الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 26 يوليو 2024

الطعن 1832 لسنة 2023 تمييز دبي تجاري جلسة 29 / 4 / 2024

بسم الله الرحمن الرحيم
باسم صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم حاكم دبي
محكمة التمييز
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم 29-04-2024 بمقر محكمة التمييز بدبي
في الطعــن رقــم 1832 لسنة2023 طعن تجاري
طاعن:
م. ر. م. ف. ح. 
ا. ل. ا. ش. 
مطعون ضده:
م. ا. ع. س. 
ش. ف. ل. و. ا. ذ. 
س. ل. ش. .. 
ب. ا. ذ. 
ش. ب. ل. ا. و. ا. ذ. 
س. ا. ا. ك. د. ل. ش. ذ. 
ف. ا. ش. ذ. م. 
ش. ن. ل. ا. ذ. 
الحكم المطعون فيه:
الصادر بالاستئناف رقم 2023/1180 استئناف تجاري
بتاريخ 29-11-2023
أصـدرت الحكـم التـالي
بعد الاطلاع على الأوراق ، وسماع تقرير التلخيص الذي تلاه بالجلسة القاضي المقرر / عبدالسلام المزاحي ، وبعد المداولة
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية
وحيث إن الوقائع ? على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق ? تتحصل في أن الطاعنيين أقاما على المطعون ضدهم الدعوى رقم 303 لسنة 2022 تجاري كلي دبي، بطلب الحكم ? وفقاً لطلباتهما الختامية ? بإلزام المطعون ضدهم من الأولى إلى السابعة بأن يؤدوا لهما بالتضامن 1 - مبلغ (31,432,144.20) درهم ت عويضاً عن عدم تسليم المقاولة واستحقاقهم لنسبة 10% وفق شروط العقد، 2 - مبلغ (18,773,512) درهم كتعويض عن الأعمال المتبقية حسب إقرار المقاول الرئيسي أمام الخبير، 3 - مبلغ (2.732.048) درهم كتعويض عن أعمال المقاولين المعيبة والرديئة، 4 ? مبلغ (5,000,000) درهم كتعويض عن عدم تسليمهم شهادات الضمان للأعمال موضوع المشروع. 4 - مبلغ (113,773,475.97) درهم كتعويض عن فوات عائدات التأجير والاستغلال للوحدات. وبإلزام المطعون ضدها الأولى بأن تؤدي لهما مبلغ (1,670,000) درهم التي خصمتها من قيمة المتفق عليه للمدعى عليها السابعة كونها أخرت الأعمال وقد أقرت بذلك المدعى عليها السابعة وذلك وفق التسوية المقدمة سند الدعوى، وكان يحق للمدعين هذا المبلغ كون التأخير أصابهما بضرر واجب التعويض ولا يحق للمدعى عليها الأولى قبض هذا المبلغ كون المدعيين لم يخصما أي مبالغ من مستحقاتها كمقاول رئيسي عن التأخير فيصبح هذا المبلغ حق للمدعيين. وبإلزام المطعون ضدها الأولى بأن تؤدي إلى الطاعنيين (المدعيان) مبلغ (19,660,905) درهم نسبة 4.39% لقاء الادارة والاشراف على أعمال مقاولي الباطن والتي لم تتم بإقرار المقاولين من الباطن. وإلزام المطعون ضدها الأولى بأن تؤدي إلى الطاعنيين (المدعيان) مبلغ (578,986) درهم وهو ما تم خصمه بموجب اتفاقية سرية بين المدعى عليها الأولى والسابعة عن سوء مصنعية الأخيرة وكان يلزم رد هذا المبلغ للمدعيين كون المدعى عليها الأولى بموجب الأحكام القضائية تسلمت قيمة أعمالها وأعمال المقاولين من الباطن كاملة. وإلزام المطعون ضدها الأولى بأن تؤدي إلى الطاعنيين (المدعيان) مبلغ (1,400,000) درهم وهو ما تم سداده مباشرة إلى المدعى عليها السابعة ومع ذلك تم قبضه من المدعى عليها الأولى واحتفظت به بدون وجه حق. وإلزام المطعون ضدهم من الأولى إلى السابعة بأن يؤدوا للطاعنيين (المدعيان) مبلغ (473,181) درهم رسوم ومصاريف وغرامات تم سدادها لمؤسسة الموانئ والجمارك والمنطقة الحرة (تراخيص) عن توصيل خدمات توصيل المياه والصرف الصحي والهاتف الملتزم بها المقاولين. وبإلزام المطعون ضدهم من الأولى إلى السابعة بأن يؤدوا للطاعنيين (المدعيان) مبلغ (1,358,337.19) ما تم دفعه نيابة عن المقاولين لخدمة التبريد. وإلزام المطعون ضدهم من الأولى إلى السابعة بأن يؤدوا للطاعنيين (المدعيان) مبلغ (600,000) درهم قيمة ما سدده من مخالفات لتراخيص ومركز دبي للسلع بسبب أعمال المقاول فواز، وقالا المدعيان بياناً لذلك: أنه بتاريخ 14/06/2005 تمّ التعاقد مع المدعى عليها الأولى (المقاول الرئيسي) بموجب عقود منفصلة لإنشاء وصيانة ثلاثة أبراج هي P1?P2?P3 في منطقة أبراج بحيرات الجميرا بدبي الإمارات العربية المتحدة، وأتفق على أن تكون مدة المشروع 28 شهراً بقيمة اجمالية وقدرها 314,321,442 درهم. وبدورها قامت المدعى عليها الأولى بتعيين مقاولي الباطن (المدعى عليهم من الثاني إلى السابع) بموجب عقود منفصلة. وبسبب عدم سداد مستحقات مقاولي الباطن من قبل المدعى عليها الأولي فقد أدّى ذلك إلى تأخير الأعمال مما كبد المدعيين خسائر كبيرة. فأقاما النزاع رقم 96/2022 تعيين خبرة ضد المدعى عليها الأولى وعدد من مقاولي الباطن المعينين في ذات المشروع والمهندس الاستشاري، وبتاريخ 30/03/2022 صدر حكم تمهيدي بندب خبير الهندسة المدنية المختص صاحب الدور في الجدول لإعداد التقرير وإيداعه حسب الإجراءات. وتم حضور الأطراف أمام الخبرة المنتدبة وبتاريخ 13/06/2022 استلم المدعي الأوّل نسخة بالبريد الالكتروني المرسل الى الخبير المنتدب الذي تضمن مذكرة مع حافظة مستندات اشتملت على عدد (3) تسويات أبرمتها المدعى عليها الأولى مع بعض مقاولي الباطن وبدون علم المدعيين (مالك المشروع) وبالرجوع إلى اتفاقية التسوية المبرمة بين المدعى عليها الأولى والمدعى عليها السابعة نجد أنها مؤرّخة في 29/1/2017 وموضوعها هو تسوية المستحقات المطالب بها في الدعوى رقم 1289/2016 تجاري كلي والتي لم تسددها المدعى عليها الأولى لمقاول الباطن رغم استلامها من المالك (المدعي الأول)، وأرفقت بتلك الاتفاقية كشف حساب نهائي بين المدعى عليها الأولى المدعى عليها السابعة تضمّن خصم مبالغ من حساب المقاول الباطن على سند أنه هو المتأخر في تنفيذ المشروع وتم خصم مبلغ كغرامة تأخير 1,670,000 درهم وأنه لم يتمّ استكمال الاعمال ولم يتم احتساب أيّة أعمال اضافية وكذلك تم خصم مبالغ منه عن الاعمال المعيبة بمبلغ 578,986 درهم، وعلى ضوء هذا الكشف تم إبرام التسوية وإقرار ما جاء فيها بين طرفيها، وكذلك تسبب المقاول من الباطن في تأخير المشروع بحيث تم استقطاع المبلغ الاقصى 10% كغرامة تأخير، وحيث تبين للمدعيين أنّ المدعى عليها الأولى لم تسدد مستحقات مقاولي الباطن وقامت بخصم مبالغ من مستحقاتهم عن أعمال معيبة وسوء مصنعية اضافة إلى خصم غرامات تأخير قصد التربح رغم زعمها بأنّ أعمالها وكامل أعمال مقاولي الباطن سليمة. وحفاظا على حقوقهما فقد أقام المدعيان الدعوى الماثلة بالطلبات، ندبت المحكمة خبيراً في الدعوى، وبعد أن أودع تقريره، حكمت بتاريخ 30 مايو 2023 بالأسباب بعدم قبول الدعوى لرفعها على غير ذي صفة بالنسبة للمدعى عليهم من الثانية إلى السابعة، وفي المنطوق بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها في الدعوى رقم 771 لسنة 2012 تجاري كلي واستئنافها رقم 984 ، 1004 لسنة 2016 تجاري الصادر بتاريخ 9/1/2019 ، استأنف المدعيان (الطاعنان) هذا الحكم بالاستئناف رقم 1180 لسنة 2023 تجاري، وبتاريخ 29 نوفمبر 2023 قضت المحكمة برفض الاستئناف وتأييد الحكم المستأنف، طعن المدعيان (الطاعنان) في هذا الحكم بطريق التمييز بالطعن الماثل بموجب صحيفة أودعت مكتب إدارة الدعوى الكترونياً بتاريخ 28 ديسمبر 2023، وأودع محامو المطعون ضدهم الأولى والثانية والرابعة والخامسة والسادسة كل على حدى مذكرة بجوابه على الطعن ? في الميعاد - طلبوا فيها رفضه، وأودع محامي المطعون ضدها السابعة مذكرة جوابية بدفاعه تستبعدها المحكمة لتقديمها بعد الميعاد، وإذ عُرض الطعن على هذه المحكمة في غرفة مشورة رأت أنه جدير بالنظر فحددت جلسة لنظره.
وحيث إن الطاعنيين ينعيان بالوجه الأول من السبب الثاني على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والثابت بالأوراق والقصور في التسبيب والإخلال بحق الدفاع، إذ قضى بتأييد الحكم الابتدائي فيما قضى به بعدم قبول الدعوى بالنسبة للمطعون ضدهم من الثانية إلى السابعة لرفعها على غير ذي صفة رغم ثبوت وجود علاقة نتج عنها مسئولية تقصيرية توافر فيها أركانها من خطأ وضرر وعلاقة سببية بين الخطأ المرتكب من قبل مقاولي الباطن والضرر الحاصل للطاعنين، وهو ما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعى مردود، ذلك بأنه من المقرر ? في قضاء هذه المحكمة - أن الدعوى هي حق الالتجاء إلى القضاء لحماية الحق أو المركز القانوني المدعي به ، ومن ثم فإنه يلزم توافر الصفة الموضوعية لطرفي هذا الحق بأن ترفع الدعوى ممن يدعي استحقاقه لهذه الحماية وضد من يراد الاحتجاج عليه بها، وأن استخلاص الصفة في الدعوى من عدمه هو من قبيل فهم الواقع في الدعوى، وهو مما تستقل بتقديره محكمة الموضوع بغير معقب عليها من محكمة التمييز في ذلك، ما دامت قد أقامت قضاءها على أسباب سائغة ومقبولة ولها أصل ثابت بالأوراق، كما أنه من المقرر وفقا للمادة (890) من قانون المعاملات المدنية أنه يجوز للمقاول أن يكل تنفيذ العمل كله أو بعضه إلى مقاول آخر، إذا لم يمنعه شرط في العقد أو لم تكن طبيعة العمل تقضي أن يقوم به بنفسه، وتبقى مسئولية المقاول الأصلي قائمة قبل صاحب العمل، بما مؤداه أنه يجوز للمقاول الأصلي أن يعهد ببعض الأعمال في حدود ما عُهد به إليه إلى مقاول آخر أو مقاولين آخرين من الباطن، ويظل هو المسئول عن عملهم قبل صاحب العمل والملتزم بالضمان، طالما لم يتعاقد معهم صاحب العمل لأداء ما قاموا به من عمل، أي أن المناط في مسئولية أي من المقاول الأصلي أو صاحب العمل عن عمل المقاول الآخر الذي يعهد إليه ببعض الأعمال هو من تعاقد معه على القيام بهذا العمل؛ لما كان ذلك، وكان الثابت من أوراق الدعوى ومستنداتها وتقرير لجنة الخبرة المنتدبة أن الطاعن الأول (رب العمل) تعاقد مع الشركة المطعون ضدها الأولى (المقاول الرئيسي) بموجب ثلاثة عقود مقاولة مؤرخة 14/6/2005 للقيام بأعمال إنشاء وإنجاز وصيانة كامل المشروع المكون من ثلاثة أبراج في منطقه بحيرات الجميرا في دبي لصالح رب العمل، وتضمن البند 3/2 منها النص على تحمل الشركة المطعون ضدها الأولى المسئولية المترتبة على التعاقد مع أي مقاول، وأنها بصفتها مقاول رئيسي تعاقدت مع الشركات المطعون ضدها من الثانية إلى السابعة كمقاولين من الباطن لتنفيذ وإنجاز الأعمال الموكولة إليهم وتسليم كافة الأعمال الأساسية والإضافية في الأبراج الثلاثة، وأنه لا يوجد تعاقد مباشر بين الطاعنيين والمطعون ضدهم من الثانية إلى السابعة بشأن عقود المقاولة من الباطن، بما لا يجوز معه للطاعنيين مطالبة تلك الشركات بالتعويض عن أية أخطاء في التنفيذ، وتكون الشركة المطعون ضدها الأولى (المقاول الأصلي) هي المسئولة وحدها عن أخطاء الشركات المطعون ضدها من الثانية إلى السابعة (مقاولوا الباطن) في تنفيذ العمل قبل الطاعنيين، ما دام المقاول الأصلي هو الذي أوكل هذا العمل إلى كله أو بعضه إلى المقاولين من الباطن، وإذ التزم الحكم الابتدائي المؤيد بالحكم المطعون فيه هذا النظر، وقضى بعدم قبول الدعوى بالنسبة للمطعون ضدهم من الثانية إلى السابعة لرفعها على غير ذي صفة لعدم وجود رابطة تعاقدية تربط بينهم وبين الطاعنيين، فإنه لا يكون قد خالف القانون، ويضحي النعي عليه بما سلف على غير أساس.
وحيث إن الطاعنيين ينعيان بالسبب الأول والوجه الثاني من السبب الثاني على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والثابت بالأوراق والقصور في التسبيب والإخلال بحق الدفاع، وفي بيان ذلك يقولان: إن الحكم المطعون فيه قضى بعدم جواز نظر دعواهما لسابقة الفصل فيها في الدعوى رقم 771 لسنة 2012 تجاري كلي واستئنافها رقم 984 ، 1004 لسنة 2016 تجاري دبي ، رغم اختلاف الطلبات في كلا الدعويين، ذلك أن واقعة خصم المطعون ضدها الأولى مبالغ من مقاولي الباطن لكونهم لم يقوموا بكامل الأعمال المتفق عليها، تمت في تاريخ لاحق على صدور الحكم المحاج به، ولم تكن مطروحة في الدعوى السابقة، وأن عقد المقاولة مقطوع فلا يحق للمقاول الرئيسي أخذ أي أموال من المقاولين من الباطن وإدخالها في ذمته المالية، وأن أية خصومات لا يجب أن تدخل في ذمته المالية بل تكون من حق المالك، وأن الطاعنيين هما من تضررا من خصم هذه الأموال، إذ أن التسليم لم يتم وفقاً للمواصفات المتفق عليها، وقد أثبت الخبير المنتدب في النزاع رقم 96 لسنة 2022 وجود نواقص في الأعمال، كما أن وحدة الخصوم في الدعويين لم تتحقق لكون الدعوى الراهنة أقيمت ضد المطعون ضده الأول (المقاول الرئيسي) والمطعون ضدهم من الثانية إلى السابعة (مقاولوا الباطن) استناداً لقواعد المسئولية التقصيرية بسبب إخلالهم بواجب قانوني فرضه عليهم أصول المهنة، وتصفية الحساب بين أطراف التداعي فيما يخص مشروع الأبراج موضوع الدعوى، وإلزام المطعون ضدها الأولى برد المبالغ التي تسلمتها من الطاعنيين ولم تسددها إلى مقاولي الباطن كغرامات تأخير وأعمال معيبة وأعمال غير منفذة، فضلاً عن الأعمال المعيبة وسوء المصنعية، كما أن المطعون ضدها الأولى كمقاول رئيسي وبعد استلامها المبالغ العائدة لمقاولي الباطن من المطعون ضدهم استولت عليها، وتركت موقع العمل ولم تكمل تنفيذ المشروع، مما اضطر بالطاعنيين رغم تسديد ما عليهما من مستحقات وفق ما هو ثابت بالفواتير، إلى الاتفاق مع مقاولي الباطن على استكمال الأعمال، وقاما بتسديد مستحقاتهم للمرة الثانية مما أدى الى نشوء علاقة بين الطاعنيين ومقاولي الباطن (المطعون ضدهم من الثانية حتى السابعة) على أساس المسؤولية التقصيرية وهي مستقلة عن العلاقة العقدية الأصلية، مما يجعل الدعويين مختلفتان موضوعاً وسبباً ، وإذ حجب الحكم المطعون نفسه عن تمحيص حقيقة الطلبات في كلا الدعويين، فإنه يكون معيباً بما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي غير سديد ، ذلك أنه من المقرر - في قضاء هذه المحكمة ? عملاً بالمادة 87 من قانون الإثبات رقم (35) لسنة 2022، أن للحكم السابق حجية الأمر المقضي به المانعة من طرح النزاع في دعوى لاحقة متى توافرت في الدعويين الماثلة والسابقة وحدة الموضوع والسبب والخصوم، وهو ما تستظهره محكمة الموضوع مما هو مطروح عليها، طالما أقامت قضاءها على أسباب سائغة، وأن حجية الأمر المقضي ترد على منطوق الحكم وعلى ما يكون مرتبطاً من أسباب ارتباطاً وثيقاً، وأن الأحكام التي حازت حجية الأمر المقضي تكون حجة فيما فصلت فيه من خصومة، ولا يقبل دليل ينقض هذه الحجية، ويمتنع على الخصوم التنازع في المسألة التي فصل فيها الحكم السابق بدعوى تالية ولو بأدلة قانونية أو واقعية لم تسبق إثارتها في الدعوى السابقة، أو أثيرت فيها ولم يبحثها الحكم الصادر في تلك الدعوى ، طالما كانت تلك المسألة هي بذاتها الأساس فيما يدعيه أي من الطرفين قبل الآخر من حقوق مترتبة عليها، أي طالما كانت المسألة الأساسية لم تتغير وتناضل فيها الطرفان في الدعوى السابقة واستقرت حقيقتها بالحكم السابق استقراراً جامعاً مانعاً من إعادة مناقشتها، والقاعدة في معرفة ما إذا كان الموضوع متحداً في الدعويين أن يتحقق القاضي من أن قضاءه في الدعوى الجديدة لا يعدو أن يكون مجرد تكرار للحكم السابق فلا يكون هناك فائدة منه، أو يكون مناقضاً للحكم السابق سواء بإقرار حق أنكره أو بإنكار حق أقره فيكون هناك حكمان متناقضان، وأنه ولئن كان القول بوحدة الموضوع هو مسألة موضوعية تستقل بالفصل فيها محكمة الموضوع بغير معقب عليها، إلا أن ذلك مشروط بأن تكون قد اعتمدت على أسباب سائغة من شأنها أن تؤدي إلى النتيجة التي انتهت إليها؛ لما كان ذلك، وكان الحكم الابتدائي المؤيد بالحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها بالحكم الصادر في الدعوى رقم 771 لسنة 2016 تجاري كلي دبي، والمستأنف بالاستئنافين رقمي 984 ، 1004 لسنة 2016 استئناف تجاري، تأسيساً على أن الشركة المطعون ضدها الأولى سبق وأن أقامت على الطاعنيين الدعوى رقم 771 لسنة 2016 تجاري كلي دبي بطلب الحكم بإلزام الطاعن الأول بأن يؤدي لها المبلغ المترصد لها في ذمته وقدره (158,539,489.43) درهم والفائدة بواقع 12% ورد أصل خطابات ضمان حسن التنفيذ، عن مشروع إنجاز وإنشاء الأبراج الثلاثة موضوع الدعوى الراهنة، فوجه الطاعنان دعوى متقابلة فيها بطلب الحكم بإلزام المطعون ضدها الأولى مبلغ (1,360,998,900) درهم كتعويض عن التأخير في تنفيذ المشروع وعن الأعمال غير المنفذة وسوء المصنعية وكافة الخسائر التي لحقت بهما والفوائد القانونية، وبعد أن ندبت المحكمة خبيراً في الدعوى، حكمت في الدعوى الأصلية برفضها، وفي الدعوى المتقابلة: بإلزام الشركة المطعون ضدها الأولى بأن تؤدي للطاعنيين مبلغ (6,106,033.10) درهم والفائدة بواقع 9%، استأنف الطاعنان (المدعيان تقابلاً) هذا الحكم بالاستئناف رقم 984 لسنة 2016 تجاري دبي، كما استأنفته الشركة المطعون ضدها الأولى (المدعية الأصلية في تلك الدعوى) بالاستئناف رقم 1004 لسنة 2016 تجاري دبي، وإذ قضت المحكمة برفضهما، فقد طعنت الشركة المطعون ضدها الأولى في حكمها بالتمييز بالطعن رقم 756 لسنة 2016 تجاري، كما طعن فيه الطاعنان (المدعيان تقابلاً) بالتمييز بالطعن رقم 785 لسنة 2016 تجاري دبي، وبعد أن ضمت المحكمة الطعنيين للارتباط، حكمت بتاريخ 12 فبراير 2017 بنقض الحكم المطعون فيه والإحالة، وإذ أعيدت الدعوى إلى محكمة الاستئناف ندبت لجنة خبراء ثلاثية، وبعد أن أودعت تقريرها، قضت المحكمة في الاستئناف رقم 1004 لسنة 2016 بإلزام المستأنف ضده الثاني (الطاعن الأول) بأن يؤدي للشركة المستأنفة (المطعون ضدها الأولى) مبلغ (11,343,014.74) درهم والفائدة بواقع 9% من تاريخ المطالبة القضائية وحتى تمام السداد، وإلزام المستأنف ضدهما (الطاعنان) برد خطابات ضمان حسن التنفيذ الثلاثة، وبصحة وتثبيت الحجز التحفظي رقم 130 لسنة 2012 تجاري، وفي الاستئناف رقم 984 لسنة 2016 برفضه ورفض الدعوى المتقابلة، تأسيساً على أن المبلغ المترصد للشركة المطعون ضدها الأولى (المقاول الأصلي) في ذمة الطاعن الأول (المالك) مبلغ وقدره مبلغ (11,343,014.74) درهم، طعنت الشركة المطعون ضدها الأولى (المدعية في تلك الدعوى) في هذا الحكم بالتمييز رقم 124 لسنة 2019 تجاري، كما طعن الطاعنان (المدعيان تقابلاً في الدعوى السابقة) في ذات الحكم بالطعن بالتمييز رقم 218 لسنة 2019 تجاري دبي، وبعد أن ضمت المحكمة الطعنيين للارتباط، قضت بتاريخ 21 إبريل 2019 بعدم جواز الطعن رقم 124 لسنة 2019 تجاري، وفي الطعن رقم 218 لسنة 2019 تجاري بنقض الحكم المطعون فيه نقضاً جزئياً بشأن ما قضى به من تاريخ استحقاق الفائدة، وجعلها على المبلغ المقضى به من تاريخ 5 أبريل 2014 والتأييد فيما عدا ذلك، ورتب الحكم على ذلك صحيحاً أن هذا الحكم المدفوع بسابقة الفصل فيه قد حسم النزاع كلياً في كافة مسائل النزاع الناشئة عن الاتفاقيات المبرمة بين الطاعنيين والمطعون ضدها الأولى (المقاول الأصلي) عن تنفيذ الأبراج الثلاثة المملوكة للطاعنيين، بعد أن تبين له أن الطاعنيين (المدعيان) والشركة المطعون ضدها الأولى (المدعي عليها الأولى) هم ذات الخصوم في الدعوى المدفوع بسابقة الفصل فيها والدعوى الماثلة، وأن موضوع الدعوى الماثلة وطلبات المدعيان فيها ضد الشركة المدعي عليها الأولى هي ذات الطلبات التي تناضل فيها ذات الخصوم في الدعوي رقم 771 لسنة 2012 تجاري كلي في الدعويين الأصلية والمتقابلة، وأنه لا يمنع وحدة الموضوع اختلاف بعض الطلبات في موضوع الدعويين، وأن اختصام مقاولي الباطن (المطعون ضدهم من الثانية إلى السابعة) دون ثبوت أي رابطة عقدية القصد منه إظهار اختلاف الخصوم في الدعوى الماثلة عن خصوم الحكم المدفوع به، وبما يمتنع مناقشة ما فصل فيه ولو بأدلة واقعية في دعوى تالية، وما أضافه إليه الحكم المطعون فيه تأييداً للحكم الابتدائي، من أن الطاعنيين قد أقاما الدعوى على جملة طلبات تتعامد جميعها على عقود إنشاء وصيانة ثلاثة أبراج في منطقة أبراج بحيرات الجميرا وارتكنا في مطالبتهما الى الخسارة التي اصابتهما من جراء عدم سداد المقاول الرئيسى لمستحقات المقاولين من الباطن، ثم تبين لهما أنها لم تسدد مستحقات مقاولي الباطن، وقامت بخصم مبالغ من مستحقاتهم عن أعمال معيبة وسوء مصنعية، إضافة الى خصم غرامات تأخير، وصولا إلى طلبهما بالزام المطعون ضدها الأولى بردّ المبالغ التي استلمتها من الطاعنيين ولم تسددها الى مقاولي الباطن والمبالغ التي خصمتها من مستحقات مقاولي الباطن كغرامات تأخير وأعمال معيبة ... وإن طلبات الطاعنيين تندرج كلها تحت مسأله مشتركة مع الأحكام سالفة البيان، وهى مطالبة المطعون ضدها الأولى (المقاول الرئيسى) بردّ المبالغ التي استلمتها من الطاعنيين، ولم تسددها الى مقاولي الباطن (باقى المطعون ضدهم)، والمبالغ التي خصمتها من مستحقات مقاولي الباطن كغرامات تأخير وأعمال معيبة وأعمال غير منفذة .... وهى كلها تندرج تحت التعويض عن التأخير في تنفيذ المشروع وسوء المصنعية .., وذلك باستحداث أوجه مخاصمة مع مقاولى الباطن تدور فى فلك التعويض عن التأخير وسوء المصنعية والتعويض عن الأعمال المتبقية والأعمال المعيبة ... للخروج - فى قناعة هذه المحكمه - من دائرة حجية الأحكام السابق صدورها عن ذات الموضوع، وأحقية المطعون ضدها الأولى في مبلغ 11.343.014.74 درهم...، وبما يكون معه ذلك القضاء قد حسم النزاع بين مالك المشروع والمقاول الرئيسى المتعاقد معه بشأن مستحقات كليهما قبل الآخر، بما يمتنع معه إعادة النظر في مسألة واقعية سبق للخصوم طرحها من خلال الدعاوى السابقة على محكمة الموضوع واستقرت حقيقتها بالحكم السابق استقراراً جامعاً مانعاً يمنع من إعادة مناقشتها، وكان هذا الذي خلصت إليه محكمة الموضوع سائغاً ومستمداً مما له أصل ثابت في الأوراق وكافياً لحمل قضائها وفيه الرد الكافي المسقط لكافة ما أثاره الطاعنان، ويكون النعي عليه لا يعدو أن يكون مجرد جدلاً موضوعياً فيما لمحكمة الموضوع من سلطة في تحصيل وفهم الواقع في الدعوى، وتقدير ثبوت وحدة الخصوم والموضوع والسبب في الدعويين أو نفيهما، ومن ثم فإن النعى بما سلف يكون قائماً على غير أساس.
وحيث إنه ولما تقدم يتعين رفض الطعن.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة برفض الطعن وألزمت الطاعنين المصروفات ومبلغ ألفي درهم مقابل أتعاب المحاماة وأمرت بمصادرة التأمين.

الخميس، 25 يوليو 2024

الطعن 328 لسنة 23 ق جلسة 25 / 10 / 1956 مكتب فني 7 ج 3 ق 123 ص 863

جلسة 25 من أكتوبر سنة 1956

برياسة السيد عبد العزيز محمد رئيس المحكمة، وبحضور السادة: إسحق عبد السيد ومحمد عبد الواحد على، ومحمد متولى عتلم، وإبراهيم عثمان يوسف المستشارين.

-----------------

(123)
القضية رقم 328 سنة 23 القضائية

(أ) جمارك. نية التهريب. 

عدم جواز توقيع أحد الجزاءات المنصوص عليها في لائحة الجمارك إلا بتوافر نية التهريب.
(ب) جمارك. محكمة الموضوع. نقض.

نية التهريب. نفيها. مسألة موضوعية.
(ج) جمارك. رسوم جمركية. 

إعفاء الجيوش البريطانية منها بالقانون رقم 24 لسنة 1941. ما يخرج عن حاجة هذه الجيوش من البضائع وما يملكه أفرادها ملكا خاصا. وصوله إلى يد أحد الأفراد وعدم سداد الرسوم عنه وإطلاقه خفية للتداول في السوق. عدم سريان الإعفاء عليه.
(د) نقض. طعن. المصلحة في الطعن. جمارك. مصادرة. 

قضاء الحكم باعتبار قرار اللجنة الجمركية بالمصادرة قائما لحين استيفاء الرسوم بقصد حبس البضاعة إلى أن تستوفى الرسوم. النعي على الحكم بمخالفة القانون تأسيسا على أن المصادرة عقوبة لا يتوقف الحكم بها على سداد الرسم أو عدم سداده. انعدام المصلحة في هذا النعي.

---------------------
1 - نية التهريب هي مناط الجزاءات المنصوص عليها في لائحة الجمارك، ولا يصح توقيع أحد تلك الجزاءات إلا إذا قام الدليل على توافر تلك النية - وهو ما جرى به قضاء هذه المحكمة.
2 - متى كانت المحكمة قد نفت بأدلة سائغة في حدود سلطتها الموضوعية توافر نية التهريب فإنها لا تكون قد أخطأت في تطبيق القانون وإنما عالجت مسألة موضوعية انتهت منها إلى استبعاد تلك النية.
3 - جرى قضاء هذه المحكمة بأن القانون رقم 24 لسنة 1941 الذي قرر إعفاء الجيوش البريطانية من سداد الرسوم الجمركية إنما جعل هذا الإعفاء مقصورا على ما تستورده لحاجتها أو تشتريه من الداخل وترد عنه الرسوم الجمركية لبائعه - وما يخرج عن حاجتها وما يملكه أفرادها ملكا خاصا فلا يسرى عليه الإعفاء إذا حصل التصرف فيه، فاذا وصل إلى يد فرد من الأفراد كان عليه المبادرة إلى سداد الرسوم فان لم يفعل وأطلقه خفية للتداول في السوق اعتبر مهربا وفقا للمادة 33 من لائحة الجمارك وصح تعقبه وضبط البضاعة أينما وجدت.
4 - متى كان الحكم القاضي بأن قرار اللجنة الجمركية بالمصادرة يعتبر قائما حتى تستوفى الرسوم إنما قصد به حبس البضاعة حتى تستوفى مصلحة الجمارك الرسم الذي تستحقه فانه لا مصلحة للطاعن في النعي على الحكم بمخالفة القانون تأسيسا على أن المصادرة عقوبة لا يتوقف الحكم بها سداد الرسم أو عدم سداده.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذى تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن الوقائع - حسبما يبين من الحكم المطعون فيه ومن سائر الأوراق - تتحصل في أن رئيس المباحث السرية بجمرك بور سعيد وصله إخبار سري بأن المطعون عليه يخفي أربعين صندوقا من السجاير المخصصة لاستهلاك الجيش البريطاني ومستحق عنها رسوم جمركية بمخزنين بعزبته ويحاول تهريبها وبيعها في الأسواق المحلية - فاستأذن النيابة وانتقل بمصاحبة مساعد مفتش الإنتاج ومأمور جمرك الإسماعيلية وبعض رجال البوليس فوجدوا بمخازن المطعون عليه 24 صندوقا، 37 باكو من سجاير ماركة Id virginia)، 36 باكو، و390 علبه من سجاير ماركة my Best وقدم المطعون عليه إلى اللجنة الجمركية فقررت بتاريخ 21/ 10/ 1948 إدانته عن تهمة تهريب تلك السجاير وإلزامه بدفع غرامة قدرها 9388 جنيها و25 مليما بواقع مثلى الرسوم الجمركية عنها وبمصادرة السجاير المضبوطة مع شمول الحكم بالنفاذ المعجل - عارض المطعون عليه فى هذا القرار أمام محكمة بور سعيد الابتدائية وقيدت المعارضة برقم 260 لسنة 1948 كلى، وفى 6/ 3/ 1949 قضت المحكمة بقبول المعارضة شكلا وفى الموضوع بإلغاء القرار المعارض فيه واعتباره كأن لم يكن. فاستأنف الطاعنون هذا الحكم أمام محكمة استئناف المنصورة وقيد برقم 106 سنة 2 ق تجارى. وفى 27/ 1/ 1953 قضت المحكمة بقبول الاستئناف شكلا. وفى 22/ 3/ 1953 قضت في الموضوع بتعديل الحكم المستأنف وباعتبار قرار اللجنة قائما بالنسبة لمصادرة السجاير المضبوطة إلى أن تستوفى مصلحة الجمارك الرسم العادي المستحق عليها. فطعن الطاعنون في هذا الحكم بطريق النقض. عرض الطعن على دائرة فحص الطعون وطلب الطاعنون الإحالة - وطلبت النيابة رفض الطعن، فقررت بجلسة 11/ 4/ 1956 إحالة الطعن إلى الدائرة المدنية.
ومن حيث إن الطعن بنى على ثلاثة أسباب: يتحصل أولها - فى النعي على الحكم بمخالفة القانون والخطأ في تطبيقه، ويقول الطاعنون في بيان ذلك إن الحكم أقام قضاءه على أن المطعون عليه اشترى السجاير من شركة سالونيكا وهذا هو ما أوحى إليه الاتصال بالشركة المذكورة بعد يأسه من العودة إلى الكانتين ومن قبول المتعاقد الجديد مع الجيش البريطاني استلام ما تخلف لديه من السجاير لتصريفها في المعسكر. وعلى أنه لم يكن يعلم أن حضور مندوب الجمرك وقت استلامه السجاير يعنى شيئا أكثر من التأكد من سلامة الإجراءات التي تمت حتى تسليم السجاير، ولو أنه علم أنه من المفروض عليه إخطار الجمرك وأن النقل الإجباري من المعسكر يعتبر في ذاته قرينة لا تقبل النعي على التهريب أو الشروع فيه لأخطر الجمرك وأراح نفسه من الرسل والخطابات إلى شركة سالونيكا متوسلا إليها أن تتسلم الباقي من السجاير التي اشتراها منها والتي لا يستطيع تصريفها إلا في المعسكر - وهذا الذي أقام عليه الحكم قضاءه مخالف للقانون ذلك أنه حتى مع التسليم بأن المطعون عليه لم يكن يعلم أن المفروض عليه إخطار الجمرك قبل إخراج البضاعة من الكانتين فإن مجرد نقل السجاير من الكانتين مع علمه بأن الرسوم المفروضة عليها قد ردت إلى شركة سالونيكا ودون أن يقوم هو بتسديد الرسوم المستحقة عليها من جديد - هذا النقل هو التهريب بعينه. لأن جريمة التهريب لا تستلزم قصدا جنائيا خاصا ولا يشترط فيها سوء النية. وعلى ذلك يكون غير صحيح ما قرره الحكم من أن قيام المطعون عليه بنقل السجاير مع توافر العلم على النحو المشار إليه لا يعتبر قرينة لا تقبل النفي على التهريب أو الشروع فيه.
ومن حيث إن هذا السبب مردود بما قرره الحكم الابتدائي في أسبابه التي أخذ بها الحكم المطعون فيه حيث يقول: "وحيث إن جريمة التهريب أو الشروع فيه ترى المحكمة أنه لا بد أن يتوفر القصد الجنائى فيها أسوة بكل جرائم العمد وأن الإجراءات التى يعاقب الناس على إهمالها يجب أن ترجع إلى نص فى القانون ليلتزموا بأدائه وإلا حق عليهم العقاب - وقد تبين من مجموع التحقيقات التى قام بها الجمرك ومن أسباب قرار اللجنة الجمركية أن شركة سالونيكا هى البائعة لتلك السجاير وأنها هى التى استردت رسومها، فقول المعارض (المطعون عليه) إنه لجأ إليها لتسترد منه ما بقى لديه من السجاير على اعتبار أنها الجهة التي أفادت من استرداد الرسوم الجمركية وأنها هي التي تورد السجاير للجيش البريطاني قول سائغ تقبله المحكمة. لأن تعاقد المعارض مع الجيش البريطاني قد انتهى وأصبح غير قادر على بيع تلك السجاير لغيره ووضح ذلك من خطابه للشركة المؤرخ 6/ 4/ 1947 من أنه سبق أن شرح للشركة ظروفه التي تحول دون احتفاظه بالسجاير لأنه ترك الكانتين وهذه السجاير مخصصة للجيش وحده ولا يمكنه بيعها محليا. فتصرفه كان تصرفا معقولا". ثم أثبتت المحكمة صور الخطابات المتبادلة بين المطعون عليه والوسيط بينه وبين الشركة وقد أبلغه ذلك الوسيط أن الشركة قبلت استرداد السجاير وأنها ستكلف عمالها بتوزيعها على الكناتين الأخرى. كما أثبتت المحكمة أنه من قبل ذلك سعى لدى الجيش البريطاني ليعيد تأجير الكانتين إليه وأنه طلب من رجال الجيش التوسط لدى مستأجر الكانتين الجديد - في حالة عدم نجاحه هو في تحديد عقده - في استلام السجاير بالثمن الذى يصير الاتفاق عليه ولو بطريق التحكيم، ثم قالت المحكمة أخيرا: "ويبين مما تقدم أن المعارض لم يقعد عن مواصلة العمل على إعادة السجاير للشركة أو التخلص منها بصورة لا تضيع على مصلحة الجمارك حقها". ثم جاء الحكم المطعون فيه يؤكد هذا الرأي ويثبت حسن نية المطعون عليه ويبرر تأخره في إبلاغ مصلحة الجمارك بما نقله من المستندات التي قدمتها المصلحة بنفسها ومن أقوال الشهود في تحقيقاتها الخاصة، ثم قال أخيرا: "ويفهم من شهادة نيقولا أغانيدس أمام اللجنة الجمركية أنه اتصل بالمطعون عليه في أواخر يناير أو أوائل فبراير وعلى كل حال فهو يقول أنه ذهب إليه في المعسكر ورأى هناك 25 صندوقا واعترف مدير شركة سالونيكا أن نيقولا أغانيدس قابله بخصوص موضوع السجاير وقد كان ذلك قطعا قبل خطاب 20/ 3/ 1947 المرسل إلى الشركة من المستأنف عليه، فهو إذن لم يتأخر عن إبلاغ الشركة بل بادر بذلك على لسان الرسول نيقولا الذى اعترفت الشركة برسالته فبانت بذلك حسن نية المستأنف عليه".
ومن حيث إن ما قرره الحكم المطعون فيه من وجوب توافر نية التهريب للحكم على المتهم طبقا لنصوص اللائحة الجمركية هو تقرير صحيح ذلك أن نية التهريب هى مناط الجزاءات المنصوص عليها في لائحة الجمارك، ولا يصح توقيع أحد تلك الجزاءات إلا إذا قام الدليل على توافر نية التهريب وهو ما جرى به قضاء هذه المحكمة (الطعن رقم 239 سنة21 ق).
ومن حيث إنه لما كانت المحكمة قد نفت في حدود سلطتها الموضوعية توافر نية التهريب فإنها لا تكون قد أخطأت في تطبيق القانون وإنما عالجت مسألة موضوعية انتهت منها بأدلة سائغة إلى استبعاد تلك النية.
ومن حيث إن الطاعنين ينعون بالسبب الثاني على الحكم بمخالفة القانون وبقصور تسبيبه ويقول الطاعنون فى بيان ذلك إن الحكم أقام قضاءه على أن المادة 14 من اللائحة الجمركية خاصة بالبضائع التي يرغب أصحابها فى إخراجها من الدائرة الجمركية والتي لم تمر على أى جمرك. أما السجاير موضوع هذه القضية فقد مرت بالجمرك وأعفيت من الرسوم واستفادت من ذلك شركة سالونيكا فحالتها تختلف عما أشير إليه فى المادة المذكورة - وهذا الذى أقام الحكم عليه قضاءه معيب بالقصور إذ لم يبين الحكم سبب هذا الخلاف الذى رد إليه قضاءه وسنده من القانون. كما أن قضاء الحكم مخالف للقانون ذلك لأن المادة 14 نصت على "أن البضائع المراد إدخالها بطريق البر يجب تقديمها لمكتب الجمرك الأقرب للحدود" والسجاير موضوع هذه الدعوى إذ خصصت فى بادئ الأمر لاستهلاك الجيش البريطاني وسلمت إلى المطعون عليه داخل الكانتين بحضور مندوب من الجمرك وردت الرسوم الجمركية المقدرة عليها إلى شركة سالونيكا، تعتبر بذلك كأنها خرجت من مصر وأعيد تصديرها إلى الخارج. فإذا أراد المطعون عليه إدخالها إلى داخل القطر وجب عليه تقديمها لمكتب الجمرك - ولا فرق بين ما إذا كانت هذه السجاير الغير مسددة عنها الرسوم قد وردت من الخارج لأول مرة وبين ما إذا كانت قد سددت عنها الرسوم ثم أعفيت منها وردت الرسوم إلى شركة سالونيكا - ذلك لأن حالة الإعفاء تنتهى بمجرد زوال سببها وعندئذ يتعين إذا ما أريد إدخالها إلى البلاد المصرية دفع الرسم المقرر عليها.
ومن حيث إن هذا السبب مردود بما ثبت من المستندات المقدمة من الطاعنين أنفسهم من أن المطعون عليه استأجر مخزنا للبيع (كانتينا) من الجيش البريطاني ابتداء من عام 1941 وأقام هو مبانيه وظل عقد إجارته يتجدد عاما بعد عام حتى أنذر فى 22/ 12/ 1946 بضرورة الإخلاء فى نهاية العام ولمفاجأته بهذا الإنذار ولمطالبته بهدم مبانيه ولضيق الوقت فقد بذل قصارى جهده لدى رئيس المعسكر التابع له ليشفع له فى تجديد عقده أو ليمكن له فى تسليم ما بقى لديه من سجاير إلى المستأجر الجديد بالثمن الذى يتفقان عليه وإلا فبطريقة التحكيم. وسعى فى خلال ذلك لدى شركة سالونيكا التي ابتاع منها تلك السجاير ووسط لديها الوسطاء وتوسل إليها بالكثير من الرسائل لتنقذه من خسارة محققة فوعدته على لسان الوسيط أنها ستكلف رجالها بتوزيع السجاير على (الكانتينات) المختلفة ولكنها عادت فتنكرت له، ولو أنه أفلح فى مسعاه لعادت السجاير إلى المعسكرات ولما كان لمصلحة الجمارك من سلطان عليه ولا على غيره ممن يتسلمون تلك السجاير داخل المعسكرات أينما وجدت لأنها كلها تتمتع بالإعفاء الجمركي بمقتضى وفاق 14/ 7/ 1921 وملحق المعاهدة المصرية الإنجليزية لعام 1936 وللقانون رقم 24 لسنة 1941 ولذلك لا يستساغ قول الطاعنين إن خروج السجاير من الكانتين بغير إخطار لأقرب جمرك يعتبر تهريبا وأن الكانتين يعتبر فى نظرها منطقة جمركية وأن إخراج البضائع منه يعتبر إخراجا من القطر المصري - هذا القول فى جملته غير سائغ ولا صحيح في القانون ولأن نقل البضاعة من كانتين إلى آخر مثله أو من معسكر للجيش البريطاني إلى غيره من المعسكرات لا يمكن اعتباره تهريبا لأن الكل فى الإعفاء سواء ولأن سداد الرسوم عند الخروج من كانتين أو معسكر ثم ردها بالتالي عند الدخول في مثيله إنما يكون عبثا ينزه عنه المشرع. ولذلك جرى قضاء هذه المحكمة (الطعن 321 سنة 20 ق) بأن القانون رقم 24 لسنة 1941 الذى قرر إعفاء الجيوش البريطانية من سداد الرسوم الجمركية إنما جعل هذا الإعفاء مقصورا على ما تستورده لحاجتها (أو تشتريه من الداخل وترد عنه الرسوم الجمركية لبائعه كما هو الحال فى النزاع الحالي) وما يخرج عن حاجتها وما يملكه أفرادها ملكا خاصا فلا يسرى عليه الإعفاء إذا حصل التصرف فيه. فإذا وصل إلى يد فرد من الأفراد كان عليه المبادرة إلى سداد الرسوم. فان لم يفعل وأطلقه خفية للتداول فى السوق اعتبر مهربا وفقا للمادة 33 من لائحة الجمارك وصح تعقبه وضبط البضاعة أينما وجدت - ولا جدال فى أن المطعون عليه كان ولا يزال المالك للسجاير. وأنه لم يتصرف فيها للغير. وأنه لم يطلقها للتداول خفية - ولم يثبت توافر نية التهريب عنده على ما سبق بيانه فى الرد على السبب الأول - وقصر كل
مجهوداته ومحاولاته بعد أن أجبر على الإخلاء والهدم على إعادة السجاير إلى المعسكرات البريطانية أو إلى الشركة البائعة بطريقة أو بأخرى من الطرق المشروعة - يفعل كل ذلك في علانية لا خفاء فيها وهو يصرح بأن السجاير مخصصة للجيش البريطاني وحده وأن بقاءها لديه سيرهقه ويحمله خسائر فادحة وأنه لا يستطيع بيعها محليا وقد أثبت الحكم المطعون فيه صدقه في كل ما قال به.
ومن حيث إن الطاعنين ينعون بالسبب الثالث على الحكم مخالفة القانون إذ قضى بمصادرة السجاير المضبوطة أو حبسها إلى أن تستوفى مصلحة الجمارك الرسم العادي المقرر عليها - ووجه المخالفة أن المصادرة عقوبة لا يتوقف الحكم بها على سداد الرسم أو عدم سداده.
ومن حيث إن هذا السبب مردود بأن الحكم إنما قصد بالمصادرة حبس السجاير حتى تستوفى مصلحة الجمارك الرسم الذى تستحقه وعبر الحكم عن ذلك بصراحة أكثر من مرة فى أسبابه. وفهم الطاعنون ذلك بدليل قولهم فى النعي إن الحكم قضى بمصادرة السجاير أو حبسها ومفهوم ذلك أن الحكم لم يقصد المصادرة المعتبرة عقوبة في القانون - وإلا لما أوقف نفاذها حتى تستوفى المصلحة الرسم لأن المصادرة لا تقبل وقف التنفيذ - وأخيرا فانه لا مصلحة للطاعنين في هذا النعي لو صح فهمهم أن قرار اللجنة الجمركية بالمصادرة يعتبر قائما حتى تستوفى الرسوم.
ومن حيث إنه لذلك كله يكون الطعن في غير محله ويتعين رفضه.

القضية 146 لسنة 20 ق جلسة 8 / 2 / 2004 دستورية عليا مكتب فني 11 ج 1 دستورية ق 34 ص 222

جلسة 8 فبراير سنة 2004

برئاسة السيد المستشار/ ممدوح مرعي - رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: إلهام نجيب نوار وماهر سامي يوسف والسيد عبد المنعم حشيش ومحمد خيري طه وسعيد مرعي عمرو وتهاني محمد الجبالي وحضور السيد المستشار/ نجيب جمال الدين علما - رئيس هيئة المفوضين وحضور السيد/ ناصر إمام محمد حسن - أمين السر.

-----------------

قاعدة رقم (34)
القضية رقم 146 لسنة 20 قضائية "دستورية"

1 - دعوى دستورية "نطاقها".
نطاق الدعوى الدستورية يتحدد بنطاق الدفع بعدم الدستورية الذي أثير أمام محكمة الموضوع، وفي الحدود التي تقدر فيها جديته وفقاً للبند (ب) من المادة (29) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979
2 - دعوى دستورية "حجية الحكم فيها - عدم قبول الدعوى".
سبق حسم المسألة الدستورية المثارة يستتبع عدم قبول الطعن عليها من جديد.
3 - تجريم "ضوابطه - استهداف الحفاظ على الرقعة الزراعية".
المشرع يملك بما له من سلطة تقديرية في مجال تنظيم الحقوق والواجبات - وبما لا إخلال فيه بالمصلحة العامة - أن يحدد وفق أسس موضوعية ومن خلال النظم العقابية التي يقرها، أركان كل جريمة دون أن يفرض عليه الدستور طرائق بذاتها لضبطها تعريفاً بها، ودون إخلال بضرورة أن تكون الأفعال التي جرمتها هذه النظم قاطعة في بيان الحدود الضيقة لنواهيها، فلا يشوبها الغموض أو تتداخل معها أفعال مشروعة يحميها الدستور. مؤدى ذلك: أن الجرائم التي تناولها قانون الزراعة، إنما تستهدف الحفاظ على الرقعة الزراعية ورد العدوان عليها.
4 - جزاء جنائي "دستوريته - ضوابطه".
الجزاء الجنائي لا يكون مخالفاً للدستور إلا إذا اختل التعادل بصورة ظاهرة بين مداه وطبيعة الجريمة التي تعلق بها.

-----------------
1 - وحيث إن المدعي وإن ضمن صحيفة دعواه الدستورية، الطعن بعدم دستورية نص المادتين (158، 159) من القانون رقم 153 لسنة 1966 المعدل بالقانون رقم 116 لسنة 1983، إلا أن من المقرر - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن نطاق الدعوى الدستورية إنما يتحدد بنطاق الدفع بعدم الدستورية المبدى أمام محكمة الموضوع، وفي الحدود التي تقدر فيها جديته. وإذا كان ما تقدم، وكان المدعي قد دفع أمام محكمة الموضوع بعدم دستورية نص المادتين (151، 155) من القانون رقم 53 لسنة 1966 المشار إليه، وانحصر في هذا النطاق وحده التصريح الصادر له برفع الدعوى الدستورية، فإن الطعن على نص المادتين (158، 159) يكون مجاوزاً نطاق المسائل الدستورية التي تُدعى هذه المحكمة للفصل فيها، لتغدو الدعوى بالنسبة لهذين النصين غير مقبولة، لعدم اتصالها بالمحكمة اتصالاً مطابقاً للأوضاع المنصوص عليها في المادة (29/ ب) من قانونها الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979.
2 - وحيث إنه بالنسبة للطعن على ما نصت عليه الفقرة الأخيرة من المادة (155) من القانون رقم 53 لسنة 1966 من أنه "وفي جميع الأحوال لا يجوز الحكم بوقف تنفيذ العقوبة" فقد سبق للمحكمة الدستورية العليا أن حسمت المسألة المتعلقة بمدى دستورية هذا النص بحكمها الصادر بجلسة 9/ 5/ 1998 في الدعوى رقم 64 لسنة 19 قضائية "دستورية" القاضي "بعدم دستورية الفقرة الأخيرة من المادة (155) من قانون الزراعة الصادر بالقانون رقم 53 لسنة 1966، وذلك فيما نصت عليه من عدم جواز وقف تنفيذ عقوبتي الحبس والغرامة المنصوص عليهما بالفقرة الأولى من هذه المادة". وإذ نشر هذا الحكم في الجريدة الرسمية بعددها رقم (21) بتاريخ 21/ 5/ 1998، وكان مقتضى نص المادتين (48، 49) من قانون المحكمة الدستورية العليا، أن يكون لقضاء هذه المحكمة حجية مطلقة في مواجهة الكافة وبالنسبة إلى الدولة بسلطاتها المختلفة، باعتباره قولاً فصلاً في المسألة المقضي فيها، وهي حجية تحول بذاتها دون المجادلة فيه أو إعادة طرحه عليها من جديد، مما يتعين معه الحكم بعدم قبول الدعوى بالنسبة للطعن على النص المشار إليه.
3 - وحيث إنه عن نعي المدعي غموض النص التشريعي وعدم تحديده، فإنه مردود، ذلك أن المقرر أن المشرع يملك بما له من سلطة تقديرية في مجال تنظيم الحقوق والواجبات - وبما لا إخلال فيه بالمصلحة العامة - أن يحدد وفق أسس موضوعية ومن خلال النظم العقابية التي يقرها، أركان كل جريمة دون أن يفرض عليه الدستور طرائق بذاتها لضبطها تعريفاً بها، ودون إخلال بضرورة أن تكون الأفعال التي جرمتها هذه النظم قاطعة في بيان الحدود الضيقة لنواهيها، فلا يشوبها الغموض أو تتداخل معها أفعال مشروعة يحميها الدستور. والمقصود بغموض النص العقابي - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن يجهل المشرع بالأفعال التي أَثّمها فلا يكون بيانها واضحاً جلياً ولا تحديدها قاطعاً أو فهمها مستقيماً بل مبهماً خافياً على أوساط الناس، باختلافهم حول فحوى النص العقابي المؤثم لها ودلالته ونطاق تطبيقه وحقيقة ما يرمي إليه، ليصير إنفاذ هذا النص مرتبطاً بمعايير شخصية مرجعها إلى تقدير القائمين على تطبيقه لحقيقة محتواه، وإحلال فهمهم الخاص لمقاصده محل مراميه الحقيقية وصحيح مضمونه.
وحيث إن الجريمة في مفهومها القانوني تتمثل في الإخلال بنص عقابي، وكان وقوعها يكون بفعل أو امتناع يتحقق به هذا الإخلال، وهو ما أكدته المادة (66) من الدستور في نصها على أن "العقوبة شخصية. ولا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون، ولا توقع عقوبة إلا بحكم قضائي، ولا عقاب إلا على الأفعال اللاحقة لتاريخ نفاذ القانون"، فقد دل ذلك على أن لكل جريمة ركناً مادياً لا قوام لها بغيره يتمثل في فعل أو امتناع وقع بالمخالفة لنص عقابي، ذلك أن العلائق التي يتناولها القانون الجنائي بالتنظيم محورها الأفعال ذاتها إيجابية كانت أم سلبية، باعتبارها مناط التجريم وعلته، وهي التي يتصور إثباتها أو نفيها، ويتم على ضوئها التمييز بين الجرائم بعضها البعض، كما تديرها محكمة الموضوع على حكم العقل لتقييمها وتقدير العقوبة التي تناسبها وفقاً للقانون. لما كان ذلك، وكانت الجرائم التي تناولها قانون الزراعة، إنما تستهدف الحفاظ على الرقعة الزراعية ورد العدوان عليها، والتي تعتبر من أولى حلقاته تبوير الأرض الزراعية أو المساس بخصوبتها، بغية تغيير معالمها ثم استخدامها في أغراض أخرى لا تتعلق بالزراعة، ومن أجل ذلك تدخل المشرع بالنص الطعين مؤثماً كل فعل أو امتناع يمسها من خلال نظرة غائية هي الجامعة بين الفئتين، ومعتمداً لتحديدها ضابط عام يكون كاشفاً عن ماهية الأفعال التي حظرها ومحدداً لمضمونها بالرجوع إلى مراميها والغرض المقصود منها، ليكون مناط تجريمها ارتكابها بقصد تبوير الأرض الزراعية أو المساس بخصوبتها، فكلما كان ارتكاب الفعل أو الامتناع مستهدفاً تلك النتيجة المؤثمة، دل ذلك على وقوع مرتكبها في دائرة التجريم، وبهذا أتى النص الطعين محدداً تلك الأفعال أو الامتناع بطريقة واضحة لا لبس فيها أو غموض أو التواء، وهي قاطعة في اتجاهها مباشرة إلى الأغراض التي توختها لتأمين المصلحة المقصودة بالحماية، لتتوافر بذلك للجريمة التي تناولها هذا النص ركناها المادي والمعنوي، ولتتولى محكمة الموضوع تحريهما وصولاً إلى التحقق من وقوع الجريمة ونسبتها إلى فاعلها وتقدير العقوبة المناسبة لها، وليس فيما انتهجه المشرع بالنص الطعين ابتداع غير مسبوق، إذ كثيراً ما يعتمد قانون العقوبات - وهو الشريعة العامة في مجال التجريم والعقاب - هذا المنحى في التأثيم.
4 - وحيث إنه في خصوص ما ينعاه المدعي على الجزاء الجنائي الذي تضمنته الفقرة الأولى من المادة (155) المطعون فيها من البعد بالعقوبة عن نطاق أغراضها الاجتماعية، فإنه مردود أيضاً، ذلك أن القانون الجنائي - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - وإن اتفق مع غيره من القوانين في سعيها لتنظيم علائق الأفراد سواء فيما بينهم أو من خلال روابطهم مع مجتمعهم، إلا أن القانون الجنائي يفارقها في اتخاذ العقوبة أداة لتقويم ما يصدر عنهم من أفعال نهاهم عن إتيانها، وهو بذلك يتغيا أن يحدد - من منظور اجتماعي - ما لا يجوز التسامح فيه من مظاهر سلوكهم، وأن يسيطر عليها بوسائل يكون قبولها اجتماعياً ممكناً، بما مؤداه أنه كلما كان الجزاء مقرراً لضرورة، ومفيداً من وجهة اجتماعية، ومتناسباً مع الأفعال التي أثمها المشرع أو منعها، متصاعداً مع خطورتها كان موافقاً للدستور.
وحيث إن التجريم المقرر بنص الفقرة الثانية من المادة (151) المطعون فيها والذي التزم - على ما تقدم البيان - حدود الضرورة الاجتماعية التي تبرره، قد اقترن بالجزاء الجنائي المقرر بنص الفقرة الأولى من المادة (155) الطعين، والذي تحدد في عقوبتي الحبس والغرامة في الحدود التي بينها المشرع، واللتين فرضهما المشرع كعقوبة أصلية على اقتراف الأفعال أو الامتناع المبينة بنص الفقرة الثانية من المادة (151) المشار إليه، وكان هذا الجزاء قد وقع بالضرورة في إطار اجتماعي مستنداً إلى قيم ومصالح اجتماعية تسوغه، باعتباره أسلوباً ملائماً لردع الجناة دون غلو أو شطط، ولا يحول بين السلطة القضائية ومباشرة مهمتها في مجال تفريده، فلا يكون قدره إلا مناسباً لوزن الجريمة وملابساتها وأحوال مرتكبها.
وحيث إنه يبين مما تقدم جميعه أن النصين المطعون فيهما قد التزما الحدود الدستورية للتجريم والعقاب، فإن قالة مخالفتهما لنص المادة (66) من الدستور يكون في غير محله، كما لا يتعارض هذان النصان مع أي حكم آخر في الدستور.


الإجراءات

بتاريخ 8 من يوليه سنة 1998 أودع المدعي صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة، طالباً الحكم بعدم دستورية نص المادتين (151، 155) من القانون رقم 116 لسنة 1983 بتعديل بعض أحكام قانون الزراعة الصادر بالقانون رقم 53 لسنة 1966.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم: بعدم قبول الدعوى بالنسبة لنص المادة (155)، وبرفض الدعوى بالنسبة لنص المادة (151) المشار إليهما.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونُظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع - على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - تتحصل في أن النيابة العامة كانت قد قدمت المدعي للمحاكمة الجنائية في القضيتين رقمي 1089، 1193 لسنة 1996 جنح مستعجل منيا القمح، متهمة إياه بأنه في يومي 28/ 3/ 1996، 30/ 3/ 1996 بدائرة مركز منيا القمح وهو حائز لأرض زراعية ارتكب أفعالاً من شأنها تبويرها والمساس بخصوبتها، وطلبت معاقبته بالمادتين (151، 155) من قانون الزراعة الصادر بالقانون رقم 53 لسنة 1966 المعدل بالقانون رقم 116 لسنة 1983 والمستبدلتين بالقانون رقم 2 لسنة 1985، وقررت المحكمة ضم الدعويين للارتباط، وبجلسة 24/ 2/ 1998 قضت المحكمة حضورياً بحبس المدعي شهراً مع الشغل وكفالة 20 جنيهاً وتغريمه عشرة آلاف جنيه والإزالة، فاستأنف المدعي هذا الحكم وقيد استئنافه برقم 625 لسنة 1998 جنح مستأنفة مركز منيا القمح، وإذ قضت محكمة الجنح المستأنفة غيابياً بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف، فقد عارض فيه المدعي، وأثناء نظر المعارضة دفع بعدم دستورية نص المادتين (151، 155) المشار إليهما، وإذ قدرت المحكمة جدية هذا الدفع وصرحت للمدعي بإقامة الدعوى الدستورية، فقد أقام دعواه الماثلة، خلال أجلها المحدد.
وحيث إن المدعي وإن ضمن صحيفة دعواه الدستورية، الطعن بعدم دستورية نص المادتين (158، 159) من القانون رقم 153 لسنة 1966 المعدل بالقانون رقم 116 لسنة 1983، إلا أن من المقرر - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن نطاق الدعوى الدستورية إنما يتحدد بنطاق الدفع بعدم الدستورية المبدى أمام محكمة الموضوع، وفي الحدود التي تقدر فيها جديته. وإذا كان ما تقدم، وكان المدعي قد دفع أمام محكمة الموضوع بعدم دستورية نص المادتين (151، 155) من القانون رقم 53 لسنة 1966 المشار إليه، وانحصر في هذا النطاق وحده التصريح الصادر له برفع الدعوى الدستورية، فإن الطعن على نص المادتين (158، 159) يكون مجاوزاً نطاق المسائل الدستورية التي تُدعى هذه المحكمة للفصل فيها، لتغدو الدعوى بالنسبة لهذين النصين غير مقبولة، لعدم اتصالها بالمحكمة اتصالاً مطابقاً للأوضاع المنصوص عليها في المادة (29/ ب) من قانونها الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979.
وحيث إنه بالنسبة للطعن على ما نصت عليه الفقرة الأخيرة من المادة (155) من القانون رقم 53 لسنة 1966 من أنه "وفي جميع الأحوال لا يجوز الحكم بوقف تنفيذ العقوبة" فقد سبق للمحكمة الدستورية العليا أن حسمت المسألة المتعلقة بمدى دستورية هذا النص بحكمها الصادر بجلسة 9/ 5/ 1998 في الدعوى رقم 64 لسنة 19 قضائية "دستورية" القاضي "بعدم دستورية الفقرة الأخيرة من المادة (155) من قانون الزراعة الصادر بالقانون رقم 53 لسنة 1966، وذلك فيما نصت عليه من عدم جواز وقف تنفيذ عقوبتي الحبس والغرامة المنصوص عليهما بالفقرة الأولى من هذه المادة". وإذ نشر هذا الحكم في الجريدة الرسمية بعددها رقم (21) بتاريخ 21/ 5/ 1998، وكان مقتضى نص المادتين (48، 49) من قانون المحكمة الدستورية العليا، أن يكون لقضاء هذه المحكمة حجية مطلقة في مواجهة الكافة وبالنسبة إلى الدولة بسلطاتها المختلفة، باعتباره قولاً فصلاً في المسألة المقضى فيها، وهي حجية تحول بذاتها دون المجادلة فيه أو إعادة طرحه عليها من جديد، مما يتعين معه الحكم بعدم قبول الدعوى بالنسبة للطعن على النص المشار إليه.
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة - وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية - مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الفصل في المسألة الدستورية لازماً للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع.
وحيث إن غاية المدعي هو الطعن على نص المادتين (151، 155) من قانون الزراعة الصادر بالقانون رقم 53 لسنة 1966 المضافتين بالقانون رقم 116 لسنة 1983 والمستبدلتين بالقانون رقم 2 لسنة 1985، والتي تنص أولاهما وهي المادة (151) على أن "يحظر على المالك أو نائبه أو المستأجر أو الحائز للأرض الزراعية بأية صفة ترك الأرض غير منزرعة لمدة سنة من تاريخ آخر زراعة رغم توافر مقومات صلاحيتها للزراعة ومستلزمات إنتاجها التي تحدد بقرار من وزير الزراعة.
كما يحظر عليهم ارتكاب أي فعل أو الامتناع عن أي عمل من شأنه تبوير الأرض الزراعية أو المساس بخصوبتها".
وتنص ثانيهما وهي المادة (155) على أن "يعاقب على مخالفة حكم المادة (151) من هذا القانون بالحبس وبغرامة لا تقل عن خمسمائة جنيه ولا تزيد على ألف جنيه عن كل فدان أو جزء منه من الأرض موضوع المخالفة.
وإذا كان المخالف هو المالك أو نائبه، وجب أن يتضمن الحكم الصادر بالإدانة تكليف الإدارة الزراعية المختصة بتأجير الأرض المتروكة لمن يتولى زراعتها عن طريق المزارعة لحساب المالك لمدة سنتين، تعود بعدها الأرض لمالكها أو نائبه، وذلك وفقاً للقواعد التي يصدر بها قرار من وزير الزراعة.
وإذا كان المخالف هو المستأجر أو الحائز دون المالك وجب أن يتضمن الحكم الصادر بالعقوبة إنهاء عقد الإيجار فيما يتعلق بالأرض المتروكة وردها للمالك لزراعتها.
ولوزير الزراعة قبل الحكم في الدعوى أن يأمر بوقف أسباب المخالفة أو إزالتها بالطريق الإداري وعلى نفقة المخالف".
وحيث إنه متى كان ما تقدم، وكان الاتهام الموجه للمدعي، أنه وهو حائز لأرض زراعية ارتكب أفعالاً من شأنها تبويرها والمساس بخصوبتها، والذي أثمته الفقرة الثانية من المادة (151) المشار إليها، فإن المصلحة الشخصية المباشرة للمدعي تكون متحققة بالنسبة للطعن على نص هذه الفقرة، كما تتحقق مصلحته كذلك في الطعن على نص الفقرة الأولى من المادة (155) المحدد للعقوبة الأصلية التي فرضها المشرع على اقتراف هذا الفعل، وذلك كله دون نص الفقرة الأولى من المادة (151) وباقي فقرات المادة (155) لعدم تعلقها - في الحدود المتقدمة وما قضى به الحكم الصادر بالإدانة سالف الذكر - بالاتهام الجنائي المواجه به المدعي، وبالتالي لا تشملها الخصومة الدستورية الراهنة.
وحيث إن المدعي ينعى على النصين المطعون فيهما مخالفة نص المادة (66) من الدستور، قولاً بأن التجريم المقرر بنص الفقرة الثانية من المادة (151) يشوبه الغموض وعدم التحديد، وأن الجزاء الذي تضمنته الفقرة الأولى من المادة (155) يتسم بالبعد بالعقوبة عن أغراضها الاجتماعية.
وحيث إنه عن نعى المدعي غموض النص التشريعي وعدم تحديده، فإنه مردود، ذلك أن المقرر أن المشرع يملك بما له من سلطة تقديرية في مجال تنظيم الحقوق والواجبات - وبما لا إخلال فيه بالمصلحة العامة - أن يحدد وفق أسس موضوعية ومن خلال النظم العقابية التي يقرها، أركان كل جريمة دون أن يفرض عليه الدستور طرائق بذاتها لضبطها تعريفاً بها، ودون إخلال بضرورة أن تكون الأفعال التي جرمتها هذه النظم قاطعة في بيان الحدود الضيقة لنواهيها، فلا يشوبها الغموض أو تتداخل معها أفعال مشروعة يحميها الدستور. والمقصود بغموض النص العقابي - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن يجهل المشرع بالأفعال التي أَثّمها فلا يكون بيانها واضحاً جلياً ولا تحديدها قاطعاً أو فهمها مستقيماً بل مبهماً خافياً على أوساط الناس، باختلافهم حول فحوى النص العقابي المؤثم لها ودلالته ونطاق تطبيقه وحقيقة ما يرمي إليه، ليصير إنفاذ هذا النص مرتبطاً بمعايير شخصية مرجعها إلى تقدير القائمين على تطبيقه لحقيقة محتواه، وإحلال فهمهم الخاص لمقاصده محل مراميه الحقيقية وصحيح مضمونه.
وحيث إن الجريمة في مفهومها القانوني تتمثل في الإخلال بنص عقابي، وكان وقوعها يكون بفعل أو امتناع يتحقق به هذا الإخلال، وهو ما أكدته المادة (66) من الدستور في نصها على أن "العقوبة شخصية. ولا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون، ولا توقع عقوبة إلا بحكم قضائي، ولا عقاب إلا على الأفعال اللاحقة لتاريخ نفاذ القانون"، فقد دل ذلك على أن لكل جريمة ركناً مادياً لا قوام لها بغيره يتمثل في فعل أو امتناع وقع بالمخالفة لنص عقابي، ذلك أن العلائق التي يتناولها القانون الجنائي بالتنظيم محورها الأفعال ذاتها إيجابية كانت أم سلبية، باعتبارها مناط التجريم وعلته، وهي التي يتصور إثباتها أو نفيها، ويتم على ضوئها التمييز بين الجرائم بعضها البعض، كما تديرها محكمة الموضوع على حكم العقل لتقييمها وتقدير العقوبة التي تناسبها وفقاً للقانون. لما كان ذلك، وكانت الجرائم التي تناولها قانون الزراعة، إنما تستهدف الحفاظ على الرقعة الزراعية ورد العدوان عليها، والتي تعتبر من أولى حلقاته تبوير الأرض الزراعية أو المساس بخصوبتها، بغية تغيير معالمها ثم استخدامها في أغراض أخرى لا تتعلق بالزراعة، ومن أجل ذلك تدخل المشرع بالنص الطعين مؤثماً كل فعل أو امتناع يمسها من خلال نظرة غائية هي الجامعة بين الفئتين، ومعتمداً لتحديدها ضابط عام يكون كاشفاً عن ماهية الأفعال التي حظرها ومحدداً لمضمونها بالرجوع إلى مراميها والغرض المقصود منها، ليكون مناط تجريمها ارتكابها بقصد تبوير الأرض الزراعية أو المساس بخصوبتها، فكلما كان ارتكاب الفعل أو الامتناع مستهدفاً تلك النتيجة المؤثمة، دل ذلك على وقوع مرتكبها في دائرة التجريم، وبهذا أتى النص الطعين محدداً تلك الأفعال أو الامتناع بطريقة واضحة لا لبس فيها أو غموض أو التواء، وهي قاطعة في اتجاهها مباشرة إلى الأغراض التي توختها لتأمين المصلحة المقصودة بالحماية، لتتوافر بذلك للجريمة التي تناولها هذا النص ركناها المادي والمعنوي، ولتتولى محكمة الموضوع تحريهما وصولاً إلى التحقق من وقوع الجريمة ونسبتها إلى فاعلها وتقدير العقوبة المناسبة لها، وليس فيما انتهجه المشرع بالنص الطعين ابتداع غير مسبوق، إذ كثيراً ما يعتمد قانون العقوبات - وهو الشريعة العامة في مجال التجريم والعقاب - هذا المنحى في التأثيم.
وحيث إنه في خصوص ما ينعاه المدعي على الجزاء الجنائي الذي تضمنته الفقرة الأولى من المادة (155) المطعون فيها من البعد بالعقوبة عن نطاق أغراضها الاجتماعية، فإنه مردود أيضاً، ذلك أن القانون الجنائي - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - وإن اتفق مع غيره من القوانين في سعيها لتنظيم علائق الأفراد سواء فيما بينهم أو من خلال روابطهم مع مجتمعهم، إلا أن القانون الجنائي يفارقها في اتخاذ العقوبة أداة لتقويم ما يصدر عنهم من أفعال نهاهم عن إتيانها، وهو بذلك يتغيا أن يحدد - من منظور اجتماعي - ما لا يجوز التسامح فيه من مظاهر سلوكهم، وأن يسيطر عليها بوسائل يكون قبولها اجتماعياً ممكناً، بما مؤداه أنه كلما كان الجزاء مقرراً لضرورة، ومفيداً من وجهة اجتماعية، ومتناسباً مع الأفعال التي أثمها المشرع أو منعها، متصاعداً مع خطورتها كان موافقاً للدستور.
وحيث إن التجريم المقرر بنص الفقرة الثانية من المادة (151) المطعون فيها والذي التزم - على ما تقدم البيان - حدود الضرورة الاجتماعية التي تبرره، قد اقترن بالجزاء الجنائي المقرر بنص الفقرة الأولى من المادة (155) الطعين، والذي تحدد في عقوبتي الحبس والغرامة في الحدود التي بينها المشرع، واللتين فرضهما المشرع كعقوبة أصلية على اقتراف الأفعال أو الامتناع المبينة بنص الفقرة الثانية من المادة (151) المشار إليه، وكان هذا الجزاء قد وقع بالضرورة في إطار اجتماعي مستنداً إلى قيم ومصالح اجتماعية تسوغه، باعتباره أسلوباً ملائماً لردع الجناة دون غلو أو شطط، ولا يحول بين السلطة القضائية ومباشرة مهمتها في مجال تفريده، فلا يكون قدره إلا مناسباً لوزن الجريمة وملابساتها وأحوال مرتكبها.
وحيث إنه يبين مما تقدم جميعه أن النصين المطعون فيهما قد التزما الحدود الدستورية للتجريم والعقاب، فإن قالة مخالفتهما لنص المادة (66) من الدستور يكون في غير محله، كما لا يتعارض هذان النصان مع أي حكم آخر في الدستور.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة برفض الدعوى، وبمصادرة الكفالة، وألزمت المدعي المصروفات ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

الطعن 15731 لسنة 90 ق جلسة 15 / 1 / 2022 مكتب فنى 73 ق 16 ص 131

جلسة 15 من يناير سنة 2022

برئاسة السيـد القاضي / عبد الرحيم زكريا يوسف نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة القضاة / عبد الصمد محمد هريدي، سامح إبراهيم، صلاح أبو رابح وصلاح الدين فتحي الخولي نواب رئيس المحكمة.

-----------------

(16)

الطعن رقم 15731 لسنة 90 القضائية

(1 - 3) إيجار " تشريعات إيجار الأماكن : أسباب الإخلاء : استثناءات من حظر التنازل عن الإيجار والتأجير من الباطن : التنازل عن إيجار المنشأة الطبية ".

(1) مستأجر المنشأة الطبية. له ولورثته من بعده التنازل عنها في أي وقت لطبيب. علة ذلك. الاتفاق على اعتبار عقد الإيجار مفسوخاً عند التنازل عن الإجارة دون إذن المؤجر. لا أثر له. علة ذلك. المواد 1، 5، 16 ق51 لسنة 1981.

(2) صدور ق 6 لسنة 1997 بتعديل م 29 /2 ق 49 لسنة 1977 لاحقاً للق 51 لسنة 1981. مؤداه. تطبيق قيود امتداد عقد الإيجار المبرم لمزاولة نشاط تجارى أو صناعي أو مهني أو حرفي الواردة بأولهما على ثانيهما بشأن امتداد عقد إيجار المنشأة الطبية. لازمه. ممارسة ورثة الطبيب المستأجر ذات نشاط مورثهم بالعين ولو بواسطة نائبٍ عـنهم. علة ذلك. تعلقه بالنظام العام.

(3) ثبوت استغلال عين النزاع عقب وفاة المستأجر الأصلي في ذات نشاطه كعيادة طبية وإدارتها لصالح ورثته بواسطة طبيب مرخص له بمزاولة المهنة. أثره. انتقال الحقوق المتولدة عن عقد الإيجار إليهم بقوة القانون. مخالفة الحكم المطعون فيه هذا النظر وقضاؤه بإنهاء عقد الإيجار والإخلاء على سند إدارة العيادة بواسطة شخص لا علاقة له بالمستأجر الأصلي. خطأ.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1- المقرر - في قضاء محكمة النقض - أن النص في المادتين الأولى والخامسة من القانون رقم 51 لسنة 1981 بتنظيم المنشآت الطبية، يدل على أن لمستأجر المنشأة الطبية ولورثته من بعده التنازل عنها - في أي وقت - لطبيب حرصاً من المشرع على الإبقاء على المنشآت الطبية حتى لا يتأثر نشاطها بوفاة صاحبها أو تنازله عنها، ولا يحول دون ذلك الاتفاق في عقد الإيجار على اعتباره مفسوخاً في حالة تنازل المستأجر عن الإجارة دون إذن من المؤجر ؛ لأن هذا الشرط يتعارض مع نص قانوني متعلق بالنظام العام تَحرُم مخالفته بنص المادة 16 من القانون رقم 51 لسنة 1981 المشار إليه آنفاً.

2- المقرر - في قضاء محكمة النقض - أن القانون رقم 6 لسنة 1997 بتعديل الفقرة الثانية من المادة 29 من القانون رقم 49 لسنة 1977 اللاحق على القانون رقم 51 لسنة 1981 والذى اشترط لامتداد عقد الإيجار المبرم لمزاولة نشاط تجاري أو صناعي أو حرفي أو مهني ممارسة ورثة المستأجر الأصلي من بعد وفاته لذات نشاط مورثهم بالعين طبقاً للعقد سواء بالذات أو بواسطة نائب عنهم، وكانت نصوص هذا القانون متعلقة بالنظام العام ولا يجوز مخالفتها فيتعين إعمالها على عقد إيجار المنشأة الطبية بأن يُستلزم ممارسة ورثة الطبيب ذات نشاط مورثهم بالعين ولو بواسطة نائب عنهم - طبيب مرخص له بمزاولة المهنة -.

3- إذ كان الثابت من أوراق الدعوى وتقرير الخبير المودع أن المستأجر الأصلي - والد الطاعنَين - كان يستغل العين المؤجرة كعيادة طبية، وقد توفي في غضون عام 2017، وأن العين المؤجرة تُستغل في ذات نشاط المستأجر الأصلي عقب وفاته، ويباشر العمل بها طبيب مرخص له في مزاولة المهنة، وهو ما تأيد بأقوال شاهدي الطاعنَين أمام محكمة أول درجة وكذلك عقد الاتفاق المبرم بين ورثة المستأجر الأصلي والطبيب المرخص له بمزاولة المهنة والمتضمن قيامه بإدارة العيادة الطبية لصالح ورثة المستأجر الأصلي ؛ ومن ثم تنتقل الحقوق المتولدة عن عقد الإيجار لصالحهم بقوة القانون، ويحق لهم الانتفاع بالعين المؤجرة بذات حقوق المستأجر الأصلي، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر وانتهى في قضائه لانتهاء العلاقة الإيجارية والإخلاء على ما ذهب إليه من أن القائم بإدارة العيادة الطبية بالعين المؤجرة شخص آخر ليس له علاقة بالمستأجر الأصلي، فإنه يكون معيباً بالخطأ في تطبيق القانون.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المحكمــة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الـذي تـلاه السيد القاضي المقرر، والمرافعة، وبعد المداولة.

حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.

وحيث إن الوقائع – على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن المطعون ضدهم أقاموا على الطاعنَين الدعوى رقم.... لسنة 2017 إيجارات أمام محكمة دمياط الابتدائية بطلب الحكم بانتهاء العلاقة الإيجارية وإخلاء عين النزاع والتسليم، وقالوا بياناً لذلك : إنه بموجب عقد إيجار غير مؤرخ يبدأ من 1/1/1980 استأجر مورث الطاعنَين من مورثهم عين النزاع لاستعمالها عيادة طبية، وإذ توفى المستأجر الأصلي ولم يمارس أي من ورثته أو من ينوب عنهما ذات النشاط فقد أقاموا الدعوى، أحالت المحكمة الدعوى للتحقيق، وبعد سماع شهود الطرفين حكمت برفضها، استأنف المطعون ضدهم هذا الحكم بالاستئناف رقم.... لسنة 50 ق استئناف المنصورة " مأمورية دمياط "، ندبت المحكمة خبيراً، وبعد إيداع تقريره قضت بتاريخ 18/8/2020 بإلغاء الحكم المستأنف وبطلبات المطعون ضدهم، طعن الطاعنان في هذا الحكم بطريق النقض، وأودعت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن، وإذ عُرِض الطعن على هذه المحكمة - في غرفة مشورة – حددت جلسة لنظره، وفيها التزمت النيابة رأيها.

وحيث إن مما ينعى به الطاعنان على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون ومخالفة الثابت بالأوراق، وفى بيان ذلك يقولان : إن عين النزاع لم تُغلق بعد وفاة مورثهما المستأجر الأصلي، وأنها مستغلة في ذات نشاطه، وقد عهدا لطبيب مرخص له في مزاولة تلك المهنة، وهو ما ثبت بأوراق الدعوى وتقرير الخبير الذى ندبته محكمة ثاني درجة، وما تأيد بأقوال شاهديهما بالتحقيق أمام محكمة أول درجة وكذلك عقد العمل المؤرخ 3/6/2017 المرفق صورته بالأوراق والمودع نقابة الأطباء بدمياط ؛ ومن ثم فقد توافرت شروط امتداد عقد الإيجار في حقهما، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر وقضى بانتهاء العلاقة الإيجارية على ما ذهب إليه من عدم قيام ورثة المستأجر الأصلي بمباشرة ذات نشاطه، وأن نجله طبيب أسنان ويمتلك عيادة أخرى ويشغل عين النزاع طبيب آخر ليس أحد ورثته ؛ فإنه يكون معيباً بما يستوجب نقضه.

وحيث إن هذا النعي سديد ؛ ذلك أنه من المقرر – في قضاء هذه المحكمة – أن النص في المادة الأولى من القانون رقم 51 لسنة 1981 بتنظيم المنشآت الطبية على أنه " في تطبيق أحكام هذا القانون تُعتبر منشأة طبية كل مكان أُعِدَّ للكشف على المرضى أو علاجهم أو تمريضهم أو إقامة الناقهين....، وتشمل ما يأتي : أ- العيادة الطبية الخاصة : هي كل منشأة يملكها أو يستأجرها.... ويديرها طبيب"، والنص في المادة الخامسة منه على أنه " لا ينتهى عقد إيجار المنشأة الطبية بوفاة المستأجر أو تركه العين ويستمر لصالح ورثته وشركائه في استعمال العين بحسب الأحوال ويجوز له ولورثته من بعده التنازل عنها لطبيب مرخص له بمزاولة المهنة، وفى جميع الأحوال يلتزم المؤجر بتحرير عقد إيجار لمن لهم حق في الاستمرار في شغل العين "، يدل على أن لمستأجر المنشأة الطبية ولورثته من بعده التنازل عنها - في أي وقت - لطبيب حرصاً من المشرع على الإبقاء على المنشآت الطبية حتى لا يتأثر نشاطها بوفاة صاحبها أو تنازله عنها، ولا يحول دون ذلك الاتفاق في عقد الإيجار على اعتباره مفسوخاً في حالة تنازل المستأجر عن الإجارة دون إذن من المؤجر ؛ لأن هذا الشرط يتعارض مع نص قانوني متعلق بالنظام العام تَحرُم مخالفته بنص المادة 16 من القانون رقم 51 لسنة 1981 المشار إليه آنفاً، كما أنه من المقرر - أيضاً – أن القانون رقم 6 لسنة 1997 بتعديل الفقرة الثانية من المادة 29 من القانون رقم 49 لسنة 1977 اللاحق على القانون رقم 51 لسنة 1981 والذى اشترط لامتداد عقد الإيجار المبرم لمزاولة نشاط تجارى أو صناعي أو حرفي أو مهني ممارسة ورثة المستأجر الأصلي من بعد وفاته لذات نشاط مورثهم بالعين طبقاً للعقد سواء بالذات أو بواسطة نائب عنهم، وكانت نصوص هذا القانون متعلقة بالنظام العام ولا يجوز مخالفتها فيتعين إعمالها على عقد إيجار المنشأة الطبية بأن يُستلزم ممارسة ورثة الطبيب ذات نشاط مورثهم بالعين ولو بواسطة نائب عنهم - طبيب مرخص له بمزاولة المهنة -. لما كان ذلك، وكان الثابت من أوراق الدعوى وتقرير الخبير المودع أن المستأجر الأصلي - والد الطاعنَين - كان يستغل العين المؤجرة كعيادة طبية، وقد توفي في غضون عام 2017، وأن العين المؤجرة تُستغل في ذات نشاط المستأجر الأصلي عقب وفاته، ويباشر العمل بها طبيب مرخص له في مزاولة المهنة، وهو ما تأيد بأقوال شاهدي الطاعنَين أمام محكمة أول درجة وكذلك عقد الاتفاق المبرم بين ورثة المستأجر الأصلي والطبيب المرخص له بمزاولة المهنة والمتضمن قيامه بإدارة العيادة الطبية لصالح ورثة المستأجر الأصلي ؛ ومن ثم تنتقل الحقوق المتولدة عن عقد الإيجار لصالحهم بقوة القانون، ويحق لهم الانتفاع بالعين المؤجرة بذات حقوق المستأجر الأصلي، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر وانتهى في قضائه لانتهاء العلاقة الإيجارية والإخلاء على ما ذهب إليه من أن القائم بإدارة العيادة الطبية بالعين المؤجرة شخص آخر ليس له علاقة بالمستأجر الأصلي ؛ فإنه يكون معيباً بالخطأ في تطبيق القانون ؛ بما يوجب نقضه لهذا السبب دون حاجة لبحث باقي أسباب الطعن.

وحيث إن الموضوع صالح للفصل فيه، ولِما تقدم، وكان الحكم الابتدائي قد انتهى صحيحاً لرفض دعوى المطعون ضدهم بإنهاء العلاقة الإيجارية؛ فيكون جديراً بتأييده.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الأربعاء، 24 يوليو 2024

القضية 132 لسنة 20 ق جلسة 8 / 2 / 2004 دستورية عليا مكتب فني 11 ج 1 دستورية ق 33 ص 213

جلسة 8 فبراير سنة 2004

برئاسة السيد المستشار/ ممدوح مرعي - رئيس المحكمة وبحضور السادة المستشارين: إلهام نجيب نوار وماهر سامي يوسف ومحمد خيري طه وسعيد مرعي عمرو والدكتور عادل عمر شريف وتهاني محمد الجبالي. وحضور السيد المستشار/ نجيب جمال الدين علما - رئيس هيئة المفوضين وحضور السيد/ ناصر إمام محمد حسن - أمين السر.

-----------------

قاعدة رقم (33)
القضية رقم 132 لسنة 20 قضائية "دستورية"

1 - دعوى دستورية "المصلحة الشخصية المباشرة: مناطها - تحديد نطاق الدعوى في ضوئها".
مناط المصلحة الشخصية المباشرة كشرط لقبول الدعوى الدستورية، أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم في المسائل الدستورية لازماً للفصل في الطلبات الموضوعية المطروحة على محكمة الموضوع.
2 - عمل قضائي "تمييزه - لجان تقييم - لجنة إدارية".
إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن مجرد وجود عنصر قضائي في تشكيل لجنة، أو رئاسته لجنة يأتي تشكيلها من غير القضاة، لا يكفي بذاته لأنه يسبغ عليها الصفة القضائية. ذلك أن المناط في إسباغ هذه الصفة عليها هو طبيعة العمل الذي تقوم به اللجنة. فكلما كان جوهر هذا العمل يستهدف بلوغ الحقيقة فيما عهد إليها به من اختصاص، وكان السبيل إلى بلوغ هذه الحقيقة هو إتباع إجراءات رسمها القانون، والالتزام بقواعد معينة ترتبط برباط لا ينفصم في أن يغدو قراراها، فيما تصدت له، هو عنوان الحقيقة التي بلغتها، كأثر لإجراءات يتاح من خلالها لكل صاحب شأن أن يبدي ما يراه محققاً لمصلحته، دفعاً ودفاعاً، وقبولاً ورداً، ليخضع حاصل ذلك كله للبحث والتمحيص الواقعي والقانوني، فيقود اللجنة إلى قرار ينطق بالحقيقة التي استجلتها من واقع ما طرح عليها، فإن طبيعة عمل اللجنة، في هذه الحالة، تكون قضائية. أما إذا لم يكن عمل اللجنة كذلك، واقتصر الأمر على انفرادها بتقرير قيمة قدرتها لأعيان معينة، دون التزام بإجراءات تكفل تحقيق التوافق بين هذه القيمة باعتبار واقعاً، وبين قراراها الذي لم تتوافر له مقومات الارتباط بهذه الحقيقة الواقعة كي يكون عنواناً لها، فإنها لا تكون سوى لجنة إدارية.
3 - لجنة إدارية "خضوع قراراتها لرقابة القضاء".
لجنة تقييم رؤوس أموال المنشآت المنصوص عليها في المادة (3) من قرار رئيس الجمهورية رقم 73 لسنة 1963 المشار إليها، لا تعدو أن تكون لجنة إدارية، ويتعين خضوع ما يصدر عنها من قرارات لرقابة القضاء، إعمالاً لنص المادة (68) من الدستور.
4 - مبدأ المساواة "كفالته".
النص التشريعي الطعين قد أقام تمييزاً غير مبرر في شأن الصادرة في حقهم قرارات من اللجنة المشار إليها حين حظر عليهم الطعن فيها، حال إن هذا الطعن جائز لمن تصدر في حقهم قرارات من اللجان الإدارية الأخرى.

----------------
1 - وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة - وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية - مناطها ارتباطها عقلاً بالمصلحة التي يقوم عليها النزاع الموضوعي، وذلك بأن يكون الحكم في المسائل الدستورية التي تطرح على هذه المحكمة لازماً للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها، وكان النزاع الموضوعي الذي أثير الدفع بعدم الدستورية بمناسبته يتعلق بالطعن على قرارات لجنة تقييم رؤوس أموال المنشآت المنصوص عليها في المادة (3) من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 73 لسنة 1963 المشار إليه المطعون بعدم دستوريتها، فإن مصلحة المدعيين، والحال هذه، لا تشمل كامل أحكام هذه المادة، وإنما تنحصر فيما ورد بعجز الفقرة الثانية منها من أن "تكون قرارات اللجنة نهائية، وغير قابلة للطعن فيها بأي وجه من أوجه الطعن"، وبه وحده يتحدد نطاق الدعوى الدستورية المعروضة.
2 - وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن مجرد وجود عنصر قضائي في تشكيل لجنة، أو رئاسته لجنة يأتي تشكيلها من غير القضاة، لا يكفي بذاته لأنه يسبغ عليها الصفة القضائية. ذلك أن المناط في إسباغ هذه الصفة عليها هو طبيعة العمل الذي تقوم به اللجنة. فكلما كان جوهر هذا العمل يستهدف بلوغ الحقيقة فيما عهد إليها به من اختصاص، وكان السبيل إلى بلوغ هذه الحقيقة هو إتباع إجراءات رسمها القانون، والالتزام بقواعد معينة ترتبط برباط لا ينفصم في أن يغدو قراراها، فيما تصدت له، هو عنوان الحقيقة التي بلغتها، كأثر لإجراءات يتاح من خلالها لكل صاحب شأن أن يبدي ما يراه محققاً لمصلحته، دفعاً ودفاعاً، وقبولاً ورداً، ليخضع حاصل ذلك كله للبحث والتمحيص الواقعي والقانوني، فيقود اللجنة إلى قرار ينطق بالحقيقة التي استجلتها من واقع ما طرح عليها، فإن طبيعة عمل اللجنة، في هذه الحالة، تكون قضائية. أما إذا لم يكن عمل اللجنة كذلك، واقتصر الأمر على انفرادها بتقرير قيمة قدرتها لأعيان معينة، دون التزام بإجراءات تكفل تحقيق التوافق بين هذه القيمة باعتبار واقعاً، وبين قراراها الذي لم تتوافر له مقومات الارتباط بهذه الحقيقة الواقعة كي يكون عنواناً لها، فإنها لا تكون سوى لجنة إدارية، يتوجب فتح طريق الطعن في قرارها أمام القضاء الذي يملك، بالسبل المقررة له، تحقيق التوافق بين الحقيقة الواقعية، وبين ما يصدره من أحكام، هي بطبيعتها عنوان هذه الحقيقة.
3 - لجنة تقييم رؤوس أموال المنشآت المنصوص عليها في المادة (3) من قرار رئيس الجمهورية رقم 73 لسنة 1963 المشار إليها، لا تعدو أن تكون لجنة إدارية، ويتعين خضوع ما يصدر عنها من قرارات لرقابة القضاء، إعمالاً لنص المادة (68) من الدستور التي كفلت حق التقاضي للناس كافة، وحظرت النص في القوانين على تحصين أي عمل أو قرار إداري من رقابة القضاء. وإذ حظر النص الطعين خضوع قرارات هذه اللجنة للرقابة القضائية، فإنه يكون قد وقع في حومة المخالفة الدستورية.
4 - النص التشريعي الطعين قد أقام تمييزاً غير مبرر في شأن الصادرة في حقهم قرارات من اللجنة المشار إليها حين حظر عليهم الطعن فيها، حال إن هذا الطعن جائز لمن تصدر في حقهم قرارات من اللجان الإدارية الأخرى، وهو ما يشكل في حد ذاته خرقاً لمبدأ المساواة أمام القانون، الذي كفله الدستور في المادة (40) منه.


الإجراءات

بتاريخ الرابع والعشرين من يونيه سنة 1998، أودع المدعيان صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبين الحكم بعدم دستورية نص المادة (3) من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 73 لسنة 1963 بإنهاء تراخيص البحث وعقود استغلال المناجم وعقود استغلال الجبس والرمال البيضاء الممنوحة لأفراد أو شركات القطاع الخاص وبتأميم الأصول المستخدمة في استغلالها وأيلولة ملكيتها للدولة.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع - على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - حاصلها أن المدعيين كانا قد أقاما الدعوى رقم 1437 لسنة 40 القضائية أمام محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة، طالبني الحكم بإلغاء القرار الصادر بتقييم مصنع البويات الذي كان مملوكاً لوالدهما، والقائم بشارع نجم الدين بالعباسية، وبتقييمه تقييماً عادلاً، وبأحقيتهما للتعويض القانوني المستحق؛ وذلك على سند من القول بأن هذا المصنع قد استولت عليه الدولة طبقاً لأحكام القرار بقانون رقم 73 لسنة 1963 المشار إليه، وتم تقييمه (بصفر)، مما حدا بالمدعيين إلى إقامة دعواهما الموضوعية السابقة أمام محكمة القضاء الإداري، وأبديا في صحيفتها استعدادهما للطعن بعدم دستورية نص المادة (3) من ذلك القرار بقانون. وأثناء تداول الدعوى تقدما بمذكرة ضمناها دفعاً بعدم دستورية هذا النص، فقدرت المحكمة بجلسة 28/ 4/ 1998 جدية الدفع، وصرحت للمدعيين برفع الدعوى الدستورية أمام المحكمة الدستورية العليا خلال ثلاثة شهور، فأقاما دعواهما الماثلة، وقد أسس المدعيان دعواهما الدستورية على أن النص الطعين قد أقام في الفقرة الأخيرة منه مانعاً قانونياً للتقاضي حال بينهما والمنازعة فيما انتهى إليه قرار لجنة تقييم المصنع، مما يعد مخالفة صريحة لنص المادة (68) من الدستور. كما أن في هذا المنع من التقاضي إخلالاً بالمساواة فيما بين المدعيين وغيرهم من المواطنين الذين لم يحرموا من هذا الحق، وهو ما ينطوي على إهدار لنص المادة (40) من الدستور.
وحيث إن قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 73 لسنة 1963 المشار إليه قد نص في المادة الأولى منه على أن "تنتهي تراخيص البحث وعقود استغلال المناجم وكذلك عقود استغلال الجبس والرمال البيضاء الممنوحة لأفراد أو شركات القطاع الخاص"، وقضت مادته الثانية بأن "تؤمم الأصول المستخدمة في الاستغلال وتؤول ملكيتها إلى الدولة"؛ وجرت مادته الثالثة (المطعون بعدم دستوريتها) على أن "تتولى تقييم رؤوس أموال المنشآت المشار إليها في المادة السابقة لجان من ثلاثة أعضاء يصدر بتشكيلها وتحديد اختصاصاتها قرار من وزير الصناعة، على أن يرأس كل لجنة مستشار بمحكمة الاستئناف يختاره وزير العدل.
وتصدر كل لجنة قراراتها في مدة لا تجاوز شهرين من تاريخ صدور قرار تشكيلها، وتكون قرارات اللجنة نهائية، وغير قابلة للطعن فيها بأي وجه من أوجه الطعن".
ونصت المادة الرابعة منه على أن "تؤدي الدولة قيمة ما آل إليها من أموال المنشآت المشار إليها بموجب سندات أسمية على الدولة لمدة خمس عشرة سنة بفائدة 4% سنوياً، وتكون السندات قابلة للتداول بالبورصة، ويجوز للدولة بعد عشر سنوات أن تستهلك هذه السندات كلياً أو جزئياً بالقيمة الاسمية بطريق الاقتراع في جلسة علنية، وفي حالة الاستهلاك الجزئي يعلن ذلك في الجريدة الرسمية قبل الموعد المحدد له بشهرين".
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة - وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية - مناط ارتباطها عقلاً بالمصلحة التي يقوم عليها النزاع الموضوعي، وذلك بأن يكون الحكم في المسائل الدستورية التي تطرح على هذه المحكمة لازماً للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها، وكان النزاع الموضوعي الذي أثير الدفع بعدم الدستورية بمناسبته يتعلق بالطعن على قرارات لجنة تقييم رؤوس أموال المنشآت المنصوص عليها في المادة (3) من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 73 لسنة 1963 المشار إليه المطعون بعدم دستوريتها، فإن مصلحة المدعيين، والحال هذه، لا تشمل كامل أحكام هذه المادة، وإنما تنحصر فيما ورد بعجز الفقرة الثانية منها من أن "تكون قرارات اللجنة نهائية، وغير قابلة للطعن فيها بأي وجه من أوجه الطعن"، وبه وحده يتحدد نطاق الدعوى الدستورية المعروضة.
وحيث إنه يبين من مراجعة أحكام قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 73 لسنة 1963 المشار إليه، أن لجان تقييم رؤوس أموال المنشآت المنصوص عليها في المادة (3) منه يتحدد اختصاصها - على ما يدل عليه مسماها - في تقييم رؤوس أموال المنشآت التي أنهيت تراخيص البحث وعقود الاستغلال الممنوحة لها، وتم تأميم أصولها، وأيلولتها إلى الدولة طبقاً لأحكام هذا القرار بقانون، ويكون قرارها في هذا الشأن نهائياً، ولا يقبل الطعن فيه بأي وجه من الوجوه. وإنه ولئن كان المشرع قد حرص على أن تكون رئاسة اللجنة معقودة لمستشار من محاكم الاستئناف، إلا أنه لم يسبغ عليها ولاية الفصل في خصومات تنعقد أمامها بقرارات حاسمة، طبقاً لإجراءات وضمانات محددة، إذ لم يفرض على اللجنة إخطار ذوي الشأن للمثول أمامها لسماع أقوالهم، وتقديم أسانيدهم، وتحقيق دفاعهم، ولم يوجب عليها تسبيب ما تصدره من قرارات، أو غير ذلك من الإجراءات القضائية التي تتحقق بها ضمانات التقاضي.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن مجرد وجود عنصر قضائي في تشكيل لجنة، أو رئاسته لجنة يأتي تشكيلها من غير القضاة، لا يكفي بذاته لأنه يسبغ عليها الصفة القضائية. ذلك أن المناط في إسباغ هذه الصفة عليها هو طبيعة العمل الذي تقوم به اللجنة. فكلما كان جوهر هذا العمل يستهدف بلوغ الحقيقة فيما عهد إليها به من اختصاص، وكان السبيل إلى بلوغ هذه الحقيقة هو إتباع إجراءات رسمها القانون، والالتزام بقواعد معينة ترتبط برباط لا ينفصم في أن يغدو قراراها، فيما تصدت له، هو عنوان الحقيقة التي بلغتها، كأثر لإجراءات يتاح من خلالها لكل صاحب شأن أن يبدي ما يراه محققاً لمصلحته، دفعاً ودفاعاً، وقبولاً ورداً، ليخضع حاصل ذلك كله للبحث والتمحيص الواقعي والقانوني، فيقود اللجنة إلى قرار ينطق بالحقيقة التي استجلتها من واقع ما طرح عليها، فإن طبيعة عمل اللجنة، في هذه الحالة، تكون قضائية. أما إذا لم يكن عمل اللجنة كذلك، واقتصر الأمر على انفرادها بتقرير قيمة قدرتها لأعيان معينة، دون التزام بإجراءات تكفل تحقيق التوافق بين هذه القيمة باعتبار واقعاً، وبين قراراها الذي لم تتوافر له مقومات الارتباط بهذه الحقيقة الواقعة كي يكون عنواناً لها، فإنها لا تكون سوى لجنة إدارية، يتوجب فتح طريق الطعن في قرارها أمام القضاء الذي يملك، بالسبل المقررة له، تحقيق التوافق بين الحقيقة الواقعية، وبين ما يصدره من أحكام، هي بطبيعتها عنوان هذه الحقيقة.
وحيث إنه، وعلى ضوء ذلك فإن لجنة تقييم رؤوس أموال المنشآت المنصوص عليها في المادة (3) من قرار رئيس الجمهورية رقم 73 لسنة 1963 المشار إليها، لا تعدو أن تكون لجنة إدارية، ويتعين خضوع ما يصدر عنها من قرارات لرقابة القضاء، إعمالاً لنص المادة (68) من الدستور التي كفلت حق التقاضي للناس كافة، وحظرت النص في القوانين على تحصين أي عمل أو قرار إداري من رقابة القضاء. وإذ حظر النص الطعين خضوع قرارات هذه اللجنة للرقابة القضائية، فإنه يكون قد وقع في حومة المخالفة الدستورية.
وحيث إنه، بالإضافة إلى ذلك، فإن النص التشريعي الطعين قد أقام تمييزاً غير مبرر في شأن الصادرة في حقهم قرارات من اللجنة المشار إليها حين حظر عليهم الطعن فيها، حال إن هذا الطعن جائز لمن تصدر في حقهم قرارات من اللجان الإدارية الأخرى، وهو ما يشكل في حد ذاته خرقاً لمبدأ المساواة أمام القانون، الذي كفله الدستور في المادة (40) منه.
وحيث إنه لما كان ما تقدم، فإنه يتعين القضاء بعدم دستورية ما نصت عليه المادة (3) من قرار رئيس الجمهورية بقانون رقم 73 لسنة 1963 المشار إليها، في عجز الفقرة الثانية منها، من أن "وتكون قرارات اللجنة نهائية، وغير قابلة للطعن فيها بأي وجه من أوجه الطعن"؛ وذلك لخروجها على أحكام المادتين (40 و68) من الدستور.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بعدم دستورية ما ورد بعجز الفقرة الثانية من المادة الثالثة من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 73 لسنة 1963 بإنهاء تراخيص البحث وعقود استغلال المناجم وعقود استغلال الجبس والرمال البيضاء الممنوحة لأفراد أو شركات القطاع الخاص وبتأميم الأصول المستخدمة في استغلالها وأيلولة ملكيتها إلى الدولة، من أن "تكون قرارات لجان التقييم نهائية وغير قابلة للطعن فيها بأي وجه من أوجه الطعن"، وألزمت الحكومة المصروفات، ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.