الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 28 يونيو 2018

دستورية حظر امتلاك أو شراكة الصيدلي في أكثر من صيدليتين


القضية رقم 21 لسنة 37 ق " دستورية " جلسة 2 / 6 / 2018
الجريدة الرسمية العدد 22 مكرر (ط) في 6 / 6 / 2018 ص 54
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الثاني من يونيه سنة 2018م، الموافق السابع عشر من رمضان سنة 1439 هـ.
برئاسة السيد المستشار / عبد الوهاب عبد الرازق   رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: الدكتور حنفي على جبالي وسعيد مرعى عمرو ورجب عبدالحكيم سليم والدكتور محمد عماد النجار والدكتور عبدالعزيز محمد سالمان والدكتور طارق عبدالجواد شبل  نواب رئيس المحكمة
وحضور    السيد المستشار / طارق عبدالعليم أبو العطا   رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع    أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
في القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 21 لسنة 37 قضائية " دستورية ".
المقامة من
.........
ضــــــــــد
1- رئيس مجلس الوزراء
2- وزير الصحة
3- رئيس الادارة المركزية للشئون الصيدلية

الإجراءات

      بتاريخ العاشر من فبراير سنة 2015، أقام المدعى هذه الدعوى ،بإيداع صحيفتها قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طلبًا للحكم بعدم دستورية نص المادة (30) من القانون رقم 127 لسنة 1955 في شأن مزاولة مهنة الصيدلة المعدل بالقانون رقم 253 لسنة 1955.
      وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
 وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
   ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.

المحكمة

      بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
      حيث إن الوقائع تتحصل – على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق– في أن المدعى كان قد أقام الدعوى رقم 30487 لسنة 64 قضائية، أمام الدائرة الثالثة أفراد بمحكمة القضاء الإداري، طلبًا للحكم بإلغاء قرار رئيس الإدارة المركزية للشئون الصيدلية بعدم الموافقة على الترخيص له بإنشاء صيدلية عامة بمدينة الشروق، مع تمكينه من اتخاذ إجراءات رفع دعوى بعدم دستورية نص المادة (30) من القانون رقم 127 لسنة 1955 في شأن مزاولة مهنة الصيدلة، وذلك على سند من أنه تقدم بطلب إلى الإدارة المركزية للشئون الصيدلية لاستصدار ترخيص إنشاء صيدلية عامة بمدينة الشروق، وبتاريخ 15/4/2010 خاطبته تلك الإدارة بعدم الموافقة على طلبه لكونه يمتلك صيدليتين أخريين، مما لا يجوز معه الترخيص بإنشاء صيدلية ثالثة إعمالاً لنص المادة (30) من القانون رقم 127 لسنة 1955 المشار إليه، وبجلسة 28/10/2014 دفع الحاضر عن المدعى بعدم دستورية ذلك النص ، وبجلسة 25/11/2014 ، قدرت المحكمة جدية الدفع    وصرحت للمدعى بإقامة الدعوى الدستورية طعنًا في نص المادة (30) من القانون رقم 127 لسنة 1955 فيما تضمنه من عدم جواز أن يكون الصيدلي مالكًا أو شريكًا في أكثر من صيدليتين، فأقام الدعوى المعروضة.
      وحيث إن المادة (30) من القانون رقم 127 لسنة 1955 في شأن مزاولة مهنة الصيدلة المعدل بالقانون رقم 253 لسنة 1955 تنص على أن "لا يمنح الترخيص بإنشاء صيدلية إلا لصيدلي مرخص له في مزاولة مهنته يكون مضى على تخرجه سنة على الأقــل قضاها في مزاولة المهنة في مؤسسة حكومية أو أهلية ، ويعفى من شرط قضاء هذه المدة الصيدلي الذى تؤول إليه الملكية بطريق الميراث أو الوصية ، ولا يجوز للصيدلي أن يكون مالكًا أو شريكًا في أكثر من صيدليتين....".
      وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة – وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية – مناطها – على ما جرى به قضاء هذه المحكمة – قيام رابطة منطقية بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يؤثر الحكم في المسألة الدستورية في الطلبات المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع. متى كان ذلك، وكان الضرر المدعى به من قبل المدعى، ويدور حوله النزاع المردد أمام محكمة الموضوع، إنما ينصب حول حرمان المدعى من الترخيص له بإنشاء صيدلية عامة بمدينة الشروق لكونه يمتلك صيدليتين أخريين، فإن مصلحة المدعى في الدعوى المعروضة    تتحدد فيما نصت عليه الفقرة الأولى من المادة (30) من قانون مزاولة مهنة الصيدلة المشار إليه، من عدم جواز تملك الصيدلي أكثر من صيدليتين.
      وحيث إن المدعى ينعى على النص المطعون فيه إخلاله بالحماية المقررة للملكية الخاصة، ذلك أن حظر امتلاك الصيدلي لأكثر من صيدليتين عامتين، يعد قيدًا غير مبرر على حق الملكية، ويعيقه عن الانتفاع بعناصرها من استعمال واستغلال، كما يؤثر سلبًا على حجم الخدمة التي يمكن أن تقدمها الصيدليات العامة المملوكة لشخص واحد للمواطنين بما يعيق الدور الاجتماعي للملكية، ويحد من توفير فرص عمل لعدد كبير من الصيادلة والإداريين.
      وحيث إن من المقرر في قضاء المحكمة الدستورية العليا أن الرقابة القضائية على دستورية القوانين، من حيث مطابقتها للقواعد الموضوعية التي تضمنها الدستور، إنما تخضع لأحكام الدستور القائم دون غيره، بحسبانه مستودع القيم التي ينبغي أن تقوم عليها الجماعة، وتعبيرًا عن إرادة الشعب منذ صدوره، ذلك أن هذه الرقابة إنما تستهدف أصلاً صون الدستور القائم وحمايته من الخروج على أحكامه، إذ إن نصوص هذا الدستور تمثل دائما القواعد والأصول التي يقوم عليها النظام العام في المجتمع، بحسبانها أسمى القواعد الآمرة التي تعلو على ما دونها من تشريعات، ومن ثم يتعين التزامها، ومراعتها، وإهدار ما يخالفها من تشريعات – أيًّا كان تاريخ العمل بها – لضمان اتساقها والمفاهيم التي أتى بها، فلا تتفرق هذه القواعد في مضامينها بين نظم مختلفة يناقض بعضها بعضًا بما يحول دون جريانها وفق المقاييس الموضوعية ذاتها التي تطلبها الدستور القائم كشرط لمشروعيتها الدستورية. متى كان ذلك، وكانت المناعي التي وجهها المدعى إلى النص المطعون فيه تندرج تحت المطاعن الموضوعية التي تقوم في مبناها على مخالفة نص تشريعي لقاعدة في الدستور من حيث محتواها الموضوعي، ومن ثم، فإن هذه المحكمة تباشر رقابتها على النص المطعون عليه الذى مازال ساريًّا ومعمولاً بأحكامه ، في ضوء أحكام الدستور الحالي الصادر سنة 2014.
      وحيث إن المقرر في قضاء المحكمة الدستورية العليا أن الأصل في سلطة المشرع في مجال تنظيم الحقوق أنها سلطة تقديرية مالم يقيدها الدستور بضوابط معينه، وكان جوهر هذه السلطة التقديرية يتمثل في المفاضلة التي يجريها المشرع بين البدائل المختلفة لاختيار ما يقدر أنها أنسبها لمصلحة الجماعة، وأكثرها ملاءمة للوفاء بمتطلباتها في خصوص الموضوع الذى يتناوله بالتنظيم. وأن الملكية في إطار النظم الوضعية التي تزاوج بين الفردية وتدخل الدولة لم تعد حقًا مطلقًا، ولا هي عصية على التنظيم التشريعي، وإنما يجوز تحميلها بالقيود التي تقتضيها وظيفتها الاجتماعية، وهى وظيفة يتحدد نطاقها ومرماها على ضوء طبيعة الأموال محل الملكية والأغراض التي ينبغي توجيهها إليها، وبمراعاة الموازنة التي يجريها المشرع ويرجح من خلالها ما يراه من المصالح أولى بالرعاية وأجدر بالحماية، وأن ذلك يدخل في إطار السلطة التقديرية التي يملكها المشرع في مجال تنظيم الحقوق.
      وحيث إن لكل حق من الحقوق والحريات الدستورية الدائرة التي يتحرك في إطارها، ويمارس من خلالها، تحددها طبيعته والعناصر المكونة له، والتي تمثل من هذا الحق أصله وجوهره . لما كان ذلك، وكان المشرع قد ضمن النص المطعون فيه تنظيمًا للأوضاع الخاصة بالترخيص بإنشاء الصيدليات العامة وتملكها، بما يمكنها ومالكها من الاضطلاع بدورها الذى تقوم به كأحد أهم المؤسسات الصيدلية، وذلك في مجال تقديم الخدمة الطبية للمواطنين، باعتبارها أحد عناصر الرعاية الصحية المتكاملة التي حرص الدستور على كفالتها في المادة (18) منه كحق من الحقوق الدستورية، وقد راعى المشرع في هذا التنظيم تحقيق التوازن بين مصالح الأطراف المختلفة، الذى أوجبته المادة (27) من الدستور، في ضوء الأهداف التي رصدها وسعى إلى تحقيقها من وراء ذلك، والتي أوضحتها المذكرة الإيضاحية للقانون رقم 127 لسنة 1955 المشار إليه، وهي مراعاة صالح الجمهور مستهلك الدواء للتخفيف عن كاهله بقدر المستطاع، وصالح المزاولين لمهنة الصيدلة، وحماية تلك المهنة من الدخلاء حتى يتوفر للجمهور الدواء بأيسر الوسائل وأضمنها وبأرخص الأسعار، وإبعاد المنافسة غير المشروعة عن محيط العمل في هذه المهنة ذات الطابع المتميز لارتباطها الوثيق بصحة الجمهور وحياة المرضى، ومن ثم فقد بات تحديد المشرع لحق الصيدلي في تملك صيدليتين عامتين، هو الوسيلة التي اختارها لتحقيق الأهداف المتقدمة، والتي ترتبط ارتباطًا مباشرًا بحماية الصحة العامة التي تعد أحد أهم المصالح العامة التي يتعين على الدولة مراعاتها، وفاءً منها بالتزامها الدستوري المقرر بالمادة (18) من الدستور، في كفالة حق المواطن في الصحة والرعاية الصحية المتكاملة طبقًا لمعايير الجودة الدولية، والذى يتصل بالضرورة باتخاذ التدابير الكفيلة بالتحقق من سلامة وكفاءة الأدوية والخدمات الطبية التي تقدم للمواطنين، في مختلف مجالاتها، فضلاً عن اتصال كل ذلك اتصالاً مباشرًا بتنظيم مهنة الصيدلة كمهنة حرة في أحد مجالاتها الهامة والحيوية، وذلك بهدف تحقيق صالح الجمهور مستهلك الدواء، والمزاولين لمهنة الصيدلة، ومنظورًا إلى تلك المهنة ليس باعتبارها تجارة تستهدف المضاربة وتسعى لتحقيق الربح، بل غايتها تقديم الخدمة العامة، ليكون إنشاء هذه الصيدليات وتملكها، ومزاولتها لنشاطها، وكفالة الدور الفاعل لمالكها في الإشراف على نشاطها وإدارتها والعاملين بها، محددًا كل ذلك في الإطار الذى سنه المشرع، هو المحدد للدائرة التي يمارس فيها كل من حق الملكية ومزاولة المهنة الحرة في هذا المجال، الذى يتصل بالصحة العامة وحمايتها من الأخطار التي تتعرض لها، إضافة إلى تعلقه بالأدوية كسلعة لها طبيعة خاصة تميزها عن غيرها من باقي السلع، وطبيعة الخدمة الطبية التي تقدمها الصيدلية العامة، وآثارها على صحة المواطنين، والذى يرتبط ارتباطًا منطقيًّا وعقليًّا بالغاية التي عناها المشرع وسعى إلى تحقيقها من إقرار النص المطعون فيه، وتتناسب معها، بما لا مصادمة فيه لحماية وصون حق الملكية التي كفلها الدستور في المادتين (33، 35) منه.
      وحيث إن النعي على النص المطعون فيه إخلاله بحق العمل، بقالة أن هذا الحظر سوف يحرم عددًا كبيرًا من الصيادلة والإداريين من العمل، مردود بأن من المقرر أن حق العمل الذى كفله الدستور الحالي في المادتين (12، 13) منه لا يمنح تفضلاً، ولا يتقرر إيثارًا، بل يعتبر أداؤه واجبًا لا ينفصل عن الحق فيه، ومدخلاً إلى حياة لائقة قوامها الاطمئنان إلى غدٍ أفضل، وبها تتكامل الشخصية الإنسانية من خلال إسهامها في تقدم الجماعة وإشباع احتياجاتها، بما يصون للقيم الخلقية روافدها. لما كان ذلك، وكانت غاية المشرع من الحظر الذى ضمنه النص المطعون فيه هو حماية الصحة العامة ومنع المنافسة غير المشروعة بين الصيدليات العامة، وعدم انحصار ملكيتها في يد فئة قليلة العدد بما يمكنها من السيطرة على هذا النشاط، وكذا ضمان إشراف صاحب الصيدلية على نشاطها إشرافًا حقيقيًا فاعلاًّ، يتناسب مع الدور المهم الموكل للصيدليات العامة في خدمة الجمهور مستهلك الدواء، ورعاية صحة، وحياة المرضى منهم، ومن ثم فإن النص المطعون فيه لا ينطوي على مصادرة للحق في العمل، وإنما يعد تنظيمًا له، وهو أمر يملكه المشرع بمقتضى سلطته التقديرية ولمقتضيات الصالـح العـام، إذ لا تناقض بين الحق في العمل كحق دستوري وتنظيمه تشريعيًّا، بما لا يمس أصله وجوهره، والذى التزمه النص المطعون فيه.
 وحيث إن النص المطعون فيه لا يخالف حكمًا آخر في الدستور، فإنه يتعين الحكم برفض الدعوى.
فلهذه الأسباب
 حكمت المحكمة برفض الدعوى، وبمصادرة الكفالة، وألزمت المدعى المصروفات ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

عدم دستورية تشكيل اللجنة القضائية المختصة بالتغيير في بيانات السجل العيني


القضية رقم 10 لسنة 35 ق " دستورية " جلسة 2 / 6 / 2018
الجريدة الرسمية العدد 22 مكرر (ط) في 6 / 6 / 2018 ص 16
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الثاني من يونيه سنة 2018م، الموافق السابع عشر من رمضان سنة 1439 هـ.
برئاسة السيد المستشار / عبد الوهاب عبد الرازق       رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: محمد خيرى طه النجار والدكتور عادل عمر شريف وبولس فهمى إسكندر ومحمود محمد غنيم والدكتور عبدالعزيز محمد سالمان والدكتور طارق عبد الجواد شبل       نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار / طارق عبدالعليم أبو العطا  رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع       أمين السر
أصدرت الحكم الآتي
      في القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 10 لسنة 35 قضائية " دستورية ".

المقامة من

محمـد أحمد محمــد ريحان
ضــــــد
1 - رئيس الجمهوريـــة
2 - رئيس مجلس الــوزراء
3 - وزيــر العـــدل
4- رئيس مجلس الشــــــــــــــــــــــــورى
5 - محمــــــــــــد محمـــد المدبــوح
6 - حوريـة أحمــد محمــــــد سعد

الإجراءات
      بتاريخ الثاني عشر من فبراير سنة 2013، أقام المدعى هذه الدعوى ، بإيداع صحيفتها قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طلبًا للحكم بعدم دستورية المواد (21) و(23) و(24) من قانون السجل العيني الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 142 لسنة 1964، وسقوط قرار وزير العدل بتشكيل اللجان المنصوص عليها في المادة (21) من هذا القانون.

وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة ، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى

وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، ولما كان الثابت من الأوراق أن المدعى قد توفى بتاريخ 31/12/2017، وكانت الدعوى قد تهيأت للحكم في موضوعها، فقد قررت المحكمة إعمالاً لنص المادة (130) من قانون المرافعات إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.

المحكمــــة
      بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
      حيث إن الوقائع تتحصل – على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – في أن المدعى عليهما الخامس والسادسة كانا قد اشتريا من جمعية فوه للاستصلاح وتنمية الأراضى قطعتي أرض أطيان بور وضع يد بناحية حوض البرلس (3) زمام الروضة، مركز سيدى سالم بمحافظة كفر الشيخ، وحرر عنهما العقدين المسجلين رقمي 3850 و3852 شهر عقارى كفر الشيخ بصحيفة الوحدة العقارية رقم (37)، وحينما تقدما بطلب إلى السجل العيني للحصول على شهادة بالقيود على هاتين القطعتين تبين تسكينهما بقطعتين مخالفتين لوضع يدهما على الطبيعة. ومن ثم، فقد تقدما بتاريخ 22/8/2001، إلى اللجنة القضائية المنصوص عليها في المادة (21) من قانون السجل العينى الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 142 لسنة 1964، بطلبين قُيدا برقمى 67 و68 لسنة 2001، لتصحيح تسكين العقدين. وبعد إخطار المدعى، انتدبت تلك اللجنة لجنة فنية انتهت بعد بحث مستندات الملكية إلى وقوع العقدين ضمن القطعة رقم (37). وفى 18/8/2002، انتهت اللجنة القضائية إلى تسكين العقدين المشار إليهما ضمن القطعة رقم (37) وفقًا لما ورد بقرار اللجنة الفنية. وإذ تضرر المدعى من ذلك، استأنف هذين القرارين بالاستئنافين رقمـى 1041 و1042 لسنة 35 قضائية، أمام محكمة استئناف طنطا، طالبًا إلغاءهما، وقد ضَمَّت المحكمة هذين الاستئنافين مع استئناف ثالث في شأن القرار رقم 67 لسنة 2001 المشار إليه، مقام من طـرف آخر غير مختصم في تلك الدعوى، وذلك للارتباط. وقيد برقم 95 لسنة 36 ق. وأثناء نظر الاستئنافات الثلاثة، دفع المدعى بعدم دستورية المواد (21) و(23) و(24) من قانون السجل العيني الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 142 لسنة 1964، وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية هذا الدفع، وصرحت للمدعى بإقامة دعواه الدستورية، أقام الدعوى المعروضة.
      وحيث إن الرقابة القضائية على دستورية القوانين من حيث مطابقتها للقواعد الموضوعية التي نظمها الدستور، إنما تخضع لأحكام الدستور القائم دون غيره، إذ إن هذه الرقابة، إنما تستهدف أصلاً - على ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة - صون الدستور القائم، وحمايته من الخروج على أحكامه، ذلك أن نصوص هذا الدستور، تمثل دائمًا القواعد والأصول التي يقوم عليها نظام الحكم، ولها مقام الصدارة بين قواعد النظام العـام، التي يتعين التزامهـا ومراعاتها وإهدار ما يخالفها من التشريعات، باعتبارها أسمى القواعد الآمرة. متى كان ذلك، وكانت المطاعن التي وجهها المدعى للنصوص المطعون فيها تندرج تحت المطاعن الموضوعية التي تقوم في مبناها على مخالفة نص تشريعي لقاعدة في الدستور من حيث محتواها الموضوعي، ومن ثم، فإن هذه المحكمة تباشر رقابتها على النصوص المطعون عليها - التي مازالت قائمة ومعمولاً بأحكامها - من خلال أحكام الدستور الحالي الصادر سنة 2014 باعتباره الوثيقة الدستورية السارية.

      وحيث إن المادة (21) من قانون السجل العيني الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 142 لسنة 1964 تنص على أن :"تشكل في كل قسم مساحي لجنة قضائية برئاسة رئيس محكمة ابتدائية وعضوية اثنين من موظفي المصلحة أحدهما قانوني والثاني هندسي، وتختص هذه اللجنة دون غيرها في النظر في جميع الدعاوى والطلبات التي ترفع خلال السنة الأولى بعد العمل بهذا القانون لإجراء تغيير في بيانات السجل العيني.
      ويصدر بتعيين أعضائها ولائحة إجرائها قرار من وزير العدل".
      وتنص المادة (23) من هذا القانون على أن :"تكون الأحكام التي تصدرها اللجنة نهائية في الأحوال الآتية:
(1) إذا كان التغيير المطلوب إجراؤه في بيانات السجل متفقًا عليه بين جميع ذوى الشأن الواردة أسماؤهم في صحائف الوحدات.
(2) إذا كان هذا التغيير لا يمس بحق شخص من الأشخاص الواردة أسماؤهم في صحائف الوحدات المطلوب إجراء التغيير فيها.
(3) إذا كان الحق المتنازع فيه لا يتجاوز أصلاً النصاب النهائي للمحكمة الابتدائية.
      كما تنص المادة (24) منه على أنه :"فيما عدا الأحوال الواردة بالمادة السابقة تكون الأحكام الصادرة من اللجنة قابلة للاستئناف أمام محكمة الاستئناف الواقع في دائرتها القسم المساحي".
      وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة - وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية - مناطها أن يقوم ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم الصادر في المسألة الدستورية لازمًا للفصل في الطلبات الموضوعية المطروحة على محكمة الموضوع . ويتحدد مفهوم هذه المصلحة باجتماع شرطين : أولهما: أن يقيم المدعى الدليل على أن ضررًا واقعيًّا قد لحق به، وليس ضررًا متوهمًا أو نظريًّا أو مجهلاً، ثانيهما: أن يكون مرد الأمر في هذا الضرر إلى النص التشريعي المطعون عليه.
      متى كان ذلك، وكانت الحالات الثلاث التي حددتها المادة (23) من القرار بقانون رقم 142 لسنة 1964 المشار إليه لنهائية الأحكام التي تصدرها اللجنة المشكلة طبقًا لنص المادة (21) منه لا ينطبق أي منها على المدعي، وكان المدعي يبغى من دعواه المطروحة على محكمة الاستئناف إلغاء قراري اللجنة المذكورة بتسكين الأراضي المملوكة للمدعى عليهما الخامس والسادسة ، فمن ثم تضحى له مصلحة شخصية ومباشرة في الطعن بعدم دستورية نصي المادتين (21) و(24) من القرار بقانون رقم 142 لسنة 1964 المشار إليه، فيما تضمنتاه من تشكيل هذه اللجان على نحو يغلب فيه العنصر الإداري، ومنحها الاختصاص دون غيرها بنظر جميع الدعاوى والطلبات التي ترفع في خلال السنة الأولى بعد العمل بالقانون لإجراء تغيير في بيانات السجل العيني، وإسباغ وصف الأحكام على ما تصدره هذه اللجان من قرارات، والتي يطعن عليها أمام محكمة الاستئناف الواقع في دائرتها القسم المساحي، إذ إن الفصل في أمر دستورية هذين النصـين - في ضـوء المطاعن الدستورية التي وجهها المدعى لهما - سيكون له انعكاس على الدعوى الموضوعية وقضاء محكمة الموضوع فيها، وبهذين النصين وحدهما يتحدد نطاق الطعن في الدعوى المعروضة، والمصلحة فيها.
      وحيث إن المدعى ينعى على النصين المطعون فيهما مخالفتهما أحكام المواد (21 و22 و23 و24 و33 و74 و75 و168) من الدستور الصادر سنة 2012، المقابلة للمواد (33 و34 و35 و37 و53 و94 و97 و184) من الدستور القائم، الصادر سنة 2014، باعتبار أن المشرع قد استحدث بهذين النصين لجنة ذات تشكيل مزدوج قضائي وغير قضائي، وجعل الغلبة للعنصر الأخير، الذى لا تتوافر فيه ضمانات الحيدة والاستقلال اللازمين للفصل في المنازعات بما ينطوي عليه ذلك من تدخل في شئون العدالة وإخلال باستقلال القضاء، وإفراغ للعمل من مضمونه القضائي.
      وحيث إن هذا النعي سديد في جوهره، ذلك أن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن إسباغ الصفة القضائية على أعمال أية جهة عهد إليها المشرع بالفصل في نزاع معين يفترض أن يكون اختصاص هذه الجهة محددًا بقانون، وأن يغلب على تشكيلها العنصر القضائي الذى يلزم أن تتوافر في أعضائه ضمانات الكفاءة والحيدة والاستقلال، وأن يعهد إليها المشرع بسلطة الفصل في خصومة بقرارات حاسمة، دون إخلال بالضمانات القضائية الرئيسية التي لا يجوز النزول عنها، والتي تقوم في جوهرها على إتاحة الفرص المتكافئة لتحقيق دفاع أطرافها، وتمحيص ادعاءاتهم على ضوء قاعدة قانونية نص عليها المشرع سلفًا، ليكون القرار الصادر في النزاع مؤكدًا للحقيقة القانونية، مبلورًا لمضمونها في مجال الحقوق المدعى بها أو المتنازع عليها.
      وحيث إن ضمانة المحاكمة المنصفة التي كفلها الدستور بنص المادة (96) منه تعنى أن يكون لكل خصومة قضائية قاضيها - ولو كانت الحقوق المثارة فيها من طبيعة مدنية - وأن تقوم على الفصل فيها محكمة مستقلة ومحايدة ينشئها القانون، يتمكن الخصم في إطارها من إيضاح دعواه، وعرض أرائها والرد على ما يعارضها من أقوال غرمائه أو حُججهم على ضوء فرص يتكافئون فيها جميعًا، ليكون تشكيلها وقواعد تنظيمها، وطبيعة النظم المعمول بها أمامها وكيفية تطبيقها عملاً محددًا للعدالة، مفهومًا تقدميًّا يلتئم مع المقاييس المعاصرة للدول المتحضرة.
      وحيث إن الدستور بما نص عليه في المادة (97) من أن لكل مواطن حق الالتجاء إلى قاضيه الطبيعي قد دل على أن هذا الحق في أصل شرعته هو حق للناس كافة تتكافأ فيه مراكزهم القانونية في سعيهم لرد العدوان على حقوقهم دفاعًا عن مصالحهم الذاتية، وقد حرص الدستور على ضمان إعمال هذا الحق في محتواه المقرر دستوريًّا بما لا يجوز معه مباشرته على فئة دون أخرى، أو إجازته في حالة بذاتها دون سواها، كما أن هذا الحق باعتباره من الحقوق العامة التي كفل الدستور بنص المادتين (4، 53) المساواة بين المواطنين فيها، لا يجوز حرمان طائفة منهم من هذا الحق مع تحقق مناطه - وهو قيام منازعة في حق من الحقوق - وإلا كان ذلك إهدارًا لمبدأ المساواة بينهم وبين غيرهم من المواطنين الذين لم يحرموا من الحق ذاته.
      وحيث إن من المقرر أن استقلال السلطة القضائية مؤداه، أن يكون تقدير كل قاض لوقائع النزاع، وفهمه لحكم القانون بشأنها، متحررًا من كل قيد، أو تأثير، أو إغواء، أو وعيد، أو تدخل، أو ضغوط أيًّا كان نوعها أو مداها أو مصدرها، وكان مما يعزز هذه الضمانة ويؤكدها استقلال السلطة القضائية عن السلطتين التشريعية والتنفيذية، وأن تنبسط ولايتها على كل مسألة من طبيعة قضائية.
      وحيث إن استقلال السلطة القضائية واستقلال القضاء وإن كفلتهما المادتان (184 و186) من الدستور، توقيًا لأى تأثير محتمل قد يميل بالقاضي انحرافًا عن ميزان الحق، إلا أن الدستور نص كذلك على أنه لا سلطان على القضاة في قضائهم لغير القانون. وهذا المبدأ الأخير لا يحمى فقط استقلال القاضي، بل يحول كذلك دون أن يكون العمل القضائي وليد نزعة شخصية غير متجردة، وهو أمر يقع غالبًا إذا فصل القاضي في نزاع سبق أن أبدى فيه رأيًا، ومن ثم تكون حيدة القاضي شرطًا لازمًا دستوريًّا لضمان ألا يخضع في عمله لغير سلطان القانون.
وحيث إن النصين المطعون عليهما يخالفان أحكام الدستور من عدة أوجه، أولها: أن اللجنة التي أنشأها المشرع، يغلب على تشكيلها العنصر الإداري، فهي تتكون برئاسة رئيس محكمة ابتدائية وعضوية اثنين من موظفي المصلحة، أحدهما قانوني والثاني هندسي، وهذان العضوان ليسا من القضاة، ولا يتوافر في شأنهما – بالضرورة – شرط التأهيل القانوني الذى يمكنهم من تحقيق دفاع الخصوم وتقدير أدلتهم، وبفرض توافر هذا الشرط في أحدهما أو فيهما معًا، فإنهما يفتقدان لضمانتي الحيدة والاستقلال اللازم توافرهما في القاضي، وثانيها: أن المشرع منح هذه اللجنة رغم طبيعتها الإدارية ولاية الفصل في خصومة قضائية، فعهد إليها دون غيرها ولاية الفصل في جميع الدعاوى والطلبات التي ترفع خلال السنة الأولى بعد العمل بالقرار بقانون رقم 142 لسنة 1964 المشار إليه، لإجراء تغيير في بيانات السجل العيني، وثالثها: أن القرارات التي تصدر من هذه اللجان لا يمكن وصفها بالأحكام القضائية – حتى إن أسبغ عليها المشرع هذا الوصف – ذلك أن الأحكام القضائية لا تصدر إلا من المحاكم أو الهيئات ذات الاختصاص القضائي، وهذه اللجنة – وكما سبق القـول – هي لجنة إدارية، ومن ثم، فإن ما يصدر عنها لا يعدو أن يكون قرارًا إداريًّا، وليست لـه من صفة الأحكام القضائية شيء.
وحيث إنه متى كان ما تقدم فإن النصين المطعون عليهما يكونان قد خالفا أحكام المواد (4) و(53) و(94) و(97) و(184) و(186) من الدستور، ومن ثم فإن القضاء بعدم دستوريتهما يكون متعينًا.
وحيث إن القضاء بعدم دستورية نصى المادتين (21) و(24) من القرار بقانون رقم 142 لسنة 1964 المشار إليه، يستتبع بحكم اللزوم سقوط نص المادة (23) منه ، الذى يرتبط بالنصين المار ذكرهما ارتباطًا لا يقبل الفصل أو التجزئة، وكذا قرار وزير العدل رقم 553 لسنة 1976 بشأن لائحة الإجراءات التي تتبع أمام اللجنة المنصوص عليها في المادة (21) من القرار بقانون رقم 142 لسنة 1964 المشار إليه.
فلهـذه الأسبـاب
حكمت المحكمة:
أولاً : بعدم دستورية نصى المادتين (21) و(24) من قانون السجل العيني الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 142 لسنة 1964.
ثانيًا: بسقوط نص المادة (23) من القانون ذاته، وقرار وزير العدل رقم (553) لسنة 1976 بشأن لائحة الإجراءات التي تتبع أمام اللجنة المنصوص عليها في المادة (21) من قانون السجل العيني المشار إليه.
ثالثًا : بإلزام الحكومة المصروفات، ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة

قرار المحكمة " وصرحت" لا يفيد انها قدرت جدية الدفع بعدم الدستورية


القضية رقم 171 لسنة 32 ق " دستورية " جلسة 2 / 6 / 2018
محضر جلسة
 بالجلسة المنعقدة في غرفة مشورة يوم السبت الثاني من يونيه سنة 2018م، الموافق السابع عشر من رمضان سنة 1439 هـ.
برئاسة السيد المستشار / عبد الوهاب عبد الرازق رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: محمد خيرى طه النجار والدكتور عادل عمر شريف وبولس فهمى إسكندر ومحمود محمد غنيم وحاتم حمد بجاتو والدكتور عبدالعزيز محمد سالمان  نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار/ طارق عبدالعليم أبو العطا  رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع        أمين السر

أصدرت القرار الآتى
      في القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 171 لسنة 32 قضائية " دستورية ".

المقامة من
........
ضــــــد
1 - رئيس الجمهوريـــــة
2 - رئيس مجلس الــوزراء
3 - رئيس مجلس الشعب (مجلس النواب حاليًا)
4 - رئيس مجلس الشــــورى
5 - وزيــــــر العــــدل
6 - النائــــب العــــام
7 - .......
      بطلب الحكم بعدم دستورية نصوص المواد (399، 402، 403) من قانون الإجراءات الجنائية الصادر بالقانون رقم 150 لسنة 1950، والمادتين (30/3، 33) من القانون رقم 57 لسنة 1959 بشأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض المعدل بالقانون رقم 106 لسنة 1962.
المحكمـــــة
      بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن المادة (29) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979. وعلى ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة، قاطعة في دلالتها على أن النصوص التشريعية التي يتصل الطعن عليها بالمحكمة الدستورية العليا اتصالاً مطابقًا للأوضاع المقررة قانونًا، هي تلك التي تطرح عليها بعد دفع بعدم دستوريتها يبديه خصم أمام محكمة الموضوع. وتقدر هي جديته، وتأذن لمن أبداه برفع الدعوى الدستورية، أو إثر إحالة الأوراق مباشرة إلى هذه المحكمة من محكمة الموضوع لقيام دلائل لديها تثير شبهة مخالفة تلك النصوص لأحكام الدستور. ولم يجز المشرع، بالتالي، الدعوى الأصلية سبيلاً للطعن بعدم دستورية النصوص التشريعية.
ومتى كان ذلك، وكانت المدعية قد دفعت أمام محكمة الجنح المستأنفة بجلسة 27/6/2010 بعدم دستورية المواد (399، 402، 403) من قانون الإجراءات الجنائية، والمادتين (30/3، 33) من القانون رقم 57 لسنة 1959 بشأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض، وتمسكت بدفعها في الجلسة التالية، حيث استمرت المحكمة في نظر الاستئناف إلى أن قضت بجلسة 26/12/2010 برفض استئناف المدعية، وتأييد الحكم المستأنف، وأفصحت في أسباب قضائها بأنها لم تر جدية الدفع، ولم تصرح به، مما مؤداه أن محكمة الجنح المستأنفة إلى أن أقامت المدعية دعواها الدستورية في 10/10/2010، لم تكن قد فصلت في مدى جدية الدفع بعدم الدستورية، ولم تصرح برفع الدعوى الدستورية، ولا يغير من ذلك كلمة "وصرحت" التي وردت في نهاية قرار محكمة الموضوع الصادر بجلسة 25/7/2010، بتأجيل الدعوى لجلسة 31/10/2010 للاطلاع على ما قُدّم من مستندات. ذلك أن ورود هذه الكلمة على ذلك النحو لا يفيد أن محكمة الموضوع قد باشرت بالفعل المهمة المنوط بها في تقدير جدية الدفع بعدم الدستورية المبدى أمامها، ولا يؤدى إلى هذا المعنى، إذ أن تصريح محكمة الموضوع للمدعى باتخاذ إجراءات رفع الدعوى الدستورية يتعين أن يكون عن اقتناع كامل منها بجدية الدفع الذى أبداه المدعى بعدم الدستورية، وهو ما يقتضى أن يكون قرارها هذا جليًّا صريحًا دالاًّ بذاته على ذلك، بحيث لا تترك استخدامه لوقائع الحال، وما قد تؤدى إليه من افتراضات. ومن ثم، فإن الدعوى المعروضة تنحل إلى دعوى أصلية أقيمت بالطريق المباشر، وتخرج عن النطاق الذى رسمه المشرع في قانون المحكمة الدستورية العليا لاتصال المحكمة اتصالاً سليمًا بما يرفع إليها من دعاوى دستورية، الأمر الذى تغدو معه الدعوى المعروضة غير مقبولة.
لذلـــك
 قررت المحكمة، في غرفة مشورة، عدم قبول الدعوى، ومصادرة الكفالة، وألزمت المدعية المصروفات، ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

دستورية العقاب على القيادة دون استخدام حزام الامان واتفاقه مع الشريعة الاسلامية


القضية رقم 31 لسنة 32 ق " دستورية " جلسة 2 / 6 / 2018
الجريدة الرسمية العدد 22 مكرر (ط) في 6 / 6 / 2018 ص 40
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الثاني من يونيه سنة 2018م، الموافق السابع عشر من رمضان سنة 1439 هـ.
برئاسة السيد المستشار / عبد الوهاب عبد الرازق   رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: الدكتور حنفى على جبالى وسعيد مرعى عمرو ورجب عبدالحكيم سليم والدكتور محمد عماد النجار والدكتور عبدالعزيز محمد سالمان والدكتور طارق عبدالجواد شبل   نواب رئيس المحكمة
وحضور    السيد المستشار / طارق عبدالعليم أبوالعطا   رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع    أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
في القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 31 لسنة 32 قضائية " دستورية ". بعد أن أحالتها محكمة جنح مرور الخارجة الجزئية بحكمها الصادر بجلسة 22/7/2009 في الجنحة رقم 7994 سنة 2009 الخارجة
المقامة من
النيابة العامة
ضــــــــــد
عبد المنعم صالح محمد
الإجراءات
      بتاريخ السادس من فبراير سنة 2010، ورد إلى قلم كتاب هذه المحكمة ملف الجنحة رقم 7994 لسنة 2009 جنح مرور الخارجة الجزئية، بعد أن قضت تلك المحكمة بجلسة 22 يوليو سنة 2009 بوقف السير في الدعوى وإحالتها إلى هذه المحكمة للفصل في دستورية نصى المادتين (74 ، 74 مكررًا) من قانون المرور الصادر بالقانون رقم 66 لسنة 1973 المعدل بالقانون رقم 121 لسنة 2008 فيما نصتا عليه من إلزام قائد السيارة وإلزام من يركب بجواره بربط حزام الأمان.
      وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة ، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
   وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
   ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.

المحكمة
      بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
      حيث إن الوقائع تتحصـل – على ما يتبين من حكم الإحالة وسائر الأوراق – في أن النيابة العامة كانت قد أصدرت أمرًا جنائيًّا بمعاقبة كل من المدعى عليه وآخر بمبلغ مائة جنيه، وذلك لأنه في يوم 16/5/2009 بدائرة قسم شرطة الواحات الخارجة، قاد السيارة الأجرة رقم 2109 الوادي الجديد دون استخدام حزام الأمان، بينما عاقبت الآخر – غير ماثل في الدعوى الدستورية المعروضة – بالتهمة ذاتها حال ركوبه إلى جـوار السائق دون استخـدام حزام الأمان، وإذ لم يرتض المدعى عليه هذه العقوبة، فقد طعن على هذا الأمر، ونظرت الدعوى أمام محكمة الجنح، وحضر المدعى عليه أمامها، وعدلت المحكمة مواد الاتهام في مواجهته إلى نصوص المواد (1، 3، 63، 74، 74 مكررًا) من قانون المرور الصادر بالقانون رقم 66 لسنة 1973 ، المعدل بالقانون رقم 121 لسنة 2008، وبجلسة 22 يوليو سنة 2009 قضت بوقف السير في إجراءات الدعوى وإحالتها إلى هذه المحكمة للفصل في دستورية المادتين (74، 74 مكررًا) من ذلك القانون فيما نصتا عليه من إلزام قائد السيارة وإلزام من يركب بجواره باستخدام حزام الأمان بقالة مخالفتهما نصوص المواد (2، 3، 4، 8، 40، 57) من الدستور الصادر سنة 1971.
وحيث إن المادة (74) من قانون المرور الصادر بالقانون رقم 66 لسنة 1973 بعد تعديلها بالمادة الأولى من القانون 121 لسنة 2008 تنص على أن " مع عدم الإخـلال بأية عقوبة أشد في أي قانون آخر، يعاقب بغرامة لا تقل عن مائة جنيه ولا تزيد على خمسمائة جنيه كل من ارتكب فعلاً من الأفعال الآتية:
1 - عدم التزام الجانب الأيمن من نهر الطريق المعد للسير في الاتجاهين.
2 - مخالفة أحكام المواد (7، 67، 68، 69) من هذا القانون.
3 - عدم اتباع قائد المركبة لإشارات المرور وعلاماته وتعليمات رجال المرور الخاصة بتنظيم السير.
4 - مخالفة مركبات النقل لشروط وزن الحمولة أو ارتفاعها أو عرضها أو طولها.
5 - إضافة ملصقات أو معلقات أو وضع أية كتابة أو رسم أو أية رموز أو أية بيانات أخرى غير تلك الواجبة بحكم القانون واللوائح على جسم المركبة أو أي جزء من أجزائها، أو لوحاتها المعدنية.
كما يحكم في الحالة المنصوص عليها في البند 9 بمصادرة الأجهزة المستخدمة في ارتكاب المخالفة.
وفي جميع الأحوال تضاعف عقوبة الغرامة المالية عند ارتكاب أي من الأفعال المشار إليها خلال ستة أشهر من تاريخ الحكم النهائي بالإدانة ".
وتنص المادة (74 مكررًا) من القانون ذاته على أن "مع عدم الإخلال بأية عقوبة أشد في أي قانون آخر، يعاقب بغرامة لا تقل عن مائة جنيه ولا تزيد على ثلاثمائة جنيه كل من ارتكب فعلاً من الأفعال الآتية:
1- قيادة مركبة آلية بسرعة تقل عن الحد الأدنى للسرعة المقررة إذا ترتب عليها إعاقة حركة المرور بالطريق.
2- استعمال قائد المركبة الآلية لها في غير الغرض المبين برخصتها.
3- عدم استخدام قائد السيارة ومن يركب بجواره حزام الأمان أثناء سيرها في الطريق، وذلك وفقًا للقواعد والشروط التي تحددها اللائحة التنفيذية لهذا القانون.
عدم استخدام قائد الدراجة النارية غطاء الرأس الواقي.
استخدام التليفون يدويًّا أثناء القيادة.
4- عدم وضع اللوحات المعدنية للمركبة في المكان المقرر لها.
5- عدم تزويد المركبة بأجهزة الإطفاء الصالحة للاستعمال أو عدم جعلها في متناول قائد السيارة والركاب.
6- مخالفة أحكام المواد (7، 67، 68، 69) من هذا القانون".
وحيث إن المقرر في قضاء المحكمة الدستورية العليا أن النص في المادة (30) من قانونها الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 على أنه "يجب أن يتضمن القرار الصادر بالإحالة إلى المحكمة الدستورية العليا أو صحيفة الدعوى المرفوعة إليها بيان النص التشريعي المطعون بعدم دستوريته، والنص الدستوري المدعى بمخالفته وأوجه المخالفة"؛ مؤداه أن المشرع أوجب لقبول الدعاوى الدستورية أن يتضمن قرار الإحالة أو صحيفة الدعوى ما نصت عليه المادة (30) السالفة الذكر من بيانات جوهرية تنبئ عن جدية هذه الدعاوى، ويتحدد بها موضوعها، وذلك مراعاة لقرينة الدستورية لمصلحة القوانين، وحتى يتاح لذوى الشأن – ومن بينهم الحكومة – الذين أوجبت المادة (35) من قانون المحكمة إعلانهم بالقرار أو بالصحيفة أن يتبينوا كافة جوانبها، ويتمكنوا في ضوء ذلك من إبداء ملاحظاتهم وردودهم وتعقيبهم عليها، في المواعيد التى حددتها المادة (37) من القانون ذاته، بحيث تتولى هيئة المفوضين بعد انتهاء تلك المواعيد تحضير الموضوع وتحديد المسائل الدستورية والقانونية المثارة، وتبدى فيها رأيها مسببًا، وفقًا لما تقضى به المادة (40) من قانون المحكمة الدستورية العليا.
      متى كان ذلك، وكان حكم الإحالة قد أحال نصى المادتين (74، 74 مكررًا) من قانون المرور المشار إليه بعد استبدالهما بالقانون رقم 121 لسنة 2008، واللتين تتضمنان العديد من الجرائم المرورية، إلا أنه لم ينع على النصين المحالين إلا بمنعى واحد؛ هو كون إلزام قائد السيارة ومن يركب إلى جواره بربط حزام الأمان يخالف أحكام الدستور، وهو ما يصدق على نص البند (3) من المادة (74 مكررًا) المضافة بالقانون رقم 121 لسنة 2008، دون سائر النصوص والبنود الأخرى، فيما اشتملت عليه من مخالفات مرورية أخرى، لا رابط بينها وبين الجريمة المعروضة على محكمة الموضوع، ومن ثم فإن الدعوى المعروضة تكون بالنسبة لسائر هذه النصوص، عدا نص البند (3) من المادة (74 مكررًا) المار ذكره، غير مستوفية للبيانات الجوهرية التى استوجب نص المادة (30) من قانون هذه المحكمة تضمينها حكم الإحالة، بما يوجب القضاء بعدم قبولها بالنسبة لهذه النصوص.




وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة – وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية – مناطها، أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الفصل في المسألة الدستورية لازمًا للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها، والمطروحة على محكمة الموضوع. لما كان ذلك، وكان الثابت أن التهمة المواجـه بها المدعى عليه من قبل النيابة العامة هي قيادة سيـارة دون استخدام حزام الأمان حال سيرهـا، وكان نص البند (3) من المادة (74 مكررًا) من قانون المرور المشار إليه، يؤثم أفعالاً ثلاثة هي عدم استخدام قائد السيارة حزام الأمان، وعدم استخدام من يركب بجواره حزام الأمان، وسماح قائد السيارة لمن يركب بجواره ألا يستخدم حزام الأمان، وكان المدعى عليه يحاكم عن جريمة قيادة سيارة دون استخدام حزام الأمان ، المعاقب عليها بالعقوبة المنصوص عليها بصدر نص المادة (74 مكررًا) من    قانون المرور المار ذكره، ومن ثم فإن الفصل في دستورية هذا الشق من البند (3) من هذا النص دون غيره، وصدر نص هذه المادة الذى حدد العقاب على هذا الفعل، يرتب انعكاسًا على الدعوى الموضوعية ، وقضاء محكمة الموضوع فيها ، بحيث يتوافر شرط المصلحة في هذا النطاق وحده.
وحيث إن حكم الإحالة ينعى على النص المحال إخلاله بمبادئ الشريعة الإسلامية، وسيادة الشعب، وتكافؤ الفرص والمساواة، وتأثيم كل اعتداء على الحرية الشخصية، المنصوص عليها بالمواد (2، 3، 4، 8، 40، 57) من دستور سنة 1971، مستندًا في ذلك إلى أن الإلزام باستخدام حزام الأمان حال قيادة السيارة يشكل اعتداءً على الحرية الشخصية للسائق، إذ هو من يقدر الوسائل اللازمة للحفاظ على سلامته، فضلاً عن أنه في حالات الحوادث الجسيمة قد يتعذر على السائق فك الحزام والنجاة بنفسه. ومن جانب آخر ، فإن ما أوجبه النص من قصر الإلزام باستخدام حزام الأمان على ركاب المقاعد الأمامية من السيارة، دون ركاب المقاعد الخلفية في السيارة ذاتها، أو سائق الأتوبيس وركابه، رغم استواء الضرر في كل هذه الأحوال، يخل بمبدأ المساواة.
وحيث إن الرقابة على دستورية القوانين من حيث مطابقتها للقواعد الموضوعية التي تضمنها الدستور، إنما تخضع لأحكام الدستور القائم دون غيره، لكون هذه الرقابة إنما تستهدف أصلاً – وعلى ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة- صون الدستور القائم وحمايته من الخروج على أحكامه، وأن نصوص هذا الدستور تمثل دائمًا القواعد والأصول التي يقوم عليها نظام الحكم، ولها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام التي يتعين التزامها ومراعتها، وإهدار ما يخالفها من التشريعات، باعتبارها أسمى القواعد الآمرة. متى كان ذلك، وكانت مناعي حكم الإحالة على النص المحال إنما تندرج في عداد المطاعن الموضوعية، التي تقوم في مبناها على مخالفة نص تشريعي لقاعدة في الدستور من حيث محتواها الموضوعي، ومن ثم فإن المحكمة تعمل رقابتها القضائية على دستورية النص المحال، الذى مازال ساريًا ومعمولاً بأحكامه - في حدود النطاق المحدد سلفًا - استنادًا إلى أحكام الدستور القائم.
وحيث إنه عن النعي بمخالفة النص المحال لمبادئ الشريعة الإسلامية فلما كان المقرر في قضاء هذه المحكمة أن حكم المادة الثانية من الدستور الصادر عام 1971 – منذ تاريخ تعديلها في 22 من مايو سنة 1980، والذى رددته الدساتير المتعاقبة حتى دستور سنة 2014، - يدل على أن الدستور- واعتبارًا من تاريخ العمل بهذا التعديل – قد أتى بقيد على السلطة التشريعية يلزمها فيما تقره من النصوص القانونية، بأن لا تناقض أحكامها مبادئ الشريعة الإسلامية في أصولها الثابتة – مصدرًا وتأويلاً – والتي يمتنع الاجتهاد فيها، ولا يجوز الخروج عليها، أو الالتواء بها عن معناها، ولا كذلك الأحكام الظنية غير المقطوع بثبوتها أو بدلالاتها أو بهما معًا، ذلك أن دائرة الاجتهاد تنحصر فيها ولا تمتد لسواها، وهى بطبيعتها متطورة تتغير بتغير الزمان والمكان لضمان مرونتها وحيويتها. وإذا كان الاجتهاد في الأحكام الظنية وربطها بمصالح الناس عن طريق الأدلة الشرعية – الفعلية منها والعقلية - حقًّا لأهل الاجتهاد، فأولى أن يكون هذا الحق مقررًا لولى الأمر ينظر في كل مسألة بخصوصها بما يناسبها، وبمراعاة أن يكون الاجتهاد دومًا واقعًا في إطار الأصول الكلية للشريعة لا يجاوزها، ملتزمًا ضوابطها الثابتة، متحريًا مناهج الاستدلال على الأحكام العملية والقواعد الضابطة لفروعها، كافلاً صون المقاصد الكلية للشريعة، بما تقوم عليه من حفاظ على الدين والنفس والعقل والعرض والمال، مستلهمًا في ذلك كله حقيقة المصالح المعتبرة، المناسبة لمقاصد الشريعة والمتلاقية معها، ومن ثم كان حقًّا على ولي الأمر عند الخيار بين أمرين مراعاة أيسرهما مالم يكن إثمًا، وكان واجبًا كذلك ألا يشرع حكمًا يضيق على الناس أو يرهقهم في أمرهم عسرًا، وألا يفرط في مصلحة حالية تعرضهم لهلكة في النفس والمال. متى كان ذلك، وكان النص المطعون فيه - في النطاق المحدد سلفًا – قد صدر في 9 يونيو سنة 2008، بعد العمل بالتعديل الدستوري في 22 مايو سنة 1980، ومن ثم فإنه يتعين أن يكون متوافقًا مع مبادئ الشريعة الإسلامية وفقًا لمقتضى نص المادة (2) من الدستور الصادر سنة 2014.
وحيث إنه متى كان ذلك، وكان الثابت أن المشرع قد توخى بحكم النص التشريعي المحال، تبنى ما خلصت إليه معظم الدراسات الحديثة المتعلقة بسلامة الركاب أثناء سير السيارة، من أن قائد السيارة ومن بجواره يكونان في صدارة الخطر على الحياة عند وقوع الحادث، وأن حزام الأمان يعمل على منع ارتطامهما بأجزاء السيارة الصلبة أثناء هذه اللحظة الحرجة، فضلاً عن أنه يعمل - حال انفتاح منطاد الأمان - على وجود ركاب المقاعد الأمامية في وضعية عمودية تحول دون إيذائهم من أثر اندفاعها صوبها بسرعة كبيرة، وكان رائد المشرع في ذلك حماية الأنفس وهى إحدى الغايات الكلية التي تهدف إليها الشريعة الإسلامية، بهدف الحيلولة دون استفحال الآثار الضارة الناتجة في أحوال الحوادث. وكان هذا الاجتهاد من المشرع قد صادف مسألة لم يرد فيها نص قاطع في ثبوته، ولم يعارض في دلالته حكمًا شرعيًّا يقضى بخلافه، ومن ثم ينفتح فيه باب الاجتهاد أمام ولاة الأمور في العصور المختلفة ليتحروا ما يلائم كل حـال أخذًا في الاعتبار تحقيق صوالح المواطنين، وإذ كان ذلك، وكان المشرع قد تحرى بإيجابه استخدام حزام الأمان حال قيادة السيارة في الطريق تحقيق الصالح العام، وحفظ الأنفس، والتقليل من آثار الحوادث على سلامة قائد السيارة، ومن يجلس بجواره، فإن قالة مخالفة مبادئ الشريعة الإسلامية والحال كذلك تكون على غير سند ، ويضحى هذا النعي حريًّا بالالتفات عنه.
وحيث إنه عما نعى به حكم الإحالة على النص المحال - في النطاق المحدد سلفًا- من إخلاله بمبدأي المساواة وتكافؤ الفرص المنصوص عليهما في المواد (4، 9، 53) من الدستور القائم، المقابلة للمادتين (8 ، 40 ) من دستور سنة 1971، فإن الدستور القائم قد اعتمد بمقتضى نص المادة (4) منه مبدأ المساواة، باعتباره -إلى جانب مبدأي العدل وتكافؤ الفرص- أساسًا لبناء المجتمع وصيانة وحدته الوطنية، وتأكيدًا لذلك حرص الدستور في المادة (53) منه على كفالة تحقيق المساواة لجميع المواطنين أمام القانون، في الحقوق والحريات والواجبات العامة، دون تمييز بينهم لأى سبب، إلا أن ذلك لا يعنى – وفقًا لما استقر عليه قضاء هذه المحكمة – أن تعامل فئاتهم على ما بينها من تفاوت في مراكزها القانونية معاملة قانونية متكافئة، كذلك لا يقوم هذا المبدأ على معارضة صور التمييز جميعها، ذلك أن من بينها ما يستند إلى أسس موضوعية ولا ينطوي بالتالي على مخالفة لنصى المادتين (4 ،53) المشار إليهما، بما مؤداه أن التمييز المنهى عنه بموجبها هو ذلك الذى يكون تحكميًّا، وأساس ذلك أن كل تنظيم تشريعي لا يعتبر مقصودًا لذاته، بل لتحقيق أغراض بعينها تعكس مشروعيتها إطارًا للمصلحة العامة التي يسعى المشرع إلى تحقيقها من وراء هذا التنظيم، فإذا كان النص المحال – بما انطوى عليه من تمييز – مصادمًا لهذه الأغراض بحيث يستحيل منطقًا ربطه بها أو اعتباره مدخلاً إليها فإن التمييز يكون تحكميًّا وغير مستند بالتالي إلى أسس موضوعية، ومن ثم مجافيًا لمبدأ المساواة، كما حرص الدستور في المادة (9) منه على كفالة تكافؤ الفرص بما يستوجبه ذلك من ترتيب المتزاحمين على الفرص التي كفلها الدستور للمواطنين على ضوء قواعد يمليها التبصر والاعتدال، وهو ما يعنى أن موضوعية النفاذ إليها مناطها تلك العلاقة المنطقية التي تربطها بأهدافها، فلا تنفصل عنها، ولا يجوز بالتالي حجبها عمن يستحقها، ولا إنكارها لاعتبار لا يتعلق بطبيعتها ومتطلباتها.
وحيث كان ما تقدم، وكان حكم الإحالة نعى على النص المحال - في النطاق المحدد سلفًا- الإخلال بمبدأي المساواة وتكافؤ الفرص من وجهتين، أولاهما، إلزام قائد السيارة ومن بجواره باستخدام حزام الأمان دون قائد الأتوبيس، وثانيتهما إلزام قائد السيارة ومن يركب إلى جواره بحزام الأمان دون من يركب في المقاعد الخلفية. وحيث إن هذا النعي بوجهيه مردود بأن الثابت أن المشرع وقد عرف السيارة بمقتضى نص المادة (4) من قانون المرور المشار إليه بأنها كل مركبة تسير بمحرك آلي؛ وفى تفصيل ذلك عين منها السيارة الخاصة والسيارة الأجرة وسيارة نقل الركاب وأتوبيس الرحــــلات وغيرهـا. وقد اختص المشرع بالنص العقابي المحال قائد السيارة أيًّا كان نوعها ومن يركب إلى جواره، بالالتزام بوجوب استخدام حزام الأمان أثناء سيرها في الطريق، دون الركاب في المقاعد الخلفية، ودون ركاب الأتوبيسات عدا السائق ومن يركب بجواره، فأحلهم من واجب استخدام حزام الأمان أثناء سير السيارة في الطريق، وكان مؤدى ذلك عدم وقوع هذه الجريمة إلا من أولئك الذين عددهم النص دون غيرهم من الركاب في الأماكن الأخرى، وذلك استنادًا إلى الدراسات التي اعتمدها المشرع أساسًا لهذا التمييز، ممثلة في مبلغ الأخطار التي يتعرض لها قائد السيارة ومن يركب بجواره في المقعد الأمامي، إذا ما قورن الأمر بالخطر المحتمل لركاب المقاعد الخلفية، فاقتصر على تأثيم الحالة الأشد خطرًا وحدها، فإن ذلك التنظيم الذى أتى به المشرع، باعتباره الوسيلة التي عينها، وقدر مناسبتها لتحقيق الأهداف المبتغاة من تقرير هذا الحكم، وهى حماية أرواح سائقي تلك السيارات ومن يركب بجوارهم، والتقليل من آثار الحوادث، والتي ترتبط عقلاً ومنطقيًّا بتلك الأهداف، يكون مستندًا إلى أسس موضوعية تبرره، بعيدًا عن صور التمييز التحكمي الذى يخالف أحكام الدستور، الأمر الذى يكون معه النص المحال غير مخل بمبدأي المساواة وتكافؤ الفرص المقررين بموجب نصوص المواد (4، 9، 53) من الدستور القائم.
وحيث إنه عن النعي بانتهاك النص التشريعي المحال للحق في الحرية الشخصية بالمخالفة لنص المادة (54) من الدستور القائم، على قول من أنه لكل إنسان أن يحمي حياته على النحو الذى يرى ملاءمته، وأن حزام الأمان قد يحول في الحوادث الجسام دون تيسير خروج قائد السيارة المنكوبة منها وصولُا إلى عدم دستورية تأثيم الامتناع عن هذا الالتزام، فإنه غير سديد، ذلك أن المقرر في قضاء المحكمة الدستورية العليا أن ضمان الحرية الشخصية لا يعنى غل يد المشرع عن التدخل لتنظيمها، ذلك أن صون الحرية الشخصية يفترض بالضرورة إمكان مباشرتها دون قيود جائرة تعطلها وليس إسباغ حصانة عليها تعفيها من تلك القيود التى تقتضيها مصالح الجماعة وتسوغها ضوابط حركتها، ذلك أن الدستور أعلى قدر الحرية الشخصية، فاعتبرها من الحقوق الطبيعية الكامنة في النفس البشرية الغائرة في أعماقها، والتي لا يمكن فصلها عنها، ومنحها بذلك الرعاية الأوفى والأشمل توكيدًا لقيمتها، وبما لا إخلال فيه بالحق في تنظيمها، وبمراعاة أن القوانين الجنائية قد تفرض على الحرية الشخصية - بطريق مباشر أو غير مباشر - أخطر القيود وأبلغها أثرًا، ويتعين بالتالي أن يكون إنفاد القيود التي تفرضها القوانين الجنائية على الحرية الشخصية رهنًا بمشروعيتها الدستورية، ويندرج تحت ذلك أن تكون محددة بصورة يقينية لا التباس فيها، ذلك أن هذه القوانين تدعو المخاطبين بها إلى الامتثال لها كى يدافعوا عن حقهم في الحياة، وكذلك عن حرياتهم، التي تعكسها العقوبة، ومن ثم كان أمرًا مقضيًّا أن تصاغ النصوص العقابية بما يحول دون انسيابها أو تباين الآراء حول مقصدها أو تقرير المسألة الجنائية في غير مجالاتها، عدوانًا على الحرية الشخصية التي كفلها الدستور.
متى كان ذلك، وكان الثابت بأن المشرع بما له من سلطة تقديرية يفاضل بها بين البدائل المختلفة تحقيقًا للصالح العام، راعى تعاظم مخاطر حوادث السير في الطريق العام، ومبلغ الأضرار العائدة فيه على حياة الأفراد والصحة العامة، والسلامة العامة، ومبلغ الأضرار المترتبة عليها سواء في حاضر ومستقبل المواطنين أو في تبعاتها المالية والصحية، فأوجب على قائد السيارة ومن يجلس بجواره أن يستخدم حزام الأمان أثناء السير في الطريق بالسيارة، مراعيًا في ذلك الحفاظ على سلامته من المخاطر الجسيمة التي قد يتعرض لها كأثر لحوادث الطريق، متخذًا في سبيل ذلك من النص المحال - في النطاق المحدد سلفًا - التزامًا قانونيًّا متبوعًا بعقوبة عن الامتناع عن اتباعه، فإن هذا القيد الذى قرره المشرع يهدف إلى تحقيق الصالح العام. لما كان ذلك، وكان المشرع قد صاغ هذا القيد على نحو واضح جلى لا لبس فيه ولا غموض محددًا على نحو قاطع شخص الملتزم به، وهو قائد السيارة أيًّا كان نوعها، معينًا شروط إعمال هذا القيد من أن يكون السائق في وضع السير في الطريق، موضحًا الركن المادي، لهذه الجريمة في صورة الامتناع عن استخدام حزام الأمان أثناء السير في الطريق، كاشفًا عن الركن المعنوي لهذه الجريمة التي تقع - شأنها في ذلك شأن عموم الجرائم التنظيمية - إما بالعمد وإما بالإهمال في صورتين بديلتين تقوم الجريمة    بإحداهما، فإن النص المحال في هذا الإطار يكون قد وافق صحيح أحكام الدستور في التجريم، وقد خلا من قالة الاعتداء على الحرية الشخصية.
وحيث إنه لما كان ذلك، وكان المشرع قد رصد لهذه الجريمة عقوبة الغرامة التي لا تقل عن مائة جنيه ولا تزيد على ثلاثمائة جنيه، وهو تقدير معقول سلم من المغالاة، ولم يحل المشرع بين القاضي وبين إعمال قواعد التقدير العقابي وفقًا لأحكام القانون، سواء من حيث التقدير العقابي بين الحدين الأدنى والأقصى، أو من حيث تفعيل الوسائل المقررة في القانون لمواجهة أحوال عدم ملاءمة توقيع العقوبة، كوقف التنفيذ وفقًا للأحكام العامة للقانون الجنائي، ومن ثم فإن النص المحال يكون قد سلم من قالة سوء التقدير العقابي، أو الإفتئات على الحرية الشخصية.
وحيث إنه عما نعى به حكم الإحالة على النص المحال من قالة المساس بمبدأ السيادة للشعب، والذى قرره نص المادة (4) من الدستور، والنيل من الأساس الاشتراكي للمجتمع المصري فهو مردود؛ ذلك أن المشرع وقد التزم في تقريره للنص المحال الضوابط الدستورية الحاكمة للتجريم والعقاب، على النحو المتقدم بيانه، فإنه لا يقع في حومة مخالفة هذا المبدأ الدستوري، كما لا يخالف الأساس الاشتراكي الذى ردده حكم الإحالة، بعد أن انتهج الدستور الحالي نهجًا مخالفًا
لما سلكه الدستور الصادر سنة 1971 في هذا الخصوص. لما كان ذلك، وكان النص المحال لم يخالف أي نص آخر في الدستور، ومن ثم يتعين القضاء برفض الدعـوى.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة برفض الدعوى.