الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 20 نوفمبر 2023

الطعن رقم 52 لسنة 43 ق الدستورية العليا " دستورية " جلسة 4 / 11 / 2023

باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الرابع من نوفمبر سنة 2023م، الموافق العشرين من ربيع الآخر سنة 1445 ه.
برئاسة السيد المستشار / بولس فهمي إسكندر رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: رجب عبد الحكيم سليم والدكتور محمد عماد النجار والدكتور طارق عبد الجواد شبل وخالد أحمد رأفت دسوقي والدكتورة فاطمة محمد أحمد الرزاز ومحمد أيمن سعد الدين عباس نواب رئيس المحكمة وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشري رئيس هيئة المفوضين وحضور السيد/ محمد ناجي عبد السميع أمين السر

أصدرت الحكم الآتي
في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 52 لسنة 43 قضائية دستورية

المقامة من
1- جمال أحمد علي، مدير وشريك بشركة لاكوست للسياحة
2- محمد أحمد علي، شريك متضامن بشركة لاكوست للسياحة
3- علا أحمد علي، شريك متضامن بشركة لاكوست للسياحة
4- سمية أحمد علي، شريك متضامن بشركة لاكوست للسياحة
ضد
1- رئيس الجمهورية
2- رئيس مجلس الوزراء
3- رئيس مجلس النواب
4- وزير العدل
5- القاضي/ إبراهيم محمد حسنين، رئيس دائرة استئناف الإسماعيلية مأمورية الطور
6- القاضي/ أحمد سيد عبد الستار، عضو يمين دائرة استئناف الإسماعيلية مأمورية الطور
7- القاضي/ إيهاب سلامة محمد، عضو يسار دائرة استئناف الإسماعيلية مأمورية الطور

---------------

" الإجراءات "
بتاريخ الثالث من يونيو سنة 2021، أودع المدعون صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبين الحكم بعدم دستورية نص البند (ج) من المادة (157) من قانون المرافعات المدنية والتجارية، بعد استبدالها بالقانون رقم 18 لسنة 1999.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وفيها قدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم، أصليًّا: بعدم قبول الدعوى، واحتياطيًّا: برفضها. وقررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم.
--------------

" المحكمة "
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل - على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - في أن عمر علي السيد الديب، وآخرين، أقاموا أمام محكمة جنوب سيناء الابتدائية - مأمورية شرم الشيخ الكلية - الدعوى رقم 26 لسنة 2015 تجاري، ضد المدعين في الدعوى المعروضة وآخر، بطلب الحكم بثبوت شركة الواقع المبينة بصحيفة الدعوى وإدخالهم فيها، على سند من حلولهم محل مورثهم، بموجب المادة (11) من عقد تأسيس تلك الشركة. وجه المدعي الأول في الدعوى المعروضة طلبًا عارضًا؛ بغية الحكم له - وفقًا لطلباته الختامية - أولًا: بإخراج حصة الشريك المتوفى من الشركة وتسليمها إلى الورثة. ثانيًا: بإلزام المدعين في الدعوى الموضوعية من الأول حتى الرابعة بسداد حصتهم من قيمة الأقساط والفوائد المستحقة لمحافظة جنوب سيناء، وقيمة المرافق والغرامات والأعمال الإضافية. ثالثًا: بتعديل صفة الشريك المتوفى إلى شريك موصٍ. رابعًا: بتطهير عقد تأسيس الشركة من المادة (11)؛ لتعارضه مع حق الشريك في اختيار شريكه. خامسًا: صحة العقود المؤرخة 13/ 5/ 2015، والتأشير بها في السجل التجاري. حكمت المحكمة برفض الدعوى الأصلية، وبقبول الطلب العارض شكلًا، وبرفض موضوع الطلب العارض الأول والثالث والرابع والخامس، وبعدم قبول الطلب العارض الثاني؛ لرفعه من غير ذي صفة. استأنف المدعون في الدعوى الموضوعية ذلك الحكم أمام محكمة استئناف الإسماعيلية - مأمورية الطور- بالاستئناف رقم 12 لسنة 28 قضائية، كما استأنفه المدعون في الدعوى المعروضة أمام المحكمة ذاتها، بالاستئناف رقم 13 لسنة 28 قضائية. وبجلسة 22/ 12/ 2020، قضت المحكمة بإلغاء الحكم المستأنف الصادر في الدعوى الأصلية، وبإجابة المدعين فيها لطلباتهم، وتعديل الحكم في الطلب العارض إلى عدم قبوله. أودع المدعون في الدعوى المعروضة قلم كتاب محكمة استئناف الإسماعيلية الدائرة المدنية الأولى بمأمورية الطور طلبًا، للحكم فيما أغفلته المحكمة من الفصل في طلب صحة العقود المؤرخة 13/ 5/ 2015، والتأشير بها في السجل التجاري، وقُيّد الطلب أمام تلك المحكمة برقم ٧ لسنة ٣٠ قضائية، وأثناء نظره، قام المدعون بإيداع تقرير برد هيئة المحكمة تم قيده برقم ٩ لسنة ٣١ قضائية رد، لأسباب حاصلها؛ أولًا: عدم صلاحية هيئة المحكمة؛ لسبق إبداء الرأي في أربع دعاوى فرعية عند إصدار الحكم في الاستئنافين رقمي 12 و13 لسنة ٢٨ قضائية الطور، مما يُخشى معه التأثير على قضائها في طلب الإغفال. ثانيًا: وجود مودة بين أحد السادة القضاة أعضاء الهيئة التي تنظر طلب الإغفال، وبين خصومهم في تلك الدعوى.
وأثناء نظر طلب الرد، طلب المدعون توجيه اليمين إلى أحد قضاة الدائرة، ودفعوا بعدم دستورية المادة (١٥٧) من قانون المرافعات المدنية والتجارية، بعد استبدالها بالقانون رقم 18 لسنة 1999، وإذ قدرت المحكمة جدية هذا الدفع، وصرحت للمدعين برفع الدعوى الدستورية، فقد أقاموا الدعوى المعروضة.
وحيث إن البند (ج) من المادة (157) من قانون المرافعات المدنية والتجارية، بعد استبداله بالقانون رقم 18 لسنة 1999، ينص على أن تقوم الدائرة التي تنظر طلب الرد بتحقيق الطلب في غرفة المشورة ثم تحكم فيه في موعد لا يجاوز شهرًا من تاريخ التقرير، وذلك بعد سماع أقوال طالب الرد، وملاحظات القاضي عند الاقتضاء أو إذا طلب ذلك، وممثل النيابة إذا تدخلت في الدعوى.
ولا يجوز في تحقيق طلب الرد استجواب القاضي، ولا توجيه اليمين إليه.
وحيث إن من المقرر في قضاء هذه المحكمة، أن مناط المصلحة الشخصية المباشرة في الدعوى الدستورية - وهي شرط لقبولها - أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية؛ وذلك بأن يكون الفصل في المسألة الدستورية لازمًا للفصل في الطلبات المعروضة على محكمة الموضوع، وأنه يكفي لتوافر شرط المصلحة في الدعوى الدستورية أن يكون الحكم فيها مؤثرًا في مسألة كلية، أو فرعية تدور حولها الخصومة في الدعوى الموضوعية، دون أن يمتد ذلك لبحث شروط قبول تلك الدعوى، أو مدى أحقية المدعي في الدعوى الدستورية في طلباته أمام محكمة الموضوع، والتي تختص هذه الأخيرة وحدها بالفصل فيها. متى كان ذلك، وكان النزاع المعروض على المحكمة التي تنظر طلب الرد، قد تساند فيه المدعون إلى أسباب حاصلها؛ عدم صلاحية هيئة المحكمة التي تنظر طلب الإغفال - المشكلة من القضاة المدعى عليهم - لسبق إبداء الرأي في أربع دعاوى فرعية مرتبطة بطلب الإغفال، مما يُخشى معه التأثير على قضائها في طلب الإغفال، فضلًا عن وجود مودة بين أحد قضاة تلك الهيئة، وخصومهم في الدعوى، وأنه في سبيل إثبات ما تقدم، طلب المدعون توجيه اليمين إلى أحد قضاة الدائرة المطلوب ردها؛ ومن ثم فإن ما تضمنته الفقرة الثانية من البند (ج) من أنه ولا يجوز في تحقيق طلب الرد استجواب القاضي، ولا توجيه اليمين إليه يقف حائلًا أمام إثبات دعواهم، بعد أن أعوزهم الدليل إلى ذلك؛ لذا فإن الفصل في دستورية تلك الفقرة، يرتب انعكاسًا على الطلبات المطروحة أمام محكمة الموضوع، مما تتوافر به للمدعين مصلحة شخصية ومباشرة في الطعن على دستوريتها، ويتحدد بهذه الفقرة وحدها نطاق الدعوى المعروضة، دون سائر الأحكام التي تضمنها نص الفقرة الأولى من البند (ج) من المادة (157) من قانون المرافعات المدنية والتجارية المشار إليه.
ولا يغير مما تقدم، مُضي محكمة الموضوع في نظر طلب الإغفال بهيئة أخرى، وإصدارها حكمًا نهائيًّا فيه؛ ذلك أنه من المقرر أن خصومة الرد تثير ادعاءً فرعيًّا عند نظر الخصومة الأصلية، مداره أن قاضيها، أو بعض قضاتها الذين يتولون الفصل فيها، قد زايلتهم الحيدة التي يقتضيها العمل القضائي؛ ومن ثم كان لخصومة الرد خطرها ودقتها، سواء بالنظر إلى موضوعها، أو الآثار التي تنجم عنها، ولا شأن لها بالتالي بنطاق الخصومة الأصلية المرددة بين أطرافها، ولا بالحقوق التي يطلبونها فيها، ولا بإثباتها، أو نفيها، بل تستقل تمامًا عن موضوعها، فلا يكون لها من صلة بما هو مطروح فيها، ولا بشق من جوانبها، ولا بالمسائل المتفرعة عنها، أو العارضة عليها، بل تعتصم خصومة الرد بذاتيتها، لتكون لها مقوماتها الخاصة بها، بما مؤداه: استقلال خصومة الرد عن الخصومة الأصلية في موضوعها، وإن ظل للحكم الصادر في أولاهما أثره وانعكاسه على ثانيتهما، ولو بعد الفصل فيها بحكم نهائي، وهو ما يوجب الالتفات عما دفعت به هيئة قضايا الدولة، من عدم قبول الدعوى لانتفاء المصلحة.
وحيث إن المدعين ينعون على نص الفقرة الثانية من البند (ج) من المادة (157) من قانون المرافعات المدنية والتجارية، مخالفته مبادئ الشريعة الإسلامية؛ لإقراره عدم جواز استجواب القاضي، أو توجيه اليمين إليه، وهو ما يقف حائلًا أمام تحقيق المقصود الشرعي والقانوني للعدالة، وإخلاله بمبادئ العدل والمساواة وتكافؤ الفرص، والحق في التقاضي، والدفاع، وذلك بتصادمه مع الضمير الجمعي لأبناء الوطن ومناهضته للمفهوم الشامل للشعور بالعدل، فضلًا عن وضعه القاضي المطلوب رده في مركز قانوني أفضل من مركز خصمه، لغير مصلحة جوهرية، مقوضًا حقه في الدفاع، وإثبات دعواه، وصولًا للترضية القضائية، باعتبارها الحلقة الأخيرة في مجال التقاضي، وارتباطها بالغاية النهائية منه، وذلك بالمخالفة للمواد (2 و4 و9 و53 و97 و98) من الدستور.
وحيث إن النعي على النص المطعون فيه بمخالفة مبادئ الشريعة الإسلامية، فمردود؛ بأن المقرر في قضاء هذه المحكمة، أنه لا يجوز لنص تشريعي يصدر بعد تعديل المادة الثانية من الدستور في عام 1980، أن يناقض الأحكام الشرعية القطعية في ثبوتها ودلالتها معًا، باعتبار أن هذه الأحكام وحدها هي التي يمتنع الاجتهاد فيها؛ لأنها تمثل من الشريعة الإسلامية ثوابتها التي لا تحتمل تأويلًا أو تبديلًا، أما الأحكام غير القطعية في ثبوتها، أو دلالتها، أو فيهما معًا، فإن باب الاجتهاد يتسع فيها لمواجهة تغير الزمان والمكان، وتطور الحياة، وتنوع مصالح العباد، وهو اجتهاد وإن كان جائزًا ومندوبًا من أهل الفقه، فهو بذلك أوجب لولي الأمر؛ ليواجه به ما تقتضيه مصلحة الجماعة، درءًا لمفسدة، أو جلبًا لمنفعة، أو درءًا وجلبًا للأمرين معًا. لما كان ذلك، وكان حظر استجواب القاضي عند تحقيق طلب الرد، أو توجيه اليمين إليه، من الأمور الوضعية التي لا تندرج تحت قاعدة كلية، أو جزئية من قواعد الشريعة الإسلامية قطعية الثبوت والدلالة، فإنه يكون لولي الأمر -عن طريق التشريع الوضعي- تنظيمها بما يتفق ومصلحة الجماعة، ويكون النعي بمخالفة النص المطعون عليه للشريعة الإسلامية فاقدًا لسنده.
وحيث إن الدستور الحالي قد حرص في المادة (4) منه على النص على مبدأ تكافؤ الفرص، باعتباره من الركائز الأساسية التي يقوم عليها بناء المجتمع، والحفاظ على وحدته الوطنية، ومن أجل ذلك جعل الدستور بمقتضى نص المادة (9) منه، تحقيق تكافؤ الفرص بين جميع المواطنين دون تمييز التزامًا دستوريًّا على عاتق الدولة، لا تستطيع منه فكاكًا. وقوام هذا المبدأ -على ما جرى به قضاء هذه المحكمة- أن الفرص التي كفلها الدستور للمواطنين فيما بينهم تفترض تكافؤها، وتدخل الدولة إيجابيًّا لضمان عدالة توزيعها بين من يتزاحمون عليها، وضرورة ترتيبهم بالتالي فيما بينهم على ضوء قواعد يمليها التبصر والاعتدال، وهو ما يعني أن موضوعية شروط النفاذ إليها، مناطها تلك العلاقة المنطقية التي تربطها بأهدافها، فلا تنفصل عنها.
وحيث إن الدستور الحالي قد اعتمد - كذلك- بمقتضى نص المادة (4) منه مبدأ المساواة، باعتباره إلى جانب مبدأي العدل وتكافؤ الفرص، أساسًا لبناء المجتمع وصيانة وحدته الوطنية، وتأكيدًا لذلك حرص الدستور في المادة (53) منه على كفالة تحقيق المساواة لجميع المواطنين أمام القانون، في الحقوق والحريات والواجبات العامة، دون تمييز بينهم لأي سبب، إلا أن ذلك لا يعني -وفقًا لما استقر عليه قضاء هذه المحكمة- أن تعامل فئاتهم على ما بينها من تفاوت في مراكزها القانونية معاملة قانونية متكافئة، كذلك لا يقوم هذا المبدأ على معارضة صور التمييز جميعها؛ ذلك أن من بينها ما يستند إلى أسس موضوعية ولا ينطوي بالتالي على مخالفة لنص المادتين (4 و53) من الدستور، بما مؤداه أن التمييز المنهي عنه بموجبهما هو ذلك الذي يكون تحكميًّا. وأساس ذلك أن كل تنظيم تشريعي لا يعتبر مقصودًا لذاته، بل لتحقيق أغراض بعينها، تعكس مشروعيتها إطارًا للمصلحة العامة، التي يسعى المشرع إلى تحقيقها من وراء هذا التنظيم، فإذا كان النص المطعون فيه -بما انطوى عليه من تمييز- مصادمًا لهذه الأغراض، بحيث يستحيل منطقًا ربطه بها، أو اعتباره مدخلًا إليها، فإن التمييز يكون تحكميًّا، وغير مستند إلى أسس موضوعية، ومن ثم مجافيًا لمبدأ المساواة.
وحيث إن من المقرر في قضاء هذه المحكمة، أن الأصل في كل تنظيم تشريعي أن يكون منطويًا على تقسيم، أو تصنيف، أو تمييز من خلال الأعباء التي يلقيها على البعض، أو عن طريق المزايا، أو الحقوق التي يكفلها لفئة دون غيرها، إلا أن اتفاق هذا التنظيم مع أحكام الدستور، يفترض ألا تنفصل النصوص القانونية التي نظم بها المشرع موضوعًا محددًا عن أهدافها، ليكون اتصال الأغراض التي توخاها بالوسائل المؤدية لها منطقيًّا، وليس واهيًا، بما يخل بالأسس الموضوعية التي يقوم عليها التمييز المبرر دستوريًّا.
وحيث إن حق التقاضي مكفول للناس كافة، بنص المادة (97) من الدستور، فلا يتمايزون فيما بينهم في ذلك، وإنما تتكافأ مراكزهم القانونية في مجال سعيهم لرد العدوان على حقوقهم، فلا يكون الانتفاع بهذا الحق مقصورًا على بعضهم، ولا منصرفًا إلى أحوال بذاتها ينحصر فيها، ولا محملًا بعوائق تخص نفرًا من المتقاضين دون غيرهم، بل يتعين أن يكون النفاذ إلى ذلك الحق منضبطًا، وفق أسس موضوعية لا تمييز فيها، وفي إطار من القيود التي يقتضيها تنظيمه، ولا تصل في مداها إلى حد مصادرته، وإن كان ذلك لا يحول بين حق المشرع في أن يفرد تنظيمًا خاصًّا لنظر بعض المنازعات، على نحو يتوافق مع طبيعتها، ليقدر لها ما يناسبها من القواعد، على أن يكون ذلك وفق أسس موضوعية مبررة، ومنضبطة، لا تمييز فيها بين الخصوم أصحاب المراكز القانونية المتكافئة، ولا تصل في مداها إلى حد مصادرة حق التقاضي، أو عرقلة النفاذ إليه.
وحيث إن حق الدفاع أصالةً أو بالوكالة قد كفله الدستور، باعتبار أن ضمانة الدفاع لا يمكن فصلها أو عزلها عن حق التقاضي؛ ذلك أنهما يتكاملان ويعملان معًا فى دائرة الترضية القضائية، التى يُعتبر اجتناؤها غاية نهائية للخصومة القضائية، فلا قيمة لحق التقاضي ما لم يكن متساندًا لضمانة الدفاع، مؤكدًا لأبعادها، عاملًا من أجل إنفاذ مقتضاها، كذلك لا قيمة لضمانة الدفاع بعيدًا عن حق النفاذ إلى القضاء، وإلا كان القول بها وإعمالها واقعًا وراء جدران صامتة؛ يؤيد ذلك أن الحقوق التي يكفلها الدستور، أو القانون تتجرد من قيمتها العملية، إذا كان من يطلبها عاجزًا عن بلوغها من خلال حق التقاضي، أو كان الخصوم الذين تتعارض مصالحهم بشأنها لا يتماثلون فيما بينهم، فى أسلحتهم التى يشرعونها لاقتضائها.
وحيث إن الأصل في سلطة المشرع في مجال تنظيم الحقوق أنها سلطة تقديرية، ما لم يقيدها الدستور بضوابط معينة، وكان جوهر السلطة التقديرية يتمثل في المفاضلة التي يجريها المشرع بين البدائل المختلفة، لاختيار ما يُقدر أنه أنسبها لمصلحة الجماعة، وأكثرها ملاءمة للوفاء بمتطلباتها، في خصوص الموضوع الذي يتناوله بالتنظيم.
وحيث إن المقرر في قضاء هذه المحكمة، أن قانون المرافعات المدنية والتجارية حرص على تنظيم الحق في رد القضاة من زوايا متعددة؛ غايتها ألا يكون اللجوء إليه إسرافًا أو نزقًا، بل اعتدالًا وتبصرًا، وقد توخى المشرع من تنظيم أحوال رد القضاة -وعلى ما جاء بالمذكرة الإيضاحية لمشروع القانون رقم 23 لسنة 1992، بتعديل بعض أحكام قانون المرافعات المدنية والتجارية- توكيد قاعدة أصولية قوامها؛ أن كل متقاضٍ يجب أن يطمئن إلى أن قضاء قاضيه لا يصدر إلا عن الحق وحده، دون تأثير من دخائل النفس البشرية في هواها وتحيزها، وكانت ضمانتا استقلال السلطة القضائية وحيدتها تتعلقان بإدارة العدالة ضمانًا لفعاليتها؛ بما مؤداه بالضرورة تلازمهما، فلا ينفصلان، ومن غير المتصور- تبعًا لذلك - أن يكون الدستور نائيًا بالسلطة القضائية عن أن تقوض بنيانها عوامل خارجية تؤثر في رسالتها، وأن يكون إيصالها الحقوق لذويها مهددًا بالتواء ينال من حيدة وتجرد رجالها. وإذا جاز القول - وهو صحيح - أن الفصل في الخصومة القضائية -حقًّا وعدلًا- لا يستقيم إذا داخلتها عوامل تؤثر في موضوعية القرار الصادر عنها، أيًّا كانت طبيعتها، وبغض النظر عن مصدرها، أو دوافعها، أو أشكالها، فقد صار أمرًا مقضيًّا أن تتعادل ضمانتا استقلال السلطة القضائية وحيدتها في مجال اتصالهما بالفصل في الحقوق انتصافًا؛ ترجيحًا لحقيقتها القانونية، لتكون لهما معًا القيمة الدستورية ذاتها، فلا تعلو إحداها على أخراها، أو تجبها، بل يتضاممان تكاملًا، ويتكافآن قدرًا.
لما كان ما تقدم، وكان المقرر في قضاء هذه المحكمة، أن القاضي المطلوب رده لا يعتبر طرفًا ذا مصلحة شخصية مباشرة في خصومة الرد، التي لا يتعلق موضوعها بحقوق ذاتية لأطرافها، يجري إثباتها ونفيها وفقًا لقواعد حددها المشرع سلفًا، ويتكافأ مركز الخصوم في مجال تطبيقها، وعلى الأخص فيما يتعلق بالأدلة التي يجوز تقديمها، وتقدير كل دليل منها، وإنما تقوم خصومة الرد أساسًا على تمسك أحد الخصوم في الدعوى الموضوعية، بمخالفة القاضي المطلوب رده -حال نظر تلك الدعوى- للقواعد التي فرضها المشرع لضمان تجرده وبعده عن الميل، نأيًا بالعدالة عن أن تتطرق إليها شبهة ممالأة أحد الخصوم، أو الانحياز لمصلحته، كي يظل القضاء صمام أمن يرعى العدالة، ولا يتصور -والحالة هذه- أن تكون للقاضي المطلوب رده مصلحة في مخالفة هذه القواعد، أو التحلل منها؛ ولهذا لم يجز المشرع استجوابه، أو توجيه اليمين إليه، مكتفيًا بتمكينه من إبداء رأيه وملاحظاته في شأن ما أثير من وقائع؛ حتى لا يتخذ طلب الرد سبيلًا للنيل من كرامته بغير حق، فإذا ما صدر الحكم في هذه الخصومة برد القاضي، امتنع عليه الطعن فيه، اتساقًا مع الطبيعة الخاصة لتلك الخصومة بالنسبة إليه، ودفعًا لأية شبهة حول قيام مصلحة للقاضي المحكوم برده، في الاستمرار في نظر الدعوى. ولما كانت المساواة التي نصت عليها المادة (53) من الدستور تستهدف عدم التمييز بين أفراد الطائفة الواحدة، إذا تماثلت مراكزهم القانونية، وكان المركز القانوني للقاضي المطلوب رده يختلف عن المركز القانوني لطالب الرد، في خصوص هذه الخصومة، فإن النعي عليه الإخلال بمبدأ المساواة لا يكون قائماً على أساس.
وحيث إن المشرع بتقريره النص المطعون فيه، قد أعمل سلطته التقديرية في شأن تنظيم بعض إجراءات الإثبات أثناء تحقيق طلب رد القضاة، بأن حظر استجواب القاضي أو توجيه اليمين إليه، مُشيّدًا بذلك للمتقاضين في خصومة الرد نظامًا للتداعي، يقوم على أساس طبيعة المنازعة، بمراعاة أنه يترتب على تقديم طلب الرد -بحسب الأصل- وقف الدعوى الأصلية إلى أن يُفصل في الطلب؛ مما مؤداه ربط هذا التنظيم الإجرائي للخصومة في مجمله بالغايات التي استهدفها المشرع منه، والتي تتمثل في تحقيق التوازن بين طرفيها، عن طريق تنظيم تلك الإجراءات، وما يستلزمه ذلك من إحاطة القاضي بضمانات، تكفل له الاحترام، مع عدم الإخلال - في الوقت ذاته - بكفالة الضمانات الأساسية لحقي التقاضي والدفاع، بما يحقق لأي من المتقاضين عرض منازعته ودفاعه ودفوعه على قاضيه الطبيعي، متمتعًا بفرص متكافئة في ممارسة حقه في الدفاع الذي كفله الدستور بنص المادة (98) منه، وبما يجعل للخصومة في هذا النوع من المنازعات حلًا منصفًا، وفق أسس موضوعية لا تقيم في مجال تطبيقها تمييزًا منهيًّا عنه بين المخاطبين بها، على نحو يتفق مع سلطة المشرع في المفاضلة بين أكثر من نمط لتنظيم إجراءات التقاضي، دون التقيد بقالب جامد يحكم إطار هذا التنظيم؛ ومن ثم تكون المغايرة التي اتبعها المشرع في تنظيمه لإجراءات التقاضي في دعوى الرد، وفقًا للنص المطعون فيه، قائمة على أسس مبررة، وترتبط بالأغراض المشروعة التي توخاها المشرع، مما تنتفي معه قالة الإخلال بمبادئ سيادة القانون والمساواة، وتكافؤ الفرص، والحق في التقاضي والدفاع، التي حرص الدستور على صونها، ليضحى النص المطعون فيه منضبطًا بتخومها، بما لا مخالفة فيه لنصوص المواد (4 و9 و53 و97 و98) من الدستور.
وحيث إن النص المطعون فيه لا يتعارض مع أحكام الدستور من أوجه أخرى، الأمر الذي يتعين معه القضاء برفض الدعوى.
وحيث إن محكمة استئناف الإسماعيلية -مأمورية الطور- ولئن استمرت في نظر طلب الرد محل الدعوى الموضوعية، وقضت فيه بالرفض، وكان يتعين عليها بعد تقديرها جدية الدفع بعدم الدستورية، وتصريحها للمدعين بإقامة الدعوى الدستورية المعروضة؛ أن تتربص قضاء هذه المحكمة في المسألة الدستورية، إلا أن حكمها في الدعوى الموضوعية لا يناقض في أثره ما انتهى إليه الحكم في الدعوى الدستورية برفضها.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة برفض الدعوى، ومصادرة الكفالة، وألزمت المدعين المصروفات.

الطعن رقم 100 لسنة 43 ق دستورية عليا " دستورية " جلسة 4 / 11 / 2023

باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الرابع من نوفمبر سنة 2023م، الموافق العشرين من ربيع الآخر سنة 1445 هـ.
برئاسة السيد المستشار / بولس فهمي إسكندر رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: رجب عبد الحكيم سليم ومحمود محمد غنيم والدكتور عبد العزيز محمد سالمان وطارق عبد العليم أبو العطا وعلاء الدين أحمد السيد وصلاح محمد الرويني نواب رئيس المحكمة وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشري رئيس هيئة المفوضين وحضور السيد/ محمـد ناجي عبد السميع أمين السر

أصدرت الحكم الآتي
في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 100 لسنة 43 قضائية دستورية، بعد أن أحالت المحكمة الإدارية لمحافظتي الإسكندرية ومرسى مطروح، بحكمها الصادر بجلسة 30/ 1/ 2021، ملف الدعوى رقم 10074 لسنة 66 قضائية.

المقامة من
بدوي عبد العظيم علي مرسي
ضــد
1- مدير مديرية أوقاف مطروح
2- وزير الأوقــــاف
3- محافظ مطروح

----------------

" الإجراءات "

بتاريخ الثامن والعشرين من ديسمبر سنة 2021، ورد إلى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا ملف الدعوى رقم 10074 لسنة 66 قضائية، نفاذًا لحكم المحكمة الإدارية لمحافظتي الإسكندرية ومرسى مطروح، الصادر بجلسة 30/ 1/ 2021، بوقف الدعوى، وإحالة أوراقها إلى المحكمة الدستورية العليا، للفصل في دستورية نص المادة (64) من قانون الخدمة المدنية الصادر بالقانون رقم 81 لسنة 2016.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم، أصليًّا: بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى، واحتياطيًّا: برفضها.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وفيها قدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة تكميلية بالطلبات ذاتها، وقررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم.

---------------
" المحكمــة "
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل - على ما يتبين من حكم الإحالة وسائر الأوراق - في أن المدعي في الدعوى الموضوعية، أقام أمام المحكمة الإدارية لمحافظتي الإسكندرية ومرسى مطروح، الدعوى رقم 10074 لسنة 66 قضائية، ضد المدعى عليهم في الدعوى السالفة الذكر، طالبًا الحكم بأحقيته في صرف نصف أجره عن مدة حبسه احتياطيًّا على ذمة القضية رقم 7770 لسنة 2017 جنايات مطروح، وذلك على سند من أن المدعي يشغل وظيفة عامل مسجد بمديرية أوقاف مطروح، وقد أصدرت جهة الإدارة المدعى عليها قراراها بحرمانه من نصف أجره، خلال مدة حبسه احتياطيًّا على ذمة القضية المار ذكرها، والتي حكم فيها ببراءته مما نسب إليه من اتهامات، وصار ذلك الحكم نهائيًّا بعدم الطعن عليه، وإذ طلب المدعي صرف نصف أجره المحروم منه خلال مدة حبسه احتياطيًّا؛ أثرًا للقضاء ببراءته من الاتهامات المسندة إليه في تلك القضية، فقد رفضت جهة الإدارة طلبه؛ استنادًا إلى نص المادة (64) من قانون الخدمة المدنية الصادر بالقانون رقم 81 لسنة 2016، الأمر الذي حدا به إلى إقامة دعواه بطلباته السالف بيانها. وإذ تراءى لمحكمة الموضوع أن نص المادة (64) من قانون الخدمة المدنية المشار إليه، فيما تضمنه من حرمان الموظف المحبوس احتياطيًّا، أو تنفيذًا لحكم جنائي غير نهائي من الحصول على نصف أجره خلال مدة حبسه، حال عودته للعمل، ولم تتقرر مسئوليته التأديبية، يخالف نصوص المواد (53 و95 و96) من الدستور، فقد أحالت أوراق الدعوى إلى هذه المحكمة للفصل في دستوريته.
وحيث إنه عن الدفع المبدى من هيئة قضايا الدولة بعدم اختصاص المحكمة الدستورية العليا بنظر الدعوى المعروضة، على سند من أن حقيقة المناعي الــتي أثــارهـــا حكـــم الإحالـة تنحـــل إلى طلب إضافـــة حكـــم جديـــد إلى النـــص المحـال، مما مقتضاه إلزام السلطة التشريعية بتعديل ذلك النص على النحو الذي يرتئيه، وهو ما يخرج عن اختصاص المحكمة الدستورية العليا، فإنه مردود بأن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الدستور كفل لكل حق أو حرية نص عليها، الحماية من جوانبها العملية، وليس من معطياتها النظرية، وتتمثل هذه الحماية في الضمانة التي يكفلها الدستور لحقوق المواطنين وحرياتهم، التي يعتبر إنفاذها شرطًا للانتفاع بها في الدائرة التي تصورها الدستور نطاقًا فاعلًا لها، وهذه الضمانة ذاتها هي التي يُفترض أن يستهدفها المشرع، وأن يعمل على تحقيقها من خلال النصوص القانونية التي ينظم بها هذه الحقوق وتلك الحريات، باعتبارها وسائله لكفالتها، وشرط ذلك - بطبيعة الحال - أن يكون تنظيمها كافلًا تنفسها في مجالاتها الحيوية، وأن يحيط بكل أجزائها التي لها شأن في ضمان قيمتها العملية، فإذا نظمها المشرع تنظيمًا قاصرًا؛ بأن أغفل أو أهمل جانبًا من النصوص القانونية التي لا يكتمل هذا التنظيم إلا بها، كان ذلك إخلالًا بضماناتها التي هيأها الدستور لها، وفي ذلك مخالفة لأحكامه.
متى كان ذلك، وكان النص المحال - وفق مؤدى حكم الإحالة - قد أخل بتنظيم إحدى الضمانات الجوهرية المقررة للموظف العام، بحرمانه من نصف أجره حـال حبسـه احتياطيًا، إذا ما انتفت مسئوليته الجنائية بصـورة نهائية ولـم تتقرر مسئوليته التأديبية عن الواقعــة التي حبس احتياطيًّا عنهــا، فإن ذلك مما يخــارج - بالكلية - مفهوم طلب استحداث تشريع، الممتنع خضوعه لرقابة قضائية على دستوريته؛ ومن ثم ينعقد الاختصاص بالفصل في دستورية هذا النص إلى هذه المحكمة، ويضحى الدفع بعدم اختصاصها بالفصل في دستوريته غير سديد، حقيقًا بالالتفات عنه.
وحيث إن نص المادة (64) من قانون الخدمة المدنية الصادر بالقانون رقم 81 لسنة 2016، يجرى على أنه كل موظف يُحبس احتياطيًّا أو تنفيذًا لحكم جنائي يُوقف عن عمله، بقوة القانون مدة حبسه، ويحرم من نصف أجره إذا كان الحبس احتياطيًّا أو تنفيذًا لحكم جنائي غير نهائي، ويُحرم من كامل أجره إذا كان الحبس تنفيذًا لحكم جنائي نهائي.
وإذا لم يكن من شأن الحكم الجنائي إنهاء خدمة الموظف يُعرض أمره عند عودته إلى عمله على السلطة المختصة لتقرير ما يتبع في شأن مسئوليته التأديبية.
وحيث إن المصلحة في الدعوى الدستورية، وهــي شــرط لقبولهــا، مناطها - على ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة - أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يؤثر الحكم في المسألة الدستورية على الطلبات المرتبطة بها، والمطروحة على محكمة الموضوع، ويستوي في شأن توافر المصلحة أن تكون الدعوى قد اتصلت بالمحكمة عن طريق الدفع، أو عن طريق الإحالة، والمحكمة الدستورية العليا هي وحدها التي تتحرى توافر شرط المصلحة في الدعوى الدستورية، للتثبت من شروط قبولها. بما مؤداه أن الإحالة من محكمة الموضوع إلى المحكمة الدستورية العليا لا تفيد بذاتها توافر المصلحة، بل يتعين أن يكون الحكم في المطاعن الدستورية لازمًا للفصل في النزاع المثار أمام محكمة الموضوع. متى كان ذلك، وكان النزاع المردد أمام محكمة الموضوع ينصب على طلب المدعي الحكم بأحقيته في صرف نصف أجره المحروم منه خلال مدة حبسه احتياطيًّا، وذلك لصدور حكم نهائي ببراءته من الاتهامات المسندة إليه، وكان حرمانه من صرف نصف أجره مرده إلى نص المادة (64) من قانون الخدمة المدنية الصادر بالقانون رقم 81 لسنة 2016؛ ومن ثم فإن الفصل في دستورية هذا النص يكون ذا أثر وانعكاس أكيد على الدعوى الموضوعية، وقضاء محكمة الموضوع فيها تتحقق به المصلحة المباشرة في الدعوى المعروضة، ويتحدد نطاقها فيما تضمنه نص الفقرة الأولى من المادة (64) من قانون الخدمة المدنية الصادر بالقانون رقم 81 لسنة 2016، من حرمان الموظف الذي يُحبس احتياطيًّا من نصف أجره عن مدة حبسه، في مجال سريانه على حالات انتفاء المسئولية الجنائية بحكم نهائي، أو قرار قضائي لا يجوز الطعن عليه.
وحيث إن النص المحال - في النطاق المتقدم - مؤداه أنه أقام قرينة قانونية قاطعة على ثبوت مخالفة الموظف الذي يُحبس احتياطيًّا لالتزامه الوظيفي، وخروجه على مقتضى واجبات وظيفته، بما يوجب مجازاته بجزاء تأديبي نهائي؛ هو الحرمان من نصف أجره خلال مدة حبسه، فلا يجوز سحبه، أو إلغاؤه، متى انتفت المسئولية الجنائية عن الفعل المنسوب إلى الموظف، بحكم نهائي، أو قرار قضائي لا يجوز الطعن عليه، حتى ولو لم يشكل الفعل في ذاته مخالفة تأديبية، مما تنتظمها أحكام المادة (63) من قانون الخدمة المدنية المشار إليه.
وحيث إن قضاء المحكمة الدستورية العليا قد اطرد على أن الدستور هو القانون الأعلى الذي يرسي القواعد والأصول التي يقوم عليها نظام الحكم، ويقرر الحريات والحقوق العامة، ويرتب الضمانات الأساسية لحمايتها، ويحدد لكل من السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية وظائفها وصلاحياتها، ويضع الحدود والقيود الضابطة لنشاطها، بما يحــول دون تدخـــل أي منهـــا في أعمال السلطة الأخرى أو مزاحمتها في ممارسة اختصاصاتها التي ناطها الدستور بها.
وحيث إن الدستور قد اعتمد بمقتضى نص المادة (4) منه مبدأ العدل، باعتباره إلى جانب مبدأي المساواة وتكافؤ الفرص، أساسًا لبناء المجتمع وصون وحدته الوطنية، يستلهمه المشرع وهو بصدد مباشرة سلطته في التشريع. وإذا كان الدستور- على ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة - قد خلا من تحديد معنى العدالة، فإن المقصود بها ينبغي أن يتمثل فيما يكون حقًّا وواجبًا، سواء في علائق الأفراد فيما بينهم، أو في نطاق صلاتهم بمجتمعهم، بما مؤداه أن العدالة- في غايتها - لا تنفصل علاقاتها بالقانون باعتباره أداة تحقيقها، فلا يكون القانون منصفًا إلا إذا كان كافلًا لأهدافها، فإذا ما زاغ المشرع ببصره عنها، وأهدر القيم الأصيلة التي تحتضنها، كان مُنهيًا للتوافق في مجال تنفيذه، ومسقطًا كل قيمة لوجوده، ومُستوجبًا تغييره أو إلغاءه.
وحيث إن الدساتير المصريـة المتعاقبة قـد عنيت بتنظيم الوظيفة العامـة، إذ حرص دستور 1923، ومن بعده دستور 1930 على أن يعهد للمصريين وحدهم بالوظائف العامة، مدنية كانت أو عسكرية، ولا يولى الأجانب هذه الوظائف إلا في أحوال استثنائية يعينها القانون، وأجمعت الدساتير الصادرة سنوات 1956 و1958 و1964، على أن الوظائف العامة تكليف للقائمين بها، ويستهدف موظفو الدولة في أداء أعمال وظائفهم خدمة الشعب، واعتبر دستور 1971 الوظائف العامة حقًّا للمواطنين، وتكليفًا للقائمين بها لخدمة الشعب، وتكفل الدولة حمايتهم، وقيامهم بأداء واجباتهم في رعاية مصالح الشعب، واتخذ دستور سنة 2014 - القائم - من الكفاءة، وعدم المحاباة أو الوساطة أساسًا لحق المواطنين في شغل الوظائف العامة، مع اعتبار شغلهم لها تكليفًا لخدمة الشعب، واعتد بكفالة الدولة حقوقهم وحمايتهم، فلا يجوز فصلهم بغير الطريق التأديبي، إلا في الأحوال التي يحددها القانون، مقابل التزامهم بأداء واجباتهم في رعاية مصالح الشعب - مبينًا فيما تقدم - الضوابط المتعينة في تنظيم الوظيفة العامة، بداية من طبيعة شغلها بين الحق والتكليف، مرورًا بشروط ذلك الشغل ونواهيه، انتهاء بحقوق الشاغلين لها والتزاماتهم، على نحو يضحى معه التزام التنظيم القانوني للوظيفة العامة تلك الضوابط مناطًا لدستوريته، فيما تكون مخالفتها موطئًا لوقوع تنظيمها في حومة العوار الدستوري.
وحيث إن النص على تنظيم القانون لحالات استحقاق التعويض، الذي تلتزم الدولة بأدائه عن الحبس الاحتياطي، أو عن تنفيذ عقوبة صدر حكم بات بإلغاء الحكم المنفذة بموجبه، الذي استحدثه دستور 2014 في المادة (54) منه، ضمن باب الحقوق والحريات والواجبات العامة، مؤداه أن التزام الدولة بالتعويض في الأحوال المار بيانها صار أمرًا مقضيًّا، يتربص صدور تشريع ينظم أحوال التعويض عن الحبس الاحتياطي، الذي تباشره السلطة القضائية في الدعاوى الجنائية، التي تنتفي فيها المسئولية الجنائية للمحبوس احتياطيًّا بصورة باتة، ولا كذلك الحال لمن حرمه تشريع يحكم علاقات وظيفية للمخاطبين بقانون الخدمة المدنية، المعدودة من علاقات القانون العام، من استئداء نصف أجره الوظيفي المحروم منه خلال مدة حبسه الاحتياطي، فيما لو انتفت مسئوليته الجنائية بصورة نهائية، عن الوقائع التي حُبس عنها، إذ يغدو استرداد الموظف نصف أجره الذي حُرم منه - والحال كذلك - بمثابة تعويض عما لحقه من خسارة، تلتزمه جهة عمل الموظف؛ إنفاذًا للالتزام المنصوص عليه بالمادة (54) من الدستور، فيما يكون حصوله على باقي عناصر التعويض - في حالات استحقاقه - رهنًا بصدور التشريع الذي عينه النص الدستوري ذاته، وإلا كان إقرار غير ذلك، افتئاتًا على التزام الدولة بحماية الملكية الخاصة، وصونها، المنصوص عليه بالمادتين (33 و35) من الدستور، وتفلتًا من تكامل أحكام الدستور، في وحدة عضوية متماسكة، على النحو الذي تضمنه نص المادة (227) من الدستور ذاته.
وحيث إن افتراض البــراءة -على ما استقر عليه قضــاء هذه المحكمةلا يتمحض عن قرينة قانونية، ولا هو من صورها؛ ذلك أن القرينة القانونية تقوم على تحويل للإثبات من محله الأصلي، ممثلاً في الواقعة مصدر الحق المدعى به، إلى واقعة أخرى قريبة منها متصلة به، وهذه الواقعة البديلة هي التي يُعد إثباتها إثباتًا للواقعة الأولى بحكم القانون. وليس الأمر كذلك بالنسبة إلى البراءة التي افترضها الدستور، فليس ثمة واقعة أحلها الدستور محل واقعة أخرى وأقامها بديلًا عنها، وإنما يؤسس افتراض البراءة على الفطرة التي جُبل الإنسان عليها، فقد ولد حرًّا مبرءًا من الخطيئة أو المعصية، ويفترض على امتداد مراحل حياته أن أصل البراءة ما زال كامنًا فيه، مصاحبًا له فيما يأتيه من أفعال، إلى أن تنقض محكمة الموضوع بقضاء جازم بات لا رجعة فيه هذا الافتراض.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن شرعية الجزاء -جنائيًّا كان أم مدنيًّا أم تأديبيًّا- مناطها أن يكـون متناسبًا مـع الأفعـال التي أثمها المشـرع، أو حظرها أو قيد مباشرتها، وأن الأصل في العقوبة هو معقوليتها، فلا يكون التدخل بها إلا بقدر لزومها، نأيًا بها أن تكون إيلامًا غير مبرر يؤكد قسوتها في غير ضرورة، ولا يجوز بالتالي أن تناقض -بمداها أو طرائق تنفيذها- القيم التي ارتضتها الأمم المتحضرة.
وحيث إن مفاد نص المادة (97) من الدستور، أن ضمان الدستور لحق التقاضي مؤداه: ألا يعزل الناس جميعهم، أو فريق منهم، أو أحدهم من النفاذ إلى جهة قضائية، تكفل بتشكيلها وقواعد تنظيمها ومضمون القواعد الموضوعية والإجرائية المعمول بها أمامها حدًّا أدنى من الـــحقوق، التـي لا يجوز إنكارها عمن يلجون أبوابها؛ ضمانًا لمحاكمتهم إنصافًا. وكان لحق التقاضي غاية نهائية يتوخاها، تمثلها الترضية القضائية التي يناضل المتقاضون من أجل الحصول عليها، لجبر الأضرار التي أصابتهم من جراء العدوان على حقوق يطلبونها، فإن أرهقها المشرع بقيود تعسر الحصول عليها، أو تحول دونها، كان ذلك إخلالًا بالحماية التي كفلها الدستور لهذا الحق. ولا ينفك عن حق التقاضي حق الدفاع أصالة، أو بالوكالة، الذي كفله أيضًا الدستور في المادة (98) منه، باعتبار أن ضمانة الدفاع لا يمكن فصلها أو عزلها عن حق التقاضي؛ ذلك أنهما يتكاملان ويعملان معًا في دائرة الترضية القضائية التي يعتبر اجتناؤها غاية نهائية للخصومة القضائية، فلا قيمة لحق التقاضي ما لم يكن متساندًا لضمانة الدفاع مؤكدًا لأبعادها، عاملًا من أجل إنفاذ مقتضاها. كذلك لا قيمة لضمانة الدفاع بعيدًا عن حق النفاذ إلى القضاء، وإلا كان القول بها، وإعمالها واقعًا وراء جدران صامتة.
وحيث إنه عن المناعي التي وجهها حكم الإحالة إلى النص المحال - في النطاق المحدد سلفًا - فإنها سديدة في جملتها؛ ذلك أن النص بما تضمنه من حرمان الموظف الذي يُحبس احتياطيًّا من نصف أجره على الرغم من انتفاء مسئوليته الجنائية بحكم بات، أو قرار قضائي لا يجوز الطعن عليه، إنما يفتئت على مبدأ العدالة، باعتبار أن التنظيم القانوني لأجر الموظف العام لا يقتصر- فقط - على ما يؤديه من أعمال وواجبات وظيفية، وإنما يتقرر ليستوفي الموظف العام متطلباته الاجتماعية، ويقوم على إشباع احتياجاته الأسرية، وهو ما أكده المشرع في العديد من الاستثناءات، التي قررها على قاعدة الأجر مقابل العمل، وهي استثناءات ترنو في مضمونها إلى تحقيق غاية أسمى من التطبيق التلقائي للقاعدة المار ذكرها، حاصلها الحرص على الجوانب الإنسانية والاجتماعية والأسرية للموظف العام، من خلال منحه راتبه كاملًا، متى ثبت أن انقطاعه عن العمل كان لسبب يخرج عن إرادته، كما أن النص المحال افتقر إلى ضمانة جوهرية مقررة لشاغلي الوظائف العامة؛ هى حصوله على كامل أجره كلما كان مهيأً لأداء العمل المنوط به، دون أن ينال من هذه الضمانة عدم أدائه العمل لحبسه احتياطيًّا، مادامت قد انتفت مسئوليته الجنائية بصورة نهائية عن ارتكاب الفعل الذي نُسب إليه، ليغدو إهدار الضمانة السالف بيانها إخلالًا من النص المحال بكفالة الدولة لحقوق شاغلي الوظائف العامة، والتفاتًا منه على ما أضفاه الدستور عليها من حماية، فضلًا عن أن النص المحال قد اتخذ من حبس الموظف احتياطيًّا قرينة قانونية قاطعة على ثبوت إخلاله بالتزامه الوظيفي، دون مراعاة لانتفاء الرابطة المنطقية بين الأمرين، مادامت قد انتفت عن الموظف المسئولية الجنائية بصورة نهائية، مما يكون معه النص المحال قد أخل بأصل البراءة، التي توثقها حجية الشيء المحكوم فيه، أو الأمر المقضي به، بحسب الأحوال.
وحيث إن النص المحال قد قوض حق الموظف العام الذي يُحبس احتياطيًّا، وتنتفي مسئوليته الجنائية على نحو نهائي، في المطالبة باسترداد نصف أجره الذي حرم منه خلال مدة حبسه، جبرًا للضرر المادي محقق الوقوع الذي أصابه، فإن ذلك مما يُشكل إهدارًا لأصل البراءة، وعدوانًا على استقــلال القضاء والحق في التقاضي، وحق الدفاع المعدود من بين روافده، وتعطيلًا للحق في التعويض عن الحبس الاحتياطي الذي تلتزم به الدولة. يُضاف إلى ما تقدم، أن حرمان الموظف من استرداد نصف أجره إنما يُشكل افتئاتًا على الملكية الخاصة؛ ومن ثم يكون النص المحال قد جاء مخالفًا للمواد (4 و14 و33 و35 و54 و95 و96 و97 و98 و184) من الدستور، مما لزامه القضاء بعدم دستوريته.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم دستورية نص الفقرة الأولى من المادة (64) من قانون الخدمة المدنية الصادر بالقانون رقم 81 لسنة 2016، فيما تضمنه من حرمان الموظف الذي يُحبس احتياطيًّا من نصف أجره عن مدة حبسه، في مجال سريانه على حالات انتفاء المسئولية الجنائية بحكم نهائي، أو قرار قضائي لا يجوز الطعن عليه.

الطعن 7 لسنة 20 ق جلسة 6/ 5/ 2000 دستورية عليا مكتب فني 9 تنازع ق 18 ص 1210

جلسة 6 مايو سنة 2000

برئاسة السيد المستشار/ محمد ولي الدين جلال - رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: ماهر البحيري ومحمد علي سيف الدين وعدلي محمود منصور ومحمد عبد القادر عبد الله وعلي عوض محمد صالح وأنور رشاد العاصي، وحضور السيد المستشار/ عبد الوهاب عبد الرازق حسن - رئيس هيئة المفوضين، وحضور السيد/ ناصر إمام محمد حسن - أمين السر.

----------------

قاعدة رقم (18)
القضية رقم 7 لسنة 20 قضائية "تنازع"

1 – دعوى فض تناقض الأحكام النهائية "مناط قبولها: اختلاف جهات القضاء".
مناط قبول هذه الدعوى هو أن يكون أحد الحكمين صادراً من إحدى جهات القضاء أو هيئة ذات اختصاص قضائي والآخر من جهة أخرى منها، وأن يكونا قد حسما موضوع النزاع وتناقضا بحيث يتعذر تنفيذهما معاً.
2 - دعوى فض تناقض الأحكام النهائية "الحكم الأولي بالتنفيذ".
المفاضلة بين الحكمين المتناقضين لتحديد أولاهما بالتنفيذ تتم على أساس ما قرره المشرع من قواعد توزيع الولاية بين جهات القضاء المختلفة.
3 - مجلس الدولة "محاكم تأديبية".
المحاكم التأديبية هي صاحبة الولاية العامة بالفصل في مسائل تأديب العاملين في القطاع العام ومنها الطعن في الجزاء التأديبي إلغاء وتعويضاً - اختصاص المحكمة التأديبية بالطعن في القرار الصادر بإلزام العامل بقيمة ما تحملته جهة عمله من أعباء مالية بسبب التقصير المنسوب إليه.

-----------------
1 - مناط قبول طلب الفصل في النزاع الذي يقوم بشأن تنفيذ حكمين نهائيين متناقضين طبقاً للبند ثالثاً من المادة 25 من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، هو أن يكون أحد الحكمين صادراً من أي جهة من جهات القضاء أو هيئة ذات اختصاص قضائي والآخر من جهة أخرى منها، وأن يكونا قد حسما موضوع النزاع وتناقضا بحيث يتعذر تنفيذهما معاً.
2 - جرى قضاء المحكمة على أن المفاضلة التي تجريها المحكمة بين الحكمين النهائيين المتناقضين، لتحدد على ضوئها أيهما أحق بالاعتداد به عند التنفيذ؛ إنما يتم على أساس ما قرره المشرع من قواعد لتوزيع الولاية بين جهات القضاء المختلفة.
3 - الدستور إذ عهد - في المادة 172 - إلى مجلس الدولة - كهيئة قضائية مستقلة بالفصل في المنازعات، والدعاوى التأديبية، فقد دل بذلك على أن ولايته في شأنها هي ولاية عامة، وأنه أضحى قاضي القانون العام بالنسبة إليها، ووفقاً لأحكام قانون مجلس الدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1972 فقد أصبحت المحاكم التأديبية هي صاحبة الولاية العامة بالفصل في مسائل تأديب العاملين بالقطاع العام، ومن ثم فإن ولايتها هذه كما تشمل الدعوى التأديبية المبتدأة التي تختص فيها المحكمة بتوقيع الجزاء التأديبي، فهي تشمل أيضاً الطعن في أي جزاء تأديبي على النحو الذي فصلته نصوص قانون مجلس الدولة؛ وفضلاً عن ذلك فإن اختصاص المحاكم التأديبية بالفصل في هذه الطعون الأخيرة لا يقتصر على طلب إلغاء الجزاء المطعون فيه بل يشمل كذلك طلب التعويض عن الأضرار المترتبة عليه وغير ذلك من الطلبات المرتبطة بالطعن ومن بينها طلب إلغاء القرار الصادر بإلزام العامل بقيمة ما تحملته جهة عمله من أعباء مالية بسبب التقصير المنسوب إليه، ذلك أن هذا القرار وإن لم يكن في ذاته من الجزاءات التأديبية المقررة قانوناً إلا أنه يرتبط ارتباط الأصل بالفرع إذ يستند كلا الطلبين إلى أساس واحد هو مدى مشروعية القرار المطعون فيه.


الإجراءات

بتاريخ 15 من إبريل سنة 1998، أودع المدعي قلم كتاب المحكمة صحيفة الدعوى الماثلة، طالباً القضاء بوقف تنفيذ الحكم الصادر من محكمة استئناف الإسكندرية في الاستئناف رقم 1583 لسنة 51 قضائية، وفي الموضوع بالاعتداد بالحكم الصادر من المحكمة التأديبية بالإسكندرية في الطعن رقم 366 لسنة 33 قضائية، دون الحكم الأول.
وقدم المدعى عليه مذكرة طلب فيها عدم قبول الدعوى.
وبتاريخ 3/ 6/ 1998 قرر السيد المستشار رئيس المحكمة وقف تنفيذ الحكم الصادر من محكمة استئناف الإسكندرية.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونُظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع - على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - تتحصل في أن المدعي إبان عمله في فرع بنك مصر بالدخيلة بالإسكندرية اتُهِمَ وآخرون في واقعتي تزوير واختلاس مبلغ عشرة آلاف جنيه من ذلك البنك، وانتهى التحقيق الجنائي إلى أنه لا وجه لإقامة الدعوى الجنائية لعدم معرفة الفاعل والاكتفاء بمجازاة المدعي إدارياً لما نسب إليه، فأصدر البنك قراراً بمجازاته بخصم خمسة عشر يوماً من راتبه وتحميله نصف المبلغ المختلس وقدره خمسة آلاف جنيه، فأقام المدعي طعناً على هذا القرار قيد برقم 366 لسنة 33 قضائية أمام المحكمة التأديبية بالإسكندرية، فقضت المحكمة بجلستها المعقودة في 15/ 2/ 1997 بقبول الطعن شكلاً وبرفضه بالنسبة لقرار الجزاء وبطلان تحميل الطاعن بالمبلغ المشار إليه، ومن جهة أخرى كان البنك المدعى عليه قد أقام الدعوى رقم 8029 لسنة 1992 مدني أمام محكمة الإسكندرية الابتدائية طالباً الحكم بإلزام المدعي وآخر بأن يؤديان إليه مبلغ عشرة آلاف جنيه تعويضاً عما أصابه من ضرر في واقعتي التزوير والاختلاس المشار إليهما، وإذ قضت المحكمة برفض الدعوى فقد طعن البنك على هذا الحكم بالاستئناف رقم 1583 لسنة 51 قضائية أمام محكمة استئناف الإسكندرية فقضت بجلسة 29/ 5/ 1996بإلغاء الحكم المستأنف وإلزام المستأنف عليهما بأن يؤديا متضامنين للبنك المستأنف مبلغ عشرة آلاف جنيه وفوائده القانونية، وإذ ارتأى المدعي أن الحكمين النهائيين الصادر أحدهما من المحكمة التأديبية والآخر من جهة القضاء العادي، قد تناقضا فيما بينهما، وتعذر تنفيذهما معاً، فقد أقام هذه الدعوى بغية فض التناقض.
وحيث إن مناط قبول طلب الفصل في النزاع الذي يقوم بشأن تنفيذ حكمين نهائيين متناقضين طبقاً للبند ثالثاً من المادة 25 من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، هو أن يكون أحد الحكمين صادراً من أي جهة من جهات القضاء أو هيئة ذات اختصاص قضائي والآخر من جهة أخرى منها، وأن يكونا قد حسما موضوع النزاع وتناقضا بحيث يتعذر تنفيذهما معاً. متى كان ذلك، وكان البين من الأوراق أن محكمة استئناف الإسكندرية قضت في الاستئناف رقم 1583 لسنة 51 قضائية بإلزام المدعي وآخر بأن يؤديا للبنك المستأنف مبلغ عشرة آلاف جنيه تعويضاً للبنك المذكور عما أصابه من ضرر نتيجة ما ثبت في حق المذكورين من خطأ في واقعتي التزوير والاختلاس محل النزاع، بينما قضى الحكم الصادر من المحكمة التأديبية بالإسكندرية في الطعن رقم 366 لسنة 33 قضائية ببطلان تحميل المدعي بما يخصه من هذا المبلغ، فإن هذين الحكمين يكونان قد اتحدا نطاقاً، وتناقضا، وغدا إنفاذ قضائهما معاً متعذراً، وبالتالي فإن مناط التناقض يكون متحققاً.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن المفاضلة التي تجريها المحكمة بين الحكمين النهائيين المتناقضين، لتحدد على ضوئها أيهما أحق بالاعتداد به عند التنفيذ؛ إنما يتم على أساس ما قرره المشرع من قواعد لتوزيع الولاية بين جهات القضاء المختلفة.
وحيث إن الدستور إذ عهد - في المادة 172 - إلى مجلس الدولة - كهيئة قضائية مستقلة بالفصل في المنازعات، والدعاوى التأديبية، فقد دل بذلك على أن ولايته في شأنها هي ولاية عامة، وأنه أضحى قاضي القانون العام بالنسبة إليها، ووفقاً لأحكام قانون مجلس الدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1972 فقد أصبحت المحاكم التأديبية هي صاحبة الولاية العامة بالفصل في مسائل تأديب العاملين بالقطاع العام، ومن ثم فإن ولايتها هذه كما تشمل الدعوى التأديبية المبتدأة التي تختص فيها المحكمة بتوقيع الجزاء التأديبي، فهي تشمل أيضاً الطعن في أي جزاء تأديبي على النحو الذي فصلته نصوص قانون مجلس الدولة؛ وفضلاً عن ذلك فإن اختصاص المحاكم التأديبية بالفصل في هذه الطعون الأخيرة لا يقتصر على طلب إلغاء الجزاء المطعون فيه بل يشمل كذلك طلب التعويض عن الأضرار المترتبة عليه وغير ذلك من الطلبات المرتبطة بالطعن ومن بينها طلب إلغاء القرار الصادر بإلزام العامل بقيمة ما تحملته جهة عمله من أعباء مالية بسبب التقصير المنسوب إليه، ذلك أن هذا القرار وإن لم يكن في ذاته من الجزاءات التأديبية المقررة قانوناً إلا أنه يرتبط ارتباط الأصل بالفرع إذ يستند كلا الطلبين إلى أساس واحد هو مدى مشروعية القرار المطعون فيه.
وحيث إنه متى كان ذلك وكان الحكم الصادر من جهة القضاء العادي قد قضى بإلزام المدعي بتعويض البنك المدعى عليهم عما أصابه من ضرر نتيجة المخالفة التأديبية المنسوبة للأول، فإنه يكون قد سلب اختصاصاً محجوزاً للمحاكم التأديبية ومن ثم يكون الحكم الصادر من الجهة الأخيرة هو الأحق بالاعتداد به.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بالاعتداد بالحكم النهائي الصادر من المحكمة التأديبية بالإسكندرية في الطعن رقم 366 لسنة 33 قضائية.

الأحد، 19 نوفمبر 2023

اَلْمَادَّة (138) : شَرْطُ حُصُولِ اَلْمُدَرِّبِينَ عَلَى تَرْخِيصٍ

 عودة الى صفحة وَسِيطُ اَلْجُمَلِ فِي اَلتَّعْلِيقِ عَلَى قَانُونِ اَلْعَمَلِ


المادة (138)

يشترط في المدربين الذين يزاولون أعمال التدريب المهني أن يرخص لهم بذلك من الوزارة المختصة.

ويصدر الوزير المختص قرارا بتحديد شروط وقواعد وإجراءات منح الترخيص، وحالات إلغائه.

ويعد بالوزارة المختصة سجل لقيد المدربين المرخص لهم، يتم التأشير فيه بحالات إلغاء التراخيص.

 

التطور التاريخي للنص :

هذا النص مستحدث لا مقابل له في قانون العمل رقم ١٣٧ لسنة ١٩٨١ والمنشور بتاريخ ١٣ /٨ /١٩٨١ ، ولا في قانون العمل رقم ٩١ لسنة ١٩٥٩ والمنشور بتاريخ ٧ /٤/ ١٩٥٩.

 

الأعمال التحضيرية : (1)

المقرر : "مادة ١٣٨ : يشترط في المدربين الذين يزاولون أعمال التدريب المهني أن يرخص لهم بذلك من الوزارة المختصة. ويصدر الوزير المختص قرارا بتحديد شروط وقواعد وإجراءات منح الترخيص، وحالات سحبه وإلغاءه. ويعد بالوزارة المختصة سجل لقيد المدربين المرخص لهم يتم التأشير فيه بحالات سحب التراخيص وإلغائها.

رئيس المجلس: هل لأحد من حضراتكم ملاحظات على هذه المادة؟

السيد العضو عادل عبد المقصود على عيد: مكتوب في نهاية الفقرة الثانية عبارة " .. وحالات سحبه وإلغاءه" ، والصحيح " إلغائه" الهمزة هنا تكتب على " ياء" ولا تكتب على السطر .

رئيس المجلس: ويصدر الوزير المختص قرارا بتحديد شروط وقواعد إجراءات منح الترخيص، وحالات سحبه وإلغائه ، وهذا هو الصواب لأنها معطوف على مجرور.

السيد العضو المستشار حنا ناشد مينا حنا: سبق للمجلس الموقر أن أقر ذلك بالنسبة ...

رئيس المجلس: وحالات إلغائه وليس سحبه..

السيد العضو المستشار حنا ناشد مينا حنا: نعم، وحالات إلغائه وليس سحبه بالنسبة للتراخيص ...

رئيس المجلس: وحالات إلغائه ، لأن سحبه معروفة وفقا للقواعد العامة..

السيد العضو المستشار حنا ناشد مينا حنا: التي تمنح للأجانب ..

رئيس المجلس: والآن، هل هناك ملاحظات أخرى على هذه المادة؟

(لم تبد ملاحظات)

إذن، سأعرض الاقتراحين المقدمين في شأن هذه المادة لأخذ الرأي عليهما . الاقتراح الأول : مقدم من السيد العضو عادل عيد وهو تعديل لغوي مؤداه استبدال عبارة " إلغائه" بعبارة " إلغاءه" . الموافق على هذا الاقتراح ، يتفضل برفع يده .

)موافقة(

رئيس المجلس: الاقتراح الثاني : مقدم من السيد العضو المستشار حنا ناشد مينا ويقضي بشطب عبارة "سحبه " الواردة في نهاية الفقرة الثانية. الموافق على ذلك يتفضل برفع يده .

)موافقة(

رئيس المجلس: إذن ، ليتفضل السيد المقرر بتلاوة المادة ١٣٨ معدلة لأخذ الرأي عليها.

المقرر : "مادة ١٣٨ : يشترط في المدربين الذين يزاولون أعمال التدريب المهني أن يرخص لهم بذلك من الوزارة المختصة. ويصدر الوزير المختص قرارا بتحديد شروط وقواعد وإجراءات منح الترخيص، وحالات إلغائه. ويعد بالوزارة المختصة سجل لقيد المدربين المرخص لهم يتم التأشير فيه بحالات سحب التراخيص وإلغائها".

رئيس المجلس: الموافق من حضراتكم على المادة ١٣٨ معدلة - ليتفضل برفع يده .

)موافقة(




(1) مضبطة الجلسة الحادية والعشرين لمجلس الشعب الفصل التشريعي الثامن دور الانعقاد العادي الثالث المعقودة مساء يوم الأحد ٩ من ذى القعدة سنة ١٤٢٣ ه الموافق ١٢ من يناير سنة ٢٠٠٣ م.