الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 3 ديسمبر 2018

الطعن 1171 لسنة 51 ق جلسة 27 / 12 / 1984 مكتب فني 35 ج 2 ق 428 ص 2263


برياسة السيد المستشار/ يوسف أبو زيد، نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين/ عزت حنورة، نائب رئيس المحكمة، محمد نبيل البناوي، أحمد نصر الجندي وريمون فهيم إسكندر.
-----------
- 1  إيجار "إيجار ملك الغير".
الإيجار الصادر من غير المالك أو من له حق التعامل في منفعته . صحيح بين طرفيه . عدم نفاذه في حق مالكه أو من له الحق في الانتفاع به . بقاء المستأجر غاصبا للعين المؤجرة مالم يجز الإجارة صاحب الحق في التأجير .
الإيجار الصادر من شخص لا يملك الشيء المؤجر و ليس له الحق في التعامل في منفعته و إن وقع صحيحاً بين طرفيه إلا أنه لا ينفذ في حق مالكه أو من له الحق في الانتفاع به إلا بإجازة هذا الأخير له ، فإن لم يجزه ظل المستأجر بالنسبة له غاصباً للعين المؤجرة .
- 2  وكالة "تجاوز حدود الوكالة". "الوكالة الظاهرة".
التصرفات التي يبرمها الوكيل خارج نطاق الوكالة . الأصل عدم نفاذها في حق الموكل إلا بالإجازة . استثناء تصرفات الوكيل الظاهر مع الغير حسن النية . شرطه . قيام مظهر خارجي خاطئ منسوب إلى الموكل انخدع به الغير دون خطأ أو تقصير منه في استطلاع الحقيقة .
الأصل - و على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن التصرفات التي يبرمها الوكيل خارج نطاق وكالته لا تنفذ في حق الموكل ما لم يجزها هذا الأخير ، و خروجاً على هذا الأصل يعتبر الوكيل الظاهر نائباً عن الموكل فينفذ في حقه التصرف الذى يبرمه متى ثبت قيام مظهر خارجي خاطئ منسوب إلى الموكل و أن الغير الذى تعامل مع الوكيل الظاهر قد انخدع بمظهر الوكالة الخارجي دون أن يرتكب خطأ أو تقصيراً في استطلاع الحقيقة .
--------
الوقائع
وحيث إن الوقائع – على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق – تتحصل في أن الطاعنين أقاما الدعوى رقم 6389 سنة 1978 مدني كلي طنطا على المطعون ضدهم طالبين الحكم بإلزامهم بأن يدفعوا لهما مبلغ 1875 جنيه، وقالا بيانا لها أنهما يملكان أطيانا زراعية مساحتها 12س/ 11ط/ 2ف محددة بموجب عقد تخارج مؤرخ 5/8/1956 وأن المطعون ضده الأول – الذي كان حارساً قضائياً على أعيان تركة مورثهما – قام بتمكين باقي المطعون ضدهم من وضع يدهم على أطيانهما دون وجه حق مستغلاً في ذلك التوكيل الصادر منهما إليه والخاص بالاتفاق مع زوجة مورثهما على أعيان التركة، وإذ كانا يقدران ريع هذه الأطيان خلال الفترة من 1/1/1974 حتى 31/12/1978 بالمبلغ المطالب به فقد أقاما الدعوى ليحكم لهما بطلباتهما، ندبت المحكمة خبيراً في الدعوى وبعد أن أودع تقريره قضت بتاريخ 26/4/1980 برفض الدعوى، استأنف الطاعنان هذا الحكم لدى محكمة استئناف طنطا بالاستئناف رقم 386 س 30ق طالبين إلغاءه والحكم لهما بطلباتهما، بتاريخ 5/3/1981 قضت المحكمة بتأييده، طعن الطاعنان في هذا الحكم بطريق النقض وأودعت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي بنقض الحكم عرض الطعن على المحكمة في غرفة مشورة فحددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
-----------
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة
وحيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية
وحيث إن الطعن أقيم على ستة أسباب ينعى الطاعنان بالأولين منها على الحكم المطعون فيه القصور ومخالفة القانون وفي بيان أولهما يقولان أن إيجار ملك الغير وإن كان صحيحا بين عاقديه إلا أنه غير نافذ في مواجهة المالك، وأنهما تمسكا بأن التوكيل الصادر منهما إلى المطعون ضده الأول لا يتيح له تأجير أطيانهما وأن عقود الإيجار الصادرة منه غير نافذة في مواجهتهما باعتبارها المالكين للأطيان المؤجرة، وإذ اعرض الحكم عن بحث هذا الدفاع وأقام قضاءه على انتفاء غصب المطعون ضدهم من الثاني للأخير للأطيان موضوع النزاع لمجرد استئجارهم لها من المطعون ضده الأول غير المالك لها ورغم أن هذه العقود غير نافذة في مواجهتهما يكون فضلا عن قصوره قد خالف القانون، وفي بيان السبب الثاني يقول أن الوكالة الظاهرة لا تقوم إلا إذا أثبت الغير أنه كان حسن النية في تعامله مع مدعي الوكالة وأن المظهر الخارجي للموكل من شأنه أن يجعل الغير معذورا في اعتقاده بوجود الوكالة دون خطأ أو تقصير منه، وهو ما لم يقم المطعون ضدهم بإثباته، وإذ أقام الحكم المطعون فيه قضاءه - بالرغم من ذلك - على أن المطعون ضده الأول كان وكيلا عنهما وكالة ظاهرة في عقود الإيجار التي أبرمها دون أن يعني باستظهار توافر شروط هذه الوكالة يكون معيبا بالقصور
وحيث إن هذا النعي في محله، ذلك أنه لما كان الإيجار الصادر من شخص لا يملك الشيء المؤجر وليس له الحق في التعامل في منفعته وأن وقع صحيحا بين طرفيه إلا أنه لا ينفذ في حق مالكه أو من له الحق في الانتفاع به إلا بإجازة هذا الأخير له فإن لم يجزه ظل المستأجر بالنسبة له غاصبا للعين المؤجرة، وكان الأصل - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن التصرفات التي يبرمها الوكيل خارج نطاق وكالته لا تنفذ في حق الموكل ما لم يجزها هذا الأخير، وخروجا على هذا الأصل يعتبر الوكيل الظاهر نائبا عن الموكل فينفذ في حقه التصرف الذي يبرمه متى ثبت قيام مظهر خارجي خاطئ منسوب إلى الموكل وأن الغير الذي تعامل مع الوكيل الظاهر قد انخدع بمظهر الوكالة الخارجي دون أن يرتكب خطأ أو تقصيرا في استطلاع الحقيقة، لما كان ذلك فإن الحكم المطعون فيه إذ اعتبر المطعون ضده الأول وكيلا عن الطاعنين وكالة ظاهرة في تأجير أطيانهما بمجرد قوله "فيكفي أن يكون هناك وكالة ظاهرة لتبيح التأجير المنتج لآثاره القانونية والذي ينفي وجود الغصب" ورتب على ذلك نفاذ عقود الإيجار في حق الطاعنين وانتفاء غصب المستأجرين للأطيان المؤجرة بها دون أن يتثبت من توافر شروط الوكالة الظاهرة يكون معيبا بالقصور، وإذ حجب الحكم بذلك نفسه عن بحث أثر عدم اتساع وكالة المطعون ضده الأول لتأجير الأطيان الطاعنين ثم أطلق القول بأن مجرد قيام تلك العقود ينتفي به غصب المستأجرين للأطيان المؤجرة بها يكون فضلا عن قصوره قد خالف القانون
وحيث إن الطاعنين ينعيان بالسبب الثالث على الحكم المطعون فيه مخالفة الثابت بالأوراق وفي بيانه يقولان أن الحكم الابتدائي - الذي أحال إلى أسباب الحكم المطعون فيه - أقام قضاءه برفض الدعوى على أن المطعون ضده السابع يستأجر الأطيان التي يضع اليد عليها معولا في ذلك على ما أورده الخبير في تقريره، حال أن هذا التقرير قد انتهى إلى أن المطعون ضده السابع يضع يده على مساحة 19س بدون سند قانوني وهو ما يعيبه بمخالفة الثابت بالأوراق
وحيث إن هذا النعي في محله، ذلك أن البين من مدونات الحكم الابتدائي - الذي أحال إلى أسبابه الحكم المطعون فيه - أنه بعد أن أثبت النتيجة التي خلص إليها الخبير في تقريره وأخذ بها أورد قوله "البين من تقرير الخبير المقدم في الدعوى والذي اطمأنت إليه المحكمة أن المدعي عليهم - المطعون ضدهم عدا الأول - يضعون اليد على الأطيان موضوع النزاع بموجب عقود إيجار صادرة من مورث المدعيين ومن المدعى عليه الأول - المطعون ضده الأول - بصفته وكيلا عن المدعيين ومفوضا عنهما بموجب خطاب تفويض صادر للمدعي عليهم من المدعي الأول - الطاعن الأول - وكذلك بصفته مالكا على الشيوع مع المدعيين في بعض المساحات"، لما كان ذلك وكان الثابت من تقرير الخبير أنه قد خلص إلى أن المطعون ضده السابع يضع اليد على مساحة 19س من أطيان الطاعنين دون سند قانوني، فإن الحكم المطعون فيه إذ أقام قضاءه بالنسبة للمطعون ضده السابع على ما نسبه إلى تقرير الخبير من قول بأن ذلك المطعون ضده يستأجر الأطيان التي يضع يده عليها يكون قد خالف الثابت بالأوراق
وحيث إن الطاعنين ينعيان في السبب الرابع على الحكم المطعون فيه الفساد في الاستدلال وفي بيان ذلك يقولان أن الخبير قد خلص إلى أن المطعون ضده السادس يستأجر من مورثهما الأطيان التي يضع اليد عليها واستدل على قيام العلاقة الإيجارية من مجرد ثبوت وضع يده على هذه الأطيان عند تسليمها للحارس القضائي، وإذ كانت هذه الواقعة لا تؤدي حتما إلى ثبوت قيام العلاقة الإيجارية، فإن الحكم المطعون فيه إذ عول على هذا التقرير وحده في إثباتها ورتب على ذلك قضاءه برفض الدعوى يكون معيبا بالفساد في الاستدلال
وحيث إن هذا النعي في محله، ذلك أنه لما كان الثابت من تقرير الخبير أنه قد خلص إلى أن المطعون ضده السادس يستأجر من مورث الطاعنين مساحة 14س/ 1ط من أطيانهما واستدل على قيام هذه العلاقة الإيجارية من ثبوت وضع يده على هذه الأطيان عند تسليمها إلى المطعون ضده الأول مع باقي أعيان التركة التي عين حارسا قضائيا عليها، وكان مجرد وضع يد المطعون ضده السادس على هذه الأطيان لا يفيد حتما استئجاره لها ولا يؤدي إلى النتيجة التي رتبها عليها تقرير الخبير، فإن الحكم الابتدائي - المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه - إذ أقام قضاءه برفض الدعوى بالنسبة للمطعون ضده السادس على سند من استئجاره لأطيان الطاعنين التي يضع يده عليها معولا في ذلك على نتيجة تقرير الخبير وحدها يكون معيبا بالفساد في الاستدلال
ولما تقدم يتعين نقض الحكم دون حاجة إلى بحث باقي أسباب الطعن.

الطعن 1004 لسنة 49 ق جلسة 27 / 12 / 1984 مكتب فني 35 ج 2 ق 427 ص 2258


برياسة السيد المستشار/ أحمد كمال سالم، نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين/ محمد رأفت خفاجي، الحسيني الكناني، محمد فؤاد شرباش، ودكتور محمد فتحي نجيب.
------------
- 1  إيجار "إيجار الأماكن" "بيع الجدك" "الإخلاء لتغيير الاستعمال". حكم "عيوب التدليل".
بيع الجدك . استثناء من الأصل المقرر بحظر التنازل عن الإيجار . شرطه ثبوت الصفة التجارية للنشاط الذى كان يزاوله المتنازل وقت إتمام بيع المتجر أو المصنع . العبرة بحقيقة الواقع . مخالفة هذا النشاط للغرض من الاستعمال المتفق عليه بعقد الإيجار . لا اثر له . المادة 2/594 مدنى
يدل نص المادة 594/2 من القانون المدني - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - على أن المشرع أباح للمستأجر التنازل عن الإيجار بالمخالفة للشرط المانع له من ذلك، إذا كان قد أنشأ في العقار المؤجر متجراً أو مصنعاً بشرط أن تثبت الصفة التجارية للنشاط الذي كان يزاوله المتنازل وقت إتمام بيع المتجر أو المصنع، والعبرة في ذلك هي بحقيقة الواقع وليس بما أثبت بعد البيع، أو بما أفصح عنه في عقد الإيجار غرضاً للاستعمال، بمعنى أن العين إذا أجرت لإقامة متجر أو مصنع فيها وقعد المستأجر عن ذلك واستعملها في غرض مخالف، فليس له أن - يبيعها جدكاً متذرعاً بما أثبت بعقد الإيجار غرضاً للاستعمال، كما أنه إذا أنشأ المستأجر متجراً أو مصنعاً بالعين خلافاً لغرض الاستعمال المتفق عليه، فإن ذلك لا يحول دون بيعها جدكاً متى توافرت الشروط المنصوص عليها في المادة 594/2 من القانون المدني، وليس من بينها أن يتفق غرض الاستعمال الوارد بالعقد مع النشاط الذي يمارس في العين وقت بيعها جدكاً.
- 2  إيجار "إيجار الأماكن" "بيع الجدك" "الإخلاء لتغيير الاستعمال". حكم "عيوب التدليل".
مخالفة غرض الاستعمال المتفق عليه بعقد الإيجار المنطوي على إساءة لا يحول بين المؤجر وطلب الإخلاء اذا ما تحقق سببه.
و لا يحول ذلك بين المؤجر و بين طلب الإخلاء لتغيير الاستعمال المنطوي على الإساءة إذا ما تحقق سببه .
- 3  إيجار "إيجار الأماكن" "بيع الجدك" "الإخلاء لتغيير الاستعمال". حكم "عيوب التدليل".
اعتداد الحكم المطعون فيه بالغرض من الاستعمال المتفق عليه في عقد الإيجار دون الواقع الفعلي للنشاط وقت البيع . خطأ في القانون .
وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر، واعتد بما اتفق عليه الطرفان في عقد الإيجار غرضاً للاستعمال دون الواقع الفعلي للنشاط وقت البيع، فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون وحجبه هذا الخطأ عن البحث فيما إذا كان تغيير وجه الاستعمال الذي طرأ على العين بعد تأجيرها يجيز للمطعون ضده الأول طلب إخلائها، ومدى توافر الشروط المنصوص عليها في المادة 594/2 من القانون المدني فشابه القصور.
---------
الوقائع
وحيث إن الوقائع تتحصل – على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق – في أن المطعون ضده الأول أقام الدعوى رقم 1609 لسنة 1977 مدني كلي إسكندرية على الطاعنين وباقي المطعون ضدهم، طلب فيها الحكم بإخلاء العين المبينة بالصحيفة وتسليمها له خالية مما يشغلها، وقال بيانا لدعواه، أنه بموجب عقد إيجار مؤرخ أول يونيه سنة 1982 استأجرت منه المطعون ضدها الخامسة تلك العين، وهي عبارة عن محلين، لاستخدامهما جراجا خاصا لنفسها، إلا أنها كونت شركة تجارية مع آخرين لاستعمال العين استغلالا تجاريا، وأجرت الشركة العين للمطعون ضده الثاني، ثم قامت المطعون ضدها الخامسة بتكوين شركة ثانية مع آخرين، وقامت الشركة الأخيرة ببيع العين بالجدك للمطعون ضدهما الثاني والثالث، اللذان قاما بدورهما بتأجير جزء من العين للمطعون ضده الرابع، ثم باعا العين بكاملها بالجدك للطاعنين، اللذان باعا جزءا منها بالجدك للمطعون ضده الرابع، وأضاف المطعون ضده الأول في دعواه، أن ما قامت به المستأجرة الأصلية – المطعون ضدها الخامسة – وقع مخالفا لشروط عقد الإيجار مما حدا به إلى إقامة دعواه. بتاريخ 28/3/1978 حكمت محكمة إسكندرية الابتدائية بإخلاء العين محل النزاع من الطاعنين والمطعون ضدهم، عدا الأول، وتسليمها لهذا الأخير استأنف الطاعن الأول هذا الحكم بالاستئناف رقم 410 لسنة 34ق، ثم تدخل الطاعن الثاني خصما منضما للمستأنف، وبتاريخ 18/3/1979 قضت محكمة استئناف الإسكندرية بقبول تدخل الطاعن الثاني، وبرفض الاستئناف. طعن الطاعنان في هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن، وإذ عرض الطعن على المحكمة في غرفة مشورة حددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
-----------
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية
وحيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه، في السبب الأول، الخطأ في تطبيق القانون، وفي بيان ذلك يقول، أن الحكم أقام قضاءه على أن الثابت من عقد إيجار العين محل النزاع، إنها أجرت للمطعون ضدها الخامسة لاستعمالها جراجا خاصا لها، بما يجعل هذه الإجارة محكومة بعقد الإيجار وقانون إيجار الأماكن الذي وقع التأجير في ظله، وهو القانون رقم 52 لسنة 1969، وإذ تنازلت المطعون ضدها الخامسة عن هذا العقد للغير، وأعقب هذا التنازل تنازلات أخرى عن ذات العقد، ولم تقدم المطعون ضدها الخامسة ما يفيد صدور إذن كتابي صريح لها من المالك يجيز لها التنازل عن العقد، فإنها تكون قد خالفت حكم الفقرة (ب) من المادة 23 من القانون 52 لسنة 69، والتي تجيز الإخلاء لهذا السبب، وذلك دون حاجة للتعرض لحكم المادة 594/2 من القانون المدني، التي يقتصر محال أعمالها على الحالات التي يكون القصد من التأجير فيها إنشاء متجر أو مصنع في العين المؤجرة، وأضاف الطاعن أن هذا الذي أقام الحكم عليه قضاءه، خطأ في تطبيق القانون، لأن العبرة في توافر شروط بيع الجدك، هي حقيقة الواقع بالنسبة للعين محل العقد وقت البيع، دون ما نظر إلى الغرض الذي أجرت من أجله ابتداء، وإذ عول الحكم المطعون فيه على الغرض المسمى في عقد الإيجار دون نظر لطبيعة العين وقت البيع، فقد حجبه هذا الفهم الخاطئ للقانون عن التحقق من شروط بيع الجدك
وحيث إن هذا النعي صحيح، ذلك أن النص في المادة 594/2 من القانون المدني على أنه: "... إذا كان الأمر خاصا بإيجار عقد أنشئ به مصنع أو متجر، واقتضت الضرورة أن يبيع المستأجر هذا المصنع أو المتجر جاز المحكمة بالرغم من وجود هذا الشرط المانع أن تقضى بإبقاء الإيجار إذا قدم المشتري ضمانا كافيا ولم يلحق المؤجر من ذلك ضرر محقق" - يدل وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - على أن المشرع أباح للمستأجر التنازل عن الإيجار بالمخالفة للشرط المانع له من ذلك، إذا كان قد أنشأ في العقار المؤجر متجرا أو مصنعا، بشرط أن تثبت الصفة التجارية للنشاط الذي كان يزاوله المتنازل وقت إتمام بيع المتجر أو المصنع، والعبرة في ذلك هي بحقيقة الواقع، وليس بما أثبت بعقد البيع، أو بما أفصح عنه في عقد الإيجار غرضا للاستعمال بمعنى أن العين إذا أجرت لإقامة متجر أو مصنع فيها وقعد المستأجر عن ذلك واستعملها في غرض مخالف، فليس له أن يبيعها جدكا متذرعا بما أثبت بعقد الإيجار غرضا للاستعمال. كما أنه إذا أنشأ المستأجر متجر أو مصنعا بالعين خلافا لغرض الاستعمال المتفق عليه، فإن ذلك لا يجول دون بيعها جدكا متى توافرت الشروط المنصوص عليها في المادة 594/2 من القانون المدني، وليس من بينها أن يتفق غرض الاستعمال الوارد بالعقد مع النشاط الذي يمارس في العين وقت بيعها جدكا، ولا يحول ذلك بين المؤجر وبين طلب الإخلاء لتغيير الاستعمال المنطوي على الإساءة إذا ما تحقق سببه. وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر، واعتد بما اتفق عليه الطرفان في عقد الإيجار غرضا للاستعمال دون الواقع الفعلي للنشاط وقت البيع، فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون، وحجبه هذا الخطأ عن البحث فيما إذا كان تغيير وجه الاستعمال الذي طرأ على العين بعد تأجيرها يجيز للمطعون ضده الأول طلب إخلائها، المنصوص عليها في المادة 594/2 من القانون المدني فشابه القصور، بما يوجب نقضه دون حاجة لبحث باقي أسباب الطعن.

الطعنان 14452 ،14297 لسنة 76 ق جلسة 18 / 1 / 2016

برئاسة السيد القاضي / يحيى جلال نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة القضـاة / عبد الصبور خلف الله , مجدى مصطفى ، على جبريل نواب رئيس المحكمة وياسر فتح الله العكازى .
------------
(1 ،2) حكم " حجية الأحكام : حجية الحكم الجنائى " .
   (1) حجية الحكم الجنائى أمام المحاكم المدنية . مناطه . الوقائع التى كان فصل المحكمة الجنائية فيها ضرورياً لقيام الحكم الجنائى . أساسها . حجيته المطلقة على الكافة . علة ذلك . مؤداه . امتناع المحكمة المدنية مخالفة الحكم الجنائي . المادتان 456 أ ج ، 102 إثبات .
 (2) قضاء الحكم المطعون فيه برفض تسليم الطاعنين المشغولات الذهبية موضوع التداعي استناداً لخلو الأوراق من دليل على استلام المطعون ضده الأول لها رغم ثبوت واقعة التسليم لحساب الطاعنين بقضاء الحكم الجنائي . مخالفة للقانون . علة ذلك .
(3) حيازة " أنواع الحيازة : الحيازة فى المنقول " .
 رد الأشياء المضبوطة لحائزها وقت ضبطها . شرطه . عدم قيام منازعة أو شك فيمن له حق تسلمها . قيام المنازعة أو وجود الشك . مؤداه . وجوب العرض على محكمة الجنح المستأنفة منعقدة فى غرفة المشورة . جواز إحالتها للمحكمة المدنية . علة ذلك . المحكمة المدنية . التزامها بحث أصل الحق للفصل فيمن له حق تسلمها . المواد 107،105،102 ق أ ج . مخالفة الحكم المطعون فيه ذلك النظر . خطأ .
ـــــــــــــــــــــــــ
  1- المقرر - فى قضاء محكمة النقض – أن مؤدى نص المادتين 456 من قانون الإجراءات الجنائية و102 من قانون الإثبات يدل على أن الحكم الصادر فى موضوع الدعوى الجنائية بالبراءة أو الإدانة تكون له حجية ملزمة أمام المحاكم المدنية فى الوقائع التى كان فصل المحكمة الجنائية فيها ضرورياً لقيام الحكم الجنائى ، وهـذه الـحـجية ليس أساسها قوة الأمر المقضى لاتحاد الخصوم والسبب والموضوع فى الدعويين المدنية والجنائية بل مردها ما للحكم الجنائى من حجية مطلقة على الكافة ومنهم أطراف الخصومة فى الدعوى المدنية ، وذلك لما قرره الشارع فى الإجراءات الجنائية من سلطة واسعة للمحاكم الجنائية فى تحرى الحقيقة وضمانات أكفل بإظهارها فى الدعوى الجنائية لتعلقها بأرواح الناس وحرياتهم وأعراضهم مما يتصل بمصلحة الجماعة لا مجرد فرد من أفرادها ، وكانت العلة التشريعية من تقرير حجية الحكم الجنائى هو درء احتمال وقوع تناقض بين الحكمين المدنى والجنائى فى المسألة الواحدة عينها بما يخل بالثقة الواجبة فى أحكام القضاء ويضر بالعدالة باعتبار أن الحكم القضائى جنائياً كان أم مدنياً هو عنوان الحقيقة ودليلها وأدلة الحق لا تتعارض ولا تتناقض بل يصدق بعضها بعضا ، ومن ثم يمتنع على المحكمة المدنية مخالفة الحكم الجنائى بإثبات واقعة نفتها المحكمة الجنائية  أو أن تنفى أمراً قضت بثبوته مادام أن بحثها لهذه الواقعة أو هذا الأمر كان لازماً للفصل فى الدعوى الجنائية بالإدانة أو البراءة .
   2- إذ كان الثابت من الصورة الرسمية – المقدمة من الطاعنين أمام محكمة الموضوع – للحكم الصادر من محكمة النقض فى الطعن رقم .... لسنة 72 ق أنه قد دان الطاعنين لأنهم قاموا بتسليم المطعون ضده الأول المشغولات الذهبية المضبوطة وقدموا له ولآخرين وعدا بدفع مبلغ جنيهين ونصف عن كل جرام منها على سبيل الرشوة مقابل دمغ هذه المشغولات المملوكة لهم بأختام مصلحة دمغ المصوغات والموازين خارج نطاق هذه المصلحة ، وكان البين من مدونات هذا الحكم أن المحكمة الجنائية قد عرضت لبحث واقعة التسليم السالفة البيان باعتبارها مسألة لازمة للفصل فى ثبوت أو نفى الجريمة المنسوبة إلى الطاعنين والمطعون ضده الأول وخلصت إلى ثبوتها ثبوتاً لا يخالطه الريب بناءً على ما عددته من أدلة وساقته من شواهد واتخذت منها عماداً لقضائها بالإدانة فإن واقعة تسلم المطعون ضده الأول المشغولات الذهبية من الطاعنين على النحو سالف البيان قد أصبحت أمراً مقضياً بصدور ذلك الحكم الجنائى ، وهو ما يعتبر دالاً بالاقتضاء على أن حيازة المطعون ضده الأول للمشغولات الذهبية وقت ضبطها هى حيازة عرضية وقتية لحساب الطاعنين فلا يجوز له أن يحتج بهذه الحيازة قبلهم ، ولا يملك أن يغير بنفسه لنفسه سبب حيازته ولا الأصل الذى تقوم عليه هذه الحيازة ، وإذ أقام الحكم المطعون فيه قضاءه برفض طلب الطاعنين تسليمهم المشغولات الذهبية موضوع الـتـداعى عـلى خلـو الأوراق من دلـيـل عـلى تـسـلـيـمـهم هذه المشغولات للمطعون ضده الأول فإنه يكون قد ناقض جـوهـر الـحـكـم الـجـنـائـى الـذى تـقـدم بـيـانـه آنـفـاً وأهدر حجيته بنفى واقعة التسليم التى أثبتتها المحكمة الجنائية ، وكانت مسألة أساسية لازمة لقضائها بالإدانة فإنه يكون قد خالف القانون .
   3- مؤدى نصوص المواد 107،105،102 من قانون الإجراءات الجنائية تدل على أن رد الأشياء المضبوطة إلى من كانت فى حيازته وقت ضبطها مشروط بعدم قيام منازعة أو وجود شك فيمن له حق تسلمها فعلى الحالين يمتنع على النيابة العامة وقاضى التحقيق الأمر بالرد ، ويجب عرض الأمر على محكمة الجنح المستأنفة منعقدة فى غرفة مشورة ، ولها متى ارتأت أن النزاع حول من له أحقية تسلم المضبوطات يحسن طرحه على القضاء المدنى – أن تحيل الخصوم للتقاضى أمام المحكمة المدنية – كما هو الحال فى الدعوى الراهنة ، وفى هذه الحالة يتعين على المحكمة المدنية بحث أصل الحق توصلاً إلى الفصل فيمن له حق تسلم الأشياء المضبوطة ، وإذ خالف الحكم المطعون فيه القواعد المتقدمة وقصر نظره على ظاهر نص المادة 102 من قانون الإجراءات دون أن يعرض لسائر النصوص – وخاصة المادتين 105 ، 107 من هذا القانون – التى تتناول نفس الموضوع والاستهداء بها جميعاً للتوصل إلى الحكم القانونى الصحيح ، واتخذ من نص المادة 102 سند لقضائه برغم أن قيام النزاع بين الخصوم فيمن له حق تسلم المشغولات الذهبية المضبوطة ورفع الأمر إلى محكمة الجنح المستأنفة منعقدة فى غرفة مشورة التى قررت إحالة الخصوم إلى المحكمة المدنية يحول دون تطبيق ذلك النص الذى يتوقف إعمال حكمه – وعلى ما سلف بيانه – على انتفاء النزاع حول ملكية الأشياء المضبوطة فإن الحكم المطعون فيه يكون معيباً أيضاً بالخطأ فى تطبيق القانون .
ـــــــــــــــــــــــــ
المحكمة
   بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذى تلاه السيد القاضى المقـرر  والمرافعة ، وبعد المداولة .
      حيث إن الطعنين استوفيا أوضاعهما الشكلية .
   وحيث إن وقائع الطعنين – على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق – تتحصل فى أن الطاعن والمطعون ضدهم الثلاثة الأول فى الطعن رقم .... لسنة 76 ق تقدموا بطلبات إلى النيابة العامة لتسلم المشغولات الذهبية وفقاً لحكم محكمة النقض الصادر فى الطعن رقم .... لسنة 72 ق ولإثارة النزاع حول ملكيتها أحيلت إلى محكمة الجنح المستأنفة منعقدة فى غرفة المشورة والتى أحالته لمحكمة شمال القاهرة الابتدائية حيث تم قيدها برقمى .... ، .... لسنة 2004 مدنى وحكمت للطاعن والمطعون ضدهما الثانى والثالث فى الطعن رقم .... لسنة 76 ق بالطلبات . استأنف المطعون ضده الأول هذا الحكم لدى محكمة استئناف القاهرة بالاستئناف رقم .... لسنة 9 ق ، وبتاريخ ../../2006 قضت بإلغاء الحكم المستأنف وبتسليم المطعون ضده الأول المشغولات الذهبية . طعن الطاعن فى الطعن رقم .... لسنة 76 ق والطاعنان فى الطعن رقم .... لسنة 76 ق فى هذا الحكم بطريق النقض ، وقدمت النيابة فى كل منهما مذكرة أبدت فيها الرأى بنقض الحكم المطعون فيه ، وإذ عُرض الطعنان على هذه المحكمة فى غرفة مشورة ، قررت ضمهما للارتباط ، وحددت جلسة لنظرهما ، وفيها التزمت النيابة رأيها .
        حيث إن حاصل ما ينعاه الطاعنون بأسباب الطعنين رقمى .... ، .... لسنة 76 ق على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ فى تطبيقه وفى بيان ذلك يقولون إنه رفض تسليمهم المشغولات الذهبية المضبوطة فى قضية الجناية رقم .... لسنة 1992 عين شمس على سند من أنها كانت فى حيازة المطعون ضده الأول وقت ضبطها بما يوجب ردها إليه إعمالاً لنص المادة 102 من قانون الإجراءات الجنائية وخلو الأوراق من دليل على أنهم سلموها له قبل الضبط ، فى حين أن ملكيتهم لتلك المشغولات الذهبية وقيامهم بتسليمها للمطعون ضده الأول لدمغها خارج نطاق مصلحة دمغ المصوغات والموازين مسألة حسمها الحكم الصادر من محكمة النقض فى الطعن رقم .... لسنة 72 ق الذى أسس قضاءه بإدانة الطاعنين والمطعون ضده الأول على ثبوت تلك الواقعة فيكون الحكم المطعون فيه قد خالف حجية هذا الحكم الجنائى الذى قطع فى أسبابه المرتبطة بالمنطوق بملكيتهم للمضبوطات المار بيانها وبأن حيازة المطعون ضده الأول لها عرضية مما يعيبه ويستوجب نقضه .
        وحيث إن هذا النعى سديد ، ذلك بأنه لما كان مؤدى نص المادتين 456     من قانون الإجراءات الجنائية و102 من قانون الإثبات – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – أن الحكم الصادر فى موضوع الدعوى الجنائية بالبراءة أو الإدانة تكون له حجية ملزمة أمام المحاكم المدنية فى الوقائع التى كان فصل المحكمة الجنائية فيها ضرورياً لقيام الحكم الجنائى ، وهـذه الـحـجية ليس أساسها قوة الأمر المقضى لاتحاد الخصوم والسبب والموضوع فى الدعويين المدنية والجنائية بل مردها ما للحكم الجنائى من حجية مطلقة على الكافة ومنهم أطراف الخصومة فى الدعوى المدنية ، وذلك لما قرره الشارع فى الإجراءات الجنائية من سلطة واسعة للمحاكم الجنائية فى تحرى الحقيقة وضمانات أكفل بإظهارها فى الدعوى الجنائية لتعلقها بأرواح الناس وحرياتهم وأعراضهم مما يتصل بمصلحة الجماعة لا مجرد فرد من أفرادها . وكانت العلة التشريعية من تقرير حجية الحكم الجنائى هو درء احتمال وقوع تناقض بين الحكمين المدنى والجنائى فى المسألة الواحدة عينها بما يخل بالثقة الواجبة فى أحكام القضاء ويضر بالعدالة باعتبار أن الحكم القضائى جنائياً كان أم مدنياً هو عنوان الحقيقة ودليلها وأدلة الحق لا تتعارض ولا تتناقض بل يصدق بعضها بعضا ، ومن ثم يمتنع على المحكمة المدنية مخالفة الحكم الجنائى بإثبات واقعة نفتها المحكمة الجنائية أو أن تنفى أمراً قضت بثبوته مادام أن بحثها لهذه الواقعة أو هذا الأمر كان لازماً للفصل فى الدعوى الجنائية بالإدانة أو البراءة . لما كان ذلك ، وكان الثابت من الصورة الرسمية – المقدمة من الطاعنين أمام محكمة الموضوع – للحكم الصادر من محكمة النقض فى الطعن رقم .... لسنة 72 ق أنه قد دان الطاعنين لأنهم قاموا بتسليم المطعون ضده الأول المشغولات الذهبية المضبوطة وقدموا له ولآخرين وعدا بدفع مبلغ جنيهين ونصف عن كل جرام منها على سبيل الرشوة مقابل دمغ هذه المشغولات المملوكة لهم بأختام مصلحة دمغ المصوغات والموازين خارج نطاق هذه المصلحة ، وكان البين من مدونات هذا الحكم أن المحكمة الجنائية قد عرضت لبحث واقعة التسليم السالفة البيان باعتبارها مسألة لازمة للفصل فى ثبوت أو نفى الجريمة المنسوبة إلى الطاعنين والمطعون ضده الأول وخلصت إلى ثبوتها ثبوتاً لا يخالطه الريب بناءً على ما عددته من أدلة وساقته من شواهد واتخذت منها عماداً لقضائها بالإدانة فإن واقعة تسلم المطعون ضده الأول المشغولات الذهبية من الطاعنين على النحو سالف البيان قد أصبحت أمراً مقضياً بصدور ذلك الحكم الجنائى ، وهو ما يعتبر دالاً بالاقتضاء على أن حيازة المطعون ضده الأول للمشغولات الذهبية وقت ضبطها هى حيازة عرضية وقتية لحساب الطاعنين فلا يجوز له أن يحتج بهذه الحيازة قبلهم ، ولا يملك أن يغير بنفسه لنفسه سبب حيازته ولا الأصل الذى تقوم عليه هذه الحيازة ، وإذ أقام الحكم المطعون فيه قضاءه برفض طلب الطاعنين تسليمهم المشغولات الذهبية موضوع الـتـداعى عـلى خلـو الأوراق من دلـيـل عـلى تـسـلـيـمـهم هذه المشغولات للمطعون ضده الأول فإنه يكون قد ناقض جـوهـر الـحـكـم الـجـنـائـى الـذى تـقـدم بـيـانـه آنـفـاً وأهدر حجيته بنفى واقعة التسليم التى أثبتتها المحكمة الجنائية ، وكانت مسألة أساسية لازمة لقضائها بالإدانة فإنه يكون قد خالف القانون ، ولا يغير من ذلك ما قرره الحكم المطعون فيه من أن حيازة المطعون ضده الأول للمشغولات الذهبية وقت ضبطها يوجب ردها إليه وفقاً لما تقضى به المادة 102 من قانون الإجراءات الجنائية ، ذلك أن النص فى هذه المادة على أنه " يكون رد الأشياء المضبوطة إلى من كانت فى حيازته وقت ضبطها " وفى المادة 105 منه على أنه " يؤمر بالرد ولو من غير طلب . ولا يجوز للنيابة العامة ولا لقاضى التحقيق الأمر بالرد عند المنازعة ويرفع الأمر فى هذه الحالة أو فى حالة وجود شك فيمن له الحق فى تسلم الشئ إلى محكمة الجنح المستأنفة منعقدة فى غرفة المشورة بالمحكمة الابتدائية بناء على طلب ذوى الشأن لتأمر بما تراه " وفى المادة 107 من ذات القانون على أنه " للمحكمة أو لمحكمة الجنح المستأنفة منعقدة فى غرفة المشورة أن تأمر بإحالة الخصوم للتقاضى أمام المحاكم المدنية إذا رأت موجباً لذلك .... " وهذه النصوص مجتمعة تدل على أن رد الأشياء المضبوطة إلى من كانت فى حيازته وقت ضبطها مشروط بعدم قيام منازعة أو وجود شك فيمن له حق تسلمها فعلى الحالين يمتنع على النيابة العامة وقاضى التحقيق الأمر بالرد ، ويجب عرض الأمر على محكمة الجنح المستأنفة منعقدة فى غرفة مشورة ، ولها متى ارتأت أن النزاع حول من له أحقية تسلم المضبوطات يحسن طرحه على القضاء المدنى – أن تحيل الخصوم للتقاضى أمام المحكمة المدنية – كما هو الحال فى الدعوى الراهنة ، وفى هذه الحالة يتعين على المحكمة المدنية بحث أصل الحق توصلاً إلى الفصل فيمن له حق تسلم الأشياء المضبوطة ، وإذ خالف الحكم المطعون فيه القواعد المتقدمة وقصر نظره على ظاهر نص المادة 102 من قانون الإجراءات دون أن يعرض لسائر النصوص – وخاصة المادتين 105 ، 107 من هذا القانون – التى تتناول نفس الموضوع والاستهداء بها جميعاً للتوصل إلى الحكم القانونى الصحيح ، واتخذ من نص المادة 102 سند لقضائه برغم أن قيام النزاع بين الخصوم فيمن له حق تسلم المشغولات الذهبية المضبوطة ورفع الأمر إلى محكمة الجنح المستأنفة منعقدة فى غرفة مشورة التى قررت إحالة الخصوم إلى المحكمة المدنية يحول دون تطبيق ذلك النص الذى يتوقف إعمال حكمه – وعلى ما سلف بيانه – على انتفاء النزاع حول ملكية الأشياء المضبوطة فإن الحكم المطعون فيه يكون معيباً أيضاً بالخطأ فى تطبيق القانون بما يوجب نقضه .
                وحيث إن الموضوع صالح للفصل فيه ، ولما تقدم ، 
ـــــــــــــــــــــــــ

عدم اختصاص المحكمة الدستورية باستبعاد الفريق سعد الشاذلي من تكريم كبار قادة القوات المسلحة خلال حرب أكتوبر


القضية رقم 19لسنة 14 ق "دستورية " جلسة 8 /4/ 1995
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة في يوم السبت 8 ابريل سنة 1995 الموافق 8 ذو القعدة سنة 1415 هـ .
برئاسة السيد المستشار الدكتور/ عوض محمد عوض المر  رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين : الدكتور/ محمد إبراهيم أبو العينين وفاروق عبد الرحيم غنيم وعبد الرحمن نصير وسامى فرج يوسف والدكتور/ عبد المجيد فياض وعدلى محمود منصور أعضاء
وحضور السيد المستشار الدكتور/ حنفى على جبالى    رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد/ حمدى أنور صابر       أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
 في القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 19لسنة 14 قضائية " "دستورية "
المقامة من
السيد / فريق متقاعد سعد محمد الحسينى الشاذلى
ضد
1- السيد / رئيس الجمهورية
2- السيد / رئيس مجلس الوزراء
3- السيد/ وزير الدفاع
4 - السيد / رئيس مجلس الشعب
5 - السيد / رئيس مجلس الشورى
-------------
- 1  حرب أكتوبر "دور قادتها وجنودها فيها: سماتهم".

أحاط هؤلاء بنبضهم أمتهم مصر، الرائدة أبداً، الباقية خلداً، ما زاغ بصرهم عنها وما تولى، فكانوا معها، وبها، إرادة لا تلين.
ان المحكمة الدستورية العليا ـ وقبل تعرضها للمطاعن المثارة فى الدعوى الدستورية الماثلة ـ يعنيها أن تؤكد أن قادة وجنود هذا النصر العظيم فى أكتوبر ـ وبوجه خاص من أداروا حربها أعدادا وتطويراً، إقداما والتحاماً، بذلا وفداء عزما وتصميماً، جرأة واقتدارا اندفاعاً واقتحاماً، عزة وأملاً، نضالاً بالدماء وإرواء بالعرق والدموع لا يهنون ولا يتخاذلون ولا يمارون، شرعتهم الحق موئلا، وعقيدتهم النضال إصراراً جميعهم من هذه الأمة العظيمة فى أعماق قلبها، أعادوا أليها أشرافها وضياء وجهها رفعوا بإيمانهم هامتها وما تفرقوا وأقاموا لبأسها دعائم من قوة النيران ، أحاطوا بنبضهم أمتهم مصر، الرائدة، الباقية خلدا، ما زاغ بصرهم عنها وما تولى، فكانوا معها، وبها، وإرادة لا تلين ولا تقهر، تقتلع من الحياة أعداءها، وترد إليها ينابيعها، لتظل للحرية آفاقها، ولتعلو راياتهم فوق كل الجباه .
- 2  دعوى دستورية: المصلحة فيها - تشريع "القرار بقانون رقم 35 لسنة 1979 بشأن تكريم كبار قادة القوات المسلحة خلال حرب أكتوبر".
إدراج اسم المدعي بين المشمولين بهذا القرار بقانون، واقتضائه وفقاً لأحكامه، للحقوق المالية - محل دعواه الموضوعية - يفترض قيام ذلك القرار بقانون فيما نص عليه بشأنها، طلب المدعي الحكم بعدم دستورية هذا القرار بقانون في جملة أحكامه، يعني طلبه إزالة آثاره القانونية كلها، ويهدم الدعوى الموضوعية بالتالي من أساسها، عدم تحقق مصلحة المدعي من طلبه ذلك.
إدراج اسم المدعى بين المشمولين بالتكريم، أو تصدره لهم، وحصوله بالتالي على الحقوق المالية التى فصلها القرار بقانون المطعون فيه _ وهى محل دعواه الموضوعية يفترض أن يظل هذا القرار بقانون قائما فيما نص عليه بشأنها، وكان ما قرره وكيل المدعى من أن مصلحة المدعى كما تتحقق على النحو المتقدم، فإنها تتوافر كذلك، وإذا ما أبطلت المحكمة الدستورية العليا هذا القرار بقانون، حتى لا يفيد من النصوص القانونية التى تشمل عليها، من أساسها ولا يقيم بنيانها، ذلك أن الحكم بعدم دستورية هذا القرار بقانون فى مجمل أحكامه، يعنى تجريدها من قوة نفوذها، وزوال الآثار القانونية التى رتبتها، لتؤول عدما فلا تولد حقا لأحد، ولا يقوم بها مركز قانوني لا للمدعى ولا لغيره، ولتفقد الحقوق المالية _ محل دعواه الموضوعية _ دعامتها بل عن اتصال دعواه الموضوعية بالنصوص المطعون عليها شرط لقبول دعواه الدستورية على ما جرى عليه قضاء المحكمة الدستورية العليا من ان المصلحة الشخصية المباشرة فى تلك الدعوى مناطها ارتباطها بالمصلحة القائمة فى النزاع الموضوعى، وذلك بأن يكون الحكم فى المطاعن الدستورية، مؤثرا فى موضوع النزاع المتصل بها والمطروح على محكمة الموضوع .
- 3  تشريع القرار بقانون رقم 35 لسنة 1979 المشار إليه "الأغراض التي توخاها".
توخي هذا القرار بقانون أن يكون تكريم من خططوا لحرب أكتوبر وأداروها، مقصوراً على عدد محدود من بينهم "رمزاً لجموعهم" ليعهد إليهم بمهام من طبيعة استشارية.
البين من إحكام القرار المطعون فيه، وكذلك ما جاء بصدده بتقرير لجنه الأمن القومي والتي تعرض لهما المحكمة الدستورية اللازمة للفصل فى اختصاصها _ أن ما توخاه هذا القرار بقانون هو أن يكون التكريم مقصورا على عدد محدود من قادة حرب أكتوبر، يتولون بنص مادته الثانية تقديم المشورة فى الشئون العسكرية ذات الأهمية الخاصة التي يطلب منهم إبداء الرأي فيها، وذلك طوال حياتهم، ودون أن يكون تكليفهم بذلك مؤديا إلى شغلهم لوظائف محددة داخل الهيكل التنظيمي للقوات المسلحة، ليظل الباب مفتوحا أمام غيرهم ممن يستحقون الترقى إلى وظائف القيادة بذات القدرة والكفاءة التي توفرت لمن سبقهم من قادة حرب أكتوبر الباقية فى ذاكرة التاريخ أبدأ .وما تقدم يعنى، أن عددا غير قليل ممن خططوا لحرب أكتوبر وأداروها، وكانوا من كبار قادتها _ كقواد الجيوش وقواد الفرق _ لم يشملهم بقانون المطعون فيه، وغنما اقتصر التكريم على عدد محدود من بينهم، " رمزا لجموعهم " ليعهد إليهم دون غيرهم بالمهام التى حددتها المادة التى حددتها المادة الثانية من القرار المشار إليه، وهى مهام مدارها مشورة يقدمونها عند طلبها _ فى مجال الشئون العسكرية الهامة التي تمرسوا فيها وكانوا من خبرائها ولا يعتبر قصرها عليهم ملقيا بظلال من الريبة على من عداهم، أو نافيا لأهليتهم، أو إنكارا لجدارتهم أو تميزهم .

- 4  تشريع "القرار بقانون رقم 35 لسنة 1979 المشار إليه: معياره".
إدراج اسم المدعي بين الذين شملتهم المادة الأولى من القرار بقانون المشار إليه لا يستقيم إلا وفقاً لأحد معيارين:- الأقدمية أو الجدارة.
إدراج اسم المدعى بين هؤلاء الذين شملتهم المادة الأولى من القرار بقانون المطعون فيه أو على رأسهم، لا يستقيم إلا من أحد مدخلين أو وفقا لأحد معيارين أولهما : أن يكون هذا القرار بقانون _ محددا نطاقا على ضوء الأغراض التى سعى إلى تحقيقها _ منصرفا إلى عدد محدود من القاعدة، وتنظيم جميعا دائرة واحدة، تكون أقدمية الرتبة العسكرية إطارا لها وعندئذ يكون الأقدام هو ألاحق بالتقرير، ولو لم يكن هو الجدر بما أداه من جلائل العمال إبان تلك الحرب، ثانيهما : إن يكون هذا القرار بقانون، مبجلا لكل القادة الذين كان دورهم فى العمليات الحربية ظاهرا، بأن كان بلاؤهم فى التخطيط لها، أو إعدادها، أو تنفيذها مشهودا وعندئذ يكون الأجدر هو الحق بالتقدير، ولو لم يكن هو الأقدم .
- 5  تشريع "القرار بقانون رقم 35 لسنة 1979 المشار إليه: معيار الأقدمية".
ما توخاه هذا القرار بقانون، هو أن يكون تعظيم بعض القادة رمزاً لتقدير كل من قام بدور رائد في هذه الحرب، من غير المتصور أن يكون مناط التقدير عائداً إلى أقدمية الدرجة الوظيفية منظوراً إليها استقلالاً عن أية عوامل تقترن بها.
المعيار الأول لا تظاهره إحكام القرار بقانون المطعون فيه، وذلك من جهتين، اولاهما ان ما توخاه القرار بقانون حقا وقصد إليه عملا، هو أن يكون تعظيم عدد من قادة تلك الحرب رمزا لتقدير كل من قام بدور رائد فيها بما مؤداه أن انحصار التكريم فى عدد محدود من بينهم، لا يعنى أن من عداهم كانوا أقل شأنا أو جهدا، ثانيهما : أن كل تكريم يفترض تقييما موضوعيا يدور حول أعمال بذاتها يكون هو محورها و يتعين بالتالي أن يكون الأساس فيه مقاييس قوامها ما أداه نفر من القادة من أعمال تشهد بتميزهم وتؤكد نفوقهم من دون الآخرين وهو ما يقتضي وزن أعمالهم، وترتيبهم فيما بينهم على ضوئها، ولا يتصور _ من ثم _ أن يكون مناط التقدير عائدا إلى أقدمية الدرجة منظورا إليها استقلالا عن أية عوامل تتداخل معها أو تقرن بها، إذ لا شان لا قدميتهم تلك بإقدامهم أو تضحياتهم، وهو ما أكده تقرير لجنة الأمن القرمى والتعبئة القومية، حين أبان عن أن من شملهم التقدير كانوا عونا لمصر فى تحقيق نصرها العظيم من خلال مبادأتهم، وقدراتهم على إدارة العمليات الحربية الحديثة واتخاذ قراراتها السليمة بكفاءة نادرة مع تحملهم لكامل مسئولياتها، وفقا لتطوراتها ولم يكن معيار التقييم بالتالى شكليا أو جامدا .
  6- تشريع "القرار بقانون رقم 35 لسنة 1979 المشار إليه: موضوعية التقييم".
موضوعية التقييم، هي وحدها التي يمكن أن يتحقق بها التكافؤ بين المراكز القانونية المتماثلة.
 7- تشريع "القرار بقانون رقم 35 لسنة 1979 المشار إليه" - المحكمة الدستورية العليا "إعمال المقاييس الموضوعية".
إعمال هذه المحكمة للمقاييس الموضوعية التي يتحدد وفقاً لضوابطها من هو أهل للتقدير وفقاً للقرار بقانون المشار إليه يفترض أمرين: (أ‌) تناول التقييم كل الأعمال ذات الشأن في الحرب في كافة مراحلها وهو ما يخرج عن المجال الطبيعي لهذا القرار بقانون. (ب‌) أن يكون ذلك القرار بقانون مفصلاً للعناصر التي تقوم عليها هذه المقاييس، وأن يكون بيد هذه المحكمة الوسائل القضائية التي توازن بها بين هذه الأعمال، لتحديد الأجدر بالتكريم.
 8- تشريع "القرار بقانون رقم 35 لسنة 1979 المشار إليه" - المحكمة الدستورية العليا "اختصاصها".
متى كانت عناصر تقييم أعمال قادة حرب أكتوبر، دائرة ابتداءً وانتهاءً حول مسار العمليات الحربية، ونتائجها وقدر إسهام كل من القادة فيها، فإن زمام تقديرها يخرج عن اختصاص هذه المحكمة.
6، 7، 8- موضوعية التقييم هي وحدها التى تمكن أن يتحقق بها التكافؤ بين المراكز القانونية المتماثلة وهى وحدها التى يتصور أن يكفل المشرع من خلالها نوعا من المساواة القانونية بين المتماثلين جهدا وعرقا غير أن إعمال المحكمة الدستورية العليا للمقاييس الموضوعية التى يتحدد وفقا لضوابطها من يكون أهلا للتقدير _ زمن ومن ثم الحصول على الحقوق المالية التى نص عليها القرار بقانون المطعون علية _ يفترض أمرين، أولهما : إن يتناول التقييم كل أعمال التي كان لها شأن هام فى العمليات الحربية سواء فى مجال الإعداد لها أو إدارتها أو تنفيذها، وهو ما يخرج عن المجال الطبيعى لذلك القرار بقانون إذ توخى ألا يكون التقييم منصرفا إلى هؤلاء فى مجموعهم، ولا محيطا بغايتهم، بل رمزيا منحصرا فى عدد محدود من بينهم ثانيهما : أن يكون القرار المطعون فيه مفصلا للعناصر التى تقوم عليها هذه المقاييس الموضوعية، وان يكون بيد المحكمة الدستورية العليا الوسائل القضائية التى توازن بها بين هذه الأعمال على ضوء تلك المقاييس لتحدد وفقا لضوابط الأحق والجدر بالتقدير ويؤيد ذلك أن التكافؤ فى المراكز القانونية _ وهو مناط الحماية التى كفلها مبدا المساواة أمام القانون _ يفترض أحادها فى العناصر التى تكونها، فإذا كانت تلك العناصر جميعها، دائرة _ ابتداء وانتهاء _ حول مسار العمليات الحربية، ونتائجها، وقدر إسهام كل من القادة فيها، فإن زمام تقديرها يخرج عن اختصاص المحكمة الدستورية العليا .

-------------
" الإجراءات "
بتاريخ الثامن عشر من يونيو سنة 1992 أودع المدعى قلم كتاب المحكمة صحيفة الدعوى الماثلة طالباً الحكم بعدم دستورية القرار بقانون رقم 35 لسنة 1979 فيما تضمنه من "إسقاط اسمه من تاج قمة جميع مرؤوسيه أبطال حرب أكتوبر المكرمين فيه وما تضمنه من حرمانه من جميع حقوقهم وكل مميزاتهم المقررة لهم فيه".
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها، أصلياً: عدم قبول الدعوى ، واحتياطياً: رفضها.
وبعد تحضير الدعوى ، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونُظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة ، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
" المحكمة "
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة .
حيث إن الوقائع -حسبما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق- تتحصل في أن المدعى كان قد أقام أمام محكمة جنوب القاهرة دعواه الموضوعية رقم 12830 لسنة 1983 مختصماً فيها المدعى عليهما الأول والثالث في الدعوى الراهنة ، طالباً الحكم عليهما متضامنين بتقرير "حقوقه الناشئة عن انتهاء خدمته وإلزامهما بأداء هذه الحقوق إليه" وقال شرحاً لتلك الدعوى أنه عين في 16 مايو سنة 1971 رئيساً لهيئة أركان حرب القوات المسلحة ، وقامت الهيئة برئاسته بالتخطيط والإعداد لحرب أكتوبر سنة 1973، ورقى إلى رتبة الفريق في 5 يناير سنة 1972، ونال في 19 فبراير سنة 1974- وإبان عمله سفيراً لمصر في المملكة المتحدة -وسام نجمة الشرف اعتباراً من يوم السادس من أكتوبر سنة 1973 تقديراً لما قام به من إعداد وتخطيط للعمليات الحربية . واستمر يعمل سفيراً بوزارة الخارجية إلى أن أعفى من منصبه. وبتاريخ 25 يونيو سنة 1978، قامت وزارة الدفاع بتسوية معاشه اعتباراً من هذا التاريخ دون أن تخطره ببيانات حقوقه التأمينية ، وقامت بتحويل دفعات مالية إلى حسابه بالبنك الأهلي المصري بمصر الجديدة ، ثم أوقفت تحويلاتها اعتباراً من الثامن من يونيو سنة 1981 لصدور قرار من المدعى العام الاشتراكي بالتحفظ على أمواله، رغم أن أمواله التي حكم قضاء القيم بفرض الحراسة عليها لم تتضمن المعاش المستحق له، وأضاف قائلاً إنه، إذ يستحق -فضلاً عن المعاش- كامل ماهيات ومرتبات ومخصصات رئيس هيئة أركان حرب القوات المسلحة لمدى حياته واعتباراً من تاريخ انتهاء خدمته في 25 يونيو سنة 1978 تنفيذاً للقرار بقانون رقم 35 لسنة 1979 الذى صدر تكريماً لقادة حرب أكتوبر، فإنه يقيم دعواه الموضوعية بالطلبات المشار إليها آنفا. وأثناء نظر النزاع الموضوعي ، دفع بعدم دستورية القرار بقانون المشار إليه. وإذا قدرت محكمة الموضوع جدية دفعه، وصرحت له بالطعن بعدم الدستورية ، فقد أقام الدعوى الماثلة .
وحيث إن المدعى ينعى على القرار بقانون رقم 35 لسنة 1979 بشأن تكريم كبار قادة القوات المسلحة خلال حرب أكتوبر، والاستفادة من الخبرات النادرة للأحياء منهم، مخالفته لنصوص المواد (2، 8، 9، 12، 13، 40) من الدستور، وذلك فيما تضمنه هذا القرار بقانون من إسقاط اسمه من قائمة مرؤوسيه قادة حرب أكتوبر الذين تم تكريمهم، رغم حصوله على وسام نجمة الشرف بعد انتهاء العمليات الحربية تقديراً لامتيازه في مجالها تخطيطاً وإعداداً وتنفيذاً. وبذلك يكون ذلك القرار بقانون قد ألبس الحق -وهو اسم الله تعالى - بالباطل، إذ حرم من قاتل ومهد ودبر وأعد عدة القتال متقدماً على غيره، من الحقوق التى كفلها لسواه ممن هم أقل منه عملاً. وأخل بذلك بمبدأ المساواة أمام القانون، وبتكافؤ الفرص بينه وبين جميع مرؤوسيه الذين شمهلم التكريم، وإن كان هو الأحق منهم. وليس من الإسلام في شئ، ولا من العدل، ولا من الشريعة الإسلامية في مبادئها العظيمة ، ولا من الأخلاق أو الوطنية ، ولا من حق العمل، ولا من الطابع الأصيل للأسرة المصرية ، ولا من قيمها وتقاليدها وآدابها وتراثها، أن تسقط السلطتان التشريعية والتنفيذية تقديره ما للمدعى ، وأن تتغافلا عن امتيازه في التخطيط للعمليات الحربية وإدارتها وتنفيذ ها.
وحيث إن المحكمة الدستورية العليا -وقبل تعرضها للمطاعن المثارة في الدعوى الدستورية الماثلة -يعنيها أن تؤكد أن قادة وجنود هذا النصر العظيم في أكتوبر وبوجه خاص من أداروا حربها إعدادا وتطويراً، إقداماً وإلتحاماً، بذلاً وفداءً، عزماً وتصميماً، جرأة ً وإقتداراً، إندفاعاً واقتحاماً، عزة وأملاً، نضالاً بالدماء وإرواءً بالعرق والدموع. لا يهنون ولا يتخاذلون ولا يمارون، شريعتهم الحق موئلاً، وعقيدتهم النضال إصراراً. جميعهم من هذه الأمة العظيمة في أعماق قلبها، أعادوا إليها إشراقها وضياء وجهها. رفعوا بإيمانهم هامتها وماتفرقوا. وأقاموا لبأسها دعائم من قوة النيران. أحاطوا بنبضهم أمتهم مصر، الرائدة أبداً، الباقية خلداً، ما زاغ بصرهم عنها وماتولى ، فكانوا معها، وبها، إرادة لاتلين ولاتقهر، تقتلع من الحياة أعداءها وترد إليها ينابيعها، لتظل للحرية آفاقها ولتعلو راياتها فوق كل الجباه.
وحيث إن ادراج اسم المدعى بين المشمولين بالتكريم أو تصدره لهم، وحصوله بالتالى على الحقوق المالية التى فصلها القرار بقانون المطعون فيه -هى محل دعواه الموضوعية - يفترض أن يظل هذا القرار بقانون قائماً فيما نص عليه بشأنها، وكان ما قرره وكيل المدعى من أن مصلحة المدعى كما تتحق على النحو المتقدم، فإنها تتوافر كذلك إذا ما أبطلت المحكمة الدستورية العليا هذا القرار بقانون حتى لا يفيد من النصوص القانونية التى اشتمل عليها، من كانوا دونه رتبة وجهداً، مردود بأن ذلك منه يهدم دعواه الموضوعية من أساسها ولا يقيم بنيانها، ذلك أن الحكم بعدم دستورية هذا القرار بقانون في مجمل أحكامه، يعنى تجريدها من قوة نفاذها، وزوال الآثار القانونية التى رتبتها، لتؤول عدماً. فلا تولد حقاً لأحد، ولا يقوم بها مركز قانوني لا للمدعى ولا لغيره، ولتفقد الحقوق المالية - محل دعواه الموضوعية – دعامتها. بل إن اتصال دعواه الموضوعية بالنصوص المطعون عليها، شرط لقبول دعواه الدستورية على ما جرى عليه قضاء المحكمة الدستورية العليا من أن المصلحة الشخصية المباشرة في تلك الدعوى مناطها ارتباطها، بالمصلحة القائمة في النزاع الموضوعي ، وذلك بأن يكون الحكم في المطاعن الدستورية مؤثراً في موضوع النزاع المتصل بها والمطروح على محكمة الموضوع.
وحيث إن البين من أحكام القرار بقانون المطعون فيه، وكذلك ما جاء بصدده بتقرير لجنة الأمن القومى -والتي تعرض لهما المحكمة الدستورية العليا بالقدر اللازم للفصل في اختصاصها- أن ما توخاه هذا القرار بقانون، هو أن يكون التكريم مقصوراً على عدد محدود من قادة حرب أكتوبر، يتولون بنص مادته الثانية تقديم المشورة في الشئون العسكرية ذات الأهمية الخاصة التى يطلب منهم إبداء الرأي فيها، وذلك طوال حياتهم، ودون أن يكون تكليفهم بذلك مؤدياً إلى شغلهم لوظائف محددة داخل الهيكل التنظيمي للقوات المسلحة ، ليظل الباب مفتوحاً أمام غيرهم ممن يستحقون الترقى إلى وظائف القيادة بذات القدرة والكفاءة التى توفرت لمن سبقهم من قادة حرب أكتوبر الباقية في ذاكرة التاريخ أبداً.
وحيث إن ما تقدم يعنى ، أن عدداً غير قليل ممن خططوا لحرب أكتوبر وأداروها، وكانوا من كبار قادتها- كقواد الجيوش وقواد الفرق- لم يشملهم القرار بقانون المطعون منه، وإنما اقتصر التكريم على عدد محدود من بينهم، "رمزاً لجموعهم"، ليعهد إليهم دون غيرهم بالمهام التى حددتها المادة الثانية من القرار بقانون المشار إليه، وهى مهام مدارها مشورة يقدمونها -عند طلبها- في مجال الشئون العسكرية الهامة التى تمرسوا فيها، وكانوا من خبرائها. ولا يعتبر قصرها عليهم ملقياً بظلال من الريبة على من عداهم، أو نافياً لأهليتهم، أو إنكاراً لجدارتهم أو تميزهم.
وحيث إن إدراج اسم المدعى بين هؤلاء الذين شملتهم المادة الأولى من القرار بقانون المطعون فيه أو على رأسهم، لا يستقيم إلا من أحد مدخلين أو وفقاً لأحد معيارين، أولهما: أن يكون هذا القرار بقانون - محدداً نطاقاً على ضوء الأغراض التى سعى إلى تحقيقها - منصرفاً إلى عدد محدود من القادة تنتظمهم جميعاً دائرة واحدة تكون أقدمية الرتبة العسكرية إطاراً لها. وعندئذ يكون الأقدم هو الأحق بالتقدير، ولو لم يكن هو الأجدر بما أداه من جلائل الأعمال إبان تلك الحرب، ثانيهما: أن يكون هذا القرار بقانون مُبجلاً لكل القادة الذين كان دورهم في العمليات الحربية ظاهراً، بأن كان بلاؤهم في التخطيط لها أو إعدادها أو تنفيذها مشهوداً. وعندئذ يكون الأجدر هو الأحق بالتقدير، ولو لم يكن هو الأقدم.
وحيث إن المعيار الأول لا تظاهره أحكام القرار بقانون المطعون منه، وذلك من جهتين، أولاهما: أن ما توخاه هذا القرار بقانون حقاً وقصد إليه عملاً، هو أن يكون تعظيم عدد من قادة تلك الحرب، رمزاً لتقدير كل من قام بدور رائد فيها. بما مؤداه: أن انحصار التكريم في عدد محدود من بينهم، لا يعنى أن من عداهم كانوا أقل شأنا أو جهداً، ثانيهما: أن كل تكريم يفترض تقييماً موضوعياً يدور حول أعمال بذاتها يكون هو محورها. ويتعين بالتالي أن يكون الأساس فيه مقاييس واقعية قوامها ما أداه نفر من القادة من أعمال تشهد بتميزهم وتؤكد تفوقهم من دون الأخرين. وهو ما يقتضى وزن أعما لهم وترتيبهم فيما بينهم على ضوئها، ولا يتصور- من ثم - أن يكون مناط التقدير عائداً إلى أقدمية الدرجة الوظيفية منظوراً إليها استقلالاً عن أية عوامل تتداخل معها أو تقترن بها، إذ لا شأن لأقدميتهم تلك بإقدامهم أو تضحياتهم، وهو ما أكده تقرير لجنة الأمن القومي والتعبئة القومية حين أبان عن أن من شملهم التقدير كانوا عوناً لمصر في تحقيق نصرها العظيم من خلال مبادأتهم وقدرتهم على إدارة العمليات الحربية الحديثة واتخاذ قراراتها السليمة بكفاءة نادرة مع تحملهم لكامل مسئولياتها وفقاً لتطوراتها. ولم يكن معيار التقييم بالتالي شكلياً أو جامداً.
وحيث إن موضوعية التقييم هي وحدها التي يمكن أن يتحقق بها التكافؤ بين المراكز القانونية المتماثلة . وهى وحدها التي يتصور أن يكفل المشرع من خلالها نوعاً من المساواة القانونية بين المتماثلين جهداً وعرقاً. غير أن إعمال المحكمة الدستورية العليا للمقاييس الموضوعية التى يتحدد وفقاً لضوابطها من يكون أهلاً للتقدير ومن ثم الحصول على الحقوق المالية التى نص عليها القرار بقانون المطعون عليه يفترض أمرين، أولهما: أن يتناول التقييم كل الأعمال التي كان لها شأن هام في العمليات الحربية سواء في مجال الإعداد لها أو إدارتها أو تنفيذها، وهو ما يخرج عن المجال الطبيعي لذلك القرار بقانون. إذ توخى ألا يكون التقييم منصرفاً إلى هؤلاء في مجموعهم، ولا محيطاً بغالبيتهم، بل رمزياً من حصراً في عدد محدود من بينهم. ثانيهما: أن يكون القرار بقانون المطعون فيه، مفصلاً للعناصر التى تقوم عليها هذه المقاييس الموضوعية ، وأن يكون بيد المحكمة الدستورية العليا الوسائل القضائية التي توازن بها بين هذه الأعمال على ضوء تلك المقاييس لتحدد وفقاً لضوابطها الأحق والأجدر بالتقدير. يؤيد ذلك أن التكافؤ في المراكز القانونية وهو مناط الحماية التي كفلها مبدأ المساواة أمام القانون يفترض اتحادها في العناصر التي تكونها، فإذا كانت تلك العناصر جميعها دائرة -ابتداء وانتهاء- حول مسار العمليات الحربية ، ونتائجها، وقدر إسهام كل من القادة فيها، فإن زمام تقديرها يخرج عن اختصاص المحكمة الدستورية العليا.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم اختصاصها بنظر الدعوى .