الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 23 مارس 2018

دستورية اختصاص النيابة العامة بنظر منازعات الحيازة


القضية رقم 69 لسنة 23 ق " دستورية "
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم الأحد الموافق 15 ديسمبر سنة 2002 الموافق 11 شوال سنة 1423 هـ .
برئاسة السيد المستشار / ماهر البحيرى نائب رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين : محمد على سيف الدين وعدلى محمود منصور وعلى عوض محمد صالح وأنور رشاد العاصى وعبد الوهاب عبد الرازق والدكتور حنفى على جبالى
وحضور السيد المستشار الدكتور / عادل عمر شريف   رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / ناصر إمام محمد حسن   أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 69 لسنة 23 قضائية " دستورية "
المقامة من
السيد / ......
ضد
1.   السيد رئيس الجمهورية
2.   السيد رئيس مجلس الوزراء
3.  السيد وزير العدل
4.  السيدة / .........
" الإجراءات  "
بتاريخ الثالث والعشرين من إبريل سنة 2001، أودع المدعى صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة ، طلباً للحكم بعدم دستورية المادة (44) مكرراً من قانون المرافعات المدنية والتجارية المضافة بالقانون رقم 23 لسنة 1992.
وقدمت كل من هيئة قضايا الدولة والمدعى عليها الرابعة مذكرة طلبتا في كل منها الحكم برفض الدعوى .
وبعد تحضير الدعوى ، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة ، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
" المحكمة "
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة .
حيث إن الوقائع -على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق- تتحصل في أن المدعى عليها الرابعة كانت قد أبلغت بتاريخ 23/9/1998 عن قيام مطلقها المدعى باقتحام الشقة التي تستأجرها ومنعها من حيازتها وكان قد سبق طلاقها منه في تاريخ سابق دون أن تنجب منه، وطلبت تمكينها من حيازة عين النزاع، وبعد استيفاء الأوراق بسؤال الطرفين وشهودهما والاطلاع على مستندات كل منهما، أصدرت النيابة العامة قرارها بتمكين المدعى عليها الرابعة من العين، فتظلم المدعى من هذا القرار بإقامة الدعوى رقم 2277 لسنة 1999 مدنى مستعجل أمام محكمة الإسكندرية للأمور المستعجلة ، وبتاريخ  29/2/2000 قضت تلك المحكمة بتعديل القرار المتظلم منه وتمكين طرفي النزاع معاً من حيازة العين. لم ترتض المدعى عليها هذا القضاء فطعنت عليه بالاستئناف رقم 366 لسنة 2000 مدني مستعجل أمام محكمة الإسكندرية الابتدائية ، كما أقام المدعى استئنافاً فرعياً، وأثناء نظر الاستئناف دفع الأخير بعدم دستورية المادة (44) مكرراً من قانون المرافعات المدنية والتجارية المضافة بالقانون رقم 23 لسنة 1992 بتعديل بعض أحكام قوانين المرافعات المدنية والتجارية والإثبات في المواد المدنية والتجارية والعقوبات والإجراءات الجنائية وحالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض والرسوم القضائية ورسوم التوثيق في المواد المدنية ، وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية دفعه وصرحت له بإقامة الدعوى الدستورية ، فقد أقام الدعوى الماثلة .
وحيث إن المادة (44) مكرراً من قانون المرافعات المدنية والتجارية تنص على أن "يجب على النيابة العامة متى عرضت عليها منازعة من منازعات الحيازة ، مدنية كانت أو جنائية ، أن تصدر فيها قراراً وقتياً مسبباً واجب التنفيذ فوراً بعد سماع أقوال أطراف النزاع وإجراء التحقيقات اللازمة ، ويصدر القرار المشار إليه من عضو نيابة بدرجة رئيس نيابة على الأقل.
وعلى النيابة إعلان هذا القرار لذوي الشأن خلال ثلاثة أيام من تاريخ صدوره.
وفى جميع الأحوال يكون التظلم من هذا القرار لكل ذي شأن أمام القاضي المختص بالأمور المستعجلة ، بدعوى ترفع بالإجراءات المعتادة في ميعاد خمسة عشر يوماً من يوم إعلانه بالقرار، ويحكم القاضي في التظلم بحكم وقتي بتأييد القرار، أو بتعديله أو بإلغائه، وله بناء على طلب المتظلم أن يوقف تنفيذ القرار المتظلم منه إلى أن يفصل في التظلم".
وحيث إن هيئة قضايا الدولة دفعت بعدم قبول الدعوى الماثلة بقالة انتفاء مصلحة المدعى في إقامتها، على سند من أن النص المطعون فيه لا ينطبق على واقعة النزاع، وإنما يحكمها نص الفقرة الخامسة من المادة (18) من القانون رقم 100 لسنة 1985.
وحيث إن هذا الدفع مردود، ذلك أن البين من الأوراق أن المدعى عليها الرابعة - مطلقة المدعى - لم ترزق منه بأولاد، ومن ثم فإن القرار الصادر من النيابة العامة بتمكينها من عين النزاع لا يستند إلى كونها حاضنة ، بالإضافة إلى أن التظلم من قرار النيابة العامة والحكم الصادر في هذا التظلم قد انبنى كل منهما على الأحكام التي تضمنها نص المادة (44) مكرراً من قانون المرافعات فلا يكون لنص الفقرة الخامسة من المادة (18) من القانون رقم 100 لسنة 1985 أية علاقة بالنزاع، ويضحى هذا الدفع على غير أساس متعين الرفض، إذ كان ذلك وكانت المصلحة الشخصية المباشرة -وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية - مناطها قيام علاقة منطقية بينها وبين المصلحة القائمة في دعوى الموضوع، وذلك بأن يكون الحكم في المسألة الدستورية لازماً للفصل في الطلبات الموضوعية المطروحة على محكمة الموضوع، وكان قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن مفهوم المصلحة الشخصية المباشرة في الدعوى الدستورية قوامه شرطان، أولهما أن يقيم المدعى الدليل على أن ضرراً واقعياً مباشراً ممكناً إدراكه قد لحق به، وثانيهما أن يكون مرد هذا الضرر إلى النص التشريعي المطعون عليه، وكان محور النزاع يدور حول صحة قرار النيابة العامة بتمكين المدعى عليها الرابعة من عين النزاع، فإن القضاء بعدم دستورية النص المطعون عليه يكون كافلاً لمصلحة المدعى في الدعوى الدستورية الماثلة .
وحيث إن المدعى ينعى على النص المطعون عليه، إخلاله بحق التقاضي ، فضلاً عن إخلاله باستقلال السلطة القضائية ، وبياناً لذلك يقول إن القرار الصادر من النيابة العامة بتمكين أحد طرفي النزاع من الحيازة ، يذيل بالصيغة التنفيذية ، رغم أنه لا يصدر باسم الشعب ولا يحمل مقومات الحكم  القضائي ، وهو ما يشكل إهداراً لحق التقاضي وتدخلاً في أعمال السلطة القضائية . وإخلالاً باستقلالها، كما أنه يتبعه -في الأغلب الأعم- تقديم الصادر ضده القرار إلى المحاكمة الجنائية إخلالاً بالمبدأ الذى يقضى بأن المتهم برئ حتى تثبت إدانته، حيث إن الواقع العملي يكشف عن العديد من المثالب التي تحيق بإجراءات استصدار هذا القرار، بدءاً من التحقيقات التي يتولاها غالباً من لا يعد كفءً لمثلها، ومروراً بالاستناد إلى أقوال شهود غير موثوق في شهادتهم التي يؤدونها بغير حلف يمين، ومن ثم فإنه يخالف أحكام المواد (66، 67، 68، 72، 86، 166، 176) من الدستور.
وحيث إن هذا النعي -في جملته- مردود، ذلك أن الأصل في اختصاص المشرع بسلطة تنظيم الحقوق أنها سلطة تقديرية مالم يقيدها الدستور بضوابط معينة تعتبر حدوداً لها وفواصل لا يجوز له تجاوزها، وقد جرى قضاء هذه المحكمة على أنه ليس ثمة تناقض بين حق التقاضي وبين تنظيمه تشريعياً، لما كان ذلك وكان اختصاص النيابة العامة بنظر منازعات الحيازة مر من الناحية التشريعية بمرحلتين، أولاهما: تلك التي صدر فيها القانون رقم 29 لسنة 1982 بشأن تعديل بعض أحكام قانون العقوبات الصادر بالقانون رقم 58 لسنة 1937 متضمناً إضافة المادة ( 373) مكرراً إلى المواد الخاصة "بجرائم انتهاك حرمة ملك الغير" الواردة في الباب الرابع عشر من الكتاب الثالث من قانون العقوبات ليجري نصها كالآتي "يجوز للنيابة العامة متى قامت دلائل كافية على جدية الاتهام في الجرائم المنصوص عليها في المواد السابقة من هذا الباب، أن تأمر باتخاذ إجراء تحفظي لحماية الحيازة ، على أن يعرض هذا الأمر خلال ثلاثة أيام على القاضي الجزئي المختص لإصدار قرار مسبب خلال ثلاثة أيام على الأكثر بتأييده أو بتعديله أو بإلغائه، ويجب رفع الدعوى الجنائية خلال ستين يوماً من تاريخ صدور هذا القرار، وعلى المحكمة -عند نظر الدعوى الجنائية - أن تفصل في النزاع بناء على طلب النيابة العامة أو المدعى بالحقوق المدنية أو المتهم بحسب الأحوال، وبعد سماع أقوال ذوي الشأن بتأييد القرار، أو بإلغائه وذلك كله دون مساس بأصل الحق. ويعتبر الأمر أو القرار الصادر كأن لم يكن عند مخالفة المواعيد المشار إليها. وكذلك إذا صدر أمر بالحفظ أو بألا وجه لإقامة الدعوى ". ثانيهما: تلك المرحلة التي قدر المشرع فيها تزايد منازعات الحيازة التي ضاعف من أهميتها حدة أزمة الإسكان وأدى إلى تفاقمها، وأنها قد تبلغ درجة الجريمة في بعض الأحيان. وقد تتوقف في بعض أطوارها عند حدود النزاع المدني ، وأن كثيراً من هذه المنازعات وإن بدت مدنية بحتة إلا أنها قد تشتعل بين أطرافها إلى حد يوشك أن ينتقل بها إلى نطاق الجريمة إذا تركت دون حل وقتي عاجل، ومن ثم وضع المشرع تنظيماً جديداً لمنازعات الحيازة يدخلها في إطار قانون المرافعات المدنية والتجارية ، فأصدر القانون رقم 23 لسنة 1992 الذى أضاف إلى هذا القانون المادة (44) مكرراً التي يجرى نصها على النحو السابق الإشارة إليه. وكان المشرع عند وضع هذا التنظيم الجديد لمنازعات الحيازة -وعلى ما أفصحت عنه المذكرة الإيضاحية لهذا القانون- قد ارتأى أن يكون اختصاص النيابة العامة في هذا الخصوص شاملاً كافة منازعات الحيازة المدنية والجنائية ، وأو كل صدور القرار بشأنها -وبعد سماع أقوال أطراف النزاع وإجراء التحقيقات اللازمة - إلى عضو من أعضاء النيابة العامة بدرجة رئيس نيابة على الأقل، وذلك حتى يكون لمصدر القرار الخبرة والدراية اللازمة لما تتسم به هذه المنازعات من أهمية خاصة ، ولا يمنع صدور هذا القرار المؤقت النيابة العامة من المبادرة إلى رفع الدعوى الجنائية ، إذا شكلت هذه المنازعة جريمة من الجرائم، وأوجب إعلان هذا القرار لذوى الشأن خلال ثلاثة أيام من تاريخ صدوره، والذين يكون لهم التظلم منه أمام القاضي المختص بالأمور المستعجلة بدعوى تُرفع بالإجراءات المعتادة لرفع الدعوى في ميعاد لا يجاوز خمسة عشر يوماً من يوم إعلانه به بحسبان القرار إن صدر من النيابة العامة في شأن منازعة جنائية فهو يتصل بجريمة من الجرائم تدخل في اختصاص القضاء العادي ، كما أن القرار إذا صدر من النيابة العامة في شأن منازعة غير جنائية فإن جهة القضاء العادي هي الأحق بنظر التظلم منه على اعتبار أن الحيازة متفرعة عن الملكية ، وهي رأس المنازعات المدنية وتصدر فيه المحكمة حكماً وقتياً إما بتأييد القرار أو بتعديله أو بإلغائه، وأورى المشرع- إيضاحاً لهذا التنظيم -مؤكداً أن صدور الحكم في التظلم لا يمنع من رفع أية دعاوى سواء كانت مدنية أو جنائية ، متعلقة بالحيازة أو أصل الحق، كما أجازت هذه المادة للقاضي أن يوقف تنفيذ القرار الصادر من النيابة العامة لحين الفصل في التظلم، ومن ثم يبين أن المشرع قد تغيا من تقرير هذا النص مصلحة عامة مشروعة تقوم على أسس موضوعية تبرر ما تضمنه من أحكام، خاصة وأن قرار النيابة العامة لا يعد حكماً قضائياً، ولا يخرج عن كونه إجراءً وقتياً عاجلاً تبرره اعتبارات المحافظة على الأمن العام، ولا يحول دون إمكانية لجوء أصحاب الشأن إلى القضاء للتظلم منه، ومن ثم تنحسر عن النص الطعين قالة الإخلال بحق التقاضي أو التدخل في أعمال السلطة القضائية والإخلال باستقلالها، ولا ينال من ذلك ما أثاره المدعى من أن الواقع العملي كشف عن العديد من المثالب التي تحيط بإجراءات استصدار قرار النيابة العامة بشأن منازعات الحيازة ، ذلك أن الرقابة الدستورية التي تباشرها المحكمة الدستورية العليا في شأن دستورية النصوص التشريعية ، مناطها مخالفة هذه النصوص للدستور، ولا شأن لها بكيفية تطبيقها عملاً.
وحيث إن النص المطعون فيه لا صلة له بمبدأ شخصية العقوبة ، أو مبدأ أصل البراءة ، فضلاً عن انتفاء الزعم بمخالفته نص المادة (86) من الدستور، فإن ما يثيره المدعى في هذا الخصوص يكون على غير أساس.
وحيث إنه لما كان ما تقدم، وكان النص الطعين لا يخالف أي أحكام أخرى في الدستور، فإنه يتعين القضاء برفض الدعوى .
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة برفض الدعوى ، وبمصادرة الكفالة ، وألزمت المدعى المصروفات، ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة .

دستورية تعدد الغرامة بتعدد القضاة المطلوب ردهم

القضية رقم 69 لسنة 22 ق " دستورية "
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم الأحد 13 فبراير سنة 2005 م ، الموافق 4 من المحرم سنة 1426 هـ .
برئاسة السيد المستشار / ممدوح مرعي رئيس المحكمة
وبحضور السادة المستشارين : حمدى محمد على وماهر البحيرى ومحمد على سيف الدين وعدلى محمود منصور ومحمد عبد العزيز الشناوى والدكتور عادل عمر شريف
وحضور السيد المستشار / نجيب جمال الدين علما    رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / ناصر إمام محمد حسن أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
   في القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 69 لسنة 22 قضائية " دستورية " .
المقامة من
السيد / .........
ضد
1      السيد رئيس الجمهورية
2      السيد رئيس مجلس الشعب
3      السيد رئيس مجلس الوزراء
4      السيد وزير العدل
5      السيد رئيس مأمورية استئناف عالي بنى سويف مأمورية الفيوم
6      السيدة / .........
الإجراءات
          بتاريخ الثاني من شهر إبريل سنة 2000 ، أودع المدعى صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة ، بطلب الحكم بعدم دستورية المواد ( 153 ، الفقرة الأخيرة من المادة 157 ، 159 و165 ) من قانون المرافعات المدنية والتجارية ، والمادتين ( 19 ، 20 ) من قانون تنظيم بعض أوضاع وإجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية الصادر بالقانون رقم (1) لسنة 2000 .
          وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرتين ، طلبت فيهما الحكم أصلياً : بعدم قبول الدعوى ، واحتياطياً : برفضها .
          وقدم المدعى مذكرة ردد فيها طلباته الواردة بصحيفة الدعوى .
   وبعد تحضير الدعوى ، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها .
          ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة ، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم .
المحكمة
          بعد الاطلاع على الأوراق ، والمداولة .
          حيث إن الوقائع تتحصل على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق في أن المدعى عليها السادسة كانت قد أقامت الدعوى رقم 474 لسنة 1997 أحوال شخصية أمام محكمة الفيوم الابتدائية ، بطلب الحكم بتطليقها من زوجها المدعى في الدعوى الدستورية طلقة بائنة للضرر بعد زواجه بأخرى ، ولدى تداول نظر الدعوى ، قام المدعى برد هيئة المحكمة ، وأثناء نظر طلب الرد أمام محكمة استئناف بنى سويف " مأمورية الفيوم " ، دفع بعدم دستورية المواد ( 153 ، 159 ، 165 ) من قانون المرافعات المدنية والتجارية ، وبجلسة 6/8/1998 قضت المحكمة برفض طلب الرد وتغريم المدعى ( 3000 جنيه ) . استشكل المدعى في تنفيذ هذا الحكم ، وأثناء نظر الإشكال دفع بعدم دستورية المواد سالفة الذكر ، إلا أن المحكمة حكمت برفض الإشكال والاستمرار في التنفيذ ، وبالتالي فقد سدد قيمة الغرامة المقضي بها وأقام الدعوى رقم 7 لسنة 2000 مدنى بندر الفيوم طالباً الحكم باسترداد المبلغ الذى أداه ، وخلال تداول الدعوى دفع بعدم دستورية المواد ( 153 ، الفقرة الأخيرة من المادة 157 ، 159 ، 165 ) من قانون المرافعات المدنية والتجارية ، وإذ قدرت المحكمة جدية الدفع وصرحت له بإقامة الدعوى الدستورية ، فقد أقام دعواه الماثلة .
وحيث إن المدعى ضمّن صحيفة دعواه الطعن بعدم دستورية نص المادتين ( 19 ، 20 ) من قانون تنظيم بعض أوضاع وإجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية الصادر بالقانون رقم ( 1 ) لسنة 2000 ، إلا أنه من المقرر وعلى ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة أن نطاق الدعوى الدستورية يتحدد بنطاق الدفع المبدى أمام محكمة الموضوع ، وفي الحدود التي تقدر فيها جديته . لما كان ذلك ، وكان المدعى قد حدد دفعه أمام محكمة الموضوع بالمواد ( 153 ، الفقرة الأخيرة من المادة 157 ، 159 ، 165 ) من قانون المرافعات ، وانحصر في هذا النطاق وحده التصريح الصادر له بإقامة الدعوى الدستورية ، فإن الطعن على المادتين ( 19 ، 20 ) من قانون تنظيم بعض أوضاع وإجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية ، يكون مجاوزاً نطاق المسائل الدستورية التي تدعى هذه المحكمة للفصل فيها ، وتغدو الدعوى بالنسبة لهذين النصين غير مقبولة ، لعدم اتصالها بالمحكمة اتصالاً مطابقاً للأوضاع المنصوص عليها بالمادة ( 29 / ب ) من قانونها الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 .
وحيث إنه بالنسبة للطعن على ما نصت عليه الفقرة الأخيرة من المادة (157) من قانون المرافعات المدنية والتجارية من أنه : " وفى جميع الأحوال لا يجوز الطعن في الحكم الصادر برفض طلب الرد إلا مع الطعن في الحكم الصادر في الدعوى الأصلية " ، فلقد سبق للمحكمة الدستورية العليا أن حسمت المسألة المتعلقة بمدى دستورية هذا النص بحكمها الصادر بجلسة 16/11/1996 في الدعوى رقم 38 لسنة 16 " قضائية دستورية " ، والذى قضى برفض الدعوى ، وقد نُشر هذا الحكم في الجريدة الرسمية بالعدد رقم (47) بتاريخ 28/11/1996 . وكان مقتضى نص المادتين ( 48 ، 49 ) من قانون المحكمة الدستورية العليا ، أن يكون لقضاء هذه المحكمة في الدعاوى الدستورية حجية مطلقة في مواجهة الكافة ، وبالنسبة إلى الدولة بسلطاتها المختلفة ، باعتباره قولاً فصلاً في المسألة المقضي فيها ، وهى حجية تحول بذاتها دون المجادلة فيه أو إعادة طرحه عليها من جديد ، مما يتعين معه عدم قبول الدعوى بالنسبة للنص آنف البيان .
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية مناطها توافر ارتباط مباشر بينها وبين المصلحة القائمة في النزاع الموضوعي ، وذلك بأن يكون الفصل في المسائل الدستورية المطعون فيها لازماً للفصل فيما يرتبط بها من طلبات في الدعوى الموضوعية . لما كان ذلك ، وكان النزاع الموضوعي يدور حول مطالبة المدعى استرداد قيمة الغرامة التي أداها تنفيذاً للحكم الصادر من محكمة استئناف بنى سويف " مأمورية الفيوم " في الدعوى رقم 2 لسنة 24 " قضائية " ، وكان سند إلزامه بهذه الغرامة هو المادة (159) من قانون المرافعات المدنية والتجارية بعد استبدالها بالقانون رقم 23 لسنة 1992 وقبل تعديلها بالقانون رقم 18 لسنة 1999 باعتبار أن الحكم بالغرامة صدر بجلسة 6/8/1998 وتنص المادة المذكورة على أن : " تحكم المحكمة عند رفض طلب الرد ، أو سقوط الحق فيه ، أو عدم قبوله ، أو إثبات التنازل عنه ، على طالب الرد بغرامة لا تقل عن مائة جنيه ولا تزيد على ألف جنيه ومصادرة الكفالة ، وفى حالة ما إذا كان الرد مبنياً على الوجه الرابع من المادة (148) فعندئذ يجوز إبلاغ الغرامة إلى ألف وخمسمائة جنيه .
وفى كل الأحوال تتعدد الغرامة بتعدد القضاة المطلوب ردهم ، ..... " . وبالتالي فإن مصلحة المدعى الشخصية والمباشرة تكون مقصورة في الطعن على هذا النص فقط ، دون أن تتعداه إلى المادتين ( 153 ، 165 ) من قانون المرافعات المدنية والتجارية ، إذ تتناول أولهما تنظيم إجراءات رد القضاة وتقرر ثانيتهما عدم صلاحية القاضي الذى أقام دعوى تعويض على طالب الرد أو قدم ضده بلاغاً للحكم في الدعوى وتوجب تنحيه عن نظرها ، ومن ثم ينحصر نطاق الدعوى الدستورية الماثلة في الطعن على نص المادة (159) المار ذكره محدداً نطاقاً على النحو المتقدم . متى كان ذلك ، وكان من شأن القضاء بعدم دستورية النص المطعون فيه ، أحقية المدعى في استرداد قيمة الغرامة المطالب بها ، بعد زوال السند القانوني الذى كان مصدراً لها ، فإنه تتوافر له مصلحة شخصية مباشرة في دعواه الدستورية تنعكس على طلباته في دعوى الموضوع ، بما يضحى معه الدفع بعدم قبول الدعوى المبدى من هيئة قضايا الدولة مفتقداً أساسه الصحيح ، حرياً بالالتفات عنه .
وحيث إن المدعى ينعى على النص المطعون فيه مخالفة المواد ( 2 و40 و68 و69 ) من الدستور ، وذلك بتقييده حق التقاضي بجعل النفاذ إليه محملاً بأعباء مالية وإجرائية تعوق ولوجه ، بما يحول بين المواطنين وطرق أبواب العدالة ، كما ينطوي على تمييز القضاة عن غيرهم ، مما يخّل بقاعدة المساواة ويخالف الشريعة الإسلامية .
وحيث إنه عن النعي بمخالفة النص الطعين للشريعة الإسلامية فإنه مردود ، ذلك أن المقرر في قضاء هذه المحكمة أنه لا يجوز لنص تشريعي يصدر بعد تعديل المادة الثانية من الدستور في عام 1980 ، أن يناقض الأحكام الشرعية القطعية في ثبوتها ودلالتها معاً ، باعتبار أن هذه الأحكام وحدها هي التي يمتنع الاجتهاد فيها لأنها تمثل من الشريعة الإسلامية ثوابتها التي لا تحتمل تأويلاً أو تبديلاً ، أما الأحكام غير القطعية في ثبوتها أو دلالتها أو فيهما معاً ، فإن باب الاجتهاد يتسع فيها لمواجهة تغير الزمان والمكان ، وتطور الحياة وتنوع مصالح العباد ، وهو اجتهاد إن كان جائزاً ومندوباً من أهل الفقه ، فهو بذلك أوجب لولى الأمر ليواجه به ما تقتضيه مصلحة الجماعة درءاً لمفسدة أو جلباً لمنفعة أو درءاً وجلباً للأمرين معاً . لما كان ذلك ، وكان إلزام طالب رد القاضي بغرامة عند رفض طلبه ، أو سقوط الحق فيه ، أو عدم قبوله ، أو تنازله عنه ، من الأمور الوضعية التي لا تندرج تحت قاعدة كلية أو جزئية من قواعد الشريعة الإسلامية قطعية الثبوت والدلالة ، فإنه يكون لولي الأمر عن طريق التشريعي الوضعي تنظيمها بما يتفق ومصلحة الجماعة ، ويكون النعي بمخالفة النص المطعون عليه للشريعة الإسلامية فاقداً لسنده .
وحيث إن نعى المدعى على النص المطعون فيه مخالفة المادة (40) من الدستور فيما نصت عليه من أن المواطنين لدى القانون سواء مردود ، ذلك أن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن القاضي المطلوب رده لا يعتبر طرفاً ذا مصلحة شخصية مباشرة في خصومة الرد التي لا يتعلق موضوعها بحقوق ذاتية لأطرافها يجرى إثباتها ونفيها وفقاً لقواعد حددها المشرع سلفاً ويتكافأ مركز الخصوم في مجال تطبيقها وعلى الأخص فيما يتعلق بالأدلة التي يجوز تقديمها وتقدير كل دليل منها ، وإنما تقوم خصومة الرد أساساً على تمسك أحد الأخصام في الدعوى الموضوعية بمخالفة القاضي المطلوب رده حال نظر تلك الدعوى للقواعد القانونية المقررة ، ولهذا أفرد المشرع لهذه الخصومة إجراءات معينة راعى فيها طبيعتها الخاصة ، حرصاً منه على ألا تُتخذ سبيلاً للنيل من كرامة القاضي بغير حق . لما كان ذلك ، وكانت المساواة التي نصت عليها المادة (40) من الدستور تستهدف عدم التمييز بين أفراد الطائفة الواحدة إذا تماثلت مراكزهم القانونية ، وكان المركز القانوني للقاضي المطلوب رده يختلف عن المركز القانوني لطالب الرد في خصوص هذه الخصومة ، فإن الإخلال بمبدأ المساواة لا يكون قائماً على أساس ويتعين تبعاً لذلك رفض ما أثاره المدعى بهذا الشأن .
وحيث إن ما يثيره المدعى بشأن مخالفة النص المطعون فيه للمادتين ( 68 ، 69 ) من الدستور في غير محله ، ذلك أن قضاء هذه المحكمة اطرد على وجوب أن يكون لكل خصومة قضائية قاضيها ، وتلتزم الدولة بأن توفر لكل فرد وطنياً كان أم أجنبياً نفاذا ميسراً إلى محاكمها ، لا تثقله أعباء مالية ولا تحول دونه عوائق إجرائية ، على أن يكون للخصومة القضائية في نهاية المطاف حل منصف يتمثل في الترضية القضائية التي يسعى إليها من يطلبها لمواجهة الإخلال بحقوقه التي يدعيها . إذا كان ذلك ، وكان الحق في رد قاض بعينه عن نظر نزاع محدد وثيق الصلة بحق التقاضي ، وقد وازن المشرع بالنصوص التي نظم بها رد القضاة بين أمرين ، أولهما : ألا يفصل في الدعوى قضاة داخلتهم شبهة تؤثر في حيدتهم ، ثانيهما : ألا يكون رد القضاة مدخلاً إلى التشهير بهم دون حق . وإذا كانت سلطة المشرع في تنظيم الحقوق ومن بينها حق التقاضي سلطة تقديرية جوهرها المفاضلة التي يجريها بين البدائل المختلفة ، لاختيار أنسبها وأكفلها تحقيقاً للأغراض التي يتوخاها ، وقد جرى قضاء هذه المحكمة ، على أن التنظيم التشريعي لحق التقاضي ، لا يتقيد بأشكال جامدة ، بل يجوز أن يغاير المشرع فيما بينها ، وأن يقدر لكل حال ما يناسبها .
وحيث إنه ترتيباً على ما تقدم ، وكانت خصومة الرد لها طبيعتها الخاصة في موضوعها وإجراءاتها ، ولذا أحاطها المشرع بضمانات معينة راعى فيها أساساً عدم إطلاقها من عقالها انحرافاً بها عن غاياتها ، وصوناً في الوقت ذاته للقاضي من إفك قد يُرمى به ، أو باطل يأتيه من بين يديه أو من خلفه ، مما لازمه ومقتضاه فرض غرامة مالية على طالب الرد في حالة رفض طلبه ، وبما يجعل ممارسة حق الرد منوطاً بتوافر الجدية اللازمة ، ودون أن يحيق ضرر بطالب الرد إذا أقام طلبه على سبب صحيح في القانون ، وذلك منعاً من استخدام هذا الحق سبيلاً للكيد وعرقلة الفصل في الدعاوى ، وهى اعتبارات موضوعية تبرر القضاء بالغرامة ، وتندرج في سلطة المشرع التقديرية في تنظيمه لحق التقاضي ، إذا كان ذلك ، وكان النص الطعين لم يخل بحق التقاضي ، أو يحجب رد القضاة بالإفتئات على حقوق طالبي الرد ، وكان هذا النص لم يتجاوز حدود السلطة التقديرية التي يملكها المشرع في مجال تنظيم الحقوق ، فإن الحكم برفض الدعوى يكون متعيناً .
فلهذه الأسباب
          حكمت المحكمة برفض الدعوى وبمصادرة الكفالة ، وألزمت المدعى المصروفات ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة

الخميس، 22 مارس 2018

دستورية إعطاء القاضي حق تطليق الزوجة من زوجها دون رضائه رغم عدم ثبوت الضرر


القضية رقم 82 لسنة 17 ق "دستورية ".
باسم  الشعب
المحكمة   الدستورية   العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم  السبت 5 يوليو سنة 1997 الموافق 30 صفر 1418 هـ .
برئاسة السيد المستشار الدكتور/ عوض محمد عوض المر    رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين : فاروق عبد الرحيم غنيم وعبد الرحمن نصير والدكتور عبد المجيد فياض ومحمد على سيف الدين وعدلي محمود منصور ومحمد عبد القادر عبد الله
وحضور السيد المستشار الدكتور/ حنفى على جبالى  رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد/ حمدى أنور صابر    أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 82 لسنة 17 قضائية "دستورية ".
المقامة من
السيد / .............
ضد
1.  السيد/ رئيس الجمهورية
2.   السيد/ رئيس الوزراء
3.  السيد/ وزير العدل
4.  السيدة / .........
" الإجراءات  "
  بتاريخ الحادي عشر من ديسمبر سنة 1995، أودع المدعى صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة ، طالباً الحكم بعدم دستورية نصى المادتين  السادسة والحادية عشرة من المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929 الخاص ببعض أحكام الأحوال الشخصية المعدل بالقانون رقم 100 لسنة 1985 بتعديل بعض أحكام قوانين الأحوال الشخصية ، فيما تضمناه من إعطاء القاضي حق تطليق الزوجة من زوجها دون رضائه رغم عدم ثبوت الضرر.
          قدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت في ختامها الحكم برفض الدعوى .
   وبعد تحضير الدعوى ، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
          ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة ، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
" المحكمة "
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة .
 حيث إن الوقائع -على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق- تتحصل في أن المدعى كان قد وجه إلى زوجته -المدعى عليها الرابعة - بتاريخ 21/9/1994 إنذاراً بالدخول في طاعته؛ فردت عليه بالاعتراض المقيد بجدول محكمة القاهرة الابتدائية للأحوال الشخصية "نفس" رقم 1965 لسنة 1994؛ وأثناء نظر الاعتراض أضافت طلب التفريق عملاً بالفقرة الأخيرة من المادة (11) مكرراً من المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929 المعدل بالقانون رقم 100 لسنة 1985 وبجلسة 7/11/1995 دفع المدعى بعدم دستورية المادتين (6، 11) من هذا القانون، وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية دفعه؛ وصرحت له برفع دعواه الدستورية ، فقد أقام الدعوى الماثلة
  وحيث إن المدعى ينعى على النصين المطعون فيهما مخالفتهما لمبادئ الشريعة الإسلامية ، ولأحكام المادتين (9، 10) من الدستور، وذلك من أوجه أربعة : [أولها] أن الله بواسع حكمته، اختص الأزواج بالطلاق، وأسنده إليهم باعتبار أن عقد الزواج عهد وميثاق ميزه الإسلام عن سائر العقود، فلا يجري على نسقها، ولا يقاس عليها، ومؤدى أحكامه أن الزوج وحده هو الذى يملك حل عقدته. ولو كان الله سبحانه وتعالى يجيز تطليق الزوجة من زوجها رغم ممانعته، لفتح باباً لذلك في كتابه العزيز؛ وإذ لم يفعل، فإن الاجتهاد لا يجوز أن ينزلق إلى تغيير حكم الله تعالى [ثانيها] أنه حتى الخلع -وعند قيام مقتضاه- وإن كان جائزاً شرعاً بتراض من الزوجين؛ ويحق للقاضي إلزام الزوج به؛ إلا أنه لا يملك أن يحل محل الزوج في إيقاع الطلاق. [ثالثها] أن قيام القاضي بتطليق الزوجة من زوجها رغماً عنه واستجابة لطلبها رغم عدم ثبوت الضرر، يعني انتقال حق الطلاق إليها بما يخالف مبادئ الشريعة الإسلامية ؛ ويهدم روابط الأسرة وهى أساس المجتمع؛ ويناقض التزام الدولة بحماية الأمومة والطفولة .  [رابعها]  أن النصين المطعون عليهما خالفا مبدأ مقرراً في تشريعات الأحوال الشخصية نصت عليه المادة (280) من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية ، ومؤداه: أن تصدر الأحكام -حال غياب نص في المسائل التي تتعلق بها- طبقاً لأرجح الأقوال من مذهب أبى حنيفة ؛ وهذا المذهب -ومعه المذهب الشافعي والظاهرية وغيرهم- على أن الزوجة ليس لها طلب التفريق من زوجها عند وقوع شقاق بينهما، وهو ما يتفق مع أحكام الشريعة الإسلامية ولا يجاوزها؛ فيما يرى المالكية وحدهم -وبمذهبهم أخذ القانون المطعون فيه- أن للزوجة في حالة الشقاق، أن تطلب من القاضي التفريق بينها وبين زوجها، وبذا يكون القانون قد ترك الرأي الأرجح في الفقه إلى الرأي الأضعف.
    وحيث إن المادتين المطعون عليهما من المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929 الخاص ببعض أحكام الأحوال الشخصية ، تجريان على النحو الآتي :- 
          مادة (6) "إذا ادعت الزوجة إضرار الزوج بها بما لا يستطاع معه دوام العشرة بين أمثالهما، يجوز لها أن تطلب من القاضي التفريق، وحينئذ يطلقها القاضي طلقة بائنة إذا ثبت الضرر وعجز عن الإصلاح بينهما، فإذا رفض الطلب ثم تكررت الشكوى ، ولم يثبت الضرر، بعث القاضي حكمين، وقضى على الوجه المبين بالمواد  (7، 8،  9، 10، 11)".
مادة (11) "وعلى الحكمين أن يرفعا تقريرهما إلى المحكمة مشتملاً على الأسباب التي بنى عليها، فإن لم يتفقا، بعثتهما مع ثالث له خبرة بالحال وقدرة على الإصلاح، وحلفته اليمين المبينة في المادة (8) . وإذا اختلفوا أو لم يقدموا تقريرهم في الميعاد المحدد، سارت المحكمة في الإثبات، وإن عجزت المحكمة عن التوفيق بين الزوجين وتبين لها استحالة العشرة بينهما وأصرت الزوجة على الطلاق قضت المحكمة بالتطليق بينهما بطلقة بائنة مع إسقاط حقوق الزوجة المالية كلها أو بعضها وإلزامها بالتعويض المناسب إن كان لذلك كله مقتضى ".
          وحيث إن المادة (11) مكرراً (ثانياً) من هذا المرسوم بقانون، تنص على ما يأتي "إذا امتنعت الزوجة عن طاعة الزوج دون حق، توقف نفقة الزوجة من تاريخ الامتناع.
وتعتبر ممتنعة دون حق إذا لم تعد لمنزل الزوجية بعد دعوة الزوج إياها للعودة بإعلان على يد محضر لشخصها أو من ينوب عنها، وعليه أن يبين في هذا الإعلان المسكن.
وللزوجة الاعتراض على هذا أمام المحكمة الابتدائية خلال ثلاثين يوماً من تاريخ هذا الإعلان، وعليها أن تبين في صحيفة الاعتراض الأوجه الشرعية التي تستند إليها في امتناعها عن طاعته، وإلا حكم بعدم قبول اعتراضها.
          ويعتد بوقف نفقتها من تاريخ انتهاء ميعاد الاعتراض إذا لم تتقدم به في الميعاد.
وعلى المحكمة عند نظر الاعتراض، أو بناء على طلب أحد الزوجين، التدخل لإنهاء النزاع بينهما صلحاً باستمرار الزوجية وحسن المعاشرة ، فإذا بان لها أن الخلاف مستحكم وطلبت الزوجة التطليق اتخذت المحكمة إجراءات التحكيم الموضحة في المواد من (7 إلى 11) من هذا القانون".
          وحيث إن النزاع الموضوعي يدور حول طلب الزوجة التطليق أثناء نظر اعتراضها على دعوة زوجها لها للعودة إلى مسكن الزوجية طبقاً للمادة (11) مكرراً ثانياً من المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929 الخاص ببعض أحكام الأحوال الشخصية ؛ وكان طلبها التطليق على هذا النحو، يؤسس على أن النزاع بينها وبين زوجها قد صار عميقاً وخلافهما مستحكماً، وأن صدعها لا زال غائراً حتى بعد التدخل لإنهاء شقاقهما صلحاً، ودعوتهما إلى معاشرة تستقيم بها حياتهما، فإن سبب دعواها هذه يكون مختلفاً عن طلب التطليق إعمالاً لحكم المادة (6) من هذا القانون التي ينحصر مجال تطبيقها فيما هو إيذاء من الزوج لزوجته بقول أو بفعل بما لا يليق بأمثالهما؛ وكانت المادة الحادية عشرة -بما لها من صلة بالنزاع الموضوعي بحكم الإحالة إليها في عجز المادة (11) مكرراً ثانياً- هي وحدها التي تتصل بها الدعوى الدستورية الراهنة ؛ فإن نطاق هذه الدعوى ينحصر فيها.
          وحيث إن الفقرة الأخيرة من المادة (11) مكرراً ثانياً -المشار  إليها- توجب على المحكمة عند نظر الاعتراض، أو بناء على طلب أحد الزوجين؛ التدخل لإنهاء النزاع بينهما صلحاً باستمرار الزوجية وحسن المعاشرة ؛ فإذا بان لها أن خلافهما صار مستحكماً وشقاقهما عميقاً، وطلبت الزوجة التطليق، اتخذت المحكمة إجراءات التحكيم الموضحة في المواد من (7 إلى 11) من هذا القانون. وقد تناولت المادة السابعة الشروط الواجب توافرها في الحكمين؛ وحددت المادة الثامنة البيانات التي يشتمل عليها القرار الصادر ببعثهما؛ وأوضحت المادة التاسعة طريقة عملهما؛ وبينت المادة العاشرة ما يجب عليهما أن يقترحاه إذا عجزا عن الإصلاح؛ ثم فصلت المادة الحادية عشرة -المطعون عليها- الإجراءات التي يتعين على المحكمة اتباعها قبل أن تقضى بتطليق الزوجة من زوجها.
          وحيث إن من المقرر في قضاء هذه المحكمة ، أن حكم المادة الثانية من الدستور -بعد تعديلها في 22 من مايو سنة 1980- يدل على أن الدستور أو ردها ليفرض بمقتضاها -واعتباراً من تاريخ العمل بهذا التعديل- قيداً على السلطة التشريعية يلزمها فيما تقره من النصوص القانونية ؛ بألا تناقض أحكامها مبادئ الشريعة الإسلامية في أصولها الثابتة -مصدراً وتأويلاً- بعد أن اعتبرها الدستور مرجعاً ترد إليه هذه النصوص فلا تعارضها؛ باعتبار أن هذه الأحكام وحدها هي التي يكون الاجتهاد فيها ممتنعاً؛ إذ هي عصية على التعديل، ولا يجوز الخروج عليها، أو الالتواء بها عن معناها. وتنصب ولاية المحكمة الدستورية العليا في شأنها على مراقبة التقيد بها؛ وتغليبها على كل قاعدة قانونية تعارضها.
          ولا كذلك الأحكام الظنية غير المقطوع بثبوتها أو بدلالتها، أو بهما معاً، ذلك أن دائرة الاجتهاد تنحصر فيها، ولا تمتد لسواها؛ وهى بطبيعتها متطورة تتغير بتغير الزمان والمكان؛ لضمان مرونتها وحيويتها، ولمواجهة النوازل على اختلافها تنظيماً لشئون العباد بما يكفل مصالحهم المعتبرة شرعاً؛ ولا يعطل بالتالي حركتهم في الحياة ؛ على أن يكون الاجتهاد دوماً واقعاً في إطار الأصول الكلية للشريعة بما لا يجاوزها؛ ملتزماً ضوابطها الثابتة ، متحرياً مناهج الاستدلال على الأحكام العملية والقواعد الضابطة لفروعها، كافلاً صون المقاصد الكلية للشريعة بما تقوم عليه من حفاظ على الدين والنفس والعقل والعرض والمال.
          وحيث إن الطلاق وإن شرع رحمة من الله بعباده، وجعل أمره بيد الرجل باعتباره أقدر على تحكيم العقل وتبصر العاقبة ؛ وكان الطلاق من فرق النكاح التي ينحل الزواج الصحيح بها بلفظ مخصوص صريحاً كان أم كنائياً؛ وكان غالباً ما يقع إذا ما غفا وازع الدين والخلق، وصار بنيان الأسرة متهادماً، وصرحها متداعياً، ورباطها متآكلاً يكاد أن يندثر؛ وكان وقوع شقاق استفحل أمره بين الزوجين انحرافا من أحدهما أو كليهما عن مقاصد الزواج، يقيم بينهما جفوة في المعاملة لا يكون العدل والإحسان قوامها، بل يذكيها التناحر، فلا تكون حياتهما إلا سعيراً يمتد أواره إلى الأسرة جميعها، فلا يؤول أمرها إلا هشيماً، ولا يكون إلفها ووفاقها إلا حسيراً؛ وكان خلافهما وإن صار عميقاً، ونزاعهما مستحكماً، لا يحول دون جهد يبذل من جانبهما، أو من قبل رجلين عدلين من أهلهما إن أمكن، يسعيان بينهما معروفاً، وينظران في أمرهما ليقيما بينهما حدود الله تعالى ، فإن تعذر أن يصلحا ما اختل من شئونهما، أغنى الله  -إن تفرقا- كلا من سعته. بيد أن الفقهاء مختلفون فيمن يستبد  حينئذ بالتفريق بينهما، ولكل وجهة هو موليها.
          وحيث إن أصل التحكيم عند وقوع شقاق بين الزوجين مرده إلى قوله تعالى "وإن خفتم شقاق بينهما، فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها إن يريدا إصلاحاً يوفق الله بينهما، إن الله كان عليماً خبيرا"، وكان الفصل فيما إذا كان الحكمان لا يكلفان إلا بأن يصلحا بين زوجين استفحل عنادهما وجفاؤهما، أم أنهما مطالبان عند إخفاقهما في ذلك بأن يفرقا بينهما بمال أو بغير مال، رضيا أم أبيا، لا يندرج تحت المسائل التي حسمتها الشريعة الإسلامية في مبادئها الكلية المقطوع بثبوتها ودلالتها، فإن حدود مهمتهما تعد من المسائل الاجتهادية التي يتصور أن تتباين الأنظار في شأنها، فمن نظر من الفقهاء -كأبي حنيفة وأصحابه والظاهرية والشيعة الإمامية والشافعي في أحد قوليه- إلى أن عمل الحكمين لا يجاوز سعيهما إلى التوفيق بين زوجين استحكم خلافهما، سلباهما حق التفريق إلا بتفويض من الزوج، استصحاباً للأصل في الطلاق، وهو معقود بيده إلا أن يوكل غيره فيه، ولأن الحياة الزوجية -في رأيهم- لا تصفو من شقاق يخالطها عادة ، فلا يجوز أن يكون خلافهما أياً كان مداه، سبباً لحل عقدتها وفصم رابطتها ومن نحا من الفقهاء إلى جعلهما حاكمين، كالمالكية وأحمد بن حنبل في إحدى روايتين عنه، يخولانهما أن يقررا في شأن الزوجين ما ينتهيان إليه بعد بحثهما لأحوالهما، سواء كان قرارهما بجمعه ما أم بالتفريق بينهما، على أن يتولى القاضي إمضاء حكمهما وتنفيذه وهم يؤسسون اجتهادهم على أن الله تعالى اعتبر المبعوثين حكمين لا وكيلين، ولو أرادهما وكيلين ما قصرهما على أهله وأهلها. وبعثهما إلى الزوجين غير معلق على قبول زوجها، ولا يتصور بالتالي أن يكون قد أنابهما عنه في مهمتهما محدداً إطارها كذلك فإن اتصال الشقاق بين زوجين واطراد نزاعهما يشى بأن جذوة حياتهما تكاد أن ترتد عن مواقعها، وأن مضاراً يتعذر احتمالها أو القبول بها، صار أمرها بادياً وأثرها ملحوظاً، فإذا لم يتدخل زوجها لرفعها، قام الحكمان بدفعها.
          وحيث إن النص المطعون فيه - وفى حدود السلطة التي يملكها ولي الأمر لاستنباط الأحكام الشرعية العملية من أدلتها التفصيلية -نظر إلى الحكمين- لا باعتبارهما مخولين حق التفريق بين الزوجين، وإنما بكون بعثهما ليحيطا بمظاهر النزاع بينهما، على أن يقفا كذلك على أسبابها، ثم يحددا بعدئذ من يكون منهما مسيئاً إلى الآخر، وما ينبغي أن يرفع به النزاع من فرقة دون بدل أو ببدل يكون متناسباً وقدر الإساءة أو نسبتها. ولا يناقض هذا الاجتهاد من ولي الأمر حكماً قطعياً، بل يقع في دائرة المسائل الخلافية التي تتفرق الآراء من حولها، والتي لا تتقيد الحلول التشريعية المتعلقة بها بغير ما يكفل للعباد مصالحهم المعتبرة شرعاً، فلا تكلفهم ما لا يطيقون، أو تقنطهم مما يأملون وفق مقاصد شريعتهم، وبمراعاة أصولها.
          وحيث إن ما ينعاه المدعى من أن النص المطعون فيه يناقض ما استقر عليه العمل من الرجوع في المسائل التي تخلو من نص يحكمها، إلى أرجح الأقوال في المذهب الحنفي -وهو لا يقر تفريق المرأة من زوجها عند وقوع شقاق بينهما- مردود أولاً: بما جرى عليه  قضاء هذه المحكمة من أن أية قاعدة قانونية ولو كان العمل قد استقر عليها أمداً، لا تحمل في ذاتها ما يعصمها عن العدول عنها، وإبدالها بقاعدة جديدة لا تصادم حكماً شرعياً قطعياً وروداً ودلالة ، وتكون في مضمونها أرفق بالعباد، وأحفل  بشئونهم، وأكفل لمصالحهم الحقيقية التي يجوز أن تشرع الأحكام لتحقيقها بما يلائمها، فذلك وحده طريق الحق والعدل؛ وهو خير من فساد عريض. ومن ثم ساغ الاجتهاد في المسائل الاختلافية التي لا يجوز أن تكون أحكامها جامدة بما ينقض كمال الشريعة ومرونتها، ذلك إن إعمال حكم العقل فيما لا نص فيه، توصلاً لتقرير قواعد عملية يقتضيها عدل الله ورحمته بين عباده، مرده أن هذه القواعد تسعها الشريعة الإسلامية ، إذ هي غير منغلقة على نفسها، ولا تضفى قدسية على أقوال أحد من الفقهاء في شأن من شئونها، ولا تحول دون مراجعتها وتقييمها وإبدال غيرها بها بمراعاة المصلحة الحقيقية التي يقوم عليها دليل شرعي فالآراء الاجتهادية لا تجاوز حجيتها قدر اقتناع أصحابها بها، ولا يسوغ  بالتالي اعتبارها شرعاً ثابتاً متقرراً لا يجوز أن ينقض، وإلا كان ذلك نهياً عن التأمل والتبصر في دين الله تعالى ، وإنكاراً لحقيقة أن الخطأ محتمل في كل اجتهاد. ومن ثم صح القول بأن اجتهاد أحد من الفقهاء، ليس بالضرورة أحق بالاتباع  من اجتهاد غيره؛ وربما كان أضعف الآراء سنداً، أكثرها ملاءمة للأوضاع المتغيرة ، ولو كان مخالفاً لأقوال استقر عليها العمل زمناً. 
          ومردود ثانياً: بأن الاجتهاد في الأحكام الظنية وربطها بمصالح الناس، عن طريق الأدلة الشرعية -النقلية منها والعقلية - وإن كان حقاً لأهل الاجتهاد؛ فأولى أن يكون هذا الحق مقرراً لولى الأمر، ينظر في كل مسألة بخصوصها، بما يناسبها إخماداً للثائرة وإنهاء للتنازع والتناحر وإبطالاً للخصومة ؛ مستعيناً في ذلك كله بمن يفقهون دينهم، ولا يكون عملهم إلا فهماً أعمق لقواعده، وهو في ذلك لا يتقيد بالضرورة بآراء الآخرين، بل يجوز أن يشرع على خلافها، وأن ينظم شئون العباد في بيئة بذاتها تستقل بأوضاعها وظروفها  الخاصة ، بما يرد الأمر المتنازع عليه إلى الله ورسوله؛ مستلهماً في ذلك حقيقة أن المصالح المعتبرة هي تلك التي تكون مناسبة لمقاصد الشريعة ، متلاقية معها؛ وهى بعد مصالح لا تتناهي جزئياتها أو تنحصر تطبيقاتها؛ ولكنها تتحدد تبعاً لما يطرأ عليها من تغيير وتطور. ومن ثم كان حقاً عند الخيار بين أمرين مراعاة أيسرهما مالم يكن إثماً؛ وكان واجباً كذلك ألا يشرع ولى الأمر حكماً يضيق على الناس؛ أو يرهقهم من أمرهم عسراً؛ وإلا كان مصادماً لقوله تعالى "ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج" ولازم ذلك، أن الاجتهاد حق لولى الأمر في الدائرة التي شرع فيها، ليكون كافلاً وحدة الشريعة ميسراً لقواعدها؛ بإمدادها دوماً بما يعين على اكتمال نمائها.
          وحيث إن ما نص عليه الدستور في المادة (9) -وأحكامه متكاملة لا تنافر فيها- من أن الأسرة قوامها الدين والأخلاق والوطنية ، وأن صون طابعها الأصيل وإرساء قيمها وتقاليدها ضرورة لا يجوز لأحد أن ينحيها، مؤداه: أن الأسرة لا يصلحها شقاق استفحل مداه ومزق تماسكها ووحدتها، ودهمها بالتالي تباغض يشقيها، بما يصد عنها تراحمها وتناصفها، فلا يرسيها على الدين والخلق القويم؛ وكان النص المطعون فيه -وقد أجاز التفريق بين زوجين غشيهما وأمضهما نزاع مستحكم- قد هيأ لهما مخرجاً يرد عنه ما كل حرج، ويزيل عسرهما، فلا تكون حياتهما وزراً وهضماً، ولا عوجاً وأمتاً، فإنه بذلك لا يكون مخالفاً للدستور.
          وحيث إن ما ينعاه المدعى من أن النص المطعون فيه -في مجال تطبيقه على طلب التطليق العارض المبدى أثناء نظر اعتراض الزوجة على إعلان الطاعة - لا يخول المحكمة أن تفرق بين الزوجين حتى بعد تدخلها لإنهاء نزاعهما صلحاً، ودعوتهما إلى حسن العشرة ، بل جعل الحكم بالتطليق متوقفاً على طلبها، وعائداً بالتالي إلى إرادتها، ولو ثبت أن خلافها مع زوجها أظمأ حياتهما وأظلمها، مردود أولاً: بأن المشرع قدر أن إنهاء الشقاق بين زوجين، يقتضى من المحكمة أن تتدخل أولاً بنفسها لإصلاح أمر هما، وأن تدعوهما إلى حسن المعاشرة . فإذا بان لها أن جهدها قد قصر عن بلوغ الأغراض التي توخاها، وأن خلافهما قد أحاط بهما، وأنهما أسرفا على نفسيهما، كان عليها أن تحيل أمر هما إلى حكمين -أو ثلاثة - ينظران في أحوالهما بيد أن المشرع شرط للجوئها إلى التحكيم، أن تفصح الزوجة بنفسها عن اتجاه إرادتها إلى التطليق من زوجها، تقديراً بأنها قد ترجح مصلحة أسرتها حتى بعد شقاقها مع شريكها، فلا تتخلى عنها، بل تقبل صابرة على مجاهدة نفسها لتقويم عوارضها -ولو تحيفها زوجها حقاً مقرراً لها شرعا- فلا يرتفع قيد النكاح وتلك مصلحة مشروعة لا يجوز إسقاطها، أو التهوين منها. ومردود ثانياً: بأن العقيدة الإسلامية قوامها خلقاً متكاملاً وسلوكاً متسامياً، وأعمق فضائلها أن يكون المؤمن منصفاً خيراً فطناً، معاوناً لغيره، رءوفاً بالأقربين، فلا يمد يده لأحد بسوء، ولا يلحق بالآخرين ضرراً غير مبرر، بل يكون للحق عضداً، وللمروءة نصيراً، ولإباء النفس وشممها ظهيراً. وما الزواج إلا علاقة نفسية واجتماعية يرتهن بقاؤها بمودتها ورحمتها، باعتدالها ويقظتها، بعدلها وإحسانها وتمزيق أوصالها بالشحناء، إيهان لها ومروق عن حقيقتها. وكلما استبد الرجل بزوجه وأرهقها صعوداً بما يجاوز حد احتمالها، فإن طلبها التفريق منه يكون جزاء وفاقاً. وإذا كان عتو خلافهما، قد أحال مسراه ضلالاً، أفلا تستجير من بأسائها بطلبها التفريق من زوجها، ثم الإصرار عليه ومردود ثالثاً: بأن تعليق الحكم بالتطليق على إصرارها على طلب الخلاص من زوجها، يتمحض قيداً على سلطة المحكمة في التفريق بينهما، وهو ما تتحقق به مصلحته في النزاع الموضوعي .
فلهذه الأسباب
          حكمت المحكمة برفض الدعوى وألزمت المدعى المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة .

دستورية تشكيل واختصاص محاكم الأحداث (الطفل)


القضية رقم 47 لسنة 22 ق  " دستورية "
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم الأحد 10 فبراير سنة 2002 الموافق 27 ذو القعدة سنة 1422 هـ .
برئاسة السيد المستشار / عبد الرحمن نصير    نائب رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين:- ماهر البحيرى ومحمد على سيف الدين وعدلى محمود منصور ومحمد عبد القادر عبد الله وعلى عوض محمد صالح وأنور رشاد العاصى
وحضور السيد المستشار / سعيد مرعى عمرو رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / ناصر إمام محمد حسن  أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 47 لسنة 22 قضائية  " دستورية "
المقامة من
السيد / ...... بصفته ولياً طبيعياً على ابنه الحدث .....
ضد
1 – السيد / رئيس الجمهورية
2 – السيد الدكتور / رئيس مجلس الوزراء
3 – السيد المستشار / وزير العدل
" الإجراءات "
بتاريخ الثالث والعشرين من فبراير سنة 2000، أودع المدعى قلم كتاب المحكمة صحيفة الدعوى الماثلة ، طالباً الحكم بعدم دستورية نصوص المواد أرقام (121، 122، 124) من قانون الطفل الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 1996.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم برفض الدعوى .
وبعد تحضير الدعوى ، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونُظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة ، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
" المحكمة "
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة .
حيث إن الوقائع -على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق- تتحصل في أن النيابة العامة كانت قد اتهمت الحدث (ابن المدعي ) بارتكاب جناية هتك عرض، وقدمته للمحاكمة أمام محكمة جنح مركز الفيوم لمعاقبته بالمواد المبينة بأمر الإحالة . وأثناء نظر الدعوى دفع المتهم بعدم دستورية المواد (121، 122، 124) من قانون الطفل الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 1996، وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية هذا الدفع، وصرحت له بإقامة الدعوى الدستورية ، فقد أقام المدعى الدعوى الماثلة .
وحيث إن المادة (121) من قانون الطفل الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 1996 تنص على أن "تشكل محكمة الأحداث من ثلاثة قضاة . ويعاون المحكمة خبيران من الأخصائيين أحدهما على الأقل من النساء ويكون حضورهما إجراءات المحاكمة وجوبياً. وعلى الخبيرين أن يقدما تقريرهما للمحكمة بعد بحث ظروف الطفل من جميع الوجوه وذلك قبل أن تصدر المحكمة حكمها .
ويعين الخبيران المشار إليهما بقرار من وزير العدل بالاتفاق مع وزير الشئون الاجتماعية وتحدد الشروط الواجب توافرها فيمن يعين خبيراً بقرار من وزير الشئون الاجتماعية .
ويكون استئناف الأحكام الصادرة من محكمة الأحداث أمام محكمة استئنافية تشكل بكل محكمة ابتدائية من ثلاثة قضاة . اثنان منهما على الأقل بدرجة رئيس محكمة . ويراعى حكم الفقرتين السابقتين في تشكيل المحكمة " .
كما تنص المادة (122) من القانون ذاته على أن " تختص محكمة الأحداث دون غيرها بالنظر في أمر الطفل عند اتهامه في إحدى الجرائم أو تعرضه للانحراف. كما تختص بالفصل في الجرائم المنصوص عليها في المواد من (113) إلى (116) و المادة (119) من هذا القانون.
واستثناء من حكم الفقرة السابقة يكون الاختصاص لمحكمة الجنايات أو محكمة أمن الدولة العليا بحسب الأحوال، بنظر قضايا الجنايات التي يتهم فيها طفل جاوزت سنه خمس عشرة سنة وقت ارتكابه الجريمة متى أسهم في الجريمة غير طفل واقتضى الأمر رفع الدعوى الجنائية عليه مع الطفل. وفى هذه الحالة يجب على المحكمة قبل أن تصدر حكمها أن تبحث ظروف الطفل من جميع الوجوه. ولها أن تستعين في ذلك بمن تراه من الخبراء".
كما تنص المادة (124) على أن " يتبع أمام محكمة الأحداث في جميع الأحوال القواعد والإجراءات المقررة في مواد الجنح ما لم ينص القانون على خلاف ذلك ".
وحيث إن من المقرر- وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن المصلحة في الدعوى الدستورية -وهى شرط لقبولها- مناطها ارتباطها بصلة منطقية بالمصلحة التي يقوم بها النزاع الموضوعي ، وذلك بأن يكون الحكم الصادر في المسألة الدستورية لازماً للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة أمام محكمة الموضوع، وكان النزاع الموضوعي يدور حول اتهام الحدث وحده بارتكاب جناية هتك عرض وإحالته إلى محكمة جنح الأحداث لمحاكمته، وكان المدعى يرمى من وراء دفعه بعدم الدستورية أن تتم محاكمة الحدث المتهم بجناية أمام محكمة الجنايات بتشكيلها العادي مع تطبيق الإجراءات المنصوص عليها في مواد الجنايات، فإن نطاق الدعوى الماثلة يتحدد فيما ورد بنص الفقرتين (1، 2) من المادة (121) والفقرة الأولى من المادة (122) والمادة (124) من قانون الطفل الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 1996، ولا يمتد إلى غير ذلك من أحكام حوتها النصوص الطعينة .
وحيث إن المدعى ينعى على النصوص السالفة - محددة نطاقاً على النحو المتقدم- إخلالها بضمانات المحاكمة المنصفة وحق الدفاع، فضلاً عن إهدار مبدأ المساواة أمام القانون، وقال شرحاً لذلك أن محاكمة الحدث المتهم بجناية - رغم جسامة العقوبة -تتم أمام قضاة المحكمة الابتدائية الأقل خبرة من المستشارين الذين يحاكم أمامهم غيرهم من المتهمين في الجنايات، ولا يقدح في ذلك -على ما يرى المدعى - وجود خبيرين أحدهما على الأقل من النساء ضمن تشكيل محكمة الأحداث، إذ كشف التطبيق العملي عن تقاعس هؤلاء الخبراء عن أداء عملهم على نحو فعال، كما أن النص على تطبيق القواعد والإجراءات أمام محكمة الجنح عند محاكمة الحدث، دون تطبيق القواعد والإجراءات المنصوص عليها أمام محكمة الجنايات، يمكن أن يؤدى إلى توكيل محام مبتدئ ليست لديه الخبرة الكافية للدفاع عن الحدث، هذا بالإضافة إلى أنه عند محاكمة المتهمين بارتكاب جناية يؤدى تطبيق النصوص الطعينة إلى الإخلال بمبدأ المساواة من وجهين أولهما: التمييز بين المتهم الحدث وغيره إذ يحاكم الأول أمام محكمة الجنح بينما يحاكم الثاني أمام محكمة الجنايات، وثانيهما: بين المتهم الحدث المسند إليه ارتكاب جناية بمفرده، وبين الحدث الذي تزيد سنه على خمس عشرة سنة إذا اتهم بارتكاب جناية ساهم فيها غير حدث، إذ يحاكم الأول أمام محكمة الجنح بينما يحاكم الثاني أمام محكمة الجنايات.
وحيث إن المحاكمة المنصفة والحق في التقاضي وضمانة الدفاع، وإن كان لكل منها مجاله إلا أنها ترتبط جميعاً برباط وثيق باعتبارها أسساً رئيسية في إدارة العدالة ، وقد كفل الدستور في مادته السابعة والستين الحق في المحاكمة المنصفة ، بما تنص عليه من أن المتهم برئ حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية تكفل له فيها ضمانات الدفاع عن نفسه، وهو حق نص عليه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في مادتيه العاشرة والحادية عشرة التي تقرر أولهما: أن لكل شخص حقاً مكتملاً ومتكافئاً مع غيره في محاكمة علنية ومن صفة ، تقوم عليها محكمة مستقلة ومحايدة ، تتولى الفصل في حقوقه والتزاماته المدنية ، أو في التهمة الجنائية الموجهة إليه، وتردد ثانيتهما: في فقرتها الأولى : حق كل شخص وجهت إليه تهمة جنائية في أن تفترض براءته إلى أن تثبت إدانته في محاكمة علنية توفر له فيها الضمانات الضرورية لدفاعه وهى قواعد استقر العمل على تطبيقها في الدول الديموقراطية ، وتقع في إطارها مجموعة من الضمانات الأساسية تكفل بتكاملها مفهوماً للعدالة ، يتفق بوجه عام مع المقاييس المعاصرة المعمول بها في الدول المتحضرة ، فتتصل بتشكيل المحكمة ، وقواعد تنظيمها، وطبيعة القواعد الإجرائية المعمول بها أمامها، وكيفية تطبيقها، كما أنها تعتبر في نطاق الاتهام الجنائي ، وثيقة الصلة بالحرية الشخصية التي نص الدستور في المادة (41) على أنها من الحقوق الطبيعية التي لا يجوز الإخلال بها أو تقييدها بالمخالفة لأحكامه.
      وحيث إنه في مجال إعمال حق التقاضي ، فإن المشرع -وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - غير مقيد بأشكال إجرائية محددة تمتد إلى المنازعات جميعها حتى مع اختلاف موضوعها، ذلك أن التنظيم الإجرائي للخصومة القضائية ، لا يمكن أن يعكس أن ماطاً جامدة موحدة لإطار الفصل فيها، وإلا كان ذلك إغراقاً في الشكلية ولو كان عقمها بادياً، وإنما يتعين دوماً أن يفاضل المشرع بين صور هذا التنظيم، ليختار منها ما يكون مناسباً لخصائص المنازعات التي يتعلق بها، ومتطلباتها إجرائياً، فتتعدد بالتالي الأشكال التي يقتضيها إنفاذ حق التقاضي ، وبما لا إخلال فيه بأبعاده التي كفلها الدستور، وعلى الأخص من زاوية ضماناته الرئيسية التي تمثل إطاراً حيوياً لصون الحقوق على اختلافها.
وحيث إن ضمانة الدفاع التي كفلها الدستور بنص المادة (69)، لا يمكن فصلها أو عزلها عن حق التقاضي والمحاكمة المنصفة ، وقد نظم الدستور في إطار من سيادة القانون ضمانة الدفاع محدداً بعض جوانبها، كافلاً إنفاذها باعتبارها مفترضاً أولياً لصون حقوق الأفراد وحرياتهم، بل إن الدستور في الفقرة الثانية من المادة سالفة الإشارة قد نص على أن يكفل القانون لغير القادرين مالياً وسائل الالتجاء إلى القضاء والدفاع عن حقوقهم، ليؤمن بذلك حق المعوزين فيما يعينهم على صون حقوقهم وحرياتهم.
وحيث إن البين من استقراء أحكام قانون الطفل الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 1996 أن الباب الثامن منه قد خصص لبيان المعاملة الجنائية للأحداث والتي تسري على من لا يجاوز الثامنة عشرة وقت ارتكاب الجريمة أو عند وجوده في إحدى حالات التعرض للانحراف، فقرر امتناع المسئولية الجنائية للطفل دون السابعة ، وبالنسبة لمن تجاوزها ولما يبلغ الخامسة عشرة فلا يوقع عليه سوى تدابير احترازية معينة ، واستبعد تطبيق بعض العقوبات على من بلغ الخامسة عشرة ولم يتجاوز السادسة عشرة ، كما منع تطبيق عقوبات معينة على من بلغ السادسة عشرة ولم يتجاوز الثامنة عشرة ، وخول المحكمة المختصة إعمال المادة السابعة عشرة من قانون العقوبات بالنزول بالعقوبة على النحو الوارد بها، وأوجب ندب محام للدفاع عن الحدث إن كان متهماً بجناية وأجاز ذلك إن كان متهماً في جنحة ، وقد جاءت هذه الأحكام استرشاداً بمضمون ما حوته المواثيق الدولية المعنية بالأطفال ومن بينها الإعلان العالمي لحقوق الطفل واتفاقية حقوق الطفل، والإعلان العالمي لبقاء الطفل وحمايته ونمائه، واستهدفت أحكام القانون المشار إليه -على ما أفصحت عنه مذكرته الإيضاحية - أن يتضمن باباً للمعاملة الجنائية للطفل يرسم أبعادها ويحدد نطاقها ويضع ضوابطها الموضوعية والإجرائية مستهدفاً بها في جميع الأحوال وقاية الطفل من خطر الانحراف والجناح وإصلاح سلوكه وتقويمه والبعد به عن شبهات الإجرام ومظانه، وإدراكاً لحقيقة ثابتة هى أن الطفل لا يطرق باب الإجرام لشر متأصل في نفسه وإنما الغالب أنه يكون ضحية الظروف الاجتماعية والبيئية التي تحيط به، لذلك أخذ المشرع بنظرية الخطورة الاجتماعية وهى نظرية علمية معروفة تنبه إلى مختلف العوامل الداخلية والخارجية التي تؤثر على الطفل وقد تؤدى إلى وقوعه في الجريمة ، فيتعين أن يعامل الطفل بأساليب الإصلاح والوقاية أكثر مما يعامل بالأساليب الجنائية التي تتضمن معنى الإيلام والعقاب.
وحيث إنه بالنسبة لتشكيل المحكمة المختصة بمحاكمة الأحداث فإنه يبين من استعراض نصوص الباب الثامن من قانون الطفل المتعلقة بالمعاملة الجنائية له، أن المشرع -وعلى نهج ما أخذت به كثير من الدول المتحضرة وما كان عليه الحال في التشريعات السابقة ، بشأن الأحداث- قد أخذ بمبدأ تخصص القضاة عند محاكمة الأحداث، لتحقيق كل صور الرعاية لهم، وراعى في تشكيل محكمة الأحداث - في القانون الحالي - زيادة الضمانات المقررة للأحداث بأن جعل تشكيل هذه المحكمة من ثلاثة قضاة بدلاً من قاض واحد في القانون السابق، وخصها -كأصل عام- بمحاكمة الحدث المتهم بجناية ، باعتبار أن إجرام الحدث -وفقاً للنظريات الحديثة التي اعتنقها المشرع- يغلب عليه الطابع الاجتماعي ولا ينطوي على خطورة إجرامية متأصلة ، كما أن القاضي لا يجلس مجلس القضاء إلا بعد بلوغه سناً معينة واكتسابه الخبرات العلمية والعملية التي تؤهله للفصل في مثل هذه القضايا، خاصة مع أخذ المشرع بالاتجاهات الجنائية الحديثة التي تبتعد بالعقوبة المقررة للحدث عن قصد الإيلام والردع بجعلها وسيلة لوقايته من خطر الانحراف تمهيداً لإعادته عضواً صالحاً في مجتمعه، كما ضم إلى تشكيل محكمة الأحداث اثنين من الخبراء أحدهما على الأقل من النساء، حتى يكون تواجدهما أثناء المحاكمة عام لاً فعالاً في تفهم مشاكل كل حدث وحلها، كما أن هذا التواجد الدائم لهذين الخبيرين يضمن للقاضي الاستعانة بهما كلما اقتضى الأمر ذلك، فضلاً عما يمكن أن يؤدى إليه تواجدهما ضمن تشكيل المحكمة من بث الأمن والطمأنينة في نفس الحدث، ومن جهة أخرى فإن الحكم -بغض النظر عن درجة المحكمة التي أصدرته- هو عنوان الحقيقة ، لا يصدر إلا بعد مواجهه الحدث بالتهمة وتحقيق دفاعه تحقيقاً كاملاً، فضلاً عن جواز الطعن بالاستئناف فيما تصدره محكمة الأحداث من أحكام سواء في الجنايات أو الجنح.
وحيث إنه بالنسبة للإجراءات المتبعة أمام محكمة الأحداث -حتى لو كان الحدث متهماً بجناية - فإن ما تهدف إلى تبسيط إجراءات المحاكمة وسرعة الفصل في الادعاء دون إخلال بالحق في الدفاع، وللحد من تأثير طول الإجراءات وما قد تتركه من آثار على نفسية الحدث ومستقبله.
وحيث إن الأصل في سلطة المشرع في موضوع تنظيم الحقوق أنها سلطة تقديرية ما لم يقيدها الدستور بضوابط معينة تعتبر حداً لها، كما جرى قضاء هذه المحكمة على أنه ليس ثمة تناقض بين حق التقاضي كحق دستوري ، وبين تنظيمه تشريعياً، بشرط ألا يتخذ المشرع هذا التنظيم وسيلة إلى حظر حق التقاضي أو إهداره، فإن مؤدى ما تقدم، أن محكمة الأحداث بتشكيلها المنصوص عليه في القانون واختصاصها بنظر الجنايات التي يتهم فيها الحدث- وعلى نحو ما أفصحت عنه النصوص الطعينة محددة نطاقاً على نحو ما سلف- تعتبر القاضي الطبيعي وفقاً للرؤية الحضارية لإجرام الأحداث وجنوحهم، وقد تغيا المشرع من تقرير هذه النصوص مصلحة عامة مشروعة تقوم على أسس موضوعية تبرر ما تضمنته من أحكام، ومن ثم فإن قالة الإخلال بضمانة المحاكمة المنصفة ، وحق الدفاع، تكون على غير أساس، ولا ينال من النتيجة المتقدمة ما أثاره المدعى ، من أن تواجد الخبيرين ضمن تشكيل محكمة الأحداث لا يشكل ضمانة كافية ، إذ يكشف الواقع عن تقاعس الخبراء عن أداء الأعمال المنوطة بهم، ذلك أن الرقابة التي تباشرها المحكمة الدستورية العليا في شأن دستورية النصوص القانونية ، مناطها مخالفة هذه النصوص للدستور، ولا شأن لها بكيفية تطبيقها عملاً.
وحيث إنه بالنسبة للنعي بمخالفة نص المادة (122) سالفة الذكر لمبدأ المساواة ، فقد جرى قضاء هذه المحكمة على أنه لا يجوز للمشرع إجراء تمييز بين أصحاب المراكز القانونية المتماثلة التي تتحدد وفقاً لشروط موضوعية يتكافأ المواطنون من خلالها أمام القانون، فالمساواة لا تعنى أن تعامل فئات المواطنين على ما بينها من تفاوت في مراكزها القانونية معاملة قانونية متكافئة ، فليس صحيحاً القول بأن كل تقسيم تشريعي يعتبر منافياً لمبدأ المساواة ، بل يتعين دوماً أن ينظر إلى النصوص القانونية باعتبارها وسائل حددها المشرع لتحقيق أغراض يبتغيها ، فلا يستقيم إعمال مبدأ المساواة أمام القانون إلا على ضوء مشروعية تلك الأغراض ، واتصال هذه الوسائل منطقياً بها، إذ لا يتصور أن يكون التقسيم التشريعي من فصلاً عن الأغراض التي يتغياها المشرع.
وحيث إنه وقد سبق بيان أن لإجرام الأحداث طبيعة خاصة وأن التدابير الاحترازية والعقوبات التي يجوز توقيعها عليهم لا تستهدف الإيلام بقدر ما تبغى التقويم، إذ أن سقوطهم في هوة الإجرام لا يرجع -في الغالب - إلى نفوس شريرة بقدر ما يكون نتيجة لظروف بيئية واجتماعية ساهمت في دفعهم إلى ذلك، ومن ثم فإن المركز القانوني للحدث الذي يتهم في جناية يختلف عن مركز غير الحدث المتهم بذات الجناية ، مما ينهض مبرراً منطقياً لاختلاف المحكمة المختصة بمحاكمة كل منهما وكذلك اختلاف الإجراءات المتبعة في المحاكمة فتغدو محكمة الأحداث بتشكيلها والإجراءات المتبعة أمامها وفقاً للقانون هي القاضي الطبيعي لمحاكمة الأول، بينما تكون محكمة الجنايات أو أمن الدولة العليا حسب الأحوال هي القاضي الطبيعي لمحاكمة الثاني ، أما في حالة ارتكاب الحدث جناية أسهم فيها غير حدث فقد نصت المادة (122/2) على اختصاص محكمة الجنايات أو محكمة أمن الدولة العليا بالفصل في هذه الجريمة ولكن النص وضع تحفظات تتمثل في أن يكون عمر الحدث جاوز الخامسة عشرة وقت ارتكاب الجريمة ، وأن يقتضى الأمر رفع الدعوى الجنائية على الطفل ومن أسهم في الجريمة من غير الأحداث، كما أوجبت على المحكمة أن تبحث- قبل إصدار حكمها- ظروف الطفل من جميع الوجوه ولها الاستعانة في ذلك بمن تراه من الخبراء، وغني عن البيان أنه لا يمكن أن يوقع على الطفل عقوبة استبعد قانون الطفل توقيعها عليه وفقاً لعمره، وليس من شك أن حسن إدارة العدالة الجنائية يوجب في هذه الحالة أن تتم المحاكمة أمام محكمة الجنايات أو محكمة أمن الدولة العليا نظراً لوحدة الواقعة . ولم يكن منطقياً على الإطلاق أن يحاكم غير الحدث في هذه الحالة أمام محكمة الأحداث التي تستهدف إجراءاتها توفير رعاية اجتماعية للحدث ابتغاء تقويمه والحفاظ على مستقبله، ومن ثم يختلف المركز القانوني للحدث الذى يرتكب الجناية وحده، عن الحدث الذى تجاوز عمره الخمس عشرة سنة وارتكب الجناية مع غير حدث واقتضى الأمر رفع الدعوى الجنائية عليهما معاً فيكون التمييز بين الحالتين مبرراً دستورياً وبالتالي لا تكون النصوص الطعينة مارقة عن مبدأ المساواة القانونية .
وحيث إن خلاصة ما تقدم جميعه أن النصوص الطعينة لا تمس قواعد المحاكمة المنصفة ولا تخل بحق الدفاع ولا تنتقص من حق التقاضي ، ولا تنتهك مبدأ المساواة أمام القانون، كما أنها لا تخالف أي أحكام أخرى في الدستور، مما يتعين معه القضاء برفض الدعوى .
فلهذه الأسباب
      حكمت المحكمة برفض الدعوى وبمصادرة الكفالة ، وألزمت المدعى المصروفات، ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة .