الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 12 ديسمبر 2018

وجوب الاخطار بالتظاهر على المنظم أو الراغب في تنظيمه دون باقي المشاركين فيه


الدعوى رقم 125 لسنة 39 ق "دستورية" جلسة 3 / 11 / 2018
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
      بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الثالث من نوفمبر سنة 2018م، الموافق الخامس والعشرون من صفر سنة 1440 هـ.
برئاسة السيد المستشار الدكتور / حنفى على جبالى   رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: محمد خيرى طه النجار والدكتور عادل عمر شريف وبولس فهمي إسكندر ومحمود محمـد غنيم والدكتور محمد عماد النجار والدكتور طارق عبد الجواد شبل  نواب رئيس المحكمة
وحضور السيدة المستشار / شيرين حافظ فرهود  رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع  أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 125 لسنة 39 قضائية "دستورية"، بعد أن أحالت محكمة جنح ببا بحكمها الصادر بجلسة 10/12/2016، ملف الدعوى رقم 23502 لسنة 2016 جنح ببا.
المقامة من
النيابة العامة
ضــــــد
1    - مصطفى محمد سلامة محمد
2    - محمد جمال الدين عبيد
3    - أيمن محمد رشاد حسانين
4    - سيد حامد محمد عبد الرسول
5    - أيمن محمد محمود مصطفى
6    - عصام عماد الدين محمد يوسف
7    - محمد فهمى محمد أبو بكر
8    - محمود فتحى وهبة أحمد
9    - محمد فاروق عبد الرحيم يونس
10- شعبان مصطفى رياض إبراهيم
11- خالد على حسن أبو العلا
12- خالد رمضان عبد المقصود على
13- إبراهيم محمد ربيع
14- شريف محمد حسن كريم
الإجراءات
    بتاريخ الحادى عشر من سبتمبر سنة 2017، ورد إلى قلم كتاب هذه المحكمة، ملف الدعوى رقم 23502 لسنة 2016 جنح مركز ببا، نفادًا للحكم الصادر من محكمة جنح ببا، بجلسة 10/12/2016، بوقف الدعوى، وإحالة الأوراق إلى المحكمة الدستورية العليا، للفصل في دستورية نص المادة (8) من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 107 لسنة 2013 بتنظيم الحق في الاجتماعات العامة والمواكب والتظاهرات السلمية.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم بعدم قبول الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمــــة
      بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
      حيث إن الوقائع تتحصل - على ما يتبين من حكم الإحالة، وسائر الأوراق – في أن النيابة العامة كانت قد قدمت المتهمين من الأول حتى الرابع عشر للمحاكمة الجنائية، أمام محكمة جنح ببا، في الجنحة رقم 23502 لسنة 2016 جنح مركز ببا، بوصف أنهم بتاريخ 14/8/2016: (1) شاركوا في تظاهرة دون إخطار قسم أو مركز الشرطة الذى تقع في دائرته التظاهرة، (2) شاركوا في تظاهرة وقاموا بقطع الطريق العام وتعطيل حركة المرور، (3) شاركوا في تظاهرة بقصد الإخلال بالأمن والنظام العام. وطلبت عقابهم بالمواد (1، 4، 7، 8، 19، 21، 22) من القرار بقانون رقم 107 لسنة 2013 بتنظيم الحق في الاجتماعات العامة والمواكب والتظاهرات السلمية. وقضت المحكمة بجلسة 10/12/2016، بوقف الدعوى، وإحالة الأوراق إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في دستورية نص المادة (8) من القرار بقانون المشار إليه.
      وحيث إن المادة (8) من القرار بقانون رقم 107 لسنة 2013 المشار إليه، تنص على أن "يجب على من يريد تنظيم اجتماع عام أو تسيير موكب أو تظاهرة أن يخطر كتابة بذلك قسم أو مركز الشرطة الذى يقع بدائرته مكان الاجتماع العام أو مكان بدء سير الموكب أو التظاهرة، ويتم الإخطار قبل بدء الاجتماع العام أو الموكب أو التظاهرة بثلاثة أيام عمل على الأقل، وبحد أقصى خمسة عشر يومًا، ..... على أن يتم تسليم الإخطار باليد أو بموجب إنذار على يد محضر، ويجب أن يتضمن الإخطار البيانات والمعلومات الآتية : .........".
      وحيث إن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن المصلحة الشخصية المباشرة في الدعوى الدستورية - وهى شرط لقبولها - مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الفصل في المسألة الدستورية لازمًا للفصل في الطلبات المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع. ويتغيا شرط المصلحة أن تفصل المحكمة الدستورية العليا في الخصومة الدستورية من جوانبها العملية وليس من معطياتها النظرية أو تصوراتها المجردة، وهو كذلك يقيد تدخلها في تلك الخصومة، ويرسم تخوم ولايتها، فلا تمتد لغير المطاعن التي يؤثر الحكم بصحتها أو بطلانها على النزاع الموضوعي. ويستوى في توافر شرط المصلحة في الدعوى الدستورية أن تكون الدعوى قد اتصلت بالمحكمة عن طريق الدفع أو عن طريق الإحالة، ذلك أن المحكمة الدستورية العليا هي - وحدها - التي تتحرى توافر شرط المصلحة في الدعوى الدستورية للتثبت من شروط قبولها، ومؤدى ذلك أن الإحالة من محكمة الموضوع إلى المحكمة الدستورية العليا لا تفيد بذاتها توافر المصلحة، بما لازمه أن هذه الدعوى لا تكون مقبولة إلا بقدر انعكاس النصوص التشريعية المحالة على النزاع الموضوعي، فيكون الحكم في المطاعن الدستورية لازمًا للفصل في ذلك النزاع، فلا تلازم بين الإحالة من محكمة الموضوع وتوافر هذه المصلحة، فإذا لم يكن الفصل في دستورية النصوص التي ثارت بشأنها شبهة عدم الدستورية لدى محكمة الموضوع انعكاس على النزاع الموضوعي، فإن الدعوى الدستورية تكون غير مقبولة.
      وحيث كان ما تقدم، وكان الثابت بأوراق الدعوى الموضوعية أن النيابة العامة حركت الدعوى الجنائية قبل المتهمين، بوصف أنهم شاركوا في تظاهرة دون إخطار قسم أو مركز الشرطة الذى تقع في دائرته التظاهرة، ترتب عليها قطع الطريق العام وتعطيل حركة المرور، بقصد الإخلال بالأمن والنظام العام. وكان القرار بقانون رقم 107 لسنة 2013 بتنظيم الحق في الاجتماعات العامة والمواكب والتظاهرات السلمية، قد مايز بين مفهومين مختلفين لكل منهما حكمه الخاص به، أولهما: المنظم أو الراغب في تنظيم التظاهرة، فأوجب عليه الإخطار بذلك وفقًا لأحكام المادة (8) من ذلك القرار بقانون، وإلا تعرض للعقوبة المرصودة بالمادة (21) من القرار بقانون ذاته. وثانيهما: المشارك أو المشاركين في التظاهرة، وهم الأشخاص الذين يشكلون تجمعًا يزيد على عشرة أشخاص، وفقًا للتعريف الذي نصت عليه المادة (4) من ذلك القرار بقانون، وقد حظر نص المادة (7) منه على المشاركين ارتكاب الأفعال التي حددتها تلك المادة، ومن بينها الإخلال بالأمن والنظام العام، وتعطيل مصالح المواطنين، وقطع الطرق وتعطيل حركة المرور. ورصدت المادة (19) من القرار بقانون ذاته عقوبة من يخالف ذلك الحظر. متى كان ذلك، وكانت أوراق الدعوى الموضوعية لم يرد بها أن المتهمين فيها من منظمي التظاهرة، كما لم تنسب إليهم النيابة العامة تنظيم تظاهرة، وإنما اقتصر الاتهام المسند إليهم على المشاركة في تظاهرة لم يُخطر عنها، وكان نص المادة (8) من ذلك القرار بقانون يخاطب من يرغب في تنظيم تظاهرة، وأوجب عليه الإخطار المسبق عنها، فمن ثم، يكون نص تلك المادة غير واجب الإعمال في الدعوى الموضوعية، ولن يترتب على الفصل في دستوريته انعكاس على الطلبات المعروضة بها، وقضاء محكمة الموضوع فيها، الأمر الذى تنتفى معه المصلحة في الطعن على هذا النص، مما يتعين معه القضاء بعدم قبول الدعوى.
فلهـذه الأسبـاب
      حكمت المحكمة بعدم قبول الدعوى.

دستورية بطلان صحيفة الاستئناف التي لا يوقعها محامٍ مقبول أمام محكمة الاستئناف


الدعوى رقم 28 لسنة 38 ق "دستورية" جلسة 3 / 11 / 2018
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الثالث من نوفمبر سنة 2018م، الموافق الخامس والعشرون من صفر سنة 1440 هـ.
برئاسة السيد المستشار الدكتور / حنفى على جبالى  رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: سعيد مرعى عمرو ورجب عبد الحكيم سليم والدكتور حمدان حسن فهمى وحاتم حمد بجاتو والدكتور عبدالعزيز محمد سالمان وطارق عبدالعليم أبو العطا     نواب رئيس المحكمة
وحضور    السيدة المستشار/ شيرين حافظ فرهود  رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع   أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
      في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 28 لسنة 38 قضائية "دستورية".
المقامة من
...........
ضد
1-رئيس الجمهوريـة
2-رئيس مجلس النواب
3-رئيس مجلس الوزراء
4-.......
الإجراءات
بتاريخ العاشر من مارس سنة 2016، أقام المدعى هذه الدعوى، بإيداع صحيفتها قلم كتاب المحكمة الدستوريـة العليا، طالبًا الحكم بعـدم دستورية الفقرة الأولى من المادة (37) من قانون المحاماة رقم 17 لسنة 1983.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
   وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
    ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمة
      بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
   حيث إن الوقائع تتحصـل – على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – في أن المدعى عليها الرابعة كانت قد أقامت بتاريـــخ 3/2/2015، الدعوى رقم 331 لسنة 2015 أمام محكمة البساتين لشئون الأسرة، طالبة فرض نفقة لصغيريها من المدعى، وبجلسة 28/5/2015، حكمت المحكمة بإلزامه بأن يؤدى مبلغ (600) جنيه كنفقة شهرية للصغيرين، وإذ لم يلق هذا القضاء قبولاً من الطرفين، فأقام المدعى الاستئناف رقم 13854 لسنة 132 ق أمام محكمة استئناف القاهرة طالبًا الحكم بتخفيض النفقة، كما أقامت المدعى عليها الرابعة الاستئناف رقم 14032 لسنة 132 ق أمام المحكمة ذاتها طالبة زيادتها، فقررت المحكمة ضم الاستئنافين للارتباط، وبجلسة 16/12/2015، دفعت المدعى عليها الرابعة بعدم قبول الاستئناف لعدم توقيع صحيفته من محامٍ مقيد لدى محكمة الاستئناف، فدفع المدعى بعدم دستورية نص الفقرة الأولى من المادة (37) من قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1983، وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية هذا الدفع، وصرحت للمدعى بإقامة الدعوى الدستورية، أقام الدعوى المعروضة.
      وحيث إن الفقرة الأولى من المادة (37) من قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1983 تنص على أن " للمحامي المقيد بجدول محاكم الاستئناف حق الحضور والمرافعة أمام جميع محاكم الاستئناف ومحاكم القضاء الإداري، ولا يجوز قبول صحف الدعاوى أمام هذه المحاكم وما يعادلها إلا إذا كان موقعًا عليها منه، وإلا حكم ببطلان الصحيفة ".
      وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة تعد شرطًا لقبول الدعوى الدستورية، وقوامها - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن يكون الحكم في المسألة الدستورية لازمًا للفصل في مسألة كلية أو فرعية تدور حولها الخصومة بأكملها أو في شق منها في الدعوى الموضوعية. متى كان ذلك، وكان الاستئناف المقام من المدعى موقعًا عليه من محامٍ مقبول للمرافعة أمام المحاكم الابتدائية – طبقًا للشهادة الصادرة من نقابة المحامين – وقد دفعت المدعى عليها الرابعة أثناء نظر النزاع الموضوعي أمام محكمة الاستئناف، بعدم قبول الاستئناف لعدم توقيع صحيفته من محامٍ مقبول للمرافعة لدى محاكم الاستئناف، فمن ثم تضحى للمدعى مصلحة شخصية مباشرة في الطعن على عجز الفقرة الأولى من المادة (37) من قانون المحاماة المشار إليه، فيما نصت عليه من أنه ".... ولا يجوز قبول صحف الدعاوى أمام هذه المحكمة وما يعادلها، إلا إذا كان موقعًا عليها منه، وإلا حكم ببطلان الصحيفة"، إذ الفصل في دستورية هذا النص في حدود نطاقه المتقدم سيكون له انعكاس على الدعوى الموضوعية والدفع المبدى فيها بعدم قبول صحيفة الاستئناف وبطلانها، وقضاء محكمة الموضوع في هذا الدفع.
      وحيث إن المدعى ينعى على النص المطعون فيه مخالفته للمادتين (97، 98) من الدستور، بقالة أن الدستور يكفل حق اللجوء إلى القضاء ابتداء، وهو ما يستلزم تيسير هذا الحق وإزالة المعوقات التي تعترضه ، إلا أن النص المطعون فيه لا يمثل إلا قيدًا يعرقل في كثير من الأحيان العدالة، ويخل بميزانها، إذ إن المشرع رتب جزاء البطلان على مخالفته، بما ينهى على أمل المتقاضين في النفاذ الميسر للعدالة. كما أنه يرتب أعباء إضافية تثقل كاهل التقاضي، وينطوي على إسقاط لضمانة الدفاع والحد منها، مما يترتب عليه إسقاط للضمانات التي كفلها الدستور لكل مواطن في الالتجاء إلى قاضيه الطبيعي.
      وحيث إن هذه المناعي مردودة: بأن المشرع حدد بالمواد (31، 35، 39) من قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1983. للقيد في كل من المرحلة الابتدائية، والاستئنافية، ومرحلة الطعن بالنقض وما في حكمها، شروطًا جامدة افترض عند تحقق كل منها في مرحلتها من التقاضي، أن يكون المحامي قد صار قادرًا على مواجهتها بالجدية التي توازيها، فلا يكون الانتقال من مرحلة في التقاضي إلى ما يعلوها، إلا بافتراض أن من يُوكلون فيها، مهيأون لمباشرة مسئوليتها، لا ينفكون عنها بما يبذلون من جهد يقابلها، وخبرة تلائمها، فلا يكون ولوجها نهبًا لكل طارق لأبوابها، بل قصرًا على هؤلاء الذين قدر قانون المحاماة – بالنصوص التي تضمنها – أنهم عوان عليها، يمدون قضاتها بما يكون لازمًا للفصل في الخصومة القضائية – سواء من جوانبها الواقعية أو القانونية – بعد بصرهم بأبعادها وتحريهم لدلالتها، وإحاطتهم بكوامنها، فلا يكون دفاعهم عن حقوق المواطنين وحرياتهم مهيضًا أو بئيسًا.
      وحيث إن المادة (35) من قانون المحاماة المشار إليه – وفى إطار هذا الاتجاه – تتطلب لقيد المحامي أمام محاكم الاستئناف، أن يكون قد اشتغل بالمحاماة فعلاً خمس سنوات على الأقل من تاريخ قيد اسمه بجدول المحامين المقبولين للمرافعة أمام المحاكم الابتدائية، وعملاً بالمادة (37) من هذا القانون، يكون لكل محام مقيد. بجدول محكمة استئنافية، حق الحضور والمرافعة أمامها، وكذلك تقديم صحف الدعاوى إليها، بشرط أن يوقع عليها، وإلا حكم ببطلانها.
      وحيث إن ذلك مؤداه، أن لكل مرحلة تبلغها الخصومة القضائية، قضاتها ومحاميها، فلا يتولون تبعاتها تباهيًا، وإنما باعتبارهم أمناء عليها بما مارسوه قبلها من أعمال قانونية تزيد من نضجهم، وتعمق خبراتهم، وتهديهم إلى الحقائق العلمية التي يقيمون بها الحق، فلا يظلمون، وما المحامون – وعلى ما تقضى به المادة (198) من الدستور، وكذلك المادة الأولى من قانون المحاماة - إلا شركاء للسلطة القضائية، يعينونها على إيصال الحقوق لذويها، بما يقيم لها ميزانها انتصافًا، فلا يكون اجتهادها ونظرها فيه مظنونًا، بل واعيًا بصيرًا.
      وحيث إن الفقرة الأولى من المادة (37) من قانون المحاماة المطعون عليها تتضمن أمرين: أولهما: إيجابها أن تكون صحيفة الدعوى – في مرحلتها الاستئنافية – موقعًا عليها من محامٍ مقبول أمام تلك المحاكم. ثانيهما: أن توقيعها من غيره، جزاؤه بطلانها. وكلا الأمرين تستنهضهما مصلحة لها اعتبارها، ذلك إن إعداد صحيفة الدعوى في مرحلتها الاستئنافية من قبل محامين مقيدين أمامها، يتوخى أن يكون عرض وقائعها مستنيرًا، ومساندتها بما يظاهرها من الحقائق القانونية، مبناه دعائم تقيمها، ومفاضلتهم بين بدائل متعددة ترجيحًا لأقواها احتمالاً في مجال كسبها، كذلك فإن الحكم ببطلان هذه الصحيفة لخلوها من توقيع تستكمل به أوضاعها الشكلية، ضمان مباشر لمصلحة موكليهم من جهة، ولضرورة أن تتخذ الخصومة القضائية مسارًا طبيعيًّا يؤمنها من عثراتها، فلا يتفرق جهد قضاتها فيما هو زائد على متطلباتها من جهة، أو قاصر على استيفاء جوانبها وحوائجها، من جهة ثانية، ومن أجل ذلك ألزم النص المطعون فيه من يتقدمون بصحائفهم إلى جهة قضائية بذاتها بإسناد إعداد هذه الصحف إلى محامين تتوافر لهم الخبرة والدراية اللازمة لذلك وتوقيعها منهم كشرط لقبولها، وهو الأمر الوثيق الصلة بتنظيم الحق في التقاضي، وكفالة بناء الخصومة القضائية على أسس تتفق وأحكام القانون، ولذلك كان تقرير البطلان متى تخلف هذا الشرط أمرًا منطقيًّا، وغير متضمن تحميل هذا الحق بضوابط خارجة عنه، أو تعرقل ممارسته، أو تجاوز قدرات من يلوذون به، ومن أجل ذلك أوجب الدستور في المادة (98) منه ضمان حق غير القادرين ماليًّا في الالتجاء إلى القضاء، والدفاع عن حقوقهم من خلال الوسائل التي أوكل إلى القانون تقريرها، وهو ما تضمنته المادة (93) من قانون المحاماة المشار إليه.
      وحيث إن حق الشخص في اختيار محامٍ يكون وكيلاً عنه في دعواه، يعكس في الأعم من الأحوال، ما آل إليه تطور النظم القضائية، وما يكتنفها من قواعد معقدة تدق على الكثيرين، وباعتبار أن ما قد يبدو واضحًا في الأذهان لرجال القانون، يكون شائكًا محاطًا بغلالة كثيفة من الغموض بالنسبة لغيرهم، أيًّا كان شكل ثقافتهم أو عمقها وعلى الأخص في مجال تطبيق بعض أفرع القانون، بالنظر إلى تطور أبعادها، وخفاء عديد من جوانبها، فإنه في الآن ذاته تتفاوت قدرات المحامين – في الغالب من الحالات – بقدر خبراتهم العملية، لذلك تطلب المشرع في كل مرحلة قضائية طائفة من المحامين تكون أقدر – من خلال خبراتهم التي اكتسبوها – على مباشرة هذه النوعية من القضايا، وذلك حماية لمصالح المتقاضين وحتى لا يكون دور المحامين شكليًّا أو رمزيًّا، متخاذلاً    أو قاصرًا عن أن يقدموا لموكليهم تلك المعونة الفعالة التي يقتضيها صون حقوقهم، وكذلك تكون عونًا للقضاة في الوصول إلى الحقيقة باعتبارهم أحد جناحي العدالة، إذ إن الدفاع وثيق الصلة بالخصومة القضائية من زاوية تجلية جوانبها، وتقويم مسارها ومتابعة إجراءاتها، وعرض حججها بما يكفل تساند دعائمها، والرد على ما يناهضها، وإدارة دفاع مقتدر بيانًا لوجه الحق فيما يكون مهمًّا من المسائل التي تثيرها الخصومة القضائية، وعلى الأخص من خلال المفاضلة بين بدائل متعددة ترجيحًا لأكثرها اتصالاً بها، وأقواها احتمالاً في مجال كسبها، مع دعمها بما يكون منتجًا من الأوراق، ولا يتأتى ذلك إلا إذا كان المحامي في كل مرحلة من مراحل التقاضي على قدر من الخبرة التي تتطلبها تلك المرحلة.
      وحيث إن ما تقدم مؤداه أن ما تضمنه نص الفقرة الأولى من المادة (37) المطعون عليها يقع في نطاق السلطة التقديرية التي يملكها المشرع في مجال تنظيم الحقوق، بما لا ينال من أصلها أو يقيد محتواها. ذلك أنه يتوخى أن تتوافر للخصومة القضائية عناصر جديتها من خلال محامٍ يكون مهيأً لإعداد صحيفتها، ولذلك رتب المشرع جزاء البطلان بالنسبة للصحيفة التي لا يوقعها محامٍ مقبول أمام محكمة الاستئناف، وهو ما لا يتضمن مصادرة لحق الدفاع أو تقييد لحق التقاضي، ولا مخالفة فيه لنصى المادتين (97، 98) من الدستور
      وحيث إن النص المطعون فيه لا يتعارض مع أي حكم آخر في الدستور، فإنه يتعين القضاء برفض الدعوى.
فلهذه الأسباب
            حكمت المحكمة برفض الدعوى، وبمصادرة الكفالة، وألزمت المدعى المصروفات ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة

دستورية اعتبار حكم الجنايات الغيابي قائمًا عند غياب المحكوم عليه في إعادة الإجراءات


الدعوى رقم 22 لسنة 38 ق "دستورية" جلسة 3 / 11 / 2018
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الثالث من نوفمبر سنة 2018م، الموافق الخامس والعشرون من صفر سنة 1440 هـ.
برئاسة السيد المستشار الدكتور / حنفى على جبالى رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: محمد خيرى طه النجار والدكتور عادل عمر شريف وبولس فهمي إسكندر ومحمود محمد غنيم والدكتور محمد عماد النجار والدكتور طارق عبد الجواد شبل   نواب رئيس المحكمة
وحضور السيدة المستشار / شيرين حافظ فرهود  رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع   أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
   في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 22 لسنة 38 قضائية "دستورية"، بعد أن أحالت محكمة جنايات الجيزة بحكمها الصادر بجلسة 11/2/2016، ملف الدعوى رقم 4304 لسنة 2014 جنايات مركز العياط المقيدة برقم 848 لسنة 2014 كلى جنوب الجيزة.
المقامة من
النيابة العامة
ضــــــد
1- أيمن جمال عبدالسلام جمعــة
2- عبدالسلام جمعة عبدالســـلام
3- شريف عبدالسلام جمعة عبدالسلام
4- عاشور سيد سيد عبدالجــواد
الإجراءات
      بتاريخ الأول من مارس سنة 2016، ورد إلى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا ملف الدعوى رقم 4304 لسنة 2014 جنايات مركز العياط، والمقيدة برقم 848 لسنة 2014 كلى جنوب الجيزة، بعد أن قضت محكمة جنايات الجيزة بجلسة 11/2/2016، بوقف الدعوى، وإحالة الأوراق إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في دستورية نص الفقرة الثانية من المادة (395) من قانون الإجراءات الجنائية.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.


المحكمــــة
      بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
      حيث إن الوقائع تتحصـــل – على ما يتبين من حكم الإحالة وسائر الأوراق – في أن النيابة العامة كانت قد أحالت كلاًّ من: 1- أيمن جمال عبدالسلام جمعـة 2- عبدالسلام جمعة عبدالسلام 3- شريف عبدالسلام جمعة عبدالسلام 4- عاشور سيد سيد عبدالجواد، إلى محكمة الجنايات، متهمة إياهم بأنهم بتاريخ 8/4/2014، بدائرة مركز شرطة العياط، محافظة الجيزة: (1) سرقوا السيارة المبينة وصفًا بالأوراق بطريق الإكراه الواقع على المجنى عليه ......، بأن استوقفوه حال قيادته للسيارة آنفة البيان بالطريق العام مشهرين في وجهه أسلحة نارية "بنادق آلية" فبثوا الرعب في نفسه، وتمكنوا بتلك الوسيلة القسريـــــة من شل مقاومته، والاستيلاء على السيارة آنفة البيان على النحو المبين بالأوراق. (2) حازوا وأحرزوا أسلحة نارية مششخنة "بنادق آلية" مما لا يجوز الترخيص بحيازتها أو إحرازها. وطلبت معاقبة المتهمين بالمواد (315/أولاً، ثالثًا) من قانون العقوبات، والمواد (1/2، 26/3) من القانون رقم 394 لسنة 1954 بشأن الأسلحة والذخائر المعدل بالقوانين أرقام 26 لسنة 1978، 101 لسنة 1980، 165 لسنة 1981، والمرســوم بقانون رقم 6 لسنة 2012، والبند (ب) من القسم الثانى من الجدول رقم (3) الملحق بالقانون الأول والمعدل بقرار وزير الداخلية رقم 13354 لسنة 2017.
      وإذ لم يمثل المتهمون بجلسة المحاكمة على الرغم من إعلانهم قانونًا بها، فقد قضت محكمة الجنايات بجلسة 10/11/2015، غيابيًّا، بمعاقبتهم بالسجن المؤبد، وتغريم كل منهم مبلغ عشرين ألف جنيه، وإلزامهـم بالمصاريف الجنائية. وإذ حضر المحكوم عليهم بإرادتهم، إلى جهة التنفيذ، بعد صدور القضاء آنف البيان، حدد رئيس محكمة استئناف القاهرة جلسة 6/2/2016، لإعادة نظر الدعوى، وبتلك الجلسة تخلف المحكوم عليهم عن الحضور، فقررت المحكمة حجز الدعوى للحكم بجلسة 11/2/2016، وبها أصدرت حكمها بوقف الدعوى، وإحالة الأوراق إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في دستورية نص الفقرة الثانية من المادة (395) من قانون الإجراءات الجنائية.
      وحيث إن الفقرة الثانية من المادة (395) من قانون الإجراءات الجنائية الصادر بالقانون رقم 150 لسنة 1950، المضافة بالقانون رقم 74 لسنة 2007، قبل استبدالها بالقانون رقم 11 لسنة 2017، تنص على أن:
"فإذا تخلف المحكوم عليه في غيبته عن حضور الجلسة المحددة لإعادة نظر دعواه، اعتبر الحكم ضده قائمًا، فإذا حضر مرة أخرى قبل سقوط العقوبة بمضى المدة تأمر النيابة بالقبض عليه ويحدد رئيس محكمة الاستئناف أقرب جلسة لإعادة نظر الدعوى، ويُعرض محبوسًا بهـــذه الجلسة، وللمحكمة أن تأمر بالإفراج عنه أو حبسه احتياطيًّا حتى الانتهاء من نظر الدعوى".
 وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة في الدعوى الدستورية - وهى شرط لقبولها - مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الفصل في المسألة الدستورية لازمًا للفصل في الطلبات المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع. وأنه يستوى في شأن توافر المصلحة الشخصية المباشرة في الدعوى الدستورية، أن تكون الدعوى قد اتصلت بالمحكمة عن طريق الدفع أو عن طريق الإحالة، والمحكمة الدستورية العليا هى وحدها التى تتحرى توافر شرط المصلحة في الدعاوى الدستورية للتثبت من شروط قبولها. متى كان ذلك، وكان المتهمون في الدعوى الموضوعية، بعد إدانتهم غيابيًّا حضروا من تلقاء أنفسهم لإعادة إجراءات محاكمتهم، وحدد رئيس محكمة الاستئناف جلسة لإعادة نظر الدعوى الموضوعية، فتخلفوا عن حضورها، وإذ رتب المشرع، وفقًا لحكم النص المحال، على واقعة تخلف المحكوم عليه في غيبته عن حضور الجلسة المحددة لإعادة نظر دعواه، اعتبار الحكم الغيابى الصادر ضده قائمًا، ومن ثم صار المركز القانونى للمتهمين في الدعوى الموضوعية محكومًا بذلك النص، ويتحدد نطاق الدعوى المعروضة في عبارة "فإذا تخلف المحكوم عليه في غيبته عن حضور الجلسة المحددة لإعادة نظر دعواه، اعتبر الحكم ضده قائمًا،....". ولا ينال من توافر المصلحة الشخصية المباشرة في الدعوى المعروضة استبدال نص آخر بالنص المحال، وذلك بمقتضى نص المادة (1) من القانون رقم 11 لسنة 2017 بشأن تعديل بعض أحكام قوانين: الإجراءات الجنائية الصادر بالقانون رقم 150 لسنة 1950، وقانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض الصـادر بالقانون رقم 57 لسنة 1959، وقانون تنظيم قوائم الكيانات الإرهابية والإرهابيين رقم 8 لسنة 2015، وقانون مكافحة الإرهاب الصادر بالقانون رقم 94 لسنة 2015، المنشور في الجريدة الرسمية بالعدد 17 (تابع) بتاريخ 27/4/2017، والمعمول به من اليوم التالي لنشره في شأن النص المستبدل، ذلك أن المقرر في قضاء المحكمة الدستورية العليا أن إلغاء المشرع قاعدة قانونية بذاتها، لا يحول دون الطعن عليها بعدم الدستورية من قبل من طبقت عليه خلال فترة نفاذها، وترتبت بمقتضاها آثار قانونية بالنسبة إليه يتحقق بإبطالها مصلحته الشخصية المباشرة؛ ذلك أن الأصل في القاعدة القانونية، هو سريانها على الوقائع التي تتم في ظلها وحتى إلغائها، فإذا أُلغيت هذه القاعدة، وحلت محلها قاعدة قانونية أخرى، فإن القاعدة الجديدة تسرى من الوقت المحدد لنفاذها، ويقف سريان القاعدة القديمة من تاريخ إلغائها، وبذلك يتحدد النطاق الزمنى لسريان كل من القاعدتين. وإذ كان المركز القانوني للمحكوم عليهم غيابيًّا في الدعوى الموضوعية، قد نشأ، واكتمل، وانقضى أثرًا، بتخلفهم عن حضور جلسة إعادة محاكمتهم في السادس من شهر فبراير عام 2016، فإنه يظل محكومًا بالنص المحال قبل استبداله، حال كون النص المحال بعد استبداله لا يُعد في الإطار الذي تطرحه الدعوى الموضوعية أصلح للمتهم.

  وحيث إن الرقابة على دستورية القوانين من حيث مطابقتها للقواعد الموضوعية التي تضمنها الدستور، إنما تخضع لأحكام الدستور القائم دون غيره، إذ إن هذه الرقابة إنما تستهدف أصلاً - وعلى ما جـرى عليه قضاء هذه المحكمة - صون الدستور القائم وحمايته من الخروج على أحكامه، وأن نصوص هذا الدستور تمثل دائمًا القواعد والأصول التي يقوم عليها نظام الحكم، ولها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام التي يتعين التزامها، ومراعاتها، وإهدار ما يخالفها من تشريعات، باعتبارها أسمى القواعد الآمرة. ومن ثم فإن هذه المحكمة تباشر رقابتها على النص المحال، محددًا نطاقًا على النحو المتقدم بيانه، -والذى عُمِلَ بمقتضاه إلى أن تم استبداله بالقانون رقم 11 لسنة 2017 السالف الإشارة إليه -، وذلك من خلال أحكام الدستور القائم الصادر في 18 يناير سنة 2014.
      وحيث إن حكم الإحالة ينعى على النص المحال أنه ألزم القاضي باعتبار الحكم الغيابي الصادر في جناية ضد متهم تخلف عن حضور جلسة إعادة محاكمته مازال قائمًا، مما يمثل قيدًا على سلطة القاضي في تقدير أدلة الاتهام والموازنة بينها وبين أدلة النفي، ومن ثم تقييده في القضاء ببراءة المتهم إذا رأى القاضي في وقائع الدعوى موجبًا لذلك القضاء، على الرغم من جواز القضاء ببراءة المتهم الغائب عن إجراءات محاكمته للمرة الأولى، بما يخالف أحكام المواد (94، 184، 186) من الدستور.
      وحيث إن المقرر في قضاء المحكمة الدستورية العليا أن الأصل في النصوص التشريعية هو ارتباطها عقلاً بأهدافها، باعتبار أن أي تنظيم تشريعي ليس مقصودًا لذاته، وإنما هو مجرد وسيلة لتحقيق تلك الأهداف؛ ومن ثم يتعين دائمًا استظهار ما إذا كان النص التشريعي يلتزم إطارًا منطقيًّا للدائرة التي يعمل فيها، كافلاً من خلالها تناغم الأغراض التي يستهدفها، أم متهافتًا مع مقاصــده أو مجاوزًا لها، ومناهضًا - بالتالي - لمبدأ خضوع الدولة للقانون. كما أن المستقر عليه في قضاء هذه المحكمة أن خضوع الدولة للقانون، محدد على ضوء مفهوم ديمقراطي، مؤداه ألا تخل تشريعاتها بالحقوق التي يعتبر التسليم بها في الدول الديمقراطية مفترضًا أوليًّا لقيام الدولة القانونية، وضمانة أساسية لصون حقوق الإنسان وكرامته وشخصيته المتكاملة، ويندرج تحتها طائفة من الحقوق وثيقة الصلة بالحرية الشخصية التي كفلها الدستور.
      متى كان ذلك، وكانت إضافة النص المحال إلى المادة (395) من قانون الإجراءات الجنائية بالقانون رقم 74 لسنة 2007، قد توسل المشرع بمقتضاه سد الذرائع التي قد يلجأ إليها المحكوم عليه في غيبته لإطالة أمد محاكمته جنائيًّا، والحيلولة دون تنفيذ الحكم بإدانته، وذلك بتخلفه عن حضور جلسة إعادة المحاكمة، خاصة من يتقدم طوعًا للتنفيذ، فيحال للجلسة مفرجًا عنه، ويتخلف مرة أخرى ويصبح - بالتالي - تنفيذ الحكم الغيابي رهنًا بإرادة المحكوم عليه، مما حدا بالمشرع - نفاذًا للالتزام الدستوري بالعمل على سرعة الفصل في القضايا، المنصوص عليه في المادة (97) من دستور 2014، المقابلة للمادة (68) من دستور 1971 - إلى إضافة نص الفقرة المحالة، والذى لم يحظر إعادة إجراءات محاكمة من اعتبر الحكم الغيابي الصادر ضده قائمًا، مع التزام الحكم الذى يصدر في هذه المحاكمة بعدم تشديد العقوبة المقضي بها في الحكم الغيابي، عملاً بنص الفقرة الأولى من المادة (395) من قانون الإجراءات الجنائية، كما لم يفوت النص المحال، على المحكوم عليه في غيبته، درجة من درجات التقاضي، ومن ثم يكون النعي عليه بمخالفة مبدأ سيادة القانون، والتفاته عن قيم الدولة القانونية لا أساس له.
      وحيث إن المقرر في قضاء المحكمة الدستورية العليا أن الأصل في سلطة المشرع في تنظيمه لحق التقاضي - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أنها سلطة تقديرية، جوهرها المفاضلة التي يجريها بين البدائل المختلفة التي تتصل بالموضوع محل التنظيم لاختيار أنسبها لفحواه، وأحراها بتحقيق الأغراض التي يتوخاها، وأكفلها للوفاء بأكثر المصالح وزنًا، وليس من قيد على مباشرة المشرع لهذه السلطة إلا أن يكون الدستور ذاته قد فرض في شأن مباشرتها ضوابط محددة تعتبر تخومًا لها ينبغي التزامها، وفى إطار قيامه بهذا التنظيم لا يتقيد المشرع باتباع أشكال جامــــدة لا يريم عنها، تفرغ قوالبها في صورة صماء لا تبديل فيها، بل يجوز له أن يغاير فيما بينها، وأن يقدر لكل حالة ما يناسبها، على ضوء مفاهيم متطورة تقتضيها الأوضاع التي يباشر الحق في التقاضي في نطاقها، وبما لا يصل إلى إهداره، ليظل هذا التنظيم مرنًا، فلا يكون إفراطًا يطلق الخصومة القضائية من عقالها انحرافًا بها عن أهدافها، ولا تفريطًا مجافيًا لمتطلباتها، بل بين هذين الأمرين قوامًا، التزامًا بمقاصدها، باعتبارها شكلاً للحماية القضائية للحق في صورتها الأكثر اعتدالاً.
      متى كان ذلك، وكان المشرع بالنص المحال، قد تغيا من اعتبار الحكم الغيابي قائمًا، إذا تخلف المحكوم عليه في غيبته عن حضور الجلسة المحددة لإعادة نظر دعواه، إعمال آثار الحكم الغيابي الذى صدر في خصومة قضائية انعقدت بإجراءات صحيحة، وتخلف المحكوم عليه عن حضورها، وإبداء دفاعه فيها، ومن ثم لا يكون النص المحال قد أفرط في إطلاق الخصومة القضائية من عقالها وإنما التزم الضوابط التي لا تتعدى أهدافها، من حيث ضمان سرعة الفصل في القضايا، وكفالة تنفيذ الأحكام الصادرة فيها، وترتيب الآثار الناشئة عنها، بلوغًا للغاية منها، ومن ثم يضحى النعي على النص المحال بمخالفته حكم المادة (94) من الدستور خليقًا بالالتفات عنه.
      وحيث إن قضاء المحكمة الدستورية العليا قد جرى على أن استقلال السلطة القضائية يقوم في مضمونه على أن تفصل السلطة القضائية فيما يعرض عليها من دعاوى في موضوعية كاملة، وعلى ضوء الوقائع المطروحة عليها، ووفقًا للقواعد القانونية المعمول بها، ودون ما قيود تفرضها عليها أي جهة، أو تدخل من جانبها في شئون العدالة بما يؤثر في متطلباتها، لتكون لقضاتها الكلمة النهائية في كل مسألة من طبيعة قضائية، ولتصدر أحكامها وفقًا لقواعد إجرائية تكون منصفة في ذاتها، وبما يكفل الحماية الكاملة لحقوق المتقاضين.
      وحيث إنه متى كان ما تقدم، وكان سقوط الحكم الغيابي الصادر من محكمة الجنايات مشروطًا بحضور المحكوم عليه في غيبته أمام المحكمة لإعادة نظر الدعوى، فإذا أعلن بالجلسة ولم يحضرها، فإن ما قرره النص المحال من اعتبار الحكم الغيابي الصادر في الدعوى قائمًا، لا يسقط، يكون موافقًا لاعتبارات العدالة التي حرص الدستور على صونها، واعتبرها بمقتضى نص المادة (4) منه أساسًا لبناء المجتمع، وصون وحدته الوطنية، وغير مناقض لحق التقاضي الذى كفله الدستور في المادة (97) منه، كما لا يمس استقلال القضاة والسلطة القضائية، الذى أكد عليه الدستور في المادتين (184، 186) منه، ذلك أن الدعوى لا تدخل في هذه الحالة إلى حوزة محكمة الموضوع دخولاً مطابقًا للأوضاع القانونية، ويمتنع عليها - من ثم - أن تجيل بصرها في موضوعها، أو أن تقضى فيه، ولا يكون لها بعد أن اتصلت بالدعوى اتصالاً منقوصًا، إلا أن تقرر فيها أمرا مقضيًّا، قوامه اعتبار الحكم الغيابي قائمًا، وإلا انحل قضاؤها بغير ما تقدم، مساسًا بحكم قطعي زالت ولايتها عن نظر الدعوى التي صدر فيها، ومن ثم يضحى احتجاج حكم الإحالة على النص المحال بقالة العدوان على استقلال القضاء، والتدخل في شئون العدالة بتقييد حرية القاضي في تكوين عقيدته القضائية، منبئًا عن تفسير معيب، واستخلاص غير سديد، لمؤدى النص المحال، أورثه النعي على النص المذكور نعيًا لا سند له، بما يوجب لما تقدم جميعه الحكم برفضه.
      وحيث إن النص المحال لا يخالف أحكام الدستور من أي وجه آخر، فإنه يتعين القضاء برفض الدعوى.
فلهـذه الأسبـاب
      حكمت المحكمة برفض الدعوى.

الثلاثاء، 11 ديسمبر 2018

دستورية الاغفال التشريعي لوضع حد أقصى للمقابل النقدي لرصيد الإجازات الذي يجوز للعامل احتسابه عند انتهاء خدمته (م 47 و 48 من قانون العمل)


الدعوى رقم 27 لسنة 37 ق "دستورية" جلسة 3 / 11 / 2018
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
      بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الثالث من نوفمبر سنة 2018م، الموافق الخامس والعشرون من صفر سنة 1440 هـ.
برئاسة السيد المستشار الدكتور / حنفى على جبالى             رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: سعيد مرعى عمرو والدكتور عادل عمر شريف ورجب عبد الحكيم سليم والدكتور حمدان حسن فهمى ومحمود محمد غنيم والدكتور محمد عماد النجار    نواب رئيس المحكمة
وحضور السيدة المستشار / شيرين حافظ فرهود  رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع        أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
  في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 27 لسنة 37 قضائية    "دستورية"
المقامة من
رئيس مجلس إدارة شركة فلاش انترناشيونال لإدارة الفنادق والقرى السياحية
ضد
1-    رئيس الجمهوريـة
2-    رئيس مجلس الـوزراء
3-    وزير العــــدل
4-    سامح سيد عبد اللطيف
الإجراءات
بتاريخ الثامن عشر من فبراير سنة 2015 أودع المدعى صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبًا الحكم بعدم دستورية نصى المادتين (47 ، 48) من قانون العمل الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 2003 المعدل بالقانون رقم 180 لسنة 2008.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
      وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
      ونُظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصــل – على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – في أن المدعى عليه الرابع كان يعمل بالشركة التي يمثلها المدعــى، وإذ تقرر إنهاء خدمته بها فقد طلب قضائيًّا إلزامها بأن تؤدى إليه مبلغ (99633) جنيهًا قيمة مستحقاته لديها تعويضًا عن فصله التعسفى، ومقابل الراحات الأسبوعية، ومقابل إجازات الأعياد، ومقابل الإجازات السنوية، وراتبه عن الفترة من 1/12/2006، حتى 20/2/2007، ونصيبه في الأرباح السنوية من عام 2000 حتى عام 2007، ونصيبه في نسبة 12% المقررة وفقًا للقرار الوزارى رقم 22 لسنة 1984 المعدل بالقرار رقم 125 لسنة 2003، وتمثل هذا النزاع في نهاية مستقره بالدعوى رقم 2176 لسنة 2008 مدنى كلى عمال أمام محكمة الأقصر الابتدائية، التى قضت بجلسة 27/5/2013، بإلزام المدعى عليه الأول – في تلك الدعوى – بأن يؤدى للمدعى مبلغ (5264.06) جنيهًا. فطعنت الشركة المذكورة في هذا الحكم بالاستئناف رقم 344 لسنة 32 قضائية أمام محكمة استئناف قنا "مأمورية الأقصر" كما طعن المدعى عليه الرابع – في هذه الدعوى – باستئناف مقابل عن ذات الحكم. وبجلسة 17/1/2015، دفعت الشركة المدعية بعدم دستورية المادتين (47 و48) من القانون رقم 12 لسنة 2003، فقررت المحكمة تأجيل نظر الاستئناف لجلسة 16/3/2015، لاتخاذ إجراءات الطعن بعدم الدستورية، فأقام المدعي الدعوى المعروضة.
وحيث إن المادة (47) من قانون العمل الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 2003 تنص على أنه " تكــــون مدة الإجازة السنوية 21 يومًا بأجــــــــر كـــامــــل لمن أمضى في الخدمة سنة كاملة، تزاد إلى ثلاثين يومًا متى أمضى العامل في الخدمة عشر سنوات لدى صاحب عمل أو أكثر، كما تكون الإجازة لمدة ثلاثين يومًا في السنة لمن تجاوز سن الخمسين، ولا يدخل في حساب الإجازة أيام عطلات الأعياد والمناسبات الرسمية والراحة الأسبوعية.
وإذا قلت مدة خدمة العامل عن سنة استحق إجازة بنسبة المدة التى قضاها في العمل بشرط أن يكون قد أمضى ستة أشهر في خدمة صاحب العمل.
وفى جميع الأحوال تزاد مدة الإجازة السنوية سبعة أيام للعمال الذين يعملون في الأعمال الصعبة أو الخطرة أو المضرة بالصحة أو في المناطق النائية والتى يصدر بتحديدها قرار من الوزير المختص بعد أخذ رأى الجهات المعنية.
ومع مراعاة حكم الفقرة الثانية من المادة (48) من هذا القانون، لا يجوز للعامل النزول عن إجازته."



وتنص المادة (48) من القانون ذاته على أنه "يحدد صاحب العمل مواعيد الإجازة السنوية حسب مقتضيات العمل وظروفه، ولا يجوز قطعها إلا لأسباب قوية تقتضيها مصلحة العمل.
ويلتزم العامل بالقيام بالإجازة في التاريخ وللمدة التي حددها صاحب العمل وإذا رفض العامل كتابة القيام بالإجازة سقط حقه في اقتضاء مقابلها.
وفى جميع الأحوال يجب أن يحصل العامل على إجازة سنوية مدتها خمسة عشر يومًا، منها ستة أيام متصلة على الأقل، ويلتزم صاحب العمل بتسوية رصيد الإجازات أو الأجر المقابل له كل ثلاث سنوات على الأكثر فإذا انتهت علاقة العمل قبل استنفاد العامل رصيد إجازته السنوية استحق الأجر المقابل لهذا الرصيد. ولا يجوز تجزئة الإجازة أو ضمها أو تأجيلها بالنسبة للأطفال."



وحيث إن مناط المصلحة الشخصية المباشرة – وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية – أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الفصل في المسألة الدستورية لازمًا للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع. ويتغيا هذا الشرط أن تفصل المحكمة الدستورية العليا في الخصومة الدستورية من جوانبهـا العملية، وليس من معطياتها النظرية أو تصوراتها المجردة. وهو كذلك يقيد تدخلها في تلك الخصومة، ويرسم تخوم ولايتها، فلا تمتد لغير المطاعن التى يؤثر الحكم بصحتها أو بطلانها على النزاع الموضوعى، وبالقدر اللازم للفصل فيه، ويتحدد مفهوم هذا الشرط باجتماع عنصرين، أولهما: أن يقيم المدعى – في الحدود التي اختصــــم فيها النص المطــــعون فيه – الدليل على أن ضررًا واقعيًّـا – اقتصاديًّـا أو غيره – قد لحق به، سواء كان مهددًا بهذا الضرر أو كان قد وقع فعلاً، ويتعين دومًا أن يكون الضرر مباشرًا، منفصلاً عن مجرد مخالفة النص المطعون فيه للدستور، مستقلاًّ بالعناصر التى يقوم عليها، ممكنًا تصوره ومواجهته بالترضية القضائية، تسوية لآثاره. ثانيهما: أن يكون الضرر عائدًا إلى النص المطعون فيه، وليس ضررًا متوهمًا أو منتحلاً أو مجهلاً. فإذا لم يكن هذا النص قد طبق أصلاً على من ادعى مخالفته للدستور، أو كان من غير المخاطبين بأحكامه، أو كان الإخلال بالحقوق التى يدعيها لا يعود إليه، دل ذلك على انتفاء المصلحة الشخصية المباشرة. ذلك أن إبطال النص التشريعى في هذه الصور جميعها لن يحقق للمدعى أيّة فائدة عملية يمكن أن يتغير بها مركزه القانوني بعد الفصل في الدعوى الدستورية عما كان عليه قبلها.



وحيث إن النزاع المثار في الدعوى الموضوعية التي أقيمت هذه الدعوى الدستورية بمناسبتها يدور حول مطالبة المدعى عليه الرابع بمستحقاته لدى الشركة المدعية عن فترة عمله بها، ومنها المقابل النقدى لرصيد إجازاته السنوية التى لم يحصل عليها، والتى انتظمت المادتان (47 ، 48) سالفتا البيان أحكامها، وألزمت صاحب العمل بتسوية رصيد الإجازات السنوية للعامل أو الأجر المقابل له كل ثلاث سنوات على الأكثر، وقررت استحقاق العامل الذى تنتهى خدمته للأجر المقابل لرصيد إجازته السنوية التي لم يستنفدها. ومن ثم فإن نطاق الدعـــــوى المعروضـــــة يتحــــدد – في ضوء طلبات المدعى وما تضمنته صحيفة الدعوى – فيما لم يتضمنه نص المادة (48) المشار إليه من وضع حد أقصى للمقابل النقدى لرصيد الإجازات الذى يجوز للعامل احتسابه عند انتهاء خدمته.
وحيث إن الشركة المدعية تنعى على النص المطعون فيه - محددًا نطاقه على النحو المتقدم - خلوه من أيّة معاييــــــــر أو ضوابط تحقق التوازن بين حق العامل وحق جهة العمل سواء في كيفية احتساب المقابل النقدى لرصيد الإجازات، والحد الأقصى للإجازات الاعتيادية التى يجوز احتسابها خلال فترة العمل، على خلاف ما ورد بقانون نظام العاملين بالدولــــة، كما أنها لم تحدد من يقع عليه عبء إثبات رصيد الإجازات في حالات عدة، على نحو مجحف بحقوق جهة العمل، مما يضر بالنشاط الاقتصادي الخاص، ولا يوفر المناخ الجاذب للاستثمار ويهدر مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص، بالمخالفة لنصوص المواد (9 ، 13 ، 28 ، 33 ، 36) من الدستور.
وحيث إن المشرع قد انتظم بنصي المادتين (47 ، 48) من قانون العمل حق العامل في الإجازة السنوية محددًا لها مددًا تختلف باختلاف مدة خدمة العامل، وقضى بألا يدخل في حسابها أيام عطلات الأعياد أو المناسبات الرسمية أو الراحات الأسبوعية، وحظر نزول العامل عن إجازته، وناط بصاحب العمل تحديد مواعيدها حسب مقتضيات العمل وظروفه، وألزم العامل بالقيام بالإجازة في التاريخ وللمدة التى حددها صاحب العمل، وقضى بسقوط حق العامل في اقتضاء مقابلها إذا رفض القيام بها، وألزم صاحب العمل بتسوية رصيد الإجازات أو الأجر المقابل له كل ثلاث سنوات على الأكثر، وأوجب استحقاق العامل للأجر المقابل لرصيد إجازاته التى لم يستنفدها عند انتهاء علاقة العمل.
وحيث إن الدستور قد حرص في المادة (4) منه على النص على مبدأ تكافؤ الفرص، باعتباره من الركائز الأساسية التي يقوم عليها بناء المجتمع، والحفاظ على وحدته الوطنية، ومن أجل ذلك جعل الدستور بمقتضى نص المادة (9) منه تحقيق تكافؤ الفرص بين جميع المواطنين دون تمييز التزامًا دستوريًّا على عاتق الدولة، لا تستطيع منه فكاكًا. وقوام هذا المبدأ – على ما جرى به قضاء هذه المحكمة – أن الفرص التى كفلها الدستور للمواطنين فيما بينهم تفترض تكافؤها، وتدخل الدولة إيجابيًّا لضمان عدالة توزيعها بين من يتزاحمون عليها، وضرورة ترتيبهم بالتالى فيما بينهم على ضوء قواعد يمليها التبصر والاعتدال؛ وهو ما يعنى أن موضوعية شروط النفاذ إليها، مناطها تلك العلاقة المنطقية التى تربطها بأهدافها، فلا تنفصل عنها.
وحيث إن الدستور قد اعتمد كذلك بمقتضى نص المادة (4) منه مبدأ المساواة، باعتباره، إلى جانب مبدأى العدل وتكافؤ الفرص، أساسًا لبناء المجتمع وصيانة وحدته الوطنية، وتأكيدًا لذلك حرص الدستور في المادة (53) منه على كفالة تحقيق المساواة لجميع المواطنين أمام القانون، وفى الحقوق والحريات والواجبات العامة، دون تمييز بينهم لأى سبب، إلا أن ذلك لا يعنى – وفقا لما استقر عليه قضاء هذه المحكمة – أن تعامل فئاتهم على ما بينها من تفاوت في مراكزها القانونية معاملة قانونية متكافئة، كذلك لا يقوم هذا المبدأ على معارضة صور التمييز جميعها، ذلك أن من بينها ما يستند إلى أسس موضوعية ولا ينطوي بالتالي على مخالفة لنص المادتين (4 ، 53) المشار إليهما، بما مؤداه أن التمييز المنهى عنه بموجبها هو ذلك الذى يكون تحكميًّا، وأساس ذلك أن كل تنظيم تشريعي لا يعتبر مقصودًا لذاته، بل لتحقيق أغراض بعينها تعكس مشروعيتها إطارًا للمصلحة العامة التى يسعى المشرع إلى تحقيقها من وراء هذا التنظيم.
وحيث إن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن لكل حق أوضاعًا يقتضيها، وآثارًا يرتبها، من بينها – في مجال حق العمل – ضمان الشروط التى يكون أداء العمل في نطاقها منصفًا وإنسانيًّا ومواتيًا، فلا تنتزع هذه الشروط قسرًا من محيطها، ولا ترهق بفحواها بيئة العمل ذاتها؛ أو تناقض بأثرها ما ينبغى أن يرتبط حقًّا وعقلاً بالشروط الضرورية لأداء العمل بصورة طبيعية لا تحامل فيها. ومن ثم لا يجوز أن تنفصل الشروط التى يتطلبها المشرع لمباشرة عمل أو أعمال بذواتها، عن متطلبات ممارستها، وإلا كان تقريرها انحرافًا بها عن غايتها يستوى في ذلك أن يكون سندها علاقة عقدية أو رابطة لائحية.
وحيث إنه ولئن كان من غير الجائز أن يتخذ العامل من الإجازة السنوية وعاءً ادخاريًا من خلال ترحيل مددها التى تراخى في استعمالها، ثم تجميعها ليحصل بعـد انتهاء خدمته على ما يقابلها من الأجر، إلا أن هـــذا الحكم لا ينبغي أن يسرى على إطلاقه، بما مؤداه أنه كلما كان فوات الإجازة راجعًا إلى جهة العمل أو لأسباب اقتضتها ظروف أدائه دون أن يكون لإرادة العامل يد فيها، كانت جهة العمل مسئولة عن تعويضه عنها، فيجوز للعامل عندئذ – وكأصل عام – أن يطلبها جملة، إذا كان اقتضاء ما تجمع من إجازاته السنوية على هذا النحو ممكننا عينا، وإلا كان التعويض النقدي عنها واجبًا، تقديرًا بأن المدة التي يمتد إليها الحرمان من استعمال تلك الإجازة مردها إلى جهة العمل فكان لزامًا أن تتحمل وحدها تبعة ذلك، ومن ثم فلا يجوز وضع حد أقصى لهذا التعويض، أو وضع حد أقصى للإجازات السنوية التي يجوز للعامل احتسابها أو احتساب الأجر المقابل لها، طالما كان أمر الحصول عليها وتحديد تاريخها ومددها موكولاً إلى طرفى علاقة العمل بالضوابط المبينة سلفًا، والتى تحقق التوازن في علاقة العمل بين أطرافها، وهو ما يتفق مع الأهداف التى تغيّا المشرع تحقيقها بالنص المطعون فيه الذى ترتكن أحكامه إلى أسس موضوعية تبررها، بما لا مخالفة في ذلك لمبدأي المساواة وتكافؤ الفرص التى حرص الدستور على كفالتهما في المواد (4، 9، 54) منه.
وحيث إن الدستور قد كفل في المادتين (12، 13) منه حق العمل والحفاظ على حقوق العمال، ومن ثم فلا يجوز للدولة أن تعطل جوهرها، ولا أن تتخذ من حمايتها للعامل موطئًا لإهدار حقوق يملكها، وعلى الأخص تلك التي تتصل بالأوضاع التي ينبغي أن يُمارس العمل فيها، ويندرج تحتها الحق في الإجازة السنوية التي لا يجوز لجهة العمل أن تحجبها عن عامل يستحقها، وإلا كان ذلك منها عدوانًا على صحته البدنية والنفسية، وإخلالاً بأحد التزاماتها الجوهرية التي لا يجوز للعامل بدوره أن يتسامح فيها، ونكولاً عن الحدود المنطقية التى ينبغي وفقًا للدستور أن تكون إطارًا لحق العمل.
وحيث إن الدستور قد أكد في المادتين (27، 28) منه أهمية الاستثمار وتشجيعه، وتوفير المناخ الجاذب له، وجعل ذلك التزامًا دستوريًّا على الدولة، وهدفًا للنظام الاقتصادي تسعى إلى تحقيقه من خلال خطة التنمية التي تضعها تنفيذًا له، كما اعتبر الحفاظ على حقوق العاملين أحد أهداف هذا النظام، وعنصرًا جوهريًّا في تحقيق التوازن بين مصالح الأطراف المختلفة في علاقة العمل، وقيدًا على كل تشريع يتم إقراره، ويتناول بالتنظيم أيًّا من تلك الحقوق، وفى هذا الإطار ضمَّن الدستور نص المادة (92) منه قيدًا عامًا على سلطة المشرع التقديرية في مجال تنظيم ممارسة الحقوق والحريات بألا يترتب على ذلك تقييد ممارستها بما يمس أصلها وجوهرها، وإلا وقع في حومة مخالفة الدستور. متى كان ذلك، وكان الحفاظ على حقوق العمال، ومنها الحق في المقابل النقدي لرصيد إجازاته الذى قرره النص المطعون فيه، من شأنه تحقيق التوازن في علاقة العمل، ويؤدى إلى استقرارها، وهو أحد الدعائم الأساسية في دفع عجلة الإنتاج في المشروعات المختلفة، وتشجيع الاستثمار فيها، وتحفيز القطاع الخاص لأداء دوره في خدمة الاقتصاد الوطني والمجتمعي، ومن ثم لا يتضمن النص المطعون فيه مخالفة لنصوص المواد (13، 27، 28، 33، 36) من الدستور.
وحيث إن النص المطعون فيه في حدود النطاق المتقدم ذكره لا يخالف أي نص آخر في الدستور، الأمر الذى يتعين معه القضاء برفض الدعوى.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة برفض الدعوى، وبمصادرة الكفالة، وألزمت المدعى المصروفات ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.