جلسة 13 من ديسمبر سنة 1958
برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة السيد إبراهيم الديواني وحسن أبو علم ومحيى الدين حسن وعلي إبراهيم بغدادي المستشارين.
---------------
(27)
القضية رقم 830 لسنة 3 القضائية
(أ) موظف
- موظفو مجلسي البرلمان - استقلال كل من مجلسي البرلمان بوضع ميزانيته والنظم الخاصة بموظفيه - عدم تدخل السلطة التنفيذية في ذلك - مرد هذا إلى أصل دستوري هو مبدأ الفصل بين السلطات.
(ب) ديوان الموظفين
- اختصاصات ديوان الموظفين المنصوص عليها في القانون رقم 190 لسنة 1951 المعدل بالمرسوم بقانون رقم 78 لسنة 1952 والمرسوم بقانون رقم 158 لسنة 1952 - المادة الثانية من القانون رقم 210 لسنة 1951 - نصها على تبعية مراقبي ومديري ورؤساء المستخدمين ووكلائهم بالوزارات والمصالح ما عدا ديوان المحاسبة لديوان الموظفين ودرج وظائفهم بميزانيته - مجال مباشرة اختصاصات ديوان الموظفين هو الوزارات والمصالح التي تقوم عليها السلطة التنفيذية - رؤساء المستخدمين ووكلاؤهم بمجلس البرلمان - لا يتبعون ديوان الموظفين بل يتبعون مجالسهم - لا يغير من ذلك حل البرلمان وإلغاء الدستور - نقل وظيفتي رئيس ووكيل المستخدمين بمجلس النواب إلى ديوان الموظفين لا ينتج أثره إلا من تاريخ نفاذه.
إجراءات الطعن
في 19 من يوليه سنة 1957 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة طعناً في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (الهيئة الثالثة) بجلسة 25 من أبريل سنة 1957 في الدعوى رقم 2036 لسنة 2 القضائية المرفوعة من وزارة المالية والاقتصاد ضد نجيب العشري, الذي قضى "بقبول الاستئناف شكلاً, وفي الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف, وبعدم قبول الدعوى, وبإلزام المدعى عليه بالمصروفات". وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين - للأسباب التي استند إليها في صحيفة الطعن - الحكم "بقبول الطعن شكلاً, وفي الموضوع إلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من إلغاء الحكم المستأنف, وبعدم قبول الدعوى, وإلزام المدعى عليه بالمصروفات, والقضاء بتعديل حكم المحكمة الإدارية إلى أحقية المدعي في رد أقدميته في الدرجة الرابعة إلى 27 من يونيه سنة 1953 تاريخ صدور القرار المطعون فيه, وما يترتب على ذلك من آثار, وإلزام الحكومة بالمصروفات". وقد أعلن الطعن للحكومة في 14 من أكتوبر سنة 1957. وللخصم في 16 منه, وعين لنظره جلسة أول نوفمبر سنة 1958, وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من الإيضاحات, ثم أرجأت النطق بالحكم لجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة - حسبما يبين من الأوراق - تتحصل في أنه في 12 من يناير سنة 1954 قدم السيد/ نجيب العشري تظلماً إلى اللجنة القضائية لوزارة المالية وديوان الموظفين ضد ديوان الموظفين قيد برقم 771 لسنة 2 القضائية طلب فيه إلغاء قرار الديوان الصادر في 27 من يونيه سنة 1953 بترقية السيدين مصطفى علي حسن وأحمد لطفي السيد إلى الدرجة الرابعة وأحقية المتظلم في هذه الترقية اعتباراً من هذا التاريخ وما يترتب على ذلك من آثار, وقال في بيان ذلك إن المادة الثالثة من القانون رقم 210 لسنة 1951 قضت بأن يكون رؤساء ووكلاء المستخدمين بالمصالح عدا ديوان المحاسبة تابعين لديوان الموظفين من أول يوليه سنة 1952 بدء السنة المالية. ولما كان المتظلم يشغل وظيفة وكيل قلم المستخدمين بسكرتيرية مجلس النواب فهو يتبع ديوان الموظفين بقوة القانون اعتباراً من أول يوليه سنة 1952, وتسري على حالته أقدمية الديوان في الكادر الإداري الخاص بالمصالح, وفي 27 من يونيه سنة 1953 رقي السيدان مصطفى علي حسن وأحمد لطفي السيد وكانا يليان المتظلم في الأقدمية؛ إذ ترجع أقدمية أولهما في الدرجة الخامسة إلى 31 من أغسطس سنة 1950, وثانيهما إلى أول نوفمبر سنة 1950, بينما ترجع أقدمية المتظلم في تلك الدرجة إلى 16 من أغسطس سنة 1950, ولما كان يعلم علم اليقين بقرار الترقية سالف الذكر إلا في تاريخ تقديمه التظلم فإنه يبادر إلى التظلم طالباً إلغاء القرار المذكور وأحقيته في الترقية من تاريخ صدور القرار. وقد رد ديوان الموظفين على التظلم, فدفع: أولاً - بعدم اختصاص اللجنة القضائية لوزارة المالية والاقتصاد بنظر التظلم لرفعه على غير ذي صفة لانتفاء العلاقة بين المتظلم والديوان؛ إذ أنه كان وما زال تابعاً لمجلس النواب, ولم يتبع الديوان وقت نشأة النزاع ونظره, ثم دفع الديوان بعدم قبول التظلم لرفعه بعد الميعاد؛ ذلك أن حركة الترقيات المطعون فيها اعتمدها رئيس الديوان في 27 من يونيه سنة 1953, وأعلنت في نشرة رسمية بالديوان في 30 من يونيه سنة 1953, وعلقت في لوحة الإعلانات المعدة لذلك في 7 من يوليه سنة 1953, واستمر إعلانها باللوحة حتى 5 من أغسطس سنة 1953, ولما كان المتظلم لم يتقدم إلى اللجنة القضائية بتظلمه إلا في 12 من يناير سنة 1954, أي بعد انقضاء أكثر من ستة أشهر على تاريخ نشر القرار؛ من ثم يكون التظلم قد رفع بعد الميعاد. وفي الموضوع رد الديوان بأن المادة الثالثة من القانون رقم 210 لسنة 1951 تقضي بأن يكون مراقبو ومديرو ورؤساء المستخدمين ووكلاؤهم بالوزارات والمصالح ما عدا ديوان المحاسبة تابعين لديوان الموظفين, ولما كان البرلمان بمجلسيه ليس بوزارة أو مصلحة, بل هو هيئة تشريعية أوجدها الدستور الملغي؛ لها نظمها الخاصة؛ فمن ثم لا يعتبر المتظلم تابعاً لديوان الموظفين, كما لم يصدر قرار إداري يحدد علاقته به, وليست له أقدمية في سجلات الديوان, بل إن أقدميته مرتبة فعلاً في سجلات مجلس النواب, وتتقرر حقوقه في إجراء حركات الترقيات بين موظفي هذه الهيئة؛ يؤيد ذلك أنه رقي فعلاً إلى الدرجة الرابعة بحركة الترقيات التي أجريت بمجلس النواب في 29 من أبريل سنة 1954. وخلص الديوان من ذلك إلى أن التظلم قائم على غير أساس سليم من القانون. ورد المدعي على دفاع الديوان بمذكرة قال فيها: إنه بالنسبة لما دفع به الديوان من عدم قبول الدعوى فإن المادة 138 من القانون رقم 210 لسنة 1951 تحكم كيفية إخطار الموظفين بالقرارات, فقضت بنشرها في نشرة رسمية توزع على الجهات المختصة ليعلم بها الفريق الذي يزاول عمله خارج مبنى الوزارة أو المصلحة, كما قضت بتعليق هذه القرارات في لوحة لإخطار فريق موظفي الديوان العام, ولما كان المدعي من الفريق الأول فإنه يتحدى الديوان أن يثبت أنه قام بتوزيع نشرة تتضمن القرار المطعون فيه إلى الجهات المختصة, ومنها إدارة المستخدمين بسكرتيرية مجلس النواب, ثم قال المدعي بعد ذلك بالنسبة للموضوع: إن الهيئة التشريعية التي يتحدث عنها الديوان هي الهيئة النيابية وتشمل الشيوخ والنواب, أما السكرتيرية فشيء أخر يتكون من موظفين حكوميين مثلهم كمثل سكرتيرية مجلس الوزراء, على أن تبعية المدعي للديوان كانت محل بحث شعبة الشئون الداخلية والسياسية, وقد أفتت بتبعيته للديوان. وقد استطلع المجلس رأي الديوان في التبعية, فأرسل الديوان صورة فتوى الشعبة, فوافق المجلس على تبعيته للديوان, وأما ما يتعلل به الديوان من أن درجته لم تنقل إليه, ولم يصدر قرار إداري بتبعيته للديوان, كما أنه ليس له أقدمية في سجلات الديوان, ففضلاً عن أن في هذا القول اعترافاً من الديوان بتقصيره في مدى تعرفه على الموظفين التابعين له, فإنه سبق أن تعلل بأمثال هذه العلل في تظلمات سابقة أمام اللجنة القضائية, وقد قضت برفضها, وأيدتها الشعبة المختصة في ذلك, وأما عن ترقية المدعي بمجلس النواب, فيقول: إن هذه الترقية تمت قبل أن يبت الديوان في أمر تبعيته له, ثم صمم المدعي على طلباته. وبجلسة 16 من فبراير سنة 1955 حكمت المحكمة الإدارية لوزارات المالية والتجارة والزراعة والتموين "برفض الدفع بعدم الاختصاص والدفع بعدم القبول, وإلغاء القرار الصادر في 27 من يونيه سنة 1953 بترقية السيدين مصطفى علي حسن وأحمد لطفي السيد فيما تضمنه من تخطي المدعي في الترقية إلى الدرجة الرابعة, مع ما يترتب على ذلك من آثار", وقد قررت المحكمة فيما يتعلق بالدفع بعدم الاختصاص ضمه إلى الموضوع لارتباطه به, وقالت بالنسبة للدفع بعدم قبول الدعوى: "إن الديوان لا ينكر أنه لم يرسل نشرة بالقرار المطعون فيه إلى إدارة المستخدمين لمجلس النواب باعتبار أن هذه الإدارة غير تابعة له"؛ ومن ثم "فيكون المدعي على غير علم بالقرار المطعون فيه, ويكون دفع الديوان بعدم قبول الدعوى على غير أساس سليم من القانون...". وبالنسبة للموضوع قالت المحكمة: "إن موظفي البرلمان سواء قبل إلغاء الدستور أو بعده موظفون عموميون, فهم لذلك يخضعون من حيث تعيينهم وترقياتهم وأجازاتهم وتأديبهم لما يخضع له سائر موظفي الدولة, وتسري في شأنهم كافة القواعد التنظيمية لعلاقة الدولة بموظفيها. وتفريعاً على ما تقدم فإنه كلما عن للدولة تحقيقاً للصالح العام أن تغير من القواعد التي تنظم علاقاتها بموظفيها, وأنفذت ذلك, سرت هذه القواعد الجديدة من تلقاء نفسها على موظفي البرلمان, فإذا رؤى أنه من الصالح العام تتبع رؤساء ووكلاء المستخدمين بالوزارات والمصالح لديوان الموظفين, ونص القانون رقم 210 لسنة 1951 على ذلك في مادته الثالثة, فإنه ينبغي تتبع مثل هؤلاء الموظفين بمكتب مجلسي البرلمان لديوان الموظفين ودرج وظائفهم بميزانيته". وأن مفهوم المادة الثالثة من القانون رقم 210 لسنة 1951 التي تقضي بتتبع مراقبي ومديري ورؤساء المستخدمين ووكلاؤهم بالوزارات والمصالح ما عدا ديوان المحاسبة لديوان الموظفين "أن هؤلاء الموظفين يتبعون إلى الديوان بمقتضى القانون, أي من أول يوليه سنة 1952, ولا عبرة بنقل درجاتهم في الميزانية؛ لأن هذا النقل يعتبر عملاً إدارياً لا يستطيع أن يخالف أحكام قانون قائم, وكان يجب على الديوان أن يدرج وظفيه المدعي في ميزانيته تنفيذاً للقانون"؛ ومن ثم "فإن إغفال ترقية المدعي في القرار المطعون فيه إنما كان بسبب خطأ الديوان الناتج من عدم نقل درجته مما يعيب القرار المطعون فيه ويبطله لمخالفته للقانون". ولما كان "الديوان لم ينكر على المدعي أقدميته وأنه يسبق المطعون في ترقيتهما", ولما كان "المدعي قد رقى إلى الدرجة الرابعة في 29 من أبريل سنة 1954", فإن دعواه "تكون قائمة على أساس سليم من القانون متعيناً قبولها". وبصحيفة أودعت سكرتيرية محكمة القضاء الإداري في 3 من مايو سنة 1955 طعنت الحكومة في حكم المحكمة الإدارية سالف الذكر طالبة إلغاءه للأسباب التي وردت بدفاع ديوان الموظفين حسبما سلف البيان. وبجلسة 25 من أبريل سنة 1957 حكمت المحكمة بقبول الاستئناف شكلاً, وفي الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف, وبعدم قبول الدعوى, وبإلزام المدعي بالمصروفات". وأقامت المحكمة قضاءها بالنسبة للدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها بعد الميعاد على "أن النشر بالصورة التي تم بها لا يدخل في عداد النشر الذي قصدته المادة 12 من القانون رقم 9 لسنة 1949 الخاص بمجلس الدولة؛ ومن ثم لا يجري من تاريخه العلم الذي يبدأ منه ميعاد الطعن وذلك حسبما جرى عليه قضاء هذه المحكمة؛ ومن ثم يكون هذا الدفع غير صائب, ويكون رفض الدفع من جانب المحكمة الإدارية في محله متعيناً تأييده". وبالنسبة للموضوع على أنه "من المسلم به في هذه الدعوى أنه طبقاً للائحة الداخلية لمجلس النواب كان يطبق على موظفيه ومستخدميه وخدمة فئات الكادر العام وأحكامه وقواعده التي تسري على موظفي الحكومة الداخلين في هيئة العمال والخدمة الخارجين عن هيئة العمال, ولم يكن سريان الكادر العام على موظفي مجلس النواب وغيرهم ممن سبق ذكرهم مصدره الكادر العام بل كان طبقاً لما تقرر في اللائحة الداخلية لمجلس النواب؛ الأمر الذي يستشف منه مراعاة مبدأ فصل السلطات بعدم تدخل السلطة التنفيذية في أعمال السلطة التشريعية والتي من أجلها قضت المادة 119 من الدستور الملغي بأن يضع كل مجلس لائحته الداخلية مبيناً فيها طريقة السير في تأدية أعماله", وأن المادة الثالثة من القانون رقم 210 لسنة 1951 "قد خلت من النص على موظفي البرلمان؛ ومن ثم فإنه لا تسري نصوصه على موظفي البرلمان مع قيام المادة 119 من الدستور المغلي وقت العمل بهذا القانون, وإنما تسري عليهم ما نصت عليه اللائحة الداخلية صراحة أو بطريق الإحالة", وأنه "يبدو من طبيعة إنشاء ديوان الموظفين إلحاقه بوزارة المالية ثم تحديد اختصاصه بما سبق, وأنه لا اختصاص له في شئون موظفي البرلمان طبقاً للدستور الملغي, كما لا يكون له اختصاص في شئون مجلس الأمة الذي يضع لائحته الداخلية لتنظيم كيفية أداء أعماله طبقاً لحكم المادة 86 من دستور الجمهورية المصرية, والقول بعكس هذا معناه تدخل السلطة التنفيذية في شئون السلطة التشريعية بقدر ما, ولا يعقل ألا تسري أحكام المادة 3 من القانون رقم 210 لسنة 1951 على ديوان المحاسبة مع سريانها على مجلسي البرلمان قبل سقوط دستور سنة 1923 , وعلى مجلس الأمة بعد صدور دستور الجمهورية المصرية", وأن "المادة 3 من القانون رقم 210 لسنة 1951 وقد نصت على الوزارات والمصالح فإنها لا تسري على البرلمان أو مجلس الأمة مهما اتسع مدى لفظها, وسقوط البرلمان بسقوط دستور سنة 1923 قد استدعى - علاجاً لهذا الوضع - صدور قرار مجلسي الوزراء في 17 من ديسمبر سنة 1952 بإلحاق سكرتيرتي مجلس الشيوخ والنواب برياسة مجلس الوزراء, على أن يكون رئيس مجلس الوزراء الجهة التي تتولى بالنسبة لشئونهما السلطات التي كانت مخولة أصلاً لرئيس وهيئة مكتب كل منهما, ولا يجوز أن يفسر قرار مجلس الوزراء المشار إليه بأكثر مما ورد فيه, ويتمشى هذا القرار مع المادة 9 من الإعلان الدستوري الصادر في 10 من فبراير سنة 1953 التي قضت بأن يتولى مجلس الوزراء سلطته التشريعية", وأن "النظر المتقدم ذكره قد تأيد بما اتخذ فعلاً من إجراءات؛ حيث رقى المدعي إلى الدرجة الرابعة الإدارية بالقرار رقم 1728 الصادر في 29 من أبريل سنة 1954 من وزير الدولة, ومن أن درجتي مدير المستخدمين ووكيله بكل من مجلسي الشيوخ والنواب قد طلب نقلهما إلى ميزانية الديوان اعتباراً من السنة المالية 1954/ 1955 ولم ينقلا من قبل ولم يكونا من درجات ديوان الموظفين في وقت صدور القرار المطعون فيه, وليس في هذا النقل اللاحق مهما كان سنده ما يؤثر على ما تره هذه المحكمة فيما سبق تفصيله, وأنه لذلك يكون طعن المدعي في قرار الترقية المطعون فيه غير مقبول لانعدام المصلحة الشخصية, ويتعين قبول الاستئناف شكلاً, وفي الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف, وعدم قبول دعوى المستأنف ضده لانعدام المصلحة...".
ومن حيث إن الطعن يقوم على أنه يبين من الاطلاع على نص المادتين 1 و131 من قانون موظفي الدولة أنه صدر ليسري على موظفي ومستخدمي الحكومة المركزية المدنيين الذين لم يصدر بقواعد توظيفهم قوانين خاصة, أي موظفي ومستخدمي السلطة التنفيذية المركزية؛ وعلى ذلك فهو لا يسري من تلقاء نفسه على موظفي ومستخدمي البرلمان؛ لأن هؤلاء وإن كانوا موظفين عموميين بالمعنى الواسع إلا أنهم ليسوا من موظفي ومستخدمي السلطة التنفيذية, بل هم من موظفي ومستخدمي السلطة التشريعية, كما يبين من الرجوع إلى نص المادة 3 من القانون المشار إليه أنه صريح في أن يكون تتبع مراقبي ومديري ورؤساء المستخدمين ووكلائهم لديوان الموظفين بالوزارات والمصالح, أي بالسلطة التنفيذية؛ وعلى ذلك فلا يسري النص من تلقاء نفسه على رؤساء المستخدمين بالسلطة التشريعية, غير أن المادة 222 من اللائحة الداخلية لمجلس النواب نصت على أن "يطبق المجلس على موظفيه ومستخدميه وخدمة فئات الكادر العام وأحكامه وقواعده التي تسري على موظفي الحكومة الداخلين في هيئة العمال والخدمة الخارجين عن الهيئة", وقد جاء هذا النص مطلقاً وعاماً؛ وعلى هذا فإنه يسري على رؤساء المستخدمين بالسلطة التشريعية نص المادة الثالثة سالفة الذكر بحسبان أنها من الأحكام العامة لموظفي السلطة التنفيذية والتي تسري على موظفي السلطة التشريعية. ولا يرد على ذلك بأن هذه الإحالة إنما هي قاصرة على القواعد والأحكام العامة لقانون التوظف؛ ذلك لأن نص المادة الثالثة هو من بين الضمانات المرتبطة بأحكام قانون التوظف ارتباطاً وثيقاً, كما لا تعارض بين مبدأ فصل السلطات وسريان حكم المادة الثالثة من قانون التوظف على رؤساء المستخدمين بالبرلمان ؛ ذلك لأنه ليس المقصود من هذا فصل السلطات فصلاً تاماً, إنما يتضمن الفصل تعاون السلطات الثلاث على القيام بالأعمال الداخلة في اختصاص كل واحدة منها في حدود الدستور والقانون وعدم اعتداء كل سلطة على حقوق الأخرى المقررة دستورياً, وظاهر أنه لا يخل بمبدأ الفصل بين السلطات المشرب بروح التعاون تقرير تبعية رؤساء المستخدمين بالبرلمان لديوان الموظفين, حتى يسري على موظفيه كافة الأحكام المقررة لموظفي السلطة التنفيذية. ووفقاً لما تقدم فإن المطعون ضده هو موظف عمومي تابع لسلطة التشريعية ويسري عليه نص المادة الثالثة من قانون التوظف بالإحالة بمقتضى المادة 222 من اللائحة الداخلية لمجلس النواب بوصفه وكيلاً لمستخدمي سكرتيرية هذا المجلس؛ الأمر الذي يترتب عليه تبعيته لديوان الموظفين, ونقله إليه بقوة القانون اعتباراً من أول يوليه سنة 1952 تاريخ نفاذ قانون التوظف, ومتى كان من المسلم أن المطعون ضده سابق في الأقدمية على المطعون في ترقيتهما, وأن التخطي كان مرجعه خطأ قانونياً وقع فيه الديوان, فإن قرار الترقية الصدر في 27 من يونيه سنة 1953 - والحالة هذه - يكون قد وقع باطلاً فيما تضمنه من تخطي المطعون ضده في الترقية إلى الدرجة الرابعة وما يترتب على ذلك من آثار. ولما كان المطعون ضده قد رقي إلى الدرجة الرابعة بحركة الترقيات التي أجريت بمجلس النواب في 29 من أبريل سنة 1954 فإنه يكون مستحقاً لرد أقدميته في هذه الدرجة إلى 27 من يونيه سنة 1953 تاريخ صدور القرار المطعون فيه. وإذ ذهب الحكم المطعون فيه غير هذا المذهب, فإنه يكون قد خالف القانون.
ومن حيث إنه يبين من الاطلاع على ملف خدمة المدعي أنه حصل على شهادة الدراسة الثانوية القسم الأول سنة 1921, وعين بمجلس النواب بوظيفة كاتب بقلم النسخ بمرتب شهري قدره ثمانية جنيهات واعتباراً من 6 من يوليه سنة 1930. في 30 من نوفمبر سنة 1932 أصدر السيد رئيس مجلس النواب - بعد اطلاعه على المادة 144 من القانون رقم 88 لسنة 1931 الخاص بالنظام الداخلي للبرلمان وعلى قرار الهيئة المشكلة من مكتب المجلس ولجنة المحاسبة بجلستها المنعقدة في 28 من نوفمبر سنة 1932 - قراراً بتعيين المدعي وآخرين في الدرجات الثامنة الخالية داخل هيئة العمال بصفة استثنائية, كما أصدر رئيس المجلس قراراً آخر في 6 من فبراير سنة 1933 بإعفائهم من الكشف الطبي بصفة استثنائية, وعلى أن تعتبر ترقيتهم ابتداء من أول مايو سنة 1932, مع صرف علاوة الترقية لهم من هذا التاريخ. وفي مارس سنة 1933 نقل المدعي إلى وزارة الداخلية ثم أعيد إلى المجلس مرة أخرى اعتباراً من 27 من يوليه سنة 1936. وفي 19 من يوليه سنة 1939 أصدر رئيس مجلس النواب - بعد اطلاعه على قرار مجلس النواب الصادر في 2 من أغسطس سنة 1926 والقاضي باستقلال المجلس بجميع شئونه وعلى قرار هيئة مكتب المجلس - قراراً بترقية المدعي وآخرين إلى الدرجة السابعة بصفة استثنائية اعتباراً من 19 من يوليه سنة 1939, ثم رقى إلى الدرجة السادسة اعتباراً من أول نوفمبر سنة 1945 وإلى الدرجة الخامسة اعتباراً من 16 من أغسطس سنة 1950, وبعد أن حل مجلسا البرلمان وألغي دستور سنة 1923 صدر قرار من مجلس الوزراء في 17 من ديسمبر سنة 1952 بإلحاق سكرتيرتي مجلسي الشيوخ والنواب برياسة مجلس الوزراء, على أن يكون رئيس مجلس الوزراء ومجلس الوزراء هما الجهة التي تتولى بالنسبة لشئونهما السلطات التي كانت مخولة لرئيس وهيئة مكتب كل منهما. ومنذ ذلك الحين كانت القرارات الخاصة بشئون موظفي المجلسين تصدر من السيد نائب رئيس مجلس الوزراء. وفي 28 من يونيه سنة 1953 أصدر السيد رئيس مجلس الوزراء قراراً بأن يعهد إلى السيد وزير الدولة بتولي السلطة المخولة في شئون موظفي سكرتيرتي مجلسي الشيوخ والنواب, واستناداً إلى هذا التفويض أصدر السيد وزير الدولة القرار رقم 1677 في 29 من يوليه سنة 1953 بتوزيع موظفي سكرتيرية مجلس النواب على فئات الكادر المختلفة الداخلة في الهيئة بحسب البيان المرافق لهذا القرار، فوضع المدعي في إحدى الدرجات الخامسة الإدارية التي انتظمت وظائف "مساعدو سكرتيري لجان وأعضاء فرق ومراجعون ورؤساء ووكلاء أقسام وموظفون". وفي 29 من أبريل سنة 1954 أصدر السيد وزير الدولة القرار رقم 1728 متضمناً حركة ترقيات بمجلس النواب رقى فيها المدعي إلى الدرجة الرابعة الإدارية اعتباراً من أول مايو سنة 1954. وفي 28 من أبريل سنة 1954 أرسل السيد رئيس ديوان الموظفين إلى السيد وزير الدولة المشرف على موظفي مجلس النواب كتاباً جاء به ما يأتي: "أتشرف بالإحاطة بأن المادة الثالثة من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة تقضي بتتبع مراقبي ومديري ورؤساء المستخدمين ووكلائهم بالوزارات والمصالح, ما عدا ديوان المحاسبة, لديوان الموظفين؛ لذلك نرجو التكرم بالتنبيه إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة لتخصيص وظائف لمدير المستخدمين ووكيله بكل من مجلسي الشيوخ والنواب ونقل درجاتهم إلى ميزانية الديوان اعتباراً من ميزانية السنة المالية المقبلة 1954/ 1955, هذا ونرجو موافاة الديوان بأسماء الشاغلين للوظائف سالفة الذكر وملفات خدمتهم للاطلاع عليها". فرد السيد وزير الدولة على ذلك بأن "وظيفتي مدير المستخدمين ووكيله يشغلهما بسكرتيرية مجلس النواب السيدان أحمد عبد الفتاح نصير ونجيب العشري وهما من موظفي الدرجة الرابعة, وسيعمل المجلس على استبعاد درجتي هاتين الوظيفتين من ميزانية المجلس عن السنة المالية المقبلة..". اعتباراً من أول أكتوبر سنة 1956 نقل المدعي وكيلاً لمستخدمي مصلحة الأرصاد الجوية, فمديراً لمستخدمي مصلحة طب العيون اعتباراً من 15 من نوفمبر سنة 1956, ثم رقى إلى الدرجة الثالثة اعتباراً من أول يوليه سنة 1958, ثم أحيل إلى المعاش اعتباراً من 17 من أكتوبر سنة 1958 لبلوغه سن القانونية.
ومن حيث إن المادة 119 من دستور سنة 1923 الملغي كانت تنص على أن "يضع كل مجلس لائحته الداخلية مبيناً فيها طريقة السير في تأدية أعماله", وقد نصت المادة 144 من اللائحة الداخلية لمجلس النواب التي وضعت سنة 1924 على أن "يقوم المراقبون بتحضير ميزانية المجلس وتتولى لجنة المحاسبة درسها وفحص أقلامها وكتابة بيان بنتيجة أعمالها ترفعه للمجلس", ونصت المادة 145 على أن "يتولى الصرف المراقب الذي يندبه مكتب المجلس لذلك وتبين لائحة الإدارة الداخلية الأوضاع والشروط التي يجب استيفاؤها لإمكان الصرف", ونصت المادة 146 على أن "يقدم المراقبون في آخر كل سنة مالية حسابها الختامي إلى لجنة المحاسبة لفحصه ومراجعته ورفع تقرير للمجلس عنه", كما نصت المادة 159 من اللائحة المذكورة على أن "يضع مكتب المجلس لائحة للإدارة الداخلية لتقرير القواعد الواجب اتباعها في تعيين الموظفين والخدمة وتحديد مرتباتهم وترقيتهم وتأديبهم وعزلهم وتقاعدهم وإقالتهم من الخدمة ونحو ذلك...". وفي 29 من يونيه سنة 1926 رفع مراقبو مجلس النواب مذكرة إلى هيئة المكتب جاء بها ما يأتي. "1 - مبدأ فصل السلطات أولاً, وحق السلطة التشريعية في الإشراف على السلطة التنفيذية ثانياً، - يستلزمان استقلال كل من مجلسي البرلمان بجميع شئونه الداخلية بحيث لا يجوز أن يكون لأية سلطة خارجية عنه حق التدخل في هذه الشئون أو الرقابة عليها. 2 - وقد أخذت اللائحة الداخلية لمجلس النواب بهذا المبدأ فنصت: (أولاً) في المادة 159 على حق المجلس في وضع لائحة خاصة لإدارته الداخلية تتضمن القواعد الواجب اتباعها في معاملة موظفيه, (ثانياً) في المادتين 145 و146 على استقلاله في شئون ميزانيته وحسابه الختامي. 3 - ولم يكن بد من أن تسلم الحكومة بهذا المبدأ, وهو ما فعلته في جلسة 10 من يوليه سنة 1924؛ إذ صرحت بأنها لا تمانع في أن يكون لكل من المجلسين حق وضع ميزانيته الخاصة, وإذا كان المجلس قد قبل بهذه المناسبة أن يطبق لوائح الحكومة على حساباته وموظفيه, فالمفهوم أنه فعل ذلك على أن يستقل هو بتطبيق تلك اللوائح على شئونه بلا تدخل في ذلك من أية سلطة أخرى. 4 - إذا تقرر مبدأ استقلال المجلس بشئونه العامة, وهو ما لا سبيل إلى الشك فيه, فإننا نقترح لتمام تحقيقه وتطبيقه ما يأتي: (أولاً) فيما يختص بالصرف ومسك الحسابات يقرر المجلس صراحة أنه في هذه الشئون غير خاضع لأية رقابة أو مراجعة من قبل سلطة أخرى, وأنه بناء على ذلك عول على مسك حساباته بنفسه, وأن أذونات الصرف الموقع عليها من أحد المراقبين والسكرتير العام تعتبر معتمدة مراجعة فتصرف بغير مراجعة جديدة ما دامت لم تتجاوز الاعتماد الخاص بالمجلس في الميزانية (ثانياً) فيما يختص بالموظفين يخول مكتب المجلس سلطة معاملتهم طبقاً للوائح الحكومة على أن يكون له حق الاستثناء, وهذا هو المعمول به في البرلمانات الأجنبية والذي أقره مجلس الشيوخ عندنا في جلسة 16 من يونيه سنة 1926. هذه هي المسائل التي رأينا من واجبنا - لحسن سير العمل - أن نعرضها على هيئة مكتب المجلس رجاء النظر فيها وإجراء اللازم نحوها". وقد وافق مكتب المجلس على هذه المذكرة بجلسته المنعقدة في يوم 28 من يوليه سنة 1926, على أن ترفع لهيئة مجلس النواب ليقرر بشأنها ما يراه. ووافق مجلس النواب بجلسته المنعقدة في يوم الاثنين 2 من أغسطس سنة 1926 بالإجماع على تلك المذكرة. وقد اتخذ مجلس الشيوخ قراراً مماثلاً بجلسته المنعقدة في 15 من يونيه سنة 1926 حين وافق على الاقتراح التالي "يقرر المجلس أنه متمسك باستقلاله استقلالاً تاماً عن مصالح الحكومة في إدارة شئونه عامة, وأنه هو الذي يتولى إدارة هذه الشئون بنفسه بوساطة هيئاته بدون أي تدخل من أية وزارة, مع تبليغ هذا القرار للحكومة", كما وافق مجلس الشيوخ بعد ذلك على أنه "في حالة عدم وجود مكتب مجلس النواب لأي سبب من الأسباب تكون السلطة التي قررها المجلس للمكتب في جلسة 2 من أغسطس سنة 1926 بالنسبة لميزانية المجلس وموظفيه من اختصاص مكتب الشيوخ". وقد أدخلت على اللائحة الداخلية لمجلس النواب عدة تعديلات آخرها المشروع الذي وافق عليه المجلس بجلسة 24 من نوفمبر سنة 1941 وقرر العمل به فوراً, ولم يتناول المشروع الأخير ولا التعديلات السابقة عليه أي تعديل لحق المجلس واستقلاله بوضع ميزانيته وبشئون موظفيه. وقد اشتمل الباب السادس عشر من لائحة سنة 1941 على أحكام ميزانية المجلس وحساباته (المواد من 197 - 206), كما تضمنت المواد من 220 إلى 224 من تلك اللائحة مسائل الموظفين, ونصت المادة 222 على حكم جديد لم يرد باللائحة القديمة, وهو أن "يطبق المجلس على موظفيه ومستخدميه وخدمة فئات الكادر العام وأحكامه وقواعده التي تسري على موظفي الحكومة الداخلين في هيئة العمال والخدمة الخارجين عن هيئة العمال, ويطبق عليهم كذلك أحكام المرسوم بقانون رقم 37 لسنة 1929 الخاص بالمعاشات الملكية". وقد درج مجلس النواب على اتباع ما قرره المجلس بجلسة 2 من أغسطس سنة 1926 من استقلاله بجميع شئونه إلى أن حل البرلمان وألغي دستور سنة 1923, وهذا أصل من الأصول المسلمة ردده دستور سنة 1956 ومشروع لائحة المجلس الداخلية؛ فقد نصت المادة 86 من ذلك الدستور على أن "يضع مجلس الأمة لائحته الداخلية لتنظيم كيفية أدائه لأعماله", وتضمن الباب الخامس عشر من مشروع اللائحة الخاص بميزانية المجلس وحساباته (المواد من 249 إلى 256) نفس الأحكام الواردة باللوائح القديمة الخاصة باستقلال المجلس بوضع ميزانيته ومراجعتها, ثم تضمنت اللائحة بعد ذلك مادة جديدة تؤكد استقلال المجلس في هذا الشأن؛ فقد نصت المادة 253 على أنه "لا يخضع المجلس في ميزانيته وحساباته لرقابة ديوان المحاسبة أو ديوان الموظفين, وللرئيس أن يطلب إلى رئيس ديوان المحاسبة ندب من يراه لوضع تقرير استشاري يرفع إلى الرئيس عن طريقة تنفيذ ميزانية المجلس", وتضمن الباب السادس عشر من مشروع اللائحة (المواد من 257 إلى 263) الأحكام نفسها الواردة باللوائح القديمة الخاصة باستقلال المجلس بشئون موظفيه.
ومن حيث إنه يبين مما سبق تفصيله أن كل مجلس من مجلسي البرلمان مستقل استقلالاً تاماً بوضع ميزانيته والنظم الخاصة بموظفيه وبأموره الداخلية كافة دون تدخل من السلطة التنفيذية في شيء من ذلك, فلا تشترك الحكومة في وضع ميزانية المجالس، ولا تقوم بمراجعتها أو مراقبة أوجه الصرف, كما لا تتدخل في تعيين موظفي المجالس أو ترقيتهم أو منحهم العلاوات وما إلى ذلك, يستوي في ذلك أن تكون التعيينات أو الترقيات أو العلاوات عادية أو استثنائية, وكل هذا مرده إلى أصل دستوري عريق هو مبدأ الفصل بين السلطات؛ إذ لا ينبغي أن تكون السلطة التشريعية - وهي التي تمثل الأمة وتتولى الرقابة العامة على السلطة التنفيذية - خاضعة لأية رقابة أو هيمنة في شئونها الداخلية من سلطة أخرى, كما أن هذا الاستقلال شرط جوهري لازم لتأدية المجالس وظيفتها التشريعية مستقلة عن أي مؤثر خارجي. ولا يغير من هذا النظر ما نصت عليه المادة 222 من اللائحة الداخلية لمجلس النواب التي وافق عليها المجلس في 24 من نوفمبر سنة 1941 من أنه "يطبق المجلس على موظفيه ومستخدميه وخدمة فئات الكادر العام وقواعده التي تسري على موظفي الحكومة الداخلين في هيئة العمال والخدم الخارجين عن هيئة العمال"؛ ذلك أن الأصل هو أن للمجلس أن يضع لموظفيه ما يناسبه من أنظمة, فإن ارتأى أن يطبق عليهم الأحكام العامة للكادر الحكومي وآثر أن تسير الأوضاع بالنسبة لموظفيه على نسق الأوضاع السائدة في الحكومة بدلاً من أن توضع لهم لوائح جديدة, فإن هذا لا يعني خضوع موظفيه لرقابة الحكومة أو خروجهم من سلطان المجلس, كما لا يتعارض مع استقلال المجلس بشئون موظفيه, حسبما سلف البيان.
ومن حيث إنه في 22 من أكتوبر سنة 1951 صدر القانون رقم 190 لسنة 1951 بإنشاء ديوان الموظفين, ثم عدل بالمرسوم بقانون رقم 78 لسنة 1952 ثم بالمرسوم بقانون رقم 158 لسنة 1952, وقد بينت المادة الثانية من القانون الأخير اختصاص الديوان كما يلي: "(أولاً) الإشراف على تنفيذ لوائح الموظفين. (ثانياً) النظر في تحديد عدد الموظفين ودرجاتهم في الوزارات والمصالح العامة بقدر ما تقضي به ضرورة العمل. (ثالثاً) وضع نظم الامتحانات اللازمة للتعيين في وظائف الحكومة ولتمرين الموظفين. (رابعاً) مراجعة مشروعات ميزانيات الوزارات والمصالح العامة والاعتمادات الأخرى فيما يختص بالوظائف عدداً ودرجة وغير ذلك من شئون الموظفين, وإبداء ما قد يكون لديه من ملاحظات عليها, فإذا لم يؤخذ بهذه الملاحظات وجب إبلاغ البرلمان بوجهة نظر الديوان. (خامساً) اقتراح التشريعات الخاصة بالموظفين, وعلى وجه العموم يختص الديوان بالنظر في نظام العمل الحكومي ووضع الاقتراحات المؤدية لضمان سير الأعمال على وجه مرضي, وله في سبيل ذلك كله ندب من يرى من موظفيه لإجراء الأبحاث اللازمة في الوزارات والمصالح العامة وحق طلب البيانات التي يرى لزوم طلبها". ونصت المادة الأولى من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة على أن "يعمل في المسائل المتعلقة بنظام موظفي الدولة بالأحكام المرافقة لهذا القانون, وتسري أحكامه على موظفي وزارة الأوقاف والجامع الأزهر والمعاهد الدينية ويلغي كل حكم يخالف هذه الأحكام", ونصت المادة الثانية على أن "يعمل به من أول يوليه سنة 1952", وقد نصت المادة الثالثة من الباب الأول من ذلك القانون على أن يكون مراقبو ومديرو ورؤساء المستخدمين ووكلاؤهم بالوزارات والمصالح ما عدا ديوان المحاسبة تابعين لديوان الموظفين وتدرج وظائفهم بميزانيته".
ومن حيث إنه مثار هذه المنازعة ينحصر فيما إذا كان صدور القانونين رقم 158 لسنة 1952 ورقم 210 لسنة 1951 قد غير من تبعية رئيس ووكيل مستخدمي مجلس النواب للمجلس المذكور وأنهما أصبحا من تاريخ العمل بالقانون رقم 210 لسنة 1951 تابعين لديوان الموظفين, أم أن صدور القانونين المذكورين لم يغير من تبعية الموظفين المذكورين لمجلس النواب.
ومن حيث إنه يبين من مراجعة اختصاصات ديوان الموظفين المنصوص عليها في المادة الثانية من القانون رقم 158 لسنة 1952 المشار إليه أنها تنصب أساساً على مراجعة ميزانيات الوزارات والمصالح فيما يختص بالموظفين عدداً ودرجة وتحديد عدد الموظفين ودرجاتهم بالوزارات والمصالح ثم الإشراف على تنفيذ لوائح الموظفين. وليس من شك في أن مجال مباشرة هذا الاختصاص - على ما هو ظاهر من صريح نص المادة الثانية سالفة الذكر - هو الوزارات والمصالح , وهي تقسيمات في بنيان السلطة التنفيذية, أو هي مسميات تطابق المرافق العامة التي تقوم عليها السلطة التنفيذية؛ ومن ثم لا يمتد اختصاص الديوان إلى مجلسي البرلمان، ذلك أنه فضلاً عن أن هذه المجالس النيابية لا تعتبر من الوزارات أو المصالح, فإنها - كما سلف البيان - تستقل بوضع ميزانياتها وبشئون موظفيها عامة مما يتنافى معه إيجاد رقابة أو إشراف عليها في هذه الشئون من أية سلطة أخرى, وما دام الأمر كما ذكر وكان مراقبو ومديرو ورؤساء المستخدمين ووكلاؤهم هم عمال ديوان الموظفين في الإشراف على تنفيذ لوائح الموظفين, فلا وجه - والحالة هذه - لأن يتبع رؤساء المستخدمين ووكلاؤهم بمجلسي البرلمان ديوان الموظفين, بل يظلون تابعين لمجالسهم صاحبة الولاية عليهم, ولم يغير حل المجلسين وإلغاء الدستور من ذلك الأمر شيئاً؛ وآية ذلك أنه على إثر حل مجلسي البرلمان صدر قرار من مجلس الوزراء في 17 من ديسمبر سنة 1952 بإلحاق سكرتيرتي مجلس الشيوخ والنواب برياسة مجلس الوزراء على أن يكون رئيس مجلس الوزراء ومجلس الوزراء هما الجهة التي تتولى بالنسبة لشئونهما السلطات التي كانت مخولة لرئيس وهيئة مكتب كل منهما. وظاهر من هذا القرار أنه احتفظ لسكرتيرتي المجلسين باستقلالهما وكيانهما القانوني السابق, فهو لم يدمجهما في سكرتيرية مجلس الوزراء أو ينقلهما إليها أو إلى أية وزارة أو جهة أخرى, وإنما نظم الجهة الرياسية لهما فأصبحت رئيس مجلس الوزراء ومجلس الوزراء بدلاً من رئيس المجلس أو هيئة المكتب؛ ويؤكد هذا النظر أن السيد وزير الدولة الذي عهد إليه رئيس مجلس الوزراء بتولي السلطة المخولة له في شئون موظفي سكرتيرتي المجلسين أصدر في 29 من يوليه سنة 1953 قرارين: الأول رقم 1676 بتقسيم الوظائف الداخلة في الهيئة بسكرتيرية مجلس النواب, والثاني رقم 1677 بتوزيع موظفي سكرتيرية المجلس على فئات الكادر المختلفة الداخلة في الهيئة محتفظاً بتقسيم الوظائف ومسمياتها طبقاً لما كان متبعاً قبل حل المجلس. مثال ذلك أن احتفظ بوظائف السكرتير العام للمجلس ومدير الإدارة التشريعية ومدير إدارة المراقبة ثم بوظائف مديري ووكلاء أقسام ورؤساء فرق وسكرتيري لجان وأعضاء فرق, وهي الوظائف التي تتفق وأعمال المجلس, أي أنه - على ما سبق القول - احتفظ بالكيان والوضع القانوني لسكرتيرية المجلس. ويجلو ذلك أيضاً المناقشات التي دارت في مجلس الشيوخ بجلسته المنعقدة في 15 من أكتوبر سنة 1951 في صدد ما أدخل من تعديل على المادة الثالثة من قانون نظام موظفي الدولة؛ فقد كان نص المادة الثالثة في أول الأمر يجري كما يلي "يكون مراقبو ومديرو ورؤساء المستخدمين ووكلاؤهم بالوزارات والمصالح تابعين لديوان الموظفين وتدرج وظائفهم بميزانيته". فقدم أحد حضرات الشيوخ اقتراحاً بأن يعدل نص المادة الثالثة على النحو التالي "يكون مراقبو ومديرو ورؤساء المستخدمين، ووكلاؤهم بالوزارات والمصالح, ما عدا ديوان المحاسبة, تابعين لديوان الموظفين، وتدرج وظائفهم بميزانيته"، وقال إن هذا التعديل هو "تحقيق للتنسيق بين التشريعات القائمة؛ فقد سبق للبرلمان تحقيقاً لاستقلال ديوان المحاسبة أن جعل شأن موظفيه خاضعاً لرئيس الديوان ولجنة عليا, فإذا ما أتبعنا مدير الحسابات لديوان المحاسبة ووكيله لديوان الموظفين تعارض هذا مع فكرة الاستقلال الممنوحة لديوان المحاسبة بمقتضى قانون قائم". وقد عقب أحد حضرات الشيوخ على ذلك بقوله "إن مجلس الشيوخ ومجلس النواب وديوان جلالة الملك مستقلة كذلك تمام الاستقلال", فرد صاحب الاقتراح "سنجدها مستثناة فيما بعد"، وقد وافق المجلس على هذا التعديل. ثم وردت بعد ذلك المادتان 132 و133، وتضمنت أولاهما أن أحكام هذا القانون تسري على موظفي ومستخدمي الحاشية الملكية المدنيين بغير مساس بالأحكام والقواعد المعمول بها الآن في شأن تعيينهم وترقيتهم وعلاواتهم، ويطبق بالنسبة للموظفين منهم في شأن التأديب أحكام المرسوم الصادر في 28 من يونيه سنة 1922, وفي الأحوال التي تطبق فيها أحكام هذا القانون على الوجه المتقدم يكون لرئيس ديوان جلالة الملك ولوكيل هذا الديوان السلطة والاختصاصات المقررة في هذا القانون للوزير ولوكيل الوزارة على التوالي", وتضمنت المادة الثانية أن "يكون لمجلس الأوقاف الأعلى ولمجلس الأزهر الأعلى وللجنة العليا بديوان المحاسبة كل فيما يخصه الاختصاصات والسلطات الممنوحة لمجلس الوزراء بمقتضى هذا القانون مع مراعاة اتباع ما يقضي به من اختصاص لوزارة المالية والاقتصاد ولديوان الموظفين في تلك الأحوال, ويكون لشيخ الجامع الأزهر والوكيل الاختصاصات والسلطة الممنوحة بهذا القانون للوزير ولوكيل الوزارة كل فيما يخصه". وظاهر مما تقدم أن البرلمان بمجلسيه اعتبر استقلال موظفيه عن رقابة ديوان الموظفين أمراً مفروغاً منه, فلم يثر في شأنه أي شبهة أو جدل, وإنما ثار ذلك حول ديوان المحاسبة، فلزم النص على استثنائه بحكم استقلاله عن السلطة التنفيذية.
ومن حيث إنه بالنسبة لما تم أخيراً من نقل وظيفتي رئيس ووكيل المستخدمين بمجلس النواب إلى ديوان الموظفين فإنه لما سبق تفصيله لا ينتج أثره إلا من تاريخ نفاذه.
ومن حيث إنه لكل ما تقدم يكون الحكم المطعون فيه قد أصاب الحق فيما قضى به من رفض الدعوى, ويكون الطعن - والحالة هذه - غير قائم على أساس سليم من القانون, متعيناً رفضه.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً, وبرفضه موضوعاً.