الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 25 يوليو 2019

دستورية سريان أحكام القانون المدني على الأماكن التي انتهت عقود إيجارها


القضية رقم 177 لسنة 22 ق "دستورية" جلسة 7 / 7 / 2002
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة في يوم الاحد 7 يوليه سنة 2002 الموافق 26 ربيع الاخر سنة 1423 هــ .
برئاسة السيد المستشار الدكتور / محمد فتحى نجيب رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين : عبد الرحمن نصير وماهر البحيرى ومحمد على سيف الدين وعدلى محمود منصور ومحمد عبد القادر عبد الله وعلى عوض محمد صالح
وحضور السيد المستشار/ سعيد مرعى عمرو رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / ناصر إمام محمد حسن    أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 177 لسنة 22 قضائية "دستورية"
المقامة من
السيد / سيد محمد احمد حسين
ضد
1 - رئيس مجلس الوزراء
2 - ماجدة عبد الوهاب احمد عن نفسها وبصفتها وصية على اولادها القصر احمد ودعاء وعادل وسماح اولاد المرحوم حسن عابدة صابرة
الإجراءات
بتاريخ 30/11/2000، أودع المدعى صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة ، طالباً الحكم بعدم دستورية القانون رقم 4 لسنة 1996 بشأن سريان أحكام القانون المدنى على الأماكن التى لم يسبق تأجيرها والأماكن التى انتهت أو تنتهى عقود إيجارها دون أن يكون لأحد حق البقاء فيها
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم برفض الدعوى .
وبعد تحضير الدعوى ، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة ، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة
حيث إن الوقائع على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق تتحصل في أنه بموجب عقد إيجار مؤرخ 27/9/1996 استأجر المدعى من مورث المدعى عليهم (ثانياً) محلاً تجارياً بجهة الأربعين بمحافظة السويس، وقد نص العقد على أن تبدأ مدة الإيجار اعتباراً من 1/11/1996 وأن تكون مشاهرة ، ويبدى المدعى أنه بعد أن أنفق على إعداد المحل مبالغ كبيرة ، وباشر نشاطه قرابة ثلاث سنوات، قام المدعى عليهم (ثانياً) بتوجيه إنذار رسمى بالتنبيه عليه بإنهاء العلاقة الإيجارية ، ثم أقاموا ضده الدعوى رقم 49 لسنة 2000 مدنى أمام محكمة الأربعين الجزئية بطلب الحكم بفسخ عقد الإيجار وتسليم العين خالية مما يشغلها. وبجلسة 2/4/2000 قضت محكمة الموضوع بانتهاء عقد الإيجار المؤرخ 27/9/1996 وألزمت المدعى بتسليم العين المبينة به خالية مما يشغلها وذلك تطبيقاً لنص المادة الثانية من القانون رقم 4 لسنة 1996، وإذ لم يرتض المدعى هذا القضاء، فقد طعن عليه بالاستئناف رقم 112 لسنة 2000 أمام محكمة السويس الابتدائية ، وأثناء نظره دفع بعدم دستورية ذلك القانون، وبعد تقدير المحكمة لجدية دفعه، صرحت للمستأنف بإقامة الدعوى الدستورية ، فأقام الدعوى الماثلة
وحيث إن القانون رقم 4 لسنة 1996 بشأن سريان أحكام القانون المدني على الأماكن التى لم يسبق تأجيرها والأماكن التى انتهت أو تنتهى عقود إيجارها دون أن يكون لأحد حق البقاء فيها، تجرى أحكام مواده الأربع على ما يأتى : مادة أولى : " لا تسرى أحكام القانونين رقمى 49 لسنة 1977 في شأن تأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر و136 لسنة 1981 في شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر والقوانين الخاصة بإيجار الأماكن الصادرة قبلهما، على الأماكن التى لم يسبق تأجيرها، ولا على الأماكن التى انتهت عقود إيجارها قبل العمل بهذا القانون أو تنتهى بعده لأى سبب من الأسباب دون أن يكون لأحد حق البقاء فيها طبقاً للقانون ". مادة ثانية : " تطبق أحكام القانون المدنى في شأن تأجير الأماكن المنصوص عليها في المادة الأولى من هذا القانون خالية أو مفروشة ، أو في شأن استغلالها والتصرف فيها ". مادة ثالثة : " يلغى كل نص في أى قانون آخر يتعارض مع أحكام هذا القانون ". مادة رابعة : " ينشر هذا القانون في الجريدة الرسمية ، ويعمل به اعتباراً من اليوم التالى لتاريخ نشره "
وحيث إن المدعى ينعى على القانون الطعين مخالفته لنص المادتين (32 و40) من الدستور من وجهين، أولهما: أن القانون الطعين صدر بإلغاء كافة التشريعات الاستثنائية المتعلقة بإيجار الأماكن والسارية منذ الحرب العالمية الثانية والتى تهدف إلى حماية المستأجرين من عنت ملاّك العقارات، وذلك على الرغم من أن الأسباب التى دعت المشرع إلى إصدار تلك القوانين ما زالت قائمة ، فأزمة الإسكان ما فتأت مستحكمة ، والمعروض من الوحدات السكنية دون المطلوب منها، ومن ثم فقد كان أولى بالمشرع أن يراعى مصالح الفئة الأكثر عدداً وأن ينظم حق الملكية بما لا يتعارض مع الخير العام للشعب، وثانيهما: مخالفته لمبدأ المساواة المنصوص عليه في المادة (40) من الدستور، ذلك أن المستأجرين في جمهورية مصر العربية أصبحوا خاضعين لنظامين قانونين مختلفين في آن واحد، الأول أحكام القانونين رقمى 49 لسنة 1977 و136 لسنة 1981 والتى تقضى بامتداد عقود الإيجار بقوة القانون بعد انتهاء مدتها وبتحديد القيمة الإيجارية وفقاً للأسس الواردة بهما، والآخر القانون المدنى والذى تقضى أحكامه بعدم امتداد عقد الإيجار بعد انتهاء مدته وترك تحديد القيمة الإيجارية لاتفاق طرفى العقد، حال كون الجميع في مركز قانونى واحد، فهم جميعاً مستأجرون، وإعمال مبدأ المساواة في شأنهم يقتضى معاملتهم معاملة قانونية متكافئة
وحيث إن هذا النعى مردود، ذلك أنه إذ صاحب ويلات الحرب العالمية الثانية ، نشوب أزمة طاحنة في مجال الإسكان، تمثلت في قلة المعروض من الوحدات المبنية أياً كانت الأغراض المخصصة لها وهى قلة في العرض لازمها تصاعد تضخمى متتابع في القيمة الإيجارية لهذه الوحدات وبما أخل بالحد الأدنى من التوازن اللازم توافره حتى تضحى إرادات أطراف العلاقات الإيجارية قادرة على صياغة علاقات تعاقدية غير مشوبة بعسف أحد أطرافها، لذلك فقد اضطر المشرع إلى التدخل لإفراد بعض العلائق الإيجارية بتنظيم خاص، كان من أبرزه الأمر العسكرى رقم 598 لسنة 1945 بشأن تأجير الأماكن وتنظيم العلاقات بين المؤجرين والمستأجرين، ثم أتبعه بالقانون رقم 121 لسنة 1947 بشأن إيجار الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجرين والمستأجرين، فقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 168 لسنة 1961 في شأن خفض إيجار الأماكن، وقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 169 لسنة 1961 بتقرير بعض الإعفاءات من الضريبة على العقارات المبنية وخفض الإيجارات بمقدار الإعفاءات، ثم قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 46 لسنة 1962 بتحديد إيجار الأماكن، فالقانون رقم 7 لسنة 1965 في شأن تخفيض إيجار الأماكن ثم القانون رقم 52 لسنة 1969 في شأن إيجار الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجرين والمستأجرين إلى أن أُستبدل به القانون رقم 49 لسنة 1977 في شأن تأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر فالقانون رقم 136 لسنة 1981 في شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، وقد خرج المشرع بهذا التنظيم على القواعد العامة في عقد الإيجار خروجاً تعلق بمحورين جوهريين هما الحد من حرية المؤجر في تقدير الأجرة ، واعتبار العقد ممتداً بقوة القانون بذات شروطه الأصلية
وحيث إنه ولئن صح القول بأن مواجهة أزمة الإسكان والحد من غلوائها اقتضى أن تكون التشريعات الاستثنائية الصادرة دفعاً لها مترامية في زمن تطبيقها، إلا أنه يتعين النظر إليها دوماً بأنها تشريعات طابعها التأقيت مهما استطال أمدها، وأنها لا تمثل حلاً دائماً ونهائياً للمشكلات المترتبة على هذه الأزمة ، بل يتعين دوماً مراجعتها من أجل تحقيق التكافؤ بين مصالح أطراف العلاقة الإيجارية فلا يميل ميزانها في اتجاه مناقض لطبيعتها إلا بقدر الظروف التى أملت وجودها، إذ كان ذلك، وكانت جملة التطورات التى لحقت بالحياة المصرية سواء في توجهاتها الاقتصادية أو حركة العمران فيها، أو العلاقات القانونية المتعلقة بتأجير أو تملك الوحدات المبنية ، قد قادت إلى واقع يغاير في جوانب متعددة منه، ذلك الواقع الذى أملى تلك التشريعات الاستثنائية فإنه كان من المحتم إعادة النظر في هذه التشريعات على نحو يتوازن فيه النظر بين ما يقود إلى مزيد من التطور الإيجابى القادر على استشراف حلول نهائية لمشاكل هذا المجال، وبين ما يتعلق بتحقيق الاستقرار فيما لم يلحقه تغير كيفى في الواقع الممتد منذ عقود سابقة ، وهو نظر يقود إلى أن تكون الفلسفة الحاكمة للتغيير التشريعى عامدة إلى تجنب تغيير المسار طفرة واحدة ، بما يؤدى إلى المساس بالسلام الاجتماعى بين أفراد المجتمع، وهو سلام لا يتحقق إلا بأن تكون جملة التشريعات المنظمة لشأن واحد قد راعت في أحكامها التفصيلية تباين معدلات التغير في مكونات هذا الشأن، فيصبح خطابها متناغماً في انضباطه، فلا يعنت على بعض المخاطبين به، ولا يغلو في حياده فينفلت من ضوابطه آخرون، إذ كان ذلك وكان المشرع في القانون الطعين قد انتهج سياسة متدرجة في رد العلاقة الإيجارية إلى أصولها في التقنين المدنى ، فأصدر القانون رقم 4 لسنة 1996، ناصاً على عدم سريان أحكام القانونين رقمى 49 لسنة 1977 و136 لسنة 1981 على الأماكن التى لم يسبق تأجيرها، وكذلك الأماكن التى انتهت عقود إيجارها قبل العمل به أو تنتهى بعده لأى سبب دون أن يكون لأحد حق البقاء فيها. على أن تطبق في شأن تأجير هذه الأماكن أو استغلالها أو التصرف فيها أحكام القانون المدنى . أما الأماكن التى سبق تأجيرها طبقاً للقانونين رقمى 49 لسنة 1977 و136 لسنة 1981 فتظل خاضعة لأحكام هذين القانونين إلى أن تنتهى عقود إيجارها لأى سبب دون أن يكون لأحد حق البقاء فيها طبقاً للقانون، فإن المشرع بذلك كله يكون قد التزم هذه الفلسفة فيما أو رده من أحكام القانون الطعين، مستهدفاً تحقيق التوازن المنشود في العلائق الإيجارية ، بما يكفل مصالح أطرافها، مرتكزاً على مبدأ التضامن الاجتماعى كما أرساه حكم المادة (7) من الدستور والتى مؤداها وحدة الجماعة في بنيانها، وتداخل مصالحها، وإمكان التوفيق بينها، كما أعاد إلى ملاك الوحدات التى تخضع لأحكامه حرية التصرف فيها واستغلالها، بما يغدو معه الادعاء بمخالفته لنص المادة (32) من الدستور، ادعاء غير مبنى على أساس دستورى صحيح
وحيث إن مبدأ مساواة المواطنين لدى القانون على ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة لا يعنى أن تعامل فئاتهم على ما بينها من تفاوت في مراكزها القانونية معاملة قانونية متكافئة ، كذلك لا يقوم هذا المبدأ على معارضة صور التمييز جميعها، ذلك أن من بينها ما يستند إلى أسس موضوعية ولا ينطوى بالتالى على مخالفة لنص المادة (40) من الدستور؛ بما مؤداه أن التمييز المن هى عنه بموجبها هو الذى يكون تحكميّاً وبين أصحاب المركز القانونى الواحد، إذ كان ذلك وكان القانون الطعين قد فرّق بين نوعين من الأماكن، أولهما، تلك التى تكون محلاً لعلاقات إيجارية قائمة وخاضعة لأحكام القانونين رقمى 49 لسنة  77، 136 لسنة 1981، وثانيهما، الأماكن التى لم يسبق تأجيرها أو التى انتهت عقود إيجارها قبل العمل بأحكامه أو تنتهى بعده دون أن يكون لأحد حق البقاء فيها طبقاً للقانون، فأبقى الأولى خاضعة للنظام القانونى الذى نشأت في ظله، وأخضع الثانية فيما ينشأ من علاقات بشأنها، لأحكام القانون المدنى ، فإنه يكون بذلك قد غاير في المعاملة التشريعية بين نوعين من العلاقات الإيجارية يستقل كل منها بنظامه القانونى الخاص، وتنشأ عن كل منهما مراكز قانونية تتباين عن المراكز القانونية التى تنشأ عن النظام الآخر، وهو في ذلك كله لم يقم تمييزاً بين المخاطبين بأحكام كل نظام والمتكافئة مراكزهم القانونية في نطاقه، ويغدو النعى عليه من بعد ذلك بمخالفته لأحكام المادة (40) من الدستور نعياً غير صحيح
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة برفض الدعوى ، وبمصادرة الكفالة ، وألزمت المدعى المصروفات، ومبلغ مائتى جنيه مقابل أتعاب المحاماة .

الأربعاء، 24 يوليو 2019

عدم دستورية استثناء تنازل الطبيب أو ورثته عن حق إجارة العين الخضوع للمادة 20 من قانون 136 لسنة 1981


القضية رقم 11 لسنة 16 ق "دستورية " جلسة 3 / 7 / 1995
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة في يوم الإثنين 3 يولية سنة 1995 الموافق 5 صفر سنة 1416 هـ .
برئاسة السيد المستشار الدكتور/ عوض محمد عوض المر رئيس المحكمة
وحضور السادة المستشارين: فاروق عبد الرحيم غنيم وعبد الرحمن نصير وسامى فرج يوسف والدكتور عبد المجيد فياض ومحمد على سيف الدين وعدلى محمود منصور     اعضاء
وحضور السيد المستشار الدكتور/ حنفى على جبالى    رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد/  حمدى أنور صابر    أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 11 لسنة 16 قضائية   "دستورية ".
المقامة من
السيد / رئيس مجلس إدارة الشركة المصرية لإعادة التأمين      بصفته 
ضد
1- السيد / رئيس الجمهورية
2- السيد / رئيس مجلس الشعب
3- السيد / رئيس الوزراء
4- السيد / المستشار وزير العدل
5- السيدة / عفاف عبد الستار عيسى عن نفسها وبصفتها وصية على ولديها  حسام ولبنى قاصرى المرحوم الدكتور/محمد محمد جمال الدين توفيق

الإجراءات
بتاريخ 12 مارس سنة 1994 أودع المدعى بصفته صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة طالباً الحكم بعدم دستورية العبارة محل الطعن من نص المادة الخامسة من القانون رقم 51 لسنة 1981 بتنظيم المنشآت الطبية فيما تجرى به من جواز تنازل مستأجر المنشأة الطبية أو ورثته من بعده عنها لطبيب•
قدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم أصلياً بعدم قبول الدعوى واحتياطياً برفضها موضوعاً •
وبعد تحضير الدعوى ، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها•
ونظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة ، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم•

المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة •
وحيث إن الوقائع -على مايبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق- تتحصل في أن مورث المدعى عليها الخامسة ، كان قد أقام حال حياته الدعوى رقم 6061 لسنة 1987 كلى جنوب القاهرة بطلب الحكم بالزام الشركة المدعية (الشركة المصرية لإعادة التأمين) بأن تحرر لصالحه عقد إيجار عن الشقة رقم (7) التى تملكها، والكائنة بالعقار رقم (3) - بممر بهلر    -قسم عابدين بالقاهرة - والمتنازل له عنها من مستأجرها الأصلى للانتفاع بها في ذات الغرض كعيادة طبية • وكانت الشركة المدعية قد أقامت بدورها الدعوى رقم 8974 لسنة 1987 كلى جنوب القاهرة بطلب الحكم بإبطال التنازل عن حق الانتفاع بالعين المشار إليها وتسليمها إليها خالية • وإذ قضت محكمة جنوب القاهرة الابتدائية بضم هاتين الدعويين ليصدر فيهما حكم واحد، وألزمت -فى الدعوى الأولى - الشركة المدعية بتحرير عقد إيجار مع مورث المدعى عليها الخامسة عن تلك العين بذات شروط العقد الأصلى ، وفى الدعوى الثانية برفضها، فقد استأنفت المدعية هذا الحكم أمام محكمة استئناف القاهرة ، وقيد استئنافها برقم 8802 لسنة 105 قضائية استئناف القاهرة ، إلا أن محكمة الاستئناف أيدت الحكم المستأنف، مما حملها على أن تقيم مجدداً الدعوى رقم 104 لسنة 1992 كلى جنوب القاهرة ، بطلب الحكم بإلزام المدعى عليها الخامسة بأن تؤدى لها من تركة مورثها نصف مقابل التنازل عن حق الانتفاع بالعين المتنازل عنها، وذلك عملاً بأحكام المادة 20 من القانون رقم 136 لسنة 1981 في شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر• بيد أن محكمة جنوب القاهرة الابتدائية قضت في هذه الدعوى بعدم جواز نظرها لسابقة الفصل فيها • فاستأنفته المدعية بالاستئناف رقم 6404 لسنة 110 قضائية استئناف القاهرة ، وأثناء نظر استئنافها بجلسة 12 يناير سنة 1994 دفعت بعدم دستورية المادة 5 من القانون رقم 51 لسنة 1981 بشأن المنشآت الطبية فيما قررته من جواز تنازل الطبيب -لغيره من الأطباء الذين يزاولون المهنة- عن حق الانتفاع بالعين المؤجرة التى يتخذ منها عيادة طبيه، وذلك دون التقيد بأحكام المادة 20 من القانون رقم 136 لسنة 1981المشار إليه• وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية الدفع بعدم الدستورية ، فقد صرحت للشركة المدعية برفع دعواها الدستورية ، فأقامت الدعوى الماثلة •
وحيث إن القانون رقم 51 لسنة 1981 بتنظيم المنشآت الطبية ينص في مادته الأولى على أنه "فى تطبيق أحكام هذا القانون تعتبر منشأة طبية كل مكان أعد للكشف على المرضى أو علاجهم أو تمريضهم أو إقامة الناقهين وتشمل ما يأتي :-

( أ ) العيادة الخاصة : وهى كل منشأة يملكها أو يستأجرها ويديرها طبيب أو طبيب أسنان كل حسب مهنته المرخص له في مزاولتها، ومعدة لاستقبال المرضى ورعايتهم طبيا•ً ويجوز أن يكون بها أسرة على ألا يتجاوز عددها ثلاثة أسرة . ..... (ب) ..... (ج) ..... ( د ) ....."
وتنص المادة 5 من القانون ذاته على أنه "لا ينتهى عقد إيجار المنشأة الطبية بوفاة المستأجر أو تركه العين ويستمر لصالح ورثته وشركائه في استعمال العين بحسب الأحوال، ويجوز له ولورثته من بعده التنازل عنها لطبيب مرخص له بمزاولة المهنة ، وفى جميع الأحوال يلتزم المؤجر بتحرير عقد إيجار لمن لهم حق في الاستمرار في شغل العين"•
وحيث إن الشركة المدعية تنعى على المادة 5 الآنف بيانها، أنها فيما قررته من جواز نزول الطبيب أو ورثته "من بعده" عن حق إيجار عيادته الخاصة إلى طبيب مرخص له بمزاولة المهنة ، تكون قد آثرت فئة الأطباء بميزة غير مقررة لغيرهم من المستأجرين، خروجا على القواعد العامة ، ومنها تلك التى حظرت على المستأجر التنازل عن حق الإجارة ، وجعلت منه سبباً لاسترداد المالك للعين المؤجرة ، بما مؤداه حرمان مالك العين من الاستئثار بمنافعها مطلقاً، وإخلالها كذلك بالحقوق التى قررتها المادة 20 من القانون رقم 136 لسنة 1981 المشار إليه، لمن يملكون الأعيان المؤجرة حال التنازل عنها للغير• وهو ما يعد إهداراً للحماية التى كفلها الدستور للملكية الخاصة في المادتين 32، 34 منه، وازوراراً عن التقيد بمبدأى تكافؤ الفرص، ومساواة المواطنين أمام القانون، المنصوص عليهما في المادتين 8، 40 من الدستور•
وحيث إن من المقرر -وعلى ماجرى به قضاء هذه المحكمة - أن مناط المصلحة الشخصية المباشرة في الدعوى الدستورية -وهى شرط لقبولها- أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة في الدعوى الموضوعية ، وذلك بأن يكون الفصل في المسألة الدستورية لازما للفصل في الطلبات المرتبطة بها المطروحة على محكمة الموضوع • متى كان ذلك، وكانت الدعوى الموضوعية تتعلق بنزول المستأجر الأصلى عن إجارة العين التى اتخذها عيادة خاصة ، إلى مورث المدعى عليها الخامسة لينتفع بها -وبوصفه طبيبا-  في ذات الغرض، وكان الدفع بعدم الدستورية الذى أبدته الشركة المدعية أمام محكمة الموضوع من حصراً في هذا النطاق وحده، فان مصلحتها الشخصية المباشرة إنما تتحدد في المسألة الدستورية المتصلة بالنزاع الموضوعى ، وهى تلك المتعلقة بنزول الطبيب أو ورثته من بعده عن حق إيجار المنشأة الطبية التى يتخذها عيادة خاصة لطبيب• ومن البدهى أن انحصار الطعن الماثل في النطاق المتقدم، لا يعنى أن أحكام المادة 5 من القانون رقم 51 لسنة 1981 المشار إليه -وفيما يجاوز هذا النطاق- قد أضحى مطهراً مما يكون عالقا بها من مثالب موضوعية ، إذ لا يزال مجال الطعن فيها مفتوحاً لكل ذى مصلحة • 
وحيث إن الدستور -إعلاءً من جهته لدور الملكية الخاصة ، وتوكيداً لإسهامها في صون الأمن الاجتماعى - كفل حمايتها لكل فرد -وطنياً كان أم أجنبياً- ولم يجز المساس بها إلا على سبيل الاستثناء، وفى الحدود التى يقتضيها تنظيمها، باعتبارها عائدة ً -فى الأعم من الأحوال- إلى جهد صاحبها، بذل من أجلها الوقت والعرق والمال، وحرص بالعمل المتواصل على إنمائها، وأحاطها بما قدره ضرورياً لصونها • معبداً بها الطريق إلى التقدم، كافلاً للتنمية أهم أدواتها، محققاً من خلالها إرادة الإقدام، هاجعاً إليها لتوفر ظروفاً أفضل لحرية الاختيار والتقرير، مطمئناً في كنفها إلى يومه وغده، مهيمناً عليها ليختص دون غيره بثمارها ومنتجاتها وملحقاتها، فلا يرده عنها معتد• ولا يناجز سلطته في شأنها خصيم ليس بيده سنده ناقل لها • ليعتصم بها من دون الآخرين• وليلتمس من الدستور وسائل حمايتها التى تعينها على أداء دورها، وتقيها تعرض الأغيار لها سواء بنقضها أو بانتقاصها من أطرافها• ولم يعد جائزاً بالتالى أن ينال المشرع من عناصرها• ولا أن يغير من طبيعتها أو يجردها من لوازمها• ولا أن يفصلها عن أجزائها أو يدمر أصلها أو يقيد من مباشرة الحقوق التى تتفرع عنها في غير ضرورة تقتضيها وظيفتها الاجتماعية • ودون ذلك تفقد الملكية ضماناتها الجوهرية ، ويكون العدوان عليها غصباً، وافتئاتاً على كيانها أدخل إلى مصادرتها•
وحيث إن من المقرر كذلك أن حق الملكية من الحقوق المالية التى يجوز التعامل فيها، وبقدر اتساع قاعدتها تتعدد روافدها، وتتنوع استخداماتها، لتشكل نهراً يتدفق بمصادر الثروة القومية التى لايجوز إهدارها أو التفريط فيها أو بعثرتها تبديداً  لقيمتها • ولا تنظيمها بما يخل بالتوازن بين نطاق حقوق الملكية المقررة عليها، وضرورة تقييدها نأياً بها عن الانتهاز أو الإضرار بحقوق الآخرين• ذلك أن الملكية -فى إطار النظم الوضعية التى تزاوج بين الفردية وتدخل الدولة - لم تعد حقاً مطلقاً، ولا هى عصية على التنظيم التشريعى • وليس لها من الحماية ما يجاوز الانتفاع المشروع بعناصرها• ومن ثم ساغ تحميلها بالقيود التى تتطلبها وظيفتها الاجتماعية ، وهى وظيفة لا يتحدد نطاقها من فراغ، ولا تفرض نفسها تحكما، بل تمليها طبيعة الأموال محل الملكية ، والأغراض التى ينبغى رصدها عليها، محددة على ضوء واقع اجتماعى معين في بيئة بذاتها لها توجهاتها ومقوماتها•
وفى إطار هذه الدائرة ، وتقيداً بتخومها، يفاضل المشرع بين البدائل ، ويرجح على ضوء الموازنة التى يجريها، ما يراه من المصالح أجدر بالحماية ، وأولى بالرعاية ، وفقا لأحكام الدستور، مستهديا في ذلك بوجه خاص بالقيم التى تنحاز إليها الجماعة في مرحلة بذاتها من مراحل تطورها، وبمراعاة أن القيود التى يفرضها الدستور على حق الملكية للحد من إطلاقها، لا تعتبر مقصودة لذاتها، بل غايتها خير الفرد والجماعة •
وحيث إن الشريعة الإسلامية في مبادئها الكلية وأصولها الثابته التى لا تبديل فيها، لا تناقض ما تقدم• ذلك أن الأصل فيها أن الأموال جميعها مردها إلى الله تعالى ، أنشأها وبسطها، وإليه معادها ومرجعها، مستخلفا فيها عباده الذين عهد إليهم بعمارة الأرض، وجعلهم مسئولين عما في أيديهم من الأموال لا يبددونها أو يستخدمونها إضراراً• يقول تعالى [وانفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه] وليس ذلك إلا نهياً عن الولوغ بها في الباطل• وتكليفاً لولى الأمر بأن يعمل على تنظيمها بما يحقق المقاصد الشرعية المتوخاة منها، وهى مقاصد ينافيها أن يكون إنفاق الأموال وإدارتها عبثاً أو إسرافاً أو عدواناً، أو متخذاً طرائق تناقض مصالح الجماعة ، أو تخل بحقوق للغير أولى بالاعتبار• 
وكان لولى الأمر بالتالى أن يعمل على دفع الضرر قدر الإمكان، وأن يحول دون الإضرار إذا كان ثأراً محضاً يزيد من الضرر، ولا يفيد إلا في توسيع الدائرة التى يمتد إليها، وأن يرد كذلك الضرر البين الفاحش• فإذا تزاحم ضرران كان تحمل أهونهما لازماً اتقاءً لأعظمهما، ويندرج تحت ذلك القبول بالضرر الخاص لرد ضرر عام•
وينبغى -من ثم- أن يكون لحق الملكية إطار محدد تتوازن فيه المصالح ولا تتنافر• ذلك أن الملكية خلافة ، وهى باعتبارها كذلك تضبطها وظيفتها الاجتماعية التى تعكس بالقيود التى تفرضها على الملكية ، الحدود المشروعة لممارسة سلطاتها، وهى حدود يجب التزامها، لأن العدوان عليها يخرج الملكية عن دائرة الحماية التى كفلها الدستور لها• 
وحيث إن المادة 20 من القانون رقم 136 لسنة 1981 في شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، تنص على أنه "يحق للمالك عند قيام المستأجر في الحالات التى يجوز له فيها بيع المتجر أو المصنع أو التنازل عن حق الانتفاع بالوحدة السكنية أو المؤجرة لغير أغراض السكنى ، الحصول على 50 %  من ثمن البيع أو مقابل التنازل بحسب الأحوال بعد خصم قيمة المنقولات التى بالعين• وعلى المستأجر قبل إبرام الاتفاق، إعلان المالك على يد محضر بالثمن المعروض • ويكون للمالك الحق في الشراء إذا أبدى رغبته في ذلك، وأودع الثمن مخصوماً منه نسبة ال 50 % المشار إليها خزانة المحكمة الجزئية الواقع في دائرتها العقار، إيداعاً مشروطاً بالتنازل عن عقد الإيجار وتسليم العين، وذلك خلال شهر من تاريخ الإعلان• وبانقضاء ذلك الأجل يجوز للمستأجر أن يبيع لغيرالمالك، مع التزام المشترى بأن يؤدى للمالك مباشرة ً نسبة ال 50 % المشار إليها".
وحيث إن من المقرر وفقا للقواعد العامة   التى تنظم الروابط الإيجارية ، أن مستأجر العين التى يستخدمها في السكن أو لغير ذلك من الأغراض، مقيد إذا أراد التنازل عن حق إجارتها إلى الغير، بأن يتم هذا التنازل بناءً على نص في القانون أو وفقاً لترخيص صادر   عن مالكها -صريحاً كان أم ضمنياً- وسواء أكان هذا الترخيص مدرجاً في عقد الإجارة الأصلية ، أم وارداً في اتفاق لا حق على إبرامها• وإذ كان التنازل عن حق إجارة العين -فى الأحوال التى يجوز فيها ذلك- قد يؤول إلى حصول المتنازل على مبالغ ضخمة لا ينال منها مالكها شيئا أياً كان مقداره، بل ينفرد بها المتنازل من دونه، وكان ذلك بكل المقاييس ظلماً فادحاً يلحق بمالكها أبلغ الأضرار، فقد أقر المشرع نص المادة آنفة البيان التى عدل بها عما كان معمولاً به قبلها من اختصاص مستأجر العين وحده بمقابل التنازل عنها، وليعيد بموجبها إلى العلائق الإيجارية توازناً كان قد اختل فيما بين أطرافها، وذلك من خلال أمرين يمثلان معاً حلاً منصفاً لمواجهة تنازل مستأجر العين عن حق إجارتها، تنازلاً نافذاً في حق مالكها: أولهما: أن يحصل مالكها على 50 % من مقابل التنازل بعد خصم قيمة المنقولات التى في العين، وهو تنازل يتم باتفاق بين المتنازل والمتنازل إليه في شأن انتقال منفعة العين إليه، وليس لمالكها شأن فيه، ثانيهما: تقرير أولوية لمالكها في الانتفاع -دون المتنازل إليه- بالعين التي قام بتأجيرها إلى المتنازل، وذلك بشرط أن يعلن عن رغبته هذه عن طريق إيداع خزانة المحكمة الجزئية الواقع في دائرتها العقار 50 % من مقابل التنازل المعروض، على أن يكون هذا الإيداع مشروطاً بالتنازل عن عقد إيجارها وتسليمها.
وحيث إن القانون رقم 136 لسنة 1981 المشار إليه قد نشر بالجريدة الرسمية في 30 يوليو سنة 1981، وعمل به اعتباراً من اليوم التالي لتاريخ نشره• وبمقتضى القانون رقم 51 لسنة 1981، نظم المشرع المنشأت الطبية . وإذ عُمِلَ بهذا القانون بعد ثلاثة أشهر من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية في 25 يونيو سنة 1981، فقد صار -وفى اطار ما قرره النص المطعون فيه من جواز تنازل مستأجر المنشأة الطبية وورثته من بعده عنها لطبيب مرخص له بمزاولة المهنة - مقيداً لعموم الأحكام التى انتظمتها المادة 20 من القانون رقم 136 لسنة 1981 آنف البيان، وذلك لأمرين:
 أولهما أن المشرع دل بنصها على   استغراقها لكل صور التنازل عن حق الانتفاع بالوحدة السكنية أو المؤجرة لغير ذلك من الأغراض، ليكون تطبيقها -وعملاً بعموم لفظها- غير مقصور على أشكال بذواتها من التنازل، بل مشتملاً عليها بكل أفرادها، فلا تخرج صور من التنازل من جملتها•

 ثانيهما أن المادة 5 من قانون المنشأت الطبية المطعون عليها، تخول مستأجر المنشأة الطبية -وورثته من بعده- حق التنازل عنها لغيره من أقرانه ليباشر فيها المهنة ذاتها، وليكون للمتنازل إليه حق الاستمرار في شغل العين من دون المؤجر، إذ يلتزم "فى جميع الأحوال" بأن يحرر للمتنازل إليه عقد إيجار بشأنها، وهو مايعنى أن التنازل يكون نافذا في حق المؤجر "فى كل حال" ولو لم يتقاض المؤجر شيئا من مقابل التنازل • وذلك هو تخصيص العام، باعتبار أن التخصيص لغة   هو الإفراد• وهو لا يدخل في غيرالعام، ذلك أن التخصيص في الاصطلاح، هو تمييز بعض الجملة بحكم معين يفصلها عن العام، ليتعلق هذا الحكم بمن شملهم التنظيم الخاص دون سواهم، وبمراعاة أن التخصيص يجوز أن يكون مقترناً بالعام، أو متقدماً عليه، أو متأخراً عنه• ولا كذلك الناسخ، إذ لايجوز أن يكون متقدما على المنسوخ، ولا مقترناً  به، بل يجب أن يتأخر عنه•
وحيث إن البين من استقراء أحكام القانون رقم 51 لسنة 1981 المشار إليه، ومن تقرير اللجنة المشتركة من لجنة الشئون الصحية والبيئية ومكتب لجنة الشئون الدستورية والتشريعية عن مشروع هذا القانون أن المستشفيات العلاجية -وسواء كانت عيادات خاصة أو عيادات مجمعة أو دور نقاهة - تؤدى دوراً هاما في تقديم الخدمة العلاجية للمواطنين، مما جعل توسعتها، ومراقبتها وترشيد تكلفتها، لازما ضماناً لوفاء مهنة الطب برسالتها السامية •
وحيث إن المشرع على ضوء هذه الأغراض، واستلهاما لها -قدر أن النهوض بمهنة الطب والوفاء بتبعاتها، يقتضى أن تتواصل مباشرتها بين أجيال القائمين عليها، لا ينفصم اتصالهم بالأعيان المؤجرة المتخذة مقاراً لمزاولتها، بل يكون ارتباطهم بها مطرداً لا انقطاع فيه وفاءً بتبعاتها• متى كان ذلك، فإن نزول طبيب لأحد زملائه عن حق إجارة العين التى يستخدمها عيادة خاصة ، وفى الحدود التى لا يتعارض فيها هذا التنازل مع الحقوق التى يقابلها، والمقررة لمالكها وفقا للقواعد العامة - لا يناقض في ذاته حق الملكية ، ولا يخل بمقوماتها، بل هو أدخل إلى تنظيمها في إطار وظيفتها الاجتماعية ، بفرض قيود عليها لا تخرجها عن طبيعتها •
وحيث إن النص المطعون فيه، نظم العلاقة الإيجارية في بعض جوانبها، مقرراً بالأحكام التى تضمنها، استثناء كل طبيب -وورثته من بعده- من الخضوع للقواعد العامة الواردة بالقانون رقم 136 لسنة 1981 آنف البيان، وذلك إذا تنازل لغيره من الأطباء عن حق إجارة العين التى اتخذها مقراً لمزاولة مهنة الطب، وكان الأصل في سلطة المشرع في مجال تنظيم الحقوق أنها سلطة تقديرية مالم يفرض الدستور على ممارستها قيوداً لايجوز تخطيها، لضمان أن يكون الانتفاع بتلك الحقوق مفيداً وفعالاً، وكانت الحماية التى كفلها الدستور للملكية الخاصة في مادته الثانية والثلاثين، مناطها تلك الملكية التى لا تقوم على الاستغلال، ولا يتعارض استخدامها مع الخير العام لجموع المواطنين، ولا تنافى في مقاصدها الأغراض التى تتوخاها وظيفتها الاجتماعية ، وكان المشرع في مجال تنظيم العلائق الإيجارية ، وإن قرر من النصوص القانونية ما ارتآه محققا للتوازن بين أطرافها، إلا أن هذا التوازن لا يجوز أن يكون صورياً أو منتحلاً أو سراباً، بل يجب أن يعكس حقيقة قانونية لامماراة فيها، ليكون التنظيم التشريعى لحقوق المؤجرين والمستأجرين في دائرتها، منصفاً لامتحيفاً، متعمقا الحقائق الموضوعية ، وليس متعلقا بأهدابها الشكلية •
وحيث إن ما تقدم مؤداه، أن المشرع لا يجوز أن يعدل من إطار العلائق الإيجارية بما يمثل افتئاتاً كاملاً على حقوق أحد أطرافها، أو انحرافاً عن ضوابط ممارستها، وإلا آل أمر النصوص التى أقرها إلى البطلان من خلال مباشرة الرقابة القضائية على دستوريتها• ذلك أن القيود التى يفرضها المشرع على حق الملكية ، لا يجوز أن تكون مدخلاً  لإثراء مستأجر العين وإفقار مالكها• ولا أن يحصل المستأجر من خلالها على حقوق لا يسوغها مركزه القانونى في مواجهة المؤجر، وإلا حض تقريرها على الانتهاز، وناقض جوهر الملكية التى لايجوز أن تكون ثمارها عائدة إلى غير أصحابها• وآية ذلك أن الأصل هو أن يتحقق التضامن بين المؤجر والمستأجر من الوجهة الاجتماعية ، وأن تتوافق مصالحهما ولا تتنافر من الوجهة الاقتصادية ، وإلا كان كل منهما حربا على الآخر، يهتبل الفرص لأكل حقه بالباطل، ولا يجوز بالتالى أن يميل ميزان التوازن بينهما لتكون الحقوق المقررة لأحدهما إجحافاً وإعناتاً وقهراً • وليس من المتصور أن يكون مغبون الأمس -وهو المستأجر- غابناً، ولا أن يكون تدخل المشرع شططاً وقلباً للموازين ترجيحاً لكفته، لتكون أكثر ثقلاً، وليحل الصراع بين هذين العاقدين، بديلاً عن اتصال التعاون بينهما • 
وحيث إنه لا ينال مما تقدم، قالة أن النص المطعون فيه من قبيل التشريعات الاستثنائية التى تدخل بها المشرع لمواجهة الأزمة المتفاقمة الناشئة عن قلة المعروض من الأماكن، سواء كانت مهيأة للسكنى أو معدة لغير ذلك من الأغراض• ذلك أن الطبيعة الاستثنائية لتلك التشريعات التى لا يجوز التوسع في تفسيرها، أو القياس عليها، والتى درج المشرع على تنظيم العلائق الإيجارية من خلالها، واعتبر أحكامها من النظام العام لإبطال كل اتفاق على خلافها، ولضمان سريانها بأثر مباشر على عقود الإيجار القائمة عند العمل بها -ولو كانت مبرمة قبلها- لا تعصمها من الخضوع للدستور• ولا تخرجها من مجال الرقابة القضائية التى تباشرها المحكمة الدستورية العليا على دستورية النصوص القانونية   جميعها• بل يتعين اعتبارها من قبيل التنظيم الخاص لموضوعها، وأن يكون مناط سلامتها هو اتفاقها مع أحكام الدستور•
ويجب بالتالى أن تقدر الضرورة الموجهة لهذا التنظيم الخاص بقدرها، وأن تدور معها وجوداً وعدما تلك القيود التى ترتبط بها وترتد إليها، باعتبارها مناط مشروعيتها وعلة استمرارها•
وحيث إن النص المطعون فيه، لم يلتزم بالقواعد التى تنظم التنازل بوجه عام، والتى تضمنتها  المادة 20 من القانون رقم 136 لسنة 1981 آنف البيان، بل أسقطها بتمامها، ليمتنع على المالك بعدئذ الخيار بين حقي كفلتهما المادة 20 من هذا القانون، هما أن يحصل على   50 % من مقابل التنازل إذا أراد إعمال آثاره• أو أن يستعيد العين من مستأجرها بعد أداء تلك القيمة مع إنهاء العلاقة الايجارية التى ارتبطا بها في شأنها• بيد أن النص المطعون فيه حرم من يملكون الأماكن المؤجرة المتخذة مقاراً للعيادات الطبية الخاصة ، من هذين البديلين كليهما، واعتبر -بما انطوى عليه من حكم خاص- تنازل الأطباء وورثتهم من بعدهم عن حق إجارة تلك الأعيان لغيرهم من الأطباء، نافذاً نفاذاً فورياً قبل ملاكها، ومقروناً باستمرار عقود الإيجار المبرمة في شأنها لصالح المتنازل إليهم، مع الزام المؤجرين بتحرير عقود إيجار لهم• بما مؤداه التعرض لحق ملكيتهم على الأعيان المؤجرة ، من خلال منعهم من الاستئثار بمنافعها•
وحيث إن النص المطعون فيه، يبدو من فصلاً عن الأصول التى تقتضيها مزاولة مهنة الطب والقيام على رسالتها، ذلك أن الحقوق التى يرتبها للأطباء فيما بين بعضهم البعض لقاء التنازل عن الأعيان المتخذة مقاراً لعياداتهم الخاصة ، لازمها إلغاء حقوق ملاكها إلغاء كاملا ونهائيا• إذ يقدم للأطباء -دون غيرهم من المتنازلين عن حق الإجارة - ميزة استثنائية ينفردون بها،  وتعصمهم من أن يؤدوا لمن يملكون الأعيان شيئا منها ولو ضؤل• ولا يدخل ذلك في نطاق التنظيم التشريعى لحق الملكية • بل هو عدوان عليها• ذلك أن النص المطعون فيه يقدم المنفعة المجلوبة على المضرة المدفوعة ، ولايختار أهون الشرين لدفع أعظمهما، بل يلحق بالمؤجر وحده الضرر البين الفاحش، منافياً بذلك المقاصد الشرعية التى ينظم ولى الأمر الحقوق في نطاقها، ومجاوزاً بذلك الحدود المنطقية لعلاقة كان ينبغى أن تتوازن فيها المصالح، لا أن تتصادم، ومغلباً مصالح فئه بذاتها من المواطنين على سواهم، يإيثار أفرادها بمزايا مالية يختصون بها دون غيرهم•
وحيث إن الدساتير المصرية جميعها بدءا بدستور 1923، وانتهاء بالدستور القائم، رددت جميعها مبدأ المساواة أمام القانون، وكفلت تطبيقه على المواطنين كافة باعتباره أساس العدل والحرية والسلام الاجتماعى ، وعلى تقدير أن الغاية التى يستهدفها تتمثل أصلا في صون حقوق المواطنين وحرياتهم في مواجهة صور التمييز التى تنال منها، أو تقيد ممارستها• وأضحى هذا المبدأ -فى جوهره- وسيلة لتقرير الحماية القانونية المتكافئة التى لا يقتصر نطاق تطبيقها على الحقوق والحريات المنصوص عليها في الدستور، بل يمتد مجال إعما لها كذلك إلى تلك التى كفلها المشرع للمواطنين في حدود سلطته التقديرية ، وعلى ضوء ما يرتئيه محققاً للصالح العام• ولئن نص الدستور في المادة 40 على حظر التمييز بين المواطنين في أحوال بعينها، هى تلك التى يقوم التمييز فيها على أساس الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة ، إلا أن إيراد الدستور لصور بذاتها يكون التمييز محظوراً فيها، مرده أنها الأكثر شيوعاً في الحياة العملية ، ولا يدل البتة على انحصاره فيها - إذ لو صح ذلك لكان التمييز بين المواطنين فيما عداها جائزاً دستورياً، وهو ما يناقض المساواة التى كفلها الدستور، ويحول دون إرساء أسسها وبلوغ غاياتها• وآية ذلك أن من صور التمييز التى أغفلتها المادة 40 من الدستور ما لا تقل عن غيرها خطراً سواء من ناحية محتواها،  أو من جهة الآثار التى ترتبها، كالتمييز بين المواطنين في نطاق الحقوق التى يتمتعون بها، أو الحريات التى يمارسونها، لاعتبار مرده إلى مولدهم أو مركزهم الاجتماعى أو انتمائهم الطبقى أو ميولهم الحزبية أو نزعاتهم العرقية أو عصبيتهم القبلية ، أو إلى موقفهم من السلطة العامة ، أو إعراضهم عن تنظيماتها،  أو تبنيهم لأعمال بذاتها، وغير ذلك من أشكال التمييز التى لاتظاهرها أسس موضوعية تقيمها، وكان من المقرر أن صور التمييز المجافية للدستور وإن تعذر حصرها، إلا أن قوامها كل تفرقة أو تقييد أو تفضيل أو استبعاد ينال بصورة تحكمية من الحقوق أو الحريات التى كفلها الدستور أو القانون، وذلك سواء بإنكار أصل وجودها أو تعطيل أو انتقاص آثارها بما يحول دون مباشرتها على قدم المساواة الكاملة بين المؤهلين للانتفاع بها• متى كان ذلك، وكان النص المطعون فيه يتوخى بالمزايا والحقوق التى كفلها للأطباء دون سواهم، تفضيلهم على من عداهم من المستأجرين، واستبعاد هؤلاء من الإفادة منها رغم تماثلهم جميعاً في مراكزهم القانونية ، ودون أن يستند هذا التمييز إلى أسس مشروعة ، بل عمد المشرع إلى نقيضها، فإن ذلك  النص  يكون مفتقراً إلى الأسس الموضوعية التي كان ينبغى أن يحمل عليها، ومنهيا عنه بنص المادة 40 من الدستور، باعتباره متبنياً تمييزاً تحكمياً•
وحيث إنه متى كان ماتقدم، وكان النص المطعون فيه قد أخل بالحماية التى كفلها الدستور للملكية الخاصة ، وأهدر مبدأ المساواة أمام القانون، فإنه بذلك يكون مخالفاً لأحكام المواد 32، 34، 40 من الدستور•
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم دستورية المادة 5 من القانون رقم 51 لسنة 1981 بتنظيم المنشآت الطبية ، فيما انطوت عليه من استثناء تنازل الطبيب أو ورثته من بعده عن حق إجارة العين المتخذة مقراً لعيادته الخاصة لطبيب مرخص له بمزاولة المهنة ، من الخضوع لحكم المادة 20 من القانون رقم 136 لسنة 1981 في شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، وألزمت الحكومة المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة 

عدم دستورية استمرار شركاء المستأجر الأصلي للعين التي كان يزاول فيها نشاطاً في مباشرة ذات النشاط بها بعد تخلى هذا المستأجر عنها


القضية رقم 4 لسنة 15 ق " دستورية " جلسة 6 / 7 / 1996
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
  بالجلسة العلنية المنعقدة في يوم السبت 6 يوليو سنة 1996 الموافق 20 صفر سنة 1417ه
برئاسة السيد المستشار الدكتور/ عوض محمد عوض المر  رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين : فاروق عبد الرحيم غنيم وسامى فرج يوسف والدكتور/ عبد المجيد فياض ومحمد على سيف الدين وعدلى محمود منصور ومحمد عبد القادر عبد الله        
وحضور السيد المستشار الدكتور/ حنفى على جبالى رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد/ حمدى أنور صابر       أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 4 لسنة 15 قضائية " دستورية "
المقامة من
السيد / عاطف ابراهيم على سليمان
ضد
   1- السيد / محمد عبد اللطيف أحمد خزيمه
   2- السيد / طلعت محمد محمد شحاته
   3- السيد / رئيس الوزراء
   4- السيد / وزير العدل
" الإجراءات "
فى الرابع من فبراير سنة 1992 أودع المدعى قلم كتاب المحكمة صحيفة الدعوى الماثلة طالباً الحكم بعدم دستورية نص الفقرتين الثانية والثالثة من المادة (29) من القانون رقم 49 لسنة 1977 في شأن تأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المالك والمستأجر.
قدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى ، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونُظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة ، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم .
" المحكمة "
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة .
حيث إن الوقائع - على مايبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - تتحصل في أن المدعى عليه الأول، كان قد استأجر من المدعى عيناً في العقار رقم 56 شارع خالد بن الوليد سيدى بشر، اتخذها محلاً للبقالة ومخزناً. وإذ تنازل مستأجر هذه العين عنها إلى المدعى عليه الثانى ، مخالفاً بذلك الشرط الفاسخ الصريح الوارد بالعقدين الصادرين في شأنهما بتاريخى 24 و25/8/1987 على التوالى ، فقد أقام المدعى دعويين، أولاهما: برقم 1242 لسنة 1990 مدنى كلى إسكندرية ضد المدعى عليهما الأول والثانى ، طالباً الحكم بطردهما من عين النزاع. وقد قضى في هذه الدعوى بشطبها بعد أن تراخى المدعى عن متابعتها مما حمل المدعى عليه الثانى على تجديدها، ومطالبته المدعى بالسير فيها. فضلاً عن إقامته دعوى فرعية ضد المؤجر والمستأجر الأصلى (المدعى عليه الأول) يطلب فيها إلزام المؤجر بأن يحرر له عقد إيجار في شأن هذه العين. ثانيهما: دعواه المقيدة برقم 3416 لسنة 1990 مدنى كلى إسكندرية التى أقامها ضد المدعى عليهما الأول والثانى مطالباً في شقها المستعجل بفرض الحراسة القضائية على هذه العين، وفى الموضوع بطردهما منها.
ونظراً لارتباط هاتين الدعويين، فقد قررت محكمة الموضوع ضمهما ليصدر فيهما حكم واحد. وقد صدر حكمها هذا بجلستها المعقودة في 10/12/1991 قاضياً برفض طلبات المدعى جميعها في الدعويين اللتين أقامهما، وفى موضوع الدعوى الفرعية التى أقامها المدعى عليه الثانى ضد المؤجر والمدعى عليه الأول، بإلزام مؤجر العين بأن يحرر لرافعها عقد إيجار في شأنها بالشروط ذاتها.
وإذ لم يرتض المدعى هذا الحكم، فقد طعن عليه استئنافياً تحت رقم 99 لسنة 48 قضائية إسكندرية ، ثم دفع أثناء نظر هذا الطعن بعدم دستورية الفقرتين الثانية والثالثة من المادة (29) من القانون رقم 49 لسنة 1977 في شأن تأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر. وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية هذا الدفع، وخولته رفع الدعوى الدستورية ، فقد أقام الدعوى الماثلة . وحيث إن المادة (29) من القانون رقم 49 لسنة 1977 في شأن تأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، تنص على ما يأتى : فقرة أولى .....
فقرة ثانية "فإذا كانت العين مؤجرة لمزاولة نشاط تجارى أو صناعى أو مهنى أو حرفى ، فلا ينتهى العقد بوفاة المستأجر أو تركه العين، ويستمر لصالح ورثته وشركائه في استعمال العين بحسب الأحوال".
فقرة ثالثة "وفى جميع الأحوال يلتزم المؤجر بتحرير عقد إيجار لمن لهم الحق في الاستمرار في شغل العين، ويلتزم هؤلاء الشاغلون بطريق التضامن بكافة أحكام العقد".
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة -وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية - مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية ، وذلك بأن يكون الحكم الصادر في المسائل الدستورية ، لازماً للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة أمام محكمة الموضوع ؛ وكان محور النزاع الموضوعى يدور حول أمرين متعارضين، أولهما: حق المؤجر في طرد المدعى عليهما الأول والثانى من عين النزاع - وهى محل أعد لمباشرة نشاط تجارى - بعد أن تركها أولهما -وهو مستأجرها- لثانيهما باعتباره كان شريكاً في استعمالها. ثانيهما : حق المدعى عليه الثانى في الاستمرار في شغل هذه العين لاستعمالها في ذات نشاطها السابق، مع إلزام المؤجر بأن يحرر له عنها عقد إيجار يكون فيه أصيلاً.
وحيث إن طرد المدعى عليهما الأول والثانى من العين المؤجرة ، يفترض أن يكون الامتداد القانونى لعقد إيجارها المقرر بمقتضى الفقرة الثانية من المادة (29) من القانون رقم 49 لسنة 1977، مخالفاً للدستور، وهو مايعنى أن المصلحة الشخصية المباشرة للمدعى في إنفاذ هذا الطرد، لا ترتبط إلا بنص هذه الفقرة ، ذلك أن الحكم بعدم دستوريتها يعنى تجريدها من قوة نفاذها، فلا يقوم للمدعى عليه الثانى بموجبها حق في استمرار استعمال هذه العين في مباشرة النشاط التجارى المتعلق بها، بل ينعدم هذا الحق وجوداً، ليكون زواله مسقطاً كذلك - وبحكم الاقتضاء العقلى - لحق المدعى عليه الثانى في أن يلزم المؤجر بأن يحرر له عقداً جديداً في شأنها، يكون بمقتضاه مستأجراً لها.
وحيث إن المدعى ينعى على النص المطعون فيه، مخالفته أحكام المواد (8، 34، 40، 57) من الدستور، ذلك أنه أخل بالحماية التى كفلها الدستور لحق الملكية ، وأهمل حقوق المؤجر في غير ضرورة ، بأن أعرض عنها، مضحياً بها، مغلباً عليها حقوق غرباء عن العلاقة الإيجارية ، كافلاً استمرار استعما لهم للعين المؤجرة والتسلط عليها حتى بعد تخلى مستأجرها الأصلى نهائياً عنها، ليفرض على مؤجرها - وبالمخالفه لشروط عقد الإيجار - التعامل مع أشخاص لايرتضيهم بصفتهم مستأجرين لها، حال أن اعتبارهم أطرافاً في العلاقة الإيجارية ، لم يكن ملحوظاً أصلاً عند إبرامها، بما يناقض مبدأ سلطان الإرادة ، ويهدم كذلك حرية الاختيار قوام النفس البشرية ، وأساس آدميتها.كذلك أخل النص المطعون فيه بمبدأ تكافؤ الفرص، وبالمساواة أمام القانون، حين مايز بين فئتين من المؤجرين على غير أسس موضوعية ، فبينما قضى باستمرار عقد الإيجار لصالح شركاء المستأجر الأصلى في العين المؤجرة المتخذة مقراً لمزاولة نشاط تجارى ، دون أن يرتب لمالكها أى حق قبلهم، فإن الفقرة الأولى من المادة (20) من القانون رقم 136 لسنة 1981 في شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، تخول مالك العين المؤجرة - إذا قام مستأجرها ببيع المتجر أو المصنع الذى أنشئ بها أو التنازل عن حق الانتفاع بالوحدة السكنية أو المؤجرة لغير أغراض السكنى - الحصول على 50% من ثمن البيع أو مقابل التنازل حسب الأحوال، بعد خصم قيمة المنقولات التى بالعين.
وحيث إن البين من مضبطة الجلسة السابعة والسبعين لمجلس الشعب المعقودة في 30 من يوليو 1977، إبان الفصل التشريعى الثانى لدور الانعقاد الأول، أن النص المطعون فيه لم يكن وارداً أصلاً في مشروع الحكومة ، بل ذكر بعض الأعضاء بلجنة الإسكان والمرافق العامة والتعمير بمجلس الشعب، أن ثمة أماكن مؤجرة لمزاولة مهنة حرة لم يتعرض لها المشروع بالتنظيم، وقد يوجد شركاء يزاولون مع مستأجر العين حرفتهم أو مهنتهم، وهم يريدون أن يحصنوا أنفسهم، فلا تنقطع صلتهم بالعين المؤجرة بعد وفاة مستأجرها. واستجابة لهذا الاتجاه، عَدَّل مقررهذه اللجنة نص المادة (31) من المشروع، مضيفاً إليها فقرة أخيرة تنص على أنه إذا كانت العين مؤجرة لمزاولة حرفة أو مهنة ، فإن العقد لا ينتهى بوفاة المستأجر إذا بقى يزاول فيها نفس الحرفة أو المهنة زوجه أو أحد أولاده الذين تتوافر فيهم شروط المزاولة . بيد أن الصورة الأخيرة التى أفرغ فيها النص المطعون فيه، هى التى تضمنها القانون رقم 49 لسنة 1977 في شأن تأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، وهى تدل بنصها على أن شركاء مستأجر العين المتخذه لمزاولة نشاط تجارى أو صناعى أو مهنى أو حرفى ، يظلون مرتبطين بها، ولو تخلى هذا المستأجر نهائياً عنها، أياً كانت مدة شركتهم أو شكلها، ودون ما ضرورة لشهر نظامها أو عقد تأسيسها وفقاً للقانون. وحيث إن مؤدى ما تقدم، أن النص المطعون فيه نص مستحدث خلت منه التشريعات المنظمة لإيجار الأماكن الصادرة قبل العمل بالقانون رقم 49 لسنة 1977؛ وكان من المفترض -وعملاً بنص المادتين (601، 602) من القانون المدنى - ألا يعتبر عقد الإيجار منتهياً بوفاة المستأجر أو المؤجر، وأن يكون لكل من المؤجر وورثة المستأجر - حق إنهاء العقد إذا كان الإيجار لم يعقد إلا بسبب حرفة المستأجر، أو كانت الاعتبارات الشخصية في المستأجر هى التى دفعت المؤجر إلى التعاقد معه بحيث لا يصلح ورثته للحلول محله في تحقيق الغرض من الإيجار ؛ وكان إعمال القواعد العامة مؤداه: أن دخول شركاء مع مستأجر العين التى يزاولون فيها نشاطاً تجارياً أو مهنياً أو حرفياً أو صناعياً، لا يعتبر تأجيراً من الباطن أو تنازلاً عن الإجارة ، بل يظل المستأجر وحده - دون هؤلاء الشركاء - طرفاً في العلاقة الإيجارية التى ارتبط بها مع المؤجر، إلا أن النص المطعون فيه جاوز نطاق هذه القواعد، إذ اعتبر عقد الإيجار ممتداً بقوة القانون لصالح شركاء المستأجر في العين المؤجره التى كانوا يستخدمونها لأغراض لا صلة لها بالسكنى ، ولو كان المستأجر الأصلى قد تخلى عنها، منهياً علاقته بها، وكان شركاؤه من غير ورثته. وحيث إن الدستور- إعلاء من جهته لدور الملكية الخاصة ، وتوكيداً لإسهامها في صون الأمن الاجتماعى -كفل حمايتها لكل فرد - وطنياً كان أم أجنبياً - ولم يجز المساس بها إلا على سبيل الاستثناء، وفى الحدود التى يقتضيها تنظيمها، باعتبارها عائدة - في الأعم من الأحوال - إلى جهد صاحبها، بذل من أجلها الوقت والعرق والمال، وحرص بالعمل المتواصل على إنمائها، وأحاطها بما قدره ضرورياً لصونها، مُعبداً بها الطريق إلى التقدم، كافلاً للتنمية أهم أدواتها، محققاً من خلالها إرادة الإقدام، هاجعاً إليها لتوفر ظروفا أفضل لحرية الاختيار والتقرير، مطمئناً في كنفها إلى يومه وغده، مهيمناً عليها ليختص دون غيره بثمارها ومنتجاتها وملحقاتها، فلا يرده عنها معتد، ولا يناجز سلطته في شأنها خصيم ليس بيده سند ناقل لها، ليعتصم بها من دون الأخرين، وليلتمس من الدستور وسائل حمايتها التى تُعينها على أداء دورها، وتقيها تعرض الأغيار لها سواء بنقضها أو بانتقاصها من أطرافها. ولم يعد جائزاً بالتالى أن ينال المشرع من عناصرها، ولا أن يُغير من طبيعتها أو يجردها من لوازمها، ولا أن يفصلها عن أجزائها أو يدمر أصلها، أو يقيد من مباشرة الحقوق التى تتفرع عنها في غير ضرورة تقتضيها وظيفتها الاجتماعية . ودون ذلك تفقد الملكية ضمانتها الجوهرية ، ويكون العدوان عليها غصباً، وافتئاتاً على كيانها أدخل إلى مصادرتها.
وحيث إن الملكية - في إطار النظم الوضعية التى تزاوج بين الفردية وتدخل الدولة - لم تعد حقاً مطلقاً، ولا هى عصيه على التنظيم التشريعى ، وليس لها من الحماية ما يجاوز الانتفاع المشروع بعناصرها، ومن ثم ساغ تحميلها بالقيود التى تتطلبها وظيفتها الاجتماعية ، وهى وظيفة لا يتحدد نطاقها من فراغ، ولا تفرض نفسها تحكماً، بل تمليها طبيعة الأموال محل الملكية ، والأغراض التى ينبغى رصدها عليها، محددة على ضوء واقع اجتماعى معين، في بيئه بذاتها، لها مقوماتها وتوجهاتها.
وحيث إن الحماية التى فرضها الدستور للملكية الخاصة ، تمتد إلى كل أشكالها لتقيم توازناً دقيقاً بين الحقوق المتفرعة عنها والقيود التى يجوز فرضها عليها، فلا ترهق هذه القيود تلك الحقوق لتنال من محتواها، أو تقلص دائرتها، لتغدو الملكية في واقعها شكلاً مجرداً من المضمون، وإطاراً رمزياً لحقوق لا قيمة لها عملاً، فلا تخلص لصاحبها، ولا يعود عليه ما يرجوه منها إنصافاً، بل تثقلها تلك القيود لتنوء بها، مما يخرجها عن دورها كقاعدة للثروة القومية التى لا يجوز استنزافها من خلال فرض قيود عليها لا تقتضيها وظيفتها الاجتماعية ، وهو مايعنى أن الأموال بوجه عام، ينبغى أن توفر لها من الحماية أسبابها التى تعينها على التنمية ، لتكون من روافدها، فلا يتسلط أغيار عليها انتهازاً أو إضراراً بحقوق الأخرين، متدثرين في ذلك بعباءة القانون، ومن خلال طرق احتيالية ينحرفون بها عن مقاصده. وأكثر ما يقع ذلك في مجال الأعيان المؤجرة التى تمتد عقودها بقوة القانون دون ما ضرورة ، وبذات شروطها عدا المدة والأجرة ، مما يحيل الانتفاع بها إرثاً لغير من يملكونها، يتعاقبون عليها، جيلاً بعد جيل، لتؤول حقوقهم في شأنها إلى نوع الحقوق العينيه التى تخول أصحابها سلطة مباشرة على شئ معين، وهو ما يعدل انتزاع الأعيان المؤجرة من ذويها على وجه التأبيد.
وما لذلك شرع الحق في الملكية ، ذلك أن الأصل في الأموال- وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية في مبادئها الكلية وركائزها الثابتة - أن مردها إلى الله تعالى ، أنشأها وبسطها، وإليه مرجعها، مستخلفاً فيها عباده الذين عهد إليهم بعمارة الأرض، وجعلهم مسئولين عما في أيديهم من الأموال لا يبددونها أو يستخدمونها إضراراً. يقول تعالى [وأنفقوا مما جعلناكم مستخلفين فيه]. وليس ذلك إلا نهياً عن الولوغ بها في الباطل، وتكليفاً لولى الأمر بأن يعمل على تنظيمها بما يكفل المقاصد الشرعية التى ترتبط بها، والتى ينافيها أن يكون إنفاق الأموال عبثاً أو إسرافاً أو عدواناً أو متخذاً طرائق تناقض مصالح الجماعة ، أو تخل بحقوق للغير أولى بالاعتبار. وعلى ولى الأمر بالتالى - وصوناً للملكية من تبديد عناصرها - أن يعمل من خلال التنظيم التشريعى ، على ألا تكون نهباً لآخرين يلحقون بأصحابها ضرراً بغير حق، أو يوسعون من الدائرة التى يمتد الضرر إليها، ليكون دفع الضرر قدر الإمكان لازماً، فإذا تزاحم ضرران، كان تحمل أهونهما واجباً اتقاء لأعظمهما. وكلما كان الضرر بيناً أو فاحشاً، فإن رده يكون متعيناً، بعد أن جاوز الحدود التى يمكن أن يكون فيها مقبولاً.
وحيث إن ماتقدم مؤداه: أن لحق الملكية إطار محدد ينبغى أن تتوازن فيه المصالح ولاتتنافر، فلا يميل الميزان عن الحق تغليباً لبعضها إعناتاً، ولا يجوز بالتالى أن يطلق المشرع القيود على الملكية من عقالها، بل يتعين أن يكون للحقوق التى تتفرع عنها دائرة لا يجوز اقتحامها. وبقدر منافاة هذه القيود للحدود المنطقية التى تقتضيها الوظيفة الاجتماعية للملكية ، فإنها تنحل عدواناً على الأموال، وانتهاباً لثمارها أو منتجاتها أو ملحقاتها أو كل ذلك جميعاً، لتؤول الملكية عدماً.
ولئن كان الدستور قد نص في المادة (34) على أن الملكية الخاصة التى يصونها، هى تلك التى تتسم بنأيها عن الاستغلال وعدم إنحرافها، وبتوافقها في طرق استخدامها مع الخير العام للشعب، إلا أن هذين الشرطين لا ينفصلان عن الوظيفة الاجتماعية للملكية ، بل يندرجان تحتها، ويعتبران من عناصرها. ويتعين بالتالى ردهما إليها لينظم القانون أداء هذه الوظيفة بما لا يجاوز متطلباتها، وهو مايعنى أن كل قيد على الملكية ينافى وظيفتها تلك، بحيث يستحيل رده إليها، أو اعتباره متعلقاً بها، إنما يكون مخالفاً للدستور، وعاطلاً بالتالى عن كل أثر.
وحيث إن النص المطعون فيه - وإن كان يندرج تحت التشريعات الاستثنائية التى تدخل بها المشرع لمواجهة الأزمة المتفاقمة الناشئة عن قلة المعروض من الأماكن المعدة للسكنى أو لغير ذلك من الأغراض - إلا أن طبيعتها الاستثنائية هذه التى درج المشرع على تنظيم العلائق الإيجارية من خلالها، على ضوء قواعد آمره لا يجوز الاتفاق على خلافها، لا تعصمها من الخضوع للدستور، ولا تخرجها من مجال الرقابة القضائية التى تباشرها هذه المحكمة في شأن دستورية النصوص القانونية جميعها، حتى ماكان منها من قبيل التنظيم الخاص لموضوعها. وبقدر ضرورة هذا التنظيم، واتصاله بمصالح جوهرية لا يجوز التفريط فيها، تتحدد لهذه النصوص مشروعيتها الدستورية .
وحيث إن من المقرر - وعلى ماجرى به قضاء هذه المحكمة - إن ما نص عليه الدستور في المادة (7) من قيام المجتمع على أساس من التضامن الاجتماعى ، يعنى وحدة الجماعة في بنيانها، وتداخل مصالحها لا تصادمها، وإمكان التوفيق بينها ومزاوجتها ببعض عند تزاحمها، واتصال روابط أفرادها ليكون بعضهم لبعض ظهيراً، فلا يتفرقون بدداً، أو يتناحرون طمعاً أو يتنابذون بغياً. وليس لفريق من بينهم بالتالى - ولو تذرع بنص في قانون - أن يتقدم على غيره انتهازاً، ولا أن ينال قدراً من الحقوق يعلو بها على غيره عدواناً، ولا أن يحرم من حق بهتاناً، بل يتعين أن يكون نطاق الحقوق التى يتمتعون بها، محدداً وفق أسس موضوعية ، تقيم ميزانها عدلاً وإنصافاً.
وحيث إن الأصل في مجال العلائق الإيجارية ، هو أن يتحقق التضامن بين مؤجر العين ومستأجرها من الوجهة الاجتماعية ، وأن تتكامل مصالحهما من زاوية اقتصادية ، فلا تتآكل حقوق مؤجر العين التواء و إيثاراً لمستأجرها، ولا يَنْقَضُّ مؤجرها على حقوق غيره عاصفاً بها أو محدداً مجال تطبيقها، وإلا كان كل منهما حرباً على الآخر. ولا يجوز بالتالى أن يكون مغبون الأمس - وهو المستأجر - غابناً، ولا أن يكون تنظيم المشرع للعلائق الإيجارية فيما بين طرفيها، إجحافاً وإعناتاً لأيهما، فلا يُقسط في الحقوق التى يكفلها لكل منهما، بل ينحاز لأحدهما افتئاتاً على الآخر، ليحل الصراع بين هذين العاقدين بديلاً عن التعاون بينهما.
وحيث إن النص المطعون فيه، يفترض لانتقال منفعة العين المؤجرة من مستأجرها الأصلى إلى شركائه في النشاط ذاته، أن يكون هذا المستأجر قد تركها فعلاً بعد قيام هذه الشركة ، متخلياً عن الاستمرار فيها لصالح هؤلاء الشركاء، وكان ينبغى بالتالى أن يكون هذا التخلى مبرراً لقيام حق المؤجر في طلب إخلائها بعد انقطاع اتصال هذا المستأجر بها، وعلى تقدير أن القيود الاستثنائية التى نظم بها المشرع العلائق الإيجارية إبان أزمة الإسكان، غايتها الحد من تصاعدها وغلواء تفاقمها، وهى بعد ضرورة تقدر بقدرها، ولا يجوز أن تتخطى دواعيها. إلا أن المشرع قرر نقل منفعة العين المؤجرة إلى هؤلاء الشركاء سواء بوصفهم قد أصبحوا مستأجرين أصليين لها، أم باعتبار أن الحق في استعمال العين لمباشرة النشاط الذى كان يزاول فيها من قبل، قد امتد إليهم بحكم القانون، ليكفل لهؤلاء، مزية استثنائية يقتحم بأبعادها حق الملكية انتهاكاً لمجالاتها الحيوية التى لايجوز أن يمسها المشرع إخلالاً بها. وهى بعد مزية يتعذر أن يكون المتعاقدان الأصليان قد قصدا إلى تقريرها ابتداء، أو أنهما عبرا - صراحة أو ضمناً - عن تراضيهما عليها، ذلك أن إرادتيهما - حقيقية كانت أم مفترضة - لا يمكن أن تُحمل على اتجاهها أو إنصرافها إلى إقحام أشخاص على العلاقة الإيجارية هم غرباء عنها، ومعاملتهم كأصلاء فيها، وإن كانوا دخلاء عليها. وليس من المتصور أن يكون مؤجر العين - وهو يملكها في الأعم من الأحوال - قد عطل مختاراً و نهائياً - الحقوق التى تتصل باستعمالها واستغلالها، سواء كان ذلك بطريق مباشر أو غير مباشر.
وحيث إن ما نصت عليه الفقرة الثالثة من المادة (29) من القانون رقم 49 لسنة 1977المشار إليه، من أن مؤجر العين التى كان مستأجرها الأصلى يباشر فيها نشاطاً تجارياً أو صناعياً أو حرفياً أو مهنياً، يعتبر ملتزماً قانوناً - إذا تركها مستأجرها هذا - بأن يحرر لشركائه في ذات نشاطها عقداً جديداً تؤول إليهم أصلاً بمقتضاه الحقوق عينها التى كانت لمستأجرها الأول ؛ وكان النص المطعون فيه لا يتضمن قيداً يحول دون انتقالها من بعد - حال تخليهم عن هذه العين - إلى من يشركونهم معهم في استعمالها، وبوصفهم كذلك مستأجرين لها، فقد غدا من المتصور اطراد اتصال أجيالهم بها لا يفارقونها، ولوبَعُدَ العهد على العقد الأول، فلا ترد لصاحبها أبداً - ولو كان في أمس الاحتياج لها - ما ظل زمامها بيد من يتداولونها، لا يتحولون عنها. وليس ذلك إلا تعظيماً لحقوقهم يكاد أن يلحقها بالحقوق العينية التى يباشر صاحبها بموجبها - ووفقاً للقانون - سلطة مباشرة عن شئ معين، ليستخلص منه فوائده دون وساطة أحد، وهو ما يناقض خصائص الإجارة باعتبار أن من المفترض أن يكون طرفاها في اتصال دائم طوال مدتها، مما اقتضى ضبطها تحديداً لحقوقهما وواجباتها، وهى فوق هذا تقع على منفعة الأموال المؤجرة لا على ملكيتها، ولا ترتب للمستأجر غير مجرد حقوق شخصية يباشرها قبل المدين.
وحيث إن النص المطعون فيه، ينحدر كذلك بحقوق المؤجر إلى مرتبة الحقوق محدودة الأهمية ، لتعلو عليها مصالح المستأجر التى رجحها المشرع، وجعل كفتها هى الأثقل. ومن شأن حمايتها، حرمان مؤجر العين منها حرماناً مؤبداً ترتيباً على انتقال منفعتها إلى الغير انتقالاً متتابعاً متصلاً وممتداً في أغوار الزمن، وهو بعد انتقال لا يعتد بإرادة المؤجر في معدنها الحقيقى ، بل يُعْتبر العقد - بعد تخلى مستأجر العين الأصلى عنها - ممتداً بقوة القانون بنفس شروطه الأصلية عدا المدة والأجرة ، وهى بعد شروط ماكان المؤجر ليقبلها في شأن هذه العين، لو لم يفرضها المشرع ملغياً حقه في استعمالها واستغلالها من جديد في الأوجه التى يراها.
وحيث إن النص المطعون فيه، يفتح فوق هذا أبواباً عريضة للتحايل ينفذ الانتهاز منها، ويتعذر دفعها أو توقيها، ذلك أن مباشرة أشخاص جدد لذات النشاط الذى كان مزاولاً في العين المؤجرة لغير أغراض السكنى ، قد لا يكون منبئاً عن قيام اتفاق فيما بين مستأجرها الأصلى وبينهم لتكوين شركة يضيفون من خلالها حصصهم إلى أموال يستغلها هذا المستأجر فعلاً في نشاطها، متقاسمين أرباحها وخسائرها، كل بقدر نصيبه فيها بما يوحد مصالحهم في شأنها ويكتل جهودهم من أجل صون أهدافها، بل ساتراً لعقد حقيقى يتغيا مستأجر العين الأصلى بمقتضاه - ومقابل عوض يختص به من دون المؤجر - إحلال آخرين محله في الاستئثار بهذه العين، تسلطاً على نشاطها وانفراداً بتسييره، فلا يقوم أصلاً العقد الظاهر في نية عاقدية ، بل تعود على هؤلاء الأغياروحدهم منافعها، ليكون القول بانضمامهم إليه في مباشرة هذا النشاط من خلال شركتهم، منتحلاً. وحتى في الأحوال التى يقوم الدليل فيها على أن وجود شركاء في العين المؤجرة ليس صورياً، وإن استمرارهم في مباشرة ذات النشاط بها بعد تخلى المستأجر الأصلى عنها، يكفل استثماراً أفضل للأموال التى رصدوها عليها، إلا أن هذا الاعتبار وحده لا يسوغ العدوان على الملكية ، ولا يجوز أن ينال من الحقوق المتفرعة عنها بما يجرد أصحابها كلية من مباشرة سلطتهم في استعمال الشئ محلها في الأغراض التى يطلبونها، ذلك أن تراكم الثروة لا يتأتى إلا بحمايتها والتمكين من أسبابها، وليس من بينها أن تكون حقوق الأغيار في الانتفاع بالعين المؤجرة ، أولى من سلطان أصحابها عليها، مالم يكن ذلك لمصلحة اجتماعية جوهرية لا يجوز الإخلال بها .
ولا كذلك النص المطعون فيه الذى فرض على مؤجر العين - ودون ما ضرورة - امتداداً قانونياً لعقد إجارتها، ولو كان ذلك لخدمة ذات نشاطها، بل يتعين أن يكون العقد - وباعتباره تصرفاً قانونياً وعملاً إرادياً - بديلاً عن هذا التدخل التشريعى ، ليحدد المؤجر بمقتضاه من يدخلون إلى العين بعد تخلى مستأجرها الأصلى عنها، والشروط التى يتراضون عليها لمباشرة مهنتهم أو حرفتهم أو تجارتهم أو صناعتهم فيها، إذا لم يؤثر هو أن تعود إليه لاستعمالها واستغلالها في الأوجه التى يراها.
وحيث إن ما تقدم مؤداه: أن النص المطعون فيه، ينحل إلى عدوان على الملكية من خلال نقض بعض عناصرها. وهو بذلك لا يندرج تحت تنظيمها، بل يقوم على إهدار كامل للحق في استعمالها واستغلالها، مُلحقاً بالمؤجر وحده الضرر البين الفاحش، فقد أنشأ هذا النص حقوقاً مبتدأة بعيدة في مداها منحها لشركاء المستأجر الأصلى الذين اختصهم دون مسوغ، واصطفاهم في غير ضرورة ، بتلك المعاملة التفضيلية التى تقدم المنفعة المجلوبة على مخاطر المفاسد ودرء عواقبها، حال أن دفع المضرة أولى اتقاء لسوءاتها وشرورها، ولأن الأصل حين تتزاحم الأضرار على محل واحد، أن يكون تحمل أخفها، لازماً دفعاً لأفدحها.
وكان ينبغى -من ثم- أن يترسم النص المطعون فيه تلك الضوابط التى تتوازن من خلالها العلائق الإيجارية بما يكون كافلاً لمصالح أطرافها غير مؤد إلى تنافرها، ليُقيمها على قاعدة التضامن الاجتماعى التى أرستها المادة (7) من الدستور، والتى تؤكد الجماعة من خلالها القيم التى تؤمن بها، وترعى استقرارها. وهى حدود ما كان يجوز أن يتخطاها المشرع، وإلا كان منافياً المقاصد الشرعية التى ينظم ولى الأمر الحقوق في نطاقها، بما يصم الفقرة الثانية من النص المطعون فيه - في الحدود المتقدم بيانها - بعيب مخالفة أحكام المواد (2، 7، 32، 34) من الدستور.
وحيث إن الحكم بعدم دستورية نص الفقرة الثانية - في هذا النطاق - يعنى سقوط فقرتها الثالثة - المرتبطه بها ارتباطاً لا يقبل التجزئة - في مجال تطبيقها بالنسبة إلى شركاء المستأجر الأصلى الذين يباشرون ذات النشاط التجارى أو الصناعى أو الحر في أو المهنى في العين التى تخلى عنها.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم دستورية الفقرة الثانية من المادة (29) من القانون رقم 49 لسنة 1977 في شأن تأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، وذلك فيما نصت عليه من استمرار شركاء المستأجر الأصلى للعين التى كان يزاول فيها نشاطاً تجارياً أو صناعياً أو مهنياً أو حرفياً، في مباشرة ذات النشاط بها بعد تخلى هذا المستأجر عنها، وبسقوط فقرتها الثالثة في مجال تطبيقها بالنسبة إلى هؤلاء الشركاء، وألزمت الحكومة المصروفات ومبلغ مائة جنية مقابل أتعاب المحاماة .