جلسة 6 من يناير سنة 2013
برئاسة السيد القاضي / محمد طلعت الرفاعي نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة القضاة / عاصم عبد الجبار ، هاني عبد الجابر ، خالد صالح ومحمود عصر نواب رئيس المحكمة .
----------------
(3)
الطعن 60164 لسنة 74 ق
(1) إثبات " شهود " .
محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير أقوال
الشهود " . حكم " ما لا يعيبه في نطاق التدليل " " تسبيبه . تسبيب غير معيب "
. نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها " .
وزن أقوال الشهود وتقديرها . موضوعي .
تناقض
الشاهد في بعض التفاصيل . لا يعيب الحكم . شرط ذلك ؟
تحصيل
الحكم أقوال المجني عليه بلا تناقض واطمئنانه إليها واقتناعه بحدوث الواقعة على
الصورة التي قال بها . لا عيب .
الجدل الموضوعي أمام محكمة النقض . غير مقبول .
(2) جريمة " أركانها
" .
أداة الاعتداء . ليست
من الأركان الجوهرية في الجريمة .
(3) إثبات " خبرة
" . عقوبة " العقوبة المبررة " . محكمة الموضوع " سلطتها في
تقدير آراء الخبراء " . نقض
" المصلحة في الطعن " " أسباب الطعن . ما لا
يقبل منها " . ضرب " ضرب أحدث عاهة " " ضرب بسيط " .
تقدير آراء الخبراء والفصل
فيما يوجه إلى تقاريرهم من مطاعن . موضوعي . المجادلة في ذلك . غير جائزة أمام محكمة النقض . شرط ذلك ؟
لمحكمة الموضوع الجزم بما لم يجزم به الطبيب الشرعي في تقريره . حد ذلك ؟
انتفاء مصلحة الطاعن في النعي بشأن جريمة العاهة . ما دامت العقوبة المقضي
بها تدخل في حدود الضرب البسيط .
(4) دفوع " الدفع بتلفيق التهمة " " الدفع بكيدية الاتهام
" . دفاع " الإخلال بحق الدفاع . ما لا يوفره " .
الدفع بتلفيق التهمة وكيديتها . موضوعي . لا يستأهل رداً صريحاً . استفادة الرد
عليه من القضاء بالإدانة استناداً لأدلة الثبوت التي أوردها الحكم .
(5) إثبات " بوجه عام " . استدلالات
. محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير جدية التحريات " . حكم " ما لا يعيبه في نطاق التدليل " . نقض " أسباب الطعن
. ما لا يقبل منها " .
تقدير جدية التحريات
. موضوعي .
حق المحكمة أن تعول في
تكوين عقيدتها على تحريات الشرطة باعتبارها معززة لما ساقته من أدلة .
الجدل
الموضوعي في تقدير الدليل أمام محكمة النقض. غير مقبول.
مثال
.
(6) ضرب " ضرب أحدث
عاهة " . جريمة " أركانها " . قصد
جنائي . باعث . حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب " . نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل
منها " .
القصد الجنائي في جريمة
إحداث الجروح عمداً . مناط توافره ؟
تحدث
المحكمة عن القصد الجنائي في جريمة إحداث الجروح عمداً استقلالاً . غير لازم . استفادته من وقائع
الدعوى .
الباعث
. ليس ركناً في الجرائم . خطأ الحكم فيه أو إغفاله . لا ينال من سلامته .
الجدل
الموضوعي أمام محكمة النقض . غير مقبول .
(7)
اختصاص " الاختصاص النوعي " . معارضة
" نظرها والحكم فيها " . محكمة النقض " سلطتها " . نقض "
أسباب الطعن . ما يقبل منها " " حالات الطعن . الخطأ في تطبيق القانون
" " عدم جواز مضارة الطاعن بطعنه " . ضرب " ضرب بسيط
" .
المادة 401 إجراءات جنائية . مؤداها ؟
قاعدة
وجوب عدم تسويء مركز الطاعن . قاعدة قانونية عامة . مفاد ذلك ؟
قضاء
محكمة الجنايات بتشديد العقوبة المقضي بها على الطاعن عن جريمة الضرب البسيط بحكم
محكمة الجنح الغيابي والمقضي في معارضته نهائياً بعدم الاختصاص . خطأ في تطبيق
القانون . يوجب تصحيحه بالقضاء بمعاقبته بعقوبة الحكم الغيابي . علة وأساس ذلك ؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- لما كان وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي
يؤدون فيها شهادتهم وتعويل القضاء عليها مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من
الشبهات ، كل ذلك مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره
التقدير الذي تطمئن إليه بغير معقب عليها فيه ، وكان تناقض الشاهد في بعض التفاصيل
- بفرض حصوله - لا يعيب الحكم ، ما دام قد استخلص الإدانة من أقواله استخلاصاً
سائغاً لا تناقض فيه ولم يورد تلك التفصيلات أو يستند إليها في تكوين عقيدته ،
وكان الحكم المطعون فيه قد حصَّل أقوال المجني عليه بما لا تناقض فيه مفصحاً عن
اطمئنانه إليها ، واستخلص منها ومن سائر الأدلة التي أوردها أن الحادث وقع على
الصورة المبينة به ، وكان هذا الاستخلاص سائغاً ، فإن ما يثيره الطاعن بشأن أقوال
المجني عليه لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً حول سلطة المحكمة في وزن أدلة الدعوى
واستنباط معتقدها منها مما لا تقبل إثارته أمام محكمة النقض.
2- من المقرر من أن أداة الاعتداء ليست من
الأركان الجوهرية في الجريمة ، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الخصوص يكون غير سديد.
3- من المقرر أن تقدير آراء الخبراء والفصل فيما
يوجه إلى تقاريرهم من مطاعن مرجعه إلى محكمة الموضوع التي لها كامل الحرية في
تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير شأنه في هذا شأن سائر الأدلة ، فلها مطلق
الحرية في الأخذ بما تطمئن إليه منها والالتفات عما عداه ، ولا تقبل مصادرة
المحكمة في هذا التقدير ، وإذ كان ذلك ، وكانت المحكمة قد اطمأنت في حدود سلطتها
التقديرية إلى ما ورد بتقرير الطبيب الشرعي واستندت إلى رأيه الفني في أنه تخلف
لدى المجني عليه من جراء إصابته عاهة مستديمة ، فإنه لا يجوز مجادلة المحكمة في
هذا الشأن ولا مصادرة عقيدتها فيه أمام محكمة النقض ، كما أن لمحكمــــة الموضوع
أن تجزم بما لم يجزم به الطبيب الشرعي في تقريره متى كانت وقائع الدعوى قد أيدت
ذلك عندها وأكدته لديها وهو ما لم يخطئ الحكم في تقديره ، هذا إلى أنه لا مصلحة
للطاعن في النعي على الحكم في خصوص جريمة العاهة ، ما دامت العقوبة المقضي بها
عليه تدخل في حدود عقوبة جنحة الضرب البسيط الذي لم يتخلف عنه عاهة مستديمة .
4- من المقرر أن الدفع بتلفيق التهمة وكيديتها
من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تستأهل رداً صريحاً من الحكم ، ما دام الرد
مستفاداً ضمناً من القضاء بالإدانة استناداً إلى أدلة الثبوت التي أوردها .
5- لما كان تقدير جدية التحريات من المسائل
الموضوعية التي تستقل محكمة الموضوع بها ، فإن المجادلة في تعويل الحكم على أقوال
الضابط التي استقاها من تحرياته بدعوى عدم جديتها وأنها أجريت على واقعة حدثت منذ
فترة طويلة تتمخض جدلاً موضوعياً في تقدير الدليل لا يقبل أمام محكمة النقض ، فضلاً
عما هو مقرر من أنه لا تثريب على المحكمة إن هي أخذت بتحريات رجال المباحث ضمن
الأدلة التي استندت إليها ، لما هو مقرر من أن للمحكمة أن تعول في تكوين عقيدتها
على ما جاء بتحريات الشرطة باعتبارها معززة لما ساقته من أدلة - كما هو الحال في
الدعوى المطروحة - فإن ما يثيره الطاعن في هذا الخصوص لا يكون له محل .
6- من المقرر أن جريمة إحداث الجروح عمداً لا
تتطلب غير القصد الجنائي العام وهو يتوافر كلما ارتكب الجاني الفعل عن إرادة وعن
علم بأن هذا الفعل يترتب عليه المساس بسلامة جسم المجني عليه أو صحته ، وكانت
المحكمة لا تلتزم بأن تتحدث استقلالاً عن القصد الجنائي في هذه الجرائم ، بل يكفي
أن يكون هذا القصد مستفاداً من وقائع الدعوى كما أوردها الحكم وهو ما تحقق في
واقعة الدعوى ، هذا فضلاً عما هو مقرر من أن الباعث في الجرائم ليس ركناً فيها ومن
ثم فإنه لا يقدح في سلامة الحكم الخطأ فيه أو إغفاله كلية ، ومن ثم فإن ما يثيره
الطاعن في هذا الصدد لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً لا يقبل منه أمام محكمة النقض
.
7- لما كان الأصل وفقاً للمادة 401 من قانون
الإجراءات الجنائية أنه لا يجوز بأية حال أن يضار المعارض بناءً على المعارضة
المرفوعة منه ، وكانت قاعدة وجوب عدم تسوئ مركز الطاعن هي قاعدة قانونية عامة
تنطبق على طرق الطعن جميعها عادية كانت أو غير عادية
وهي قاعدة إجرائية أصولية تعلو على كل اعتبار وواجبة التطبيق في جميع الأحوال .
لما كان ذلك ، وكان الحكم بعدم الاختصاص وإن حاز حجية الأمر المقضي وصار نهائياً
في شأن اختصاص محكمة الجنايات بنظر الدعوى ، إلا أنه ما كان للمحكمة الأخيرة - وقد
اتجهت إلى إدانة الطاعن - أن تقضى عليه بما يجاوز حد العقوبة المحكوم عليه بها
غيابياً ، إذ إنه إنما عارض في هذا الحكم لتحسين مركزه فلا يجوز أن ينقلب تظلمه
وبالاً عليه . لما كان ما تقدم ، وكان البيِّن من المفردات - المضمومة - أن النيابة العامة قدمت
الطاعن لمحاكمة أمام محكمة الجنح بتهمة الضرب المعاقب عليها بمقتضى المادة 242/ 1
عقوبات ، وقضت محكمة أول درجة غيابياً
بحبسه لمدة شهر مع الشغل وطعن المعارض في هذا الحكم ، وقضت المحكمة بعدم
اختصاصها بنظر الدعوى ، ولم يستأنف المتهم - الطاعن - ولا النيابة العامة أياً من
الحكمين وقدمت المتهم للنيابة العامة ، فأحالت الدعوى إلى محكمة الجنايات التي قضت
بحكمها المطعون فيه ، فإن الحكم وقد خالف هذا النظر إذ قضى بحبس الطاعن لمدة ستة
أشهر مع الشغل قد أخطأ في تطبيق القانون بما يوجب تصحيحه والقضاء بالعقوبة التي
قضى بها الحكم الابتدائي الغيابي من حبس الطاعن لمدة شهر ورفض الطعن فيما عدا ذلك
.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الوقائـع
اتهمت النيابة العامة الطاعن وآخر بأنهما : أحدثا
عمداً إصابة .... بأن ضربه الأول بأداة " خشبة " على إصبعه فحدثت
الإصابة الواردة بتقرير الطب الشرعي والتي تخلف لديه من جرائها عاهة مستديمة هي "عدم قدرته على أداء حركات الأصبع الخنصر
الجانبية الضم وثني الأصبع" وتقدر نسبتها بحوالي (5 %) وذلك على النحو
المبين بالأوراق .
وأحالته إلى محكمة جنايات .... لمعاقبته طبقاً
للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة .
والمحكمة المذكورة قضت حضورياً عملاً بالمادة
240/2،1 من قانون العقوبات ، مع إعمال المادة 17 من القانون ذاته ، بمعاقبته
بالحبس مع الشغل لمدة ستة أشهر وإحالة الدعوى المدنية إلى المحكمة المدنية المختصة
.
فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق
النقض .... إلخ .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المحكمـة
حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه
إذ دانه بجريمة إحداث عاهة بالمجني عليه قد
شابه القصور في التسبيب ، والفساد في الاستدلال ، والخطأ في تطبيق القانون ؛
ذلك بأنه عوَّل في إدانته - ضمن ما عول - على أقوال المجني عليه رغم تناقضها في
وصف مكان الحادث والأداة المستخدمة فيها ، كما عوَّل على تقرير الطب الشرعي رغم
أنه لم يجزم بنسبة الإصابة إليه وهو ما ينبئ عن تلفيق التهمة وكيديتها ، وكذلك
عوَّل على تحريات الشرطة رغم إجرائها بعد مضى أكثر من ثلاث سنـوات على
حـدوث الواقعة ، فضلاً عن أن الحكم قد دانه بالجريمة المسندة إليه
رغم انتفاء الباعث على ارتكابها ، وكذا انتفاء القصد الجنائي فيها ، هذا إلى أن
النيابة العامة قدمته للمحاكمة أمام محكمة الجنح بتهمة إحداث إصابة المجني عليه التي
قضت غياباً بحبسه شهراً ، ولما عارض في هذا
الحكم قضت المحكمة بعدم اختصاصها بنظر الدعوى ، فقدمته النيابة
العامة إلى محكمة الجنايات لمحاكمته بتهمة إحداث ذات الإصابة بالمجني عليه
والتي خلفت لديه عاهة مستديمة ، فإن هذه المحكمة الأخيرة إذ قضت بحكمها المطعون فيه تكون قد أخلت بقاعدة عدم جواز إضارة
الطاعن بطعنه ، مما يعيب الحكم بما يستوجب نقضه .
ومن
حيث إن الحكم المطعون فيه قد بيَّن واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر
القانونية لجريمة إحداث عاهة مستديمة ، وأورد على ثبوتها في حق الطاعن أدلة سائغة
من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها مستمدة من أقوال المجني عليه والنقيب ....
ومما ثبت من التقرير الطبي الشرعي . لما كان ذلك ، وكان وزن أقوال الشهود وتقدير
الظروف التي يؤدون فيها شهادتهم وتعويل القضاء عليها مهما وجه إليها من مطاعن وحام
حولها من الشبهات ، كل ذلك مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي
تطمئن إليه بغير معقب عليها فيه ، وكان تناقض الشاهد في بعض التفاصيل - بفرض حصوله
- لا يعيب الحكم ، ما دام قد استخلص الإدانة من أقواله استخلاصاً سائغاً لا تناقض
فيه ولم يورد تلك التفصيلات أو يستند إليها في تكوين عقيدته ، وكان الحكم المطعون
فيه قد حصَّل أقوال المجني عليه بما لا تناقض فيه مفصحاً عن اطمئنانه إليها ، واستخلص منها ومن
سائر الأدلة التي أوردها أن الحادث وقع على الصورة المبينة به ، وكان هذا
الاستخلاص سائغاً ، فإن ما يثيره الطاعن بشأن أقوال المجني عليه لا
يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً حول سلطة المحكمة في وزن أدلة الدعوى واستنباط
معتقدها منها مما لا تقبل إثارته أمام محكمة النقض ، فضلاً عما هو مقرر من أن أداة
الاعتداء ليست من الأركان الجوهرية في الجريمة ، فإن ما يثيره الطاعن في هذا
الخصوص يكون غير سديد . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن تقدير آراء الخبراء
والفصل فيما يوجه إلى تقاريرهم من مطاعن مرجعه إلى محكمة الموضوع التي لها كامل
الحرية في تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير شأنه في هذا شأن سائر الأدلة ،
فلها مطلق الحرية في الأخذ بما تطمئن إليه منها والالتفات عما عداه ، ولا تقبل
مصادرة المحكمة في هذا التقدير ، وإذ كان ذلك، وكانت المحكمة قد اطمأنت في حدود
سلطتها التقديرية إلى ما ورد بتقرير الطبيب الشرعي واستندت إلى رأيه الفني في أنه
تخلف لدى المجني عليه من جراء إصابته عاهة مستديمة ، فإنه لا يجوز مجادلة المحكمة
في هذا الشأن ولا مصادرة عقيدتها فيه أمام محكمة النقض ، كما أن لمحكمة
الموضوع أن تجزم بما لم يجزم به الطبيب الشرعي في تقريره متى كانت وقائع الدعوى قد
أيدت ذلك عندها وأكدته لديها وهو ما لم يخطئ الحكم في تقديره ، هذا إلى أنه لا
مصلحة للطاعن في النعي على الحكم في خصوص جريمة العاهة ، ما دامت العقوبة المقضي
بها عليه تدخل في حدود عقوبة جنحة الضرب البسيط الذي لم يتخلف عنه عاهة مستديمة .
لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن الدفع بتلفيق التهمة وكيديتها من أوجه الدفاع الموضوعية
التي لا تستأهل رداً صريحاً من الحكم ، ما دام الرد مستفاداً ضمناً من القضاء
بالإدانة استناداً إلى أدلة الثبوت التي أوردها . لما كان ذلك ، وكان تقدير جدية
التحريات من المسائل الموضوعية التي تستقل محكمة الموضوع بها ، فإن المجادلة في
تعويل الحكم على أقوال الضابط التي استقاها من تحرياته بدعوى عدم جديتها وأنها
أجريت على واقعة حدثت منذ فترة طويلة تتمخض جدلاً موضوعياً في تقدير الدليل لا
يقبل أمام محكمة النقض ، فضلاً عما هو مقرر من أنه لا تثريب على المحكمة إن هي
أخذت بتحريات رجال المباحث ضمن الأدلة التي استندت إليها ، لما هو مقرر من أن
للمحكمة أن تعول في تكوين عقيدتها على ما جاء بتحريات الشرطة باعتبارها معززة لما
ساقته من أدلة - كما هو الحال في الدعوى المطروحة - فإن ما يثيره الطاعن في هذا الخصوص لا يكون له محل . لما كان ذلك ، وكان من
المقرر أن جريمة إحداث الجروح عمداً لا
تتطلب غير القصد الجنائي العام وهو يتوافر كلما ارتكب الجاني الفعل عن إرادة
وعن علم بأن هذا الفعل يترتب عليه المساس
بسلامة جسم المجني عليه أو صحته ، وكانت المحكمة لا تلتزم بأن تتحدث
استقلالاً عن القصد الجنائي في هذه الجرائم ، بل يكفي أن يكون هذا القصد مستفاداً
من وقائع الدعوى كما أوردها الحكم وهو ما تحقق في واقعة الدعوى ، هذا فضلاً عما هو
مقرر من أن الباعث في الجرائم ليس ركناً فيها ومن ثم فإنه لا يقدح في سلامة الحكم
الخطأ فيه أو إغفاله كلية ، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد لا يعدو أن
يكون جدلاً موضوعياً لا يقبل منه أمام محكمة النقض . وحيث إنه لما كان ذلك ، وكان
الأصل وفقاً للمادة 401 من قانون الإجراءات الجنائية أنه لا يجوز بأية حال أن يضار
المعارض بناءً على المعارضة المرفوعة منه ،
وكانت قاعدة وجوب عدم تسوئ مركز الطاعن هي قاعدة قانونية عامة تنطبق على طرق
الطعن جميعها عادية كانت أو غير عادية وهي قاعدة إجرائية أصولية تعلو على كل
اعتبار وواجبة التطبيق في جميع الأحوال . لما كان ذلك، وكان الحكم بعدم الاختصاص
وإن حاز حجية الأمر المقضي وصار نهائياً في شأن اختصاص محكمة الجنايات بنظر الدعوى
، إلا أنه ما كان للمحكمة الأخيرة - وقد اتجهت إلى إدانة الطاعن - أن تقضى عليه
بما يجاوز حد العقوبة المحكوم عليه بها غيابياً ، إذ إنه إنما عارض في هذا الحكم
لتحسين مركزه فلا يجوز أن ينقلب تظلمه وبالاً عليه . لما كان ما تقدم ، وكان البيِّن
من المفردات - المضمومة - أن النيابة العامة قدمت الطاعن لمحاكمة أمام محكمة الجنح
بتهمة الضرب المعاقب عليها بمقتضى المادة 242/1 عقوبات ، وقضت محكمة أول درجة
غيابياً بحبسه لمدة شهر مع الشغل وطعن المعارض في هذا الحكم ، وقضت المحكمة بعدم
اختصاصها بنظر الدعوى ، ولم يستأنف المتهم - الطاعن - ولا النيابة العامة أياً من
الحكمين وقدمت المتهم للنيابة العامة، فأحالت الدعوى إلى محكمة الجنايات التي قضت
بحكمها المطعون فيه ، فإن الحكم وقد خالف هذا النظر إذ قضى بحبس الطاعن لمدة ستة
أشهر مع الشغل قد أخطأ في تطبيق القانون بما يوجب تصحيحه والقضاء بالعقوبة التي
قضى بها الحكم الابتدائي الغيابي من حبس الطاعن لمدة شهر ورفض الطعن فيما عدا ذلك
.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ