2 - من المقرر أن التزوير في المحررات إذا كان ظاهرا بحيث لا يمكن أن ينخدع به أحد، فلا عقاب عليه لانعدام الضرر إلا أن إثارة ذلك لأول مرة أمام محكمة النقض، غير جائزة ما لم تكن مدونات الحكم تظاهره، وإذ خلا محضر الجلسة والحكم من تمسك الطاعن بهذا الدفاع كما خلت مدونات الحكم مما يرشح لقيامه، فإنه لا يقبل منه أن يثير هذا الأمر لأول مرة أمام هذه المحكمة، لأن تمحيصه يتطلب تحقيقا تنحسر عنه وظيفتها.
3 - إن الأصل في المحاكمات هو اقتناع القاضي بناء على الأدلة المطروحة عليه فله أن يكون عقيدته من أي دليل أو قرينة يرتاح إليها إلا إذا قيده القانون بدليل معين ينص عليه.
4 - من المقرر أن القانون الجنائي لم يجعل لإثبات جرائم التزوير طريقاً خاصاً.
5 - لا يشترط أن تكون الأدلة التي اعتمد عليها الحكم بحيث ينبئ كل دليل منها ويقطع في كل جزئيات الدعوى إذ الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضا ومنها مجتمعة تتكون عقيدة المحكمة، فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حدة دون باقي الأدلة، بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة في اكتمال اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه - كما هو الحال في الدعوى الماثلة - ومن ثم فلا محل لما يثيره الطاعن في شأن استناد الحكم في إدانته على أقوال شهود الإثبات أو تقرير قسم الأدلة الجنائية بالمعمل الجنائي، إذ أنه لا يعدو أن يكون جدلا موضوعيا في تقدير أدلة الدعوى مما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض.
6 - لما كان القصد الجنائي في جرائم التزوير والسرقة من المسائل المتعلقة بوقائع الدعوى التي تفصل فيها محكمة الموضوع في ضوء الظروف المطروحة عليها، وكان الحكم المطعون فيه قد عرض للدفع بانتفاع القصد الجنائي لدى الطاعن ورد عليه بالقول "إن الثابت من مطالعة التحقيقات أن المتهم قد أقر باصطناع مفتاح للسيارة المضبوطة وتحصل عليها بهذه الوسيلة وأنها ظلت في حوزته لمدة عام كامل وأن الرخصة المزورة تخص سيارة أخرى لزميله في العمل هو الشاهد.... كانت قد فقدت منه تلك الرخصة إلى أن عثر عليها بتابلوه السيارة الأخرى المضبوطة بحوزة المتهم وشوهد كشط وتعديل بياناتها وتدوين بيانات أخرى تتفق وبيانات تلك السيارة التي كان المتهم قد حصل عليها مما يقطع باتفاقه مع آخر على إجراء هذا الكشط والتعديل بتلك الرخصة وتدون بيانات السيارة المضبوطة معه بدلا منها حتى لا يتعرض له أحد من رجال المرور طوال الفترة التي بقيت معه تلك السيارة، وهذا استخلاص وتحصيل تملكه المحكمة مما وقر في عقيدتها تحصيلا من ظروف الدعوى.
7 - لما كان من المقرر أنه لا يلزم لصحة الحكم أن يكون الدليل الذي تستند إليه المحكمة صريحا ومباشرا في الدلالة على ما تستخلصه المحكمة منه، بل لها أن تركن في تكوين عقيدتها عن الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى واستظهار الحقائق القانونية المتصلة بها إلى ما تستخلصه من جماع العناصر المطروحة بطريق الاستنتاج والاستقراء وكافة الممكنات العقلية ما دام استخلاصها سليما لا يخرج عن الاقتضاء العقلي والمنطقي ولما كان ما أورده الحكم - على نحو ما سلف بيانه - كاف وسائغ في التدليل على توافر القصد الجنائي لدى الطاعن، فإن ما يثيره في خصوص هذا القصد ينحل جدلا موضوعيا في سلطة المحكمة في تقدير الدليل، وفي حقها في استنباط معتقدها عن الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى، وهو ما لا يجوز فيه لدى محكمة النقض.
8 - الاشتراك في التزوير يتم غالبا دون مظاهر خارجية أو أعمال مادية محسوسة يمكن الاستدلال بها عليه، ومن ثم فإنه يكفي أن تكون المحكمة قد اعتقدت حصوله من ظروف الدعوى وملابساتها وأن يكون اعتقادها هذا سائغا تبرره الوقائع التي أثبتها الحكم - كما هو الحال في الدعوى المطروحة - ومن ثم فإن ما ينعاه الطاعن في هذا الصدد يكون غير سديد.
9 - تناقض أقوال الشهود - على فرض حصوله - لا يعيب الحكم ما دام قد استخلص الإدانة من أقوالهم استخلاصا سائغا بما لا تناقض فيه - كما هو الحال في هذه الدعوى - فإن ما ينعاه الطاعن في هذا الشأن لا يكون له محل.
10 - لما كان يبين من محضر جلسة المحاكمة أن الطاعن لم يدفع ببطلان القبض عليه على النحو الوارد بوجه النعي وكان هذا الدفع من الدفوع القانونية المختلطة بالواقع التي لا تجوز إثارتها لأول مرة أمام محكمة النقض ما دامت مدونات الحكم لا تحمل مقوماته لأنه يقتضي تحقيقا تنأى عنه وظيفة هذه المحكمة فإنه لا يقبل منه طرح ذلك لأول مرة على محكمة النقض لأنه في حقيقته دفع موضوعي أساسه المنازعة في سلامة الأدلة التي كونت منها محكمة الموضوع عقيدتها في الدعوى.
11 - لما كان ذلك وكان الثابت من محضر جلسة المحاكمة - وهو ما لا يماري فيه الطاعن - أنه لم يثر أمام محكمة الموضوع شيئا مما يدعيه من بطلان تفتيش السيارة لتجاوز من أجراه حدود الأمر الصادر من النيابة وللالتجاء إليه دون تحقق دواعيه فإنه لا يقبل منه طرح ذلك لأول مرة على محكمة النقض لأنه في حقيقته دفع موضوعي أساسه المنازعة في سلامة الأدلة التي كونت منها محكمة الموضوع عقيدتها في الدعوى.
12 - من المقرر أنه لا يعيب الحكم الخطأ في الإسناد الذي لا يؤثر في منطقة، فإنه لا يجدي الطاعن ما يثيره - بفرض صحته - عن خطأ الحكم فيما نقله عن تقرير الأدلة الجنائية من وجود كشط بيانات جديدة تتفق وبيانات السيارة المضبوطة مع الطاعن، ما دام أن ما أورده الحكم من ذلك لم يكن له أثر في منطقة ولا في النتيجة التي انتهى إليها.
13 - لما كان ما يثيره الطاعن من نعي بشأن عدم تنفيذ قرار النيابة بطلب تحريات الشرطة عن الواقعة لا يعدو أن يكون تعييبا للتحقيق الذي جرى في المرحلة السابقة على المحكمة مما لا يصح أن يكون سببا للطعن على الحكم.
14 - من المقرر أن تتبع الجريمة ذات العقوبة الأخف الجريمة ذات العقوبة الأشد المرتبطة هي بها وذلك بحسبان أن عقوبة الجريمة الأشد هي الواجبة التطبيق على الجريمتين وفقا للمادة 32 من قانون العقوبات - بما مؤداه أن طلب الإحالة للارتباط يجب أن يبدي أمام المحكمة التي تنظر الجريمة ذات العقوبة الأخف بطلب إحالتها إلى المحكمة التي تنظر الجريمة الأخرى - وليس العكس - وإذ كان قد صدر حكم بات في الأخيرة أمكن الدفع بموجبه بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها، أما إذا صدر حكم بات في الأولى فإنه يمكن التمسك به لاستنزال مدة العقوبة من العقوبة التي سوف يحكم بها في الثانية - فإذا كان الطاعن - على ما يبين من محضر جلسة المحكمة أنه لم يتمسك بشيء من ذلك، وكان لا مجال للبت في الارتباط الذي يترتب عليه تطبيق المادة 32 من قانون العقوبات إلا في حالة اتصال محكمة الموضوع بالدعوى الأخرى المطروحة أمامها مع الدعوة المنظورة المثار فيها الارتباط وهو ما تخلف توافره في الدعوى المطروحة ولا يقبل من الطاعن أن يثيره لأول مرة أمام محكمة النقض لما يتطلبه من تحقيق موضوعي لا يصح أن يطالب محكمة النقض بإجرائه - ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد غير سديد.