الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 3 فبراير 2020

الطعن 1 لسنة 25 ق جلسة 28 / 3 / 1956 مكتب فني 7 ج 1 أحوال شخصية ق 59 ص 390

جلسة 28 من مارس سنة 1956
برياسة السيد الأستاذ عبد العزيز محمد رئيس المحكمة، وبحضور السادة الأساتذة: عبد العزيز سليمان وكيل المحكمة. ومحمود عياد. واسحق عبد السيد. وأحمد قوشه، المستشارين.
------------
(59)
القضية رقم 1 سنة 25 القضائية "أحوال شخصية"
(أ) جنسية. 
جنسية التأسيس المصرية. الطوائف المبينة بالفقرات الأربعة الأولى من المادة الأولى من الأمر العالي الصادر في 29/ 6/ 1900. شرط اعتبارهم من المصريين.
)ب) جنسية. 
جنسية التأسيس المصرية. محل الخروج منها بإحدى الطرق المنصوص عليها قانونا.
)ج) جنسية. 
جنسية التأسيس المصرية. حذف الإشارة إلى من كانوا تحت حماية دولة أجنبية عند وضع المادة الأولى فقرة ثانية من القانون رقم 160 سنة 1950 - من يفيد من هذا الحذف؟.
)د) جنسية. إثباتها. قرائن. 
قرينة الجنسية المصرية المنصوص عليها بالمادة 22 من المرسوم بقانون رقم 19 سنة 1929. ماهيتها. الغرض منها.
(هـ) جنسية. إثباتها. قرائن. قرينة الحالة الظاهرة. 
عدم وجود ما يمنع قانونا في مصر من الأخذ بالحالة الظاهرة كقرينة احتياطية معززة بأدلة أخرى مثبتة للجنسية.
(و) جنسية. إثباتها. قرائن. قرينة الحالة الظاهرة. 
اعتبار الاتصاف بجنسية معينة في أحكام صادرة من المحاكم القنصلية مظهرا من مظاهر المعاملة بالحالة الظاهرة.
(ز) جنسية. 
مواطنو الجزر الأيونية. اعتبارهم يوناني الجنسية بمقتضى الاتفاق المؤرخ 29/ 3/ 1964 المعقود بين بريطانيا واليونان. شرط ذلك.
(ح) جنسية. 
اتفاق 23/ 3/ 1855 العقود بين اليونان والباب العالي، والوارد به أنه لا يجوز لإحدى الدولتين أن تغتصب رعايا الدولة الأخرى. انصرافه إلى من لم تكن جنسيته اليونانية أو العثمانية ثابتة.
(ط) جنسية. شهادات الجنسية. 
شهادات جنسية صادرة من القنصلية اليونانية. عدم مخالفتها للاتفاقات الدولية الخاصة بجنسية مواطني الجزر الأيونية. حجية هذه الشهادات في نفى الجنسية المصرية.
(ى) نقض. طعن. دفع. 
طلب استيفاء الدعوى لدى محكمة النقض والفصل فيها دون إحالتها إلى محكمة الموضوع عند نقض الحكم المطعون فيه. تقديري للمحكمة. الاعتراض والرد على هذا الطلب. لا يكون موجها لا إلى شكل الطعن ولا إلى موضوع أسبابه.
--------------
1 - إن اعتبار الطوائف المبينة بالفقرات الأربعة الأولى من المادة الأولى من الأمر العالي الصادر في 29/ 6/ 1900 الذى يحيل على تطبيق أحكامه المرسوم بقانون رقم 19 سنة 1929 - اعتبار هذه الطوائف من المصريين مقيدا باستثناء هو شرط عام نصت عليه الفقرة الأخيرة من المادة المذكورة مؤداه ألا يكونوا من رعايا الدول الأجنبية أو تحت حمايتها، ولا يغير من اعتبار هذا الشرط قيدا أن الأمر العالي المشار إليه قد أورده على صور استثناء إذ قصد الشارع من ذلك أن يسبغ على الرعايا المصريين فحسب جنسية التأسيس المصرية بشرط التوطن دون أن يدعيها من الأجانب من ثبتت جنسيته الأجنبية أو من كان في حماية دولة أجنبية إذ ليس لهذا أو لذاك أن يدعى الجنسية المصرية حتى لو ثبت توطنه واستمرار إقامته بمصر هو وأصوله في الزمن المنصوص عليه بالأمر العالي المذكور والقوانين اللاحقة له.
2 - الخروج من جنسية التأسيس المصرية القائمة على التوطن بإحدى الطرق المنصوص عليها قانونا، محله أن تكون هذه الجنسية ثابتة غير منتفية وهى لا تثبت إلا بمراعاة شرط انتقاء الجنسية الأجنبية فان ثبتت الجنسية الأجنبية فلا مجال للقول بالجنسية المصرية المؤسسة على التوطن ولا بالخروج منها.
3 - إن حذف عبارة "من كانوا تحت حماية دولة أجنبية" عند وضع المادة الأولى فقرة ثانية من قانون الجنسية رقم 160 سنة 1950 - هذا الحذف لا يفيد أن كل من كان متوطنا في مصر قبل سنة 1848 وكان في حماية دولة أجنبية يصح اعتباره مصريا، ولا يفيد من هذا الحذف إلا من كان مصريا في حماية دولة أجنبية مثل الياسقجية وغيرهم من خدمة السفارات والقنصليات الأجنبية، أما من عداهم فلا يصح اعتبارهم مصريين متى ثبت أنهم كانوا في حماية دولة أجنبية سواء قبل 10 مارس سنة 1929 وقت العمل بالمرسوم بقانون رقم 19 سنة 1929 أو 12 من أغسطس سنة 1937 تاريخ العمل بمعاهدة مونترو.
4 - قرينة الجنسية المصرية المنصوص عليها بالمادة 22 من المرسوم بقانون رقم 19 سنة 1929 لم يكن وضعها في عهد كانت فيه الامتيازات الأجنبية سارية في مصر إلا بقصد تقرير قرينة بسيطة استلزمتها الحالة الناشئة عن هذه الامتيازات بالنسبة إلى ساكني مصر ممن لم تثبت جنسيتهم الأجنبية حتى لا يدعى الجنسية الأجنبية من كان يريد الهروب من التكاليف العامة وقوانين البلاد وقضاء المحاكم الوطنية استنادا إلى القواعد التي كان يقررها نظام الامتيازات. فهي قرينة احتياطية مؤقتة بسبب الغرض الذى شرعت من أجله وهو افتراض الدولة الجنسية المصرية للساكنين بها الذين لم تثبت جنسيتهم الأجنبية أو المصرية، كما أنها من جهة أخرى قرينة سلبية لأنها لا تمنح في مواجهة الأفراد جنسية مصرية حقيقية لمن يدعى أنه مصري إذ لا مناص عندئذ من أن يثبت المدعى الجنسية المصرية وذلك من غير أن تعتبر تلك القرينة سندا في الإثبات ودون أن تعتبر من قبيل القرائن المقررة لمصلحة من يدعى تمتعه بالجنسية المصرية.
5 - ليس ثمة ما يمنع قانونا في مصر من الأخذ بالحالة الظاهرة كقرينة احتياطية معززة بأدلة أخرى مثبتة للجنسية سواء أكانت تلك الجنسية هي الجنسية الوطنية أو الأجنبية وسواء أكانت مؤسسة على حق الدم أو الإقليم.
6 - الاستناد في ثبوت الجنسية إلى أحكام صادرة من المحاكم القنصلية يتصف فيها المتنازع على جنسيته جنسية معينة هو استناد سليم إذ أن هذا الاتصاف لا يخرج عن كونه مظهرا من مظاهر المعاملة بالحالة الظاهرة.
7 - إن الاتفاق المؤرخ 29/ 3/ 1864 المعقود بين بريطانيا واليونان قد تقرر فيه ضم الجزر الأيونية إلى اليونان فأصبح بهذا الضم مواطنو تلك الجزر يوناني الجنسية إذا لم يختاروا جنسية أخرى سواء أكانوا مقيمين بتلك الجزر أم بالخارج.
8 - الاتفاق المؤرخ 23/ 3/ 1855 المعقود بين دولتي اليونان والباب العالي والوارد به أنه لا يجوز لإحدى الدولتين أن تغتصب رعايا الدولة الأخرى إنما لا ينصرف إلى من كانت ثابتة جنسيته اليونانية أو العثمانية.
9 - متى كان الثابت من شهادات الجنسية الصادرة من القنصلية اليونانية أن المتنازع على جنسيته من أصل يوناني وكانت لا تخالف اتفاق 23/ 3/ 1855 المعقود بين دولتي اليونان والباب العالي، واتفاق 29/ 3/ 1864 بين بريطانيا واليونان واتفاق 2/ 2/ 1890 المعقود بين دولتي مصر واليونان والتصريح المشترك الصادر في 23/ 5/ 1903 من ممثلي الحكومتين بشأن هذا الاتفاق فانه يكون للشهادات المذكورة حجيتها في نفى الجنسية المصرية.
10 - طلب الطاعن في تقرير الطعن استبقاء الدعوى لدى محكمة النقض والفصل فيها دون إحالتها إلى محكمة الاستئناف إن رأت نقض الحكم المطعون فيه، هذا الطلب إنما يرجع لتقدير المحكمة دون توقف على إرادة الخصوم إن هي رأت بعد نقض الحكم وصلاحية الموضوع للفصل فيه دون إحالة إلى محكمة الموضوع. ومن ثم فإن الاعتراض والرد على هذا الطلب لا يكون موجها لا إلى شكل الطعن ولا إلى موضوع أسبابه ويكون غير جدير بالاعتبار كدفع مانع من قبول الطعن شكلا.

المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذى تلاه السيد وكيل المحكمة المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
من حيث إن الوقائع - حسبما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن تتحصل في أن الطاعنين روبير وهنري ولدى سليم بن نقولا بن انطون مشاقه أقاما الدعوى رقم 2765 سنة 1949 كلى مصر وطلبا بصحيفتها المعلنة في 13/ 5/ 1948 تثبيت ملكيتهما للعقارات المبينة بها مع ريعها وفوائده وذلك وفقا لنصيبهما الشرعي بالميراث في تركات أنطون ومارى وروز مشاقه أولاد يوسف مشاقه عم والدهما سليم وقد توفى أولهم في 5/ 12/ 1933 وتوفيت الثانية في 13/ 1/ 1936 والثالثة في 12/ 11/ 1941 - وقال الطاعنان بيانا لدعواهما انهما يطلبان نصيبهما بالميراث وفقا لأحكام الشريعة الاسلامية التى تحكم واقعة النزاع إذ أنه يسرى على الميراث قانون المورث وقت موته ولأن مورثيهما كانوا يتمتعون بالجنسية المصرية حال حياتهم واستمروا كذلك حتى مماتهم وقد كانوا هم ووالدهم يوسف من أسرة عثمانية سورية الأصل والمنشأ لأن عائلة مشاقه هي عائلة سورية كما يدل عليها اسمها ويرجع منبتها لجد المورثين وهو أنطون مشاقه وقد ولد بمدينة صور بالشام عام 1779 ولما نزح الى الديار المصرية توطن بمدينة دمياط حيث تزوج بها عام 1815 ورزق فيها بابنه يوسف عام 1817 واستمر أنطون الجد مقيما بدمياط الى أن توفى بها عام 1821 ثم استمر توطن يوسف والد المورثين الثلاثة بدمياط الى أن انتقل للإسكندرية حيث ولد بها أولاده الثلاثة أنطون وماري وروز في سنة 1855 و1871 و1867 على التوالي واستمر مقيما بها معهم الى أن توفى عام 1885 ومن بعده أقام أولاده بالقاهرة إلى أن توفوا بها في تواريخ 5/ 12/ 1933 و3/ 1/ 1936 و12/ 1/ 1941 وأن ذلك ثبت من ملف أسرة مشاقه المضموم بملف الدعوى كما أنه ثبت منه أن موطن أفراد الأسرة المذكورة بمصر حتى اليوم وأن المورثين الثلاثة هم ووالدهم يوسف وجدهم أنطون من الرعايا العثمانيين الذين أصبحوا مصريين بحكم المولد بالديار المصرية والاقامة بها مما يترتب عليه أن تكون جنسيتهم هي جنسية مصرية أصيلة غير مكتسبة لا بالتجنس ولا باتفاق دولي بل هي مؤسسة على حق الدم وحق الاقليم بالمولد والإقامة وذلك عملا بالفقرة الثانية من المادة الأولى من قانون الجنسية الصادر في سنة 1929 المنطبق على واقعة الدعوى لوفاة المورثين الثلاثة وقت سريانه. ودفع المطعون عليهم الدعوى بعدم قبولها لانتفاء صفة ومصلحة المدعين فيها كما قالوا أن المورثين الثلاثة كانت لهم جنسيتهم اليونانية حتى وفاتهم فيخضع ميراث تركاتهم للقانون اليوناني الذى بمقتضاه لا يستحق الطاعنان وهما من أولاد ابن العم شيئا من تلك التركات وأن أساس هذه الجنسية يرجع إلى أن يوسف مشاقه والد المتوفين من أصل يوناني لأن والده أنطون ولد في جزيرة كورفو إحدى الجزر الايونية وقد ضمت هذه الجزيرة إلى دولة اليونان باتفاق بينها وبين بريطانيا عام 1864 وكان يوسف قد حصل أصلا على الحماية البريطانية بموجب تذكرة مرور منحها له قنصل بريطانيا بدمياط سنة 1849 ثم انتقل بعد ذلك إلى الجنسية اليونانية بحكم الاتفاق السالف الذكر فبادر أفراد أسرته ومنهم المتوفون المتنازع على تركاتهم إلى قيد اسمائهم بالقنصلية اليونانية وحصلوا منها على شهادات بجنسيتهم اليونانية صدق عليها من وزارة الخارجية المصرية سنة 1933 وفى 25/ 3/ 1952 قضت المحكمة برفض الدفعين بعدم قبول الدعوى وبقبولها وفى الموضوع برفضها - استأنف الطاعنان هذا الحكم وقيد استئنافهما برقم 287/ 69 ق محكمة استئناف القاهرة التي قضت في 21/ 12/ 1954 بتأييد الحكم المستأنف لأسبابه ولما أضافته من أسباب أخرى، فقرر الطاعنان الطعن في هذا الحكم بطريق النقض.
ومن حيث أن الطاعنين طلبا في تقرير الطعن أصليا نقض الحكم المطعون فيه والحكم لهما بأحقيتهما للميراث في تركات الثلاثة المتوفين بحصة قدرها الثلث. وبصفة احتياطية نقض الحكم المطعون فيه واحالة القضية إلى محكمة استئناف القاهرة فدفع المطعون عليهم بعدم جواز قبول الطلب الأصلي لسببين أولهما أن الطاعنين لم يثبتا حقهما كوارثين طبقا لأحكام الشريعة الاسلامية للآن مع منازعة المطعون عليهم لهما في ذلك طوال أدوار التقاضي وكان النزاع مقصورا على الفصل في مسألة الجنسية وحدها وثانيهما أن التركة المدعى بها قد آلت إلى المطعون عليهم عن طريق الإيصاء كما هو ثابت من الحكم المطعون فيه والمستندات المقدمة بمرحلتي التقاضي وهذا السبب مكسب للملكية في كل من القانونين المصري واليوناني.
ومن حيث إن هذا الدفع ليس موجها لا إلى شكل الطعن ولا إلى موضوع أسبابه وانما هو رد واعتراض على طلب الطاعنين الأصلي باستبقاء هذه المحكمة الدعوى لديها والفصل فيها دون احالتها إلى محكمة الاستئناف ان رأت نقض الحكم المطعون فيه. وهذا الطلب انما يرجع لتقدير المحكمة دون توقف على ارادة الخصوم ان هي رأت بعد نقض الحكم وصلاحية الموضوع للفصل فيه دون احالة إلى محكمة الموضوع. ومن ثم يكون الدفع غير جدير بالاعتبار كدفع مانع من قبول الطعن شكلا.
ومن حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن الطعن بنى على أسباب ثلاثة يتحصل أولها في أن الحكم المطعون فيه خالف المادة الأولى فقرة ثانية من كل من قانوني الجنسية الصادرين في سنة 1929 وسنة 1950 من أربعة أوجه حاصل أولهما أن الحكم قضى بالجنسية اليونانية للمتوفين الثلاثة المتنازع على تركاتهم مع أن المادة الأولى من الأمر العالي الصادر في 29/ 6/ 1900 والذى يحيل عليه قانون سنة 1929 في تطبيق أحكامه تنص على "أنه يعتبر حتما من المصريين المتوطنون في القطر المصري قبل أول يناير سنة 1848 وكانوا محافظين على محل إقامتهم" ومع أن المادة الأولى فقرة ثانية من قانون سنة 1929 تنص على "أنه يعتبر من المصريين كل من يعتبر في تاريخ نشر هذا القانون مصريا بحسب حكم المادة الأولى من الأمر العالي الصادر في 29/ 6/ 1900" وتنص المادة الأولى فقرة ثانية من قانون سنة 1950 على "أنه يعتبر من المصريين المتوطنون في الأراضي المصرية قبل أول يناير سنة 1948 وكانوا محافظين على اقامتهم العادية فيها الى 10 مارس سنة 1929 ولم يكونوا من رعايا دولة أجنبية" غير أن الحكم مع صراحة هذه النصوص قد قضى بالجنسية اليونانية للمتوفين الثلاثة مع أنهم من ذوى الجنسية المصرية إذ هي ثابتة بحكم مولدهم وإقامتهم بالديار المصرية اذ أن جدهم الأكبر أنطون مشاقه وهو من أسرة أصلها سوري عثماني كما يدل على ذلك اسمها قد ولد بمدينة صور بالشام عام 1779 وبعدئذ انتقل إلى مدينة دمياط حيث تزوج بها سنة 1815 ومات بها عام 1821 وكان ابنه يوسف والد المورثين الثلاثة قد ولد بها في سنة 1817 ثم نزح إلى مدينة الاسكندرية وأقام بها هو وأولاده إلى أن توفى عام 1885 مما يترتب عليه عملا بالقوانين السالف ذكرها اعتباره هو وأولاده بحكم إقامتهم في مصر إلى ما قبل أول يناير سنة 1848 من المصريين وجنسيتهم المصرية هذه جنسية أصلية ومفروضة ولا يسوغ لأحد ممن يخضعون لها بحكم القانون أن يخرج منها إلا بالتجنس وبالأوضاع التي اشترطها القانون أو بتخلي الدولة التي ينتمى إليها عقابا له أو بالانتقال إلى جنسية أخرى بمرسوم، ويتحصل الوجه الثاني في أن الحكم المطعون فيه اعتبر الجنسية المصرية موجودة كقرينة مفترضة بالنسبة إلى المتوفين الثلاثة إلا أنها قرينة مدحوضة بالمستندات المقدمة وأنه لا يعمل بها إلا إذا لم يكن ثمة دليل على الانتماء إلى جنسية أجنبية غير مصرية. وهذا الذى قرره الحكم مخالف للقانون لأنه اعتبر الجنسية المصرية الأصلية الثابتة للمورثين الثلاثة عن أبيهم بحكم إقامتهم بمصر كقرينة تقبل الدليل العكسي مع أن قرينة قيام الجنسية بسبب التوطن وفقا للمادة الأولى من الأمر العالي الصادر في 29/ 6/ 1900 والذى يحيل عليه قانون سنة 1929 في هذا الخصوص هي قرينة قانونية وتظل قائمة فلا تزول الجنسية المصرية عن صاحبها إلا بسبب من أسباب الفقد والإسقاط التي نص عليها الشارع وهو ما لم يتوافر في حالة الدعوى. ويتحصل الوجه الثالث في أن الحكم المطعون فيه استند في ثبوت الجنسية اليونانية للمورثين الثلاثة إلى قيدهم بالقنصلية اليونانية وإلى شهادات صادرة منها بتلك الجنسية مع أنه لا يعتد بتلك الشهادات لإثبات خروج المصريين من جنسيتهم المصرية الأصلية كما أن التصديق عليها من وزارة الخارجية المصرية في سنة 1933 لا يرقى إلى مرتبة الاتفاق بين دولتين بموجبه ينتقل شخص معين إلى جنسية أخرى غير جنسيته السابقة، فضلا عن أن هذا التصديق على شهادات الجنسية ليس إلا لإثبات صحة التوقيعات إلى أن يفصل في المنازعة حول ما تضمنته ولا يمنع تصديق وزارة الخارجية عليها من المنازعة فيها لإثبات حقيقة الجنسية. ويتحصل الوجه الرابع في أن الحكم المطعون فيه ارتكن في ثبوت جنسية المورثين الثلاثة إلى ما صدر من أحكام من المحكمة القنصلية اليونانية في سنتي 1934 و1936 و1941 بأحقية ورثة أنطون ومارى وروز مشاقة في الميراث بحجة أن هؤلاء المورثين وصفوا في تلك الأحكام بأنهم يونانيون مع أن جنسيتهم المصرية الثابتة لهم بحكم توطنهم بمصر وفقا للأمر العالي الصادر في سنة 1900 وقانون سنة 1929 لا تسقط بموجب أحكام محاكم القنصليات فضلا عن أنه لم يكن هناك ثمة أحكام بالجنسية بل هي مجرد قرارات مساوية للإعلامات الشرعية التي تثبت تحقق الوراثة لصلة النسب الموجبة للميراث ولكنها لا تثبت الأحقية في مال التركة وبهذه المثابة لا تخرج تلك الأحكام عن كونها قرارات إجرائية لا تحسم موضوع النزاع.
ومن حيث إن الوجه الأول من السبب الأول مردود بأنه لما كانت المادة الأولى من الأمر العالي الصادر في 29/ 6/ 1900 تنص على أنه "عند إجراء العمل بقانون الانتخاب الصادر في أول مايو سنة 1883 يعتبر حتما من المصريين الأشخاص الآتي بيانهم: وهم أولا: المتوطنون في القطر المصري قبل أول يناير سنة 1848 وكانوا محافظين على محل إقامتهم. ثانيا... وثالثا... ورابعا... ويستثنى من الأحكام المذكورة الذين يكونون من رعايا الدول الأجنبية أو تحت حمايتها" - وكان الأمر العالي السالف الذكر قد أحال عليه المرسوم بقانون رقم 19 سنة 1929 الصادر في 27/ 2/ 1929 بأن نص في المادة الأولى فقرة ثانية منه على "أنه يعتبر داخلا في الجنسية المصرية بحكم القانون كل من يعتبر في تاريخ نشر هذا القانون (في 10 من مارس سنة 1929) مصريا بحسب حكم المادة الأولى من الأمر العالي الصادر في 29 من يونيه سنة 1900" - لما كان ذلك وكان يبين من المذكرة الإيضاحية لقانون الجنسية رقم 160 لسنة 1950 الصادر في 13 من سبتمبر سنة 1950 تعليقا على النصوص السالف ذكرها "أن مصر وإن كانت تعد فيما مضى من بلاد الدولة العلية إلا أنها كانت تتمتع بشخصية سياسية واجتماعية أبرزت للوطن المصري وضعا مستقلا وأوجدت صفة خاصة تميزه عن باقي الرعايا العثمانيين الذين يكونون قد حضروا إلى مصر للإقامة بها وكان ذلك هو الأساس لإصدار الأمر العالي في 29 من يونيه سنة 1900 بتحديد من يعتبر حتما من المصريين عند إجراء العمل بقانون الانتخاب الصادر في أول مايو سنة 1883 وقد تضمن هذا الأمر العالي الاعتراف بالحقيقة الواقعة من وجود صفة مستقلة منذ سنة 1848 وهو التاريخ الذى ابتدأ منه قيام الجنسية المصرية بالتوطن والإقامة في مصر وفى 19 من أبريل سنة 1923 صدر الأمر الملكي رقم 42 سنة 1923 بوضع نظام دستوري للدولة المصرية ونصت المادة الثانية منه على أن الجنسية المصرية يحددها القانون. على أن مثل هذا القانون لمختلف الاعتبارات لم يصدر إلا في 26 من مايو سنة 1926 فأحيل هذا القانون إلى لجنة الشئون الخارجية ضمن القوانين الصادرة في المدة من 24 من ديسمبر سنة 1924 لغاية 10 من يونيه سنة 1926 لفحصها فوضعت اللجنة تقريرا عنه في 9 من مايو سنة 1928 متضمنا الملاحظات الشكلية والموضوعية عليه... غير أن الدورة البرلمانية المنعقدة في سنة 1928 كانت انقضت دون إقرار لمشروع التعديلات التي وضعتها لجنه الشئون الخارجية... وعملت وزارة الداخلية على استصدار المرسوم بقانون رقم 19 سنة 1929 الذى نصت المادة 25 منه على إلغاء المرسوم بقانون الصادر في 26 من مايو سنة 1926" - لما كان ذلك وكان يبين مما سلف ذكره ومن نص المادة الأولى من الأمر العالي الذى يحيل على تطبيق أحكامه المرسوم بقانون رقم 19 لسنة 1929 أن اعتبار الطوائف المبينة بالفقرات الأربع الأولى من المصريين مقيد باستثناء هو شرط عام نصت عليه الفقرة الأخيرة من المادة المذكورة مؤداه أن لا يكونوا من رعايا الدولة الأجنبية أو تحت حمايتها وكان الحكم المطعون فيه قد أقيم على ثبوت الجنسية اليونانية للمتوفين الثلاثة المتنازع على تركاتهم - لشهادات الجنسية المذكورة ولأدلة أخرى سائغة كما سيجئ بيانه، وكان ذلك لا يتفق مع ادعاء التوطن بمصر لكسب الجنسية المصرية وهو ما يستند إليه الطاعنان في الوجه الأول من النعي يكون هذا الوجه غير منتج الاستدلال به - وغير منتج أيضا قول الطاعنين إنه لا يمكن الخروج من جنسية التأسيس المصرية القائمة على التوطن إلا بإحدى الطرق المنصوص عليها قانونا، ذلك لأن هذا الخروج محله أن تكون الجنسية المصرية المؤسسة على التوطن واستمرار الإقامة بمصر ثابتة غير منتفية وهى لا تثبت إلا بمراعاة شرط انتفاء الجنسية الأجنبية، فإن ثبتت الجنسية الأجنبية فلا مجال للقول بالجنسية المصرية المؤسسة على التوطن ولا يغير من اعتبار هذا الشرط قيدا أن الأمر العالي الصادر في سنة 1900 الذى أحال عليه المرسوم بقانون رقم 19 سنة 1929 قد أورده على صورة استثناء إذ قصد الشارع من ذلك أن يسبغ على الرعايا المصريين فحسب جنسية التأسيس المصرية بشرط التوطن دون أن يدعيها من الأجانب من ثبتت جنسيتهم الأجنبية أو من كان في حماية دولة أجنبية إذ ليس لهذا أو لذاك أن يدعى الجنسية المصرية حتى لو ثبت توطنه واستمرار إقامته بمصر هو وأصوله في الزمن المنصوص عليه بالأمر العالي الصادر في سنة 1900 هو والقوانين اللاحقة له - ويؤيد هذا النظر ما ورد بالمادة الأولى فقرة ثانية من القانون رقم 160 لسنة 1950 أنه يعتبر من المصريين "المتوطنون في الأراضي المصرية قبل أول يناير سنة 1848 وكانوا محافظين على إقامتهم العادية إلى 10 من مارس سنة 1929 ولم يكونوا من رعايا الدول الأجنبية" - كما يؤيده أيضا ما ورد بالمذكرة الإيضاحية للقانون المذكور من أن الحكم في المادة الأولى فقرة ثانية قد قصد منه تحديد من يعتبرون أصلا من المصريين دون حاجة لتكرار النصوص السابقة التي تولت تقرير هذه الأحكام - هذا فضلا عن أنه يبين من المراحل التشريعية التي مر بها قانون سنة 1950 ومن المناقشة التي دارت حول المادة الأولى منه بمجلس الشيوخ بجلسات 9 و15 و22 من مايو و22 من يونيه و3 و10 من يوليه سنة 1950 أن مشروع الحكومة لتلك المادة كان من مقتضاه أنه يعتبر مصريا أو داخلا في الجنسية المصرية من كسبها وفقا لأحكام المرسوم بقانون رقم 19 سنة 1929 بشأن الجنسية المصرية - إلا أن لجنة العدل والداخلية بمجلس الشيوخ رأت أن لا يؤخذ بالاستثناء الوارد في نهاية المادة الأولى من الأمر العالي الذى يحيل عليه المرسوم بقانون رقم 19 سنة 1929 الذى أرادت الحكومة في مشروعها استبقاء الاستثناء به. ورأى بعض الأعضاء تأييد اللجنة فيما ذهبت إليه إلا أن وزير الداخلية رد على ذلك بجلسة 22/ 5/ 1950 بقوله إنه إن حذف الاستثناء يصبح رعايا الدول الأجنبية مصريين حتما إذا كانوا من المتوطنين في البلاد المصرية قبل سنة 1848 وهو ما لم يخطر على بال المشرع، وبجلسة 10 من يوليو سنة 1950 انتهى الأمر إلى وضع المادة الأولى فقرة ثانية من قانون سنة 1950 على صورتها الآنف ذكرها مع حذف الإشارة إلى من كانوا تحت حماية دولة أجنبية ولكن هذا الحذف لا يفيد أن كل من كان متوطنا في مصر قبل سنة 1848 وكان في حماية دولة أجنبية يصبح اعتباره مصريا إذ علة هذا الحذف حسبما يبين من المناقشة بجلسة 22/ 5/ 1950 والجلسات التالية الآنف ذكرها أن عهد بسط الحمايات الأجنبية قد انتهى بمعاهدة منترو وعلى ذلك لا يفيد من هذا الحذف إلا من كان مصريا في حماية دولة أجنبية مثل الياسقجية وغيرهم من خدمة السفارات والقنصليات الأجنبية أما من عداهم فلا يصح اعتبارهم مصريين متى ثبت أنهم كانوا في حماية دولة أجنبية سواء قبل 10 من مارس سنة 1929 وقت العمل بالمرسوم بقانون رقم 19 سنة 1929 أو 12 من أغسطس سنة 1937 تاريخ العمل بمعاهدة مونترو.
ومن حيث إن الوجه الثاني من السبب الأول الخاص بالنعي على الحكم خطأه لاعتباره أن قرينة الجنسية المصرية مدحوضة بالمستندات المثبتة للجنسية الأجنبية هو نعى مردود بما سبق الرد عليه في خصوص عدم قيام الجنسية المصرية أصلا وهى جنسية التأسيس التي بنى عليها الطاعنان جنسية المتوفين الثلاثة هم وأصولهم بالتوطن في مصر - ومردود أيضا بأن تلك القرينة - وقد نص عليها بالمادة 22 من المرسوم بقانون رقم 19 سنة 1929 التي جاء بها "أن كل شخص يسكن بالأراضي المصرية يعتبر مصريا ويعامل بهذه الصفة إلى أن تثبت جنسيته على الوجه الصحيح" - لم يكن وضعها في عهد كانت فيه الامتيازات الأجنبية سارية في مصر إلا بقصد تقرير قرينة بسيطة استلزمتها الحالة الناشئة عن هذه الامتيازات بالنسبة إلى ساكني مصر ممن لم تثبت جنسيتهم الأجنبية حتى لا يدعى الجنسية الأجنبية من كان يريد الهروب من التكاليف العامة وقوانين البلاد وقضاء المحاكم الوطنية استنادا إلى القواعد التي كان يقررها نظام الامتيازات فهي قرينة احتياطية مؤقتة بسبب الغرض الذى شرعت من أجله وهو افتراض الدولة الجنسية المصرية للساكنين بها الذين لم تثبت جنسيتهم الأجنبية أو المصرية كما أنها من جهة أخرى قرينة سلبية لأنها لا تمنح في مواجهة الأفراد جنسية مصرية حقيقية لمن يدعى أنه مصري إذ لا مناص عندئذ من أن يثبت المدعى الجنسية المصرية وذلك من غير أن تعتبر تلك القرينة سندا في الإثبات ودون أن تعتبر من قبيل القرائن المقررة لمصلحة المدعى تمتعه بالجنسية المصرية ويؤيد هذا النظر أنه لو كان قد قصد أن تكون تلك القرينة وسيلة لإثبات الجنسية إطلاقا لما كان ثمة محل للنص في قانون الجنسية على كسب الجنسية المصرية أو الأجنبية بالطرق المنصوص عليها ومنها التوطن لا مجرد السكن ولكان من اليسير أن يستند كل أجنبي إلى كسب الجنسية المصرية بقرينة السكن فحسب وهو ما لم يقصده الشارع.
ومن حيث إن النعي بالوجهين الثالث والرابع الخاصين باستناد الحكم المطعون فيه إلى الشهادات والأحكام الصادرة من القنصلية اليونانية هو نعى مردود بما قرره الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه من "أن جنسية انطون ومارى وروز وهى الجنسية اليونانية قد ثبتت أولا من خطاب مرسل من المتوفين الثلاثة إلى وزارة الخارجية بتاريخ 19/ 5/ 1917 وورد به (بأنهم جميعا مولودون بالإسكندرية ومقيمون بالقاهرة وأن عائلة مشاقه معروفة بمصر على أنها من أصل يوناني ولكن بغض النظر عن هذه الجنسية فإنهم طوال حياتهم لم يلجأوا إلى قنصلية اليونان... ولا يمتون إلى دولة اليونان... لذلك فانهم يرغبون في التنازل عن الجنسية اليونانية ليبقوا رعية محلية مع استمرارهم بالانتفاع بالحماية البريطانية التي منحت لهم بنوع خاص) - ثم استطرد الحكم إلى القول بأن عبارة هذا الخطاب وإن تضمنت المسائل المتقدمة الذكر إلا أنها تضمنت أيضا أن عائلة مشاقه معروفة في مصر بأنها من أصل يوناني كما تضمنت أن المتوفين الثلاثة يرغبون في التنازل عن الجنسية اليونانية ليبقوا رعية محلية الأمر الذى يدل في وضوح على أنهم كانوا معروفا عنهم أنهم يونانيو الجنسية ولظروف خاصة أرادوا التنازل عن تلك الجنسية. ومما هو جدير بالذكر أن طلب المتوفين لم يجب إذ أنه قد رفضه المستشار القضائي الإنجليزي بمقولة إن منحهم الجنسية اليونانية خطأ لا يبرر سحبها منهم. ثانيا - ثبتت الجنسية اليونانية للمتوفين من الكتاب المؤرخ في 9/ 6/ 1950 المرسل من مستشار الرأي بمجلس الدولة إلى وزارة الداخلية المودع بالملف تحت رقم 47/ 22/ 40 المضموم للقضية وورد من بين ما تضمنه أن قسم قضايا وزارة الداخلية قد أوضح جميع الظروف والملابسات التي تحيط بجنسية عائلة مشاقه واستعرض الطلب المقدم من انطون ومارى وروز إلى وزارة الخارجية في سنة 1933 بالتماس التصديق على شهادات جنسيتهم اليونانية وقد صدقت الوزارة على طلباتهم على أساس أنهم مقيدون بسجلات القنصلية اليونانية وظاهر من قرار وزارة الخارجية الخاص بالموافقة على شهادات جنسيتهم أنهم توفوا عن جنسيتهم اليونانية.." ومردود أيضا بما قرره الحكم المطعون فيه من أن الجنسية اليونانية للمتوفين الثلاثة ثابتة من الأحكام الصادرة في سني 1934 و1936 و1941 من المحاكم القنصلية اليونانية والخاصة بتحقق الميراث عنهم وإذ وصفوا فيها بأنهم يونانيو الجنسية ومن الشهادات الصادرة من المفوضية اليونانية المودعة ضمن ملف أسرة مشاقه وتفيد أن المتوفين الثلاثة يرجعون بأصلهم إلى الجزائر الأيونية. وأنه على إثر ضم تلك الجزائر إلى اليونان حصلوا على الجنسية اليونانية بمقتضى معاهدة 29 من مارس سنة 1864 كما تبين من خطاب المستشار الملكى إلى وزارة الداخلية أنه في سنة 1933 طلب المورثون الثلاثة من وزارة الخارجية التصديق على شهادات الجنسية اليونانية لقيدهم بسجلات القنصلية فوافقت الوزارة على ذلك وأن تلك الجنسية ليست ثابتة فحسب من الحالة الظاهرة بل هي ثابتة من سندات عديدة تؤيد هذه الجنسية - وهذا الذى قرره الحكم هو استخلاص موضوعي سائغ لا مخالفة فيه للقانون ويستقيم به قضاؤه ولا يعيبه ما استند إليه الحكم من أحكام المحاكم القنصلية لأنها وإن كانت في ذاتها قرارات إجرائية بتحقق الوراثة لصلة النسب الموجه للميراث ولا تحسم موضوع النزاع بالأحقية في مال التركة على أساس الجنسية اليونانية التي اتصف بها المتنازع على تركاتهم إلا أن الاتصاف بهذه الجنسية لا يخرج عن كونه مظهرا من مظاهر المعاملة بالحالة الظاهرة التي ارتكن اليها الحكم وهو ارتكان سليم كما سيلى ذكره عند بحث السبب الثاني من أسباب الطعن أما استناد الحكم إلى شهادات الجنسية وباقي المستندات العديدة التي أخذ بها وأشر عليها بالاطلاع وبتقديمها في الدعوى فهو استناد سائغ ذلك أن من تلك المستندات ما هو صادر قبل العمل بقانون الجنسية العثماني الصادر في سنة 1869 وهى الشهادة المؤرخة في 5/ 6/ 1949 ويستفاد منها أن يوسف ميسا كيس (الذى لا نزاع في أنه يوسف مشاقة والد المورثين الثلاثة) كان مشمولا بالحماية البريطانية وأنه من جنس أيونى - وتذكرة المرور المؤرخة في 6/ 7/ 1949 وجواز السفر المؤرخ في 1/ 7/ 1850 وقد ورد بهما أن يوسف تحت رعاية الانجليز وسمى في جواز السفر باسم يوسف ميسا كيس ومنها الشهادة المؤرخة في 24/ 11/ 1852 المسلمة من قنصل بريطانيا بالإسكندرية إلى يوسف ميسا كيس وذكر بها أنه مشمول بالحماية البريطانية وأنه من أصل أيونى بالجزر الأيونية ومنها ما هو صادر بعد العمل بقانون الجنسية العثماني وهى الشهادة المؤرخة في 10/ 12/ 1912 والصادرة من القنصلية اليونانية ووارد بها أن يوسف ميسا كيس من أصل أيونى ورعية دولة اليونان وقيد هو وأولاده أنطون ومارى وروز (المورثين الثلاثة) بدفاتر القنصلية اليونانية وكذلك الشهادات الصادرة من القنصلية اليونانية لأنطون ميسا كيس في السنوات من 1885 إلى سنة 1914 لانتمائه إلى دولة اليونان لرجوعه لأصله إلى الجزر الأيونية والخطاب المؤرخ في 10/ 2/ 1890 والصادر من قنصل بريطانيا إلى أنطون ميسا كيس ووارد به أنه تقرر وفقا لتعليمات وزارة الخارجية المصرية سحب الحماية البريطانية من أفراد عائلة مشاقة بعد أن أصبح ادعائهم تلك الحماية لا مبرر له ومنها الشهادات المؤرخة 28/ 6/ 1933 وجاء بها: قيد أنطون ومارى وروز ميسا كيس بسجلات القنصلية اليونانية لأنهم من أصل أيونى ومصدق على هذه الشهادات من محافظة مصر ومنها الخطاب المؤرخ 9/ 7/ 1950 المودع بملف الجنسية والذى أشار إليه الحكم وقد أرسل من مستشار الرأي بمجلس الدولة إلى مدير إدارة الجنسية وورد به أن أنطون ومارى وروز طلبوا من وزارة الخارجية التصديق على شهادات بجنسيتهم اليونانية وقد وافقت الوزارة على ما اشتملت عليه تلك الشهادات على أساس أنهم مقيدون بسجلات القنصلية اليونانية ومنها كتاب قسم قضايا الحكومة المؤرخ 2/ 5/ 1943 بأن عائلة مشاقة وإن كانت قد حضرت إلى مصر من سوريا إلا أنها ليست متصفة بالرعوية العثمانية بل هي من الجزر الأيونية وكانت متصفة بالحماية البريطانية مع اتصافها بالجنسية اليونانية وكانت وزارة الخارجية المصرية تعترف لهم بتلك الجنسية - ويبين من هذا الذى سلف ذكره وأقيم عليه الحكم أن شهادات الجنسية اليونانية وشهادات الحماية البريطانية ليوسف ميسا كيس وأولاده منذ سنة 1849 هي شهادات لها حجيتها في نفى الجنسية المصرية عن المتوفين الثلاثة ووالدهم يوسف ميسا كيس ولا يصح القول بأن الأوراق السالف ذكرها تخالف الاتفاقات الدولية ذلك أن الاتفاق المؤرخ 29/ 3/ 1864 المعقود بين بريطانيا واليونان قد تقرر فيه ضم الجزر الأيونية إلى اليونان فأصبح بهذا الضم مواطنو تلك الجزر يونانى الجنسية إذا لم يختاروا جنسية أخرى سواء أكانوا مقيمين بتلك الجزر أم بالخارج. كما أن الاتفاق المؤرخ في سنة 1855 والمعقود بين دولتى اليونان والباب العالي والوارد به أنه لا يجوز لإحدى الدولتين أن تغتصب soustraire رعايا الدولة الأخرى إنما لا ينصرف إلى من كانت ثابتة جنسيته اليونانية أو العثمانية - كما أنه لا جدوى للطاعنين من التحدي باتفاق 2/ 2/ 1890 المعقود بين حكومتي مصر واليونان والتصريح المشترك الصادر في 23/ 5/ 1903 من ممثلي الحكومتين بشأن الاتفاق المذكور فيما تضمنه من أنه يشترط لاعتبار الشخص ذا جنسية يونانية في أية حال من الأحوال المشار إليها في اتفاق 1890 أن يكونوا من أصل يوناني - لا جدوى للطاعنين من التحدي بذلك إذ أن الحكم المطعون فيه قد حصل بحق على ما سبق بيانه أن مورث المتوفين الثلاثة من أصل يوناني لا من أصل سوري إن ما ينعاه الطاعنان على الحكم المطعون فيه من عدم أخذه بالشهادات الصادرة من مطرانية الروم الكاثوليك والمؤرخة 11/ 9 و19/ 9 و10/ 9/ 1949 والتي يدعى بها الطاعنان أن المتوفين الثلاثة يرجعون إلى أصل عثماني بمقولة إن جدهم الأكبر جرجس بن يوسف مشاقه ولد في مدينة صور عام 1723 ثم توفى في عام 1760 في قرية قانا التابعة لمدينة صور وأن ابراهيم بن جرجس هو والد جدهم أنطون مشاقه، فهو نعى لا يخرج عن كونه جدلا موضوعيا في تقدير الدليل الذى لم يأخذ به الحكم ورجح عليه المستندات السابق الإشارة إليها والمؤيدة بموافقة وزارة الخارجية المصرية موافقة لا تخالف الاتفاقات الدولية مما يكفى لحمل الحكم ويستقيم به قضاؤه.
ومن حيث إن الطاعنين ينعيان في السبب الثاني على الحكم المطعون فيه خطأه في القانون إذ أخطأ في فهم المقصود من الحالة الظاهرة كوسيلة إثبات للجنسية المتنازع عليها ومبنى الخطأ في هذا الفهم القانوني يتحصل في ثلاثة أوجه حاصل أولها أن الحكم قرر أن مقطع النزاع هو ما إذا كانت تركات المورثين الثلاثة تخضع لقانون الجنسية اليونانية التي كانت لهم وتوفوا عليها أم يسمح لآخرين بعد سنين عدة بإثارة النزاع في أمر هذه الجنسية لتطبيق قانون آخر غير قانون الجنسية التي مات عليها المورثون فقال الحكم المطعون فيه "إن المحكمة لا تترد في الموافقة على الرأي الذى أخذ به الحكم الابتدائي من أن الجنسية اليونانية التي لم يتنازع في أمرها المتوفى قبل وفاته والتي مات عليها وظهر بها وظل سنين عدة يتمتع بها هي دون شك الجنسية التي يتولد عنها القانون الذى يسرى على التركة" ثم جاء الحكم في شأن الحالة الظاهرة باستعراض طويل لبعض أحكام المحاكم المختلطة اختلفت فيما بينها على تحديد تلك الحالة ومفهوم ما قاله أن التركات الثلاثة يحكمها قانون الجنسية الظاهرة لا الجنسية الحقيقية مع أن هذا القول لم يقل به أحد ومخالف لنص المادة 17 من القانون المدني ومع أن القول بأن المورثين الثلاثة عاشوا وماتوا يونانيين هو قول لم يقم عليه دليل أما قول الحكم بأن أصحاب التركات الثلاثة لم ينازعوا في جنسيتهم اليونانية قبل وفاتهم ففضلا عن أنه لا يؤدى إلى إثبات قيام الحالة الظاهرة بشروطها وأركانها فإن الجنسية لإثبات صحتها في النزاع على تركة لا يشترط أن يثار النزاع بشأنها قبل وفاة من يدعيها بل الطبيعي أن يكون النزاع فيها في هذه الحالة بعد وفاة المورث ولا يقدح في ذلك أن تكون المنازعة قد أثيرت بعد مرور أعوام على الوفاة ما دامت حقوق المنازع لم تسقط بمضي المدة. ويتحصل الوجه الثاني في أن الحكم قد أخطأ إذ استند إلى الحالة الظاهرة كأساس لثبوت الجنسية الحقيقية لأن تلك الحالة ليست إلا وسيلة لإثبات الجنسية الأصلية المقررة بقوة القانون ولا يلجأ إليها إلا عند صعوبة الاستناد إلى وسيلة أخرى وبشرط أن تكون وسيلة لإثبات الجنسية الوطنية لا الأجنبية كما أن مجال الاعتماد عليها إنما يكون عندما يدعى بها الخصم لإثبات الجنسية المؤسسة على حق الدم فيتبع الولد جنسية أبيه بالنسب ولا يمكن الاستدلال بها كما هو الحال في الدعوى على ثبوت الجنسية المؤسسة على حق الإقليم بالتوطن فيه هذا فضلا عن أنه ليس في التشريع المصري ما يجيز إثبات الجنسية الوطنية أو الأجنبية بالحالة الظاهرة لأن المادة 22 من قانون الجنسية الصادر في سنة 1929 تفترض الجنسية المصرية لجميع السكان ويتحتم معاملتهم بهذه الصفة إلى أن تثبت الجنسية الأجنبية على الوجه الصحيح وأنه وإن كان التشريعان الفرنسي والبلجيكي يبيحان إثبات الجنسية بالحالة الظاهرة إلا أنهما يقصران هذا النوع من الإثبات على الجنسية الوطنية دون الجنسية الأجنبية بشرط أن يثبت المواطن توافر عناصر الحالة الظاهرة لمدة ثلاثة أجيال على الأقل وقد ذهب القضاء الفرنسي إلى حد رفض الاعتراف بالجنسية الأجنبية ولو كان أساسها نصوص تشريع أجنبي متى ثبت لديه أن ليس ثمة صلة حقيقية تربط الشخص بالإقليم المستند إلى قانون جنسيته ومن ثم فلا وسيلة للمطعون عليهم لإثبات الجنسية اليونانية أمام القضاء المصري إلا بأن يثبت من يدعى هذه الجنسية قيامها وفقا لنصوص القانون الوطني أو أنه قد اكتسب الجنسية الأجنبية وفقا لنصوص قانون دولي وعلى من يدعى ذلك إثبات هذه النصوص ويتحصل الوجه الثالث في أن الحكم المطعون فيه قد قرر أن المورثين الثلاثة اكتسبوا الجنسية اليونانية بناء على الحالة الظاهرة مع أنه لقيامها ووجودها يجب أن يتوافر فيها ثلاثة عناصر وهى الاسم والشهرة والمعاملة وبشرط مرور ثلاثة أجيال على نشوء هذه العناصر مجتمعة وهو ما لم يقم الحكم المطعون فيه على قضاءه بل اكتفى بالقول بثبوت الجنسية اليونانية للمتنازع في تركاتهم رغم اشتهارهم باسم مشاقه وهو اسم سوري وليس اسما يونانيا ورغم عدم مرور ثلاثة أجيال.
ومن حيث إن هذا السبب في كافة وجوهه مردود بأن الحكم المطعون فيه لم يؤسس قضاءه على الجنسية الظاهرة دون الجنسية الحقيقية كما قال الطاعنان بل أقيم في جوهره على أن ما ثبت من أن المورثين الثلاثة من أصل يوناني وفقا للمستندات والأوراق التي تقطع في ثبوت هذا الأصل وهى التي سبق الإشارة اليها عند الرد على السبب الأول ثم أضاف الحكم الى ذلك أن الحالة الظاهرة للمورثين الثلاثة تؤيد هذه الحقيقة الثابتة وأن تلك الحالة قد ثبتت من وقائع عدة منها إعلان المتوفين عن جنسيتهم اليونانية وذيوع اشتهارهم بها وتمسكهم بها هم أنفسهم في تصريف معاملاتهم الشخصية وذلك لقيدهم وقيد والدهم لهم بدفاتر القنصلية اليونانية باسم مسا كيس وهو اسم يوناني لعائلتهم فلم تنازع الحكومة المصرية في هذا القيد ولتصريحهم بأنهم يونانيو الجنسية في الخطاب المؤرخ في 19/ 5/ 1917 وتقاضيهم أمام القنصلية اليونانية على هذا الاعتبار - فلا على محكمة الموضوع إن هي اعتمدت على الحالة الظاهرة الثابتة على ما سلف ذكره بعناصرها الثلاثة وهى الاشتهار باسم الأب واسم العائلة nomen والاشتهار بمعاملة الأب لولده tractus والاشتهار بالمعاملة عند الجمهور fama -  ولا خطأ فيها استندت إليه المحكمة لأنه ليس ثمة ما يمنع قانونا في مصر من الأخذ بالحالة الظاهرة كقرينة احتياطية معززة بأدلة أخرى مثبتة للجنسية سواء أكانت تلك الجنسية هي الجنسية الوطنية أو الأجنبية وسواء أكانت مؤسسة على حق الدم أو الإقليم. ذلك أن الشارع المصري لم يستبعد قرينة الحالة الظاهرة في إثبات الجنسية الأجنبية أو الوطنية كقرينة تؤيد أوراق الدعوى ومستنداتها كما فعل الحكم المطعون فيه - وعلى ذلك يكون سبب النعي غير سديد ولا عبرة بما أورده الحكم المطعون فيه من تقريرات أخرى ذكرها من باب التزيد وأشار إليها الطاعنان في سبب النعي إذ أنه محمول على ما سلف ذكره وهو ما لا فائدة فيه.
ومن حيث إن الطاعنين ينعيان في السبب الثالث على الحكم المطعون فيه بطلانه لقصوره في التسبيب وإهداره دلالة المستندات ومسخ واقعة الدعوى - أما مبنى القصور فيتحصل في ثلاثة أوجه حاصلها أن الحكم أقيم على ثبوت الجنسية اليونانية لأصحاب التركات المتنازع فيها بدلائل تستند إلى وضع قانوني معترف به من الحكومتين المصرية واليونانية بالتصديق على شهادات الجنسية اليونانية - غير أن الحكم لم يبين الأساس القانوني الذى به يعتبر هذا التصديق دليلا على اعتراف الحكومة المصرية مع أن هذه المصادقة لم يقل أحد انه يقصد منها إيجاد وضع قانوني بين الحكومتين كما أن الحكم استدل في ثبوت الجنسية اليونانية للمورثين الثلاثة بمعاهدة 9/ 3/ 1864 التي عقدت بين بريطانيا واليونان والمدعى أنه بموجبها انتقلت أسرة مشاقة من الجنسية البريطانية إلى الجنسية اليونانية غير أن الحكم لم يستظهر نص تلك المعاهدة - كما لم يتحدث عن مركز رعايا دولة اليونان المقيمين بمصر والذين كانوا بحسب الأصل من الرعايا العثمانيين مع أن أفراد أسرة مشاقه وهم من هؤلاء الرعايا ما كان يعترف لهم أصلا بحق الدخول في الجنسية اليونانية خلسة وهذا متفق عليه في معاهدة 23/ 3/ 1855 بين الدولة العلية والدولة اليونانية كما هو منصوص عليه باتفاق 2/ 2/ 1890 بين مصر واليونان ومن أحكامه أنه لا يعترف بالجنسية لمن يقيم في مصر إلا إذا ثبت حقيقة أنه من الجنس اليوناني ومع ذلك لم يبين الحكم ما اشتمل عليه الاتفاقان المذكوران - هذا إلى أن الحكم استند في ثبوت الجنسية اليونانية للمتنازع في تركاتهم إلى الأحكام الصادرة من المحاكم القنصلية مع أنها إشهادات إجرائية بثبوت الوراثة دون إثبات الأحقية في التركة - وأما مبنى إهدار الحكم للمستندات القاطعة في الدعوى فمن وجهين حاصل أولهما أن الحكم قد أهدر حكم مجلس الدولة الصادر في 22/ 3/ 1953 والذى قرر ثبوت الجنسية المصرية لروبير سليم مشاقه أحد الطاعنين مؤسسا قضاءه على أن روبير من أسرة مشاقه وأن أصل الأسرة ومنبتها يرجع إلى جده الأكبر أنطون مشاقة وهو الجد الأكبر للمتوفين الثلاثة متوطن في مصر إلى ما قبل أول يناير سنة 1848 إذ أقام بدمياط من سنة 1815 وتوفى بها سنة 1821 وأن أفراد أسرته المتعاقبين امتد بهم التوطن والإقامة حتى صدور قانون سنة 1929 وأن أفراد أسرة مشاقه لهم الحق في أن يعتبروا مصريين بحكم القانون وفقا للمادة الأولى فقرة ثانية من قانون سنة 1929 وقال الطاعن بجلسة 18/ 1/ 1956 أمام هذه المحكمة أنه لا يقصد مما آثاره من نعيه في خصوص حكم مجلس الدولة إلا أن يتمسك به كمستند له دلالته في إثبات الجنسية. ويتحصل الوجه الثاني في أن الحكم أهدر دلالة الخطاب الذى أرسله أنطون مشاقه إلى وزارة الخارجية في 10/ 10/ 1930 وطلب فيه انتماءه إلى الجنسية المصرية كما لم يأخذ الحكم بخطاب 9/ 5/ 1917 المرسل من المتوفين الثلاثة إلى وزارة الخارجية وقرروا فيه أنهم لا يمتون إلى دولة اليونان بصلة وأنهم وإن كانوا قد عرفوا في مصر بأنهم من أصل يوناني إلا أنهم يودون البقاء على الرعوية المحلية مع تمتعهم بالحماية البريطانية وأنه وإن كانت وزارة الخارجية رفضت طلبهم إلا أن مفاد هذا الخطاب يدل على إنكار الأصل اليوناني والاعتراف بالرعوية المحلية - أما مبنى مسخ واقعة الدعوى فيتحصل في أن الحكم الابتدائي والحكم المطعون فيه قد قررا أن الفصل في الدعوى لا يتطلب إلا معرفة الجنسية اليونانية التي كان يتمتع بها المتوفون الثلاثة طوال حياتهم وأنه لا يمكن قبول أية منازعة بعد ثبوت جنسية معينة لشخص كان يتمتع بها حال حياته مع أن المتوفين أنفسهم نازعوا حال حياتهم في تبعيتهم لدولة اليونان بالخطاب الصادر منهم في 9/ 5/ 1917.
ومن حيث إن النعي على الحكم المطعون فيه بالأوجه الثلاثة المتعلقة بالقصور لعدم تحدثه عن الأساس القانوني الذى بنيت عليه مصادقة الحكومة المصرية على الجنسية اليونانية للمتوفين الثلاثة ولعدم بيان نصوص الاتفاقات المؤرخة سنة 1864 وسنة 1855 وسنة 1890 ولعدم بيان عناصر الحالة الظاهرة ولاستناده إلى أحكام المحاكم القنصلية هو نعى مردود بما سبق الرد عليه في السببين الأول والثاني من أسباب الطعن - وأما ما ينعاه الطاعنان على الحكم المطعون فيه مسخه لواقعة الدعوى إذ لم يبحث أصل منشأ أسرة مشاقه وإهداره ومسخه لخطاب 9/ 5/ 1917 المرسل من المتوفين الثلاثة إلى وزارة الخارجية المصرية بطلبهم الجنسية المصرية وخطاب 10/ 10/ 1930 الذى طلب فيه أنطون مشاقه أحد المتنازع على تركاتهم من وزارة الخارجية انتماءه إلى الجنسية المصرية فهو نعى فضلا عن أنه مردود بما أقيم عليه الحكم فيما سلف ذكره فإنه نعى متعلق بتقدير الدليل وفهم الواقع مما لا سبيل معه للنعي على ما استخلصه قاضى الموضوع من هذا الفهم للأدلة السائغة التي استقام بها قضاؤه - وأما ما ينعاه الطاعنان على الحكم المطعون فيه من إهداره لحكم محكمة القضاء الإداري الصادر في 9/ 10/ 53 فهو نعى مردود بأن الطاعنين انتهيا أمام هذه المحكمة إلى القول بأنهما لا يتمسكان بحكم مجلس الدولة كحكم له قوة الشيء المحكوم فيه بل كمجرد مستند من مستندات الدعوى يفيد في نظرهما ثبوت أن أنطون الجد الأكبر لأسرة مشاقه وولده نقولا من أصل سوري وأنهما توطنا باستمرار في مصر وهذا الذى انتهى إليه الطاعنان يعتبر جدلا موضوعيا في مستندات الدعوى التي يستقل بتقديرها قاضى الموضوع متى أقام قضاءه على أسباب سائغة. ولما كان الحكم المطعون فيه لما سبق بيانه قد برر قضاءه بأسباب سليمة ومستندات يستفاد منها أن يوسف وأولاده المتوفين الثلاثة يونانيو الجنسية لأنهم من أصل أيونى لا من أصل سوري فلا سبيل على الحكم لترجيحه مستندا أو دليلا على آخر وذلك بعدم الأخذ بما ورد في أسباب الحكم الذى صدر من مجلس الدولة بشأن جنسية روبير سليم مشاقه وترجيحه ما تقطع به المستندات التي قدمت إليه والتي سبق الإشارة إليها.
ومن حيث إنه لما تقدم يكون الطعن على غير أساس ومن ثم يتعين رفضه.

الأحد، 2 فبراير 2020

عدم استحقاق معاش الوزير ونائب الوزير لغير من يشغل منصبهما فعليا

الطلب رقم 1 لسنة 41 ق " تفسير تشريعي " جلسة 4 / 1 / 2020
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الرابع من يناير سنة 2020م، الموافق التاسع من جمادى الأولى سنة 1441 هـ.
برئاسة السيد المستشار/ سعيد مرعى عمرو   رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: الدكتور عادل عمر شريف وبولس فهمى إسكندر والدكتـور حمدان حسن فهمى والدكتور محمـد عماد النجـار والدكتور عبدالعزيز محمد سالمان والدكتور طارق عبدالجواد شبل    نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشرى     رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع        أمين السر
أصدرت القرار الآتى
      في الطلب المقيد بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 1 لسنة 41 قضائية " تفسير تشريعي ".
المقدم من
وزيـر العــدل
الإجراءات
      بتاريخ الحادي والعشرين من يوليو سنة 2019، ورد إلى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا كتاب السيد وزير العدل رقم 1024، المؤرخ 18/7/2019، بطلب تفسير نص المادة (31) من قانون التأمين الاجتماعي الصادر بالقانون رقم 79 لسنة 1975، والمستبدلـة بالقانـون رقم 160 لسنة 2018، لبيان ما إذا كان النص يقتصر، في تطبيقه، على من يشغل، فعليًّا، منصبي الوزير ونائب الوزير، أم يمتد تطبيقه لغيرهم.
   وبعد تحضير الطلب، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
      ونظر الطلب على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار القرار فيه بجلسة اليوم.
المحكمة
      بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
      حيث إن رئيس مجلس الوزراء طلب تفسير المادة (31) من قانون التأمين الاجتماعي الصادر بالقانون رقم 79 لسنة 1975، والمستبدلة بالقانون رقم 160 لسنة 2018؛ فيما تنص عليه من أنه: "يُسوى معاش كل من يشغل فعليًّا، منصب رئيس مجلس النواب، ورئيس مجلس الوزراء ونوابه، والوزراء ونوابهم، والمحافظين ونوابهم، بواقع جزء من عشرة أجزاء من أجر التسوية عن كل سنة خدمة، قُضيت في المنصب، وذلك بمراعاة الآتى:
1-  يُقصد بأجر التسوية آخر مكافأة لرئيس مجلس النواب أو آخر راتب بالنسبة لباقي الفئات وبما لا يجاوز صافى الحد الأقصى للأجور في تاريخ انتهاء شغل المنصب.
2-  يكون الحد الأقصى للمعاش بواقع (80%) من أجر التسوية المشار إليه بالبند السابق.
3- إذا قل المعاش عن (25%) من أجر التسوية المشار إليه في البند (1) من هذه المادة رُفع إلى هذا القـدر، وإذا انتهى شغـــل المنصب بسبب الوفاة أو الإصابة أو العجز الكلى الإصابي فيكون المعاش بواقع (80%) من أجر التسوية المشار إليه في البند (1) من هذه المادة.
4- يجبر كسر الشهر إلى شهر في حساب المدد المشار إليها.
وفى حالة تكرار الانتفاع بأحكام هذه المادة، يكون الجمع بين المعاشات المستحقة، وفقًا لأحكامها بما لا يجاوز الحد الأقصى للمعاش المشار إليه بالبند (2) من الفقرة السابقة.
وتتحمل الخزانة العامة بالمعاش المستحق، وفقًا لهذه المادة من هذا القانون.
ولا يستفيد من أحكام هذه المادة، من صدر ضده حكم نهائي في جناية أو حكم عليه، في إحدى جرائم الإرهاب، أو في إحدى الجرائم المضرة بأمن الدولة.
وفى جميع الأحوال لا يجوز أن تزيد المعاشات، والزيادات التي تُستحق عليها، والتي تتحملها الخزانة العامة، والمستحقة وفقًا لهذا القانون، أو أي قانون آخر، عن صافى الحد الأقصى للأجور المشار إليه بالقانون رقم 100 لسنة 1987 بتحديد المعاملة المالية لرئيس مجلس النواب، ورئيس مجلس الوزراء، وأعضاء الحكومة والمحافظين ونوابهم.
ويُلغى كل حكم يخالف أحكام هذه المادة، ويصدر قرار من وزير التأمينات بالقواعد المنظمة لتنفيذ أحكام هذه المادة".

وذلك تأسيسًا على أن هذا النص قد أثار خلافًا في التطبيق، إذ تضاربت في شأنه الآراء؛ فذهبت الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع بمجلس الدولة بجلستها المعقودة في 9/1/2019 ملف رقم 86/2/389، إلى انطباق حكم هذه المادة على من لم يشغل فعليًّا منصب وزير أو نائب وزير، من أعضاء الهيئات القضائية، ممن شغلوا درجة رئيس محكمة الاستئناف، ونائب رئيس محكمة النقض، ونائب رئيس محكمة الاستئناف، والدرجات المناظرة لها، وكذا رؤساء الجامعات، بينما اتخذت اللجنة القضائية العليا لضباط القوات المسلحة منحى مغايرًا بما قررته، بجلسة 22/6/2019 في الطعن رقم 523 لسنة 2019 عليا؛ إذ انتهت إلى قصر تطبيق ذلك النص على من يشغل فعليًّا الوظائف الواردة في هذه المادة، حصرًا دون غيرهم.


وأضاف طلب التفسير أن توحيد تفسير ذلك النص، وتحديد الفئات المنطبق عليها، له أهمية بالغة، نظرًا لعظم وجسامة الآثار المالية، التى تقع على عاتق الخزانة العامة للدولة المترتبة على تطبيقه.

وإزاء أهميـة توحيد التفسير، في هذه المسألة، فقد طلب السيد وزير العدل - بناءً على طلب السيد رئيس مجلس الوزراء - عرض الأمر على هذه المحكمة لإصدار تفسير تشريعى لذلك النص؛ عملاً بما تنص عليه المادة (192) من الدستور، والمادتان (26) و(33) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979.

وحيث إن المادة (192) من الدستور تنص على أنه: "تتولى المحكمة الدستورية العليا دون غيرها الرقابة القضائية على دستورية القوانين، واللوائح، وتفسير النصوص التشريعية، .......". وتنص المادة (195) من الدستور على أنه "تنشر في الجريدة الرسمية الأحكام والقرارات الصادرة من المحكمة الدستورية العليا، وهى ملزمة للكافة وجميع سلطات الدولة، وتكون لها حجية مطلقة بالنسبة لهم، ......".

كما تنص المادة (26) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 على أنه: "تتولى المحكمة الدستورية العليا تفسير نصوص القوانين الصادرة من السلطة التشريعية والقرارات بقوانين الصادرة من رئيس الجمهورية وفقًا لأحكام الدستور وذلك إذا أثارت خلافًا في التطبيق وكان لها من الأهمية ما يقتضى توحيد تفسيرها". وتنص المادة (33) من القانون ذاته على أنه: "يقدم طلب التفسير من وزير العـدل بناءً على طلب رئيس مجلس الوزراء أو رئيس مجلس الشعب (النواب) أو المجلس الأعلى للهيئات القضائية. ويجب أن يبين في طلب التفسير النص التشريعي المطلوب تفسيره، وما أثاره من خلاف في التطبيق ومدى أهميته التي تستدعى تفسيره تحقيقًا لوحدة تطبيقه".
      وحيث إن البين من هذه النصوص، أن إعمال هذه المحكمة لسلطتها، في مجال التفسير التشريعي المنصوص عليه في الدستور، وفى قانونها – على ما جرى به قضاؤها – يخولها تفسير النصوص القانونية، تفسيرًا ملزمًا للناس كافة، نافذًا في شأن السلطات العامة، والجهات والهيئات القضائية على اختلافها، تكشف فيه عن إرادة المشرع، التي صاغ على ضوئها هذه النصوص، وحقيقة ما أراده منها، وتوخاه بها، محددًا لدلالتها تحديدًا، جازمًا، لا تعقيب عليه، ولا رجوع فيه، وقوفًا عند الغاية، التى استهدفها من تقريره إيّاها، بلوغًا إلى حسم ما ثار من خلاف بشأنها، حتى تتحدد، نهائيًّا، المراكز القانونية للمخاطبين بأحكامها، على ضوء هذا التفسير الملزم.

وحيث إن مناط قبول تفسير نصوص القوانين الصادرة من السلطة التشريعية والقرارات بقوانين التى يصدرها رئيس الجمهورية – وفقًا لما اطرد عليه قضاء هذه المحكمة – أن تكون للنص التشريعى، المطلوب تفسيره، أهمية جوهرية، تتحدد بالنظر إلى طبيعة الحقوق التى ينظمها، ووزن المصالح المرتبطة بها، وأن يكون هذا النص – فضلاً عن أهميته - قد أثار، في تطبيقه، خلافًا سواء بالنظر إلى مضمونه، أو الآثار التى يرتبها، ويقتضى ذلك أن يكون الخلاف حوله مستعصيًا على التوفيق، متصلاً بذلك النص، في مجال إنفاذه أو آثاره، نابذًا وحدة القاعدة القانونية في شأن يتعلق بمعناه، ودلالته، مفضيًا إلى تعدد تأويلاته، وتباين المعايير التي ينتقل إليها، من صورته اللفظية، إلى جوانبه التطبيقية، ليؤول، عملاً، إلى التمييز فيما بين المخاطبين بحكمه، فلا يعاملون، جميعهم، وفق مقاييس موحدة، بل تتعدد تطبيقاته، بما يحتم رد هذا النص إلى مضمون موحد، يتحدد على ضوء استصفاء إرادة المشرع منه، ضمانًا لتطبيقه تطبيقًا متكافئًا بين جميع المخاطبين به.

وحيث إن الشرطين اللذين تطلبهما المشرع، لقبول طلب التفسير قد توافرا, في الطلب المعروض، بشأن النص التشريعي المطلوب تفسيره، ذلك أنه قد أثار خلافًا في تطبيقه، بين الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع بمجلس الدولة من ناحية، واللجنة القضائية العليا لضباط القوات المسلحة من ناحية أخرى، إذ رأت الأولى انطباق حكمه على من لم يشغــل فعليًّا منصب وزير أو نائب وزير، من أعضـاء الهيئات القضائية ممن شغلوا درجة رئيس محكمة الاستئناف، ونائب رئيس محكمة النقض، ونائب رئيس محكمة الاستئناف، والدرجات المناظرة لها، وكذا رؤساء الجامعات وذلك على سند من أنه: « لا يجوز التعويل على جملة "يسوى معاش كل من يشغل فعليًّا منصب ..............."، الواردة بنص المادة (31) من قانون التأمين الاجتماعي، بعد استبدالها بموجب القانون رقم (160) لسنة 2018، للقول بحرمان الفئات التي كان المشرع قد قرر، في قوانينهم الخاصة، معاملتها، حكميًّا، بذات المعاملة المعاشية للشاغلين الفعليين لهذه المناصب، من التمتع بذات المزايا المعاشية، الواردة بنص هذه المادة بعد استبدالها، بحسبان هذه الفئات لا تستمد، أصلاً، أحقيتها في التمتع بذات المزايا المعاشية، المقررة لشاغلي هذه المناصب، من قانون التأمين الاجتماعي المشار إليه، وإنما تستمدها بموجب نصوص قوانينها الخاصة، وتدور، وجودًا وعدمًا، مع هذه النصوص، وعلى نحو ما سلف، فإنه لا يجوز للقانون العام نسخ أحكام القوانين الخاصة، وإنما ينصرف أثر استبدال هذه المادة، على مفهوم المساواة المقصودة في هذا الشأن، فهي لم تعد المساواة المطلقة، في مقــــــدار المعاش، بالنظر إلى الأجور المتساوية، التي كانت تتقاضاها هذه الفئات، إذ لم تعد مساواة قيمية، أو رقمية، وإنما أضحت مساواة في المعاملة، بذات المعادلة الحسابية، الواردة بنص المادة (31) المشار إليها بعد استبدالها بموجب القانون رقم (160) لسنة 2018».

      في حين نحت الثانية منحى آخر، مناقضًا، فانتهت إلى قصر تطبيق ذلك النص على من يشغل فعليًّا، الوظائف الواردة في هذه المادة حصرًا، دون غيرهم، وذلك على سند من أنه: « باستقراء نص المادة (31) من القانون رقم 79 لسنة 1975 قبل استبدالها بالقانون رقم 160 لسنة 2018، والتى لم تكن تتضمن عبارة "يشغل فعليًّا"، يتضح أن استفادة أعضاء الجهات، والهيئات القضائية، من نص تلك المادة، كان مرده قرار المحكمة الدستورية العليا، في الطلب رقم 3 لسنة 8 قضائية "تفسير"، الذى اتخذ معيارًا عادلاً، هو الاعتداد بالمرتب الفعلى، كأساس للتماثل بين وظائف الوزراء ونوابهم وبين الوظائف الأخرى، على اعتبار أن معيار المرتب المتماثل، هو المعيار الأعدل الذى يحقق المساواة في المعاملة من حيث المعاش، بين من يتقاضون مرتبات متماثلة، وفقًا لجداول المرتبات التى استعرضها القرار، وأنه وبصدور القانون رقم 28 لسنة 2018، الذى تضمن تحديد مرتب الوزير بصافي الحد الأقصى للأجور، ومرتب نائب الوزير بواقع 90% من هذا الحد، دون وجود جدول محدد لرواتبهم، يكون قد انتفى المعيار، الذى اتخذته المحكمة الدستورية العليا، أساسًا لتطبيق نص المادة (31) من القانون 79 لسنة 1975 على أعضاء الجهات والهيئات القضائية».

وحيث إن النص محل طلب التفسير، إذ يتعلق بممارسة بعض الحقوق الدستورية الأساسية، وهي الحق في المعاش، والحق في المساواة، فضلاً عن أن هذا الخلاف يؤثر - على نحو ما جاء بطلب التفسير - على استقرار أوضاع الخزانة العامة للدولة، بما يرتبه من آثار مالية جسيمة على عاتقها، فإن طلب تفسيره يكون مقبولاً.
وحيث إن من المقرر، في قضاء المحكمة الدستورية العليا، أن اختصاصها بتفسير النصوص التشريعية، لا يجوز أن ينزلق إلى الفصل في دستوريتها؛ ذلك أن المادة (26) من قانونها، لا تخولها سوى استقصاء إرادة المشرع، من خلال استخلاصها، دون تقييم لها، وعلى أساس أن النصوص التشريعية، إنما ترد، دومًا، إلى هذه الإرادة، وتُحمل عليها حملاً، سواء كان المشرع، حين صاغها، مجانبًا الحق، أم منصفًا، وسواء كان مضمونها ملتئمًا مع أحكام الدستور، أم كان منافيًا لها، ولا يُتصور – تبعًا لذلك – أن يكون طلب تفسير تلك النصوص تفسيرًا تشريعيًّا، متضمنًا، أو مستنهضًا الفصل في دستوريتها، لتقرير صحتها، أو بطلانها، على ضوء أحكام الدستور.


وحيث إن قرارات التفسير الصادرة من المحكمة الدستورية العليا قد تواترت على أنها قد خُولت سلطة تفسير النصوص التشريعية – بمعناها الشامل لقرارات رئيس الجمهورية بقوانين – تفسيرًا تشريعيًّا ملزمًا؛ محددًا مضمونهـا، لتوضيح ما أُبهم من ألفاظها، مزيلاً ما يعتريها من تناقض، قد يبدو من الظاهر بينها، مستصفيًا إرادة المشرع، تحريًّا لمقاصده منها، ووقوفًا عند الغاية التى استهدفها من تقريره إيّاها، بلا زيادة أو ابتسار، مما مؤداه أن هذه المحكمة تحدد مضامين النصوص التشريعية، حملاً على المعنى المقصود منها ابتداءً؛ ضمانًا لوحدة تطبيقها، ودون إقحام لعناصر جديدة على القاعدة القانونية التي تفسرها، بما يغيّر من محتواها الحق، أو يُلبسها غير الصورة التي أفرغها المشرع فيها، أو يردها إلى غير الدائرة التي قصد أن تعمل في نطاقها، بل يكون قرارها بتفسير تلك النصوص كاشفًا عن حقيقتها، معتصمًا بجوهرها، مندمجًا فيها، وتستعين المحكمة، في سبيل ذلك، بالتطور التشريعي للنص المطلوب تفسيره، وبأعماله التحضيرية الممهدة له.


وحيث إنه باستعراض التطور التشريعي للنص محل طلب التفسير المعروض؛ فإنه يتبين، من الأعمال التحضيرية لذلك النص، وما جرى بشأنه من مناقشات، حال وروده في بادئ الأمر، ضمن نصوص القانون رقم 28 لسنة 2018 بتعديل بعض أحكام القانون رقم 100 لسنة 1987 بشأن تحديد مرتبات نائب رئيس الجمهورية، ورئيسي مجلسي الشعب والشورى، ورئيس مجلس الوزراء ونوابه والوزراء، أنه تم النص على عبارة "من شغل فعليًّا"، وقيل إيضاحًا لمعناها، أثناء مناقشة مشروع ذلك القانون، على لسان رئيس مجلس النواب، أنه يُقصد بها من باشر العمل في المنصب فعلاً، وليس من هم في درجة وزير. ثم أعيد النص على كلمة "فعليًّا"، حال إقرار تعديل نص المادة (31) من قانون التأمين الاجتماعي الصادر بالقانون رقم 79 لسنة 1975 بموجب القانون رقم 160 لسنة 2018. ومن ثم والحال هذه، يضحى ما ورد في مضابط مناقشة القانون رقم 28 لسنة 2018، على نحو ما قرر رئيس مجلس النواب، منسحبًا، بحكم الضرورة، على القصد من التعديل، الذي أدخل على المادة (31) المعنية، فالتداخل الزمنى بين القانونين، إنما يفيد بالقطع أن ما قُصد، في تعديل المادة (31)، هو القصد ذاته المصرح به، عند سن القانون رقم 28 لسنة 2018، بما مؤداه أن مفهوم هذه العبارة يظل ملازمًا لهما أيضًا، أينما وردت من بعد، باعتبار أن هذا المفهوم، هو ما كشفت عنه مناقشات مجلس النواب من قبل، وفى شأن نص مماثل.

يضاف إلى هذا، ما ورد بتقرير اللجنة المشتركة من لجنة القوى العاملة، ومكتب لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب، عن مشروع القانون رقـم 160 لسنة 2018، تسبيبًا لهذا التعديل، من أنه « مضي على نص المادة (31) من قانون التأمين الاجتماعي، الصادر بالقانون رقم 79 لسنة 1975، أكثر من 40 سنة، دون تعديل، مما أدى إلى تدنى قيم المعاشات، التي تستحق للسادة الوزراء، والمحافظين ونوابهم، لذلك تم وضع قواعد جديدة لحساب معاشاتهم». وهو ما دلالته انصراف قواعد حساب المعاش الواردة بالنص المطلوب تفسيره، إلى من يشغل "فعليًّا" المناصب الواردة به، دون غيرهم.

وحيث إن نص المادة (31) من قانون التأمين الاجتماعي، قبل استبداله بالقانون رقم 160 لسنة 2018، كان يجرى على أن "يسوى معاش المؤمن عليه الذي شغل منصب وزير أو نائب وزير على أساس...،"، ثم جاءت صياغته بعد الاستبدال بالقانون المشار إليه، على أن "يسوى معاش كل من يشغل فعليًّا منصب رئيس مجلس النواب، ورئيس مجلس الوزراء، ونوابه، والوزراء ونوابهم، والمحافظين ونوابهم بواقع جزء .......".

وحيث إنه لا يجوز صرف عبارة النص محل التفسير عن معناها الظاهر، وتفسيرها قسرًا واعتسافًا، على نحو يؤدى إلى شمول حكمها، لما ليس منها؛ وإلا كان تأويلاً له غير مقبول.

وحيث إن المشرع قد استحدث بالنص محل التفسير بعد استبداله، حكمًا مغايرًا، لما جرى عليه سابقه، إذ أورد عبارة "يشغل فعليًّا"، والمعروف أن كلمة "فعليًّا"، لغة من فَعَلَ، تفَعل، فَعْلاً وفعالاً وفعاليَةً. وفعل الشئ: عمله، وصنعه: كائنًا موجودًا، واقعًا، لا محالة، وقال تعالى، في قصة موسى عليه السلام، "وفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ التى فَعَلْتَ". وفعلىِ: اسم منسوب إلى فعل: حقيقىّ، واقعىّ، موجود فعلاً. والفعل، في الاصطلاح، هو العمل – وهو مشتمل على ثلاثة عناصر: أولها الحدوث، وثانيها الزمـان، وثالثها النسبة إلى الفاعـل. ومـن ثم فـإن "الفعلي" هو الحقيقي والواقعي، وهو الموجود فعلاً، وهو عكس " الحكمي". وإذ عدد النص، المناصب التي يسري عليها حكمه، تعدادًا حصريًّا، فدل بذلك على أن حكمه مقصور، على شاغلي تلك المناصب، شغلاً فعليًّا، لا حكميًّا.

كما استحدث أيضًا، ذلك النص، قواعد جديدة، لتسوية معاش من شغل "فعليًّا"، منصبًا من المناصب الواردة به، تختلف كلية، عن قواعد التسوية، التي كان معمولاً بها، قبل استبدال هذا النص، فأصبحت التسوية، تتم بواقع جزء من عشرة أجزاء من أجر التسوية، عن كل سنة، قضيت في المنصب. ويقصد بأجر التسوية: آخر مكافأة لرئيس مجلس النواب، وآخر راتب بالنسبة لباقي الفئات. ولما كان المشرع قد سبق أن قرر راتبًا واحدًا لكل فئة من الفئات الواردة بهذا النص، وذلك بموجب القانون رقم 28 لسنة 2018 المشار إليه، ولم يعد شاغلو هذه المناصب يحصلون على راتب أساسي، وآخر متغير، وأصبح أجر التسوية، هو ما يحصل عليه الوزير من راتب فقط، فإن ذلك يؤكد، أن ما أتى به التعديل، الذى أُدخل على المادة (31)، إنما استحدث منظومة متكاملة، تتوافق مع أوضاع شاغلي "المناصب الفعلية" للوزراء ونوابهم، ولا تصلح لأن تُمد إلى غيرهم ممن في حكمهم، ذلك أن غير شاغلي تلك المناصب، ممن هم في درجة وزير، أو نائب وزير، ومنهم بعض أعضاء الجهات، والهيئـات القضائية، ورؤساء الجامعـات وغيرهم، لا يشغلون فعليًّا تلك المناصب، كما لا تسوى معاشاتهم على أساس أجر تسوية، وإنما تسوى معاشاتهم عن الأجر الأساسي، والأجر المتغير، وفقًا لجداول المرتبات، الملحقة بقوانينهم الخاصة. وعليه تصير قواعد التسوية، التي أوردها النص المطلوب تفسيره، عصية على التطبيق، في شأن تسوية معاش، أي فئات أخرى غير الفئات، الواردة في النص المشار إليه، لا سيما بعد أن انتفى معيار التماثل، بين مرتبات بعض شاغلي الوظائف، ممن هم في درجة وزير أو نائب الوزير، وبين الوزراء الفعليين، الذى كان مناط حصول الأولين على معاش الوزير، وكان متكأً لقرار التفسير الصادر عن هذه المحكمة في الطلب رقم 3 لسنة 8 قضائية.

ولا وجه للقول بأن ذلك مؤداه أن تضحى النصوص، الواردة في التشريعات المنظمة لشئون المعاملين بكادرات خاصة، دائرة في الفراغ، مجردة من قوة نفاذها، وأن التشريعات التأمينية، تغدو خلوًا من نصوص، تبين كيفية تسوية معاشات شاغلي المناصب الأخرى، ممن هم في درجة الوزير أو نائب الوزير. فذلك مردود بأن المستقــر في قضاء هذه المحكمة أن قراراتها في شأن تفسير النصوص التشريعية، سواء في ذلك تلك التي أقرتها السلطة التشريعية، أو التي أصدرها رئيس الجمهورية في شكل قرار بقانون، وفقًا لأحكام الدستور، لا تنفصل عن النصوص التي تقوم بتفسيرها، بل تندمج فيها، باعتبارها كاشفة عن المعنى المقصود منها، ومحددة، من ثمّ، لمضامينها، وبالتالي تأخذ حكمها، وتكـون لها قوتها، منذ إقرارها أو إصدارها، ولا تمتد إلى غير من شملتهم تلك النصوص، ومن ثم يتقيد الكافة بمقتضاه، وتنزل عليه كل سلطة في الدولة.

وحيث إنه سبق لهذه المحكمة أن انتهت، بقرار التفسير الصادر بجلسة 3 مارس سنة 1990 في الطلب رقم 3 لسنة 8 قضائية "تفسير"، إلى أنه:
« في تطبيق أحكام المادة (31) من قانون التأمين الاجتماعي الصادر بالقانون رقم 79 لسنة 1975 ، يعتبر نائب رئيس محكمة النقض، ومن في درجته من أعضاء الهيئات القضائية، في حكم درجة الوزير، ويعامل معاملته، من حيث المعاش المستحق عن الأجر الأساسي، والمعاش المستحق عن الأجر المتغير، وذلك منذ بلوغه المرتب المقرر لرئيس محكمة النقض، كما يعتبر نائب رئيس محكمة الاستئناف ومن في درجته من أعضاء الهيئات القضائية، في حكم درجة نائب الوزير، ويعامل معاملته، من حيث المعاش المستحق، عن الأجر الأساسي، والمعاش المستحق عن الأجر المتغير، وذلك منذ بلوغه المرتب المقرر لنائب الوزير، ولو كان بلوغ العضو المرتب المماثل في الحالتين إعمالاً لنص الفقرة الأخيرة من قواعد تطبيق جداول المرتبات المضافة بالقانون رقم 17 لسنة1976 بتعديل بعض أحكام قوانين الهيئات القضائية ».

وإذ نصت المادة الثالثة من القانون رقم 148 لسنة 2019 بإصدار قانون التأمينات الاجتماعية والمعاشات على أنه: " لا يترتب على تطبيق أحكام القانون المرافق الإخلال بما تتضمنه أحكام القوانين المنظمة للشئون الوظيفية للعاملين بالكادرات الخاصة، ويستمر العمل بالمزايا المقررة في هذه القوانين والأنظمة الوظيفية، وتتحمل الخزانة العامة، فروق التكلفة المترتبة على ذلك، طبقًا لأحكام القانون المرافق ".

وجاءت المادة (27) من مواد ذلك القانون تكرارًا لنص المادة (31) المطلوب تفسيرها، إلا أنها قد أضافت عبارة " لا يسرى حكم هذه المادة على من هم في درجة وزير" في البند (5) منها، الأمر الذى يستلزم أن تستمر معاملة أعضاء الجهات والهيئات القضائية، ممن شغلوا درجة نائب رئيس محكمة النقض، ورئيس محكمة الاستئناف، ونائب رئيس محكمة الاستئناف، والدرجات المناظرة لها، وغيرهم من ذوى المناصب التى تعامل معاملة الوزير أو نائب الوزير دون أن تشغل فعليًّا هذا المنصب، بالأسس والقواعد ذاتها التى كانوا يعاملون بها في ظل المادة (31) من قانون التأمينات الاجتماعية، قبل استبدالها بالقانون رقم 160 لسنة 2018، وذلك في ضوء الحجية الملزمة لقرار التفسير الصادر في الطلب رقم 3 لسنة 8 قضائية "تفسير"، سالف الذكر.

يؤكد ذلك أن المشرع كان يهدف من النص المراد تفسيره، وعلى (ما ورد بتقرير اللجنة المشتركة من لجنة القـوى العاملة ومكتب لجنة الخطة والموازنة) – سالف الذكر – معالجة « تدنى قيم المعاشات، التي تستحق للسادة الوزراء، والمحافظين ونوابهم، لذلك تم وضع قواعد جديدة لحساب معاشاتهم»، قاصدًا منه تمييز تلك الفئة بنظام خاص لحساب معاشاتهم، دون أن يهدف، من ذلك، الانتقاص من الحقوق التأمينية، والمعاشية المكتسبة لشاغلى المناصب الأخرى، ممن هم في درجة الوزير، أو نائب الوزير، ولم يشغلوا فعليًّا هذا المنصب، التى تحددت بموجب قرار التفسير، الصادر من المحكمة الدستورية العليا المشار إليه.
فلهــــذه الأسبــاب
      وبعد الاطلاع على نص المادة (31) من قانون التأمين الاجتماعي الصادر بالقانون رقم 79 لسنة 1975، والمستبدلة بالقانون رقم 160 لسنة 2018.
قررت المحكمة :
إن نص المادة (31) من قانون التأمين الاجتماعي الصادر بالقانون رقم 79 لسنة 1975، بعد استبداله بالقانون رقم 160 لسنة 2018، لا يسري إلا على من يشغل فعليًّا أحد المناصب الواردة به حصرًا، دون غيرهم.

عدم اختصاص الدائرة الجنائية بمحكمة النقض بالمنازعات الانتخابية لأعضاء مجلس نقابة الصحفيين

الدعوى رقم 38 لسنة 40 ق " دستورية " جلسة 4 / 1 / 2020
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الرابع من يناير سنة 2020م، الموافق التاسع من جمادى الأولى سنة 1441 هـ.
برئاسة السيد المستشار/ سعيد مرعى عمرو     رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: الدكتور عادل عمر شريف وبولس فهمي إسكندر والدكتور محمــد عمـاد النجـار والدكتور عبدالعزيـز محمـد سالمان والدكتور طارق عبد الجواد شبل وطارق عبد العليم أبو العطا   نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشرى   رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع     أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
      في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 38 لسنة 40 قضائية " دستورية "، بعد أن أحالت محكمة القضاء الإداري بالقاهرة (الدائرة الثانية) بحكمها الصادر بجلسة 23/4/2016، ملف الدعوى رقم 45409 لسنة 69 قضائية.
المقامة من
هشام محمد محمد يونس
ضــــد
1 – رئيس لجنة انتخابات نقابة الصحفيين "خصم مدخل"
2 – نقيب الصحفيين
الإجـراءات
بتاريخ الثالث من مارس سنة 2018، ورد إلى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا ملف الدعوى رقم 45409 لسنة 69 قضائية، بعد أن قضت محكمة القضاء الإداري بالقاهرة (الدائرة الثانية) بجلسة 23/4/2016، بوقف الدعوى تعليقًا، وإحالتها بغير رسوم إلى المحكمة الدستورية العليا، للفصل في دستوريــة نص الفقرة الثالثة من المادة (62) من القانون رقم 76 لسنة 1970 بإنشاء نقابة الصحفيين.

وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمــــة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
      حيث إن الوقائع تتحصل – على ما يتبين من حكم الإحالة وسائر الأوراق – في أن المدعى كان قد تقدم بالترشيح لانتخابات التجديد النصفي لنقابة الصحفيين التي أجريت بتاريخ 20/3/2015، وتضمنت النتيجة التي أعلنتها اللجنة المنظمة للعملية الانتخابية فوزه بمقعد عضوية المجلس، إلا أنه فوجئ بقيام اللجنة بإعادة الفرز مرة أخرى، مع خلط الأوراق في صندوق واحد، بما أدى إلى تساويه مع المنافس اللاحق له في ترتيب الأصوات، وإعلان فوز الأخير بمقعد مجلس النقابة، مما دعاه إلى إقامة الدعوى رقم 45409 لسنة 69 قضائية، أمام محكمة القضاء الإداري بالقاهرة (الدائرة الثانية)، ضد نقيب الصحفيين، طالبًا بصفة مستعجلـة وقف تنفيذ قرار اللجنة بإعـادة الفــــرز وما يترتب على ذلك من آثار، أخصها إعلان فوزه بمقعد النقابة، وفى الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه. وبجلسة 23/4/2016، قضت المحكمة بوقف الدعوى، وإحالتها إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في دستورية نص الفقرة الثالثة من المادة (62) من القانون رقم 76 لسنة 1970 بإنشاء نقابة الصحفيين، لما ارتأته من أن إسناد الفصل في المنازعة الانتخابية لأعضاء مجلس نقابة الصحفيين إلى الدائرة الجنائية بمحكمة النقض، بالرغم من طبيعتها الإدارية، إنما يقع مخالفًا لنص المادة (190) من دستور سنة 2014، الذى خص مجلس الدولة دون غيره الاختصاص بالفصل في جميع المنازعات الإدارية.
      وحيث إن المادة (62) من القانون رقم 76 لسنة 1970 بشأن إنشاء نقابة الصحفيين وبإلغاء القانون رقم 185 لسنة 1955 بتنظيم نقابة الصحفيين، قد نصت على أنه "لوزير الإرشاد القومي أن يطعن في تشكيل الجمعية العمومية وتشكيل مجلس النقابة، وله كذلك حق الطعن في القرارات الصادرة من الجمعية العمومية.
      ولخمس الأعضاء الذين حضروا اجتماع الجمعية العمومية حق الطعن في صحة انعقادها، وفى تشكيل مجلس النقابة.
      ويتم الطعن بتقرير في قلم كتاب محكمة النقض (الدائرة الجنائية) خلال خمسة عشر يومًا من تاريخ انعقاد الجمعية العمومية بالنسبة لأعضائها، ومن تاريخ الإبلاغ بالنسبة لوزير الإرشاد القومي (النص المحال). ويجب أن يكون الطعن مسببًا.
وتفصل المحكمة في الطعن على وجه الاستعجال بعد سماع أقوال النيابة العامة، والنقيب أو من ينوب عنه، ووكيل الطاعنين، في جلسة سرية".

وحيث إن المصلحة في الدعوى الدستوريـة، وهـى شرط لقبولهـــا، مناطها - على ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة - أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحـة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يؤثر الحكم في المسألة الدستورية على الطلبات المرتبطـة بها والمطروحة على محكمة الموضـوع، ويستوى في شأن توافر المصلحة أن تكون الدعوى قد اتصلت بالمحكمة عن طريق الدفع أو عن طريق الإحالة، والمحكمة الدستورية العليا هي وحدها التي تتحـرى توافر شرط المصلحة في الدعوى الدستورية للتثبت من شروط قبولهـا. ومؤدى ذلك أن الإحالة من محكمة الموضوع إلى المحكمة الدستورية العليا لا تفيد بذاتها توافر المصلحة، بل لازمه أن هذه الدعوى لا تكون مقبولة إلا بقدر انعكاس النص التشريعي المحال على النزاع الموضوعي، فيكون الحكم في المطاعن الدستورية لازمًا للفصل في ذلك النزاع. كما جرى قضاء هذه المحكمة على أن المصلحة في الدعوى الدستورية قوامها أن يكون الحكم في المسألة الدستورية لازمًا للفصل في مسألة كلية أو فرعية تدور حولها الخصومة بأكملها أو في شق منها في الدعوى الموضوعية. متى كان ذلك، وكان النزاع المردد أمام محكمة الموضوع يدور حول وقف تنفيذ وإلغاء قرار لجنة انتخابات نقابة الصحفيين، بإعادة فرز أوراق التصويت في الانتخابات التى أجريت بتاريخ 20/3/2015، وما يترتب على ذلك من آثار أخصها إعلان فوز المدعى في الدعوى الموضوعية بمقعد مجلس النقابة. وكان الفصل في اختصاص محكمة الموضوع بنظر الطعن في القرار المشار إليه هو من الأمور المتعلقة بالنظام العام، بحكم اتصاله بولاية تلك المحكمة في نظر النزاع والفصل فيه، ومن أجل ذلك كان التصدي له سابق بالضرورة على البحث في موضوعه. وإذ كان النص المحال قد أسند الاختصاص بالفصل في هذا الطعن إلى محكمة النقض (الدائرة الجنائية). ومن ثم، فإن المصلحة تكون متحققة بالنسبة لهذا النص فيما تضمنه من منح الاختصاص لمحكمة النقض (الدائرة الجنائية) بالفصل في الطعن على تشكيل الجمعية العمومية للنقابة، وتشكيل مجلس النقابة، والقرارات الصادرة من الجمعية العمومية للنقابة، باعتبارها قسائم متساوية في شأن اختصاص الدائرة الجنائية بمحكمة النقض بالفصل في الطعون المقامة عنها، بحسبان الفصل في دستوريته سيكون له أثره وانعكاسه على حسم مسألة اختصاص محكمة القضاء الإداري التي تنظر الدعوى الموضوعية بالفصل فيها. وإذ نصت الفقـرة الأخيرة من النص المحال على أن "وتفصـل المحكمة في الطعن ... في جلسة سرية"، وكان هذا الحكـم يرتبط بالنص المحال ارتباطًا لا يقبل الفصل أو التجزئة، الأمر الذى يكون معه مطروحًا حكمًا على هذه المحكمة.


      وحيث إن حكم الإحالة ينعى على النص المحال مخالفته نص المادة (190) من دستور سنة 2014، التي قضت بأن مجلس الدولة جهة قضائية مستقلة، تختص، دون غيرهــا، من جهـات القضاء بالفصل في كافة المنازعات الإدارية ....، وأن النقابات المهنية من أشخاص القانون العام، وتقوم على إدارة مرفق عام، ومن ثمَّ، فإن ما يصدر عنها من قرارات تكون من طبيعة إدارية، مما ينعقد الاختصاص بنظرها لمجلس الدولة. ومن ثم، فلا يجوز للمشرع أن ينتزعها من مجلس الدولة ليسند الاختصاص بنظرها إلى جهة قضائية أخرى.
   وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن المشرع الدستوري، بدءًا من دستور سنة 1971 قد حرص على دعم مجلس الدولة، الذي أصبح منذ تنظيمه بنص المادة (172) منه جهة قضـاء قائمة بذاتها، محصنة ضد أي عدوان عليها أو على اختصاصها المقرر دستوريًّا عن طريق المشرع العادي، وهو ما أكده الإعلان الدستوري الصادر بتاريخ 30/3/2011، الذى أورد الحكم ذاته في المادة (48) منه، وكذلك المادة (174) من الدستور الصادر بتاريخ 25/12/2012، وأخيرًا المادة (190) من الدستور الحالي التي تنص على أن "مجلس الدولة جهة قضائية مستقلة، يختص دون غيره بالفصل في المنازعات الإدارية ......". ولم يقف دعم المشرع الدستوري لمجلس الدولة عند هذا الحد، بل جاوزه إلى إلغاء القيود التي كانت تقف حائلاً بينه وبين ممارسته لاختصاصاته، فاستحدث بالمادة (68) من دستور سنة 1971 نصًّا يقضى بأن التقاضي حق مصون ومكفول للناس كافة، وأن لكل مواطن حق الالتجاء إلى قاضيه الطبيعي، وتكفل الدولة تقريب جهات القضاء من المتقاضين وسرعة الفصل في القضايا، ويحظر النص في القوانين على تحصين أى عمل أو قرار إداري من رقابة القضاء، وهو ما انتهجه نص المادة (21) من الإعلان الدستوري الصادر في 30/3/2011، ونص المادة (75) من الدستور الصادر في 25/12/2012، وقد سار الدستور الحالي على النهج ذاته في المادة (97) منه، وبذلك سقطت جميع النصوص القانونية التي كانت تحظر الطعن في القرارات الإدارية، وأزيلت جميع العوائق التي كانت تحول بين المواطنين والالتجاء إلى مجلس الدولة بوصفه القاضي الطبيعي للمنازعات الإدارية. وإذ كان المشرع الدستوري بنصه في عجز المادة (97) من الدستور الحالي على أن" ولا يحاكم شخص إلا أمام قاضيه الطبيعي"، فقد دل على أن هذا الحق في أصل شرعته هو حق للناس كافة تتكافأ فيه مراكزهم القانونية في سعيهم لرد العدوان على حقوقهم والدفاع عن مصالحهم الذاتية، وأن الناس جميعًا لا يتمايزون فيما بينهم في مجال حقهم في النفاذ إلى قاضيهم الطبيعي، ولا في نطاق القواعد الإجرائية أو الموضوعية التي تحكم الخصومة القضائية، ولا في مجال التداعي بشأن الحقوق المدعى بها وفق مقاييس موحدة عند توافر شروطها، إذ ينبغي دائمًا أن يكون للخصومة الواحدة قواعد موحدة، سواء في مجال اقتضائها أو الدفاع عنها أو الطعن في الأحكام التى تصدر فيها. وكان مجلس الدولة قد غدا في ضوء الأحكام المتقدمة قاضى القانون العام، وصاحب الولاية العامة، دون غيره من جهات القضاء، في الفصل في كافة المنازعات الإدارية، عدا ما استثناه الدستور ذاته بنصوص صريحة ضمنها وثيقته.

      وحيث إن الدستور الحالي قد نص في مادته (76) على أن "إنشاء النقابات والاتحادات على أساس ديمقراطي حق يكفله القانون، وتكون لها الشخصية الاعتبارية، وتمارس نشاطها بحرية، وتسهم في رفع مستوى الكفاءة بين أعضائها والدفاع عن حقوقهم، وحماية مصالحهم". كما نص في المادة (77) منه على أن "ينظم القانون إنشاء النقابات المهنية وإدارتها على أساس ديمقراطي، ويكفل استقلالها ويحدد مواردها، وطريقة قيد أعضائها، ومساءلتهم عن سلوكهم في ممارسة نشاطهم المهني، وفقًا لمواثيق الشرف الأخلاقية والمهنية.....".
      وحيث إنه باستعراض أحكام القانون رقم 76 لسنة 1970 المشار إليه يتبين أنه أنشأ نقابة للصحفيين في البلاد مقرها القاهرة، تتوافر لها جميع مقومات النقابات المهنية، ومنحها الشخصية الاعتبارية، وأجاز إنشاء فروع لها في المحافظات، وحدد كيفية تشكيلها، وعضويتها، وأهدافها، وجداول القيد وشروط العضوية، مبينًا ما للصحفى من حقوق، وما عليه من واجبات والتزامات يخضع لها في أدائه لعمله.



      وحيث إنه لما كان ذلك، وكانت نقابة الصحفيين تعتبر من أشخاص القانون العام، وهي مرفق عام مهني، وقد منحها قانون إنشائها قدرًا من السلطة العامة في مجال مباشرتها لأعمالها، فإن الطعن في تشكيل الجمعية العمومية، والانتخابات المتعلقة بتشكيل مجلس النقابة، التي تتصل في حقيقتها ببنيان النقابة، والأجهزة القائمة على تسيير شئونها، وكـذا الطعـون في القرارات الصـادرة من الجمعية العمومية، تُعد جميعها بهذا الوصف منازعـات إدارية بطبيعتها. ومن ثم، ينعقد الاختصاص بنظرها حصرًا لمجلس الدولة، بهيئة قضاء إداري، إعمالاً لنص المادة (190) من الدستور، والمادة العاشرة من قانون مجلس الدولة الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 47 لسنة 1972.

وحيث إنه لما كان ذلك، وكان نص الفقرة الثالثة من المادة (62) من القانون رقم 76 لسنة 1970 المشار إليه، قد عهد بالاختصاص بالفصل في الطعن في تشكيل الجمعية العمومية لنقابة الصحفيين وتشكيل مجلس النقابة، والقرارات الصادرة من الجمعية العمومية إلى الدائرة الجنائية بمحكمة النقض، على الرغم من أن هذه المنازعة تدخل في عداد المنازعات الإدارية بطبيعتها، لتعلقها بمرفق عام مهني يتمتع بقدر من السلطة العامة، فإن مسلك المشرع على هذا النحو يكون مصادمًا لأحكام الدستور، الذى أضحى بمقتضاه مجلس الدولة، دون غيره، هو صاحب الولاية في المنازعات الإدارية، وقاضيها الطبيعي. ومن ثم، يمثل هذا النص اعتداءً على استقلال القضاء، وانتقاصًا من اختصاص مجلس الدولة، فوق كونه يمثل خروجًا من المشرع عن نطاق التزامه الدستوري المقرر بمقتضى نص المادة (92/2) من الدستور، التي وضعت قيدًا عامًا على سلطة المشرع في مجال تنظيم ممارسة الحقوق والحريات، بألا يمس التنظيم الذى يقره أصل الحق أو الحرية وجوهر، بما يوقع هذا النص في حومة مخالفة نصوص المواد (92، 94 و97 و184 و190) من الدستور.


وحيث إن المادة (187) من الدستور تنص على أن "جلسات المحاكم علنية، إلا إذا قررت المحكمة سريتها مراعاة للنظام العام أو الآداب، وفى جميع الأحوال يكون النطق بالحكم في جلسة علنية"، بما لازمه أن الأصل في نظر الدعوى أمام المحكمة المختصة يكون في جلسة علنية"، واستثناءً من ذلك الأصل، أجاز المشرع الدستوري نظر الدعوى في جلسة سرية، استجابة لاعتبارات النظام العام أو الآداب، وجعل تقدير ذلك للمحكمة المختصة. إلا أنه قد استوجب، وفى جميع الأحوال، النطق بالحكم في جلسة علنية. لما كان ذلك، وكان عجز الفقرة الأخيرة من النص المحال قد جعل فصل المحكمة في الطعن في جلسة سرية، وجاء هذا الحكم عامًا مطلقًا ليشمل نظر الدعوى والفصل فيها، دون التزام الضوابط التي قررها الدستور في هذا الشأن، فإنه يكون مصادمًا لنص المادة (187) من الدستور، متعينًا معه القضاء بعدم دستورية عبارة "في جلسة سرية" الواردة بعجز هذا النص.

وحيث إن النيابة العامـة طبقًا لنص المادة (189) من الدستور تُعد جزءًا لا يتجزأ من القضاء العادي، وإذ انتهت المحكمة فيما تقدم إلى القضاء بعدم دستورية النص المحال فيما تضمنه من منح الاختصاص لمحكمة النقض بالفصل في نظر الطعون المشار إليها في حدود النطاق المار ذكره، الأمر الذي يستتبع سقوط عبارة "بعد سماع أقوال النيابة العامة" الواردة بعجز الفقرة الأخيرة من النص المحال، لارتباطهــا بالنص المقضي بعـدم دستوريته، ارتباطًا لا يقبـل الفصل أو التجزئة.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم دستورية الفقرة الثالثة من المادة (62) من القانون رقم 76 لسنة 1970 بإنشاء نقابة الصحفيين فيما نصت عليه من أن "ويتم الطعن بتقرير في قلم كتاب محكمة النقض (الدائرة الجنائية)"، وعبارة "في جلسة سرية" الواردة بعجز الفقرة الأخيرة من هذا النص، وسقوط عبارة "بعد سماع أقوال النيابة العامة" الواردة في الفقرة الأخيرة من نص المادة المشار إليه.