الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

الأربعاء، 25 يونيو 2025

الطعنان 15118 ، 17628 لسنة 65 ق إدارية عليا جلسة 21 / 12 / 2019

باسم الشعب
مجلس الدولة
المحكمة الإدارية العليا
( الدائرة الرابعة - موضوع )
بالجلسة المنعقدة علناً
برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ عادل سيد عبد الرحيم حسن بريك نائب رئيس مجلس الدولة ورئيس المحكمة وعضوية السيد الأستاذ المستشار الدكتور/ محمد أحمد عبد الوهاب خفاجي نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السيد الأستاذ المستشار / حسن محمود سيد أحمد نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السيد الأستاذ المستشار / نبيل عطا الله مهنى عمر نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السيد الأستاذ المستشار / شعبان عبد العزيز عبد الوهاب إسماعيل نائب رئيس مجلس الدولة

وبحضور السيد الأستاذ المستشار / محمد الصباحي مفوض الدولة

وسكرتارية السيد / سيد أمين أبو كيله سكرتير الدائرة

أصدرت الحكم الآتي
في الطعنين رقمي 15118 ، 17628 لسنة 65 قضائية عليا
فى الحكم الصادر من المحكمة التأديبية لمستوى الإدارة العليا
في الدعوى التأديبية رقم 40 لسنة 60 قضائية بجلسة 28/ 11/ 2018

المقام من :
…………..
ضد
رئيس هيئة النيابة الإدارية بصفته ومحمد محمد رأفت عوض
و 17628 لسنة 65 قضائية عليا
المقام من :
……………
ضد
رئيس هيئة النيابة الإدارية بصفته

----------------

" الإجراءات "

بتاريخ 17/ 12/ 2018 أودع الأستاذ / ..... المحامي المقبول للمرافعة أمام هذه المحكمة بصفته وكيلا عن الطاعن ..... قلم كتابها تقريراً بالطعن قيد بجدولها العام تحت رقم 15118 لسنة 65 ق .عليا في الحكم المشار إليه الصادر من المحكمة التأديبية لمستوى الإدارة العليا في الدعوى التأديبية رقم 40 لسنة 60 قضائية بجلسة 28/ 11/ 2018 بعدم قبول الدعوي قبله لإقامتها بغير الطريق القانوني.
الطاعن - لما ورد بتقرير الطعن من أسباب - الحكم بقبول الطعن شكلاً , وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما تضمنه من عدم قبول الدعوي التأديبية قبله ، والقضاء مجدداً ببراءته .
وبتاريخ 22/ 12/ 2018 أودع الأستاذ / .....المحامي المقبول للمرافعة أمام هذه المحكمة بصفته وكيلا عن الطاعن ..... قلم كتابها تقريراً بالطعن قيد بجدولها العام تحت رقم 17628 لسنة 65 ق .عليا في الحكم المشار إليه الصادر من المحكمة التأديبية لمستوى الإدارة العليا في الدعوى التأديبية رقم 40 لسنة 60 قضائية بجلسة 28/ 11/ 2018 بمجازاته بعقوبة الإحالة إلي المعاش .
والتمس الطاعن - لما ورد بتقرير الطعن من أسباب - الحكم بقبول الطعن شكلاً , وبصفة مستعجلة وقف تنفيذ الحكم المطعون فيه ، وفي الموضوع بإلغائه فيما تضمنه من معاقبته بعقوبة الإحالة إلي المعاش ، والقضاء مجدداً ببراءته مما أسند إليه مع ما يترتب علي ذلك من أثار .
وقد أودعت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأى القانونى في الطعنين .
ونظر الطعنان أمام الدائرة الرابعة لفحص الطعون بالمحكمة الإدارية العليا حيث قررت إحالتهما إلي هذه المحكمة , وتدوول كلاهما أمامها علي النحو الثابت بمحاضر الجلسات ، وبجلسة 16/ 11/ 2019 قررت المحكمة إصدار الحكم في الطعنين بجلسة اليوم , حيث صدر وأودعت مسودته المشتملة علي أسبابه لدي النطق به .
----------------
" المحكمة
بعد الاطلاع علي الأوراق وسماع الإيضاحات والمداولة قانوناً .
ومن حيث إن الطعنان قد أستوفيا سائر أوضاعهما المقررة قانوناً , فمن ثم يكونا مقبولان شكلاً .
ومن حيث أن وقائع الطعنين تخلص - حسبما يبين من الأوراق - في أن النيابة الإدارية أقامت الدعوي التأديبية ابتداء رقم 331 لسنة 59 ق أمام المحكمة التأديبية لرئاسة الجمهورية بتاريخ 4/ 3/ 2017 متضمنة ملف القضية رقم 338 لسنة 2014 نيابة الاستثمار والشئون المالية ، وتقرير اتهام ضد كل من / الطاعن الأول الذي يعمل في وظيفة نائب مدير عام إدارة التحقيقات بالبنك المركزي المصري والطاعن الثاني الذي يعمل في وظيفة مصرفي (أ) بقطاع البحوث بذات البنك ، لأنهما بتاريخى 15/ 1/ 2011 و 8/ 11/ 2012 بوصفهما السابق وبدائرة عملهما المشار إليها سلكا مسلكاً لا يتفق والاحترام اللائق بالوظيفة العامة وشاغليها ولم يحافظا علي كرامة الوظيفة وخرجا علي مقتضي الواجب الوظيفي ، والثاني منفرداً أفضي بتصريحات عن أعمال الوظيفة بإحدى طرق النشر دون الحصول علي التصريح اللازم ، وذلك بأن : (الأول) أساء استخدام حق الشكوى بالادعاء بادعاءات كاذبة علي رئيسه وزملائه بذات الإدارة والتشهير بهم وتضمين شكواه ألفاظا خارجة وعبارات نابية ماسة بالشرف والعرض والسمعة من شأنها لو صحت لو جبت مساءلتهم واحتقارهم واستخدم الشكوي ذريعة للنيل منهم ومنع ترقيتهم علي النحو الموضح بالأوراق ، (الثاني) نشر ادعاءات كاذبة عن العاملين بالإدارة القانونية بالبنك المركزي المصري علي صفحته بموقع الفيس بوك وشهر بهم وضمن ذلك ألفاظا خارجة وعبارات نابية ماسة بالعرض والشرف والسمعة من شأنها لو صحت لأوجبت مساءلتهم واحتقارهم علي النحو الموضح بالأوراق , وطلبت محاكمتهما تأديبياً عن المخالفات المنسوبة إليهما , وأرفقت النيابة الإدارية بتقرير الاتهام مذكرة بأسانيده وأدلة ثبوته .
وبجلسة 28/ 9/ 2017 المحكمة المذكورة قضت بعدم اختصاصها نوعياً بنظرها وأمرت بإحالتها إلي المحكمة التأديبية لمستوي الإدارية العليا للاختصاص ، وبناءً عليه أحليت الدعوي التأديبية إلي المحكمة الأخيرة وقيدت بجدولها العام برقم 40 لسنة 60 قضائية .
وبجلسة28/ 11/ 2018 أصدرت المحكمة الحكم المطعون فيه أولاً : بعدم قبول الدعوي قبل ..... لإقامتها بغير الطريق القانوني ، ثانياً : بمجازاة ..... بعقوبة الإحالة إلي المعاش .
وشيدت المحكمة قضاءها بالنسبة للطاعن فى الطعن الأول والذي يشغل وظيفة نائب مدير عام إدارة التحقيقات بالإدارة المركزية للشئون القانونية بالبنك المركزي المصري أن الدعوى التأديبية بالنسبة له قد جاءت خالية من موافقة محافظ البنك المركزى المصرى باعتباره الوزير المختص بطلب إحالة المذكور إلى المحاكمة التأديبية وفقا للمادة (21) من القانون رقم 47 لسنة 1973 بشأن الإدارات القانونية ومن يتعين عدم قبول الدعوى بالنسبة له .
كما شيدت قضائها بالنسبة للطاعن فى الطعن الثانى على أن المخالفة المنسوبة إليه ثابتة في حقه ثبوتاً يقينياً أخذاً بما سطرته التحقيقات وما حوته الدعوي من أوراق ومستندات طالعتها المحكمة ، واعتراف الطاعن الصريح بنشر البلاغ المذكور علي صفحته علي الفيس بوك وهو الأمر الذي يعد خروجاً واضحاً علي مقتضيات الواجب الوظيفي والإخلال بكرامة الوظيفة , فضلاً عن سلوكه مسلكاً معيباً ولا يتفق والاحترام الواجب للوظيفة العامة , بتتبعه عورات الأخرين وأخبارهم ونشر ادعاءات كاذبة عنهم علي مواقع التواصل الاجتماعي مما يتعين معه مجازاته بالإحالة للمعاش .
بيد أن الطاعن فى الطعن الأول لم يرتض هذا الحكم فأقام طعنه ناعياً عليه مخالفته للقانون والخطأ في تطبيق وتأويله ووجيزها أنه ناشد المحكمة البحث فى موضوع الاتهام الموجه إليه فى حتى يحصل على البراءة الموضوعية وأن الدعوى التأديبية بالنسبة له مزعزة الأركان , وخلص الطاعن فى ختام تقرير الطعن إلى طلباته سالفة البيان .
كما أن الطاعن فى الطعن الثانى لم يرتض هذا الحكم , فأقام طعنه ناعياً عليه مخالفته للقانون والخطأ في تطبيق القانون وتأويله والفساد فى الاستدلال علي النحو الوارد تفصيلاً بتقرير الطعن ووجيزها أن الاتهام المسند إليه أقامته المحكمة على الظن والتخمين وليس الجزم واليقين وانتزعته من غير أصول تنتجه , وأنه اكتشف أن النيابة الإدارية سلخت من أوراق محاضر تحقيقاتها فى القضية رقم 338 لسنة 2014 شئون مالية بما يزيد عن 492 ورقة وأنه أجهض محاولة النيابة الإدارية بإجراء تحقيق مستقل قيد طرفها للقضية رقم 287 لسنة 2017 شئون مالية فيما اكتشفه من إخفاء جزء كبير من محاضر تحقيقاتها فى القضية رقم 338 لسنة 2014 شئون مالية وأنه أثبت لتلك النيابة استحالة قبول استيلائه على الأوراق المنسلخة من محاضر تحقيقاتها , كما أن الحكم المطعون فيه قد أخل بحقه فى الدفاع والقصور الشديد فى التسبيب والمغالاة الشديدة فى توقيع الجزاء , ولم يراع الحكم المطعون فيه أصل الواقعة محل الاتهام التى بدأت بشكوى من الطاعن الأول المقدمة منه إلى التفتيش الفنى المتضمنة اتهامه لرئيسه فى العمل بممارسة الرذيلة معه وزميل أخر لهما وأنه حدد شهود ذكرهم بالإسم وقد أفلت الطاعن الأول من العقاب عما أتاه بسبب عيب فى الإجراءات وليس ببراءته وقد استمر فى الوظيفة بينما هو تم إحالته إلى المعاش .
ومن حيث إنه عن الطعن الأول , فإن الحكم المطعون فيه قد انتهى - بحق - إلى عدم قبول الدعوى التأديبية بالنسبة إليه - حال كونه يشغل وظيفة نائب مدير عام إدارة التحقيقات بالإدارة المركزية للشئون القانونية بالبنك المركزي المصري - التى جاءت خالية من موافقة محافظ البنك المركزى المصرى باعتباره الوزير المختص بطلب إحالة المذكور إلى المحاكمة التأديبية وفقا للمادة (21) من القانون رقم 47 لسنة 1973 بشأن الإدارات القانونية , وقد استقر قضاء هذه المحكمة على أن الطعن في الحكم لا يجوز إلا لمن أضر به وهو الخصم الذي قضى ضده , ولما كان الحكم المطعون فيه لم يقض بشيء ضد الطاعن في الطعن الأول ، بل قضى بعدم قبول الدعوى التأديبية ضده وهو في ذلك قد صدر وفق طلباته أمام محكمة أول درجة ، فإن طعنه في هذا الخصوص يكون غير جائز , إذ القاعدة على ما قُضى به في المادة 211 من قانون المرافعات أنه لا يجوز الطعن في الأحكام إلا من المحكوم عليه ولا يجوز ممن قُضى له بطلباته , وإذا أراد الطاعن ما يبغيه من سعيه نحو اعتقاده بالبراءة الموضوعية فما أعوزه الدليل من تقديم طلبه إلى محافظ البنك المركزى المصرى بذلك وهو صاحب الصفة في تحريك الدعوى التأديبية , وليس على حساب النظام القانونى الإجرائى المتعلق بالنظام العام , ولذلك يتعين الحكم بعدم جواز الطعن فيما قضى به الحكم في هذا الشق منه , والمحكمة تهيب بالنيابة الإدارية معاودة التحقيق في الواقعة محل الاتهام بالنسبة لهذا الطاعن بعد استيفاء الإجراءات المقررة قانونا.
ومن حيث إنه عن موضوع الطعن الثانى , فإن المادة (78) من لائحة العاملين بالبنك المركزي المصري المعتمدة من مجلس إدارة البنك المركزي المصري بجلسته المنعقدة بتاريخ 28/ 7/ 1977والمعمول بها اعتباراً من 1/ 7/ 1977تنص علي إنه : يجب علي العامل مراعاة أحكام هذه اللائحة والقرارات والتعليمات المتممة لها وتنفيذها : وعليه 1"-- 2- أن يحافظ علي كرامة وظيفته طبقا للعرف العام وأن يسلك في تصرفاته مسلكاً يتفق والاحترام الواجب ""--
وتنص المادة 79 من ذات اللائحة علي إنه : يحظر علي العامل :- 3- أن يفضي بأي تصريح أو بيان عن أعمال وظيفته عن طريق الصحف أو غير ذلك من طريق النشر إلا إذا كان مصرحا له بذلك من المدير العام المختص "--
وتنص المادة 81 من تلك اللائحة علي إنه : في حالة مخالفة العامل أي حكم من الأحكام الواردة في الموارد 78 و79 و80 يعتبر إخلالا منه بواجباته يستوجب مساءلته تأديبياً
ومن حيث أن المادة الأولي من لائحة نظام وإجراءات التحقيق والجزاءات التأديبية للعاملين بالبنك المركزي المصري والمعتمدة من مجلس إدارة البنك بتاريخ 18/ 2/ 1991تنص علي إنه : كل من يقصر في أي من الواجبات أو يرتكب أيا من المحظورات المنصوص عليها في لائحة العاملين بالبنك أو يخرج علي مقتضي الواجب في أعمال وظيفته يجازي بالجزاءات المقررة للمخالفة .....
وتنص المادة الثالثة منها علي إنه : لا يمنع الحكم علي العامل بعقوبة جنائية أو الحكم ببراءته أو حفظ التحقيق الجنائي من النظر في مساءلته تأديبياً في الوقائع المنسوبة إليه إذا كانت تشكل مخالفة إدارية "-.
وتنص المادة الخامسة منها علي إنه : "- الجزاءات التأديبية التي يجوز توقيعها علي العاملين من غير شاغلي وظائف الإدارة العليا وهي :- 1- الإنذار.
2- تأجيل موعد استحقاق العلاوة لمدة لا تجاوز ثلاثة أشهر.
3- الخصم من الأجر لمدة لا يتجاوز شهرين في السنة.....
4- الحرمان من نصف العلاوة الدورية.
5- الوقف عن العمل لمدة لا تجاوز ستة أشهر مع صرف نصف الأجر.
6-......... 7-........
8- الخفض إلي الوظيفة الأدني مباشرة.
9- الخفض إلي الوظيفة الأدني مباشرة مع خفض الأجر بما لا يتجاوز القدر الذي كان عليه عند الترقية.
10- الإحالة إلي المعاش.
11- الفصل من الخدمة ولا يسري البندين 8/ 9علي العاملين الذين يشغلون أدني وظائف التعيين .
وتنص المادة السادسة منها علي إنه : الجزاءات التي يجوز توقيعها علي العاملين من شاغلي وظائف الإدارة العليا هي :- (1) التنبيه وهو يعادل جزاء الإنذار من حيث الآثار المترتبة عليه بالنسبة لباقي العاملين(2) اللوم وهو يعادل جزاء الخصم من الأجر الذي لا يزيد علي ثلاثة أيام من حيث الآثار المترتبة عليه بالنسبة لباقي العاملين (3) الإحالة إلي المعاش (4) الفصل من الخدمة.
ومن حَيْثُ إن قضاء هذه المَحْكَمَة قد استقر على أن رقابتها على أحكام المحاكم التأديبية ومجالس التأديب رقابة قانونية لا تعنى استئناف النظر في الحكم بالموازنة والترجيح بين الأدلة المقدمة اثباتاً ونفياً فذلك تستقل به المحكمة التأديبية وحدها , ولا تتدخل فيه المحكمة الإدارية العليا وتفرض رقابتها عليه إلا إذا كان الدليل الذى اعتمد عليه قضاء الحكم المطعون فيه غير مستمد من أصول ثابتة في الأوراق أو كان استخلاص هذا الدليل لا تنتجه الواقعة المطروحة على المحكمة فهنا فقط يكون التدخل لأن الحكم حينئذ يكون غير قائم على سببه .
استقر قضاؤها على أنه متى كانت المَحْكَمَة التأديبية قد استخلصت النتيجة التي انتهت إليها استخلاصاً سائغاً من أصول تنتجها مادياً وقَانُونياً وكيَّفتها تكييفاً سليماً وكانت هذه النتيجة تبرّر اقتناعها الذي بنت عليه قضاءها فإنه لا يكون هناك محلّ للتعقيب عليها ذلك أن لها الحرية في تكوين عقيدتها من أي عنصر من عناصر الدَّعْوَى ولها في سبيل ذلك أن تأخذ بما تطمئن إليه من أقوال الشهود وأن تطرح ما عداها ممَّا لا تطمئن إليه.
كما جري قضاؤها أيضاً القاضي التأديبي يتمتع بحرية كاملة في مجال الإثبات ولا يلتزم بطرق معينة ،وأن له أن يحدد بكل حريته طرق الإثبات التي يقبلها وأدلة الإثبات التي يرتضيها وفقا لظروف الدعوي المعروضة عليه ، وللقاضي التأديبي أن يستند إلي ما يري أهميته ويبني عليه اقتناعه وأن يهدر ما يري التشكك في أمره ويطرحه من حسابه فاقتناع القاضي التأديبي هو سند قضاؤه دون تقيد بمراعاة استيعاب طرق الإثبات أو أوراقه .
ومن حيث إن شبكة الإنترنت وتنوعات مجالاتها أصبحت جزءاً من الحياة اليومية فى العالم لاعتبارها من أكثر الوسائل المستعملة للتعارف بين الناس, وهو ما جعل الناس يعتقدون أنها فضاءً مباحا ومنطقة فوق القانون ، خاصة مع ظهور مواقع التواصل الاجتماعي التي فتحت أبواب الحوار علي مصراعيها بين مختلف الشعوب ، وحيث وجدت الحرية وجد التعدي علي الحرية , فالواقع الإلكتروني والعالم الافتراضي أفرز العديد من التجاوزات عن طريق الاستخدام غير المشروع لمواقع التواصل الاجتماعي فتحولت من فضاءات للتعارف والتقارب وتبادل المعارف والأفكار والرأي ، إلي منابر للدعوة لبعض الأفعال الماسة بالأمن القومى واستقرار الدول أو بالحريات الشخصية وبشرف الأشخاص واعتبارهم أو بالنظام العام أوالاَداب العامة.
ومن حيث إن استعمال الموظف العام لمواقع التواصل الاجتماعي فى العالم الافتراضي أيا كانت (فيسبوك وتوتير وإنستجرام وغيرها) هو من الحقوق المباحة للجميع لما لها من سهولة التواصل بين الناس ، ومساعدتهم علي تبادل المعارف والأفكار والآراء ، والتعليم والتثقيف وربط العلاقات ، وفتح نافذة لحرية التعبير ، إلا أنه يتعين أن يكون استعمالها مشروعاً بأن يقف عند حدود الحفاظ على الأمن القومى والأداب العامة و عدم المساس بسمعة المواطنين أو خرق خصوصيتهم بما يسئ إليهم فى ارتكاب أفعال السب والقذف والتشهير والابتزاز والإساءة , وإذا كان ذلك الأمر واجبا على المواطنين كافة فإنه أوجب على الموظف العام خاصة عن أعمال وظيفته والمعلومات التى تتعلق بما هو سرى بطبيعتها , فإذا ما تجازوها يستحق أشد العقاب مغلظاً.
ومن حيث إن المشرع المصرى - بالقانون رقم 175 لسنة 2018 بشأن مكافحة جرائم تقنية المعلومات - وضع مصر على خريطة العالم الرقمى وجاءت نصوصه كاشفة عن أنه قانون عقابى للمجرم المعلوماتى وليس رقابيا فهو احترازى لا اختراقى , يمنح المواطنين الحرية في الفضاء الإلكترونى أيا كانت وسائله سواء (الفيسبوك أو تويتر أو انستجرام أو غيرها) طالما كانت تلك الحرية تمارس في إطار القانون دون المساس بالأمن القومى للبلاد أو بسمعة المواطنين أو خرق حياتهم الخاصة بما يسئ إليهم , وحفاظا على سمعة المواطنين , فإن المشرع انتهج في هذا القانون تجريم هذه الأفعال التى تقع بهذه الوسائل وقرر لها عقابا صارما لاَثارها المدمرة على الوطن في مساسها بالأمن القومى له والنظام العام والأداب به , وعلى المواطن بمساسها بشرفه وعرضه واعتباره بين أهله وذويه , فنص في المادة 25 من القانون على تحديد الجرائم المتعلقة بالاعتداء على حرمة الحياة الخاصة والمحتوى المعلوماتي غير المشروع وأبان عن أنها كل اعتداء على أي من المبادئ أو القيم الأسرية في المجتمع المصري أو انتهك حرمة الحياه الخاصة، أو أرسل بكثافة العديد من الرسائل الإلكترونية لشخص معين دون موافقته، أو منح بيانات شخصية إلى نظام أو موقع إلكتروني لترويج السلع أو الخدمات دون موافقته، أو نشر عن طريق الشبكة المعلوماتية أو بإحدى وسائل تقنية المعلومات معلومات أو أخبارا أو صورا وما في حكمها، تنتهك خصوصية أي شخص دون رضاه، سواء كانت المعلومات المنشورة صحيحة أو غير صحيحة.
ومن حيث إن المخالفة المنسوبة للطاعن تتبلور فى أنه قد ورد كتاب محافظ البنك المركزي المؤرخ 24/ 12/ 2013 لرئاسة هيئة النيابة الإدارية بتاريخ 25/ 12/ 2013والمقيد برقم 5469 لسنة 2013 لإعمال شئونها بشأن الشكوى المقدمة من .... رئيس قسم بالإدارة المركزية للشئون القانونية ضد .... الطاعن فى الطعن الثانى بخصوص ما جاء بالإنذار المرسل منه إلي محافظ البنك المركزي والذي تضمن إبلاغ المذكور بشأن واقعة إتهام .... نائب المدير العام بالإدارة القانونية الطاعن فى الطعن الأول للمدعو / .... المدير العام بممارسة الرذيلة معه ومع زميل أخر وما أنتهي إليه من خلال الإنذار المرسل منه بشأن طلبه إجراء كشف طبي علي العاملين بالإدارة القانونية وهو ما وجد فيه الشاكي إساءة بالغه له ولغيره من أعضاء الإدارة القانونية لا سيما وأن الطاعن فى الطعن الثانى قد قام بنشر ذلك علي صفحته بمواقع التواصل الاجتماعي الفيس بوك , وقد باشرت النيابة الإدارية تحقيقاً في الوقائع المشار إليها ؛ أفردت لها في ابتداء ملف القضية رقم 17لسنة 2014 مكتب فني رئاسة الهيئة ثم تم إحالتها إلي نيابة الشئون المالية وأفردت لها النيابة المذكورة ملف القضية 338 لسنة 2014 واستمعت لمن ارتأت سماع أقوالهم ، وقامت بسؤال الطاعن فى الطعن الثانى وبمواجهته بما هو منسوب إليه , وانتهت في ختام تحقيقاتها إلي ثبوت المخالفة المنسوبة إليه ، وطلبت محاكمته تأديبياً وفقاً لما ورد بتقرير الاتهام وطبقاً للقيد والوصف الوارد به .
ومن حيث أن الثابت من الأوراق والتحقيقات أن الطاعن فى الطعن الثانى قام بنشر ادعاءات كاذبة عن زملائه في العمل هو زميله .... وباقي العاملين بالإدارة القانونية بالبنك المركزي المصري علي صفحته الشخصية بموقع التواصل الاجتماعي الفيس بوك والتشهير بهم وتضمينها ألفاظا خارجة وعبارات نابيه ماسة بالعرض والشرف والسمعة بغير دليل من شأنها لو صحت لأوجبت احتقارهم ومساءلتهم , وبمواجهته بما هو منسوب إليه اعتراف صراحة بأنه قام بتاريخ 8/ 11/ 2012بتوجيه إنذار إلي محافظ البنك المركزي بسبب قيام المدعو ..... خلال شهر 5/ 2011بتقديم مذكرة إلي إدارة التفتيش الفني بوزارة العدل يتهم فيها ..... مدير الإدارة العامة والمشرف علي إدارة القضايا بممارسة الرذيلة معه ومع زميل أخر يدعي .... وهو ما دفعه إلي تقديم هذا الإنذار كبلاغ رسمي لمحافظ البنك المركزي للوقوف علي صحة الواقعة من عدمها .
كما أضاف الطاعن أنه بالفعل قام بنشر الموضوع محل التحقيق علي صفحته بموقع التواصل الاجتماعي الفيس بوك في محاولة منه للتحقيق في الواقعة ، وأن المدعو .... قام بتوجيه إنذار إليه أقر فيه بأن ما ورد بشكواه المذكورة كذبا وبهتنا وهو ما يعد إقرار منه بكيدية شكواه , وأنه وبسؤال .... مقدم الشكوي أفاد بأنه مقدم الشكوي ضد الطاعن فى الطعن الثاني بسبب قيام المذكور بإرسال إنذار رسمي علي يد محضر إلي محافظ البنك المركزي وقد تضمن هذا الإنذار عبارات سب وقذف وأهانه موظف عام في حقه بطريق الكتابة والعلانية حال كونه موظف عام بالبنك المركزي حيث تضمن الإنذار عبارات تنطوي علي المساس بالشرف والاعتبار في حقه وحق العاملين بالإدارة القانونية الخاضعين لرئاسة .... وذلك بطلب المذكور من خلال الإنذار بانتداب طبيب شرعي يقوم بتوقيع الكشف الطبي علي العاملين بالإدارة القانونية الخاضعين ل .... , وأنه وبسؤال .... أفاد أنه بالفعل تقدم بشكوي إلي إدارة التفتيش الفني بوزارة العدل ضد .... إلا أن هذه الشكوي تم حفظها وذلك لتقدمه بتنازل عنها حيث أنه قد ثبت له أن ما ورد بها غير صحيح ولم يحدث وقد أختلط الأمر عليه وأنه لم يحدث أي تصرف معه من المدعو ....
ومن حيث أنه قد ثبت ووقر فى يقين هذه المحكمة من خلال مطالعة صورة الإنذار المرسل من الطاعن إلي محافظ البنك المركزي بتاريخ 18/ 11/ 2018 أنه تضمن أنه تسلم بعض المستندات من بينها بلاغ مقدم من .... محامي بالإدارة القانونية بالبنك في 15/ 5/ 2011إلي مساعد وزير العدل يتهم فيها ..... بمحاولة ممارسة الرزيلة معه ومع زميل أخر لهما كما قرر أن المذكور في 11/ 5/ 2011حاول الالتصاق بزميل بالإدارة وأرفق بالإنذار صورة ضوئية من بلاغ .... وأفاد أنه قام بنشر بلاغ .... المشار إليه علي صفحته الخاصة علي موقع الفيس بوك .
وأضاف الطاعن فى الإنذار المرسل منه إلي محافظ البنك المركزي أنه قام بإجراء التحريات اللازمة للتأكد من صحة الواقعة على النحو الوارد بأقواله فى التحقيقات وخلص الطاعن إلي مطالبته لرئيس البنك المركزى المصرى : بندب طبيب متخصص من مصلحة الطب الشرعي يقوم بتوقيع الكشف الطبي الدقيق علي كل العاملين بالإدارة القانونية وإعداد تقرير طبي عن حالة كل منهم فيما يتعلق بما سلف بيانه "- وإن هذا الإنذار سوف ينشر في صفحته علي موقع التواصل الاجتماعي الفيس بوك بمجرد إعلانه قانوناً إلي المعلن إليه ونشره بالفعل .
ومن حيث إنه عود على بدء ما تقدم , فإن المخالفة المنسوبة إلي المحال تغدو ثابتة في حقه ثبوتاً يقينياً أخذاً بما سطرته التحقيقات وما حوته الدعوي من أوراق ومستندات طالعتها المحكمة ، واعتراف الطاعن الصريح بنشر البلاغ المذكور علي صفحته علي الفيس بوك , وهو الأمر الذي يعد خروجاً واضحاً علي مقتضيات الواجب الوظيفي والإخلال بكرامة الوظيفة فضلاً عن سلوكه مسلكاً معيباً ولا يتفق والاحترام الواجب للوظيفة العامة , وما تفرضه علي الموظف العام من التحلي بطيب الخصال لا بسوء الطباع وهو الأمر الذي يشكل في حقه ذنباً مؤثماً يستوجب مجازاته عنه تأديبياً بالإحالة إلى المعاش بحسبان أن جسامة الذنب المؤثم الذي تردي فيه الطاعن وخطورة أثاره المترتبة على المساس بسمعة زملائه وسمعة البنك المركزى المصرى ذاته بنك البنوك الذى يرسم السياسة النقدية وقياس متانتها ويحدد موقع مصر فى ساحة المال على الاقتصاد العالمى ويطل عليه ويتفاعل معه , ولا يصح أن يبقى به نفس اشرأبت سوءاً وحدقت بأبصارها نحو الرذيلة تتبع عورات الأخرين وأخبارهم ونشر ادعاءات كاذبة عنهم علي مواقع التواصل الاجتماعي غير مكترث بأثر هذا النشر عليهم وعلي أسرهم وذويهم .
أخذا فى الاعتبار أنه لم يثبت بشكل يقيني حدوث تلك الوقائع فضلاً عن عدم احترامه لتعاليم الدين الإسلامى الحنيف وما تفرضه من التخلي بالفضائل والتخلي عن الرذائل التى هى من قبيح الصفات باعتبار أن التحلي بالأخلاق الكريمة والقيم النبيلة مطلب إنساني وأساسي أصيل لصون كرامة النفس الإنسانية وعدم اكتراثه بالوظيفة العامة وما تفرضه عليه من واجبات ضل مسعاه أن يعيها وانشغل بالتقصي والتحرى عن عورات الناس ونصب نفسه التحقيق مع العباد والحكم علي تصرفاتهم وأفعالهم على صحفته بالفضاء الافتراضى على الفيسبوك , غير عابئ بمدي حساسية المرفق الذي ينتمي إليه وهو العليم بحكم عمله بوجود جهات ناط بها القانون التحقيق فى الجرائم والمخالفات والتحرى عنها , وكان يتعين عليه أن يلجأ إليها في حالة إذا ما تكشف له الحال عن وجود تجاوزات وجرائم ترتكب دون التشهير بسمعة زملائه وسمعة البنك المركزى المصرى علي غير سند , وهو ما يستحق معه الشدة فى توقيع العقاب على نحو ما سلف بفصم عرى الوظيفة بإحالته إلى المعاش على نحو ما انتهى إليه الحكم المطعون فيه , وقد عززته هذه المحكمة فاستوى على سوقه عدلا وقسطاطا , مما لا مطعن عليه .
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة :
أولاً: بعدم جواز نظر الطعن الأول رقم 15118 لسنة 65 ق عليا فيما قضى به الحكم المطعون فيه من عدم قبول الدعوى التأديبية بالنسبة إلى الطاعن.
ثانياً : بقبول الطعن الثانى رقم 17628 لسنة 65 ق عليا شكلاً , ورفضه موضوعاً .
صدر هذا الحكم وتلي علناً بجلسة اليوم 24 ربيع الآخر لسنة 1441 هجرية , السبت الموافق 21/ 12/ 2019 ميلادية , بالهيئة المبينة بصدره .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق