الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 14 ديسمبر 2017

الطعن 402 لسنة 64 ق جلسة 1 / 4 / 1996 مكتب فني 47 ق 60 ص 419

جلسة الأول من إبريل سنة 1996

برئاسة السيد المستشار/ نجاح نصار نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ حسن حمزة وحامد عبد الله وفتحي حجاب نواب رئيس المحكمة ونير عثمان.

-------------------

(60)
الطعن رقم 402 لسنة 64 القضائية

(1) قتل عمد. قصد جنائي. حكم "ما لا يعيبه في نطاق التدليل" "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
الجدل الموضوعي حول حق محكمة الموضوع في تقدير أدلة الدعوى واستنباط معتقدها. غير جائز أمام النقض.
تزيد الحكم فيما لم يكن في حاجة إليه لإثبات توافر نية القتل. لا يعيبه. ما دام استوفى دليله على توافرها لدى الطاعن.
مثال لتسبيب سائغ للتدليل على توافر نية القتل لدى الطاعن.
(2) قتل عمد. حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
مثال لتسبيب سائغ في الرد على الدفع بعدم قتل المجني عليها في المكان الذي وجدت به الجثة.
(3) إثبات "خبرة". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل".
حق محكمة الموضوع في تقدير آراء الخبراء والفصل فيما يوجه إليها من مطاعن. لها الأخذ بما تطمئن إليه منها والالتفات عما عداه.
(4) إثبات "خبرة". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
عدم التزام محكمة الموضوع بطلب استدعاء كبير الأطباء الشرعيين لمناقشته. ما دامت الواقعة قد وضحت لديها ولم تر من جانبها حاجة إلى ذلك.
(5) إثبات "خبرة". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل".
حق محكمة الموضوع أن تجزم بما لم يجزم به الخبير في تقديره. ما دامت وقائع الدعوى قد أيدت ذلك عندها.
(6) دفوع "الدفع بصدور إذن التفتيش بعد الضبط". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
مثال لتسبيب سائغ في الرد على الدفع بصدور إذن التفتيش بعد الضبط.
(7) حكم "ما لا يعيبه في نطاق التدليل". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
الخطأ في الإسناد. لا يعيب الحكم. ما دام لم يتناول من الأدلة ما يؤثر في عقيدة المحكمة.
التناقض الذي يعيب الحكم. ماهيته؟
مثال.
(8) نقض "ما يجوز وما لا يجوز الطعن فيه من الأحكام". أمن دولة. محاكم أمن الدولة "طوارئ".
طرق الطعن في الأحكام - عادية أو غير عادية - محددة على سبيل الحصر. التظلم في الأحكام الصادرة من محاكم أمن الدولة طوارئ. ليس من طرق الطعن. أساس ذلك؟
(9) محكمة أمن الدولة. حكم "حجيته". قانون "تفسيره".
الأحكام الصادرة من محاكم أمن الدولة طوارئ. لا تكون نهائية إلا بعد التصديق عليها من رئيس الجمهورية.
حق رئيس الجمهورية في إلغاء تلك الإحكام أو حفظها أو تبديل عقوبتها أو إلغاء بعضها أو إلغاء الحكم وحفظ الدعوى أو إعادتها إلى محكمة أخرى. عدم توقف ذلك على طلب أحد ذي شأن. أساس ذلك؟
(10) دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". محكمة أمن الدولة. حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
تظلم الطاعن في الحكم الصادر من محكمة أمن الدولة العليا طوارئ. لا يرتب له حقاً في التمسك بقاعدة عدم إضارة الطاعن بطعنه. علة ذلك؟

------------------
1 - لما كان الحكم المطعون فيه قد أثبت توافر نية القتل في حق الطاعن بقوله "ومن حيث إنه عن نية القتل وهو أمر خفي يضمره الجاني وتكشف عنه أمارات ودلائل خارجية قوامه انتواء إزهاق الروح فهو ثابت من حشو السلاح الناري المضبوط بالمقذوف الذي يستخدم في إطلاقه وتصويبه تجاه جسد المجني عليها وإطلاقه في مقتل منها وعدم تركه لها إلا بعد أن غلب على ظنه هلاكها أثر سقوطها على الأرض مضرجة بدمائها مع ما صاحب ذلك من ثورة عارمة وهياج شديد قبل الإطلاق وأثناءه وإفصاحه عن قصد القتل لديه وهو ما يكشف بذاته عن توافر نية القتل". لما كان ذلك، وكان ما ذكره الحكم كاف وسائغ للتدليل على توافر نية القتل لدى الطاعن وأن المنازعة في شأنه تنحل إلى جدل موضوعي حول حق محكمة الموضوع في تقدير أدلة الدعوى واستنباط معتقدها فيه مما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض ولا ينال من ذلك قول الطاعن إن أحداً من الشهود لم يذكر أنه لم يترك المجني عليها إلا بعد أن غلب عليه الظن هلاكها إذ إن هذا القول لا ينال من الحكم في تسبيبه إذ لا ينال من الحكم خطؤه في الإسناد فيما استطرد إليه بعد أن استوفى دليله على توافر نية القتل لدى الطاعن إذ كان في غير حاجة إلى ما تزيد إليه.
2 - لما كانت المحكمة قد عرضت لما دفع به الطاعن من أن المجني عليها لم تقتل في المكان الذي وجدت به الجثة وردت بقولها "إن هذا القول من جانب الدفاع بعدم وجود آثار دماء في المكان الذي قال به الشهود فمردود كما قال الطبيب الشرعي بالجلسة من أن المقذوف يحدث كلياً أثناء دخول الجسم فيمنع نزيف الدم فضلاً عن احتمال سقوط المجني عليها على مكان فتحة دخول المقذوف - هذا إلى أنه لم يثبت بمعاينة مكان الحادث عدم العثور على دماء فإن خلت المعاينة من ذكر ذلك فهو ما لا ينفي وجودها فضلاً عن طبيعة مكان الحادث باعتباره طريقاً عاماً وقد تبين نقل الجثة منه وما ثبت كذلك من تزاحم بنات المجني عليها بمكان سقوطها لنقلها بما قد تضيع معه الآثار أما قول المتهم بعدم صدق الضابط في قوله بالعثور على المقذوف الناري بمكان الحادث فهو قول يفتقر إلى الدليل". لما كان ذلك، وكان ما رد به الحكم على دفع الطاعن سائغاً في العقل والمنطق وله أصله الثابت في أوراق الدعوى بما لا ينازع فيه الطاعن ومن ثم فإن ما يثيره في هذا الشأن لا يكون سديداً.
3 - من المقرر أن تقدير آراء الخبراء والفصل فيما يوجه إليها من مطاعن مرجعه إلى محكمة الموضوع التي لها كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير شأنه في ذلك شأن الأدلة فلها مطلق الحرية في الأخذ بما تطمئن إليه والالتفات عما عداه ولا يقبل مصادرة المحكمة في هذا التقدير.
4 - لما كانت محكمة الموضوع قد اطمأنت إلى رأي الطبيب الشرعي الذي أبداه بجلسة المرافعة فلا يجوز مجادلتها في ذلك ولا مصادرة عقيدتها فيما انتهت إليه وهي من بعد غير ملزمة بإجابة الدفاع إلى طلب مناقشة كبير الأطباء الشرعيين في هذا الشأن ما دامت الواقعة قد وضحت لديها ولم تر هي من جانبها حاجة لهذا الإجراء.
5 - من المقرر أن من حق محكمة الموضوع أن تجزم بما لم يجزم به الخبير متى كانت وقائع الدعوى قد أيدت ذلك عندها - كما هو الحال في الدعوى المطروحة - ومن ثم فلا ينال من الحكم أنه جزم بما لم يجزم به الطبيب الشرعي طالما أن الوقائع قد أيدت ذلك عنده وليس فيها ما يناهض ما انتهى إليه.
6 - لما كان الحكم المطعون فيه قد رد على الدفع بصدور إذن التفتيش بعد الضبط ورده بقوله "ومن حيث إن الدفع ببطلان القبض على المتهم لحصوله قبل صدور الإذن فهو غير سديد ذلك أن أمر الضبط الصادر من النيابة العامة في الساعة السادسة وعشر دقائق من مساء يوم..... وتم ضبط المتهم في الساعة العاشرة من مساء ذلك اليوم بعد أن أثبت الضابط اطلاعه على إذن النيابة الأمر الذي يكون معه الدفع غير سليم". لما كان ذلك، فإن ما رد به الحكم على الدفع سائغاً في إطراحه بما يكون منعاه في هذا الخصوص غير قويم.
7 - من المقرر أن الخطأ في الإسناد لا يعيب الحكم طالما لم يتناول من الأدلة ما يؤثر في عقيدة المحكمة. ومن ثم فلا ينال من سلامة الحكم قوله إن المجني عليها سقطت على الأرض مضرجة بدمائها على الرغم من إثباته أن المعاينة لم تثبت وجود دماء بمكان الجثة إذ إن هذا القول من جانب الحكم غير ذي أثر في تناول الأدلة التي كونت منها المحكمة عقيدتها واستقرت لديها. كما وأنه لا يعد تناقضاً في حكمها إذ التناقض حسبما هو مقرر هو ما يقع بين أسباب الحكم بحيث ينفي بعضها بعضاً ولا يعرف أي الأمرين قصدته المحكمة وهو ما برئ الحكم منه إذ أن ما ذكره الحكم من أن المجني عليها سقطت على الأرض مضرجة بدمائها لا يتصل بصورة الواقعة ولا يمس قواعد الثبوت فيها وإنما لا يعدو أن يكون قولاً من الحكم استنتجه من شهادة الطبيب الشرعي لدى تعليله لوجود آثار دماء غزيرة بملابس المجني عليها من أن سبب ذلك تحريك الجثة بعد الإصابة ومن ثم يكون ما ينعاه الطاعن في هذا المقام غير سديد.
8 - لما كان القانون قد حدد طرق الطعن في الأحكام سواء أكانت طرقاً عادية أم غير عادية تحديد حصر وأنه ليس من بينها طريق التظلم في الأحكام التي تصدر من محاكم أمن الدولة طوارئ إعمالاً للقانون رقم 162 لسنة 1958 بشأن حالة الطوارئ إذ نصت المادة 12 منه "لا يجوز الطعن بأي وجه من الوجوه في الأحكام الصادرة من محاكم أمن الدولة ولا تكون تلك الأحكام نهائية إلا بعد التصديق عليها من رئيس الجمهورية" كما وأن هذا القانون قد نص على حق رئيس الجمهورية في إلغاء الحكم أو التصديق عليه أو تخفيف العقوبة أو تبديلها بعقوبة أقل منها أو بوقف تنفيذ بعضها أو بإلغاء الحكم وحفظ الدعوى أو إعادتها إلى محكمة أخرى. وذلك إعمالاً للمواد 13، 14، 15، من القانون وأن حقه في ذلك مستمد من القانون دون توقف على تقديم تظلم من المحكوم عليه، ومن ثم فإن هذا التظلم إن قُدم من المحكوم عليه ثم أمر رئيس الجمهورية بإلغاء الحكم وإعادة المحاكمة أمام محكمة أخرى فإن أمره في ذلك لا يتوقف على قبول التظلم وعدمه.
9 - من المقرر أن الشارع في القانون رقم 162 لسنة 1958 بشأن حالة الطوارئ قد خرج على القواعد الإجرائية والموضوعية المنصوص عليها في قانون الإجراءات الجنائية وجعل الأحكام الصادرة من المحاكم وفقاً لهذا القانون لا تكون نهائية إلا بعد التصديق عليها من رئيس الجمهورية وأعطى له الحق في إلغائها أو حفظها أو تبديل عقوبتها وإلغاء بعضها دون ما توقف على طلب أحد ذي شأن - حتى النيابة العامة.
10 - لما كان ما ذكره الطاعن من أنه قدم تظلماً في الحكم الصادر من محكمة أمن الدولة العليا طوارئ لا يعدو في حقيقته طعناً مما تعنيه قواعد قانون الإجراءات الجنائية ولا يرتب له حقاً في التمسك بأنه كان يتعين على الحكم المطعون فيه ألا يضيره بأن يزيد في قضائه على ما قضى به حكم محكمة أمن الدولة العليا طوارئ والذي قضى بإلغائه إذ لا محل لإعمال قاعدة عدم إضارة الطاعن بطعنه حيث لا يكون هناك طعن - كما هو الحال في الدعوى المطروحة - ومن ثم يكون النعي في غير محله.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه أولاً: قتل.... عمداً بأن أطلق عليها عياراً نارياً من سلاح ناري كان يحمله "فرد صناعة محلية" قاصداً من ذلك قتلها فأحدث بها الإصابات المبينة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياتها. ثانياً: أ - أحرز بغير ترخيص سلاحاً نارياً غير مششخن "فرد صناعة محلية" ب - أحرز ذخيرة طلقة واحدة مما تستعمل في السلاح الناري سالف الذكر حالة كونه غير مرخص له بإحرازه أو حيازته. وأحالته إلى محكمة جنايات سوهاج لمعاقبته طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة. وادعى زوج المجني عليها....... مدنياً قبل المتهم بمبلغ مائتين وخمسين جنيهاً على سبيل التعويض المؤقت. والمحكمة المذكورة قضت حضورياً عملاً بالمادة 234/ 1 من قانون العقوبات والمواد 1/ 1، 6، 26/ 1 - 5 من القانون رقم 394 لسنة 1954 المعدل والجدول رقم (2) الملحق مع إعمال المادة 32/ 2 عقوبات بمعاقبة المتهم بالأشغال الشاقة المؤبدة لما نسب إليه، ومصادرة السلاح الناري المضبوط وإلزامه بأن يؤدي للمدعي بالحق المدني مبلغ مائتين وخمسين جنيهاً على سبيل التعويض المؤقت.
فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض........ إلخ.


المحكمة

حيث إن الطاعن ينعى بمذكرتيه على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمتي القتل العمد وإحراز سلاح ناري وذخيرة بدون ترخيص قد شابه قصور في التسبيب وفساد في الاستدلال وانطوى على تناقض وخطأ في تطبيق القانون ذلك أنه دلل على توافر نية القتل لديه بما لا يسوغ فضلاً عن أنه مما استدل عليه في خصوصها قوله إنه لم يترك المجني عليها إلا بعد أن غلبه الظن أنها هلكت، وهذا ما لم يقل به أحداً من الشهود هذا فضلاً عن أن الطاعن دفع بأن المجني عليها لم تقتل حيث وجدت جثتها بدليل خلو المكان من الدماء والمقذوفات الفارغة إلا أن الحكم أطرح الدفع برد غير سائغ إذ استند في ذلك إلى أقوال الطبيب الشرعي من أن المقذوف حالة دخوله الجسم يحدث كياً لفتحة الدخول كما وأن سقوط المجني عليها - حين إصابتها - على فتحة الدخول يمنع من انسيال الدم خارج الجسم، إذ أن هذا الطبيب لم يقم بالكشف على جثة المجني عليها وإنما سئل عرضاً لتواجده بالجلسة وأنه لم يجزم بما جزم به الحكم وما ذكره لا يزيد عن كونه احتمالاً وأعرض الحكم عن طلبه استدعاء كبير الأطباء الشرعيين لمناقشته في هذا الشأن. كما رد الحكم على دفاع الطاعن ببطلان القبض عليه وما تلا ذلك من إجراءات لتمامه قبل صدور الإذن من النيابة بما لا يصلح رداً وأنه في مقام التدليل على ثبوت نية القتل ذكر أن الجثة سقطت على الأرض مضرجة بدمائها في حين أنه عند استخلاصه صورة الواقعة ورده على الدفع بعدم حدوثها في المكان الذي عثر فيه على الجثة بعد أن سلم بخلو المكان من الدماء لم يقل بذلك مما أوقعه في تناقض. وأخيراً أنه سبق أن حوكم الطاعن أمام محكمة أمن الدولة العليا طوارئ وقضت بمعاقبته بالأشغال الشاقة لمدة عشر سنوات وتظلم من هذا الحكم لدى مكتب التصديق على أحكام محاكم أمن الدولة العليا طوارئ حيث ألغى الحكم وأعيدت الدعوى إلى محكمة أخرى حيث قضت بعدم اختصاصها فأحالتها النيابة العامة إلى محكمة جنايات سوهاج والتي قضت عليه بالأشغال الشاقة المؤبدة مخالفة بذلك قانون الإجراءات الجنائية إذ أضارته المحكمة بتظلمه وكان يتعين عليها أن تلتزم عدم تجاوز العقوبة السابقة. كل ذلك مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه قد بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجرائم التي دان بها الطاعن وأورد على ثبوتها في حقه أدلة سائغة من شأنها أو تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد أثبت توافر نية القتل في حق الطاعن بقوله "ومن حيث إنه عن نية القتل وهو أمر خفي يضمره الجاني وتكشف عنه أمارات ودلائل خارجية قوامه انتواء إزهاق الروح فهو ثابت من حشو السلاح الناري المضبوط بالمقذوف الذي يستخدم في إطلاقه وتصويبه تجاه جسد المجني عليها وإطلاقه في مقتل منها وعدم تركه لها إلا بعد أن غلب على ظنه هلاكها أثر سقوها على الأرض مضرجة بدمائها مع ما صاحب ذلك من ثورة عارمة وهياج شديد قبل الإطلاق وأثناءه وإفصاحه عن قصد القتل لديه وهو ما يكشف بذاته عن توافر نية القتل". لما كان ذلك، وكان ما ذكره الحكم كاف وسائغ للتدليل على توافر نية القتل لدى الطاعن وأن المنازعة في شأنه تنحل إلى جدل موضوعي حول حق محكمة الموضوع في تقدير أدلة الدعوى واستنباط معتقدها فيه مما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض، ولا ينال من ذلك قول الطاعن إن أحداً من الشهود لم يذكر أنه لم يترك المجني عليها إلا بعد أن غلب عليه الظن هلاكها إذ إن هذا القول لا ينال من الحكم في تسبيبه، إذ لا ينال من الحكم خطؤه في الإسناد فيما استطرد إليه بعد أن استوفى دليله على توافر نية القتل لدى الطاعن إذ كان في غير حاجة إلى ما تزيد إليه. لما كان ذلك، وكانت المحكمة قد عرضت لما دفع به الطاعن من أن المجني عليها لم تقتل في المكان الذي وجدت به الجثة وردت بقولها "إن هذا القول من جانب الدفاع بعدم وجود آثار دماء في المكان الذي قال به الشهود فمردود كما قال الطبيب الشرعي بالجلسة من أن المقذوف يحدث كياً أثناء دخول الجسم فيمنع نزيف الدم فضلاً عن احتمال سقوط المجني عليها على مكان فتحة دخول المقذوف - هذا إلى أنه لم يثبت بمعاينة مكان الحادث عدم العثور على دماء فإن خلت المعاينة من ذكر ذلك فهو ما لا ينفي وجودها فضلاً عن طبيعة مكان الحادث باعتباره طريقاً عاماً وقد تبين نقل الجثة منه وما ثبت كذلك من تزاحم بنات المجني عليها بمكان سقوطها لنقلها بما قد تضيع معه الآثار، أما قول المتهم بعدم صدق الضابط في قوله بالعثور على المقذوف الناري بمكان الحادث فهو قول يفتقر إلى الدليل". لما كان ذلك، وكان ما رد به الحكم على دفع الطاعن سائغاً في العقل والمنطق وله أصله الثابت في أوراق الدعوى بما لا ينازع فيه الطاعن ومن ثم فإن ما يثيره في هذا الشأن لا يكون سديداً. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن تقدير آراء الخبراء والفصل فيما يوجه إليها من مطاعن مرجعه إلى محكمة الموضوع التي لها كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير شأنه في ذلك شأن سائر الأدلة فلها مطلق الحرية في الأخذ بما تطمئن إليه والالتفات عما عداه ولا يقبل مصادرة المحكمة في هذا التقدير. وإذ كان ذلك، وكانت محكمة الموضوع قد اطمأنت إلى رأي الطبيب الشرعي الذي أبداه بجلسة المرافعة فلا يجوز مجادلتها في ذلك ولا مصادرة عقيدتها فيما انتهت إليه وهي من بعد غير ملزمة بإجابة الدفاع إلى طلب مناقشة كبير الأطباء الشرعيين في هذا الشأن ما دامت الواقعة قد وضحت لديها ولم تر هي من جانبها حاجة لهذا الإجراء هذا فضلاً عن أنه من المقرر أن من حق محكمة الموضوع أن تجزم بما لم يجزم به الخبير متى كانت وقائع الدعوى قد أيدت ذلك عندها - كما هو الحال في الدعوى المطروحة - ومن ثم فلا ينال من الحكم أنه جزم بما لم يجزم به الطبيب الشرعي طالما أن الوقائع قد أيدت ذلك عنده وليس فيها ما يناهض ما انتهى إليه. ومن ثم يكون نعي الطاعن في هذا الخصوص غير مقبول. لما كان ما تقدم، وكان الحكم المطعون فيه قد رد على الدفع بصدور إذن التفتيش بعد الضبط ورده بقوله "ومن حيث إن الدفع ببطلان القبض على المتهم لحصوله قبل صدور الإذن فهو غير سديد إذ أن أمر الضبط الصادر من النيابة العامة في الساعة السادسة وعشر دقائق من مساء يوم......... وتم ضبط المتهم في الساعة العاشرة من مساء ذلك اليوم بعد أن أثبت الضابط اطلاعه على إذن النيابة الأمر الذي يكون معه الدفع غير سليم.....". لما كان ذلك، فإن ما رد به الحكم على الدفع سائغاً في إطراحه بما يكون منعاه في هذا الخصوص غير قويم. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن الخطأ في الإسناد لا يعيب الحكم طالما لم يتناول من الأدلة ما يؤثر في عقيدة المحكمة. ومن ثم فلا ينال من سلامة الحكم قوله إن المجني عليها سقطت على الأرض مضرجة بدمائها على الرغم من إثباته أن المعاينة لم تثبت وجود دماء بمكان الجثة إذ إن هذا القول من جانب الحكم غير ذي أثر في تناول الأدلة التي كونت منها المحكمة عقيدتها واستقرت لديها. كما وأنه لا يعد تناقضاً في حكمها إذ التناقض حسبما هو مقرر هو ما يقع بين أسباب الحكم بحيث ينفي بعضها بعضاً ولا يعرف أي الأمرين قصدته المحكمة وهو ما برئ الحكم منه إذ إن ما ذكره الحكم من أن المجني عليها سقطت على الأرض مضرجة بدمائها لا يتصل بصورة الواقعة ولا يمس قواعد الثبوت فيها وإنما لا يعدو أن يكون قولاً من الحكم استنتجه من شهادة الطبيب الشرعي لدى تعليله لوجود آثار دماء غزيرة بملابس المجني عليها من أن سبب ذلك تحريك الجثة بعد الإصابة ومن ثم يكون ما ينعاه الطاعن في هذا المقام غير سديد. لما كان ما تقدم، وكان القانون قد حدد طرق الطعن في الأحكام سواء أكانت طرقاً عادية أو غير عادية تحديد حصر وأنه ليس من بينها طريق التظلم في الأحكام التي تصدر من محاكم أمن الدولة طوارئ إعمالاً للقانون رقم 162 لسنة 1958 بشأن حالة الطوارئ إذ نصت المادة 12 منه على أنه "لا يجوز الطعن بأي وجه من الوجوه في الأحكام الصادرة من محاكم أمن الدولة ولا تكون تلك الأحكام نهائية إلا بعد التصديق عليها من رئيس الجمهورية" كما وأن هذا القانون قد نص على حق رئيس الجمهورية في إلغاء الحكم أو التصديق عليه أو تخفيف العقوبة أو تبديلها بعقوبة أقل منها أو بوقف تنفيذ بعضها أو بإلغاء الحكم وحفظ الدعوى أو إعادتها إلى محكمة أخرى. وذلك إعمالاً للمواد 13، 14، 15 من القانون وأن حقه في ذلك مستمد من القانون دون توقف على تقديم تظلم من المحكوم عليه. ومن ثم فإن هذا التظلم إن قُدم من المحكوم عليه ثم أمر رئيس الجمهورية بإلغاء الحكم وإعادة المحاكمة أمام محكمة أخرى فإن أمره في ذلك لا يتوقف على قبول التظلم أو عدمه، ذلك أن الشارع في القانون سالف البيان قد خرج على القواعد الإجرائية والموضوعية المنصوص عليها في قانون الإجراءات الجنائية وجعل الأحكام الصادرة من المحاكم وفقاً لهذا القانون لا تكون نهائية إلا بعد التصديق عليها من رئيس الجمهورية وأعطى له الحق في إلغائها أو حفظها أو تبديل عقوبتها وإلغاء بعضها دون ما توقف على طلب أحد ذي شأن - حتى النيابة العامة - ومن ثم فإن ما ذكره الطاعن من أنه قدم تظلماً في الحكم الصادر من محكمة أمن الدولة العليا طوارئ لا يعد في حقيقته طعناً مما تعنيه قواعد قانون الإجراءات الجنائية ولا يترتب له حقاً في التمسك بأنه كان يتعين على الحكم المطعون فيه ألا يضره بأن يزيد في قضائه على ما قضى به حكم محكمة أمن الدولة العليا طوارئ والذي قضى بإلغائه إذ لا محل لإعمال قاعدة عدم إضارة الطاعن بطعنه حيث لا يكون هناك طعن - كما هو الحال في الدعوى المطروحة - ومن ثم يكون النعي في غير محله ويكون الطعن برمته على غير أساس بما يتعين معه رفضه.

الطعن 8787 لسنة 64 ق جلسة 31 / 3 / 1996 مكتب فني 47 ق 59 ص 415

جلسة 31 من مارس سنة 1996

برئاسة السيد المستشار/ عوض جادو نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ سمير أنيس وفتحي الصباغ والبشري الشوربجي وعاطف عبد السميع نواب رئيس المحكمة.

--------------------

(59)
الطعن رقم 8787 لسنة 64 القضائية

(1) اختصاص "الاختصاص الولائي". أحداث. محكمة الجنايات "اختصاصها". نظام عام. نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
الدفع بعدم اختصاص محكمة الجنايات بمحاكمة المتهم الحدث. متصل بالولاية. جواز إثارته لأول مرة أمام النقض. شرط ذلك؟
(2) محكمة الموضوع "الإجراءات أمامها". إجراءات "إجراءات المحاكمة". بطلان.
الإجراءات المنصوص عليها في المادة 271 إجراءات. تنظيمية. لا يترتب على مخالفتها البطلان.
(3) إثبات "شهود". بطلان "إجراءات التحقيق". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". استعراف.
حق محكمة الموضوع في الأخذ بتعرف الشاهد على المتهم ولو لم يجر عرضه في جمع من أشباهه. ما دامت قد اطمأنت إليه. أساس ذلك؟

---------------
1 - حيث إنه عن الدفع بالحداثة المثار من الطاعن، فإنه ولئن كان مما يتصل بالولاية ومتعلقاً بالنظام العام ويجب على المحكمة أن تحكم به من تلقاء نفسها، ويجوز الدفع به في أية حالة تكون عليها الدعوى ولو لأول مرة أمام محكمة النقض ولها أن تقضي هي فيه من تلقاء نفسها بغير طلب وتنقض الحكم لمصلحة المتهم طبقاً للحق المقرر لها بمقتضى الفقرة الثانية من المادة 35 من القانون رقم 57 لسنة 1959 في شأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض إلا أن ذلك مشروط بأن تكون عناصر المخالفة ثابتة في الحكم المطعون فيه بغير حاجة إلى إجراء تحقيق موضوعي. لما كان ذلك، وكانت مدونات الحكم المطعون فيه خالية مما ينتفي به موجب اختصاص محكمة الجنايات العادية قانوناً بمحاكمة الطاعن وليس فيها ما يظاهر ادعاء هذا الأخير بأنه كان حدثا وقت مقارفته الجريمة، وكان الطاعن لم يدفع أمام محكمة الموضوع بعدم اختصاصها ولائياً بنظر الدعوى فليس يجوز له أن يثير هذا الدفع لأول مرة أمام محكمة النقض ولو تعلق بالنظام العام، ومن ثم يضحى ما أثره من ذلك غير مقبول.
2 - من المقرر أن ما تتطلبه المادة 271 من قانون الإجراءات الجنائية هو من قبيل تنظيم سير الإجراءات بالجلسة، فلا يترتب على مخالفتها البطلان.
3 - لما كان البين من محضر جلسة المحاكمة أن المجني عليه تعرف على الطاعن وقال أنه هو مرتكب الجريمة، خلافاً لزعم الطاعن - وكان من حق محكمة الموضوع أن تأخذ بتعرف الشاهد على المتهم ولو لم يجر عرضه في جمع من أشباهه، ما دامت قد اطمأنت إليه إذ العبرة هي باطمئنان المحكمة إلى صدق الشاهد نفسه.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن - وآخران سبق الحكم عليهما - بأنهم سرقوا المبلغ النقدي المبين قدراً بالتحقيقات والمملوك لـ...... بطريق الإكراه الواقع عليه بأن دلف الأول والثاني لمحله ووقف الثالث خارجه يرقب الطريق وهدده الأول بمطواة وضعها في ظهره واعتدى عليه بالضرب بقصد شل حركته وتمكنوا بهذه الوسيلة من الإكراه من الاستيلاء على المبلغ النقدي السالف البيان وقد ترك الإكراه بالمجني عليه آثار الجروح المبينة بالتقرير الطبي - وأحالته إلى محكمة جنايات كفر الشيخ لمحاكمته طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة. وادعى المجني عليه مدنياً قبل المتهم بمبلغ مائة وواحد جنيه على سبيل التعويض المؤقت. والمحكمة المذكورة قضت حضورياً عملاً بالمادة 314 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم بالسجن لمدة ثلاث سنوات ومصادرة السلاح الأبيض المضبوط وإلزامه بأن يؤدي للمدعي بالحق المدني مبلغ مائة وواحد جنيه على سبيل التعويض المؤقت.
فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض........ إلخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجريمة السرقة بالإكراه الذي ترك أثراً لجروح قد أخطأ في تطبيق القانون وشابه البطلان ذلك بأنه كان حدثا وقت وقوع الجريمة مما تكون معه محكمة الأحداث هي المختصة بمحاكمته. وقد أغفلت المحكمة الإجراءات المحددة بنص المادة 271 من قانون الإجراءات الجنائية، وعلى الرغم من عدم تعرف المجني عليه على الطاعن إلا أن المحكمة لم تجر عملية عرض قانونية. وهذا كله يعيب الحكم بما يستوجب نقضه.
وحيث إنه عن الدفع بالحداثة المثار من الطاعن، فإنه ولئن كان مما يتصل بالولاية ومتعلقاً بالنظام العام ويجب على المحكمة أن تحكم به من تلقاء نفسها، ويجوز الدفع به في أية حالة تكون عليها الدعوى ولو لأول مرة أمام محكمة النقض ولها أن تقضي هي فيه من تلقاء نفسها بغير طلب وتنقض الحكم لمصلحة المتهم طبقاً للحق المقرر لها بمقتضى الفقرة الثانية من المادة 35 من القانون رقم 57 لسنة 1959 في شأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض إلا أن ذلك مشروط بأن تكون عناصر المخالفة ثابتة في الحكم المطعون فيه بغير حاجة إلى إجراء تحقيق موضوعي. لما كان ذلك، وكانت مدونات الحكم المطعون فيه خالية مما ينتفي به موجب اختصاص محكمة الجنايات العادية قانوناً بمحاكمة الطاعن وليس فيها ما يظاهر ادعاء هذا الأخير بأنه كان حدثا وقت مقارفته الجريمة، وكان الطاعن لم يدفع أمام محكمة الموضوع بعدم اختصاصها ولائياً بنظر الدعوى فليس يجوز له أن يثير هذا الدفع لأول مرة أمام محكمة النقض ولو تعلق بالنظام العام، ومن ثم يضحى ما أثاره من ذلك غير مقبول. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن ما تتطلبه المادة 271 من قانون الإجراءات الجنائية هو من قبيل تنظيم سير الإجراءات بالجلسة، فلا يترتب على مخالفتها البطلان. لما كان ذلك، وكان البين من محضر جلسة المحاكمة أن المجني عليه تعرف على الطاعن وقال إنه هو مرتكب الجريمة، خلافاً لزعم الطاعن - وكان من حق محكمة الموضوع أن تأخذ بتعرف الشاهد على المتهم ولو لم يجر عرضه في جمع من أشباهه، ما دامت قد اطمأنت إليه إذ العبرة هي باطمئنان المحكمة إلى صدق الشاهد نفسه، فإن ما يقرره الطاعن في هذا الصدد غير سديد. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.

الطعن 49716 لسنة 59 ق جلسة 26 / 3 / 1996 مكتب فني 47 ق 58 ص 411

جلسة 26 من مارس سنة 1996

برئاسة السيد المستشار/ جابر عبد التواب نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ أمين عبد العليم ومحمد شعبان نائبي رئيس المحكمة ورشاد قذافي وأحمد عبد القوي.

-------------------

(58)
الطعن رقم 49716 لسنة 59 القضائية

(1) دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما يوفره". شهادة مرضية. إجراءات "إجراءات المحاكمة". معارضة "نظرها والحكم فيها". حكم "تسبيبه. تسبيب معيب". نقض "أسباب الطعن. ما يقبل منها" "التقرير بالطعن. ميعاده".
تقديم المدافع عن المعارض عذر تخلفه عن الحضور. يوجب على المحكمة أن ترد عليه بالقبول أو الرفض. إغفال ذلك. إخلال بحق الدفاع.
ثبوت عدم علم الطاعن رسمياً بصدور الحكم في غيبته لتخلفه عن الحضور. أثره؟
(2) معارضة "نظرها والحكم فيها". إجراءات "إجراءات المحاكمة". شهادة مرضية. نقض "أسباب الطعن. ما يقبل منها".
فقد الشهادة المرضية المقدمة من الطاعن من ملف القضية نتيجة إهمال لا دخل لإرادته فيه. أثره: تصديق محكمة النقض للعذر القهري الذي منع الطاعن من حضور جلسة المعارضة الاستئنافية وعدم سريان ميعاد الطعن بالنقض إلا من يوم علم الطاعن رسمياً بالحكم.

-----------------
1 - لما كان البين من مطالعة محضر جلسة المعارضة الاستئنافية أن محامياً حضر عن الطاعن وقدم شهادة مرضية، وقضى الحكم المطعون فيه باعتبار المعارضة كأن لم تكن، ولم يشر إلى حضور محامي الطاعن ولا إلى ما أبداه من عذر. لما كان ذلك، وكان من المقرر أنه إذا تقدم المدافع عن المعارض بما يبين عذره في عدم الحضور كان لزاماً على المحكمة أن تقول كلمتها في شأنه سواء بالقبول أو بالرفض وفي إغفال المحكمة الإشارة إلى ذلك مساس بحق الدفاع يعيبه بما يستوجب نقضه والإحالة - أما وقد اتخذ الطاعن من ذات العذر سبباً حال دون علمه بصدور الحكم المطعون فيه الأمر الذي ينفتح معه ميعاد الطعن بالنقض له إلى يوم علمه رسمياً بصدوره، فإن يكون لهذه المحكمة النظر في هذا العذر وتقديره اعتباراً بأنه يتعلق بشكل الطعن.
2 - لما كان الثابت بمحضر جلسة المحاكمة الاستئنافية أن الطاعن تقدم بشهادة طبية تثبت عذره ولم يعرض الحكم لها، إلا أنه بضم المفردات تبين خلو الأوراق من تلك الشهادة الأمر الذي يقطع بفقدها نتيجة الإهمال في حفظها بالملف - وحتى لا يضار الطاعن لسبب لا دخل لإرادته فيه - فإنه لا يكون في وسع هذه المحكمة إلا أن تصدق بقوله في قيام العذر القهري المانع من حضور جلسة المعارضة الاستئنافية بما لا يصح معه القضاء فيها - والحكم الصادر على خلاف القانون في هذه الحالة لا ينفتح ميعاد الطعن فيه إلا من اليوم الذي يعلم فيه الطاعن رسمياً بصدوره وإذ كان هذا العلم لم يثبت في حق الطاعن قبل يوم 20 من مارس سنة 1989 وهو اليوم الذي قرر فيه بالطعن وأودع أسبابه، فإن التقرير بالطعن بالنقض وإيداع أسبابه يكونان قد تما في الميعاد.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه بدد الأشياء المبينة وصفاً وقيمة بالمحضر والمحجوز عليها لصالح الوحدة المحلية لمركز..... والمسلمة إليه على سبيل الوديعة لحراستها وتقديمها في اليوم المحدد للبيع فاختلسها لنفسه إضراراً بالجهة الحاجزة وطلبت عقابه بالمادتين 341، 342 من قانون العقوبات ومحكمة جنح..... قضت غيابياً عملاً بمادتي الاتهام بحبس المتهم أسبوعاً مع الشغل وقدرت كفالة عشرة جنيهات لوقف التنفيذ. عارض وقضى في معارضته باعتبار المعارضة كأن لم تكن. استأنف ومحكمة........ الابتدائية (بهيئة استئنافية) قضت غيابياً بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف. عارض وقضى في معارضته باعتبار المعارضة كأن لم تكن.
فطعن الأستاذ/...... المحامي نيابة عن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض ...... إلخ.


المحكمة

حيث إن الحكم المطعون فيه صدر بتاريخ 7 من ديسمبر سنة 1988 باعتبار المعارضة كأن لم تكن، فقرر المحكوم عليه بالطعن فيه بطريق النقض وأودع أسبابه بتاريخ 20 من مارس سنة 1989 متجاوزاً بذلك الميعاد المنصوص عليه بالمادة 34 من القانون رقم 57 لسنة 1959 في شأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض، إلا أنه تعلل بأن المرض حال بينه وبين حضور الجلسة التي صدر فيها الحكم المطعون فيه وبالتالي دون علمه بالحكم الذي صدر فيه، وأن محامياً حضر عنه بتلك الجلسة وقدم شهادة مرضيه وطلب التأجيل لذلك، إلا أن المحكمة أغفلت طلبه أو تحقيق عذره. لما كان ذلك، وكان البين من مطالعة محضر جلسة المعارضة الاستئنافية أن محامياً حضر عن الطاعن وقدم شهادة مرضية، وقضى الحكم المطعون فيه باعتبار المعارضة كأن لم تكن، ولم يشر إلى حضور محامي الطاعن ولا إلى ما أبداه من عذر. لما كان ذلك، وكان من المقرر أنه إذا تقدم المدافع عن المعارض بما يبين عذره في عدم الحضور كان لزاماً على المحكمة أن تقول كلمتها في شأنه سواء بالقبول أو بالرفض وفي إغفال المحكمة الإشارة إلى ذلك مساس بحق الدفاع يعيبه بما يستوجب نقضه والإحالة - أما وقد اتخذ الطاعن من ذات العذر سبباً حال دون علمه بصدور الحكم المطعون فيه الأمر الذي ينفتح معه ميعاد الطعن بالنقض له إلى يوم علمه رسمياً بصدوره، فإنه يكون لهذا المحكمة النظر في هذا العذر وتقديره اعتباراً بأنه يتعلق بشكل الطعن. لما كان ما تقدم جميعه، وكان الثابت بمحضر جلسة المحاكمة الاستئنافية أن الطاعن تقدم بشهادة طبية تثبت عذره ولم يعرض الحكم لها، إلا أنه بضم المفردات تبين خلو الأوراق من تلك الشهادة الأمر الذي يقطع بفقدها نتيجة الإهمال في حفظها بالملف - وحتى لا يضار الطاعن لسبب لا دخل لإرادته فيه - فإنه لا يكون في وسع هذه المحكمة إلا أن تصدق بقوله في قيام العذر القهري المانع من حضور جلسة المعارضة الاستئنافية بما لا يصح معه القضاء فيها - والحكم الصادر على خلاف القانون في هذه الحالة لا ينفتح ميعاد الطعن فيه إلا من اليوم الذي يعلم فيه الطاعن رسمياً بصدوره وإذ كان هذا العلم لم يثبت في حق الطاعن قبل يوم 20 من مارس سنة 1989 وهو اليوم الذي قرر فيه بالطعن وأودع أسبابه، فإن التقرير بالطعن بالنقض وإيداع أسبابه يكونان قد تما في الميعاد، مما يتعين معه الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه والإحالة.

الطعن 6765 لسنة 64 ق جلسة 24 / 3 / 1996 مكتب فني 47 ق 57 ص 404

جلسة 24 من مارس سنة 1996

برئاسة السيد المستشار/ عوض جادو نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ سمير أنيس وفتحي الصباغ والبشري الشوربجي وسمير مصطفى نواب رئيس المحكمة.

-------------------

(57)
الطعن رقم 6765 لسنة 64 القضائية

(1) تسهيل استيلاء على أموال أميرية. جريمة "نوعها". قصد جنائي. عقوبة "تقديرها".
جريمة تسهيل الاستيلاء على المال العام بغير حق. ميز الشارع بين فاعليها من حيث نوع الجريمة والعقوبة بالقصد الجنائي. المادة 113 عقوبات.
انصراف إرادة الفاعل في تسهيل الاستيلاء إلى تمليك المال العام لمن استولى عليه. جناية. عدم توافر هذه النية. يجعلها جنحة.
(2) استيلاء على أموال أميرية. حكم "بيانات التسبيب" "تسبيبه. تسبيب معيب". اشتراك. نقض "أسباب الطعن. ما يقبل منها".
حكم الإدانة. بياناته؟
المقصود من عبارة "بيان الواقعة" الواردة بالمادة 310 إجراءات؟
إفراغ الحكم في عبارات عامة معماة أو وضعه في صورة مجهلة لا يحقق غرض الشارع من استيجاب تسبيب الأحكام.
عدم بيان الحكم المطعون فيه الوقائع والأفعال التي قارفها كل من المحكوم عليهما واستظهار اتفاقهما على فعل الاستيلاء وفعل التسهيل وقصد المحكوم عليه الثاني منه. قصور.
اقتراف الموظف العام فعل تسهيل الاستيلاء للخصوم على جزء من المال يجعله فاعلاً أصلياً في جناية الاستيلاء على مال عام بغير حق.
مثال لتسبيب معيب لقضاء بالإدانة لجريمة تسهيل الاستيلاء على المال العام.
(3) حكم "بيانات التسبيب" "تسبيبه. تسبيب معيب". نقض "أثر الطعن".
القصور في التسبيب الذي يتسع له وجه الطعن. ماهيته؟
امتداد أثر نقض الحكم المطعون فيه للمطعون ضده وللطاعن لوحدة الواقعة ولحسن سير العدالة.

-----------------
1 - من المقرر أن المشرع في المادة 113 من قانون العقوبات - في خصوص جريمة تسهيل الاستيلاء على المال العام بغير حق - قد ميز من حيث نوع الجريمة والعقوبة بين فاعلي هذه الجريمة باعتبار القصد الجنائي، فقد جعل تسهيل الاستيلاء جناية إذا انصرفت إرادة الفاعل إلى تمليك المال العام لمن استولى عليه، أما إذا لم تتوافر هذه النية كانت الجريمة جنحة.
2 - لما كانت المادة 310 من قانون الإجراءات الجنائية توجب أن يشتمل كل حكم بالإدانة على بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة بياناً تتحقق به أركان الجريمة والظروف التي وقعت فيها، والأدلة التي استخلصت منها المحكمة ثبوت وقوعها من المتهم وأن تلتزم بإيراد مؤدى الأدلة التي استخلصت منها الإدانة حتى يتضح وجه استدلالها بها وسلامة مأخذها وإلا كان الحكم قاصراً، وكان المقصود من عبارة بيان الواقعة الواردة بالمادة 310 المذكورة هو أن يثبت قاضي الموضوع في حكمة كل الأفعال والمقاصد التي تتكون منها أركان الجريمة. أما إفراغ الحكم في عبارات عامة أو وضعه في صورة مجهلة فلا يحقق الغرض الذي قصده الشارع من استيجاب تسبيب الأحكام. ولما كان الحكم المطعون فيه لم يبين بوضوح سواء في معرض إيراده واقعة الدعوى أو في سرده لأدلة الثبوت فيها - تفصيل الوقائع والأفعال التي قارفها كل من المحكوم عليهما - الطاعن والمطعون ضده - واستظهار اتفاقهما على ارتكاب كل منهما فعل الاستيلاء وفعل التسهيل كشفاً عن الأدلة المثبتة لارتكاب المطعون ضده - المحكوم عليه الثاني - جريمة تسهيل الاستيلاء على مال عام بغير حق وقصده من ارتكاب هذه الجريمة، إذ أن ما أورده الحكم من مجرد عدم حصول المطعون ضده على نصيب من المال محل جناية الاستيلاء لا ينفي عنه نيته في تمليك المال للمحكوم عليه الأول، بل إن هذه القالة التي اعتنقتها المحكمة فاسدة في الاستدلال على انتفاء نية التمليك، ذلك أن حصول الموظف العام - وهذا حال المطعون ضده الذي اقترف فعل تسهيل الاستيلاء - على جزء من المال يجعله فاعلاً أصلياً في جناية الاستيلاء على مال بغير حق.
3 - من المقرر أن القصور في التسبيب - الذي يتسع له وجه الطعن - يعجز محكمة النقض عن مراقبة صحة تطبيق القانون على واقعة الدعوى كما صار إثباتها في الحكم والتقرير برأي فيما تثيره النيابة العامة بوجه الطعن ومن ثم يتعين القضاء بنقض الحكم المطعون فيه والإعادة بالنسبة للمطعون ضده وللطاعن - دون حاجه لبحث أسباب طعن الأخير - لوحدة الواقعة ولحسن سير العدالة.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة كلاً من (1)...... (طاعن) (2)..... (مطعون ضده) المتهم الأول: - أولاً: - بصفته موظفاً عاماً..... استولى بغير حق على أموال عامة بأن قام بالاستيلاء على مبلغ 26871.180 جنيه "ستة وعشرون ألف وثمانمائة وواحد وسبعين جنيهاً ومائة وثمانين مليماً" المملوكة لجهة عمله سالف الذكر وقد ارتبطت هذه الجناية بجنايتي تزوير محررات رسمية واستعمالها ارتباطاً لا يقبل التجزئة وهي أنه في الزمان والمكان سالفي الذكر وبصفته آنفة البيان (1) ارتكب تزويراً في محررات رسمية هي استمارات المرتبات والحوافز والمنح المبينة بالتحقيقات وكان ذلك بجعله واقعه مزورة في صورة واقعة صحيحة بأن أدرج بها على خلاف الحقيقة أسماء على أنها لأشخاص من العاملين التابعين لإدارة...... التعليمية المستحقين لتلك المبالغ ووضع قرين تلك الأسماء توقيعات نسبها زوراً إليهم بما يفيد صرفهم للمبالغ المذكورة خلافاً للحقيقة. (2) استعمل المحررات المزورة سالفة الذكر فيما زورت من أجله بأن قدمها لإدارة الحسابات بإدارة..... التعليمية لاستخراج الشيك الخاص بالمبالغ الموضحة بها مع علمه بتزويرها الأمر المعاقب عليه بالمادتين 211، 214 من قانون العقوبات. المتهم الثاني: سهل للمتهم الأول بدون نية التملك الاستيلاء بغير حق على مبلغ 23193.080 "ثلاثة وعشرون ألفاً ومائة وثلاثة وتسعين جنيهاً وثمانين مليماً" المملوكة لجهة عمله سالفة الذكر بأن قام بصرفه له بالمخالفة للتعليمات المقررة في هذا الشأن. وأحالتهما إلى محكمة أمن الدولة العليا بدمياط لمعاقبتهما طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة. والمحكمة المذكورة قضت حضورياً عملاً بالمواد 113/ 1 - 2 - 3، 118 مكرراً، 119/ أ، 119 مكرراً من قانون العقوبات أولاً: - بمعاقبة...... بالأشغال الشاقة لمدة سبع سنوات وتغريمه مبلغ 26871.180 جنيه وإلزامه برد مبلغ 23193.080 جنيه وعزله من وظيفته. ثانياً: - بمعاقبة......... بالحبس مع الشغل لمدة سنة واحدة وتغريمه خمسمائة جنيه وعزله من وظيفته لمدة سنة واحدة تبدأ من نهاية تنفيذ العقوبة.
فطعن المحكوم عليه الأول والنيابة العامة في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

من حيث إن النيابة العامة تنعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دان المطعون ضده....... بجنحة تسهيل الاستيلاء على مال عام، قد أخطأ في تطبيق القانون، ذلك أن ما اقترفه يجعله شريكاً بالاتفاق والمساعدة مع المحكوم عليه الآخر الذي أدين بجناية الاستيلاء لتوافر نية تملك المال لديه مما كان يتعين على المحكمة توقيع العقوبة المقررة لهذه الجريمة على المطعون ضده التزاماً منها بواجبها في تمحيص الواقعة المطروحة عليها بكافة كيوفها القانونية.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه قد حصل واقعة الدعوى في قوله "إن المتهم الأول - الطاعن - تمكن من الاستيلاء على مبلغ 26871 جنيها و180 مليماً بدون وجه حق بأن أضاف في كشوف مرتبات مدرسة........ أسماء لا تعمل في هذه المدرسة وأسماء وهمية لأشخاص لا وجود لهم وذلك بتسهيل من المتهم الثاني...... - المطعون ضده - سكرتير تلك المدرسة الذي أعد له تلك الكشوف، وقام بصرف تلك المرتبات وتسليمها للمتهم الأول بحجة أنه سيتولى تسليمها لأصحاب تلك التسميات المضافة بالكشوف وقد ثبت من تقرير فحص أعمال المتهم الأول أن المتهم الثاني سهل له الاستيلاء على مبلغ 23193 جنيهاً و80 مليماً. وقد قرر المتهم الأول بالتحقيقات بأنه هو الذي قام بوضع الأسماء المضافة بغير حق باستمارات الماهيات والحوافز والمنح محل التحقيق. وقد قرر المتهم الثاني بالتحقيقات بأن المتهم الأول هو الذي قام بصرف المبلغ المذكور. وقد جاء بتقرير الخبير المنتدب أن المتهم الأول........ قد قام بسداد مبلغ 2407 جنيهاً و840 مليماً ثم مبلغ 1275 جنيه و260 مليماً خلال فترة التحقيق". واستدل الحكم في إدانة كل من المحكوم عليهما إلى أقوال كل من......... مدير الشئون المالية والإدارية بالتربية والتعليم و...... موجه مالي وإداري بالمديرية سالفة الذكر و......... رئيس التوجيه المالي والإداري بإدارة....... التعليمية و...... موجه مالي وإداري بالإدارة سالفة البيان و....... المفتش بالمديرية المالية بـ...... وتقرير لجنة فحص أعمال المتهم الأول ومما قرره هذا والمطعون ضده بالتحقيقات، كما حصل الحكم أقوال شهود الإثبات سالفي الذكر بما مجمله أنه بمراجعة أعمال المتهم الأول تبين وجود مبالغ مستولى عليها قدرها 26871 جنيهاً و180 مليماً، وأن المتهم الثاني قام بإضافة أربعة أسماء هم...... و....... و........ و....... إلى استمارة مدرسة...... الإعدادية، وتمكن بذلك من أن يسهل للمتهم الأول الاستيلاء على مبلغ 23193 جنيهاً و80 مليماً وأورد الحكم أن المتهم الأول..... قرر بالتحقيقات أنه هو الذي قام بوضع الأسماء المضافة بغير حق باستمارات الماهيات والحوافز والمنح - وأن المتهم الثاني...... قرر بالتحقيقات بأن المتهم الأول هي الذي قام بصرف المبالغ محل جريمة الاستيلاء. وانتهى الحكم إلى إدانة المتهم الأول - الطاعن - بجناية الاستيلاء على مال مملوك للدولة بنية تملكه. وإدانة المتهم الثاني المطعون ضده بجنحة تسهيل الاستيلاء على هذا المال استناداً إلى أن هذا الأخير لم يثبت أنه قام بفعل التسهيل بغية الحصول على نصيب من ذلك المبلغ المستولى عليه. لما كان ذلك، وكان المشرع في المادة 113 من قانون العقوبات - في خصوص جريمة تسهيل الاستيلاء على المال العام بغير حق - قد ميز من حيث نوع الجريمة والعقوبة بين فاعلي هذه الجريمة باعتبار القصد الجنائي، فقد جعل تسهيل الاستيلاء جناية إذا انصرفت إرادة الفاعل إلى تمليك المال العام لمن استولى عليه، أما إذا لم تتوافر هذه النية كانت الجريمة جنحة. لما كان ذلك، وكانت المادة 310 من قانون الإجراءات الجنائية توجب أن يشتمل كل حكم بالإدانة على بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة بياناً تتحقق به أركان الجريمة والظروف التي وقعت فيها، والأدلة التي استخلصت منها المحكمة ثبوت وقوعها من المتهم وأن تلتزم بإيراد مؤدى الأدلة التي استخلصت منها الإدانة حتى يتضح وجه استدلالها بها وسلامة مأخذها وإلا كان الحكم قاصراً وكان المقصود من عبارة "بيان الواقعة" الواردة بالمادة 310 المذكورة هو أن يثبت قاضي الموضوع في حكمه كل الأفعال والمقاصد التي تتكون منها أركان الجريمة، أما إفراغ الحكم في عبارات عامة أو وضعه في صورة مجهلة فلا يحقق الغرض الذي قصده الشارع من استيجاب تسبيب الأحكام. ولما كان الحكم المطعون فيه لم يبين بوضوح سواء في معرض إيراده واقعة الدعوى أو في سرده لأدلة الثبوت فيها - تفصيل الوقائع والأفعال التي قارفها كل من المحكوم عليهما - الطاعن والمطعون ضده - واستظهار اتفاقهما على ارتكاب كل منهما فعل الاستيلاء وفعل التسهيل كشفاً عن الأدلة المثبتة لارتكاب المطعون ضده - المحكوم عليه الثاني - جريمة تسهيل الاستيلاء على مال عام بغير حق وقصده من ارتكاب هذه الجريمة، إذ أن ما أورده الحكم من مجرد عدم حصول المطعون ضده على نصيب من المال محل جناية الاستيلاء لا ينفي عنه نيته في تمليك المال للمحكوم عليه الأول، بل إن هذه القالة التي اعتنقتها المحكمة فاسدة في الاستدلال على انتفاء نية التمليك، ذلك أن حصول الموظف العام - وهذا حال المطعون ضده الذي اقترف فعل تسهيل الاستيلاء - على جزء من المال يجعله فاعلاً أصلياً في جناية الاستيلاء على مال بغير حق. لما كان ما تقدم، فإن الحكم المطعون فيه يكون مشوباً بالقصور في التسبيب - الذي يتسع له وجه الطعن - بما يعجز محكمة النقض عن مراقبة صحة تطبيق القانون على واقعة الدعوى كما صار إثباتها في الحكم والتقرير برأي فيما تثيره النيابة العامة بوجه الطعن، ومن ثم يتعين القضاء بنقض الحكم المطعون فيه والإعادة بالنسبة للمطعون ضده وللطاعن - دون حاجه لبحث أسباب طعن الأخير - لوحدة الواقعة ولحسن سير العدالة.

عدم دستورية انتقاص المعاش المستحق لمن انتهت خدمتهم بالاستقالة (المعاش المبكر)

الطعن 65 لسنة 30 ق " دستورية " المحكمة الدستورية العليا جلسة 4 / 11 /2017
منشور في الجريدة الرسمية العدد 45 مكرر هـ في 15/ 11/ 2017 ص 3
باسم الشعب 
المحكمة الدستورية العليا 
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الرابع من نوفمبر سنة 2017م، الموافق الخامس عشر من صفر سنة 1439هـ
برئاسة السيد المستشار/ عبد الوهاب عبد الرازق رئيس المحكمة 
وعضوية السادة المستشارين: الدكتور حنفي علي جبالي ومحمد خيري طه النجار والدكتور عادل عمر شريف ومحمود محمد غنيم والدكتور محمد عماد النجار والدكتور عبد العزيز محمد سالمان نواب رئيس المحكمة 
وحضور السيد المستشار/ طارق عبد العليم أبو العطا رئيس هيئة المفوضين 
وحضور السيد/ محمد ناجي عبد السميع أمين السر 
أصدرت الحكم الآتي 
في القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 65 لسنة 30 قضائية "دستورية".
--------------
الوقائع
حيث إن الوقائع تتحصل - على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - في أن المدعين كانوا قد أقاموا الدعوى رقم 1797 لسنة 2002 مدني كلي، أمام محكمة بور سعيد الابتدائية، ضد المدعى عليه الأول وآخرين، بطلب الحكم بأحقية كل منهم في تسوية معاش الأجر الأساسي، والأجر المتغير دون خفض منذ تاريخ إحالة كل منهم إلى المعاش المبكر، وذلك على سند من أنهم كانوا من العاملين بشركة ...... للغزل والنسيج، وانتهت خدمتهم معاشا مبكرا اختياريا، وعند تسوية معاش كل منهم، فقد تم خفض مستحقاتهم التأمينية عن مدد اشتراكاتهم التي يستحقون عنها معاش الأجر الأساسي بنسب تتراوح بين (15% لمن تقل سنه عن خمسة وأربعين عاما، و10% لمن هم فوق 45 عاما ودون الخمسين عاما، و5% لمن بلغ 50 عاما وأقل من 60 عاما) تبعا لسن كل منهم وقت التسوية، وبالنسبة لمعاش الأجر المتغير فقد جرى خفض معاش كل منهم بنسبة 5% عن كل سنة، استنادا إلى نص الفقرتين الأولى والثانية من المادة (23) من قانون التأمين الاجتماعي المشار إليه، الأمر الذي دعاهم للدفع بعدم دستورية هذا النص، وهو الدفع الذي قدرت محكمة الموضوع جديته، وصرحت للمدعين بإقامة الدعوى الدستورية، فأقاموا الدعوى المعروضة
بتاريخ السادس عشر من فبراير سنة 2008، أودع المدعون صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، بطلب الحكم بعدم دستورية نص المادة (23) من قانون التأمين الاجتماعي الصادر بالقانون رقم 79 لسنة 1975
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرا برأيها
ونظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر جلسة 14/ 10/ 2017، وفيها مثل محامي عن الهيئة القومية للتأمين الاجتماعي، وقدم مذكرة، طلب فيها الحكم أصليا برفض الدعوى، واحتياطيا - في حالة القضاء بعدم الدستورية - إعمال أثر هذا الحكم من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية، وبالجلسة ذاتها قررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
---------------
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة
وحيث إن المادة (23) من قانون التأمين الاجتماعي الصادر بالقانون رقم 79 لسنة 1975، بعد استبدالها بالقانون رقم 107 لسنة 1987، وقبل إلغائها بالقانون رقم 130 لسنة 2009، كانت تنص على أن
"يخفض المعاش المستحق عن الأجر الأساسي لتوافر الحالة المنصوص عليها في البند (5) من المادة (18) بنسبة تقدر تبعا لسن المؤمن عليه في تاريخ استحقاق الصرف وفقا للجدول رقم (8) المرافق
ويخفض المعاش المستحق عن الأجر المتغير بنسبة (5%) عن كل سنة من السنوات المتبقية من تاريخ استحقاق الصرف وحتى تاريخ بلوغ المؤمن عليه سن الستين، مع مراعاة جبر كسر السنة في هذه المدة إلى سنة كاملة". 
وقد ورد بالجدول المشار إليه نسب خفض المعاش تبعا لسن المؤمن عليه في تاريخ استحقاق الصرف، لتكون 15% لمن هم أقل من 45 سنة، و10% لمن هم بين 45 سنة وأقل من 50 سنة، و5% لمن هم بين 50 سنة وأقل من 60 سنة
وحيث إنه في خصوص نص الفقرة الثانية من المادة (23) من قانون التأمين والمعاشات الصادر بالقانون رقم 79 لسنة 1975، فقد سبق لهذه المحكمة أن حسمت المسألة الدستورية المتعلقة به، وذلك بحكمها الصادر بجلسة الرابع من مايو 2008 في القضية الدستورية رقم 310 لسنة 24 قضائية، والذي قضى بعدم دستورية نص الفقرة الثانية من المادة (23) من قانون التأمين الاجتماعي الصادر بالقانون رقم 79 لسنة 1975، فيما تضمنته من قصر إضافة الزيادة في معاش الأجر المتغير على حالات استحقاق المعاش لبلوغ سن الشيخوخة أو العجز أو الوفاة المنصوص عليها في المادة (18) من قانون التأمين الاجتماعي الصادر بالقانون رقم 79 لسنة 1975، دون حالة استحقاق المعاش بسبب انتهاء خدمة المؤمن عليه بالاستقالة، وقد نشر هذا الحكم بالجريدة الرسمية بالعدد رقم 20 (مكرر) بتاريخ 19 مايو 2008. وكان مقتضى نص المادة (195) من الدستور، والمادتين (48، 49) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، أن يكون للأحكام والقرارات الصادرة من هذه المحكمة حجية مطلقة في مواجهة الكافة، وبالنسبة إلى الدولة بسلطاتها المختلفة، باعتبارها قولا فصلا في المسألة المقضي فيها لا يقبل تأويلا ولا تعقيبا، وهي حجية تحول بذاتها دون المجادلة فيه أو إعادة طرحه عليها من جديد لمراجعته، مما يتعين معه اعتبار الخصومة منتهية بالنسبة لهذا النص
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة، وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية، مناطها - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم في المسألة الدستورية لازما للفصل في الطلبات المرتبطة بها المطروحة على محكمة الموضوع. متى كان ذلك، وكان النزاع الموضوعي، في خصوص طلب إعادة تسوية معاش المدعين عن الأجر الأساسي، دون استقطاع نسبة منه نظير خروجهم إلى المعاش المبكر بالاستقالة قبل بلوغ 45 سنة في تاريخ استحقاق المعاش، ووفقا لقواعد الخفض المنصوص عليها في الفقرة الأولى من المادة (23) من قانون التأمين الاجتماعي الصادر بالقانون رقم 79 لسنة 1975، بعد استبدالها بالقانون رقم 107 لسنة 1987، وفقا لما هو مبين بالجدول رقم (8) المرافق للقانون المشار إليه، فإن الفصل في مدى دستورية نص الفقرة الأولى من المادة (23) المشار إليه يرتب انعكاسا أكيدا ومباشرا على الطلبات في الدعوى الموضوعية، وتتوافر للمدعين تبعا لذلك مصلحة شخصية مباشرة في الطعن عليها. ولا يغير من ذلك أن نص المادة (23) من قانون التأمين الاجتماعي المشار إليه، بعد استبداله بالقانون رقم 107 لسنة 1987، قد جرى إلغاؤه بالقانون رقم 130 لسنة 2009، ذلك أن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن استبدال المشرع لقاعدة قانونية بغيرها، أو إلغاءها، لا يحول دون الطعن عليها بعدم الدستورية من قبل من طبقت عليه خلال فترة نفاذها، وترتبت بمقتضاها آثار قانونية بالنسبة إليه، تتحقق بإبطالها مصلحته الشخصية المباشرة، ذلك أن الأصل في تطبيق القاعدة القانونية، هو سريانها على الوقائع التي تتم في ظلها حتى إلغائها، فإذا ألغيت هذه القاعدة، أو حلت محلها قاعدة قانونية أخرى، فإن القاعدة الجديدة تسري من الوقت المحدد لنفاذها، ويقف سريان القاعدة القانونية القديمة من تاريخ إلغائها، وبذلك يتحدد النطاق الزمني لسريان كل من القاعدتين، فما نشأ مكتملا في ظل القاعدة القانونية القديمة من المراكز القانونية، وجرت آثارها خلال فترة نفاذها، يظل خاضعا لحكمها وحدها. متى كان ذلك، فإن إلغاء النص المطعون فيه بموجب المادة الثالثة من القانون رقم 130 لسنة 2009، لا يمنع هذه المحكمة من إعمال رقابتها الدستورية عليه، باعتباره قد طبق على المدعين خلال فترة نفاذه، وترتبت بمقتضاه آثار قانونية بالنسبة لهم
وحيث إن المدعين ينعون على النص المطعون فيه تقويضه نظام التأمين الاجتماعي، ومخالفته مبدأ المساواة، بتمييزه في الحقوق التأمينية بين من انتهت خدمته بالمعاش المبكر، ومن انتهت خدمته ببلوغ السن القانونية للإحالة إلى المعاش، رغم وفاء كل من أفراد الطائفتين بالتزاماته التأمينية، وتساويهم بالتالي في المركز القانوني، الأمر الذي يشكل إخلالا بأحكام المواد (7، 17، 34 و40) من دستور سنة 1971
وحيث إنه من المقرر في قضاء المحكمة الدستورية العليا أن حماية هذه المحكمة للدستور إنما تنصرف إلى الدستور القائم، إلا أنه إذا كان هذا الدستور ليس ذا أثر رجعي، فإنه يتعين إعمال أحكام الدستور السابق الذي صدر القانون المطعون عليه في ظل العمل بأحكامه، طالما أن هذا القانون قد عمل بمقتضاه إلى أن تم إلغاؤه أو استبدال نص آخر به خلال مدة سريان أحكامه. متى كان ذلك، وكان نص المادة (23) من قانون التأمين الاجتماعي الصادر بالقانون 79 لسنة 1975 قد تم استبداله بالقانون رقم 107 لسنة 1987، ثم إلغاؤه بالقانون رقم 130 لسنة 2009، وذلك قبل العمل بأحكام الدستور القائم الصادر بتاريخ 18/ 1/ 2014، ومن ثم فإنه يتعين الاحتكام في شأن دستورية النص المطعون فيه إلى ما ورد في دستور سنة 1971، الذي صدر القانون المشتمل على هذا النص، وعمل بمقتضاه إلى أن تم إلغاؤه في ظل العمل بأحكامه
وحيث إن ما نعاه المدعون على النص المطعون فيه سديد في مجمله، ذلك أن دستور سنة 1971 قد حرص في المادة (17) منه على دعم التأمين الاجتماعي حين ناط بالدولة مد خدماتها في هذا المجال إلى المواطنين بجميع فئاتهم في الحدود التي يبينها القانون، من خلال تقرير ما يعينهم على مواجهة بطالتهم أو عجزهم عن العمل أو شيخوختهم، ذلك أن مظلة التأمين الاجتماعي التي يحدد المشرع نطاقها، هي التي تفرض بمداها واقعا أفضل يؤمن المواطن في غده، وينهض بموجبات التضامن الاجتماعي التي يقوم عليها المجتمع وفقا لنص المادة (7) من ذلك الدستور، بما يؤكد أن الرعاية التأمينية ضرورة اجتماعية بقدر ما هي ضرورة اقتصادية، وأن غايتها أن تؤمن المشمولين بها في مستقبل أيامهم عند تقاعدهم أو عجزهم أو مرضهم، وأن تكفل الحقوق المتفرعة عنها لأسرهم بعد وفاتهم، بما مؤداه أن التنظيم التشريعي للحقوق التي كفلها المشرع في هذا النطاق يكون مجافيا أحكام الدستور منافيا لمقاصده إذا تناول هذه الحقوق بما يهدرها
وحيث إن الأصل في المعاش متى توافر أصل استحقاقه وفقا للقانون، فإنه ينهض التزاما على الجهة التي تقرر عليها مترتبا في ذمتها بقوة القانون، بحيث إذا توافرت في المؤمن عليه الشروط التي تطلبها القانون لاستحقاق المعاش، استقر مركزه القانوني بالنسبة إلى هذا المعاش بصفة نهائية، ولا يجوز من بعد التعديل في العناصر التي قام عليها أو الانتقاص منه
وحيث إن المشرع قد استهدف من قانون التأمين الاجتماعي الصادر بالقانون رقم 79 لسنة 1975، التأمين ضد مخاطر بذاتها تندرج تحتها الشيخوخة والعجز والوفاة، وغيرها من أسباب انتهاء الخدمة التي عددتها المادة (18) من القانون المشار إليه، ومن بينها حالات انتهاء الخدمة لغير الأسباب التي عددتها البنود (1، 2، 3) من هذه المادة، والتي يدخل فيها المعاش المبكر، متى كانت مدة الاشتراك في التأمين لا تقل عن 240 شهرا، ليفيد المؤمن عليه الذي يخضع لأحكام هذا النص، وتوافرت له شروط استحقاق المعاش عن الأجر الأساسي، من المزايا التأمينية المقررة به عند تحقق الخطر المؤمن منه، فإذا ما تقرر له معاش عن مدة اشتراكه في التأمين عن هذا الأجر، واستقر مركزه القانوني بالنسبة لهذا المعاش، بات حقه فيه، والوفاء به كاملا دون نقصان أو تعديل، التزاما قانونيا في ذمة الجهة المختصة لا تستطيع منه فكاكا، وهو ما لم يلتزمه النص المطعون فيه، الذي انتقص من هذه المزايا، والمتعلقة بالمعاش المستحق عن الأجر الأساسي، بتخفيضه بنسبة تقدر تبعا لسن المؤمن عليه في تاريخ استحقاق صرف المعاش، وفقا للجدول رقم (8) المرافق لهذا القانون، والذي ورد به مقدار هذا الخفض بنسب تتراوح بين 5% و15%، بما مؤداه انتقاص قيمة المعاش المستحق عن هذا الأجر، والذي توافر أصل استحقاقه وفقا للقانون، الأمر الذي يتعارض مع كفالة الدولة لخدمات التأمين الاجتماعي الواجبة وفقا للمادة (17) من دستور سنة 1971
وحيث إن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن صور التمييز المجافية للدستور وإن تعذر حصرها، إلا أن قوامها كل تفرقة أو تقييد أو تفضيل أو استبعاد ينال بصورة تحكمية من الحقوق أو الحريات التي كفلها الدستور أو القانون، وذلك بإنكار أصل وجودها أو تعطيل أو انتقاص آثارها بما يحول دون مباشرتها على قدم المساواة بين المؤهلين للانتفاع بها. كما أن مبدأ مساواة المواطنين أمام القانون، المنصوص عليه في المادة (40) من دستور سنة 1971، والذي رددته الدساتير المصرية المتعاقبة جميعها، بحسبانه ركيزة أساسية للحقوق والحريات على اختلافها، وأساسا للعدل والسلام الاجتماعي، غايته صون الحقوق والحريات في مواجهة صور التمييز التي تنال منها أو تقيد ممارستها، باعتباره وسيلة لتبرير الحماية القانونية المتكافئة التي لا تمييز فيها بين المراكز القانونية المتماثلة، وقيدا على السلطة التقديرية التي يملكها المشرع في مجال تنظيم الحقوق، والتي لا يجوز بحال أن تؤول إلى التمييز بين المراكز القانونية التي تتحدد وفق شروط موضوعية يتكافأ المواطنون من خلالها أمام القانون، فإن خرج المشرع على ذلك، سقط في حمأة المخالفة الدستورية
وحيث كان ما تقدم، فإن ما قرره النص المطعون فيه من تخفيض المعاش المستحق عن الأجر الأساسي على النحو السالف بيانه، لمن تنتهي خدمتهم بالاستقالة (المعاش المبكر) يكون منطويا على تمييز تحكمي بين هذه الفئة وبين غيرهم من المؤمن عليهم، الذين تنتهي خدمتهم ببلوغ السن القانونية أو العجز أو الوفاة، رغم تكافؤ مراكزهم القانونية، لكونهم جميعا مؤمنا عليهم، أوجب نص المادة (17) من ذلك الدستور على الدولة كفالة حقهم في المعاش. وكان هذا التمييز غير مستند إلى أسس موضوعية يقوم عليها، ذلك أن الخطر المؤمن ضده متوافر في شأن أفراد الفئتين، وجميعهم قاموا بسداد اشتراكات التأمين عن الأجر الأساسي، وخلال المدد المقررة، بما يتوافر معه أصل استحقاق المعاش لكل منهم، ومن ثم يكون النص المطعون فيه معارضا لمبدأ المساواة الذي كفلته المادة (40) من دستور سنة 1971
وحيث إن قضاء المحكمة الدستورية العليا جرى على أن الحماية التي أظل بها الدستور الملكية الخاصة، لضمان صونها من العدوان عليها وفقا لنص المادة (34) من دستور سنة 1971، تمتد إلى الأموال جميعها دون تمييز بينها، باعتبار أن المال هو الحق ذو القيمة المالية، سواء كان هذا الحق شخصيا أم عينيا، أم كان من حقوق الملكية الأدبية أو الفنية أو الصناعية. لما كان ذلك، وكان الحق في صرف معاش الأجر الأساسي إذا توافرت شروط استحقاقه ينهض التزاما على الجهة التي تقرر عليها، وعنصرا إيجابيا من عناصر ذمة صاحب المعاش أو المستحقين عنه، تتحدد قيمته وفقا لأحكام قانون التأمين الاجتماعي، بما لا يتعارض مع أحكام الدستور، فإن النص المطعون فيه وقد ترتب عليه انتقاص المعاش المستحق عن هذا الأجر لمن انتهت خدمتهم بالاستقالة (المعاش المبكر)، رغم توافر شروط استحقاقهم وفقا لمدة اشتراكهم، وقيمة أقساط التأمين المقررة عن هذه المدة، فإنه يشكل بذلك عدوانا على حق الملكية الخاصة الذي كفل دستور سنة 1971 حمايتها وصونها في المادتين (29، 34) منه
وحيث إنه في ضوء ما تقدم يكون النص المطعون فيه مخالفا لأحكام المواد (7، 17، 29، 34، 40) من دستور سنة 1971، بما يتعين معه القضاء بعدم دستوريته، ومما يترتب على ذلك من سقوط الجدول رقم (8) المرافق لذلك القانون في مجال إعماله على النص المحكوم بعدم دستوريته، لارتباطه بهذا النص ارتباطا لا يقبل الفصل أو التجزئة
وحيث إن هذه المحكمة، تقديرا منها للآثار المالية التي ستترتب على الأثر الرجعي للقضاء بعدم دستورية النص المطعون فيه، فإنها تعمل الرخصة المخولة لها بنص المادة (49) من قانونها الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، وتحدد اليوم التالي لنشر هذا الحكم في الجريدة الرسمية تاريخا لسريان آثاره، وذلك دون إخلال باستفادة المدعين من الحكم الصادر بعدم دستورية النص المطعون فيه
فلهذه الأسباب 
حكمت المحكمة
أولا: بعدم دستورية نص الفقرة الأولى من المادة (23) من قانون التأمين الاجتماعي الصادر بالقانون رقم 79 لسنة 1975، بعد استبدالها بالقانون رقم 107 لسنة 1987، وسقوط الجدول رقم (8) المرافق للقانون المشار إليه، في مجال إعماله على هذا النص
ثانيا: بتحديد اليوم التالي لنشر هذا الحكم في الجريدة الرسمية تاريخا لإعمال آثاره
ثالثا: بإلزام الحكومة المصروفات، ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

عدم دستورية الاضرار بالمؤجر بتنازل امين التفليسة عن العين او تاجيرها من الباطن

الطعن 226 لسنة 30 ق " دستورية " المحكمة الدستورية العليا جلسة 4 / 11 /2017
منشور في الجريدة الرسمية العدد 45 مكرر هـ في 15/ 11/ 2017 ص 13
باسم الشعب 

المحكمة الدستورية العليا 
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الرابع من نوفمبر سنة 2017م، الموافق الخامس عشر من صفر سنة 1439هـ
برئاسة السيد المستشار/ عبد الوهاب عبد الرازق رئيس المحكمة 
وعضوية السادة المستشارين: الدكتور حنفي علي جبالي ومحمد خيري طه النجار والدكتور عادل عمر شريف ورجب عبد الحكيم سليم وبولس فھمي اسكندر والدكتور محمد عماد النجار نواب رئيس المحكمة 
وحضور السيد المستشار/ طارق عبد العليم أبو العطا رئيس هيئة المفوضين 
وحضور السيد/ محمد ناجي عبد السميع أمين السر 
أصدرت الحكم الآتي 
في القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 226 لسنة 30 قضائية "دستورية". 
-------------

الوقائع
حيث إن الوقائع تتحصل - حسبما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – في أن الطائفة المدعية تمتلك المحل الكائن بالعقار رقم (..) بشارع النبي دانيال قسم العطارين بالإسكندرية، وبتاريخ 29/ 3/ 1989 قامت بتأجيره لكل من ......، و...... ونص البند الأول من العقد على أن الغرض من الإيجار هو استعمال المحل في تجارة كافة أنواع الأقمشة والملابس والمصنوعات الجلدية والإكسسوارات والأجهزة الكهربائية .....، ونص البند الرابع على أنه يحظر على المستأجر أن يؤجر من الباطن العين المؤجرة أو جزءا منها مفروشة كانت أم غير مفروشة، كما يحظر عليه التنازل عن حقه في الإيجار للغير إلا بموافقة كتابية من المالك. وبتاريخ 1/ 6/ 1999 باع المستأجر الثاني نصيبه في المحل بطريق الجدك للمدعو/ ......، بعد موافقة المؤجر على ذلك. وبجلسة 30/ 9/ 2000 أصدرت محكمة الإسكندرية الابتدائية "الدائرة الرابعة إفلاس" في الدعوى رقم 1598 لسنة 1999 حكما قضى بشهر إفلاس كل من ......، و......، وتعيين القاضي عضو يسار الدائرة قاضيا للتفليسة، وتعيين صاحب الدور أمينا للتفليسة لاستلام أموال التفليسة وإدارتها وتحصيل حقوقها وسداد التزاماتها، ووضع الأختام على أموال المفلس ومحل تجارته ومخازنه. وقد تأيد ذلك الحكم بالحكم الصادر من محكمة استئناف الإسكندرية في الاستئناف رقم 2252 لسنة 56ق "إفلاس" بجلسة 8/ 5/ 2002، فأقام المدعو/ ..... الدعوى رقم 1598 لسنة 1999 "استبعادات إفلاس"، ضد أمين التفليسة، بطلب الحكم باستبعاد واسترداد نصف المحل وكافة البضائع الخاصة به من أموال التفليسة بحسبانه مستأجرا ومشتريا لذلك النصف بطريق الجدك. وبجلسة 15/ 1/ 2005 حكمت المحكمة بسقوط حق المدعي في إقامة دعواه، وتأيد ذلك الحكم استئنافيا بالحكم الصادر في الاستئناف رقم 2045 لسنة 61 قضائية. وإذ تبين للطائفة المؤجرة قيام أمين التفليسة بتأجير المحل للمدعو/ ......، من الباطن دون موافقة أو تصريح كتابي منها بحسبانها المالكة لهذا المحل، أقامت الدعوى رقم 140 لسنة 2005 مدني كلي، أمام محكمة الإسكندرية الابتدائية، بطلب الحكم بإخلاء كل من المدعى عليهم من الرابع حتى السادس من المحل موضوع التداعي، كما أقام المدعى عليه السابع الدعوى رقم 200 لسنة 2005 مدني كلي، أمام المحكمة ذاتها، طالبا تسليمه وتمكينه من نصف المحل موضوع التداعي، فقررت المحكمة ضم هاتين الدعويين للارتباط. وبجلسة 28/ 6/ 2008، قدم الحاضر عن الطائفة المدعية مذكرة، ضمنها دفعا بعدم دستورية المادة (624) من قانون التجارة المشار إليه، فيما تضمنته من تخويل أمين التفليسة الحق في تأجير العين موضوع النزاع من الباطن دون موافقة كتابية من المالك، وإذ قدرت المحكمة جدية الدفع وصرحت للمدعي بصفته بإقامة الدعوى الدستورية، أقام الدعوى المعروضة

بتاريخ السابع والعشرين من أغسطس سنة 2008، أقام المدعي هذه الدعوى، بإيداع صحيفتها قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبا الحكم بعدم دستورية البند رقم (4) من المادة (624) من قانون التجارة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1999
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرا برأيها
ونظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم.

----------------
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة

وحيث إن البند رقم (4) من المادة (624) من قانون التجارة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1999 ينص على أن "ولأمين التفليسة بعد الحصول على إذن من قاضي التفليسة تأجير العقار من الباطن أو التنازل عن الإيجار وفقا للأحكام المنظمة للعلاقة بين المالك والمستأجر ولو كان المفلس ممنوعا من ذلك بمقتضى عقد الإيجار بشرط ألا يترتب على ذلك ضرر للمؤجر". 
وحيث إن المصلحة في الدعوى الدستورية، وهي شرط لقبولها، مناطها – وعلى ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة – أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم في المسألة الدستورية لازما للفصل في الطلبات المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع. والمحكمة الدستورية العليا هي وحدها التي تتحرى توافر شرط المصلحة في الدعاوى الدستورية للتثبت من شروط قبولها. متى كان ذلك، وكان النزاع المردد أمام محكمة الموضوع ينصب على طلب الطائفة المدعية إخلاء العقار محل النزاع، لقيام أمين التفليسة بتأجيره من الباطن، دون موافقة كتابية منها، مستندا في ذلك لنص البند (4) من المادة (624) من قانون التجارة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1999، فإن الفصل في دستورية ذلك النص يرتب انعكاسا على قضاء محكمة الموضوع في الطلبات المطروحة أمامها، ومن ثم تكون المصلحة في الدعوى المعروضة متوافرة
وحيث إن مؤدى النص المطعون فيه أن التنازل عن إيجار العقار الذي كان يمارس فيه المفلس تجارته، أو تأجيره من الباطن، وفقا للأحكام المنظمة للعلاقة بين المؤجر والمستأجر، التي يخضع لها عقد الإيجار، قد غدا رخصة لأمين التفليسة بعد الحصول على إذن من قاضي التفليسة، ولو كان المفلس ممنوعا من ذلك بمقتضى عقد الإيجار، شريطة ألا يترتب على ذلك ضرر للمؤجر
وحيث إن الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح، من حيث مطابقتها للقواعد الموضوعية التي تضمنها الدستور، إنما تخضع لأحكام الدستور القائم دون غيره، ذلك إن هذه الرقابة تستهدف أصلا صون هذا الدستور، وحمايته من الخروج على أحكامه التي تمثل دائما القواعد والأصول التي يقوم عليها نظام الحكم، ولها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام التي يتعين التزامها ومراعاتها وإهدار ما يخالفها من التشريعات، باعتبارها أسمى القواعد الآمرة. متى كان ذلك، وكان النص المطعون فيه لا زال معمولا بأحكامه بعد صدور الدستور الحالي الصادر عام 2014، ومن ثم فإن حسم أمر دستوريته يتم في ضوء أحكام هذا الدستور
وحيث إن المقرر أن الإفلاس طريق للتنفيذ الجماعي على أموال المدين التاجر، إذا قضى باعتباره متوقفا عن سداد ديونه التجارية في مواعيد استحقاقها، بما يزعزع ائتمانه، ويعرض حقوق دائنيه لخطر محقق، أو لنذر تتهددها بالضياع، وليس الإفلاس المشهر إلا حالة لا تتجزأ تقوم بالتاجر المفلس تبعا للحكم الصادر بها، ليكون ساريا في شأن الدائنين جميعا، ولو لم يكونوا أطرافا في خصومة الإفلاس، منصرفا إلى ذمة التاجر بأكملها، ومنشئا لمركز جديد من أثره غل يد التاجر المفلس، فلا يدير الأموال التي يملكها أو يباشر تصرفا في شأنها توقيا لتهريبها أو اختلاسها أو إتلافها، إضرارا بالدائنين، وإضعافا لضمانهم العام، وصونا لجوهر مصالحهم التي ينافيها تزاحمهم فيما بينهم من خلال التسابق لتحصيل حقوقهم التي لا يكفلها إلا حشدهم في جماعة واحدة، توحد جهودهم، وتقيم فيما بينهم مساواة يتقاسمون على ضوئها أموال المدين غارمين، فلا تكون حقا لبعضهم من دون الآخرين، بل تباع لحسابهم أجمعين، وتوزع عليهم حصيلتها بنسبة ديونهم
ولا ينقل شهر الإفلاس أموال التاجر إلى الدائنين، ولا ينال من حقوق المفلس قبل الغير، بل تظل على حالها وطبيعتها، وإن كان غل يد المدين عن أمواله، مؤداه احتجازها برمتها لمصلحة زمرة الدائنين التي تعتبر بالنسبة إلى المفلس من الغير. وكان الدائنون وإن أقاموا عنهم سنديكا يعتبر وكيلا في إدارة أموال المفلس وصونها، وتقرير التدابير التحفظية اللازمة لحمايتها، حتى يتخذ الدائنون – على ضوء تقديره لأصول ذمته المالية وخصومها - قرارا في شأن التفليسة، سواء بالتصالح مع المدين المفلس، أو بالسير بها إلى نهايتها الطبيعية من خلال تصفية أمواله بصورة جماعية وتوزيعها فيما بين الدائنين، إلا أن قانون التجارة لا يجعل هذا الوكيل مستقلا بشئون التفليسة، أو منفردا بسلطان عليها، بل يباشر متطلباتها مراقبا في ذلك من مأمور تعينه المحكمة التي صدر عنها حكم شهر الإفلاس، ليكون صلتها بين وكيل الدائنين وبينها، وضمانا لأن تتفرغ هي للمسائل الخطيرة وحدها التي تثيرها التفاليس التي تنظرها، والتي دل العمل على تعددها، وكثرة تفصيلاتها وتنوع منازعاتها ومن ثم كان تعيينها أحد قضاتها – ممن يتمتعون بقدر من الخبرة وطول المران – لمراقبة أعمال وكيل الدائنين، عاصما من تدهور شئون التفليسة، وتوكيدا لحسن إدارتها
وحيث إن المشرع يهدف من تقرير نظام الإفلاس في إطار قانون التجارة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1999 – وعلى ما أفصحت عنه أحكامه وأعماله التحضيرية – إلى وضع نظام محكم لتصفية أموال المدين المفلس وتوزيعها بين دائنيه توزيعا عادلا ينال به كل منهم قسطا من دينه دون تزاحم أو تشاحن بينهم، فضلا عن تزويدهم بالوسائل القانونية الكفيلة بتمكينهم من المحافظة على أموال مدينهم وإبطال التصرفات التي تصدر منه بعد اضطراب مركزه المالي؛ عن رغبة في تبديدها أو إقصائها عن متناولهم، وفي الوقت ذاته رعاية المدين بالأخذ بيده وإقالته من عثرته متى كان إفلاسه غير مشوب بتدليس أو تقصير، مع قصر التجريم على التفالس بالتدليس أو التقصير، وذلك كله بقصد تقوية الائتمان وتدعيم الثقة في المعاملات التجارية، وهو ما أدى بالمشرع إلى تنظيم المسائل المتعلقة بتعيين أمين التفليسة واختيار أحد قضاة المحكمة قاضيا لها، من أجل حسم المنازعات التي تثور خلال سير إجراءات التفليسة على وجه السرعة؛ بما يحفظ للدائنين حقوقهم ويمكن المدينين من سداد ديونهم استقرارا للمعاملات وحماية للاقتصاد القومي، كما استحدث المشرع في قانون التجارة المشار إليه نظام مراقب التفليسة؛ وهو أحد الدائنين، لضمان الرقابة الفعلية والجادة على أعمال أمين التفليسة
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن حرية التعاقد قاعدة أساسية يقتضيها الدستور صونا للحرية الشخصية التي لا يقتصر ضمانها على تأمينها ضد صور العدوان على البدن، بل تمتد حمايتها إلى أشكال متعددة من إرادة الاختيار وسلطة التقرير التي ينبغي أن يملكها كل شخص، فلا يكون بها كائنا يحمل على ما لا يرضاه
وحيث إن حرية التعاقد – بهذه المثابة - فوق كونها من الخصائص الجوهرية للحرية الشخصية، فهي كذلك وثيقة الصلة بالحق في الملكية، وذلك بالنظر إلى الحقوق التي ترتبها العقود - المبنية على الإرادة الحرة – فيما بين أطرافها؛ بيد أن هذه الحرية – التي لا يكفلها انسيابها دون عائق، ولا جرفها لكل قيد عليها، ولا علوها على مصالح ترجحها، وإنما يدنيها من أهدافها قدر من التوازن بين جموحها وتنظيمها - لا تعطلها تلك القيود التي تفرضها السلطة التشريعية عليها بما يحول دون انفلاتها من كوابحها، ويندرج تحتها أن يكون تنظيمها لأنواع من العقود محددا بقواعد آمرة تحيط ببعض جوانبها. غير أن هذه القيود لا يسعها أن تدهم الدائرة التي تباشر فيها الإرادة سلطانها، ولا أن تخلط بين المنفعة الشخصية التي يجنيها المستأجر من عقد الإيجار – والتي انصرفت إليها إرادة المالك عند التأجير - وبين حق الانتفاع كأحد الحقوق العينية المتفرعة عن الملكية
وحيث إن من المقرر - في قضاء هذه المحكمة - أن صون الدستور للملكية الخاصة، مؤداه أن المشرع لا يجوز أن يجردها من لوازمها، ولا أن يفصل عنها بعض أجزائها، ولا أن ينتقص من أصلها أو يغير من طبيعتها دون ما ضرورة تقتضيها وظيفتها الاجتماعية. وكان ضمان وظيفتها هذه يفترض ألا ترهق القيود التي يفرضها المشرع عليها جوهر مقوماتها، ولا أن يكون من شأنها حرمان أصحابها من تقرير صور الانتفاع بها، وكان صون الملكية وإعاقتها لا يجتمعان، فإن هدمها أو تقويض أسسها من خلال قيود تنال منها، ينحل عصفا بها منافيا للحق فيها
وحيث إن مكنة استغلال الأعيان ممن يملكونها من خلال عقود إجارة إنما تعني حقهم في اختيار من يستأجرونها من ناحية، والغرض من استعمالها من ناحية أخرى، وكانت حريتهم في هذا الاختيار جزءا لا يتجزأ من حق الاستغلال الذي يباشرونه أصلا عليها. وكان من المقرر أن لحقوق الملكية - بكامل عناصرها - قيما مالية يجوز التعامل فيها، وكان الأصل أن يظل مؤجر العين متصلا بها، فلا يعزل عنها من خلال سلطة مباشرة يمارسها آخرون عليها بناء على نص في القانون. بيد أن النص المطعون فيه أجاز لأمين التفليسة، بعد الحصول على إذن من قاضي التفليسة، الحق في تأجير العقار من الباطن أو التنازل عن الإيجار، ولو كان المفلس ممنوعا من ذلك بموجب عقد الإيجار، وذلك في إطار علائق إيجارية شخصية بطبيعتها، مهدرا كل إرادة لمؤجرها في مجال القبول بهذا التأجير أو التنازل، أو الاعتراض عليه
وحيث إن مقتضى ما نص عليه الدستور في المادة (8) من قيام المجتمع على أساس من التضامن الاجتماعي، يعني وحدة الجماعة في بنيانها، وتداخل مصالحها لا تصادمها، وإمكان التوفيق بينها ومزاوجتها ببعض عند تزاحمها، وترابط أفرادها فيما بينهم فلا يكون بعضهم لبعض إلا ظهيرا، ولا يتناحرون طمعا، وهم بذلك شركاء في مسئوليتهم عن حماية تلك المصالح، لا يملكون التنصل منها أو التخلي عنها، وليس لفريق منهم أن يتقدم على غيره انتهازاً، ولا أن ينال قدرا من الحقوق يكون بها – عدوانا – أكثر علوا، وإنما تتضافر جهودهم وتتوافق توجهاتهم، لتكون لهم الفرص ذاتها التي تقيم لمجتمعاتهم بنيانها الحق، وتتهيأ معها تلك الحماية التي ينبغي أن يلوذ بها ضعفاؤهم، ليجدوا في كنفها الأمن والاستقرار
وحيث إن من المقرر قانونا – وعلى ما أطرد عليه قضاء هذه المحكمة – أن حق الملكية - وباعتباره منصرفا محلا إلى الحقوق العينية والشخصية جميعها، وكذلك إلى حقوق الملكية الأدبية والفنية والصناعية – نافذ في مواجهة الكافة ليختص صاحبها دون غيره بالأموال التي يملكها وتهيئة الانتفاع المفيد بها، لتعود إليه ثمارها وملحقاتها ومنتجاتها؛ وكان صون حرمتها مؤداه ألا تزول الملكية عن ذويها بانقطاعهم عن استعمالها، ولا أن يجردها المشرع من لوازمها، أو يفصل عنها بعض الأجزاء التي تكونها، ولا أن ينال من أصلها أو يعدل من طبيعتها، أو يقيد من مباشرة الحقوق التي تتفرع عنها في غير ضرورة تقتضيها وظيفتها الاجتماعية، ولا أن يتذرع بتنظيمها إلى حد هدم الشيء محلها، ذلك أن إسقاط الملكية عن أصحابها – سواء بطريق مباشر أو غير مباشر - عدوان عليها يناقض ما هو مقرر قانونا من أن الملكية لا تزول عن الأموال محلها، إلا إذا كسبها أغيار وفقا للقانون
وحيث إن السلطة التقديرية التي يملكها المشرع في موضوع تنظيم الحقوق، لازمها أن يفاضل بين بدائل متعددة مرجحا من بينها ما يراه أكفل لتحقيق المصالح المشروعة التي قصد إلى حمايتها، إلا أن الحدود التي يبلغها هذا التنظيم لا يجوز بحال أن ينفلت مداها إلى ما يعد أخذا للملكية من أصحابها سواء من خلال العدوان عليها بما يفقدها قيمتها، أو عن طريق اقتحامها ماديا، بل أن اقتلاع المزايا التي تنتجها، أو تهميشها مؤداه سيطرة آخرين فعلا عليها، أو تعطيل بعض جوانبها، ومن أجل ذلك حرص الدستور الحالي في المادة (92) منه على تقييد سلطة المشرع في مجال تنظيم الحقوق، بألا يمس ذلك التنظيم من أصلها أو جوهرها، وإلا وقع في حومة مخالفة الدستور
وحيث إن الدستور وإن جعل في المادة (27) منه كفالة الأنواع المختلفة للملكية العامة منها والخاصة والتعاونية، وتحقيق التوازن بين مصالح الأطراف المختلفة، غاية لكل تنظيم اقتصادي تنتهجه الدولة، والتزاما عليها، فوق كون ما يمثله تحقيق هذا التوازن من ركيزة أساسية لحرية التعاقد كأحد روافد الحرية الشخصية التي كفلها الدستور في المادة (54) منه، بحسبان الأصل أن الشخص لا يقبل الدخول في علاقة عقدية يختل فيها التوازن بين أطرافها. وعلى ذلك فإن المشرع، وإن قرر في مجال تنظيم العلائق الإيجارية، من النصوص القانونية ما ارتآه كافلا للتوازن بين أطرافها، إلا أن هذا التوازن لا يجوز أن يكون صوريا أو منتحلا، وكلما كان هذا التنظيم متحيفا، بأن مال بالميزان في اتجاه أحد أطرافها تعظيما للحقوق التي يدعيها أو يطلبها، كان ذلك انحرافا عن إطارها الحق، أو نكولا عن ضوابط ممارستها، فلا يستقيم بنيانها، بما يعد خروجا من المشرع على الالتزام الدستوري الملقى على عاتقه بتحقيق التوازن بين أطراف تلك العلاقة القانونية، ويقع ذلك بوجه خاص إذا كان تنظيم المشرع للحق في استعمال الشيء - وهو أحد عناصر حق الملكية – مدخلا لإفقار مالكه، وإثراء لغيره على حسابه
وحيث إنه فضلا عما تقدم، لا يجوز أن يحصل المستأجر من خلال الإجارة، على حقوق لا يسوغها مركزه القانوني في مواجهة المؤجر، وإلا حض تقريرها على الانتهاز، وكان قرين الاستغلال، إذ ليس من المتصور أن يكون مغبون الأمس – وهو المستأجر - غابنا، ولا أن يكون تدخل المشرع شططا قلبا لموازين الحق والعدل، فلا تتوافق - في إطار العلائق الإيجارية - مصالح طرفيها اقتصاديا، بل يختل التضامن بينهما اجتماعيا، ليكون صراعهما بديلا عن التعاون بينهما
كذلك لا يجوز أن يتحول حق المستأجر في استعمال العين – وهو حق مصدره العقد دائما حتى مع قيام التنظيم الخاص للعلائق الإيجارية وتحديد أبعادها بقوانين استثنائية - إلى نوع من السلطة الفعلية يسلطها المستأجر مباشرة على الشيء المؤجر، مستخلصا منه فوائده دون تدخل من المؤجر، إذ لو جاز ذلك، لخرج هذا الحق من إطار الحقوق الشخصية، وصار مشبها بالحقوق العينية، ملتئما مع ملامحها، وهو ما يناقض خصائص الإجارة باعتبار أن طرفيها - وطوال مدتها - على اتصال دائم مما اقتضى ضبطها تحديدا لحقوقهما وواجباتهما، فلا يتسلط أغيار عليها انتهازا وإضرارا بحقوق مؤجرها، متدثرين في ذلك بعباءة القانون، ولأنها – فوق هذا – لا تقع على ملكية الشيء المؤجر، بل تنصب على منفعة يدرها، مقصودة في ذاتها، ومعلومة من خلال تعيينها، ولمدة طابعها التأقيت مهما استطال أمدها
وحيث إن مؤدى النص المطعون فيه، أنه أجاز لأمين التفليسة، بعد الحصول على إذن من قاضي التفليسة، التنازل عن إيجار العين التي كان يمارس المفلس فيها تجارته أو تأجيرها من الباطن، ولو كان المفلس ممنوعا من ذلك بمقتضى عقد الإيجار
وحيث إن النص المطعون فيه، بهذه المثابة، ينحدر بحقوق المؤجر إلى مرتبة الحقوق محدودة الأهمية، ويحيلها إلى مسوخ مشوهة لا تتعدى تقاضيه عائدا نقديا دوريا ضئيلا، مرجحا على ملكيته – بمكناتها التي أقامها الدستور سوية لا عوج فيها - مصالح لا تدانيها، ولا تقوم إلى جانبها، أو تتكافأ معها، ترتيبا على انتقال منفعتها إلى الغير؛ وهو بعد انتقال لا يعتد بإرادة مالكها في معدنها الحقيقي، وهو ما يعد التواء بالإجارة عن حقيقة مقاصدها؛ وإهدارا لتوازن لا يجوز أن يختل بين أطرافها
وحيث إن ما تقدم مؤداه، أن النص المطعون فيه، أنشأ حقوقا – بعيدة في مداها - منحها لأمين التفليسة، واختصه دون مسوغ، واصطفاه في غير ضرورة، بتلك المعاملة التفضيلية، متجاوزا بها الشرط المانع من التنازل أو التأجير من الباطن، بما يلحق بالمؤجر وحده الضرر البين الفاحش، حال أن دفع المضرة أولى اتقاء لسوءاتها وشرورها، ولأن الأصل حين تتزاحم الأضرار على محل واحد، أن يكون تحمل أخفها لازما دفعا لأفدحها، ولا ينال من ذلك أن النص المطعون فيه قد رهن ممارسة أمين التفليسة وقاضيها لهذه السلطة الفعلية الممنوحة لهما بعدم الإضرار بالمؤجر، إذ لم يحدد الجزاء على مخالفة هذا الالتزام، كما خلا التنظيم الذي أتى به المشرع من تحديد وجه المصلحة الجدية المبررة له، ومفتقدا للضمانات التي تكفل حقوق المؤجر الناشئة عن عقد الإيجار، وتحقق التوازن بين أطرافه، وكان ينبغي - من ثم – أن يترسم النص المطعون فيه تلك الضوابط التي تتوازن من خلالها العلائق الإيجارية بما يكون كافلا لمصالح أطرافها، غير مؤد إلى تنافرها، ليقيمها على قاعدة التضامن الاجتماعي التي أرستها المادة (8) من الدستور، وهي بعد قاعدة مؤداها وحدة الجماعة في بنيانها، وتداخل مصالحها لا تصادمها، وإمكان التوفيق بينها ومزاوجتها ببعض عند تزاحمها، واتصال أفرادها ببعض ليكون بعضهم لبعض ظهيرا، فلا يتفرقون بددا، أو يتناحرون طمعا، أو يتنابذون بغيا، وهم بذلك شركاء في مسئوليتهم قبلها، لا يملكون التنصل منها أو التخلي عنها وليس لفريق منهم بالتالي أن ينال قدرا من الحقوق يكون بها – عدوانا – أكثر علوا، ولا أن ينتحل منها ما يخل بالأمن الاجتماعي
وحيث أن النص المطعون فيه قد خالف، بما تقدم، الأحكام المنصوص عليها في المواد (8 و27 و35 و53 و54 و92) من الدستور
فلهذه الأسباب 
حكمت المحكمة بعدم دستورية البند رقم (4) من المادة (624) من قانون التجارة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1999، وألزمت الحكومة المصروفات، ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.



صدر هذا الحكم من الهيئة المبينة بصدره أما السيد المستشار/ رجب عبد الحكيم سليم الذي سمع المرافعة وحضر المداولة ووقع على مسودة الحكم, فقد جلس بدله عند تلاوته السيد المستشار/ حاتم حمد بجاتو.