الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 2 ديسمبر 2023

الطعن 1289 لسنة 8 ق جلسة 2 / 1 / 1965 إدارية عليا مكتب فني 10 ج 1 ق 34 ص 313

جلسة 2 من يناير سنة 1965

برئاسة السيد الأستاذ حسن السيد أيوب رئيس المحكمة وعضوية السادة الأساتذة الدكتور ضياء الدين صالح ومحمد شلبي يوسف وعبد الستار آدم وأبو الوفا زهدي المستشارين.

----------------

(34)

القضية رقم 1289 لسنة 8 القضائية

(أ) عقد إداري - مقصف 

- العقد المبرم مع مصلحة المساحة في شأن إيجار مقصفها - اتسامه بطابع العقود الإدارية واعتباره من قبيلها - بيان ذلك.
(ب) عقد إداري - قضاء إداري 

- اختلاف روابط القانون الخاص في طبيعتها عن روابط القانون العام - افتراق القانون الإداري عن القانون المدني في أنه غير مقنن حتى يكون متطوراً غير جامد - تميز القضاء الإداري عن القضاء المدني في أنه ليس مجرد قضاء تطبيقي بل هو على الأغلب قضاء إنشائي.
(جـ) عقد إداري - تأمين نهائي - تعويض 

- حق جهة الإدارة في مصادرة التأمين دون حاجة إلى الالتجاء إلى القضاء في حالة عدم التنفيذ - يثبت سواء نص في شروط العقد أم لم ينص عليه - ليس على جهة الإدارة أن تثبت في مجاله ركن الضرر وليس للمتعاقد معها أن يثبت أن الضرر الذي يلحقها يقل عن التأمين - التأمين قد يمثل الحد الأدنى للتعويض الذي يحق لجهة الإدارة اقتضاؤه لكنه يقيناً لا يمثل الحد الأقصى لما قد يطلب من تعويض - أساس ذلك أن التأمين شرع لمصلحة الإدارة وليس قيداً عليها أو ضاراً بحقوقها في التعويض الشامل.
(د) عقد إداري - تأمين نهائي - تعويض 

- رجوع جهة الإدارة بالتعويضات الأخرى عند مصادرة التأمين الذي يقل عن مستوى التعويض الكامل - أساسه في حالة فسخ العقد القواعد العامة في العقود والتي تقضي بأن كل خطأ ترتب عليه ضرر يلزم من ارتكبه بالتعويض - صور الأضرار التي يجرى التعويض عنها.

----------------
1 - لئن وصف العقد المبرم في 12 من أغسطس سنة 1957 بين مصلحة المساحة والمطعون عليه، بأنه عقد إيجار الكانتين، إلا أنه لا جدال في أنه عقد تقديم خدمات لمرفق من المرافق العامة هو مرفق مصلحة المساحة، وقد أجر الطرف الأول بمقتضاه للطرف الثاني كانتين المصلحة الكائن بالدور الأرضي من مبنى المصلحة المخصص له بالإدارة العامة، وذلك بالشروط المرفقة بالعقد وبموجبها يلتزم المطعون عليه بتهيئة المقصف المذكور بمصاريف من طرفه، بجميع أدوات الاستعمال من صواني وأطباق وثلاجات ووابورات الغاز وأكواب الماء والشوك والملاعق والسكاكين والفناجين والفوط والمفارش بالمقادير الكافية لموظفي ومستخدمي المصلحة من المأكولات والمشروبات الموضحة بالقائمة الملحقة بتلك الشروط العامة، وأن يبيعها بالأثمان المحددة أمام كل صنف منها. ويكون المتعهد مرتبطاً بالأسعار الواردة بالقائمة، ويجب أن يكون لدى المتعهد عدد من العمال كاف لإجابة طلبات الموظفين والمستخدمين لكي يتيسر لهم أخذ ما يلزم في الفترات القصيرة المعينة لهم، ويجب أن يكون أولئك العمال حسني الأخلاق، وأن يرتدوا ملابس بيضاء نظيفة ما داموا في المصلحة. وعلى المتعهد أن يبذل أقصى العناية بنظافة المقصف، وما يعرض فيه للبيع الذي يجب أن يكون من الأنواع الجيدة الطازجة، ولتحقيق هذا الغرض سيصير التفتيش على المقصف وما به، من وقت لآخر بمعرفة طبيب المصلحة وكل ما يوجد معروضاً للبيع بحالة غير مقبولة يصادر ويعدم في الحال دون أن يكون للمتعهد حق في المطالبة بثمنه، وكذلك نص في العقد وفي الشروط العامة على حق المصلحة في فسخ العقد والإخلاء ومصادرة التأمين دون حاجة إلى تنبيه أو إنذار، وكل أولئك شروط غير مألوفة في عقود القانون الخاص المماثلة, فهو عقد اتسم بالطابع المميز للعقود الإدارية من حيث اتصاله بمرفق عام وأخذه بأسلوب القانون العام فيما تضمنه من شروط غير مألوفة في مجال القانون الخاص.
2 - من المسلم أن روابط القانون الخاص تختلف في طبيعتها عن روابط القانون العام، وأن قواعد القانون المدني قد وضعت لتحكم روابط القانون الخاص ولا تطبق وجوباً على روابط القانون العام إلا إذا وجد نص خاص يقضي بذلك، فإن لم يوجد فلا يلتزم القضاء الإداري بتطبيق القواعد المدنية حتماً، وكما هي، وإنما يكون له حريته واستقلاله في ابتداع الحلول المناسبة للروابط القانونية التي تنشأ في مجال القانون العام بين الإدارة في قيامها على المرافق العامة، وبين الأفراد، فله أن يطبق من القواعد المدنية ما يتلاءم معها، وله أن يطرحها إن كانت غير ملائمة معها، وله أن يطورها بما يحقق هذا التلاؤم. ومن هذا يفترق القانون الإداري عن القانون المدني في أنه غير مقنن حتى يكون متطوراً غير جامد. ويتميز القضاء الإداري عن القضاء المدني، في أنه ليس مجرد قضاء تطبيقي مهمته تطبيق نصوص مقننة مقدماً، بل هو على الأغلب قضاء إنشائي لا مندوحة له من خلق الحل المناسب، وبهذا يرسي القواعد لنظام قانوني قائم بذاته ينبثق من طبيعة روابط القانون العام واحتياجات المرافق ومقتضيات حسن سيرها.
3 - يقصد بالتأمين النهائي le contionnement oefinitif أن يكون ضماناً لجهة الإدارة يؤمنها الأخطاء التي قد تصدر من المتعاقد معها حين يباشر تنفيذ شروط العقد الإداري. كما يضمن ملاءة المتعاقد معها عند مواجهة المسئوليات التي قد يتعرض لها من جراء إخلاله بتنفيذ أحكام العقد الإداري. فلا يمكن لجهة الإدارة أن تتجاوز عن التأمين حرصاً على مصلحة المرفق العام وانتظام سيره. ومن هذا الضمان تحصل الإدارة غرامات التأخير، والتعويضات والمبالغ المستحقة على المتعاقد نتيجة لتقصيره أو إخلاله بتنفيذ التزامات العقد. وإذا كان التأمين في حقيقته هو ضمان لتنفيذ العقد الإداري على النحو المذكور، فلا يمكن تصور قيام هذا الضمان، ما لم يكن للإدارة حق مصادرة التأمين، أي اقتضاء قيمته بطريق التنفيذ المباشر ودون حاجة إلى الالتجاء إلى القضاء، في حالة عدم التنفيذ، سواء نص أم لم ينص في الشروط على هذا الحق، وإلا لما كان هناك محل أصلاً لاشتراط إيداع التأمين مع العطاء. وإذا كان التأمين ضماناً لجهة الإدارة شرع لمصلحتها، ولحمايتها، فلا يتصور منطقاً أن يكون التأمين قيداً عليها، أو ضاراً بحقوقها، أو معوقاً لجبرها ومانعاً لها من المطالبة بالتعويضات المقابلة للأضرار الأخرى التي تكون قد لحقتها من جراء إخلال المتعاقد بتنفيذ شروط العقد الإداري. خاصة إذا كان التأمين المودع لا يكفي لجبر كافة الأضرار تعويضاً شاملاً وافياً. والقول بغير هذا النظر يؤدي إلى شذوذ في تطبيق أحكام العقد الإداري إذ من المسلم أن لجهة الإدارة الحق، توقيع غرامات تأخير على المتعهد الذي يتأخر في تنفيذ التزاماته في المواعيد، ومن المسلم أيضاً أن لها الحق في مصادرة التأمين عند وقوع الإخلال، وذلك دون حاجة لإثبات ركن الضرر، لا لأن هذا الركن غير مشترط أصلاً، وإنما لأنه ركن يفترض في كل عقد إداري بفرض غير قابل لإثبات العكس - فلا يجوز للمتعاقد مع جهة الإدارة أن يثبت أن الضرر الذي لحق الإدارة يقل عن التأمين - ومن ثم لا يتصور، والأمر كذلك، أن لا يكون للإدارة الحق في الرجوع على المتعهد المقصر، بالتعويض الذي يعادل قيمة الأضرار في الحالة التي تجاوز فيها هذه القيمة مبلغ التأمين المودع. بل يحق لجهة الإدارة بغير شك أن تطالب المتعاقد معها بتكملة ما يزيد على مبلغ التأمين الذي لا يفي بالتعويضات اللازمة عما أصاب جهة الإدارة من أضرار حقيقية وفعلية. ذلك أن التأمين قد يمثل الحد الأدنى للتعويض الذي يحق للإدارة اقتضاؤه، ولكنه يقيناً، لا يمثل الحد الأقصى لما قد يطلب من تعويض.
4 - إن رجوع الإدارة بالتعويضات الأخرى، على المتعاقد معها المقصر في حقها، عند مصادرة التأمين الذي يقل عن مستوى التعويض الكامل لا يستند إلى اعتبار العقد قائماً، ومنفذاً على حساب المتعاقد، مع أنه سبق فسخه - على نحو ما اتجه إليه الحكم المطعون فيه - وإنما يستند ذلك الرجوع، إلى أحكام القواعد العامة في أي عقد كان، وتلك الأحكام تقضي بأن كل خطأ ترتب عليه ضرر يلزم من ارتكبه بالتعويض وبقدر قيمة الضرر، وهذه الأحكام لا تتعارض البتة مع فكرة التأمين في العقود الإدارية بوجه عام. ولا غرو فإن فروق الأسعار، ونزول جعول المقاصف، وما يضيع على جهة الإدارة من كسب محقق، كل أولئك تمثل في حقيقتها أضراراً فعلية وقيماً معلومة لحقت الإدارة وتعاقبت عليها من جراء إخلال المتعاقد معها بتنفيذ ما التزم به قبلها.


إجراءات الطعن

في 19 من يونيو سنة 1962 أودع السيد/ محامي الحكومة سكرتيرية المحكمة تقرير طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم (1289) لسنة 8 القضائية في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري - هيئة العقود الإدارية والتعويضات - بجلسة 22 من إبريل سنة 1962 في الدعوى رقم (146) لسنة 14 القضائية المقامة من وزارة الأشغال ضد حسان أحمد الشايب والذي قضى: (برفض الدعوى وإلزام الوزارة المدعية المصروفات). وطلب السيد/ محامي الحكومة للأسباب التي استند إليها في تقرير طعنه: "قبول هذا الطعن شكلاً, وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه, وإلزام المطعون عليه بأن يدفع لوزارة الأشغال مبلغ 81 جنيهاً و375 مليماً والفوائد القانونية عن مبلغ 28 جنيهاً و875 مليماً - المتأخر من الجعل - بواقع أربعة في المائة سنوياً من تاريخ المطالبة القضائية حتى السداد والمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة". وقد أعلن هذا الطعن إلى المطعون عليه في 20 من يونيه سنة 1962 وعين لنظره أمام دائرة فحص الطعون جلسة 4 من يناير سنة 1964 ثم بجلسة 21 من مارس سنة 1964 قررت الدائرة إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا للمرافعة بجلسة 21 من نوفمبر سنة 1964 وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة ثم قررت المحكمة إرجاء النطق بالحكم في الطعن إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق, وسماع الإيضاحات, وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة, حسبما يبين من أوراق الطعن, تتحصل في أن وزارة الأشغال أقامت الدعوى رقم 146 لسنة 14 القضائية ضد حسان أحمد الشايب أمام محكمة القضاء الإداري - هيئة العقود الإدارية والتعويضات - بإيداع صحيفتها قلم كتاب تلك المحكمة في 26 من أكتوبر سنة 1959 وذكرت فيها أن مصلحة المساحة كانت قد رخصت للمدعى عليه في استغلال (كانتين المصلحة) الكائن بالدور الأرضي بجعل شهري قدره 19 جنيهاً و250 مليماً لمدة سنة ابتداء من 17 من أغسطس سنة 1957 وذلك على أن يدفع الجعل في اليوم الأول من كل شهر (المادة 18 من شروط الترخيص)، ولكن المدعى عليه توقف عن سداد الجعل المذكور ابتداء من الشهر الذي يبدأ في 17 من أكتوبر سنة 1957 فبادرت المصلحة إلى إنذاره في 27 من أكتوبر سنة 1957 ومع ذلك فإنه لم يسدد ما عليه، فقامت المصلحة في 27 من أكتوبر سنة 1957 بإلغاء الترخيص، وبمصادرة التأمين طبقاً للبند (28) من شروط الترخيص. وظل (الكانتين) مغلقاً لغاية آخر شهر ديسمبر سنة 1957 إلى أن رخصت المصلحة في استغلاله لمتعهد آخر ابتداء من أول يناير سنة 1958 بجعل قدره 12 جنيهاً و250 مليماً وترتب على ذلك حسبما جاءت به صحيفة دعوى الوزارة - أن استحق للمصلحة قبل المدعى عليه مبلغ 81 جنيهاً و375 مليماً تفصيلها:
( أ ) مبلغ 48 جنيهاً و125 مليماً متأخر جعل المدة من 17/ 10/ 1957 لغاية يوم 31/ 12/ 1957 (ب) مبلغ 52 جنيهاً و500 مليماً فروق الجعل الجديد الناقصة عن الجعل القديم في المدة الباقية من الترخيص. ثم يطرح من مجموع هذين البندين
( أ ) و(ب) والبالغ قدره 100 جنيه و625 مليماً مبلغ التأمين المدفوع من المدعى عليه للمصلحة وقدره 19 جنيهاً و250 مليماً فيكون الباقي المطلوب من المدعى عليه 81 جنيهاً و375 مليماً حيث إن المطالبة الودية لم تجد نفعاً. وقد طلبت الوزارة كذلك إلزام المدعى عليه بأن يدفع الفوائد القانونية بواقع أربعة في المائة سنوياً من تاريخ المطالبة القضائية عن مبلغ 28 جنيهاً و875 مليماً وهو القدر المتأخر من الجعل المستحق عليه. مع إلزامه بالمصاريف ومقابل الأتعاب - وقد أودعت الوزارة مع صحيفة الدعوى حافظة تضمنت العطاء المقدم من المدعى عليه، والعقد المبرم معه، وبعض المكاتبات المتبادلة بين المصلحة والمدعى عليه.
وقد أعلنت صحيفة الدعوى بتسليم صورتها إلى النيابة العامة لعدم الاستدلال على موطن المدعى عليه. وأودعت المدعية حافظة تضمنت التحريات التي تفيد عدم الاستدلال على محل إقامة المدعى عليه، كما أودعت حافظتين بإحداهما أوراق - مزايدة استغلال المقصف التي كان محدداً لها يوم 29/ 7/ 1957 والتي رست على المدعى عليه، وبالثانية أوراق مزايدة استغلال المقصف التي كان محدداً لها يوم 18/ 11/ 1957 والتي أسفرت عن رسوها على (عبد العزيز محمد عبد الهادي) مقابل 12 جنيهاً و250 مليماً شهرياً، وعن التعاقد مع هذا المتعهد الجديد لمدة سنة تبدأ من أول يناير إلى آخر ديسمبر سنة 1958 - وقدمت هيئة مفوضي الدولة لدى محكمة القضاء الإداري تقريراً بالرأي انتهت فيه إلى ما تراه من إلزام المدعى عليه بأن يدفع للوزارة مبلغ 81 جنيهاً و375 مليماً مع الفوائد عن مبلغ 28 جنيهاً و875 مليماً والمصروفات. وعين لنظر الدعوى جلسة 5 من نوفمبر سنة 1961 ثم جلسة 7 من يناير سنة 1962 لإخطار المدعى عليه ثم لجلسة 12 من مارس سنة 1962 لتتحرى الوزارة عن عنوان المدعى عليه وقد تم إعلانه في مواجهة النيابة لعدم الجدوى.
وبجلسة 22 من إبريل سنة 1962 حكمت محكمة القضاء الإداري - هيئة العقود الإدارية والتعويضات - (برفض الدعوى وألزمت المدعية المصروفات). وأقامت المحكمة قضاءها هذا على أن مصلحة المساحة، بعد أن فسخت العقد وصادرت التأمين وأخطرت المتعاقد معها بذلك عدلت عن موقفها واعتبرت العقد قائماً وطالبت المدعى عليه بمقابل الاستغلال عن المدة من 17/ 10/ 1957 حتى 31/ 12/ 1957 وهي المدة التي ظل فيها المقصف خالياً - بعد خصم قيمة التأمين من هذا المقابل - ثم أضافت المصلحة إلى مطالبتها بمقابل الاستغلال عن المدة المذكورة، مطالبة المدعى عليه أيضاً بالفرق بين مقابل الاستغلال المتعاقد عليه معه وبين مقابل الاستغلال الجديد الذي تم التعاقد عليه مع عبد العزيز عبد الهادي، وذلك عن المدة من أول يناير إلى 16 من أغسطس سنة 1958 وهي المدة الباقية من مدة السنة المحددة في العقد المبرم مع المدعى عليه. واستطرد الحكم المطعون فيه يقول بأنه لا يجوز للمصلحة المدعية أن تطالب عن ذات التقصير بتعويض يجاوز قيمة التأمين المصادر، ذلك أن مصادرة التأمين في حالة فسخ العقد هو جزاء منصوص عليه في العقد ولا يخرج عن كونه تعويضاً جزافياً، حدد عند التعاقد ليجبر ما قد يلحق جهة الإدارة نتيجة لفسخ العقد بسبب تقصير المدعى عليه من أضرار، - فليس في العقد ما يخول مصلحة المساحة الجمع بين المطلبين. وإذ اختارت المصلحة فسخ العقد ومصادرة التأمين فإن حقوقها قبل المدعى عليه تكون قد تحددت على هذا الأساس بحكم البند (18) من الشروط فيقتصر حقها على مصادرة التأمين، ومن ثم تكون مطالبة الوزارة بالمبلغ موضوع هذه الدعوى - مقابل الاستغلال عن المدة التي ظل فيها المقصف خالياً والفرق بين المقابل المتعاقد عليه مع المدعى عليه، وذلك المقابل الذي تم التعاقد عليه أخيراً مع عبد العزيز، هي مطالبة لا تقوم على سند من القانون ويتعين لذلك رفض الدعوى.
ومن حيث إن طعن الحكومة يقوم على أن محكمة القضاء الإداري قد أخطأت في تطبيق القانون، وفي تفهم طبيعة العقد الإداري - فالغرض من العقود الإدارية هو كفالة حسن سير المرفق والخدمات العامة بانتظام واطراد، ومن هنا نشأت للعقود الإدارية أحكام تتميز بها، من شأنها تقوية جهة الإدارة. وبديهي أن الجزاءات التي تتضمنها العقود الإدارية، والتي هي من خصائصها كنوع من الشروط الاستثنائية، لا تعني إلغاء أحكام النظرية العامة للعقود المدنية وإلا أدى ذلك إلى نتيجة غريبة هي حرمان الإدارة من حق مقرر لكل متعاقد في مجال القانون الخاص. فمن البديهي وبصرف النظر عن أية جزاءات أخرى ينص عليها في العقد الإداري، أن يكون لجهة الإدارة حق الرجوع على المتعاقد معها بكل الأضرار التي تنشأ عن إخلاله بالعقد. وفي الطعن الراهن ثابت أن المدعى عليه تسبب بتقصيره في عدم تمكين جهة الإدارة من استغلال المقصف المدة الباقية التي أغلق فيها، وأنها قد تحملت خسارة فعلاً بتأجير المقصف المدة الباقية في العقد بإيجار يقل عما كانت هي متعاقدة عليه مع المطعون عليه، ويكون من حقها الرجوع عليه بكل ذلك. ويكون الحكم المطعون فيه قد أخطأ في القول بأن جهة الإدارة لا يجوز لها أن تعدل عن فسخ العقد ومصادرة التأمين، وتطالب المدعى عليه بتعويض يزيد على قيمة هذا التأمين أو أن تجمع بين الفسخ والمصادرة وبين المطالبة بالتعويض. وهذا قول يتنافى حتى مع القواعد العامة للعقود، وواضح من أوراق الدعوى أن جهة الإدارة لم تجمع بين مصادرة التأمين، والتنفيذ على حساب المتعاقد المقصر، وإنما قامت الإدارة بخصم التأمين من المبلغ المستحق على المطعون عليه فليس ثمة جمع بين جزاءين، فالأمر لا يعدو المؤاخذة بجزء واحد. وانتهى تقرير طعن الحكومة إلى طلب القضاء بإلغاء الحكم المطعون فيه وبإلزام المطعون عليه بأن يدفع للطاعن المبلغ المذكور في ختام صحيفة الدعوى.
ومن حيث إنه يبين من استقراء أوراق هذا الطعن وما أرفق بها من كراسة الشروط العامة لعطاءات تأجير (الكانتين) الموجود بإدارة مصلحة المساحة الكائن بالدور الأرضي من المبنى الذي تقيم فيه، أن المصلحة المذكورة قامت بإجراء مزايدة عن استغلال ذلك المقصف في 29 من يوليه سنة 1957 وتضمنت شروط المزايدة النص على أن هذه الإيجارة لمدة سنة واحدة قابلة للتجديد تبتدئ من 17 أغسطس سنة 1957 وتنتهي في 16 من أغسطس سنة 1958 (البند 16). وجاء في البند (18). "أن قيمة الأجرة التي يتفق عليها تدفع مقدماً في اليوم الأول من كل شهر وإذا تأخر المتعهد في دفع الإيجار في الميعاد المحدد، للمصلحة الحق في فسخ العقد، ومصادرة التأمين". ونص البند (21) على أن للمصلحة الحق في الاستغناء عن الكانتين في أي وقت خلال مدة العقد إذا دعت لذلك أية أسباب مصلحية كما وأن للمصلحة أيضاً الحق في فسخ هذا العقد لأي داع تراه، أو في حالة إخلال المستأجر بأي شرط من هذه الشروط أو بأي شرط آخر يتفق عليه كتابياً فيما بعد، وتحتفظ المصلحة بحقها في الاستغناء عن الكانتين أو فسخ عقد الإيجار بدون أن تكون ملزمة في أية حالة من الأحوال بأي تعويض ما للمستأجر، وللمصلحة أن تستعمل حقها في الاستغناء عن الكانتين أو فسخ إجارته بغير أن تكون ملزمة بالحصول على حكم قضائي أو بإعلان المستأجر بالاستغناء أو الفسخ على يد محضر بل يكفي في حالتي الاستغناء أو الفسخ أن ترسل المصلحة إلى المستأجر خطاباً عن طريق البريد المسجل تخطره فيه بما قررته في هذا الصدد من غير أن تكون ملزمة بإبداء الأسباب التي دعتها إلى ذلك. وبينت المادة (22) من شروط العطاء كيفية التصرف في أدوات المتعهد عند استغناء المصلحة عن الكانتين أو في حالة فسخ الإيجارة فجرى آخر نص هذه المادة بالآتي "... يكون للمصلحة الحق في بيعها الأدوات - بالطريقة التي تراها - وحفظ الثمن تحت طلب المستأجر بعد خصم ما يكون مستحقاً عليه من إيجار أو ثمن أصناف تالفة أو فاقدة أو خلافه وذلك في حالة ما إذا لم يكف التأمين المودع من المستأجر بسداد جميع ما هو مستحق عليه، وتقوم المصلحة بجميع هذه الإجراءات بدون حاجة إلى إنذار..." وقد تقدم المطعون عليه بعطاء في هذه المزايدة قبل بمقتضاه أداء مقابل شهري قدره (19 جنيهاً و250 مليماً) وفي 5 من أغسطس سنة 1957 أخطرته المصلحة بقبول عطائه وفي 12 من أغسطس سنة 1957 تم إبرام العقد معه، وتضمن هذا العقد النص على أن الشروط المرافقة له - الشروط العامة للعطاء - الموقع عليها من الطرفين تعتبر جزءاً لا يتجزأ من شروطه، وعلى أن مدة العقد سنة تبتدئ من 17/ 8/ 1957 لغاية 16/ 8/ 1958 وعلى أن التأمين النهائي المودع من المطعون عليه، وقدره (19 جنيهاً و250 مليماً) يرد إليه بعد انتهاء مدة العقد وإقرار المصلحة بأن المتعهد قام بتنفيذه خير قيام، ثم حدث في 27 من أكتوبر سنة 1957 أن أرسلت المصلحة إلى المطعون عليه الكتاب الآتي نصه: (أنه نظراً لأنكم لم تقوموا إلى الآن بسداد إيجار الكانتين عن الشهر الذي يبتدئ من 17/ 10/ 1957 رغم إمهالكم لغاية (21) منه فقد تقرر فسخ العقد المبرم معكم، ومصادرة التأمين النهائي المودع منكم تطبيقاً لأحكام البند الثامن عشر من شروط المزايدة مع تحملكم بكافة ما يترتب على ذلك من أضرار ومصاريف). ثم في 8 من سبتمبر سنة 1958 أرسلت المصلحة إلى المطعون عليه كتاباً برقم (1/ 2/ 10 جـ 22) تقول فيه "إيماء إلى العقد المبرم معكم عن استئجار كانتين هذه المصلحة في المدة من 17/ 8/ 1957 لغاية 16/ 8/ 1958 نفيدكم بأنه قد ترتب على فسخ العقد المشار إليه مديونيتكم لهذه المصلحة بمبلغ 28.875 جنيهاً عبارة عن مبلغ 48 جنيهاً و125 مليماً متأخرات عليكم عن المدة من 17/ 10/ 1957 لغاية 31/ 12/ 1957 حيث إن الكانتين لم يؤجر في هذه المدة بفعلكم ويطرح من هذا المبلغ قيمة التأمين المودع منكم والمصادر لصالح المصلحة وقدره 19 جنيهاً و250 مليماً، وتوصي المصلحة بسرعة تسديد هذا المبلغ لخزينة المصلحة وإلا اضطرت لخصمه من أية مبالغ مستحقة لكم في مصالح الحكومة أو مطالبتكم بالسداد بالطرق القانونية" ثم في 29 من نوفمبر سنة 1958 أرسلت المصلحة إلى المطعون عليه كتاباً آخر ذكرت فيه أنه استحق عليه أيضاً مبلغ 52 جنيهاً و500 مليماً قيمة فروق الإيجار عن المدة الباقية من العقد من أول يناير حتى 16 من أغسطس سنة 1958 وذلك بالإضافة إلى مبلغ 28 جنيهاً و935 مليماً - السالف إخطاركم بها - والثابت أن المصلحة كانت قد أجرت مزايدة جديدة حددت لها 18 من نوفمبر سنة 1957 عن استغلال المقصف ذاته لمدة سنة من آخر ديسمبر سنة 1957 وقد أسفرت هذه المزايدة عن التعاقد مع المتعهد الجديد (عبد العزيز عبد الهادي) على استغلال هذا المقصف لمدة سنة تبدأ من أول يناير سنة 1958 في مقابل شهري قدره 12 جنيهاً و250 مليماً.
ومن حيث إن الثابت مما تقدم أن المطعون عليه قد أخل بشروط العقد بعد إذ بدأ في تنفيذه - فعجز بعد الشهرين الأولين عن الاستمرار في إدارة المقصف، وتوقف عن دفع الجعل مقابل الاستغلال المستحق للمصلحة عن الشهر الذي بدأ من 17 من أكتوبر سنة 1957 وكان يتعين عليه أن يقوم بسداده مقدماً في اليوم الأول من ذلك الشهر إلى خزانة المصلحة وفقاً لحكم البند الثامن عشر من الشروط العامة لعطاء تأجير المقصف وهي الشروط التي يعتبرها العقد جزءاً لا يتجزأ من شروطه فقامت المصلحة بفسخ العقد ومصادرة التأمين، وطرحت العطاء من جديد في مزايدة حددت لها 18 من نوفمبر سنة 1957 فأسفرت هذه المزايدة الجديدة عن التعاقد مع متعهد آخر يقوم باستغلال هذا المقصف لمدة سنة تبدأ من أول يناير سنة 1958 ورسى عليه المزاد بجعل يقل سبع جنيهات شهرياً عن الجعل السابق إذ أصبح مقابل الاستغلال 12 جنيهاً و250 مليماً فطالبت المصلحة المطعون عليه بأن يدفع لها مقابل الاستغلال على أساس الجعل المبرم معه وقدره 19 جنيهاً و250 مليماً شهرياً عن المدة التي ظل فيها المقصف خالياً بفعل المطعون عليه، وهي المدة من 17 أكتوبر حتى 21 من ديسمبر سنة 1957، وقررت المصلحة خصم مبلغ التأمين النهائي المودع لديها من قبل المطعون عليه، وأجرت الخصم من المبلغ المستحق عليه والذي تطالبه بسداده - كما طالبته المصلحة بالفرق بين الجعل الجديد, والجعل القديم الأكبر، وذلك عن المدة الباقية في العقد الأول من أول يناير سنة 1958 إلى 16 من أغسطس سنة 1958.
ومن حيث إنه، لئن وصف العقد المبرم في 12 من أغسطس سنة 1957 بين مصلحة المساحة والمطعون عليه، بأنه عقد إيجار الكانتين، إلا أنه لا جدال في أنه عقد تقديم خدمات لمرفق من المرافق العامة هو مرفق مصلحة المساحة، وقد أجر الطرف الأول بمقتضاه للطرف الثاني كانتين المصلحة الكائن بالدور الأرضي من مبنى المصلحة المخصص له بالإدارة العامة، وذلك بالشروط المرفقة بالعقد وبموجبها يلتزم المطعون عليه بتهيئة المقصف المذكور بمصاريف من طرفه، بجميع أدوات الاستعمال من صواني وأطباق وثلاجات ووابورات الغاز وأكواب الماء والشوك والملاعق والسكاكين والفناجين والفوط والمفارش بالمقادير الكافية لموظفي ومستخدمي المصلحة من المأكولات والمشروبات الموضحة بالقائمة الملحقة بتلك الشروط العامة، وأن يبيعها بالأثمان المحددة أمام كل صنف منها. ويكون المتعهد مرتبطاً بالأسعار الواردة بالقائمة، ويجب أن يكون لدى المتعهد عدد من العمال كاف لإجابة طلبات الموظفين والمستخدمين لكي يتيسر لهم أخذ ما يلزمهم في الفترات القصيرة المعينة لهم، ويجب أن يكون أولئك العمال حسني الأخلاق، وأن يرتدوا ملابس بيضاء نظيفة ما داموا في المصلحة. وعلى المتعهد أن يبذل أقصى العناية بنظافة المقصف وما يعرض فيه للبيع الذي يجب أن يكون من الأنواع الجيدة الطازجة، ولتحقيق هذا الغرض سيصير التفتيش على المقصف وما به، من وقت لآخر بمعرفة طبيب المصلحة وكل ما يوجد معروضاً للبيع بحالة غير مقبولة يصادر ويعدم في الحال دون أن يكون للمتعهد حق في المطالبة بثمنه، وكذلك نص في العقد وفي الشروط العامة على حق المصلحة في فسخ العقد والإخلاء ومصادرة التأمين دون حاجة إلى تنبيه أو إنذار، وكل أولئك شروط غير مألوفة في عقود القانون الخاص المماثلة, فهو عقد اتسم بالطابع المميز للعقود الإدارية من حيث اتصاله بمرفق عام وأخذه بأسلوب القانون العام فيما تضمنه من شروط غير مألوفة في مجال القانون الخاص.
ومن حيث إن من المسلم أن روابط القانون الخاص تختلف في طبيعتها عن روابط القانون العام، وأن قواعد القانون المدني قد وضعت لتحكم روابط القانون الخاص - ولا تطبق وجوباً على روابط القانون العام إلا إذا وجد نص خاص يقضي بذلك، فإن لم يوجد فلا يلتزم القضاء الإداري بتطبيق القواعد المدنية حتماً، وكما هي، وإنما تكون له حريته واستقلاله في ابتداع الحلول المناسبة للروابط القانونية التي تنشأ في مجال القانون العام بين الإدارة في قيامها على المرافق العامة، وبين الأفراد، فله أن يطبق من القواعد المدنية ما يتلاءم معها، وله أن يطرحها إن كانت غير ملائمة معها، وله أن يطورها بما يحقق هذا التلاؤم. ومن هذا يفترق القانون الإداري عن القانون المدني في أنه غير مقنن حتى يكون متطوراً غير جامد. ويتميز القضاء الإداري عن القضاء المدني، في أنه ليس مجرد قضاء تطبيقي مهمته تطبيق نصوص مقننة مقدماً بل هو على الأغلب قضاء إنشائي قائم بذاته ينبثق من طبيعة روابط القانون العام واحتياجات المرافق ومقتضيات حسن سيرها. وعلى ضوء ذلك يكون نظام اشتراط إيداع التأمين في العقود الإدارية Le de pôt ďun contionnemnt هو نظام خاص رددت أحكامه لوائح المناقصات والمزايدات، سواء تلك الصادرة من مجلس الوزراء في 6 من يونيه سنة 1948 أم ذلك المشروع الذي أعقب صدور القانون رقم (236) لسنة 1954 بتنظيم المناقصات والمزايدات الصادر في 22 من إبريل سنة 1954، أم تلك اللائحة التي صدرت ونشرت بالجريدة الرسمية في 23 من مارس سنة 1958 لتكمل ما لم ينظمه قانون المناقصات والمزايدات من أحكام وإجراءات. ومقتضى نظام إيداع التأمين في مجالات العقود الإدارية أن المتعاقد مع الإدارة يجب عليه أن يقدم مبلغاً من المال بنسبة معينة من قيمة العقد أو خطاب كفالة صادر من أحد البنوك المعتمدة بهذه النسبة ضماناً لتنفيذ شروط العقد. (البند 28 من لائحة المخازن والمشتريات - يجب على صاحب العطاء المقبول أن يوقع على العقد بعد أن يودع تأميناً يوازي 10% من مجموع عطائه في مدة لا تتجاوز عشرة أيام من تاريخ اليوم الثاني لإخطاره بخطاب موصى عليه بقبول عطائه، وذلك ضماناً لتنفيذ شروط العقد.) - وجاء في البند التاسع والعشرين من المشروع الملحق بالقانون رقم 236 لسنة 1954 بتنظيم المناقصات والمزايدات ما يأتي: (بمجرد إخطار مقدم العطاء بقبول عطائه يصبح التعاقد تاماً بينه وبين الوزارة أو المصلحة طبقاً لهذه الشروط، وأما دفع التأمين النهائي، وتوقيع العقد، فما هما إلا لضمان تنفيذ هذا التعاقد.) وفي المادة (51) من اللائحة الصادرة والمنشورة في 3 مارس سنة 1958 جرى حكمها بما يأتي: (يجب على صاحب العطاء المقبول أن يودع في مدة لا تتجاوز عشرة أيام تبدأ من تاريخ اليوم التالي لإخطاره بقبول عطائه تأميناً يوازي عشرة في المائة أو أن يكمل التأمين المؤقت إلى ما يوازي عشرة في المائة من مجموع قيمة الأصناف أو العملية التي رست عليه، وذلك لضمان تنفيذ العقد.) ومفاد ذلك كله أن التأمين النهائي يقصد به أن يكون ضماناً لجهة الإدارة يؤمنها الأخطاء التي قد تصدر من المتعاقد معها حين يباشر تنفيذ شروط العقد الإداري. كما يضمن ملاءة المتعاقد معها عند مواجهة المسئوليات التي قد يتعرض لها من جراء إخلاله بتنفيذ أحكام العقد الإداري. فلا يمكن لجهة الإدارة أن تتجاوز عن التأمين حرصاً على مصلحة المرفق العام وانتظام سيره. ومن هذا الضمان تحصل الإدارة غرامات التأخير، والتعويضات والمبالغ المستحقة على المتعاقد نتيجة لتقصيره أو إخلاله بتنفيذ التزامات العقد. وإذا كان التأمين في حقيقته هو ضمان لتنفيذ العقد الإداري على النحو المذكور، فلا يمكن تصور قيام هذا الضمان، ما لم يكن للإدارة حق مصادرة التأمين أي اقتضاء قيمته بطريق التنفيذ المباشر، ودون حاجة إلى الالتجاء إلى القضاء، في حالة عدم التنفيذ، سواء نص أم لم ينص في الشروط على هذا الحق، وإلا لما كان هناك محل أصلاً لاشتراط إيداع التأمين مع العطاء. وإذا كان التأمين ضماناً لجهة الإدارة شرع لمصلحتها، وسن لحمايتها، فلا يتصور منطقاً أن يكون التأمين قيداً عليها، أو ضاراً بحقوقها، أو معوقاً لجبرها ومانعاً لها من المطالبة بالتعويضات المقابلة للأضرار الأخرى التي تكون قد لحقتها من جراء إخلال المتعاقد بتنفيذ شروط العقد الإداري. خاصة إذا كان التأمين المودع لا يكفي لجبر كافة الأضرار تعويضاً شاملاً وافياً، والقول بغير هذا النظر يؤدي إلى شذوذ في تطبيق أحكام العقد الإداري؛ إذ من المسلم أن لجهة الإدارة الحق في توقيع غرامات تأخير على المتعهد الذي يتأخر في تنفيذ التزاماته في المواعيد، ومن المسلم أيضاً أن لها الحق في مصادرة التأمين عند وقوع الإخلال، وذلك دون حاجة لإثبات ركن الضرر، لا لأن هذا الركن غير مشترط أصلاً، وإنما لأنه ركن يفترض في كل عقد إداري بفرض غير قابل لإثبات العكس - فلا يجوز للمتعاقد مع جهة الإدارة أن يثبت أن الضرر الذي لحق الإدارة يقل عن التأمين - ومن ثم لا يتصور، والأمر كذلك، أن لا يكون للإدارة الحق في الرجوع على المتعهد المقصر، بالتعويض الذي يعادل قيمة الأضرار في الحالة التي تجاوز فيها هذه القيمة مبلغ التأمين المودع. بل يحق لجهة الإدارة بغير شك أن تطالب المتعاقد معها بتكملة ما يزيد على مبلغ التأمين الذي لا يفي بالتعويضات اللازمة عما أصاب جهة الإدارة من أضرار حقيقية وفعلية. ذلك أن التأمين قد يمثل الحد الأدنى للتعويض الذي يحق للإدارة اقتضاؤه، ولكنه يقيناً، لا يمثل الحد الأقصى لما قد يطلب من تعويض, يؤيد هذا الفهم الصحيح لطبيعة العقود الإدارية وموضع التأمين منها ما جرت به أحكام الفقرة (ب) من البند الثالث والخمسين من لائحة المخازن والمشتريات المصدق عليها من مجلس الوزراء في 6/ 6/ 1948، وقد رددت أحكامها الفقرة الثانية من المادة (105) من لائحة المناقصات والمزايدات الصادرة والمنشورة في 3/ 3/ 1958 حين أشارت تلك الأحكام إلى شراء الأصناف التي لم يقم المتعهد بتوريدها شرائها من غيره على حساب المتعهد وأن يخصم التأمين المودع من المتعهد المقصر من قيمة الزيادة في الثمن مضافاً إليها مصروفات إدارية بواقع نسبة مئوية من قيمة الأصناف المشتراة على حسابه، وما يستحق من غرامة عن مدة التأخير في التوريد - أما إذا كان سعر شراء أي صنف يقل عن سعر المتعهد، فلا يحق لهذا المقصر أن يطالب بالفرق. وهذا لا يمنع من تحصيل قيمة غرامة التأخير المستحقة والمصروفات الإدارية. ومفاد هذا الاتجاه اللائحي أنه على الرغم من أن الشراء على حساب المتعهد المقصر وهو نوع من النيابة عنه، لأن الشراء إنما يتم على حسابه بنفس الشروط والمواصفات المتعاقد عليها، إلا أن اللائحة تمنعه من المطالبة بالفرق إذا كان سعر الشراء يقل عن سعره (سعر المتعهد المقصر) إذ لا يجوز أن يستفيد هذا المتقاعس من تقصيره. والحال كذلك بالنسبة لمصادرة التأمين، فجهة الإدارة من حقها بل وعليها أن تصادر التأمين بأكمله عند توقيع الفسخ إثر الإخلال بالالتزام، ولا يقبل من المتعاقد المقصر أن يثبت أن الضرر يقل عن مبلغ التأمين. وفي نفس الوقت يجوز للإدارة أن ترجع عليه بالتعويضات الأخرى إن كان لها وجه لأن قيمة التأمين لا تفي وحدها بمجموع التعويضات. ورجوع الإدارة بالتعويضات الأخرى، على المتعاقد معها المقصر في حقها عند مصادرة التأمين الذي يقل عن مستوى التعويض الكامل لا يستند إلى اعتبار العقد قائماً ومنفذاً على حساب المتعاقد، مع أنه سبق فسخه - على نحو ما اتجه إليه الحكم المطعون فيه - وإنما يستند ذلك الرجوع، إلى أحكام القواعد العامة في أي عقد كان، وتلك الأحكام تقضي بأن كل خطأ ترتب عليه ضرر يلزم من ارتكبه بالتعويض، وبقدر قيمة الضرر، وهذه الأحكام لا تتعارض البتة مع فكرة التأمين في العقود الإدارية بوجه عام. ولا غرو أن فروق الأسعار، ونزول جعول المقاصف، وما يضيع على جهة الإدارة من كسب محقق، كل أولئك تمثل في حقيقتها أضراراً فعلية وقيماً معلومة لحقت الإدارة وتعاقبت عليها من جراء إخلال المتعاقد معها بتنفيذ ما التزم به قبلها.
ومن حيث إنه على هدي ما تقدم، لا يستساغ القول بأن حقوق مصلحة المساحة قد تحددت بمصادرة التأمين فحسب منذ إذ لجأت إلى فسخ العقد، أو بأن الطرفين المتعاقدين قد انصرفت نيتهما إلى أن يكون قدر التعويض الواجب اقتضاؤه داخل حدود مبلغ التأمين النهائي لا يتعداه. فالفهم الصحيح لبنود قائمة العطاء في جو المبادئ العامة للعقد الإداري، وما جرت به عبارات البند (18) من ذلك العطاء، لا تعدو أن تكون توكيداً لحق الإدارة في اقتضاء قيمة التأمين بطريق التنفيذ المباشر، استيفاء لحقوقها، وعلى أساس أن التأمين يمثل ضماناً للتنفيذ دون أن يخل فهم ذلك الضمان بما هو مسلم لجهة الإدارة من حق الرجوع على المتعهد المقصر بكافة التعويضات الأخرى عما عساه يكون قد لحق الإدارة من أضرار لا يفي مبلغ التأمين وحده بالتعويض عنها. وتأسيساً على ذلك تكون وزارة الأشغال - مصلحة المساحة - على حق فيما تقدمت بطلبه في صحيفة الدعوى وفي تقرير هذا الطعن من طلب إلزام المطعون عليه بأن يدفع لها مبلغ (81 جنيهاً و375 مليماً) والفوائد القانونية بواقع 4% عن مبلغ (28 جنيهاً و875 مليماً) من تاريخ المطالبة الرسمية الحاصلة في 26 من أكتوبر سنة 1959 حتى تمام السداد وتفصيل ذلك أن مبلغ 48 جنيهاً و125 مليماً هو قيمة متأخر الجعل عن المدة الباقية في عام 1957 ثم يضاف إليه مبلغ 52 جنيهاً و500 مليم هو فرق الجعل الجديد عن الجعل القديم ثم يخصم من مجموعها مبلغ 19 جنيهاً و250 مليماً قيمة التأمين... والفوائد القانونية من مبلغ 28 جنيهاً و875 مليماً قيمة المتأخر من الجعل. وذلك على النحو السالف تفصيله فما تقدم من أسباب.
وإذ ذهب الحكم المطعون فيه مذهباً مغايراً - فيكون الطعن فيه قد قام على سند سليم من القانون.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً, وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبإلزام المطعون عليه بأن يدفع للوزارة المدعية مبلغ 81 جنيهاً و375 مليماً والفوائد القانونية عن مبلغ 28 جنيهاً و875 مليماً بواقع 4% من تاريخ المطالبة القضائية الحاصلة في 26 من أكتوبر سنة 1959 حتى تمام السداد وألزمته بالمصروفات.

الطعن 3737 لسنة 57 ق جلسة 21 / 2 / 1989 مكتب فني 40 ق 46 ص 295

جلسة 21 من فبراير سنة 1989

برئاسة السيد المستشار/ أحمد محمود هيكل نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ عوض جادو نائب رئيس المحكمة وطلعت الاكيابى ومحمود إبراهيم عبد العال وجابر عبد التواب.

---------------

(46)
الطعن رقم 3737 لسنة 57 القضائية

(1) نقض "التقرير بالطعن" "الصفة في الطعن".
التقرير بالطعن. ورقة شكلية من أوراق الإجراءات. وجوب أن تحمل بذاتها مقوماتها الأساسية. عدم جواز تكملة أي بيان فيه بأي دليل آخر خارج عنه غير مستمد منه.
توقيع المقرر بالطعن بالنقض باعتباره وكيلاً عن محكوم عليه وآخرين دون ذكر أسمائهم. أثره. عدم قبول الطعن شكلاً بالنسبة لهم.
(2) حكم "وضعه وإصداره". ضرب "ضرب بسيط". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
عدم رسم القانون شكلاً خاصاً لصياغة الحكم. كفاية أن يكون مجموع ما أورده الحكم مؤدياً إلى تفهم الواقعة بأركانها وظروفها.
(3) إجراءات "إجراءات المحاكمة". استئناف "نطاقه" "نظره والحكم فيه". محكمة استئنافية. نظام عام.
اتصال محكمة ثاني درجة بالدعوى. مقيد بالوقائع التي طرحت على محكمة أول درجة.
عدم جواز تصدي محكمة ثاني درجة لدعوى لم تفصل فيها محكمة أول درجة. أساس ذلك؟

----------------
1 - لما كان الأستاذ..... المحامي المقرر بالطعن أثبت بتقرير الطعن أنه يطعن في الحكم الصادر بتاريخ 20/ 12/ 1984 بصفته وكيلاً عن المحكوم عليهم....... وآخرين بتوكيل رقم...... لسنة 1984 توثيق دمياط وكان تقرير الطعن هو ورقة شكلية من أوراق الإجراءات التي يجب أن تحمل بذاتها مقوماتها الأساسية باعتبارها السند الوحيد الذي يشهد بصدور العمل الإجرائي عمن صدر منه على الوجه المعتبر قانوناً فلا يجوز تكملة أي بيان بالتقرير بأي دليل خارج عنه غير مستمد منه وكان التقرير قد جاء غفلاً من بيان أسماء المحكوم عليهم...... و....... و...... و...... فهو والعدم سواء ويتعين عدم قبول الطعن المقدم من المذكورين شكلاً.
2 - من المقرر أن القانون لم يرسم شكلاً خاصاً يصوغ فيه الحكم بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها وكان ما أثبته الحكم المطعون فيه في مدوناته كاف لتفهم واقعة الدعوى وظروفها حسبما تبينتها المحكمة وتتوافر به كافة الأركان القانونية للجريمة التي دان الطاعنين بها وأورد على ثبوتها في حقهم أدلة سائغة مستمدة من أقوال المجني عليهما والتقرير الطبي فإن ذلك يكون محققاً لحكم القانون.
3 - لما كان الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه أن الجنحة رقم..... لسنة 1983 التي ضمتها محكمة أول درجة لم تفصل فيها تلك المحكمة فقضى الحكم المطعون فيه بإعادتها إلى محكمة أول درجة للفصل فيها وهو ما يتفق وصحيح القانون لأن الفصل في تلك الدعوى من محكمة ثان درجة سوف يترتب عليه حرمان الطاعنين من درجة من درجات التقاضي وهو ما يعد مخالفاً للأحكام المتعلقة بالنظام العام لتعلقه بالنظام القضائي ودرجاته ويكون منعى الطاعن غير سديد.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهم أولاً: - المتهمون الثلاثة الأول أحدثوا عمدا بـ....... الإصابات الواردة بالتقرير الطبي والتي أعجزته عن أشغاله الشخصية مدة لا تزيد على عشرين يوماً وكان ذلك باستخدام "أداة". ثانياً: المتهمون الرابع والخامس والسادس أحدثوا عمدا بـ........ الإصابات الواردة بالتقرير الطبي والتي أعجزته عن أشغاله الشخصية مدة لا تزيد على عشرين يوماً وكان ذلك باستخدام "أداة" وطلبت عقابهم بالمادة 242/ 1، 3 من قانون العقوبات وادعى المجني عليهما مدنياً قبل المتهمين بمبلغ واحد وخمسين جنيهاً على سبيل التعويض المؤقت ومحكمة جنح دمياط قضت حضورياً عملاً بمادة الاتهام بمعاقبة كل منهم بالحبس شهراً مع الشغل وكفالة عشرة جنيهات لوقف التنفيذ وإلزامهم متضامنين بأن يدفعوا للمدعين بالحق المدني مبلغ 51 جنيهاً على سبيل التعويض المؤقت. استأنف المحكوم عليهم ومحكمة دمياط الابتدائية (بهيئة استئنافية) قضت حضورياً بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع بتعديل الحكم المستأنف والاكتفاء بحبس كل منهم أسبوعاً واحداً والتأييد فيما عدا ذلك.
فطعن الأستاذ...... المحامي نيابة عن المحكوم عليهم في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

حيث إن الأستاذ...... المحامي المقرر بالطعن أثبت بتقرير الطعن أنه يطعن في الحكم الصادر بتاريخ....... بصفته وكيلاً عن المحكوم عليهم ....... وآخرين بتوكيل رقم...... لسنة 1984 توثيق دمياط وكان تقرير الطعن هو ورقة شكلية من أوراق الإجراءات التي يجب أن تحمل بذاتها مقوماتها الأساسية باعتبارها السند الوحيد الذي يشهد بصدور العمل الإجرائي عمن صدر منه على الوجه المعتبر قانوناً فلا يجوز تكملة أي بيان بالتقرير بأي دليل خارج عنه غير مستمد منه وكان التقرير قد جاء غفلاً من بيان أسماء المحكوم عليهم..... و...... و...... و ....... فهو والعدم سواء ويتعين عدم قبول الطعن المقدم من المذكورين شكلاً.
وحيث إنه من المقرر أن القانون لم يرسم شكلاً خاصاً يصوغ فيه الحكم بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها وكان ما أثبته الحكم المطعون فيه في مدوناته كاف لتفهم واقعة الدعوى وظروفها حسبما تبينتها المحكمة وتتوافر به كافة الأركان القانونية للجريمة التي دان الطاعنين بها وأورد على ثبوتها في حقهم أدلة سائغة مستمدة من أقوال المجني عليهما والتقرير الطبي فإن ذلك يكون محققاً لحكم القانون إذ أن الحكم المطعون فيه قد أنشأ لقضائه أسباباً جديدة ويضحى منعى الطاعن غير سديد. لما كان ذلك وكان الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه أن الجنحة رقم.... لسنة 1983 التي ضمتها محكمة أول درجة لم تفصل فيها تلك المحكمة فقضى الحكم المطعون فيه بإعادتها إلى محكمة أول درجة للفصل فيها وهو ما يتفق وصحيح القانون لأن الفصل في تلك الدعوى من محكمة ثان درجة سوف يترتب عليه حرمان الطاعنين من درجة من درجات التقاضي وهو ما يعد مخالفاً للأحكام المتعلقة بالنظام العام لتعلقه بالنظام القضائي ودرجاته ويكون منعى الطاعن غير سديد. لما كان ما تقدم فإن الطعن برمته يكون على غير أساس مما يفصح عن عدم قبوله موضوعاً.

الطعن 1371 لسنة 7 ق جلسة 2 / 1 / 1965 إدارية عليا مكتب فني 10 ج 1 ق 33 ص 301

جلسة 2 من يناير سنة 1965

برئاسة السيد الأستاذ حسن السيد أيوب رئيس المحكمة وعضوية السادة الأساتذة الدكتور ضياء الدين صالح ومحمد شلبي يوسف وعبد الستار آدم وأبو الوفا زهدي المستشارين.

----------------

(33)

القضية رقم 1371 لسنة 7 القضائية

(أ) موظف - إجازة - إذاعة 

- سريان أحكام قانون الموظفين رقم 210 لسنة 1951 في شأن الإجازات على موظفي هيئة الإذاعة - أساس ذلك أنه لا يتوفر في شأنهم تنظيم خاص مخالف.
(ب) موظف - إجازة عارضة 

- حق الموظف في الإجازة العارضة - ليس حقاً مطلقاً بل قيد بحدوده وضوابطه المنصوص عليها قانوناً.
(جـ) موظف - إجازة عارضة - تأديب 

- السبب الطارئ المبرر للإجازة العارضة - هو السبب الذي لم يكن للموظف أن يتنبأ بوقوعه سلفاً على وجه يتعذر معه الحصول على إذن سابق بالغياب - قيام فسحة من الوقت تمكن من الحصول على إذن سابق بالتغيب - اعتبار الغياب في هذه الحالة انقطاعاً عن العمل دون إذن يسوغ المساءلة التأديبية.

------------------
1 - لا نزاع في أن قانون نظام الموظفين رقم 210 لسنة 1951 هو الواجب التطبيق لأنه لا يوجد بقانون تنظيم هيئة الإذاعة ولا بلوائحها ما يفيد تنظيم الإجازات على وجه يخالف ما جاء بقانون نظام الموظفين المشار إليه.
2 - إن القانون رقم 210 لسنة 1951 قد نظم الإجازات فنص في المادة 57 منه على أنه "لا يجوز لأي موظف أن ينقطع عن عمله إلا لمدة معينة في الحدود المسموح بها لمنح الإجازات" ثم قسم في المادة 58 الإجازات إلى ثلاثة أنواع عارضة واعتيادية ومرضية ثم عرف الإجازة العارضة في المادة 59 على أنها ".... هي التي تكون لسبب طارئ لا يستطيع الموظف معه إبلاغ رؤسائه مقدماً للترخيص في الغياب" ثم قضت هذه المادة على أنه "لا يصح أن يجاوز مجموع الإجازات العارضة سبعة أيام طوال السنة، ولا تكون الإجازة العارضة لأكثر من يومين في المرة الواحدة.." ويستفاد من هذه النصوص بادئ ذي بدء أن حق الموظف في الإجازة العارضة ليس حقاً مطلقاً يستعمله الموظف كلما رغب وكيفما شاء بل هو حق مقيد بحدوده وضوابطه المنصوص عليها في المادة 59 سالفة الذكر فللموظف - طبقاً لصريح نص هذه المادة - أن ينقطع عن عمله دون إذن سابق لمدة لا تجاوز يومين متى كان مرد هذا الانقطاع إلى سبب طارئ.
3 - إن السبب الطارئ - هو السبب الذي لم يكن للموظف أن يتنبأ بوقوعه سلفاً، يضطر معه إلى الانقطاع عن عمله ويكون من شأن طروء هذا السبب أن يتعذر على الموظف الحصول على إذن سابق بالغياب.. فإذا كان الموظف قد قام به سبب رأى أنه سوف يلجئه إلى التغيب وكان لديه فسحة من الوقت يستطيع معها الحصول على إذن سابق بالغياب فإنه لا يمكن اعتبار غيابه دون إذن في هذه الحالة إجازة عارضة بل إن لجهة الإدارة أن تعتبر هذا الغياب انقطاعاً عن العمل بدون إذن مما يعد - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - إخلالاً منه بواجبات وظيفته مبرراً لمساءلته تأديبياً (يراجع حكم هذه المحكمة الصادر بجلسة 23 من نوفمبر سنة 1963 في القضية رقم 587 لسنة 7 القضائية).


إجراءات الطعن

في يوم 25 من يونيه سنة 1961 أودع السيد محامي إدارة قضايا الحكومة نائباً عن السيد وزير الدولة لشئون رياسة الجمهورية والسيد مدير الإذاعة سكرتيرية هذه المحكمة صحيفة طعن قيد بجدولها تحت رقم 1371 لسنة 7 قضائية في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري "هيئة الفصل بغير الطريق التأديبي" بجلسة 26 من إبريل سنة 1961 في القضية رقم 805 لسنة 14 قضائية المقامة من السيد/ محمد نور الدين مصطفى المذيع بهيئة الإذاعة ضد السيد وزير الدولة لشئون رياسة الجمهورية والسيد مدير هيئة الإذاعة بالجمهورية العربية المتحدة والقاضي بإلغاء القرار الصادر من مدير هيئة الإذاعة في 28 من يونيه سنة 1959 المطعون فيه فيما قضى به من مجازاة المدعي بالإنذار مع إلزام الهيئة المدعى عليها مصاريف الدعوى وخمسمائة قرش مقابل أتعاب محامي المدعي. وقد طلب الطاعن - للأسباب التي استند إليها في صحيفة الطعن - إحالة طعنه إلى المحكمة الإدارية العليا لتقضي فيه بقبوله شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه ورفض دعوى المطعون ضده مع إلزامه بالمصاريف والأتعاب عن الدرجتين. وقد أعلن هذا الطعن للمطعون ضده في 12 من يوليه سنة 1961، وقد قدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني مسبباً في الطعن المذكور انتهت فيه إلى أنها ترى قبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً وإلزام الحكومة المصروفات طبقاً لما تقضي به المادة 357 من قانون المرافعات. وبعد أن انقضت المواعيد المقررة دون أن يقدم المطعون ضده مذكرة بملاحظاته عين لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة جلسة 18 من إبريل سنة 1964 وأخطر الطرفان بهذه الجلسة في 22 من مارس سنة 1964 وفيها قررت إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا لنظره وقد عين لنظره جلسة 24 من أكتوبر سنة 1964 وأخطر بها ذوو الشأن في 10 من سبتمبر سنة 1964 إلا أن إخطار المطعون ضده قد ارتد لعدم وجوده بالعنوان الموضح بالإخطار فقررت المحكمة التأجيل لجلسة 21 من نوفمبر سنة 1964 لإعادة إعلانه فتم ذلك بتاريخ 4 من الشهر المذكور وفي هذه الجلسة الأخيرة سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن وأرجأت النطق بالحكم لجلسة اليوم وصرحت بتقديم مذكرات ومستندات إلى ما قبل الجلسة بأسبوعين فقدم المطعون ضده حافظة مستندات ومذكرة طلب فيها الحكم برفض الطعن وتأييد الحكم المطعون فيه.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة - حسبما يبين من أوراق الطعن - تتحصل في أن المطعون ضده السيد/ محمد نور الدين مصطفى المذيع بهيئة الإذاعة أقام الدعوى رقم 805 لسنة 14 قضائية ضد السيد وزير الدولة لشئون رياسة الجمهورية والسيد نائب وزير الدولة لشئون رياسة الجمهورية والسيد مدير الإذاعة بالجمهورية العربية المتحدة بصحيفة أودعها سكرتيرية محكمة القضاء الإداري في 28 من فبراير سنة 1960 طالباً الحكم بإلغاء القرار الصادر من السيد مدير هيئة الإذاعة في 28 من يونيه سنة 1959 فيما تضمنه من مجازاته بعقوبة الإنذار مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام الجهة الإدارية بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة... وقال في بيان دعواه إن السيد كبير المذيعين كلفه بإذاعة قداس يوم وقفة عيد القيامة في 28 من مارس سنة 1959... وكان مقرراً أن تنتهي إذاعة القداس في الساعة الواحدة من صباح اليوم التالي ولكنه استمر حتى الساعة الثانية والنصف.. وقبيل مغادرته دار الإذاعة انتابه ألم مفاجئ مصحوباً بإعياء شديد فرأى من المناسب - خشية عدم تمكنه من الحضور في الساعة العاشرة والنصف لتسلم عمله الذي يبدأ الساعة الحادية عشرة من صباح نفس اليوم (29 من مارس سنة 1959) - إخطار المسئولين للاعتذار عن الحضور في اليوم المذكور ولذلك حاول الاتصال تليفونياً بالسيد كبير المذيعين في منزله مراراً دون جدوى وما كان يمكنه إرسال أي اعتذار لسكرتيرية المذيعين لأن تعليمات سيادته تمنعهم من تلقي أي اعتذار وإذ لم يجد سبيلاً للاتصال بالمسئولين ذهب إلى منزله آملاً أن تتحسن حالته في الصباح بيد أنها ازدادت سوءاً فأرسل في صباح اليوم المذكور برقية إلى كل من السيد كبير المذيعين ومراقب البرامج الموجهة للاعتذار عن العمل في هذا اليوم في الجهتين المذكورتين فقبل اعتذاره عند مراقبة البرامج الموجهة ولكن السيد كبير المذيعين أبى قبول البرقية وأحال الموضوع بعد موافقة السيد المدير - إلى التحقيق الذي انتهى بأن أصدر السيد مدير هيئة الإذاعة قراراً بمجازاته بعقوبة الإنذار بدعوى تخلفه عن الحضور في الساعة الحادية عشرة من صباح يوم 29 من مارس سنة 1959 وترتب على ذلك أن قرأت المذيعة تحت التمرين موجز الأنباء.. وقد تظلم من هذا القرار ولما رفض تظلمه رفع هذه الدعوى.. وينعى على القرار المذكور مخالفته للقانون وانعدام سببه واستند في ذلك إلى نص المادتين 58, 59 من قانون نظام الموظفين رقم 210 لسنة 1951 الخاصتين بالإجازات وأنواعها. ثم قال المدعي أنه يستفاد من نص المادة 59 المنوه عنها أن الإجازة العارضة ليست منحة من جهة الإدارة بل هي حق للموظف أو على الأقل رخصة يستعملها في الحدود التي رسمتها المادة المذكورة.. وليس لجهة الإدارة أن تتحرى عن صحة أسباب الإجازة العارضة وإلا كانت الإدارة جهة بوليسية يوكل إليها عمل التحريات المثبتة لصحة إدعاء الموظف.. على أنه لو صح في الجدل أن من حق الإدارة مراقبة صحة أسباب الإجازة العارضة لوجب عليها أن تقوم بعمل إيجابي للتحقق من صحة هذه الأسباب أو فسادها ثم أبدى المدعي أن القرار التأديبي يجب أن يقوم على سبب يبرره وقد استقر الرأي على أن الجريمة التأديبية هي إخلال الموظف بواجبات وظيفته أو إتيان عمل من الأعمال المحرمة عليه وأنه بإعمال هذه المبادئ على خصوصية حالته يبين أنه طلب احتساب يوم 29 من مارس سنة 1959 إجازة عارضة تطبيقاً لنص المادة 59 من قانون نظام الموظفين سالفة الذكر ومن ثم فإن ما صدر منه لا يكون جريمة تأديبية لأن استعمال الحقوق في الحدود التي فرضها القانون لا تعتبر إخلالاً بواجبات الوظيفة أو عملاً مخالفاً للقانون وبالتالي يكون القرار المطعون فيه قد قام على غير سبب.. وقد أجابت هيئة الإذاعة على الدعوى بمذكرة يتحصل ما جاء بها في أن المدعي كلف من رئيسه بافتتاح المحطة وإنهائها يوم 28 من مارس سنة 1959 لإذاعة قداس يوم وقفة عيد القيامة التي تنتهي في الساعة الواحدة صباح اليوم التالي وعلى أن يقوم بنوبة العمل التي تبدأ الساعة الحادية عشرة صباح ذلك اليوم.. وقد ذكر المدعي في تقريره عن هذه الليلة أن إذاعة القداس استمر حتى الساعة الثانية صباحاً ولا يدري كيف يوفق بين ذلك وبين حضوره نوبة العمل في الصباح ولم يحضر فعلاً ولم يخطر مقدماً وفي الوقت المناسب عن عزمه على التغيب.. الأمر الذي أدى إلى أن قامت المذيعة تحت التمرين بقراءة موجز الأنباء مما كان يحتمل معه أن يحدث منها أخطاء لا يمكن تلافيها لولا أن تدارك السيد كبير المذيعين الموقف وأمر مذيعة الفترة السابقة بمواصلة العمل حتى نهاية فترة المدعي.. وأنه اتضح من أقواله في التحقيق أن سبب تغيبه لم يكن طارئاً بحيث يتعذر عليه واجب الإبلاغ، إذ أقر بأن شعوره بحاجته إلى التغيب كان وقت إذاعة القداس.. ومن ثم فقد كان أمامه فسحة من الوقت تسمح له بإبلاغ المسئولين في الوقت المناسب عن عزمه على التغيب حتى يمكن تدبير الأمر. بيد أنه تراخى عن القيام بهذا الواجب معتمداً على أن من حقه أن يتغيب دون إخطار متجاهلاً في الوقت ذاته طبيعة عمله كمذيع وما لهذا العمل من أهمية بالغة تقتضي من المذيع اتباع جميع التعليمات التي تصدر إليه وأن ينفذها بكل دقة وإلا ترتب على الإهمال أخطار جسيمة قد لا يمكن تلافيها.. وبالتالي لا يمكن اعتبار يوم 29 من مارس سنة 1959 الذي تغيبه دون أن يخطر بذلك بالرغم من عزمه على ذلك مقدماً ومعرفته أسبابه - لا يمكن اعتباره إجازة عارضة بالمعنى الذي قصده الشارع في الحكم الذي أورده في المادة 59 سالفة الذكر.. ولما كان المدعي لم يحصل على إجازة اعتيادية أو مرضية فيكون التغيب والحال كذلك انقطاعاً عن العمل بغير إذن وهو ما يعتبر إخلالاً بواجبات الموظف الإدارية يخول جهة الإدارة الحق في مؤاخذته تأديبياً ومن ثم يكون القرار المطعون فيه قد قام على سببه وتكون دعوى المدعي غير قائمة على أساس سليم من الواقع والقانون.. وطلبت هيئة الإذاعة لذلك الحكم برفض الدعوى وإلزام المدعي بالمصروفات وقد قدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانون مسبباً انتهت فيه إلى أنها ترى الحكم برفض الدعوى وإلزام المدعي بالمصروفات.. واستندت في ذلك إلى أنه يبين من مطالعة التحقيق الذي أجري مع المدعي أن تغيبه يوم 29 من مارس سنة 1959 لم يكن لسبب طارئ ذلك أنه كتب في تقريره عن إذاعة القداس أنها امتدت بعد الموعد المحدد لانتهائها ساعة وعشر دقائق وأنه لا يدري كيف يمكن التوفيق بين بقائه في الإذاعة حتى الثانية صباحاً ثم عودته إليها في الساعة العاشرة والنصف صباحاً.. وهو ما يكشف عن أن المدعي كان قد عقد العزم وبيت النية فور انتهاء إذاعة القداس - على عدم حضور نوبة الإذاعة التي تبدأ في الحادية عشرة من ذات اليوم لاعتقاده عدم ملاءمة توزيع العمل في الإذاعة.. وأنه إذا كانت هيئة الإذاعة قد استخلصت مما تقدم أن ما تذرع به المدعي لا يصح سبباً لانقطاعه ومن ثم اعتبرت تغيبه انقطاعاً عن العمل بدون إذن وأوقعت عليه الجزاء فإنها إنما تكون قد استخلصت النتيجة التي انتهت إليها استخلاصاً سائغاً من أصول تنتجها مادياً وقانونياً ويكون قرار الجزاء قد قام على سبب يبرره.. وبجلسة 26 من إبريل سنة 1961 حكمت محكمة القضاء الإداري "هيئة الفصل بغير الطريق التأديبي" بإلغاء القرار المطعون فيه فيما قضى به من مجازاة المدعي بالإنذار مع إلزام الهيئة المدعى عليها مصاريف الدعوى وخمسمائة قرش مقابل أتعاب محامي المدعي.. وأقامت قضاءها على أن الإجازة العارضة - بحسب تعريف القانون لها - تكون لسبب طارئ ولا تستلزم تقديم طلب سابق للترخيص بها.. وأن السبب الطارئ نسبي قد يختلف في حالة عنه في الأخرى وبالنسبة لظروف موظف عنه بالنسبة لظروف موظف آخر، على أن المرض المفاجئ يصلح بصفة عامة ولسائر الموظفين لأن يكون من الأسباب الطارئة في تطبيق حكم المادة 59 من قانون الموظفين.. وأنه يخلص من أقوال المدعي في التحقيق أنه شعر بألم مفاجئ وإعياء شديد فحاول الاعتذار عن الحضور في النوبة التالية فلم يتمكن وظن أن حالته قد تتحسن ولكنها ذادت سوءاً فأخطر تلغرافياً بالانقطاع.. وأنه لا يوجد في الأوراق ما ينفي صحة ما ذهب إليه المدعي من مرضه المفاجئ ولا يغير من هذا النظر العبارة التي كتبها المدعي في تقريره والتي قال فيها إنه لا يدري كيف يمكن التوفيق بين بقائه في الإذاعة حتى الساعة الثانية صباحاً ثم عودته إليها في الساعة العاشرة والنصف صباح نفس اليوم.. لأن هذه العبارة - وإن كانت قد تفيد عدم الرضاء - إلا أنها لا تكفي في الاستناد عليها لإثبات أن المدعي لم ينقطع بسبب مرض مفاجئ كما يقول، وأنه يبين من ذلك أن المدعي لم يرتكب مخالفة إدارية بانقطاعه عن العمل يوم 29 من مارس سنة 1959 بسبب مرض ألم به ومن ثم يكون القرار المطعون فيه قد صدر فاقد السبب وغير مستخلص استخلاصاً سائغاً من الأوراق متعيناً إلغاؤه.. وفي يوم 25 من يونيه سنة 1961 أودع السيد محامي إدارة قضايا الحكومة بصفته نائباً عن السيد وزير الدولة لشئون رياسة الجمهورية والسيد مدير هيئة الإذاعة بصفتهما سكرتيرية هذه المحكمة صحيفة طعن طلب فيها إحالة طعنه إلى المحكمة الإدارية العليا لتقضي فيه بقبوله شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه ورفض دعوى المطعون ضده مع إلزامه بالمصاريف والأتعاب عن الدرجتين.. وقد بنى الطاعنان طعنهما على أن الحكم المطعون فيه قد أخطأ في تفسير المادة 59 من القانون رقم 210 لسنة 1951.. ذلك لأن السبب الطارئ المنصوص عليه بهذه المادة إنما هو العائق الذي ينشأ فجأة وبلا مقدمات تنبئ عن حدوثه بحيث يمنع الموظف عن إمكان إبلاغ رؤسائه للترخيص له بالغياب.. فإذا كان السبب ليس طارئاً ولم ينشأ فجأة وكان أمام الموظف فسحة من الوقت للإخطار فإنه لا يكون سبباً طارئاً مفاجئاً في تعريف المادة 59 المنوه عنها، والغياب دون توافر هذه الأسباب هو غياب دون إذن وأنه لا شبهة في أن جهة الإدارة - وهي المسئولة عن حسن سير الدولاب الحكومي وصاحبة الولاية في إدارته - تملك مراقبة استعمال الموظف لحقه في الإجازة العارضة بحيث إذا ما تراءى لها أنه أساء استعماله على نحو يضر بالصالح العام، كأن تتبين عدم قيام السبب الطارئ مثلاً، فلها أن تعتبر انقطاع الموظف عن العمل إخلالاً منه بواجبات وظيفته مما يخول لها حق مؤاخذته تأديبياً والقول بغير ذلك معناه إطلاق العنان للموظفين العموميين - وهم عمال المرافق العامة المنوط بهم تسييرها - لإدعاء ما يتراءى لهم من أسباب طارئة دون أن يكون لجهة الإدارة مراقبة هذه الإدعاءات.. والثابت أن المطعون ضده - بعد أن أثبت في تقريره تلك العبارة - انقطع عن العمل دون عذر وأرسل برقية وصلت بعد ميعاد بدء الإذاعة بكثير.. وكان الاتصال التليفوني أنفع وأجدى وأسرع وأضاف الطاعنان أنه كان يجب على المطعون ضده مراعاة طبيعة المرفق الذي يعمل به وحساسيته وتقدير رسالته.. كما كان واجباً عليه أن يضع في حسبانه ضرورة الإخطار بعزمه على الغياب في وقت يسمح للمشرفين على البرنامج إعداد من يقوم بالعمل بدلاً منه وإلا كانت النتيجة الحتمية توقف البرنامج بسبب عدم حضور المذيع المنوط به أداء الفترة بدون عذر أو اعتذار سابق وكذلك كان من الواجب أن يستوثق المطعون ضده من وصول الإخطار قبل موعد الإذاعة المكلف بها في وقت يسمح بتدبير الأمر وختم الطاعنان صحيفة طعنهما بأنه قد ثبت أن المطعون ضده قد خرج عن السلوك الإداري إخلالاً بواجبات وظيفته وكذلك على مقتضى الواجب المفروض عليه في هذه الوظيفة ذات الطابع الخاص ولذلك فإنه يكون قد ارتكب ذنباً إدارياً ويكون للقرار المطعون فيه الصادر بالجزاء سببه الصحيح - وقد قدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني مسبباً في الطعن انتهت فيه إلى أنها ترى قبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً وإلزام الحكومة المصروفات واستندت في ذلك إلى أن المادة 59 من قانون الموظفين - وإن عرفت الإجازة العارضة بأنها هي التي تكون لسبب طارئ لا يستطيع معه الموظف إبلاغ رؤسائه مقدماً للترخيص له في الغياب إلا أن حق الموظف في الإجازة العارضة، مع ذلك ليس حقاً مطلقاً يستعمله الموظف كلما وكيفما شاء ولكنه حق مقيد بحدوده وضوابطه.. ولذلك فإن الجهة الإدارية تملك مراقبة استعمال الموظف له بحيث إذا ما تراءى لها أنه أساء استعماله كان لها أن تعتبره منقطعاً عن عمله في تصوير المادة 58 من القانون المذكور وتقرر بالتالي حرمانه من مرتبه عن مدة الانقطاع.. وعلى ذلك فإنه إن ساغ للجهة الإدارية أن تعتبر المطعون ضده منقطعاً عن عمله يوم 29 من مارس سنة 1959 فتقرر بالتالي حرمانه من مرتبه عنه، إلا أنه لا يسوغ لها أن تجاوز ذلك المدى فتعتبر مجرد ذلك الانقطاع ذنباً إدارياً لأن الموظف يعتبر أنه ارتكب ذنباً إدارياً يسوغ تأديبه عنه إذا هو أخل بواجبات وظيفته إيجاباً أو سلباً أو أتى عملاً من الأعمال المحرمة عليه أو خالف الواجبات التي تنص عليها القوانين أو القواعد التنظيمية العامة أو أوامر الرؤساء الصادرة في حدود القانون.. ثم استطردت هيئة المفوضين قائلة إن المادة 62 من القانون المذكور - وإن ألمحت إلى حق جهة الإدارة في محاكمة الموظف تأديبياً إذا لم يعد إلى عمله بغير مبرر بعد انتهاء مدة إجازته مباشرة - إلا أن المطعون ضده لا يخضع لسلطان تلك المادة لأن انقطاعه عن العمل في اليوم المشار إليه لم يكن أثر إجازة حسب الضوابط التي أرستها تلك المادة.. وخلصت هيئة المفوضين مما تقدم إلى أن القرار التأديبي الصادر بإنذار المطعون ضده قد قام على غير سبب صحيح من القانون.. وقد أودع المطعون ضده حافظة مستندات ومذكرة طلب فيها الحكم برفض الطعن وتأييد الحكم المطعون فيه مستنداً في ذلك إلى أسباب الحكم المذكور وإلى ما جاء بتقرير السيد مفوض الدولة في شأن الطعن. ثم قال إنه لا صحة لما ادعته الحكومة من وجود دستور للعمل الإذاعي ينظم الإجازات بل يجب الرجوع في ذلك لقانون التوظف 210 لسنة 1951 وبعد أن أورد المطعون ضده نص المادة 59 من القانون المذكور الخاص بالإجازات العارضة ذكر أن المفهوم من هذا النص أن ينقطع عن عمله دون إذن سابق متى كان مرد هذا الانقطاع إلى سبب طارئ واستند في ذلك إلى قضاء سابق لمحكمة القضاء الإداري وإلى ما جاء في هذا الشأن في المحاضرة التي ألقاها السيد مراقب عام المستخدمين بهيئة الإذاعة وقدم صورة منها بحافظته المنوه عنها ثم أضاف أن الهيئة المذكورة قد تلافت خطأها حالياً وصار جدول المذيعين ينص على وجود مذيع احتياطي وأرفق صورة من هذا الجدول عن الأسبوع الذي انتهى في 14 من فبراير سنة 1964.
ومن حيث إنه يبين مما تقدم أن سبب القرار المطعون فيه - والذي قضت محكمة القضاء الإداري بإلغائه بحكمها المطعون فيه - هو تخلف المطعون ضده عن الحضور لعمله في الساعة الحادية عشرة من صباح يوم 29 من مارس سنة 1959 دون إذن سابق أو عذر مقبول.. بينما يقرر المطعون ضده أنه أرسل برقية طالباً اعتبار اليوم المذكور إجازة عارضة. ومن ثم فإن مقطع النزاع ينحصر فيما إذا كان تغيب المطعون ضده يمكن اعتباره إجازة عارضة أم تخلفاً بدون إذن.
ومن حيث إنه لا نزاع في أن قانون نظام الموظفين رقم 210 لسنة 1951 هو الواجب التطبيق لأنه لا يوجد بقانون تنظيم هيئة الإذاعة ولا بلوائحها ما يفيد تنظيم الإجازات على وجه يخالف ما جاء بقانون نظام الموظفين المشار إليه... ولم تقدم الهيئة ما أسمته بالأوراق بدستور العمل بالإذاعة.
ومن حيث إن القانون رقم 210 لسنة 1951 قد نظم الإجازات فنص في المادة 57 منه على أنه "لا يجوز لأي موظف أن ينقطع من عمله إلا لمدة معينة في الحدود المسموح بها لمنح الإجازات" ثم قسم في المادة 58 الإجازات إلى ثلاثة أنواع إجازات عارضة واعتيادية ومرضية ثم عرف الإجازة العارضة في المادة 59 على أنها ".. هي التي تكون لسبب طارئ لا يستطيع الموظف معه إبلاغ رؤسائه مقدماً للترخيص في الغياب" ثم قضت هذه المادة على أنه "لا يصح أن يجاوز مجموع الإجازات العارضة سبعة أيام طوال السنة، ولا تكون الإجازة العارضة لأكثر من يومين في المرة الواحدة.." ويستفاد من هذه النصوص بادئ ذي بدء أن حق الموظف في الإجازة العارضة ليس حقاً مطلقاً يستعمله الموظف كلما رغب وكيفما شاء بل هو حق مقيد بحدوده وضوابطه المنصوص عليها في المادة 59 سالفة الذكر فللموظف - طبقاً لصريح نص هذه المادة - أن ينقطع عن عمله دون إذن سابق لمدة لا تجاوز يومين متى كان مرد هذا الانقطاع إلى سبب طارئ.
ومن حيث إن السبب الطارئ - على ما جاء بحق بالمحاضرة التي قدم المطعون ضده صورة منها بحافظته الأخيرة - هو السبب الذي لم يكن للموظف أن يتنبأ بوقوعه سلفاً يضطر معه إلى الانقطاع عن عمله ويكون من شأن طروء هذا السبب أن يتعذر على الموظف الحصول على إذن سابق بالغياب.. فإذا كان الموظف قد قام به سبب رأى أنه سوف يلجئه إلى التغيب وكان لديه فسحة من الوقت يستطيع معها الحصول على إذن سابق بالغياب فإنه لا يمكن اعتبار غيابه دون إذن في هذه الحالة إجازة عارضة بل إن لجهة الإدارة أن تعتبر هذا الغياب انقطاعاً عن العمل بدون إذن مما يعد - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - إخلالاً منه بواجبات وظيفته مبرراً لمساءلته تأديبياً (يراجع حكم هذه المحكمة الصادر بجلسة 23 من نوفمبر سنة 1963 في القضية رقم 587 لسنة 7 القضائية).
ومن حيث إنه يبين من الاطلاع على الأوراق أن تغيب المطعون ضده عن نوبة عمله في الساعة الحادية عشرة من صباح يوم 29 من مارس سنة 1959 - وهو سبب القرار المطعون فيه - لم يكن لسبب طارئ ما كان له أن يتنبأ بوقوعه سلفاً.. ذلك أنه كتب في تقريره عن إذاعة القداس عقب انتهائها العبارة التالية:
"امتدت هذه الإذاعة بعد الموعد المحدد لانتهائها بساعة وعشر دقائق ولا أدري كيف يمكن التوفيق بين بقائي في الإذاعة حتى الثانية صباحاً ثم عودتي إليها في الساعة العاشرة والنصف صباح نفس اليوم لتنفيذ نوبة عملي عن يوم 29/ 3/ 1959" ومفهوم ذلك - بما لا يدع مجالاً لأي شك - أن المطعون ضده قد عقد العزم وبيت النية فور انتهاء إذاعة القداس على عدم حضور نوبة عمله بالإذاعة التي تبدأ في الساعة الحادية عشرة من ذات اليوم لاعتقاده عدم ملاءمة ذلك، ومن ثم فإن تغيبه لا يستند - والحالة هذه - إلى سبب طارئ لم يكن ليتنبأ بوقوعه سلفاً يتعذر معه الحصول على إذن سابق من رؤسائه وهو مناط الإجازة العارضة بل إن سبب التغيب في واقع الأمر وكما تكشفت عنه عبارة الموظف المنوه عنها هو اعتقاده عدم ملاءمة ذلك، الأمر الذي لا يجوز قبوله كسبب للتخلف عن العمل بدون إذن ومن ثم كان عليه أن يحصل على إذن بالتغيب من رؤسائه فإن رخصوا له في ذلك كان له أن يتغيب وإلا كان عليه الحضور لمباشرة عمله إذ أن السبب الذي يستند إليه ليس طارئاً بل سبب تمليه طبيعة عمل المذيع لأن العمل بهذا المرفق الهام له طابع خاص وذو حساسية خاصة ولذلك فإن لموظفيه مزايا خاصة بهم ليست لزملائهم في المصالح الحكومية الأخرى، ومن هذه المزايا منحهم جميعاً أجراً إضافياً لا يزيد على 25% من مرتباتهم بصفة مكافأة نظير ما يقومون به من عمل يمتد إلى غير ساعات العمل الرسمية، على ما هو ثابت من الأوراق المقدمة بحافظة المطعون ضده الأخيرة.. وإذ كان الثابت من الأوراق أن المطعون ضده لم يتصل برؤسائه تليفونياً وكل ما فعله أن أرسل برقية طلب فيها احتساب اليوم المذكور إجازة عارضة للضرورة - ولم يبين هذه الضرورة.. وقد وصلت هذه البرقية متأخرة الأمر الذي ترتب عليه عدم تدبير مذيع آخر ليقوم بنوبة عمله في الوقت المناسب مما أدى إلى أن قامت المذيعة تحت التمرين بقراءة موجز الأنباء ثم تكليف مذيعة الفترة السابقة بمواصلة العمل حتى نهاية فترة المطعون ضده وكل هذا يشيع الاضطراب في ذلك المرفق الحساس.. متى كان الأمر كذلك فإن تغيب المطعون ضده عن نوبة عمله في اليوم المذكور لا يمكن اعتباره إجازة عارضة وطالما أنه لم يحصل على إذن سابق بهذا التغيب فإنه يعتبر انقطاعاً عن العمل بغير إذن سابق وهو ما يعتبر إخلالاً بواجبات وظيفته مبرراً لمساءلته تأديبياً على ما سبق بيانه.
ومن حيث إنه عن إدعاء المطعون ضده، بالتحقيق الذي أجري معه بعد تخلفه عن الحضور - بأن سبب تخلفه يرجع إلى ما شعر به من مرض مفاجئ، فإنه لم يقدم دليلاً على صحة هذا السبب وفضلاً عن ذلك فقد ذكر أنه شعر بهذا المرض قبيل نهاية القداس ولو كان ذلك صحيحاً لأثبت هذا السبب في التقرير الذي كتبه على إذاعة القداس.. كما أنه لو فرض جدلاً أن هذه الواقعة صحيحة فقد كان لديه فسحة من الوقت تسمح له بإبلاغ رؤسائه بنيته في التخلف للسبب المذكور في الوقت المناسب وقبل نوبة عمله في الساعة الحادية عشرة صباحاً بوقت كاف حتى يدبروا للأمر عدته وحتى يسير العمل في ذلك المرفق الهام بنظام تام لكي يؤدي رسالته بإسماع العالم صوت الجمهورية العربية المتحدة، على الوجه الأكمل.. وكل هذا يدل دلالة قاطعة على أن المطعون ضده قد أخل بواجبات وظيفته وانقطع عن عمله بدون إذن سابق وبعذر غير مقبول وأن واقعة المرض هذه اختلقها ليستر بها السبب الحقيقي للتخلف وهو اعتراضه على توزيع العمل بالإذاعة، وهذا أمر لا يجوز قبوله كسبب للتخلف بدون إذن عن العمل في الوقت المحدد في ذلك المرفق ذي الطبيعة الخاصة على ما سبق بيانه.. خاصة وأن السيد كبير المذيعين وهو الرئيس المباشر للمطعون ضده - قد قرر في مذكرته التي طلب فيها إحالته إلى التحقيق، والمرفقة بأوراق ذلك التحقيق، أنه قد تكررت هذه الحادثة من السيد المذكور وأنه سبق أن "أعطي فرصة وأخرى وعشر فرص" وأنه لذلك لا يمكنه التعاون معه.
ومن حيث إنه لما تقدم يكون القرار الصادر من السيد مدير الهيئة العامة للإذاعة بتوقيع جزاء الإنذار على المطعون ضده قد قام على سبب يبرره ومستخلصاً استخلاصاً سائغاً من عيون الأوراق كما أنه صدر من مختص بعد تحقيق سليم أجري مع المطعون ضده وسمعت فيه أقواله.. ومن ثم يكون قراراً صحيحاً مطابقاً للقانون ولا محل للطعن عليه وبالتالي تكون الدعوى المرفوعة بطلب إلغائه جديرة بالرفض.. وإذ ذهب الحكم المطعون فيه غير هذا المذهب فإنه يكون قد جانب الصواب ويتعين لذلك القضاء بإلغائه وبرفض الدعوى مع إلزام المطعون ضده المصروفات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى مع إلزام المدعي المصروفات.

الطعن 3508 لسنة 57 ق جلسة 21 / 2 / 1989 مكتب فني 40 ق 45 ص 291

جلسة 21 من فبراير سنة 1989

برئاسة السيد المستشار/ أحمد محمود هيكل نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ عوض جادو نائب رئيس المحكمة وطلعت الاكيابى وجابر عبد التواب وأمين عبد العليم.

---------------

(45)
الطعن رقم 3508 لسنة 57 القضائية

(1) حكم "وضعه وإصداره" "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
عدم رسم القانون شكلاً خاصاً لصياغة الحكم. كفاية أن يكون مجموع ما أورده الحكم مؤدياً إلى تفهم الواقعة بأركانها وظروفها.
(2) إثبات "بوجه عام". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". سب وقذف.
حق محكمة الموضوع في استظهار وقائع القذف من عناصر الدعوى. تراقبه محكمة النقض المادة 309 عقوبات. تطبيق لمبدأ حرية الدفاع بالقدر الذي يستلزمه. الفصل في ذلك. موضوعي.

---------------
1 - من المقرر أن القانون لم يرسم شكلاً خاصاً يصوغ فيه الحكم بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها فمتى كان مجموع ما أورده الحكم - كما هو الحال في الدعوى المطروحة كافياً في فهم الواقعة بأركانها وظروفها حسبما استخلصته المحكمة كان ذلك محققاًَ لحكم القانون كما جرى به نص المادة 310 من قانون الإجراءات الجنائية.
2 - من المقرر أن من حق محكمة الموضوع أن تستخلص وقائع القذف من عناصر الدعوى ولمحكمة النقض أن تراقبها فيما ترتبه من النتائج القانونية لبحث الواقعة محل القذف لتبين مناحيها واستظهار مرامي عباراتها لإنزال حكم القانون على وجهه الصحيح.، وإذ كان من المقرر أيضاً أن حكم المادة 309 من قانون العقوبات ليس إلا تطبيقاً لمبدأ عام هو حرية الدفاع بالقدر الذي يستلزمه وأن هذا الحق أشد ما يكون ارتباطاً بالضرورة الداعية إليه، فقد جرى قضاء النقض على أن الفصل فيما إذا كانت عبارات السب والقذف مما يستلزمه الدفاع متروك لمحكمة الموضوع.


الوقائع

أقام المدعيان بالحقوق المدنية دعواهما بطريق الادعاء المباشر ضد الطاعنين أمام محكمة جنح الوايلي بوصف أنهم ضمنوا صحيفة الدعوى رقم...... لسنة 1983 محكمة شمال القاهرة الابتدائية عبارات السب والقذف ضدهما وطلبا عقابهم بالمواد 171، 302 ، 303 من قانون العقوبات وإلزامهم متضامنين بأن يؤدوا لهما مبلغ 51 جنيهاً على سبيل التعويض المؤقت. ومحكمة جنح الوايلي قضت حضورياً للمتهمين الأول والثاني والثالث وحضورياً اعتبارياً للرابع والخامس عملاً بمواد الاتهام بمعاقبة كل منهم بالحبس أسبوعين مع الشغل وكفالة عشرين جنيهاً لإيقاف التنفيذ وإلزامهم بأن يؤدوا للمدعيين بالحق المدني مبلغ 51 جنيهاً على سبيل التعويض المؤقت. استأنف المحكوم عليهم هذا الحكم ومحكمة شمال القاهرة الابتدائية (بهيئة استئنافية) قضت غيابياً بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف. عارضوا وقضي في معارضتهم بقبولها شكلاً وفي الموضوع بتعديل الحكم المعارض فيه والاكتفاء بتغريم كل منهم خمسين جنيهاً وتأييده فيما عدا ذلك.
فطعن المحكوم عليهم في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

من حيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعنين بها وأورد على ثبوتها في حقهم أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها، لما كان ذلك، وكان من المقرر أن القانون لم يرسم شكلاً خاصاً يصوغ فيه الحكم بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها فمتى كان مجموع ما أورده الحكم - كما هو الحال في الدعوى المطروحة كافياً في فهم الواقعة بأركانها وظروفها حسبما استخلصته المحكمة كان ذلك محققاًَ لحكم القانون كما جرى به نص المادة 310 من قانون الإجراءات الجنائية، ومن ثم فإن النعي على الحكم في هذا الخصوص يكون في غير محله. لما كان ذلك وكان من المقرر أن من حق محكمة الموضوع أن تستخلص وقائع القذف من عناصر الدعوى ولمحكمة النقض أن تراقبها فيما ترتبه من النتائج القانونية لبحث الواقعة محل القذف لتبين مناحيها واستظهار مرامي عباراتها لإنزال حكم القانون على وجهه الصحيح، وإذ كان من المقرر أيضاً أن حكم المادة 309 من قانون العقوبات ليس إلا تطبيقاً لمبدأ عام هو حرية الدفاع بالقدر الذي يستلزمه، وأن هذا الحق أشد ما يكون ارتباطاً بالضرورة الداعية إليه، فقد جرى قضاء النقض على أن الفصل فيما إذا كانت عبارات السب والقذف مما يستلزمه الدفاع متروك لمحكمة الموضوع، وكان ما ساقه الحكم في مدوناته من استخلاصه لوقائع القذف وتقديره لما ورد بصحيفة الدعوى المدنية من عبارات على أنها تعد قذفاً وليست من مستلزمات الدفاع في تلك الدعوى، سائغاً وصحيحاً ومتفقاً مع صحيح القانون وكافياً بالتالي في استظهار عناصر جريمة القذف التي دان بها الطاعنون وأدلة ثبوتها في حقهم وهو ما ينفي عن الحكم قالة القصور في التسبيب ودعوى مخالفة القانون أو الخطأ في تطبيقه لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس مما يفصح عن عدم قبوله موضوعاً.

الطعن 1276 لسنة 7 ق جلسة 2 / 1 / 1965 إدارية عليا مكتب فني 10 ج 1 ق 32 ص 290

جلسة 2 من يناير سنة 1965

برئاسة السيد/ الأستاذ حسن السيد أيوب رئيس المحكمة وعضوية السادة/ الأساتذة الدكتور ضياء الدين صالح ومحمد شلبي يوسف وعادل عزيز زخاري وعبد الستار آدم المستشارين.

----------------

(32)
القضية رقم 1276 لسنة 7 القضائية

(أ) موظف - ترك الخدمة - استقالة 

- طلب ترك الخدمة وفقاً للقانون رقم 120 لسنة 1960 - عدم الفصل فيه خلال ثلاثين يوماً من تاريخ تقديمه يعتبر قبولاً ضمنياً له - امتناع رفض الطلب بعد فوات هذا الميعاد - أساس ذلك.
(ب) معاش - تسوية - دعوى الإلغاء 

- عدم الفصل في طلب ترك الخدمة وفقاً للقانون رقم 120 لسنة 1960 خلال ثلاثين يوماً من تاريخ تقديمه يكسب الموظف مركزاً قانونياً ذاتياً يخوله حق المطالبة بتسوية معاشه على هذا الأساس - دعواه في ذلك من قبيل التسوية لا الإلغاء.
(جـ) موظف - معاش 

- مناط ضم مدة السنتين إلى مدة الخدمة المحسوبة في المعاش طبقاً للقانون رقم 120 لسنة 1960 - ألا تجاوز مدة الخدمة المحسوبة في المعاش نتيجة لذلك سبعاً وثلاثين سنة ونصف سواء في ذلك بلغ مقدار المعاش ثلاثة أرباع المرتب أم لم يبلغه - أساس ذلك وضوح النص وضوحاً يغني عن البحث عن حكمة التشريع ودواعيه.
(د) موظف - معاش 

- زيادة مدة خدمة المدعي المحسوبة في المعاش على سبع وثلاثين سنة ونصف في تاريخ تقديم طلبه وفقاً للقانون رقم 120 لسنة 1960 - لا تحول دون إفادته من العلاوتين اللتين أجازهما هذا القانون وإن حالت دون ضم سنتين إلى مدة خدمته.

----------------
1 - تنص المادة الأولى من القانون رقم 120 لسنة 1960 على أنه (استثناء من أحكام القانون رقم 210 لسنة 1951 يجوز لكل من بلغ سن الخامسة والخمسين من الموظفين أو يبلغها خلال الثلاث شهور من تاريخ نفاذ هذا القانون طلب ترك الخدمة على أن يسوى معاشه على أساس ضم سنتين لمدة خدمته وحسابها في المعاش حتى ولو تجاوز بهذا الضم سن الستين على ألا تتجاوز مدة الخدمة المحسوبة في المعاش نتيجة لهذا الضم 37.5 سنة وعلى أن يمنح علاوتين من علاوات درجته ولا يتجاوز بهما نهاية مربوط الدرجة) وجاء بالمذكرة الإيضاحية لهذا القانون أنه (رؤى عدم قصر هذه الإباحة على أصحاب الدرجات الشخصية وإنما إتاحة الفرصة لغيرهم من الموظفين الذين يبلغون سن الخامسة والخمسين أو يبلغونها خلال ثلاثة أشهر من تاريخ سريان هذا التشريع أن يتقدموا بطلب ترك الخدمة بنفس الشروط للمصالح والهيئات الحكومية والوزارات التي يكون لها البت في هذه الطلبات في ضوء المصلحة العامة وفي الحدود التي رسمتها مواد قانون موظفي الدولة رقم 210 لسنة 1951 والقوانين المعدلة مع الاستثناء من الفقرة الأخيرة من المادة 110 من القانون التي تعتبر الاستقالة المقترنة بأي قيد أو المعلقة على أي شرط كأن لم تكن) - ومفاد ذلك هو لزوم مراعاة أحكام قانون موظفي الدولة والقوانين المعدلة له مع التحلل من الفقرة الأخيرة وحدها من المادة 110 من القانون 210 لسنة 1951، وهذا القانون رعاية منه لصالح الموظف أوجب أن تفصل جهة الإدارة في طلب الاستقالة خلال ثلاثين يوماً من تاريخ تقديمها وفرض جزاء على تراخي الإدارة في هذا الصدد بنصه على اعتبار الاستقالة مقبولة بعد انقضاء الثلاثين يوماً - ومؤدى ذلك أن عدم إجابة جهة الإدارة على طلب اعتزال الخدمة المقدم للانتفاع بأحكام القانون رقم 120 لسنة 1960 خلال ثلاثين يوماً من تاريخ تقديمه يعتبر قبولاً ضمنياً لهذا الطلب مع التسوية المطلوبة ويترتب على ذلك انتهاء خدمة مقدم الطلب بقوة القانون متى توافرت في حقه الشروط المنصوص عليها في المادة الأولى من القانون - وترتيباً على ذلك لا يجوز لجهة الإدارة بعد انتهاء مدة الثلاثين يوماً دون صدور قرار منها بالفصل في طلب ترك الخدمة أن تصدر قراراً برفض الطلب فإن هي فعلت ذلك يكون مثل هذا القرار قد نزل على غير محل بعد إذ انقطعت رابطة التوظف مع مقدم الطلب بحكم القانون.
2 - إن الثابت من الأوراق أن المدعي ولد في 6 من أكتوبر سنة 1900 أي أن سنه كان يزيد على الخامسة والخمسين عند العمل بالقانون رقم 120 لسنة 1960 وقد تقدم بطلب ترك الخدمة في 16 من مايو سنة 1960 وليس على هذا الطلب أي تأشير بحفظه كما أنه ليس في الأوراق ما يفيد أن جهة الإدارة قد اتخذت قراراً في شأن هذا الطلب سواء بالقبول أو بالرفض خلال الثلاثين يوماً التالية لتقديمه فلو ثبت أن المدعي مستوف للشروط المنصوص عليها في القانون لاعتبر سكوت الإدارة قبولاً لطلبه ولتسوية معاشه وفقاً للقانون المذكور ويكون قد اكتسب مركزاً ذاتياً في هذا الشأن يخوله حق المطالبة بتسوية معاشه على هذا الأساس وتكون دعواه في حقيقتها وبحسب تكييفها الصحيح من قبيل المنازعات الخاصة بالمعاشات إذ يتناول موضوعها تسوية معاشه وفقاً للقانون رقم 120 لسنة 1960 بعد أن اكتسب مركزاً ذاتياً يخوله الانتفاع بأحكام هذا القانون ومن ثم لا تخضع للمواعيد والإجراءات المقررة لرفع دعاوى الإلغاء فليس شرطاً لقبولها أن يسبق إقامتها تظلم إلى الجهة الإدارية المختصة أو الهيئة الرئيسية.
3 - إن ما ذهب إليه المدعي من أن من حقه وفقاً لأحكام القانون رقم 120 لسنة 1960 أن تضم سنتان إلى مدة خدمته المحسوبة في المعاش والتي كانت تبلغ في تاريخ تقديم طلبه حوالي التسعة والثلاثين عاماً وذلك تأسيساً على أن الحكمة من نص القانون المذكور على ألا تجاوز مدة الخدمة المحسوبة في المعاش نتيجة لضم مدة السنتين سبعاً وثلاثين سنة ونصف هي ألا يجاوز المعاش ثلاثة أرباع المرتب وأنه نظراً إلى أنه معامل بقانون المعاشات رقم 5 لسنة 1909 فإنه لن يترتب على ضم مدة السنتين المشار إليهما إلى مدة خدمته أن يجاوز معاشه ثلاثة أرباع المرتب وما ذهب إليه المدعي في هذا الشأن مردود بأن نص المادة الأولى من القانون رقم 120 لسنة 1960 صريح وقاطع في أن مناط ضم مدة السنتين إلى مدة الخدمة المحسوبة في المعاش هو ألا تجاوز هذه المدة نتيجة لهذا الضم سبعاً وثلاثين سنة ونصف ومتى كان النص واضحاً جلي المعنى فلا مقتضى للبحث عن حكمة التشريع ودواعيه إذ أن ذلك لا يكون إلا عند غموض النص أو وجود لبس فيه.
4 - إن مجرد زيادة مدة خدمة المدعي المحسوبة في المعاش على سبع وثلاثين سنة ونصف في تاريخ تقديم طلبه وإن كانت تحول دون إفادته من ضم مدة سنتين إلى تلك المدة إلا أنها لا تحول دون إفادته من العلاوتين اللتين أجاز القانون رقم 120 لسنة 1960 منحهما له بشرط ألا يجاوز بهما نهاية مربوط الدرجة الرابعة.


إجراءات الطعن

بتاريخ 3 من يونيه سنة 1961 أودع الأستاذ محمود مصطفى شلبي المحامي بالنيابة عن السيد/ أحمد أحمد فارس قلم كتاب هذه المحكمة تقرير طعن قيد بجدولها تحت رقم 1276 لسنة 7 القضائية في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية لرياسة الجمهورية ووزارات الداخلية والخارجية والعدل بجلسة 4 من إبريل سنة 1961 في الدعوى رقم 26 لسنة 8 القضائية المقامة من الطاعن ضد السيد الأستاذ مدير النيابة الإدارية والقاضي بعدم قبول الدعوى شكلاً وإلزام المدعي المصروفات. وطلب الطاعن للأسباب التي استند إليها في تقرير الطعن الحكم بقبوله شكلاً وبإلغاء حكم المحكمة الإدارية المطعون فيه بكامل أجزائه وبمعاملته بالقانون رقم 120 لسنة 1960 وتسوية معاشه طبقاً لأحكامه وذلك بضم سنتين لمدة خدمته وإضافة علاوتين لمرتبه وتعديله إلى مبلغ 30 جنيهاً و750 مليماً شهرياً بخلاف علاوة الغلاء وذلك مع إلزام المطعون ضده المصروفات عن الدرجتين ومقابل أتعاب المحاماة وقد أعلن هذا الطعن إلى المطعون ضده في 12 من يونيو سنة 1961. وعين لنظره أمام دائرة فحص الطعون جلسة 30 من مايو سنة 1964 وأعلن الطرفان بموعد هذه الجلسة في 2 من إبريل سنة 1964. وقررت الدائرة إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا حيث عين لنظره جلسة 21 من نوفمبر سنة 1964 وبعد أن سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات على الوجه المبين بمحضر الجلسة قررت إرجاء النطق بالحكم لجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة حسبما يبين من الأوراق تتحصل في أنه بصحيفة أودعت قلم كتاب المحكمة الإدارية لرياسة الجمهورية ووزارات الداخلية والخارجية والعدل في 10 من نوفمبر سنة 1960 أقام السيد/ أحمد أحمد فارس الدعوى رقم 26 لسنة 8 القضائية ضد السيد الأستاذ مدير النيابة الإدارية طالباً الحكم بمعاملته بالقانون رقم 120 لسنة 1960 وتسوية معاشه طبقاً لأحكامه وذلك بضم سنتين لمدة خدمته وإضافة علاوتين لمرتبه وتعديله إلى مبلغ 30 جنيهاً و750 مليماً شهرياً بخلاف علاوة الغلاء وذلك مع إلزام المدعى عليه بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة - وقال بياناً لدعواه إنه التحق بخدمة الحكومة في 31 من مارس سنة 1923 في وظيفة من الدرجة الثامنة بمصلحة البريد ثم رقي بعد عشرين سنة إلى الدرجة السابعة الشخصية في أول يوليو سنة 1943 ثم نقل إلى مصلحة الشهر العقاري مع ترقيته إلى الدرجة السادسة في 14 من نوفمبر سنة 1949 وفي سنة 1953 صدر القانون رقم 432 لسنة 1953 للمنسيين فمنح الدرجة الخامسة الشخصية تنفيذاً للقانون رقم 371 لسنة 1953 المعدل بالقانون رقم 377 لسنة 1953 ثم نقل من موظفي التحقيقات بالشهر العقاري إلى النيابة الإدارية عند إنشائها في 15 من ديسمبر سنة 1954 وعين رئيساً للتفتيش الإداري والكتابي ولم يرق بعد ذلك إلى الدرجة الرابعة إلا في أول مارس سنة 1959 وفي 26 من مارس سنة 1960 صدر القانون رقم 120 لسنة 1960 متضمناً النص على أنه يجوز لكل من بلغ سن الخامسة والخمسين من الموظفين أو يبلغها خلال ثلاثة أشهر من تاريخ نفاذه طلب ترك الخدمة على أن يسوى معاشه على أساس ضم سنتين لمدة خدمته ولو تجاوز بهذا الضم سن الستين وعلى ألا تتجاوز مدة الخدمة المحسوبة في المعاش نتيجة لهذا الضم سبعة وثلاثين سنة ونصف وعلى أن يمنح علاوتان من علاوات درجته ولا يتجاوز بهما مربوط الدرجة - وعمل بهذا القانون من تاريخ نشره في 3 من إبريل سنة 1960 - وذكر المدعي أنه لما كان هذا القانون ينطبق عليه فقد قدم للمدعى عليه بصفته طلباً في 14 من مايو سنة 1960 لإحالته إلى المعاش طبقاً للأوضاع التي رتبها له ولأمثاله - ونظراً إلى أنه لم يتخذ أي إجراء في هذا الطلب فقد قدم تظلماً إلى المدعى عليه في 20 من يوليو سنة 1960 بعث به عن طريق البريد الموصى عليه ولكن المدعى عليه لم يرد بالقبول أو الرفض رغم مضي أكثر من ستين يوماً على التظلم - وذلك بمثابة رفض للتظلم - وأضاف المدعي أن عدم إجابته إلى طلبه ينطوي على مخالفة للقانون كما أنه مشوب بالانحراف يؤيد ذلك أن عدداً كبيراً من موظفي الحكومة قد قبلت طلباتهم وتمتعوا بالامتيازات التي أتاحها القانون المذكور رغم أن بعضهم كان على وشك ترك الخدمة لبلوغه سن الستين بعد أيام أو شهور من تاريخ صدور القانون واستطرد المدعي قائلاً إنه بلغ سن التقاعد أخيراً وأحيل إلى المعاش على أساس القانون القديم وكان مرتبه الأخير الذي على أساسه سوى معاشه 38 جنيهاً و500 مليماً شهرياً فأصبح معاشه 18 جنيهاً و900 مليماً وأنه لو عومل بالقانون رقم 120 لسنة 1960 بضم سنتين لمدة خدمته وعلاوتين لمرتبه لأصبح معاشه الشهري 30 جنيهاً و750 مليماً وأنه لذلك يطلب الحكم بتسوية معاشه على أساس هذا القانون.
وأجابت المدعى عليها على الدعوى بمذكرة قالت فيها إنه يبين من القانون رقم 120 لسنة 1960 حسبما جاء في مذكرته الإيضاحية أنه أجاز للموظفين الذين تنطبق عليهم شروطه أن يتقدموا بطلب ترك الخدمة للمصالح والهيئات الحكومية والوزارات التي يكون لها البت في هذه الطلبات في ضوء المصلحة العامة وفي الحدود التي رسمتها مواد قانون موظفي الدولة رقم 210 لسنة 1951 والقوانين المعدلة له - وأنه يبين من ذلك أن القانون قد أعطى الجهة الإدارية سلطة تقديرية مطلقة في قبول أو رفض أي طلب يقدم لها وذلك في ضوء الاعتبارات التي تقدرها مراعاة منها للصالح العام ودون معقب عليها من القضاء - وأضافت أن المدعي دخل الخدمة في 27 من يناير سنة 1920 (خارج الهيئة) واعتبر في الدرجة الثامنة من أول نوفمبر سنة 1923 وأصبح في الدرجة الرابعة الكتابية منذ 28 من فبراير سنة 1959 بماهية قدرها 38 جنيهاً و500 مليماً في أول مايو سنة 1960 وبلغ سن الإحالة إلى المعاش في 5 من أكتوبر سنة 1960 وكانت المدة الباقية لبلوغه هذا السن عندما تقدم بطلب معاملته وفقاً لأحكام القانون رقم 120 لسنة 1960 أربعة أشهر وعشرين يوماً وعند عرض هذا الطلب على السيد الأستاذ الوكيل العام للنيابة الإدارية رأى حفظ الموضوع وفي 20 من يوليو سنة 1960 تقدم المدعي بالتماس يستفسر فيه عما تم في هذا الطلب فأشر عليه بالحفظ لأن قبول أو رفض الطلب مسألة جوازية متروكة لتقدير الإدارة وانتهت المدعى عليها إلى طلب الحكم برفض الدعوى مع إلزام المدعي بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.
وتقدم المدعي بمذكرة ردد فيها ما تضمنته صحيفة الدعوى وأضاف أنه فضلاً عن أن المدعى عليها لم ترد على الطلب المقدم منه في 14 من مايو سنة 1960 فإنه تبين من الاطلاع على ملف خدمته أنها سكتت عن الفصل في الطلب المذكور خلال ثلاثين يوماً كما تقضي بذلك المادة 110 من القانون رقم 210 لسنة 1951 ومن ثم فإنه يعتبر مقبولاً بقوة القانون وإنما إذا كانت المدعى عليها قد صدر منها بعد ذلك ما يفيد رفض هذا الطلب في 20 من يوليو سنة 1960 فإن قرارها في هذا الشأن يعتبر منعدماً لوروده على غير محل لسبق اعتبار علاقته بالحكومة منتهية بقوة القانون.
وقدمت هيئة المفوضين تقريراً برأيها انتهت فيه إلى أنها ترى الحكم بتسوية حالة المدعي طبقاً لأحكام القانون رقم 120 لسنة 1960 مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام المدعى عليها بالمصروفات.
وبجلسة 4 من إبريل سنة 1961 قضت المحكمة الإدارية بعدم قبول الدعوى شكلاً وألزمت المدعي بالمصروفات وأقامت قضاءها بذلك على أن طلب ترك الخدمة وفقاً للقانون رقم 120 لسنة 1960 يعتبر طلباً لاعتزال الخدمة وفقاً لأوضاع وأحكام خاصة تختلف عن الأوضاع والأحكام المقررة في شأن الاستقالة العادية فتترخص الإدارة في قبوله أو رفضه وفقاً لما تراه أكثر تحقيقاً للمصلحة العامة - وهي في مجال تطبيقها للمادة الأولى من القانون المذكور لا تتقيد بميعاد محدد للإفصاح عن إرادتها وليس للقضاء الإداري التعقيب على القرار الذي تتخذه في هذا الشأن ما دام قد خلا من إساءة استعمال السلطة - ومتى ثبت أن للجهة الإدارية سلطة تقديرية مطلقة في قبول أو رفض الطلب المقدم من المدعي للانتفاع بأحكام القانون رقم 120 لسنة 1960 فإن الدعوى المرفوعة بطلب إلغاء قرار الرفض لا تعتبر من قبيل دعاوى التسويات وإنما تعتبر دعوى إلغاء ينبغي لقبولها توافر الإجراءات الشكلية المقررة بالنسبة إلى دعاوى الإلغاء والواردة بالقانون رقم 55 لسنة 1959 الذي أوجب التظلم من القرارات الإدارية القابلة للسحب والصادرة في شأن الموظفين قبل رفع دعوى الإلغاء وأن الثابت من الأوراق أن المدعي قد تقدم بطلب الانتفاع بأحكام القانون رقم 120 لسنة 1960 في 14 من مايو سنة 1960 ورأى السيد وكيل عام النيابة الإدارية حفظ ذلك الطلب فتقدم بطلب آخر يستفسر فيه عما تم في شأن طلبه الأول اعتزال الخدمة وقد تأشر على ذلك الطلب أيضاً بالحفظ - والقرار الصادر بالحفظ يعتبر في حقيقته قراراً برفض طلب المدعي اعتزال الخدمة ولئن كان هذا القرار لم يبلغ للمدعي إلا أن إحالته إلى المعاش في 5 من أكتوبر سنة 1960 وتسوية معاشه طبقاً للقواعد العامة توفر في حقه العلم بأن طلبه الانتفاع بأحكام القانون رقم 120 لسنة 1960 سالف الذكر قد رفض - وعلى أية حال فقد علم يقيناً بهذا الحفظ المتضمن لمعنى الرفض بعد إقامته الدعوى ومع ذلك لم يتظلم من قرار الرفض لا قبل إقامة الدعوى ولا في أية مرحلة من مراحلها ولا محل لما يزعمه من أن طلبه المؤرخ في 20 من يوليو سنة 1960 يعتبر تظلماً لأن الظاهر أنه كان يريد الوقوف على النتيجة التي انتهى إليها أمر طلبه الانتفاع بأحكام القانون المذكور وما دام لم يتظلم من قرار حفظ طلبه المتضمن رفضه فإن دعواه تعتبر غير مقبولة شكلاً.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن الدعوى ليست دعوى إلغاء بل دعوى منازعة في مرتب أو معاش لا يسري عليها ما يسري على دعاوى الإلغاء من قيود وأنه ليس في الأوراق ما يدل على أن المدعي قد علم علماً يقيناً مستوفياً بقرار رفض طلبه الانتفاع بأحكام القانون رقم 120 لسنة 1960 كما أن خطابه المؤرخ في 20 من يوليو سنة 1960 الذي استفسر فيه عما تم في طلبه إنما هو في الواقع تظلم من تأخير الفصل في هذا الطلب - كما يقوم الطعن على أن القانون رقم 120 لسنة 1960 قد جعل الحق في ترك الخدمة لمن بلغ الخامسة والخمسين عند صدوره أو يبلغها خلال ثلاثة شهور من سريانه في 4 من إبريل سنة 1961 ولم يجعل للحكومة الحق في أي اعتراض أو منازعة في هذا الطلب فمتى انطبق الشرط بالنسبة للسن وجب على الحكومة قبول ترك الخدمة وكان المدعي عند نفاذ القانون بالغاً من السن أكثر من خمسة وخمسين سنة وقدم طلبه فاستعمل حقاً لا معقب عليه ولا محل للقول بأن هذه استقالة مشروطة وأنها ليست مقبولة طبقاً لنص المادة 110 من القانون رقم 210 لسنة 1951 لأن تقديم هذه الاستقالة أجازه القانون 120 لسنة 1960 استثناء من القانون رقم 210 لسنة 1951.
وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً برأيها انتهت فيه إلى أنها ترى قبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه والحكم بأحقية الطاعن في معاملته بالقانون رقم 120 لسنة 1960 وبتسوية معاشه طبقاً لأحكامه.
وتقدم المدعي بمذكرة بدفاعه أضاف فيها إلى ما ورد بتقرير الطعن أنه وفقاً للمادة 110 من القانون رقم 210 لسنة 1951 كان يتعين الفصل في طلبه ترك الخدمة خلال الثلاثين يوماً التالية لتقديمه وإلا اعتبرت استقالته مقبولة بقوة القانون متى توافرت فيه الشروط المنصوص عليها في القانون رقم 120 لسنة 1960 - وأنه قد قدم طلبه في 14 من مايو سنة 1960 ولم يفصل فيه خلال ثلاثين يوماً فتعتبر استقالته مقبولة بحكم القانون ويكون حفظ هذا الطلب قد ورد على غير محل - وذكر أنه معامل بالقانون رقم 5 لسنة 1909 بخصم 5% من مرتبه على أساس اعتبار مدة الخدمة ستين عاماً وحسبت له مدة خدمة تبلغ حوالي تسعة وثلاثين عاماً وأن معاملته بالقانون رقم 120 لسنة 1960 بضم سنتين إلى مدة خدمته وإن كان سيترتب عليه تجاوز المدة المحسوبة في المعاش سبعاً وثلاثين سنة ونصف حسب قانون المعاش الحالي إلا أن هذه المدة توازي في القانون رقم 5 لسنة 1909 المعامل به خمساً وأربعين سنة أي ثلاثة أرباع الستين سنة مدة الخدمة في القانون المذكور وأنه لذلك يستحق أن تضم له سنتان وفقاً للقانون رقم 120 لسنة 1960 تحسبان في المعاش فتصبح مدة خدمته واحداً وأربعين سنة ويمنح علاوتين من علاوات درجته على ألا يجاوز نهاية مربوط الدرجة ولما كان في الدرجة الرابعة ومرتبه 38 جنيهاً و500 مليماً شهرياً فقد توافرت في حقه الشروط المطلوبة - وأضاف أن اعتراض الحكومة بأنه أحيل إلى المعاش في سن الستين وهو في الدرجة الرابعة الفعلية اعتراض لا سند له من القانون ولا يمنع من أحقيته في المطالبة بقبول استقالته طبقاً للقانون رقم 120 لسنة 1960.
ومن حيث إن المادة الأولى من القانون رقم 120 لسنة 1960 تنص على أنه (استثناء من أحكام القانون رقم 210 لسنة 1951 يجوز لكل من بلغ سن الخامسة والخمسين من الموظفين أو من يبلغها خلال الثلاث شهور من تاريخ نفاذ هذا القانون طلب ترك الخدمة على أن يسوى معاشه على أساس ضم سنتين لمدة خدمته وحسابها في المعاش حتى ولو تجاوز بهذا الضم سن الستين على ألا تتجاوز مدة الخدمة المحسوبة في المعاش نتيجة لهذا الضم 37.5 سنة وعلى أن يمنح علاوتين من علاوات درجته ولا يتجاوز بهما نهاية مربوط الدرجة) وجاء بالمذكرة الإيضاحية لهذا القانون أنه (رؤى عدم قصر هذه الإباحة على أصحاب الدرجات الشخصية وإنما إتاحة الفرصة لغيرهم من الموظفين الذين يبلغون سن الخامسة والخمسين أو يبلغونها خلال ثلاثة أشهر من تاريخ سريان هذا التشريع أن يتقدموا بطلب ترك الخدمة بنفس الشروط للمصالح والهيئات الحكومية والوزارات التي يكون لها البت في هذه الطلبات في ضوء المصلحة العامة وفي الحدود التي رسمتها مواد قانون موظفي الدولة رقم 210 لسنة 1951 والقوانين المعدلة له مع الاستثناء من الفقرة الأخيرة من المادة 110 من القانون التي تعتبر الاستقالة المقترنة بأي قيد أو المعلقة على أي شرط كأن لم تكن) - ومفاد ذلك هو لزوم مراعاة أحكام قانون نظام موظفي الدولة والقوانين المعدلة له مع التحلل من الفقرة الأخيرة وحدها من المادة 110 من القانون رقم 210 لسنة 1951. وهذا القانون رعاية منه لصالح الموظف أوجب أن تفصل جهة الإدارة في طلب الاستقالة خلال ثلاثين يوماً من تاريخ تقديمها وفرض جزاء على تراخي الإدارة في هذا الصدد بنصه على اعتبار الاستقالة مقبولة بعد انقضاء الثلاثين يوماً - ومؤدى ذلك أن عدم إجابة جهة الإدارة على طلب اعتزال الخدمة المقدم للانتفاع بأحكام القانون رقم 120 لسنة 1960 خلال ثلاثين يوماً من تاريخ تقديمه يعتبر قبولاً ضمنياً لهذا الطلب مع التسوية المطلوبة ويترتب على ذلك انتهاء خدمة مقدم الطلب بقوة القانون متى توافرت في حقه الشروط المنصوص عليها في المادة الأولى من القانون - وترتيباً على ذلك لا يجوز لجهة الإدارة بعد انتهاء مدة الثلاثين يوماً دون صدور قرار منها بالفصل في طلب ترك الخدمة أن تصدر قراراً برفض الطلب فإن هي فعلت ذلك يكون مثل هذا القرار قد نزل على غير محل بعد إذ انقطعت رابطة التوظف مع مقدم الطلب بحكم القانون.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق أن المدعي ولد في 6 من أكتوبر سنة 1900 أي أن سنه كان يزيد على الخامسة والخمسين عند العمل بالقانون رقم 120 لسنة 1960 وقد تقدم بطلب ترك الخدمة في 16 من مايو سنة 1960 وليس على هذا الطلب أي تأشير بحفظه كما أنه ليس في الأوراق ما يفيد أن جهة الإدارة قد اتخذت قراراً في شأن هذا الطلب سواء بالقبول أو بالرفض خلال الثلاثين يوماً التالية لتقديمه فلو ثبت أن المدعي مستوف للشروط المنصوص عليها في القانون لاعتبر سكوت الإدارة قبولاً لطلبه ولتسوية معاشه وفقاً للقانون المذكور ويكون قد اكتسب مركزاً ذاتياً في هذا الشأن يخوله حق المطالبة بتسوية معاشه على هذا الأساس وتكون دعواه في حقيقتها وبحسب تكييفها الصحيح من قبيل المنازعات الخاصة بالمعاشات إذ يتناول موضوعها تسوية معاشه وفقاً للقانون رقم 120 لسنة 1960 بعد أن اكتسب مركزاً ذاتياً يخوله الانتفاع بأحكام هذا القانون ومن ثم لا تخضع للمواعيد والإجراءات المقررة لرفع دعاوى الإلغاء فليس شرطاً لقبولها أن يسبق إقامتها تظلم إلى الجهة الإدارية المختصة أو الهيئة الرئاسية.
ومن حيث إنه بالإضافة إلى أن سن المدعي كان في تاريخ العمل بالقانون رقم 120 لسنة 1960 يزيد على الخامسة والخمسين فإنه كان في الدرجة الرابعة وكان مرتبه 38 جنيهاً و500 مليماً شهرياً أي أقل من نهاية مربوط تلك الدرجة بستة جنيهات ونصف أي أنه لم يكن هناك ما يحول دون إفادته من أحكام القانون المذكور.
ومن حيث إن المدعي قد ذهب في مذكرته إلى أن من حقه وفقاً لأحكام القانون أن تضم سنتان إلى مدة الخدمة المحسوبة في المعاش والتي كانت تبلغ في تاريخ تقديم طلبه حوالي التسعة والثلاثين عاماً وذلك تأسيساً على أن الحكمة من نص القانون المذكور على ألا تجاوز مدة الخدمة المحسوبة في المعاش نتيجة لضم مدة السنتين سبعاً وثلاثين سنة ونصف هي ألا يجاوز المعاش ثلاثة أرباع المرتب - وأنه نظراً إلى أنه معامل بقانون المعاشات رقم 5 لسنة 1909 فإنه لن يترتب على ضم مدة السنتين المشار إليهما إلى مدة خدمته أن يجاوز معاشه ثلاثة أرباع المرتب، ما ذهب إليه المدعي في هذا الشأن مردود بأن نص المادة الأولى من القانون رقم 120 لسنة 1960 صريح وقاطع في أن مناط ضم مدة السنتين إلى مدة الخدمة المحسوبة في المعاش هو ألا تجاوز هذه المدة نتيجة لهذا الضم سبعاً وثلاثين سنة ونصف ومتى كان النص واضحاً جلي المعنى فلا مقتضى للبحث عن حكمة التشريع ودواعيه إذ أن ذلك لا يكون إلا عند الغموض في النص أو وجود لبس فيه.
ومن حيث إن مجرد زيادة مدة خدمة المدعي المحسوبة في المعاش على سبع وثلاثين سنة ونصف في تاريخ تقديم طلبه وإن كانت تحول دون إفادته من ضم مدة السنتين إلى تلك المدة إلا أنها لا تحول دون إفادته من العلاوتين اللتين أجاز القانون رقم 120 لسنة 1960 منحهما له بشرط ألا يجاوز بهما نهاية مربوط الدرجة الرابعة.
ومن حيث إنه لذلك يكون المدعي محقاً في طلب تسوية معاشه وفقاً لأحكام القانون المذكور على الوجه المبين بأسباب هذا الحكم، وإذ ذهب الحكم المطعون فيه غير هذا المذهب يكون قد أخطأ في تطبيق القانون وتأويله الأمر الذي يتعين معه إلغاؤه والحكم بأحقية المدعي في تسوية معاشه على الوجه السابق بيانه مع إلزام الحكومة المصروفات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبأحقية المدعي في تسوية حالته بالتطبيق للقانون رقم 120 لسنة 1960 وألزمت الحكومة بالمصروفات.

اَلْأَعْمَال اَلتَّحْضِيرِيَّةِ لِلْقَانُونِ اَلْمَدَنِيِّ اَلْمِصْرِيِّ / مَادَّةَ 8 : إِنْقَاصُ مُدَّةِ اَلتَّقَادُمِ

 عودة إلى صفحة : اَلْأَعْمَال اَلتَّحْضِيرِيَّةِ لِلْقَانُونِ اَلْمَدَنِيِّ اَلْمِصْرِيِّ


مادة 8  (1)

1 - إذا قرر النص الجديد مدة للتقادم أقصر مما قرره النص القديم سرت المدة الجديدة من وقت العمل بالنص الجديد ، ولو كانت المدة القديمة قد بدأت قبل ذلك.

2 - أما إذا كان الباقي من المدة التي ينص عليها القانون القديم أقصر من المدة التي قررها النص الجديد ، فإن التقادم يتم بانقضاء هذا الباقي.

التقنين المدني السابق :

لا مقابل لها.

المشروع التمهيدي : (2)

مادة 12 -

1 - إذا قرر النص الجديد مدة للتقادم أقصر مما قرره النص القديم فلا يبدأ سريان المدة الجديدة بالنسبة للتقادم الذي بدأ من قبل إلا من وقت العمل بالنص الجديد .

2 - أما إذا كانت المدة الباقية التي نص عليها القانون القديم تنتهي قبل انقضاء المدة التي قررها النص الجديد ، فإن التقادم يتم بانقضاء المدة التي قررها النص القديم .

مذكرة المشروع التمهيدي :

قد يقرر القانون الجديد للتقادم مدة أقصر من المدة المقررة في النص القديم (فقرة 1 من المادة 12)، وفي هذه الحالة لا يبدأ سريان المدة الجديدة بالنسبة لتقادم بدأ من قبل إلا من وقت العمل بالتشريع الجديد (استئناف أهلي 15 ديسمبر سنة 1898 القضاء 6 ص 186 ، و4 فبراير سنة 1902 المجموعة الرسمية 3 ص 190) كفالة لاستقرار المعاملات، فالواقع أن التقادم لم يكتمل في ظل القانون القديم. ولذلك لا يترتب حكمه, ولم يقصد من تقصير المدة في القانون الجديد إلى ترتيب هذا الحكم بإرادة الشارع دون انقضاء المدة.

بيد أنه رئي أن تستثنى من حكم القاعدة العامة المقررة في الفقرة الأولى من المادة 12 حالة اكتمال مدة التقادم التي نص عليها القانون القديم في ظل القانون الجديد. ولكن قبل أن تنقضي المدة الجديدة بتمامها. ويتحقق ذلك كلما كانت البقية الباقية من المدة القديمة أقصر من المدة التي تقررت في التشريع الجديد. كما لو كانت المدة القديمة خمس عشرة سنة ولم يبق لاكتمالها سوى سنتين ثم جعل التشريع الجديد المدة ثلاث سنين، ففي هذه الحالة يعتبر التقادم مكتملاً بانقضاء هاتين السنتين ، وتكون ولاية التشريع القديم قد امتدت بعد زواله إمعاناً في تحقيق العدالة.

وعلى ذلك يقتصر تطبيق الفقرة الأولى من المادة 12 على الحالة التي يكون فيها الباقي من المدة القديمة أطول من المدة الجديدة بأسرها. ولعل هذا يوجب بصورة ظاهرة صرف النظر عن الزمن الذي مر من قبل وافتتاح مدة جديدة تبدأ من وقت العمل بالقانون الجديد ويعتمد عليها المتعاملون دون أن يكون هناك محل للمفاجأة. وقد آثر المشروع هذا الحل من بين مختلف الحلول التي خطرت للفقه والقضاء لأنه أقلها استهدافا للنقد وأدناها إلى تحقيق العدل والاستقرار.

المشروع في لجنة المراجعة :

تليت المادة 12 واقترح السنهوري باشا تحوير الفقرة الثانية تحويراً يجعل المعنى واضحا فوافقت اللجنة وأصبح نصها : " ۱ - إذا قرر النص الجديد مدة للتقادم أقصر مما قرره النص القديم فلا يبدأ سريان المدة الجديدة بالنسبة للتقادم الذي بدأ من قبل إلا من وقت العمل بالنص الجديد .

2 - أما إذا كان الباقي من المدة التي نص عليها القانون القديم أقصر من المدة التي قررها النص الجديد ، فإن التقادم يتم بانقضاء هذا الباقي .

ثم قدم المشروع النهائي بالنص الآتي :

1 - إذا قرر النص الجديد مدة للتقادم أقصر مما قرره النص القديم سرت المدة الجديدة من وقت العمل بالنص الجديد ولو كانت المدة القديمة قد بدأت قبل ذلك .

2 - أما إذا كان الباقي من المدة التي نص عليها القانون القديم أقصر من المدة التي قررها النص الجديد فإن التقادم يتم بانقضاء هذا الباقي .

وأصبح رقم المادة 9 في المشروع النهائي .

المشروع في مجلس النواب :

وافق المجلس على المادة دون تعديل تحت رقم 9 .

المشروع في مجلس الشيوخ :

مناقشات لجنة القانون المدني :

وافقت اللجنة على المادة دون تعديل وأصبح رقمها ٨ .

مناقشات المجلس :

وافق المجلس على المادة دون تعديل .



(1) مجموعة الأعمال التحضيرية ج 1 ص 221 .

(2) خمس مواد محذوفة من المشروع التمهيدي :

المادة ١٣ - تسري النصوص المتعلقة بإجراءات التقاضي دعاوى أو دفوعاً من وقت العمل بهذه النصوص على ما يباشر من الإجراءات متعلقاً بحقوق تم كسبها قبل ذلك ما دامت هذه النصوص لا تمس جوهر الحقوق أو مداها .

المادة ١٤ - تحدد الشروط والأهلية اللازمة للتقاضي وفقا للنصوص المعمول بها وقت رفع الدعوى .

المادة ١٥ - تسري النصوص المتعلقة بالتنظيم القضائي وباختصاص المحاكم وما تقوم به من توجيه للإجراءات من وقت العمل بهذه النصوص على الدعاوى المنظورة التي لم يصدر فيها حكم في الموضوع نهائياً كان هذا الحكم أو غير نهائي.

المادة ١٦ - النصوص التي تعين ما يجب على الخصوم اتباعه من أوضاع ومراعاته من مواعيد للقيام بإجراءات التقاضي لا تسري على إجراءات تم اتخاذها ومواعيد تم انقضاؤها أو بدأ سريانها قبل. العمل بهذه النصوص .

المادة ٢٠ :

۱ - النصوص المعمول بها وقت صدور الحكم لا تقتصر على تعيين أوضاع الحكم وآثاره بل تعين كذلك الشروط التي تقبل بها أوجه الطعن في الحكم فيما بين الخصوم .

2 - ومع ذلك فإن الإجراءات الواجبة الاتباع لمباشرة أوجه الطعن تسري عليها النصوص الجديدة منذ العمل بها دون إخلال بنص المادة ١٣ .

مذكرة المشروع التمهيدي :

1 - تعرض هذه النصوص جميعا للتفصيلات الخاصة بتعاقب القوانين فيما يتعلق بالنظام القضائي وإجراءات الترافع والأحكام . وقد نصت المادة ١٥ على أن النصوص المتعلقة بهذا النظام وما يتصل به من اختصاص. المحاكم وما تقوم به من توجيه الإجراءات تسري من وقت العمل بها بسبب اتصالها بالنظام العام (استئناف أهلي ۲۸ فبراير سنة ۱۹۰۲ الحقوق ۱۷ ص ١٤۹ واستئناف مختلط ٢٥ مايو سنة ١٩٣٨ ب ٥٠ ص ٣٢٥ ) ويستتبع ذلك سريان هذه النصوص على الدعاوى المنظورة التي لم يصدر فيها حكم قطعي نهائياً كان هذا الحكم أو غير نهائي . فاذا صدر قانون ينقل الاختصاص بنظر طائفة من الدعاوى من محكمة إلى محكمة أخرى ثبت الاختصاص للمحكمة الجديدة ولو كانت الدعوى قد رفعت إلى المحكمة الأولى وفقاً للقواعد السارية من قبل . على أن المشروع يتدخل عادة في مثل هذه الأحوال ويقضي باستمرار اختصاص المحكمة التي سبق أن رفع النزاع إليها حتى تفصل فيه (أنظر المادة ٥٣ من لائحة التنظيم القضائي للمحاكم المختلطة ) فإن لم يرد نص خاص في هذا الشأن سرى الحكم الوارد في المشروع .

2 - وتقضى المادة ١٤ بأن النصوص السارية وقت رفع الدعوى هي التي يُرجع إليها لتحديد شروط التقاضي والأهلية اللازمة له . ومفهوم هذا النص أن العبرة في توافر الشروط اللازمة لقبول الدعوى بالقانون الساري وقت رفعها لأن هذا الوقت هو الذي يتعين فيه وجود تلك الشروط . ومتى رُفعت الدعوى على الوجه الصحيح لا يؤثر فيما تم من قبولها أي تعديل يطرأ على الشروط أو الأهلية اللازمة لذلك بمقتضى تشريع لاحق. وقد أشير من قبل إلى أن زوال الأهلية بمقتضى تشريع لاحق لا يؤثر في صحة التصرفات التي عقدها شخص كان أهلاً لذلك بمقتضى التشريع المعمول به وقت انعقاد التصرف (م ۸ من المشروع)

3 - أما إجراءات التقاضي دعاوى كانت أو دفوعا فهي تتعلق بالنظام العام ما دامت لا تمس جوهر الحقوق أو مداها . ولذلك قضت المادة ۱۳ بأن النصوص المتعلقة بهذه الإجراءات تسري من وقت العمل بها . فإذا صدر تشريع جديد يمنع الدفع بالإحالة للارتباط أو يمنع المدعى عليه من رفع دعوى فرعية فأحكام هذا التشريع هي التي تسري متى أريد التمسك بالإحالة أو رفع الدعوى الفرعية في ظله ولو كان التشريع النافذ وقت نشوء الحق الذي اتخذت إجراءات التقاضي في شأنه يبيح ذلك .

بيد أن من النصوص ما يتعلق بواجب الخصوم في اتباع أوضاع أو مواعيد معينة للقيام بإجراء من إجراءات التقاضي . وهذه النصوص لا تسري على ما يتم قبل العمل بها من إجراءات وما يكون قد بدأ أو انقضى من مواعيد (المادة ١٦ من المشروع وأنظر في هذا المعنى استئناف مختلط ٢٥ مايو سنة ١٩٣٨ ب ٥٠ ص ٣٢٥ ) . فإذا صدر قانون يحتم أن تتضمن صحيفة افتتاح الدعوى بيانات خاصة لم يكن يتطلبها التشريع القديم فهذا القانون لا يسري على ما أعلن من صحف الدعاوى من قبل . وكذلك الحكم فيما لو مد التشريع ميعاد الاستئناف أو جعله يبدأ من وقت صدور الحكم وكان الميعاد قد انقضى أو بدأ سريانه بالإعلان من قبل .

 ٤ - وتعرض المادة ٣٠ للأحكام فنقضي بأن النصوص النافذة وقت صدورها هي التي تعين إجراءات الشكل المتعلقة بها كما تعين آثارها والشروط الواجب توافرها لجواز الطعن فيها ( نقض 8 إبريل سنة ١٩٠٥ المجموعة الرسمية ٦ ص ٢٠٦ واستئناف مختلط ٣ نوفمبر سنة ١٩١٦ ب ۲۹ ص ۳۲ و ۸ نوفمبر سنة ١٩٣٧ ب ٥٠ ص ۱۰ ) على أن يراعى فيما يتعلق بالإجراءات اللازمة لمباشرة أوجه الطعن ما تقدم ذكره بصدد المادة ١٦ من المشروع.

ه - وجميع الأحكام المتقدم ذكرها ليست إلا مجرد تطبيق للقواعد العامة ولذلك يحسن أن تكون مسألة حذفها أو الإبقاء عليها محلاً للاستفتاء.

المشروع في لجنة المراجعة

تليت المواد من 13 - ١٦ والمادة ٢٠ واقترح حذفها جميعاً تجنباً للتفصيلات ولأن مكانها المناسب قانون المرافعات.

فوافقت اللجنة على ذلك .

اَلْأَعْمَال اَلتَّحْضِيرِيَّةِ لِلْقَانُونِ اَلْمَدَنِيِّ اَلْمِصْرِيِّ / مَادَّةَ 7 : اَلنُّصُوصُ اَلْمُتَعَلِّقَةُ بِالتَّقَادُمِ

 عودة إلى صفحة : اَلْأَعْمَال اَلتَّحْضِيرِيَّةِ لِلْقَانُونِ اَلْمَدَنِيِّ اَلْمِصْرِيِّ


مادة 7 (1)

1 - تسري النصوص الجديدة المتعلقة بالتقادم من وقت العمل بها على كل تقادم لم يكتمل.

2 - على أن النصوص القديمة هي التي تسري على المسائل الخاصة ببدء التقادم ووقفه وانقطاعه ، وذلك عن المدة السابقة على العمل بالنصوص الجديدة.

التقنين المدني السابق :

لا مقابل لها.

المشروع التمهيدي : (2)

المادة 11 .

1 - تسري النصوص الجديدة المتعلقة بالتقادم من وقت العمل بها على كل تقادم لم يكتمل.

2 - على أن النصوص القديمة هي التي تسري على المسائل الخاصة ببدء التقادم ووقفه وانقطاعه ، وذلك عن المدة السابقة على العمل بالنصوص الجديدة.

مذكرة المشروع التمهيدي :

1 - الأصل في مدد التقادم أن اكتمالها يقيم قرينة قاطعة لمن شرعت لمصلحته ويكون من شأن هذه القرينة أن تعفيه من إقامة الدليل على كسبه لحق معين أو براءة ذمته من التزام معين لاعتبارات تتعلق بالنظام العام, وكل تقادم لم يكتمل في ظل تشريع قائم لا يرتب هذا الأثر ، فإذا صدر تشريع جديد يطيل من مدته وجب أن يسري هذا التشريع. (نقض 26 ديسمبر سنة 1931 مجموعة عمر 1 ص 16) .

2 - أما بدء التقادم ووقفه وانقطاعه فيتحقق كل منها متى توافرت شروط معينة يحددها القانون الساري إذ ذاك. ومتى بدأت المدة أو وقفت أو انقطعت وفقاً لقانون معين ظل البدء أو الوقف أو الانقطاع مرتبا لحكمه في ظل القانون الجديد. فالمدة التي بدأت تستمر سارية والمدة التي وقفت يمتنع استئنافها ما بقى سبب الوقف قائماً ما لم يقض القانون الجديد بغير ذلك والمدة السابقة على سبب الانقطاع لا تحتسب. (3)

المشروع في لجنة المراجعة :

تُليت المادة 11 فأقرتها اللجنة على أصلها وأصبح رقمها 8 في المشروع النهائي .

المشروع في مجلس النواب :

وافق المجلس على المادة دون تعديل برقم 8 .

المشروع في مجلس الشيوخ :

مناقشة لجنة القانون المدني :

وافقت اللجنة على المادة دون تعديل وأصبح رقمها 7 .

مناقشة المجلس :

وافق المجلس على المادة دون تعديل .



(1) مجموعة الأعمال التحضيرية ج 1 ص 218 .

(2) مادتان محذوفتان من المشروع التمهيدي :

مادة 9 :

1 – تسري النصوص المتعلقة بنظام الوصاية والقوامة من وقت العمل بها على ما كان قائماً من قبل من وصاية أو قوامة .

۲ - فتبقى للأوصياء والقوام المعينين من قبل صفاتهم ، أما حقوقهم وواجباتهم فتسري عليها مستقبلاً النصوص الجديدة .

3 - وتتبع القاعدة ذاتها في جميع الإجراءات الأخرى الخاصة بحماية عديمي الأهلية .

مذكرة المشروع التمهيدي :

تقضي المادة 9 بسريان النصوص المتعلقة بالوصاية والقوامة من وقت العمل بها على ما كان قائماً من قبل من وصاية أو قوامة لأن هذه النصوص تتعلق بالنظام العام ، فإذا قضى القانون الجديد بزوال صلاحية فريق من القامة أو الأوصياء لمباشرة ولايته سقطت عنه هذه الولاية وإذا أبقى القانون الجديد تلك الصلاحية وعدل في حقوق القامة أو الأوصياء وواجباتهم فنصوص هذا القانون هي التي تسري بالنسبة إلى المستقبل في شأن هذه الواجبات وتلك الحقوق .

وكذلك الحكم في كل إجراء آخر يقصد منه إلى حماية عديمي الأهلية وناقصيها لأن هذه الحماية من أخص ما يتعلق بالنظام العام .

مادة ۱۰ - تسري على الالتزامات الناشئة من العمل الضار أو من مصادر أخرى غير تعاقدية النصوص المعمول بها وقت حدوث الواقعة التي نشأت عنها المسئولية .

مذكرة المشروع التمهيدي :

تتناول هذه المادة حكم الالتزامات الناشئة عن العمل الضار وغيرها من الالتزامات اللاتعاقدية (مواد نشأت عن الفضالة ورد غير المستحق والإثراء بوجه عام ومن غير نص القانون) وهي التزامات تترتب وفقا للشروط التي يقررها القانون ولذلك نص المشروع على أن يكون المرجع في شأنها هو القانون الذي يكون سارياً وقت حدوث الواقعة التي تنشأ عنها .

المشروع في لجنة المراجعة

تليت المادتان ۹ ،۱۰ واقترح حذفهما تجنبا للتفصيل فوافقت اللجنة .

(3) مجموعة الأعمال التحضيرية ج 1 ص 220 .