرتين، طلبت فيهما الحكم أصليًّا: بعدم قبول الدعوى، واحتياطيًّا: برفضها.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.

المحكمــــة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
      حيث إن الوقائع تتحصل – حسبما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – في أن النيابة العامة كانت قد قدمت المدعى للمحاكمة الجنائية في الدعوى رقم 3178 لسنة 2003 جنح قسم السيدة زينب، وطلبت عقابه بالمادة (340) من قانون العقوبات. وإذ صدر حكم تلك المحكمة بإدانته فقد طعن عليه بالاستئناف المقيد برقم 559 لسنة 2004 أمام محكمة مستأنف جنح السيدة زينب، التي قضت ببراءة المدعى مما أُسند إليه. طعنت النيابة العامة، والمدعى بالحق المدني في الحكم المستأنف بالنقض المقيد برقم 56207 لسنة 76 قضائية، فقضت محكمة استئناف القاهرة – دائرة طعون النقض – بنقض الحكم وإعادة الدعوى إلى محكمة مستأنف جنح السيدة زينب لنظرها أمام دائرة أخرى. وبجلسة 23/11/2009 قضت محكمة الإعادة غيابيًّا بقبول الاستئناف شكلاً، وفى الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف. لم يلق الحكم المذكور قبولاً من المدعى فطعن عليه بالمعارضة الاستئنافية، وطلب من هيئة المحكمة التنحي عن نظر المعارضة لسبق إبدائها الرأي في موضوع القضية بموجب حكمها الغيابي سالف الإشارة إليه، إلا أنها مضت في نظر الدعوى، مما حدا به إلى طلب رد رئيس الدائرة المنظور أمامها معارضته الاستئنافية، وقيد طلب الرد برقم 128 لسنة 127 قضائية، أمام محكمة استئناف القاهرة. تدوول طلب الرد بالجلسات، وطلب المدعى التصريح له بإقامة الدعوى الدستورية طعنًا على نص المادة (418) من قانون الإجراءات الجنائية بما تضمنته من الإحالة إلى نص المادة (401) من القانون ذاته؛ لمخالفتهما للمادة (67) من دستور ،1971 والمادة (247) من القانون المار ذكره. وبجلسة 9/6/2010 صرحت المحكمة التى تنظر طلب الرد للمدعى بإقامة الدعوى الدستورية، فأقام الدعوى المعروضة.
      وحيث إن نص المادة (401) من قانون الإجراءات الجنائية يجرى على أن "يترتب على المعارضة إعادة نظر الدعوى بالنسبة إلى المعارض أمام المحكمة التي أصدرت الحكم الغيابي، ولا يجوز بأية حال أن يضار المعارض بناءً على المعارضة المرفوعة منه.
      ومع ذلك إذا لم يحضر المعارض في أي من الجلسات المحددة لنظر الدعوى تعتبر المعارضة كأن لم تكن، ويجوز للمحكمة في هذه الحالة أن تحكم عليه بغرامة إجرائية لا تجاوز مائة جنيه في مواد الجنح ولا تجاوز عشرة جنيهات في مواد المخالفات، ولها أن تأمر بالنفاذ المؤقت ولو مع حصول الاستئناف بالنسبة للتعويضات المحكوم بها، وذلك حسب ما هو مقرر بالمادة (467) من هذا القانون.
      ولا يقبل من المعارض بأي حال المعارضة في الحكم الصادر في غيبته، وللمحكمة في هذه الحالة أن تحكم عليه بغرامة إجرائية لا تقل عن خمسين جنيهًا ولا تجاوز مائتى جنيه في مواد الجنح ولا تقل عن عشرة جنيهات ولا تجاوز عشرين جنيهًا في مواد المخالفات".
وتنص المادة (418) من القانون المار ذكره على أن "يتبع في الأحكام الغيابية والمعارضة فيها أمام المحكمة الاستئنافية ما هو مقرر أمام محاكم أول درجة".
وحيث إن المدعى ينعى على النص المطعون فيه إذ وسد لقاضى المعارضة الاستئنافية الذي شارك في إصدار الحكم الغياب المعارض فيه، أن يفصل في المعارضة ذاتها مجددًا، فإن ذلك النص – حسبما ارتأى المدعى - يكون مخالفًا لنصي المادتين (67، 68) من دستور 1971؛ لإخلاله بأصل البراءة، وحيدة القضاء، وإهداره حق الدفاع وضمانات المحاكمة المنصفة، فضلاً عن تعارضه مع نص المادة (247) من قانون الإجراءات الجنائية.

وحيث إن هذا النعي في وجهه الأخير مردود بأن الرقابة القضائية التي تُباشرها هذه المحكمة في شأن دستورية النصوص القانونية، على ما جرى به قضاؤها، مناطها مخالفة تلك النصوص لقاعدة تضمنها الدستور؛ ولا شأن لها بالتعارض بين نصين قانونيين جمعهما قانون واحد أو تفرقا بين قانونين مختلفين، ما لم يكن هذا التعارض منطويًّا – بذاته – على مخالفة دستورية.
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة في الدعوى الدستورية، وهى شرط لقبولها، مناطها – على ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة – أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يؤثر الحكم في المسألة الدستورية على الطلبات المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع، ويستوى في شأن توافر المصلحة أن تكون الدعوى قد اتصلت بالمحكمة عن طريق الدفع أو عن طريق الإحالة. والمحكمة الدستورية العليا هي وحدها التي تتحرى شرط المصلحة في الدعوى الدستورية للتثبت من شروط قبولها، فإذا لم يكن للفصل في دستورية النصوص المطعون عليها انعكاس على النزاع الموضوعي، فإن الدعوى الدستورية تكون غير مقبولة. هذا؛ ويجب أن تتوافر المصلحة ليس فقط وقت رفع الدعوى الدستورية، وإنما يتعين أن تظل قائمة حتى الفصل فيها.
متى كان ذلك، وكان النزاع المردد أمام محكمة الموضوع يتحدد في طلب المدعى رد رئيس دائرة محكمة الجنح المستأنفة التي تنظر معارضته الاستئنافية في الدعوى المقيدة برقم 559 لسنة 2004 مستأنف جنح السيدة زينب، المقامة منه طعنًا على الحكم الغيابي الاستئنافي الصادر منها بجلسة 23/11/2009، على سند من سبق نظر القاضي المطلوب رده للدعوى ذاتها، وإبدائه رأيًّا فيها، على نحو يفقده صلاحيته لنظرها. إذ كان ما تقدم، وكان الثابت بالأوراق أنه بتاريخ 30/1/2014 قُضى في المعارضة الاستئنافية المقيدة برقم 559 لسنة 2004 جنح مستأنف السيدة زينب – بهيئة مغايرة لهيئة المحكمة المطلوب رد رئيسها– ببراءة المدعى ورفض الدعوى المدنية، ولم تطعن النيابة العامة على ذلك الحكم بالنقض، ومن ثم فقد تحققت للمدعى غايته من طلب الرد؛ بحجب رئيس الدائرة التي أصدرت الحكم الاستئنافي الغيابي عن نظر المعارضة فيه، وامتناع معاودته الاتصال بالدعوى المستأنفة بعد انقضائها عملاً بمفهوم الموافقة لنصى المادتين (454، 455) من قانون الإجراءات الجنائية، بما مؤداه زوال مصلحة المدعى في الطعن على النص المطعون فيه، وهو ما يتعين معه القضاء بعدم قبول الدعوى.

فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم قبول الدعوى.

دستورية تطبيق المرحلتين الثانية والثالثة من الضريبة العامة على المبيعات (حد التسجيل)


الدعوى رقم 291 لسنة 30 ق "دستورية" جلسة 2 / 11 / 2019
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الثاني من نوفمبر سنة 2019م، الموافق الخامس من ربيع أول سنة 1441 هـ.
برئاسة السيد المستشار / سعيد مرعى عمرو    رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: الدكتور عادل عمر شريف وبولس فهمى إسكندر ومحمود محمد غنيم والدكتور عبدالعزيز محمد سالمان والدكتور طارق عبدالجواد شبل وطارق عبد العليم أبو العطا    نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشرى رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع      أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
فى الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 291 لسنة 30 قضائية "دستورية".
المقامة من
ورثة/ محمد كمال مصطفى الحديدى، وهم:
1-    نادر محمد كمال مصطفــــى الحديدى
2- ناجى محمد كمال مصطفى الحديدى
3- نبيل محمد كمال مصطفــــى الحديدى

ضد
1 – رئيس الجمهوريــــة
2 - رئيس مجلس الــــــوزراء
3 – وزير المالية بصفته الرئيس الأعلى لمصلحة الضرائب المصرية
4- مدير عام مأمورية ضرائب المبيعات المنشية

الإجراءات
  بتاريخ السابع عشر من ديسمبر سنة 2008، أودع المدعون قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا صحيفة الدعوى المعروضة، طالبين الحكم بعدم دستورية نص الفقرة الثانية من المادة الأولى من القانون رقم 17 لسنة 2001 بتطبيق المرحلتين الثانية والثالثة من الضريبة العامة على المبيعات المنصوص عليها في القانون رقم 11 لسنة 1991 فيما قضت به من أن يكون حد التسجيل للتاجر مائة وخمسين ألف جنيه، وسقوط الفقرة الثالثة من المادة ذاتها.
      وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم أصليًّا: بعدم قبول الدعوى، واحتياطيًّا: برفضها.
   وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
      ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمة
      بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة .
حيث إن الوقائع تتحصل – على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق- في أن المدعين سبق أن أقاموا الدعوى رقم 6485 لسنة 2005 مدنى كلى، أمام محكمة الإسكندرية الابتدائية، ضد المدعى عليهما الثالث والرابع، بطلب الحكم أصليًّا: بإلغاء تسجيل منشأتهم لدى مأمورية ضرائب مبيعات المنشية، لانعدام الأساس القانوني لتحصيل وتوريد الضريبة العامة على المبيعات من مستهلكي الساعات المستوردة التي يتجرون بها. واحتياطيًّا: ندب خبير لتحقيق دفاعهم في شأن طبيعة النشاط الذى يزاولونه، ومدى خضوعه لقانون الضريبة العامة على المبيعات. وذلك على سند من القول بأن نشاطهم هو بيع ساعات بالتجزئة، وهى سلع مستوردة يتم بيعها دون إحداث تغيير في حالتها، وفى إطار تطبيق المرحلة الثانية والثالثة من قانون الضريبة العامة على المبيعات الصادرة بالقانون رقم 11 لسنة 1991 تم حملهم على التسجيل لدى مصلحة الضرائب العامة على المبيعات؛ ليغدوا ملتزمين بتقديم إقرارات ضريبة شهرية عن نشاطهم المشار إليه، في حين أن هذه السلع سبق تحصيل الضرائب عنها في مرحلة الإفراج الجمركي، بما يحق لهم إلغاء تسجيلهم. ندبت المحكمة خبيرًا انتهى إلى أن تسجيل المدعين كان تسجيلاً اختياريًّا عن نشاطهم بيع ساعات مستوردة، وأنهم قدمـوا إقرارات ضريبية سلبية، وأن مبيعاتهـم خلال فترة التداعي، وبحسبانهم تجار تجزئة، تجاوزت حد التسجيل. وبجلسة 13/10/2008 دفـع المدعـون بعدم دستورية نص الفقرة الثانية من المادة الأولى من القانون رقم 17 لسنة 2001 بتطبيق المرحلتين الثانية والثالثة من الضريبة العامة على المبيعات المنصوص عليها في القانون رقم 11 لسنة 1991، وإذ قدرت المحكمة جدية الدفع، وصرحت للمدعين برفع الدعوى الدستورية، أقاموا دعواهم المعروضة.
وحيث إنه من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن إلغاء المشرع لقاعدة قانونية بذاتها، لا يحول دون الطعن عليها من قبل من طُبقت عليه خلال فترة نفاذها، وترتبت بمقتضاها آثار قانونية بالنسبة إليه، تتحقق بإبطالها مصلحته الشخصية المباشرة، ذلك أن الأصل في تطبيق القاعدة القانونية هو سريانها على الوقائع التي تتم خلال الفترة من تاريخ العمل بها وحتى إلغائها، فإذا استُعيض عنها بقاعدة قانونية جديدة، سرت القاعدة الجديدة من الوقت المحدد لنفاذها، ويقف سريان القاعدة القديمة من تاريخ إلغائها، وبذلك يتحدد النطاق الزمنى لسريان كل من القاعدتين، فما نشأ من المراكز القانونية في ظل القاعدة القانونية القديمة، وجرت آثارها خلال فترة نفاذها، يظل محكومًا بها وحدها. متى كان ذلك، وكانت رحى النزاع الموضوعي بين المدعين ومصلحة الضرائب على المبيعات، تدور حول مدى أحقية المصلحة في مطالبة المدعين بفروق ضريبة مبيعات عن النشاط الذى يزاولونه خلال المدة من 19/3/2002 حتى 31/3/2004. ومن ثم يظل المدعون مخاطبين ضريبيًّا عن المــدة المشـار إليها بموجب أحكام قانون الضريبة العامة على المبيعات الصادر بالقانون رقم 11 لسنة 1991، وتعديلاته، بما في ذلك المادة الأولى من القانون رقم 17 لسنة 2001 – المطعون على فقرتها الثانية -، ولا يُغير من ذلك إلغاء قانون الضريبة العامة على المبيعات المشار إليه بموجب المادة الثانية من مواد إصدار القانون رقم 67 لسنة 2016 بإصدار قانون الضريبة على القيمة المضافة، أو ما تضمنه ذلك القانون الأخير من رفع قيمة حد التسجيل.
وحيث إن المادة الأولى من القانون رقم 17 لسنة 2001 بتطبيق المرحلتين الثانية والثالثة من الضريبة العامة على المبيعات المنصوص عليها في القانون رقم 11 لسنة 1991 تنص على أن "تسري اعتبارًا من تاريخ العمل بهذا القانون المرحلتان الثانية والثالثة من مراحل تطبيق الضريبة العامة على المبيعات المنصوص عليها في قانون الضريبة العامة على المبيعات الصادر بالقانون رقم 11 لسنة 1991.
ومع عدم الإخلال بحد التسجيل المنصوص عليه في ذلك القانون بالنسبة للمنتج الصناعي ومؤدى الخدمة والمستورد ومنتج سلع الجدول رقم (1) المرافق لذات القانون يكون حد التسجيل للتاجر مائة وخمسين ألف جنيه.
وعلى التاجر المكلف وفقًا لأحكام هذا القانون أن يتقدم إلى مصلحة الضرائب على المبيعات لتسجيل اسمه وبياناته وفقًا للأحكام المنصوص عليها في المادة (18) من ذات القانون، وذلك خلال ثلاثين يومًا من تاريخ العمل بهذا القانون، على أن يتم تحصيل الضريبة اعتبارًا من أول الشهر التالي لانتهاء تلك المدة".
وحيث إن هيئة قضايا الدولة دفعت بعدم قبول الدعوى، لانتفاء المصلحة، على سند من أن المدعين غير ملتزمين بأداء الضريبة العامة على المبيعات، لكونها ضريبة غير مباشرة، يتحمل عبئها المستهلك، وينحصر دور البائع في تحصيل الضريبة وتوريدها لمصلحة الضرائب على المبيعات؛ فذلك مردود بما جرى عليه قضاء هذه المحكمـة من أن المصلحة – وتندمج فيها الصفة – من الشروط الجوهرية التي لا تُقبل الدعوى الدستورية في غيبتها، وقوامها أن يكون الفصل في المسألة الدستورية لازمًا للفصل في الطلبات المطروحة أمام محكمة الموضوع، وهى لا تعتبر متوافرة بناء على مجرد مخالفة النص التشريعي لأحكام الدستور، بل يتعين أن يكون هذا النص – بتطبيقه على المدعى – قد ألحق به ضررًا مباشرًا، وبذلك يكون شرط المصلحة الشخصية المباشرة مرتبطًا بالخصم الذى أثار المسألة الدستورية، وليس بهذه المسألة في ذاتها منظورًا إليها بصفة مجردة، ويتحدد مفهومها على ضوء عنصرين يحددان معًا مضمونها، أولهما: أن يقيم المدعى – في حدود الصفة التى اختصم بها النص التشريعى المطعون فيه – الدليل على أن ضررًا واقعيًّا اقتصاديًّا أو غيره قد لحق به. وثانيهما: أن يكون مرد الأمر في هذا الضرر إلى النص التشريعى المطعون فيه، بما مؤداه قيام علاقة سببية بينهما تحتم أن يكون الضرر المدعى به ناشئًا عن هذا النص ومترتبًا عليه. متى كان ذلك، وكانت رحى النزاع في الدعوى الموضوعية تدور حول طلب المدعين إلغاء تسجيل نشاط منشأتهم لدى مأمورية ضرائب المبيعات، لكونهم تجار تجزئة يبيعون ساعات مستوردة دون إدخال أي تغيير على حالتها، وكانت طلباتهم الختامية التى تضمنتها صحيفة دعواهم المعروضة قد انصبت على ما نص عليه عجز الفقرة الثانية من المادة الأولى من القانون رقم 17 لسنة 2001 بتطبيق المرحلتين الثانية والثالثة من الضريبة العامة على المبيعات المنصوص عليها في القانون رقم 11 لسنة 1991 – المطعون فيه – من أن "يكون حد التسجيل للتاجر مائة وخمسين ألف جنيه"، الذى أخضع تجار الجملة وتجار التجزئة لقيد التسجيل المفروض بنص المادة (18) من القانون رقم 11 لسنة 1991، وعين حد التسجيل لكل تاجر، وهو بلوغُ مبيعاته السنوية مائة وخمسين ألف جنيه. الذى يتضرر المدعون منه، الأمر الذى يكون معه الفصل في دستورية هذا النص، في حدود نطاقه المتقدم، أمرًا لازمًا لتحديد التزامات المدعين القانونية بالتسجيل، وما يستتبعه ذلك من بقاء أو زوال التزاماتهم القانونية المترتبة على اكتساب صفة المكلف، وأخصها الالتزام بالإقرار عن حجم مبيعاته من السلع والخدمات الخاضعة للضريبة وتحصيل الضريبة وتوريدها للمصلحة في المواعيد المقررة قانونًا، وما يترتب على ذلك بحكم اللزوم من اعتبار الضريبة في مثل هذه الحالة – على ما جرى به قضاء هذه المحكمة – جزءًا من عناصر تكلفة السلعة المحملة بها، بما يؤدى إلى زيادة تكلفتها، ويؤثر بالضرورة في فرص تسويقها، التى تتحكم فيها قوانين عرض وطلب السلعة في الأسواق، وهو ما يؤثر على حجم تداول السلع التى يتعامل فيها التاجر، الأمر الذى تتحقق معه مصلحة المدعين في الطعن على هذا النص في حدود الإطار المتقدم، بحسبان أن الفصل في دستوريته سيكون له أثره وانعكاسه الأكيد على الدعوى الموضوعية، والطلبات المطروحة بها، وقضاء محكمة الموضوع فيها، مما يتعين معه الالتفات عن الدفع المبدى من هيئة قضايا الدولة سالف الذكر.
وحيث إن المدعين ينعون على النص المطعون فيه مخالفة نصوص المواد (8، 38، 40) من دستور 1971، قولاً منهم أن ذلك النص ألزم من بلغ حد التسجيل - وهو مائة وخمسين ألف جنيه - من تجار التجزئة والجملة بالتزامات عديدة، باعتبارهم من المكلفين بتحصيل الضريبة لسلع مستوردة تباع على حالها دون تغيير، رغم سبق سداد الضريبة العامة على المبيعات في مرحلة الإفراج الجمركى، بما يعكس ازدواجًا في تحصيل مبلغ الضريبة، فضلاً عن أن إلزام التاجر بإضافة الضريبة إلى ثمن السلعة وتحصيلها من المستهلك وتوريدها، يؤدى إلى ارتفاع ثمن السلعة وعزوف المستهلك عن الشراء لارتفاع ثمنها، ويجعل كبار التجار الذين بلغوا حد التسجيل أقل بيعًا وكسبًا من التجار الذين لم تبلغ مبيعاتهم حد التسجيل، الأمر الذى يُشكل تمييزًا تحكميًّا بينهم بما يخل بمبدأ المساواة، كما أن ذلك النص يتخذ من الجباية هدفًا، ولم يوازن بين حق الدولة في استئداء دين الضريبة، وبين الضمانات الدستورية والقانونية المقررة في مجال فرضها على أفراد المجتمع، بما يخل بمبدأي تكافؤ الفرص والعدالة الضريبية التى كفلها الدستور.
      وحيث إن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الرقابة على دستورية القوانين واللوائح في خصوص مطابقتها للقواعد الموضوعية التي تضمنها الدستور، إنما تخضع لأحكام الدستور القائم دون غيره، ذلك أن هذه الرقابة تستهدف أصلاً صون الدستور المعمول به وحمايته من الخروج على أحكامه، باعتبار أن نصوص هذا الدستور تمثل دائمًا القواعد والأصول التي يقوم عليها نظام الحكم، ولها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام التي يتعين التزامها ومراعاتها، وإهدار ما يخالفها من التشريعات لكونها أسمى القواعد الآمرة، متى كان ذلك، وكانت المناعي التي وجهها المدعين إلى النص التشريعي المطعون فيه تندرج تحت المطاعن الموضوعية التى تقوم في مبناها على مخالفة نص تشريعى لقاعدة في الدستور من حيث محتواها الموضوعى، وكان ذلك النص قد ظل ساريًا ومعمولاً بأحكامه حتى تاريخ العمل بالدستور القائم، ومن ثم فإن هذه المحكمة تباشر رقابتها على النص المطعون فيه من خلال أحكام الدستور الحالى الصادر عام 2014.
      وحيث إن الدساتير المصرية المتعاقبة، بدءًا بدستور سنة 1923 وانتهاءً بالدستور الحالى – على ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة - قد رددت جميعها مبدأ المساواة أمام القانون، وكفلت تطبيقه على المواطنين كافة، باعتباره أساس العدل والحرية والسلام الاجتماعى، وعلى تقدير أن الغاية التى يستهدفها تتمثل أصلاً في صون حقوق المواطنين وحرياتهم، في مواجهة صور التمييز التى تنال منها أو تقيد ممارستها، وأضحى هذا المبدأ في جوهره وسيلة لتقرير الحماية المتكافئة، التى لا يقتصر نطاق تطبيقها على الحقوق والحريات المنصوص عليها في الدستور، بل ينسحب مجال إعمالها كذلك إلى الحقوق التى يكفلها المشرع للمواطنين في حدود سلطته التقديرية، وعلى ضوء ما يرتئيه محققًا للصالح العام.
      وحيث إن من المقرر – أيضًا -    في قضاء هذه المحكمة أن الأصل في كل تنظيم تشريعى أن يكون منطويًا على تقسيم أو تصنيف أو تمييز من خلال الأعباء التى يلقيها على البعض أو عن طريق المزايا أو الحقوق التى يكفلها لفئة دون غيرها، إلا أن اتفاق هذا التنظيم مع أحكام الدستور، يفترض ألا تنفصل النصوص القانونية التى نظم بها المشرع موضوعًا محددًا عن أهدافها، ليكون اتصال الأغراض التى توخاها بالوسائل المؤدية لها منطقيًّا، وليس واهيًا بما يخل بالأسس الموضوعية التى يقوم عليها التمييز المبرر دستوريًّا.
      وحيث إن الدستور الحالى قد حرص في المادة (4) منه على النص على مبدأ تكافؤ الفرص، باعتباره من الركائز الأساسية التى يقوم عليها بناء المجتمع، والحفاظ على وحدته الوطنية، ومن أجل ذلك جعل الدستور بمقتضى نص المادة (9) منه تحقيق تكافؤ الفرص بين جميع المواطنين دون تمييز التزامًا دستوريًّا على عاتق الدولة، لا تستطيع منه فكاكًا. وقوام هذا المبدأ - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن الفرص التى كفلها الدستور للمواطنين فيما بينهم تفترض تكافؤها، وتدخل الدولة إيجابيًّا لضمان عدالة توزيعها بين من يتزاحمون عليها، وضرورة ترتيبهم بالتالى فيما بينهم على ضوء قواعد يمليها التبصر والاعتدال؛ وهو ما يعنى أن موضوعية شروط النفاذ إليها، مناطها تلك العلاقة المنطقية التى تربطها بأهدافها، فلا تنفصل عنها.
      وحيث إن الدستور الحالى قد اعتمد كذلك بمقتضى نص المادة (4) منه مبدأ المساواة، باعتباره إلى جانب مبدأى العدل وتكافؤ الفرص، أساسًا لبناء المجتمع وصيانة وحدته الوطنية، وتأكيدًا لذلك حرص الدستور في المادة (53) منه على كفالة تحقيق المساواة لجميع المواطنين أمام القانون، في الحقوق والحريات والواجبات العامة، دون تمييز بينهـــم لأى سبب، إلا أن ذلك لا يعنى - وفقًا لما استقر عليه قضاء هذه المحكمة - أن تعامل فئاتهم على ما بينها من تفاوت في مراكزها القانونية معاملة قانونية متكافئة، كذلك لا يقوم هذا المبدأ على معارضة صور التمييز جميعها، ذلك أن من بينها ما يستند إلى أسس موضوعية ولا ينطوى بالتالي على مخالفة لنص المادتين (4، 53) المشار إليهما، بما مؤداه أن التمييز المنهى عنه بموجبها هو ذلك الذى يكون تحكميًّا، وأساس ذلك أن كل تنظيم تشريعى لا يعتبر مقصودًا لذاته، بل لتحقيق أغراض بعينها تعكس مشروعيتها إطارًا للمصلحة العامة التى يسعى المشرع إلى تحقيقها من وراء هذا التنظيم، فإذا كان النص المطعون عليه - بما انطوى عليه من تمييز - مصادمًا لهذه الأغراض بحيث يستحيل منطقًا ربطه بها أو اعتباره مدخلاً إليها فإن التمييز يكون تحكميًّا وغير مستند بالتالى إلى أسس موضوعية، ومن ثم مجافيًا لمبدأ المساواة.
      وحيث إن الضريبة بكل صورها، تمثل في جوهرها عِبئًا ماليًّا على المكلفين بها، شأنها في ذلك شأن غيرها من الأعباء التي انتظمها نص المادة (38) من الدستـــــور، ويتعين بالتالي – بالنظـر إلى وطأتهـا وخطورة تكلفتها – أن يكون العدل من منظور اجتماعى، مهيمنًا عليها بمختلف صورها، محددًا الشروط الموضوعية لاقتضائها، نائيًا عن التمييز بينها دون مسوغ، فذلك وحده ضمان خضوعها لشرط الحماية القانونية المتكافئة التى كفلها الدستور للمواطنين جميعًا في شأن الحقوق عينها، فلا تحكمها إلا مقاييس موحدة لا تتفرق بها ضوابطها، ومن ثم كان منطقيًّا أن يلزم المشرع الدستورى في المادة (38) من الدستور الدولة بالارتقاء بالنظام الضريبى، وتبنى النظم الحديثة التى تحقق الكفاءة واليسر والإحكام في تحصيل الضرائب، ونص على أن يحدد القانون طرق وأدوات تحصيل الضرائب والرسوم، وصولاً إلى تحديد المال المحمل بعبئها والمتخذ وعاءً لها، والملتزمين بها الذين تتوافر بالنسبة لهم الواقعة المنشأة للضريبة.

      وحيث إن الأصل في الضريبــة العامة على المبيعات – بحسبانها من الضرائب غير المباشرة – أن يتحمل المستهلك عِبْأها، ومن ثم كان يتعين تحصيلها منه مباشرة، باعتبار أنها في حقيقتها ضريبة على الاستهلاك، غير أنه لتعذر تطبيق ذلك من الناحية العملية، لكثرة المستهلكين، وضخامة عددهم وصعوبة تحصيل هذه الضريبة منهم، وزيادة نفقاته، كان منطقيًّا أن يتجه المشرع إلى تحديد ملتزم آخر بأدائها؛ لتحقيق سرعة وسهولة ضبط عملية تحصيل الضريبة، وضمان توريدها إلى الخزانة العامة بما يحقق الغرض المقصود منها وهو الحصول على غلتها لمواجهة الإنفاق العام الناتج عن التوسع في المشروعات العامة التى تتصل بالمجالات المختلفة.

وحيث إن المشرع في مجال تحديده لوسائل تحصيل ضريبة المبيعات، اتخذ من التسجيل لدى مصلحة الضرائب على المبيعات وسيلة لحصر المكلفين والسلع والخدمات الخاضعة للضريبة، والرقابة على تحصيلها وتوريدها، إذ عرفت المادة (1) من قانون الضريبة العامة على المبيعات المسجل بأنه هو المكلف الذى تم تسجيله لدى المصلحة وفقًا لأحكام هذا القانون، والذى يلتزم طبقًا لنص المادة (5) من القانون ذاته بتحصيل الضريبة والإقرار عنها، وتوريدها للمصلحة في المواعيد المقررة قانونًا، وحددت الفقرة الثانية من المادة الأولى من القانون رقم 17 لسنة 2001 – المطعون فيها – حد التسجيل الإجبارى وهو بلوغ أو مجاوزة إجمالى قيمة مبيعات التاجر خلال الاثنى عشر شهرًا السابقة على تاريخ العمل بالقانون أو في أية سنة مالية أو جزء منها بعد العمل به مبلغ مائة وخمسين ألف جنيه، وعلة هذا التحديد كما جاء بمضبطة جلسة مجلس الشعب السادسة والستين المعقودة بتاريخ 20/5/2001 هو التخفيف عن كاهل صغار التجار الذين لم تصل حجم مبيعاتهم هذا الحد من الإمساك بالدفاتر وتحميلهم عبء التسجيل الإجبارى بضريبة المبيعات، وأن انضمام هذا العدد من التجار، مرتبط بقدرات وإمكانات مصلحة الضرائب في الإشراف وتحقيق الرقابة الفعالة، ومراجعة الإقرارات الضريبية لهذا العدد الذى يمكن أن ينضم للتسجيل عند تطبيق القانون بما يؤدى إلى تحقيق اليسر والسهولة في تحصيل هذه الضريبة، ضمانًا لمصلحة الخزانة العامة، كما أن التجار غير المسجلين بمصلحة الضرائب على المبيعات لا يستفيدون مما يتيحه التسجيل من مزايا أخصها حق المسجل في أن يخصم من الوعاء الضريبى له المبالغ التى سبق تحصيلها منه كضريبة مبيعات عند شرائه السلع، وهو ما لا يتوافر بالنسبة لغير المسجل، الذى يُحاسب ضريبيًّا على إجمالى مبيعاته ودخله دون مراعاة أنها تتضمن ضريبة مبيعات لا يستطيع خصمها من الدخل. فضلاً عن ذلك فإن المشرع بالنص المطعون فيه بتقريره الانتقال إلى المرحلتين الثانية والثالثة من مراحل تطبيق قانون الضريبة العامة على المبيعات قد ابتغى تنظيم المجتمع الضريبى وانضباطه وتوسعته ليكون الالتزام بالتسجيل بما يفرضه من انتظام السجلات وإمساك الدفاتر والتعامل بالفواتير المنتظمة وفق حسابات منظمة، وبما يؤدى إليه هذا التسجيل من خصم الضرائب التى سبق سدادها، وإخضاع القيمة المضافة فقط للضريبة بما لا يشكل تكرارًا أو ازدواجية في فرضها، ويقيم توازنًا بين مصالح الأطراف المختلفة، قرره المشرع بقواعد مجردة لا تقيم في مجال تطبيقها تمييزًا بين المخاطبين بأحكامه ممن بلغوا حد التسجيل المقرر قانونًا. كما أن الأهداف التى توخاها المشرع من تقرير هذا النص – من توسعة دائرة المكلفين، وما يؤدى إليه من تحصيل الضريبة على مختلف السلع والخدمات الخاضعة للضريبة العامة على المبيعات، باعتبارها أحد مصادر إيرادات الدولة – تتصل اتصالاً منطقيًّا ووثيقًا بالتنظيم الذى أتى به النص المطعون فيه، ومن ثم فإن ادعاء مخالفة النص المطعـــــون فيه لمبـــــادئ تكافـــــؤ الفـــــرص، أو العــــــــــدالة الاجتماعيـــــة، أو المساواة بما يخالف المواد (4، 9، 38، 53) من الدستور يكون في غير محله.

وحيث إنه عن طلب المدعى سقوط نص الفقرة الثالثة من النص المطعون فيه، فإن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن السقوط لا يُعد طلبًا مستقلاً بعدم الدستورية، وإنما هو من قبيل التقديرات القانونية التى تملكها المحكمة الدستورية العليا، بمناسبة قضائها في الطلبات الأصلية المطروحة عليها، ويتصل بالنصوص القانونية التى ترتبط بها ارتباطًا لا يقبل الفصل أو التجزئة، وإذ انتهت المحكمة فيما تقدم إلى القضاء برفض الدعوى في حدود نطاقها المشار إليه، فإن هذا الطلب يكون حقيقًا بالالتفات عنه.
وحيث إن النص المطعون فيه لا يخالف أى حكم آخر من أحكام الدستور.

فلهـذه الأسبـاب
حكمت المحكمة برفض الدعوى، وبمصادرة الكفالة، وألزمت المدعين بالمصروفات ومبلغ مائتى جنيه مقابل أتعاب المحاماة.