عودة إلى صفحة : المجلة وشرحها لعلي حيدر
(الْمَادَّةُ 67) لَا يُنْسَبُ إلَى سَاكِتٍ قَوْلٌ لَكِنَّ السُّكُوتَ فِي مَعْرِضِ الْحَاجَة بَيَان
يَعْنِي: أَنَّهُ لَا يُعَدُّ سَاكِتٌ أَنَّهُ قَالَ كَذَا، لَكِنَّ السُّكُوتَ فِيمَا يَلْزَمُ التَّكَلُّمَ بِهِ إقْرَارٌ وَبَيَانٌ، وَذَلِكَ كَمَا إذَا رَأَيْتَ أَحَدًا يَتَصَرَّفُ فِي شَيْءٍ تَصَرُّفَ الْمَالِكِ بِلَا إذْنٍ مِنْكَ وَسَكَتَّ بِلَا عُذْرٍ يُعَدُّ ذَلِكَ إقْرَارًا مِنْكَ بِأَنَّكَ غَيْرُ مَالِكٍ لَهُ. إنَّ الْفِقْرَةَ الْأُولَى مِنْ هَذِهِ الْمَادَّةِ مَأْخُوذَةٌ مِنْ (الْأَشْبَاهِ) وَالثَّانِيَةُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ عِلْمِ أُصُولِ الْفِقْهِ، وَقَدْ وَرَدَ فِي كِتَابِ (الْمَرْأَةِ) (وَمِنْهُ أَيْ مِنْ بَيَانِ الضَّرُورَةِ السُّكُوتُ لَدَى الْحَاجَةِ إلَى الْبَيَانِ بِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْ عَلَى كَوْنِ السُّكُوتِ بَيَانُ حَالِ الْمُتَكَلِّمِ أَيْ الَّذِي شَأْنُهُ التَّكَلُّمُ فِي الْحَادِثَةِ لَا أَنَّهُ الْمُتَكَلِّمُ بِالْفِعْلِ، فَإِنَّ السُّكُوتَ يُنَافِيهِ) فَالْأَمْثِلَةُ عَلَى الْفِقْرَةِ الْأُولَى هِيَ كَمَا يَأْتِي: إذَا بَاعَ شَخْصٌ مَالَ غَيْرِهِ عَلَى مَرْأًى وَمَسْمَعٍ مِنْهُ وَسَكَتَ عَنْ عَمَلِهِ أَيْ أَنَّهُ لَمْ يَنْهَهُ عَنْ الْبَيْعِ، فَلَا يُعَدُّ هَذَا السُّكُوتُ مِنْ صَاحِبِ الْمَالِ كَمَا وَرَدَ فِي الْمَادَّةِ (1659) رِضَاءً مِنْهُ بِالْبَيْعِ، أَوْ إجَازَةً لَهُ، كَذَا إذَا أَخْبَرَ شَخْصٌ صَاحِبَ مَالٍ بِأَنَّ شَخْصًا بَاعَ ذَلِكَ الْمَالَ مِنْ آخَرَ فَسَكَتَ صَاحِبُ الْمَالِ، فَلَا يُعَدُّ سُكُوتُهُ إجَازَةً لِبَيْعٍ الْفُضُولِيِّ.
كَذَلِكَ: إذَا أَتْلَفَ شَخْصٌ مَالَ آخَرَ بِحُضُورِهِ وَسَكَتَ، فَلَا يُعَدُّ ذَلِكَ مِنْ صَاحِبِ الْمَالِ إذْنًا بِإِتْلَافِ الْمَالِ، كَذَا: إذَا رَأَى الْقَاضِي قَاصِرًا لَيْسَ لَهُ وَصِيٌّ يَتَعَاطَى التِّجَارَةَ وَسَكَتَ، فَلَا يُعَدُّ ذَلِكَ إذْنًا مِنْهُ لِلْقَاصِرِ بِتَعَاطِي التِّجَارَةِ.
كَذَلِكَ إذَا جَمَعَ شَخْصٌ أُنَاسًا فِي مَرَضِ مَوْتِهِ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ مَدِينًا لِأَحَدٍ مِنْ النَّاسِ، وَكَانَ لِرَجُلٍ مِنْ الْحُضُورِ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ فَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ الرَّجُلَ بَعْدَ وَفَاةِ الْمَشْهَدِ مِنْ الِادِّعَاءِ بِمَا لَهُ عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ
وَالْأَمْثِلَةُ عَلَى الْفِقْرَةِ الثَّانِيَةِ كَمَا يَلِي:
إذَا قَبَضَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ بِحُضُورِ الْبَائِعِ الَّذِي لَهُ حَقُّ حَبْسِ الْمَبِيعِ، وَسَكَتَ وَلَمْ يَمْنَعْهُ يُعَدُّ ذَلِكَ مِنْهُ إجَازَةً لَهُ بِالْقَبْضِ، وَلَا يَحِقُّ لِلْبَائِعِ بَعْدَ قَبْضِ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ عَمَلًا بِالْمَادَّةِ (281) : اسْتِعَادَةُ الْمَبِيعِ وَحَبْسُهُ، كَذَلِكَ: إذَا أَرَادَ شَخْصٌ شِرَاءَ مَالٍ وَفِيمَا هُوَ يَسْتَلِمُهُ مِنْ صَاحِبِهِ أَخْبَرَهُ رَجُلٌ - بِأَنَّ فِي الْمَالِ عَيْبًا فَسَكَتَ فَسُكُوتُهُ يُعَدُّ رِضَاءً مِنْهُ بِالْعَيْبِ، فَإِذَا اشْتَرَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ بِخِيَارِ الْعَيْبِ.
كَذَلِكَ: إذَا كَانَ شَخْصٌ سَاكِنًا بِطَرِيقِ الْغَصْبِ أَوْ الْعَارِيَّةِ فِي دَارِ آخَرَ، وَقَالَ لَهُ صَاحِبُ الْمَالِ (اُسْكُنْ فِي الدَّارِ بِأُجْرَةِ كَذَا وَإِلَّا فَاخْرُجْ مِنْهَا) فَسَكَتَ السَّاكِنُ وَبَقِيَ فِي الدَّارِ فَيَكُونُ قَدْ اسْتَأْجَرَ تِلْكَ الدَّارَ، وَرَضِيَ بِدَفْعِ الْبَدَلِ الَّذِي ذَكَرَهُ صَاحِبُهَا. كَذَلِكَ: إذَا كَانَ عِنْدَ رَجُلٍ رَاعٍ يَرْعَى لَهُ غَنَمَهُ، وَقَالَ لَهُ: إنِّي لَا أَرْعَى غَنَمَك بِمِائَةِ قِرْشٍ أُجْرَةً سَنَوِيَّةً، بَلْ أُرِيدُ مِائَتَيْنِ فَسَكَتَ صَاحِبُ الْغَنَمِ وَبَقِيَ الرَّاعِي يَرْعَى فَيَكُونُ صَاحِبُ الْمَالِ قَدْ قَبِلَ اسْتِئْجَارَ الرَّاعِي بِمِائَتَيْ قِرْشٍ، وَيَلْزَمُهُ دَفْعُ الْمِائَتَيْنِ. كَذَا: إذَا بَاعَ الرَّاهِنُ الْمَالَ الْمَرْهُونَ بِحُضُورِ الْمُرْتَهِنِ وَسَكَتَ فَيَكُونُ قَدْ أَجَازَ الْبَيْعَ وَأَصْبَحَ الرَّهْنُ بَاطِلًا، كَذَلِكَ: إذَا قَبَضَ الْمَوْهُوبُ لَهُ الْمَالَ الْمَوْهُوبَ بِحُضُورِ الْوَاهِبِ وَسَكَتَ فَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْهُ بِمُقْتَضَى الْمَادَّةِ (843) : إذْنًا بِالْقَبْضِ، كَذَلِكَ: إذَا بَاعَ شَخْصٌ مَالَ زَوْجَتِهِ أَوْ أَحَدِ أَقَارِبِهِ مِنْ آخَرَ بِحُضُورِهَا عَلَى أَنَّهُ لَهُ وَسَكَتَتْ، فَلَيْسَ لِلزَّوْجَةِ أَوْ لِلْقَرِيبِ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ تَدَّعِيَ بِمِلْكِيَّةِ ذَلِكَ الْمَالِ؛ لِأَنَّ سُكُوتَهَا عَلَى بَيْعِ ذَلِكَ الْمَالِ بِحُضُورِهَا وَعَدَمِ اعْتِرَاضِهَا إقْرَارٌ مِنْهَا بِعَدَمِ مِلْكِيَّتِهَا ذَلِكَ الْمَالَ. كَذَلِكَ: إذَا وَهَبَ الدَّائِنُ الدَّيْنَ لِمَدِينِهِ وَسَكَتَ الْمَدِينُ فَالْهِبَةُ صَحِيحَةٌ وَيَسْقُطُ الدَّيْنُ. وَالسُّكُوتُ هُنَا يُعَدُّ قَبُولًا لِلْهِبَةِ. كَذَا: إذَا تَرَكَ شَخْصٌ مَالًا عِنْدَ آخَرَ قَائِلًا: إنَّ هَذَا الْمَالَ وَدِيعَةٌ وَسَكَتَ الْمُسْتَوْدِعُ تَنْعَقِدُ الْوَدِيعَةُ، كَذَلِكَ: إذَا وَكَّلَ شَخْصٌ آخَرَ بِشَيْءٍ وَالْوَكِيلُ سَكَتَ، وَبَعْدَ سُكُوتِهِ بَاشَرَ إجْرَاءَ الْأَمْرِ الْمُوَكَّلِ بِهِ، فَلَا يَكُونُ عَمَلُهُ فُضُولًا. كَذَا: سُكُوتُ الْمُقَرِّ لَهُ يُعَدُّ قَبُولًا كَأَنْ يُقِرَّ شَخْصٌ بِمَالِ لِآخَرَ وَيَسْكُتُ الْمُقَرُّ لَهُ، فَسُكُوتُهُ يُعَدُّ تَصْدِيقًا وَقَبُولًا بِالْإِقْرَارِ.