الدعوى رقم 39 لسنة 39 ق "دستورية" جلسة 2/3/2019
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الثانى من مارس سنة 2019م،
الموافق الخامس والعشرين من جمادى الآخرة سنة 1440 هـ.
برئاسة السيد المستشار الدكتور / حنفى على جبالى رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: محمد خيرى طه النجار، والدكتور عادل عمر
شريف، وبولس فهمى إسكندر، ومحمود محمـد غنيم، والدكتور محمـد عماد النجار،
والدكتور طارق عبد الجواد شبل نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشرى رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع أمين السر
أصدرت الحكم الآتى:
في الدعوى
المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 39 لسنة 39 قضائية
"دستورية"، بعد أن أحالت محكمة القضاء الإدارى بحكمها الصادر بجلسة
14/12/2016 ملف الدعوى رقم 34924 لسنة 64 قضائية.
المقامة من
1- صفية عبدالرحمن جميعـى
2- محمد أحمد محمود سليمـان
3- نعمت الله أحمد محمود سليمان
4- نسرين أحمد محمود سليمان
ضــــد
1- رئيس مجلس الوزراء
2- محافظ القاهـرة
3- نائب محافظ القاهرة للمنطقة الشرقية
4- المستشار القانونى للمنطقـة الشرقية
5- رئيس حى مصر الجديدة
6- مدير عام منطقة الإسكان بحى مصـر الجديدة
7- رئيس مجلس إدارة الجهاز القومى للتنسيق الحضارى
8- رئيس اللجنة العلمية العليا المنوط بها وضع الأسس والمعايير الفنية
والعملية والتنسيق الحضاري للمباني التراثية ذات القيمة المتميزة
9- رئيس اللجنة النوعية المنوط بها وضع الأسس والمعايير الفنية
والعلمية والتنسيق الحضاري للمباني التراثية ذات القيمة المتميزة
الإجـراءات
بتاريخ السابع والعشرين من مارس سنة 2017، ورد إلى قلم كتاب المحكمة
الدستورية العليا ملف الدعوى رقم 34924 لسنة 64 قضائية، بعد أن قضت محكمة القضاء
الإدارى بحكمها الصادر بجلسة 14/12/2016، بوقف الدعوى وإحالة الأوراق إلى المحكمة
الدستورية العليا للفصل في دستورية نص الفقرة الأولى من المادة الثانية من القانون
رقم 144 لسنة 2006 في شأن تنظيم هدم المباني والمنشآت الآيلة للسقوط والحفاظ على
التراث المعماري.
وقدَّمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم أصليًا: بعدم قبول
الدعوى، واحتياطيًا: برفضها.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار
الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمــــة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل – على
ما يتبين من حكم الإحالة وسـائر الأوراق – في أن المدعين في الدعوى الموضوعية،
أقاموا الدعوى رقم 34924 لسنة 64 قضائية أمام محكمة القضاء الإداري ضد رئيس مجلس
الوزراء وآخرين، بطلب الحكم بوقف تنفيذ ثم إلغاء قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 2964
لسنة 2009 فيما تضمنه من إدراج العقار المملوك لهم، محل التداعي، ضمن العقارات ذات
الطراز المعماري المتميز، وما يترتب على ذلك من آثار، على سند من أنهم يمتلكون على
الشيوع الفيلا رقم (2) شارع العروبة بمصر الجديـدة، وصدر قرار رئيس مجلس الوزراء
المشار إليه بإدراجها بسجلات التراث المعماري لمحافظة القاهرة، فتظلموا من هذا
القرار إلى لجنة التظلمات بالجهاز القومي للتنسيق الحضاري، وإلى لجنة التوفيق، ثم
أقاموا دعواهم الموضوعية وصولًا للقضاء لهم بطلباتهم المتقدمة. وبجلسة 23/10/2014،
أصدرت المحكمة حكمًا تمهيديًّا بتكليف عميد كلية الهندسة بجامعة عين شمس بتشكيل
لجنة ثلاثية من أعضاء هيئة التدريس بالجامعة لبيان مدى اعتبار العقار محل التداعي
من المنشآت أو المباني ذات الطراز المعماري المتميز وفقًا لقرار رئيس مجلس الوزراء
رقم 2964 لسنة 2009، والمعايير والمواصفات الواردة بقرار رئيس مجلس الوزراء رقم
2276 لسنة 2006، وقد انتهت اللجنة إلى أن العقار يمثل قيمة عمرانية طبقًا للمعايير
والمواصفات الواردة بقرار رئيس مجلس الوزراء الأخير، ومن ثم يدخل ضمن سجلات المباني
ذات الطراز المعماري والعمراني المتميز استنادًا لنص المادة الثانية من القانون
رقم 144 لسنة 2006 في شأن تنظيم هدم المباني والمنشآت غير الآيلة للسقوط والحفاظ
على التراث المعماري، وبجلسة 14/12/2006، قررت المحكمة وقف الدعوى وإحالة الأوراق
إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في دستورية نص الفقرة الأولى من المادة
الثانية من القانون رقم 144 لسنة 2006 المشار إليه.
وحيث إن المدعين في الدعوى الموضوعية قدموا بجلسة 9/7/2017، أثناء
تحضير الدعوى الدستورية أمام هيئة المفوضين، مذكرة طلبوا فيها الحكم بعدم دستورية
المادة (35) من قانون البناء الصادر بالقانون رقم 119 لسنة 2008 فيما نصت عليه من
أن "ويتم التعويض عن نزع الملكية طبقًا لأحكام القانون رقم 144 لسنة 2006 في شأن
تنظيم هدم المباني والمنشآت غير الآيلة للسقوط...."، وكان من المقرر في قضاء
هذه المحكمة، أنه لا يجوز إبداء طلبات جديدة أو إضافية أمام هيئة المفوضين
بالمحكمة الدستورية العليا، الأمر الذى يتعين معه الالتفات عن هذا الطلب.
وحيث إنه بجلسة 2/2/2019، طلب كل من: محمد عبدالمنعم على حسب الله،
ورفعت حسن حسن على، وورثة محمود همام حمادى، وهم: يس همام محمود همام حمادى ومحمود
عبدالهادى أحمد محمود همام ورعاية الله أحمد محمود همام حمادى ومحمود محمد نبيل
همام حمادى ومصطفى أحمد محمود همام، التدخل انضماميًّا في الدعوى. لما كان ذلك،
وكان قضاء هـذه المحكمة قد جـرى على إنه يشترط لقبول طلب التدخل أن يكون مقدمًا
ممن كان طرفًا في الخصومة الموضوعية، وهو ما لم يتوافر في النزاع المعروض، الأمر
الذى يتعين معه القضاء بعدم قبول طلبات التدخل.
وحيث إن المادة الثانية من القانون رقم 144 لسنة 2006 المشار إليه تنص
على أن "يحظر الترخيص بالهدم أو الإضافة للمباني والمنشآت ذات الطراز المعماري
المتميز المرتبطة بالتاريخ القومي أو بشخصية تاريخية أو التي تمثل حقبة تاريخية أو
التي تعتبر مزارًا سياحيًّا، وذلك مع عدم الإخلال بما يستحق قانونًا من تعويض.
ولا يجوز هدم ما عدا ذلك أو الشروع في هدمه إلا بترخيص يصدر وفقًا
لأحكام هذا القانون.
ويصدر رئيس مجلس الوزراء،
قرارًا بمعايير ومواصفات المباني والمنشآت المشار إليها في الفقرة الأولى وذلك
بناء على اقتراح الوزير المختص بشئون الثقافة بالاتفاق مع الوزراء المختصين وبعد
موافقة مجلس الوزراء.
ويصدر بتحديد هذه المباني
والمنشآت قرار من رئيس مجلس الوزراء.
ويتولى تقدير التعويض المشار
إليه في الفقرة الأولى وعند نزع ملكية المبنى أو المنشأة لجنة تشكل بقرار من
الوزير المختص بشئون الإسكان. وفى الحالتين يجوز أن يكون التعويض عينيًّا بناء على
طلب المالك.
ولذوي الشأن التظلم من قرار
اللجنة، وذلك خلال ستين يومًا من تاريخ إبلاغهم بكتاب موصى عليه بعلم الوصول إلى
لجنة تشكل بقرار من رئيس مجلس الوزراء تضم ممثلين للوزارات والجهات المعنية".
وحيث إنه عن الدفع بعدم قبول الدعـوى المبدى من هيئة قضايا الدولة
لانتفاء المصلحـة، فهو مردود: ذلك أن المصلحة في الدعوى الدستورية، وهى شرط
لقبولها، مناطها - وعلى ما جـرى عليه قضاء هذه المحكمة - أن يكون ثمة ارتباط بينها
وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يؤثر الحكم في المسألة
الدستورية على الطلبات المرتبطـة بها والمطروحة على محكمة الموضـوع، ويستوى في شأن
توافر المصلحة أن تكون الدعوى قد اتصلت بالمحكمة عن طريق الدفع أو عن طريق
الإحالة، والمحكمة الدستورية العليا هى وحدها التي تتحرى توافر شرط المصلحة في الدعوى
الدستورية للتثبت من شروط قبولها، ومؤدى ذلك أن الإحالة من محكمة الموضوع إلى
المحكمة الدستورية العليا لا تفيد بذاتها توافر المصلحة، بل لازمه أن هذه الدعوى
لا تكون مقبولة إلا بقدر انعكاس النص التشريعي المحال على النزاع الموضوعي، فيكون
الحكم في المطاعن الدستورية لازمًا للفصل في ذلك النزاع، وأنه لا تلازم بين
الإحالة من محكمة الموضوع وتوافر هذه المصلحة، فإذا لم يكن للفصل في دستورية النص
الذى ثارت بشأنه شبهة عدم الدستورية لدى محكمة الموضـوع انعكاس على النزاع الموضوعي،
فإن الدعوى الدستورية تكون غير مقبولة، كما جرى قضاء هذه المحكمة على أن المصلحة
في الدعوى الدستورية قوامها أن يكون الحكم في المسألة الدستورية لازمًا للفصل في مسألة
كلية أو فرعية تدور حولها الخصومة بأكملها أو في شق منها في الدعوى الموضوعية. متى
كان ذلك، وكانت الطلبات المطروحة على محكمة الموضوع قد انصبت على وقف تنفيذ ثم
إلغاء قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 2964 لسنة 2009 فيما تضمنه من إدراج العقار محل التداعي
بقوائم وسجلات التراث المعماري المتميز لمحافظة القاهرة، مع ما يترتب على ذلك من
آثار، وكان العقار المملوك للمدعين في الدعوى الموضوعية قد صدر قرار رئيس مجلس
الوزراء المشار إليه بقيده بسجلات التراث المعماري لمحافظة القاهرة، لكون العقار
يمثل قيمة عمرانية طبقًا للمعايير والمواصفات الواردة بقـرار رئيس مجلس الـوزراء
رقم 2276 لسنة 2006، وأنه يدخل ضمن المباني ذات الطراز المعماري المتميز طبقًا لنص
المادة الثانية من القانون رقم 144 لسنة 2006 المشار إليه، وهو ما أكدته اللجنة
الفنية التي تم تشكيلها بمقتضى الحكم التمهيدي الصادر بجلسة 13/10/2014، من محكمة
القضاء الإداري في الدعوى المحالة السالف ذكرها، وكانت الفقرة الأولى من نص المادة
الثانية من القانون المشار إليه - المحالة - قد حددت الآثار القانونية التي تترتب
على اعتبار المبنى أو المنشأة ذات طراز وطابع معماري خاص ومتميز، فحظرت الترخيص
بهدمها أو الإضافة إليها، دون إخلال بما يستحق قانونًا من تعويض، ومن ثم فإن
القضاء في دستورية هذا النص سيكون ذا أثر وانعكاس أكيد على مشروعية هذا القرار،
ونطاق الآثار التي يرتبها في حق ملاك العقارات الداخلة في مجال تطبيق هذا النص، في
شأن حظر الهدم والإضافة لهذه العقارات، وتقدير التعويض المستحق لملاكها، المترتبة
على إدراج العقارات ملكهم ضمن المباني والمنشآت ذات الطابع المعماري المتميز
بمقتضى هذا القرار، والتي تطرحها الدعوى الموضوعية، ويتضرر المدعون في تلك الدعوى
منها، ومن أجل ذلك حددوا طلباتهم الموضوعية فيها، بوقف تنفيذ وإلغاء قرار رئيس
مجلس الوزراء المشار إليه، وما يترتب على ذلك من آثار، والتي قدرت محكمة الموضوع
في ضوئها أن الفصل في دستورية النص المحال سيكون ذا أثر على تكوين عقيدتها، وقضاء
المحكمة في هذه الطلبات، وهو قدر من الانعكاس يكفى لتحقق المصلحة في الدعوى
المعروضة، في حدود نطاقها المتقدم، الأمر الذى يتعين معه رفض الدفع بعدم قبول
الدعوى المبدى من هيئة قضايا الدولة.
وحيث إن حكم الإحالة ينعى على
النص المحال مخالفة نصوص المواد (29، 32، 34، 36) من الدستور الصادر سنة 1971،
وذلك على سند من أن النص المشار إليه، بما قرره من حظر الترخيص بالهدم أو الإضافة
إلى المباني والمنشآت ذات الطراز المعماري المتميز التي عددها، دون تحديد مدى زمنى
معين لهذا الحظر، يكون قد غل يد المالك عن التمتع بحقه في الملكية، والانتفاع
بعناصر ومكنات هذا الحق من استعمال واستغلال وتصرف، ويؤدى إلى انخفاض القيمة
السوقية للعقار، كما خلت أحكام هذا النص من بيان الأسس التي يتم وفقًا لها تقدير
التعويض المستحق للمالك، الجابر للضرر الذى لحق به، وتحديد توقيت صرف التعويض،
والجهة الملتزمة بأدائه، والمستحقين له.
وحيث إن الرقابة على دستورية القوانين من حيث مطابقتها للقواعد
الموضوعية التي نظمها الدستور، إنما تخضع لأحكام الدستور القائم دون غيـره، إذ إن
هذه الرقابة تستهدف أصلاً - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - صون الدستور
وحمايته من الخروج على أحكامه، ذلك أن نصوص هذا الدستور تمثل القواعد والأصول التي
يقوم عليها نظام الحكم، ولها مقام الصـدارة بين قواعد النظام العام، التي يتعين
التزامها ومراعاتها وإهدار ما يخالفها من التشريعات، باعتبارها أسمى القواعد
الآمرة. متى كان ذلك، وكانت المناعي التي تضمنها حكم الإحالة على النص المحال
تندرج تحت المطاعن الموضوعية التي تقوم في مبناها على مخالفة نص تشريعي لقاعدة في الدستور
من حيث محتواها الموضوعي، ومن ثم فإن هذه المحكمة تباشر رقابتها القضائية على
دستورية النص المذكور - الذى مازال قائمًا ومعمولاً بأحكامه - من خلال أحكام
الدستور الحالي الصادر سنة 2014 باعتباره الوثيقة الدستورية السارية.
وحيث إن الدستور- إعلاء من جهته لدور الملكية الخاصة، وتوكيدًا
لإسهامها في صون الأمن الاجتماعي - حرص في المادتين (33، 35) منه على جعل حمايتها
وصونها التزامًا دستوريًّا على عاتق الدولة، كما كفل حمايتها لكل فرد - وطنيًا كان
أم أجنبيًا- ولم يجز المساس بها إلا على سبيل الاستثناء، وفى الحدود التي يقتضيها
تنظيمها، باعتبارها عائدة - في الأغلب الأعم من الأحوال - إلى جهد صاحبها، بذل من
أجلها الوقت والعرق والمال، وحرص بالعمل المتواصل على إنمائها، وأحاطها بما قدره
ضروريًا لصونها، مُعبدًا بها الطريق إلى التقدم، كافلًا للتنمية أهم أدواتها،
محققًا من خلالها إرادة الإقدام، هاجعًا إليها لتوفر ظروفًا أفضل لحرية الاختيار
والتقرير، مطمئنًا في كنفها إلى يومه وغده، مهيمنًا عليها ليختص دون غيره بثمارها
ومنتجاتها وملحقاتها، فلا يرده عنها معتد، ولا يناجز سلطته في شأنها خصيم ليس بيده
سند ناقل لها، ليعتصم بها من دون الآخرين، وليلتمس من الدستور وسائل حمايتها التي تُعينها
على أداء دورها، وتقيها تعرض الأغيار لها سواء بنقضها أو بانتقاصها من أطرافها.
وحيث إن المادة (50) من الدستور قد أكدت على أهمية التراث الحضاري والثقافي
المادي والمعنوي، بجميع تنوعاته ومراحله الكبرى، المصرية القديمة والإسلامية
والقبطية، وكذا الرصيد الثقافي المعاصر المعماري والأدبي والفني بمختلف تنوعاته،
باعتبارها جميعًا ثروة قومية وإنسانية، ومن أجل ذلك جعل الحفاظ عليها وصيانتها
التزامًا دستوريًّا على عاتق الدولة، واعتبر الاعتداء عليها جريمة يعاقب عليها
القانون، باعتبارها أحد روافد الهوية الثقافية والحضارية المصرية، التي ألزم
الدستور في المادة (47) منه الدولة بالحفاظ عليها، ومن ثم صار الحفاظ على المباني
والمنشآت ذات الطابع الخاص والطراز المعمارى المتميز، المرتبطة بالتاريخ القومي أو
بشخصية تاريخية أو التي تمثل حقبة تاريخية أو التي تعتبر مزارًا سياحيًّا،
وصيانتها، طبقًا للنص المحال - التزامًا دستوريًّا على عاتق الدولة لا تستطيع منه
فكاكًا، وذلك باعتبارها جــــزءًا لا يتجزأ من الرصيد الثقافى المعماري المعاصر
الذى عنته المادة (50) من الدستور، كما يعد إسهام المجتمع والمواطنين في المحافظة
عليها التزامًا قوميًا، تفرضه المواطنة التي اعتمدها الدستور في المادة (1) منه
أساسًا لبناء المجتمع، والتى تكفل للمواطنين مجموعة من الحقوق والحريات تجاه
الجماعة الوطنية والدولة، كما تُحمله بمجموعة من الالتزامات يفرضها عليه واجب
الانتماء والولاء الكاملين للوطن، يحترم هويته ويؤمن بها، وينتمى إليها، ويدافع
عنها، ويحافظ عليها، بكل ما في عناصر هذه الهوية من ثوابت، التي من بينها مكونات
الهوية الثقافية المصرية بروافدها المتنوعة، ومن بينها الرصيد الثقافى المعمارى
والأدبى والفني بمختلف تنوعاته، الذى يُعد ثروة قومية تعتز بها الأمم وتُناضل من
أجلها، ويرتكن إليها المجتمع في نمائه وتقدمه، ومن أجل ذلك جعل الدستور بمقتضى نص
المادة (87) منه، مشاركة المواطنين في الحياة العامة واجبًا وطنيًّا، لا يقتصر
الالتزام به على الجانب السياسي منها، بل يمتد إلى جوانبها الأخرى الاقتصادية
والاجتماعية والثقافية، وليضحى اضطلاع الملكية الخاصة، التي صانها الدستور بمقتضى
نص المادة (35) منه، بدورها في هذا الشأن، داخلًا في إطار أدائها لوظيفتها
الاجتماعية في خدمة المجتمع، وهى وظيفة لا يتحدد نطاقها من فـــراغ، ولا تفرض
نفسها تحكمًا، بل تمليها طبيعة الأموال محل الملكية، والأغراض التي ينبغى رصدها
عليها، وبمراعاة أن القيود التي يفرضها الدستور على حق الملكية للحد من إطلاقها،
لا تعتبر مقصودة لذاتها، بل يمليها خير الفرد والجماعة، الأمر الذى يكون معه النص
المحال بتحميله حق الملكية بالنسبة للمبانى والمنشآت ذات الطراز المعمارى المتميز،
ببعض القيود التي تمثل انتقاصًا من هذا الحق، بهدف الحفاظ عليها، داخلاً في نطاق
سلطة المشرع التقديرية في مجال تنظيم حق الملكية، ووفاءً من الدولة بالتزامها الدستوري
المقرر بالمادتين (47، 50) من الدستور.
وحيث إن تدخل المشرع بتنظيم أوضاع أموال معينة مع إبقائها بيد أصحابها
بطريقة تؤدى عملًا إلى تقويض بعض مقوماتها، ويؤثر على قيمتها الاقتصادية إلى حد
كبير، ولو كان ذلك تذرعًا بالوظيفــــــة الاجتماعية للملكية أو بوجوب المحافظة
على التراث القومي، إنما يعد - كما سلف البيان - انتقاصًا من حق الملكية تتحدد
مشروعيته من زاوية دستورية بأن يكون مقترنًا بالتعويض العادل عن القيود التي يتضمنها
ذلك التنظيم، خاصة إذا ما وضع في الاعتبار أن حظر الهدم أو الإضافة للمباني والمنشآت
ذات الطراز المعماري المتميز، وبالنظر للآثار المترتبة عليه بحرمان المالك من بعض
سلطاته الفعلية على ملكه، ومن الفوائد التي يمكن أن تعود عليه منه، يعدل - في الآثار
التي يرتبها - نزع ملكيته من أصحابه، وعلى ذلك فإن صحة تقرير التعويض المستحق
قانونًا للمالكين، عن المباني والمنشآت المشار إليها، الذى تضمنه النص المحال - من
الناحية الدستورية - يكون رهينًا بكفالة حق المالكين في التعويض العادل عن القيود
التي يتضمنها هذا التنظيم، والذى لا يتأتى إلا بتضمين المشرع النص المقرر للتعويض
- في الحالة المعروضة - أسس وقواعد وضوابط تقديره، شاملة معايير تقدير التعويض،
وتوقيت تقديره وصرفه لمستحقيه، التي تكفل أن يكون معادلاً للقيمة الحقيقية لما
تحمله المالك في ملكه نتيجة القيود التي فرضها المشرع عليه، وما يضمن أن يقوم
التعويض مقام الحق ذاته الذى حرم منه، ويعتبر بديلاً عنه، بما يحقق العدل الذى
اعتمده الدستور في المادة (4) منه، كأساس لبناء المجتمع، وصيانة وحدته الوطنية،
ويكفل تحقيق التوازن بين مصلحة المالكين الخاصة، ومتطلبات تحقيق المصلحة العامة،
ذلك التوازن الذى رصده الدستور في المادة (27) منه كأحد أهداف النظام الاقتصادي،
وقيدًا على المشرع فيما يسنه من تشريعات تمس مصالح الأطراف في العلاقات القانونية
المختلفة، ولتكون تلك القواعد والضوابط الحاكمة للتعويض التي يقررها المشرع، قيدًا
على اللجنة التي أسند إليها بمقتضى نص الفقرة الخامسة من المادة الثانية من
القانون رقم 144 لسنة 2006 المشار إليه، الاختصاص بتقدير التعويض، ولتمكين القضاء
المختص من رقابة أعمالها، وتقييم تقديراتها طبقًا لها، وهو الأمر وثيق الصلة بالحق
في التقاضي الذى كفلته المادة (97) من الدستور.
فلهـذه الأسبـاب
حكمت المحكمة بعدم دستورية عجز الفقرة الأولى من المادة الثانية من
القانون رقم 144 لسنة 2006 في شأن تنظيم هدم المباني والمنشآت غير الآيلة للسقوط
والحفاظ على التراث المعماري، فيما لم يتضمنه من تحديد قواعد وضوابط تقدير التعويض
المقرر به وصرفه لمستحقيه، ورفض ما عدا ذلك من الطلبات.