الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 8 أغسطس 2023

الطعن 322 لسنة 3 ق جلسة 29 / 11 / 1958 إدارية عليا مكتب فني 4 ج 1 ق 19 ص 237

جلسة 29 من نوفمبر سنة 1958

برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة السيد إبراهيم الديواني والدكتور محمود سعد الدين الشريف ومصطفى كامل إسماعيل والدكتور ضياء الدين صالح المستشارين.

---------------

(19)

القضية رقم 322 لسنة 3 القضائية

(أ) اختصاص 

- صدور القانون رقم 497 لسنة 1955 متضمناً نقل درجات من الكادر الكتابي إلى الكادر الإداري بمصلحة الطيران المدني - صدور قرار بنقل موظفين من الكادر الكتابي إلى الكادر الإداري بالمصلحة المذكورة ومنطوياً في الوقت ذاته على ترقيتهما - حقيقة القرار المطعون فيه هو رفع الموظفين من كادر أدنى إلى كادر أعلى - هذا الرفع هو بمثابة التعيين في الكادر الأعلى وينطوي على ترقية في هذا الكادر - اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بنظر الطعن فى هذا القرار بغض النظر عن الألفاظ التي قد يوصف بها هذا القرار.
(ب) اختصاص 

- صدور حكم من محكمة إدارية بعدم اختصاصها بنظر الدعوى وإحالتها إلى محكمة إدارية أخرى للاختصاص - الطعن في هذا الحكم أمام المحكمة الإدارية العليا تأسيساً على أن المنازعة تتعلق بالطعن في قرار يمس مراكز موظفين من الفئة العالية - صدور قرار بعد الطعن في الحكم من المحكمة الإدارية المحالة إليها الدعوى بإحالتها إلى محكمة القضاء الإداري للاختصاص - هذه الإحالة لا تمنع من الحكم بإلغاء الحكم المطعون فيه وباختصاص محكمة القضاء الإداري بالفصل في المنازعة - أساس ذلك.

-----------------
1 - إذا كان الثابت أنه - بعد أن صدر القانون رقم 497 لسنة 1955 بتنسيق وظائف مصلحة الطيران المدني متضمناً في مادته الثانية نقل ست درجات (4 خامسة و2 سادسة) من الكادر الكتابي إلى الكادر الإداري, وبعد تبادل اتصالات بين المصلحة المذكورة وديوان الموظفين واجتماع لجنة شئون الموظفين لإبداء مقترحاتها بشأن تنفيذ هذا التنسيق - صدر القرار المطعون فيه من السيد وزير الحربية متضمناً نقل كل من المطعون عليهما من الكادر الكتابي إلى الكادر الإداري ومنطوياً في الوقت ذاته على ترقيتهما إلى الدرجة الخامسة الإدارية, وحيال ذلك أقام المدعي دعواه طالباً إلغاء القرار الإداري المشار إليه, وناعياً عليه أنه انطوى على تخطيه في النقل إلى الكادر الإداري وفي الترقية إلى الدرجة الخامسة الإدارية, مع أنه أحق من ذينك الموظفين بالنقل والترقية بحكم أسبقيته في أقدمية الدرجة السادسة الكتابية - إذا كان الثابت هو ما تقدم, فإن حقيقة القرار المطعون فيه هو رفع الموظفين من كادر أدنى هو الكادر الكتابي إلى كادر أعلى هو الكادر الإداري تبعاً لرفع وظيفتين كتابيتين إلى هذا الكادر الأخير. وليس ثمت شك في أن رفع الموظف من كادر أدنى إلى كادر أعلى في مثل هذه الحالة هو بمثابة التعيين في هذا الكادر الأخير, فضلاً عما ينطوي عليه في الوقت ذاته من ترقية من كادر أدني إلى كادر أعلى وما يتلوها من ترقيات في هذا الكادر الأخير؛ ومن ثم فإن مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري يكون مختصاً بنظر مثل هذا النزاع بصرف النظر عن الألفاظ التي قد يوصف بها مثل هذا القرار؛ إذ العبرة بالمعاني لا بالألفاظ.
2 - متى ثبت أن طلب إلغاء القرار من شأنه المساس بمركز أحد الموظفين من الفئة العالية فإن الاختصاص بالفصل فيه ينعقد لمحكمة القضاء الإداري. فإذا كانت المحكمة الإدارية لوزارتي الأشغال والحربية - التي أحيلت إلها الدعوى طبقاً للحكم المطعون فيه - قد أحالت الدعوى المذكورة إلى محكمة القضاء الإداري للاختصاص, فإن هذه الإحالة - ولئن صححت الأوضاع تصحيحاً لاحقاً - إلا أنها لم تمح الخطأ الذي عاب الحكم المطعون فيه الصادر من المحكمة الإدارية لوزارة المواصلات؛ إذ ما كان ينبغي أن تقع الإحالة إلى محكمة القضاء الإداري إلا بموجب هذا الحكم من بادئ الأمر. وعلى مقتضى ما تقدم تكون محكمة القضاء الإداري هي المختصة وحدها بنظر المنازعة الحالية, ويكون الحكم المطعون فيه - إذ قضى بإحالة النزاع إلى المحكمة الإدارية لوزارتي الأشغال والحربية - غير قائم على أساس سليم, ويتعين من ثم القضاء بإلغائه, وباختصاص محكمة القضاء الإداري بنظر المنازعة, وإحالة الدعوى إليها للفصل في موضوعها.


إجراءات الطعن

في 23 من فبراير سنة 1957 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم 322 لسنة 3 القضائية في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية لوزارة المواصلات بجلسة 25 من ديسمبر سنة 1956 في الدعوى رقم 764 لسنة 3 القضائية المقامة من السيد/ صادق مهدلي سيف النصر ضد وزارة الطيران المدني, القاضي "بعدم اختصاصها بنظر الدعوى, وإحالتها إلى المحكمة الإدارية لوزارتي الأشغال والحربية". وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين - للأسباب التي استند إليها في صحيفة طعنه - "الحكم بقبول الطعن شكلاً, وفي الموضوع إلغاء الحكم المطعون فيه, والقضاء بعدم اختصاص المحكمة الإدارية بنظر الدعوى, وإحالتها إلى محكمة القضاء الإداري المختصة للفصل فيها". وقد أعلن هذا الطعن إلى الجهة الإدارية في 7 من مايو سنة 1957, وإلى المطعون عليه في 29 منه, وبعد أن انقضت المواعيد القانونية المقررة دون أن يقدم أي من الطرفين مذكرة بملاحظاته عين لنظر الطعن أمام هذه المحكمة جلسة 11 من أكتوبر سنة 1958. وفي 2 من يوليه سنة 1958 أبلغ الطرفان بميعاد هذه الجلسة, وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة, ثم قررت إرجاء النطق بالحكم في الطعن إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة, حسبما يبين من أوراق الطعن, تتحصل في أن السيد/ صادق مهدلي سيف النصر أقام الدعوى رقم 764 لسنة 3 القضائية أمام المحكمة الإدارية لوزارة المواصلات ومصلحة السكك الحديدية بعريضة أودعها سكرتيرية المحكمة في 16 من يوليه سنة 1956 طلب فيها الحكم بإلغاء القرار رقم 141 لسنة 1956 الصادر من وزير الحربية في 31 من يناير سنة 1956 فيما تضمنه من تخطيه في الترقية إلى الدرجة الخامسة بالكادر الإداري, مع إلزام الوزارة بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وقال بياناً لدعواه إن القرار المطعون فيه المتقدم الذكر قد شابه عيب إساءة استعمال السلطة؛ لأنه على الرغم مما اقترحته لجنة شئون الموظفين بمصلحة الطيران المدني على وزارة الحربية من نقل الموظفين المقيدين على الدرجات الكتابية إلى الدرجات الإدارية المماثلة على أساس الأقدمية المطلقة, وذلك تنفيذاً للقانون رقم 497 لسنة 1955 بتنسيق بعض درجات مصلحة الطيران المدني, وعلى الرغم من موافقة وزارة المالية على هذا المبدأ, فإن القرار المطعون فيه المشار إليه قد تخطاه في النقل إلى الكادر الإداري بمصلحة الطيران المدني بموظفين كانا يليانه في ترتيب الأقدمية في الدرجة السادسة الكتابية هما السيدان محمد محمد شلبي وعلي أحمد الأنصاري, كما تخطاه بترقيتهما إلى الدرجة الخامسة الإدارية دونه, مع أنه أحق من كل منهما بالنقل إلى الدرجة السادسة الإدارية وبالترقية إلى الدرجة الخامسة الإدارية؛ لكونه أقدم منهما في خدمة الحكومة وفي أقديمة الدرجة السادسة وفي شغل وظيفة "مفتش إداري" بهذه الدرجة. وبجلسة 25 من ديسمبر سنة 1956 حكمت المحكمة الإدارية "بعدم اختصاصها بنظر الدعوى، وإحالتها إلى المحكمة الإدارية لوزارتي الأشغال والحربية". وأسست قضاءها على صدور قرار من السيد رئيس الجمهورية يقضي في مادته الأولى بفصل مصلحة الطيران المدني التي يتبعها المدعي من وزارة المواصلات وإلحاقها بوزارة الحربية, كما أقامته على أن الاختصاص فيما بين المحاكم الإدارية عامة متعلق بالنظام العام, لا يتوقف القضاء به على أن يتمسك به أحد المتداعيين.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن المدعي يختصم في دعواه قراراً أدرياً صدر بترقية موظفين في الكادر العالي, فمقتضاه حتماً المساس بمراكز موظفين من الفئة العالية, الأمر الذي يجعل الاختصاص بالنظر في طلب الإلغاء معقوداً لمحكمة القضاء الإداري وحدها طبقاً لقانون مجلس الدولة. وإذ ذهب الحكم المطعون فيه مذهباً مخالفاً؛ فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون وتأويله, ويتعين الطعن فيه.
ومن حيث إنه قد تبين لهذه المحكمة من الاطلاع على الأوراق وعلى القرار المطعون فيه خاصة أنه قد صدر القانون رقم 497 لسنة 1955 بتنسيق وظائف مصلحة الطيران المدني متضمناً في مادته الثانية نقل ست درجات (4 خامسة و2 سادسة) من الكادر الكتابي إلى الكادر الإداري, وبعد تبادل اتصالات بين المصلحة المذكورة وديوان الموظفين واجتماع لجنة شئون الموظفين لإبداء مقترحاتها بشأن تنفيذ هذا التنسيق صدر القرار المطعون فيه رقم 141 لسنة 1956 من السيد وزير الحربية في 31 من يناير سنة 1956 متضمناً نقل كل من السيدين محمد محمد يوسف شلبي وعلي أحمد الأنصاري من الكادر الكتابي إلى الكادر الإداري, ومنطوياً في الوقت ذاته على ترقيتهما إلى الدرجة الخامسة الإدارية. وحيال ذلك أقام المدعي دعواه في 16 من يوليه سنة 1956 طالباً إلغاء القرار الإداري المشار إليه, وناعياً عليه أنه انطوى على تخطيه في النقل إلى الكادر الإداري وفي الترقية إلى الدرجة الخامسة الإدارية, مع أنه أحق من ذينك الموظفين بالنقل والترقية بحكم أسبقيته في أقدمية الدرجة السادسة الكتابية.
ومن حيث إنه يبين مما تقدم أن حقيقة القرار المطعون فيه هو رفع لموظفين من كادر أدنى هو الكادر الكتابي إلى كادر أعلى هو الكادر الإداري تبعاً لرفع وظيفتين كتابيتين إلى هذا الكادر الأخير. ويستند المدعي في دعواه إلى أنه هو الأحق بأن يوضع في الكادر الأعلى بحكم أقدميته في الكادر الأدنى في الوظيفتين المرفوعتين, كما يستند كذلك إلى أنه أحق بالترقية إلى الدرجة الخامسة الإدارية بحكم أقدميته في الدرجة السادسة الإدارية لو أنه نقل إليها في هذا الكادر بحكم أقدميته في الدرجة السادسة الكتابية كما يقول. وليس ثمت شك في أن رفع الموظف من كادر أدنى إلى كادر أعلى في مثل هذه الحالة هو بمثابة التعيين في هذا الكادر الأخير, فضلاً عما ينطوي عليه في الوقت ذاته من ترقية من كادر أدنى إلى كادر أعلى وما يتلوها من ترقيات في هذا الكادر الأخير؛ ومن ثم فيكون مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري مختصاً بنظر مثل هذا النزاع بصرف النظر عن الألفاظ التي قد يوصف بها مثل هذا القرار؛ إذ العبرة بالمعاني لا بالألفاظ.
ومن حيث إن المادتين 13 و14 من القانون رقم 165 لسنة 1955 في شأن تنظيم مجلس الدولة قد رسمتا توزيع الاختصاص النوعي فيما بين محكمة القضاء الإداري والمحكمة الإدارية, فجعلتا المناط في تحديد هذا الاختصاص هو مستوى الموظف الذي يستهدف المساس بوضعه طلب الإلغاء, ويؤثر في مركزه مآلاً عند قبوله, فإذا كانت طلبات الإلغاء المتعلقة بالقرارات المنصوص عليها في البنود "ثالثاً" و"رابعاً" و"خامساً" من المادة الثامنة من القانون المذكور من شأنها المساس بوضع أحد من الموظفين الداخليين في الهيئة من الفئة العالية أو من الضباط اختصت محكمة القضاء الإداري بالفصل فيها, أما إذا كانت مؤثرة في مراكز موظفين من فئات أخرى غير الفئة العالية كموظفي الفئة المتوسطة كتابية كانت أو فنية, وكالعمال الحكوميين وسائر الموظفين العموميين, انعقد الاختصاص للمحكمة الإدارية وحدها, وإرساء لهذا المبدأ ناط البند الأول من المادة 13 من القانون رقم 165 لسنة 1955 بالمحكمة الإدارية ولاية "الفصل في طلبات إلغاء القرارات المنصوص عليها في البنود "ثالثاً" و"رابعاً" و"خامساً" من المادة 8 عدا ما يتعلق منها بالموظفين الداخلين في الهيئة من الفئة العالية أو بالضباط وفي طلبات التعويض المترتبة عليها", بينما أسبغت المادة 14 من القانون المتقدم الذكر على محكمة القضاء الإداري ولاية الفصل بصفة نهائية في الطلبات والمنازعات المنصوص عليها في المواد 8 و9 و10 و11 عدا ما تختص به المحاكم الإدارية. والعلة في ذلك هي أن توزيع الاختصاص - على النحو السابق - فيما بين محكمة القضاء الإداري والمحكمة الإدارية قد بني على أساس أهمية النزاع, بمراعاة التدرج القضائي بين هاتين الحكمتين, كما أفصحت عن ذلك المذكرة الإيضاحية المرافقة للقانون رقم 165 لسنة 1955.
ومن حيث إن الوظائف الإدارية - كمثل وظيفتي المرقيين بالقرار المطعون فيه - تندرج قطعاً تحت الفئة العالية التي تنقسم إليها الوظائف الداخلة في الهيئة نزولاً على حكم المادة الثانية من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة. فإذا تبين من الأوراق أن طلب إلغاء القرار المذكور من شأنه المساس بمركز أحد من هذين الموظفين, وهما من الفئة العالية بحكم انتماء وظيفتيهما للكادر الإداري بمصلحة الطيران المدني, فقد انعقد الاختصاص بالفصل فيه لمحكمة القضاء الإداري بلا أدنى شبهة.
ومن حيث إنه لا أهمية لما يستفاد من الأوراق من أن المحكمة الإدارية لوزارتي الأشغال والحربية التي أحيلت إليها الدعوى طبقاً للحكم الطعون فيه قد أحالت في 7 من مايو سنة 1957 الدعوى المذكورة إلى محكمة القضاء الإداري للاختصاص؛ لأن هذه الإحالة ولئن صححت الأوضاع تصحيحاً لاحقاً إلا أنها لم تمح الخطأ الذي عاب الحكم المطعون فيه الصادر من المحكمة الإدارية لوزارة المواصلات؛ إذ ما كان ينبغي أن تقع الإحالة إلى محكمة القضاء الإداري إلا بموجب هذا الحكم من بادئ الأمر.
ومن حيث إنه على مقتضى ما تقدم تكون محكمة القضاء الإداري هي المختصة وحدها بنظر المنازعة الحالية, ويكون الحكم المطعون فيه - إذ قضى بإحالة النزاع إلى المحكمة الإدارية لوزارتي الأشغال والحربية - غير قائم على أساس سليم, ويتعين من ثم القضاء بإلغائه, وباختصاص محكمة القضاء الإداري بنظر المنازعة، وبإحالة الدعوى إليها للفصل في موضوعها.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً, وبإلغاء الحكم المطعون فيه, وباختصاص محكمة القضاء الإداري بنظر الدعوى, وبإحالتها إليها للفصل فيها.

الطعن 947 لسنة 4 ق جلسة 22 / 11 / 1958 إدارية عليا مكتب فني 4 ج 1 ق 18 ص 209

جلسة 22 من نوفمبر سنة 1958

برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة سيد علي الدمراوي والسيد إبراهيم الديواني والدكتور محمود سعد الدين الشريف ومصطفى كامل إسماعيل المستشارين.

------------------

(18)

القضية رقم 947 لسنة 4 القضائية

(أ) موظف عام 

- هيئة قناة السويس - هيئة عامة تقوم على إدارة مرفق المرور بالقناة - موظفوها يعتبرون موظفين عموميين - خضوعهم للأحكام والأنظمة المقررة لموظفي الإدارة الحكومية فيما لم يرد بشأنه نص خاص في قانون التأميم أو اللوائح التي توضع لهم خاصة - اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بنظر المنازعة المتعلقة بالطعن في قرار فصل موظف من خدمة الهيئة.
(ب) اختصاص 

- مناط توزيع الاختصاص بين محكمة القضاء الإداري بين المحاكم الإدارية هو أهمية النزاع - استناد هذا المعيار إلى قاعدة مجردة مردها إلى طبيعة النزاع في ذاته ودرجة خطورته من حيث مرتبة الموظف ومستوى الوظيفة التي يشغلها في التدرج الوظيفي وأهميتها - انطباق هذا المعيار كلما تحققت حكمته التشريعية - عدم ارتباطه بتعبير اصطلاحي خاص قصد به معنى محدد في قانون معين كالقانون رقم 210 لسنة 1951 - عبارة "الموظفين الداخلين في الهيئة من الفئة العالية" الواردة في المادة 13 من قانون مجلس الدولة - وجوب فهمها على أنها وصف عام للضابط الذي يتخذ أساساً لتقدير الأهمية, سواء طابق هذا الوصف الاصطلاح الوارد في قانون نظام موظفي الدولة أو في ميزانية الدولة أو صادف حالة واقعية مماثلة قائمة بموظف عمومي خاضع لأحكام قانون آخر - شمول قاعدة توزيع الاختصاص الواردة في المادتين 13 و14 من قانون مجلس الدولة طوائف الموظفين العموميين كافة الخاضعين لأحكام القانون رقم 210 لسنة 1951 وغير الخاضعين له - صفة الموظف الداخل في الهيئة في عرف الاصطلاح الجاري في النظام الحكومي - توافرها في الموظف التابع للمؤسسة العامة وإن لم تضف عليه بحرفيتها هذه التسمية متى اجتمعت لديه مقوماتها وخصائصها - عدم التقيد بوجوب التزام حرفية تعبير "الموظفين الداخلين في الهيئة من الفئة العالية" بمدلوله اللفظي المحدد في القانون رقم 210 لسنة 1951 - حجة ذلك.
(ج) اختصاص 

- توزيع الاختصاص بين محكمة القضاء الإداري والمحاكم الإدارية - عدم وجود اختصاص عام أصيل واختصاص استثنائي في هاتين الهيئتين - اشتراك كل من الهيئتين في الاختصاص على قدم المساواة من حيث مبدأ الولاية فيما اتحدت فيه الولاية من المنازعات الخاصة بالموظفين العموميين - توزيع هذا الاختصاص بمراعاة التدرج القضائي بينهما وفقاً لأهمية النزاع - حجة ذلك.
(د) اختصاص 

- وظيفة مرشد بهيئة قناة السويس - وظيفة في القمة من الوظائف الفنية لهيئة قناة السويس - إغفال تبويب هذه الوظيفة بين وظائف كادر موظفي هيئة القناة ودرجاته والاكتفاء برصد مبلغ إجمالي للإرشاد في ميزانية الهيئة لاعتبارات تتعلق بوضع هذه الوظيفة - لا يجرد هذه الوظيفة من أهميتها المستمدة من طبيعة خصائصها والتي هي مناط تعيين الاختصاص - افتراض قيام علاقة المرشد بهيئة قناة السويس على رابطة أساسها عقد استخدامه - عدم اعتبار هذا العقد عقد عمل رضائي بالمعنى المفهوم في فقه القانون الخاص - أحكام هذا العقد قاعدة تنظيمية تضمه في مركز لائحي يخضع لأحكام القانون العام - سريان أحكام لائحة موظفي الهيئة في حقه بما لا يتعارض مع ما هو وارد في العقد - عدم وجود تنافر بين قيام العقد وبين كون الموظف داخلاً في الهيئة أو في الفئة العالية أو مشبهاً بذلك حكماً - اختصاص محكمة القضاء الإداري دون المحاكم الإدارية بنظر المنازعة المتعلقة بالقرار الصادر بفصل المرشد.

--------------------
1 - إن هيئة قناة السويس هي هيئة مستقلة, يصدر بتشكيلها وتعيين رئيس وأعضاء مجلس إدارتها وأعضائه المنتدبين ومديرها العام وتحديد مكافآتهم وإعفاء البعض منهم من مناصبهم واعتماد ميزانيتها وحسابها الختامي قرار من رئيس الجمهورية, وتقوم على إدارة مرفق المرور بالقناة الذي هو مرفق عام قومي من مرافق الدولة وثيق الصلة بالكيان السياسي لمصر, متبعة في ذلك أساليب القانون العام, ومستخدمة من الوسائل هذا المجرى المائي وتوابعه الذي هو جزء من الملك العام للدولة توابعه بما في ذلك ميناء بورسعيد, مع تمتعها بالشخصية الاعتبارية وبسلطة إدارية هي قسط من اختصاصات السلطة العامة مع قدر من الاستقلال في مباشرة شئونها يتيح لها المرونة اللازمة التي تقتضيها طبيعة نشاطها؛ ومن ثم فإن موظفيها يعتبرون موظفين عموميين بحكم تبعيتهم لمؤسسة عامة تقوم على مرفق عام من مرافق الدولة, وإن كانوا مستقلين عن موظفي الدولة, وتسري عليهم تبعاً لذلك الأحكام والأنظمة المقررة بالنسبة لموظفي الإدارة الحكومية فيما لم يرد بشأنه نص خاص في قانون التأميم أو اللوائح التي توضع لهم خاصة. وبهذه المثابة فإن الاختصاص بنظر المنازعة المتعلقة بالطعن في قرار فصل المدعي من خدمة الهيئة ينعقد لمجلس الدولة بهيئة قضاء إداري دون غيره, وذلك بناء على نص البند (رابعاً) من المادة الثامنة من القانون رقم 165 لسنة 1955 في شأن تنظيم مجلس الدولة, وهي التي تقضي بأن "يختص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري دون غيره بالفصل في المسائل الآتية, ويكون له فيها ولاية القضاء كاملة:.... رابعاً - الطلبات التي يقدمها الموظفون العموميون بإلغاء القرارات النهائية للسلطات التأديبية".
2 - ... (1).
3 - ... (1).
4 - إن وظيفة مرشد - التي كان يشغلها المدعي والموصوفة في الميزانية بأنها دائمة - هي في القمة من الوظائف الفنية بهيئة قناة السويس, وفي الذروة منها دقة وخطورة. وبداهة هذا النظر تتجلي من طبيعتها بحكم كونها عصب النشاط الملاحي في مرفق المرور بالقناة. ولا يقدح في هذا أو يجردها من أهميتها المستمدة من طبيعة خصائصها والتي هي مناط تعيين الاختصاص خلو الجداول الواردة بالكادر الخاص بموظفي هيئة القناة من النص عليها بين مختلف الوظائف الفنية والإدارية والكتابية التي تضمنها ومنها ما يشغلها موظفون معتبرون من الفئة العالية وهم دون المرشدين. كما لا يقلل من أهمية هذه الوظيفة كون مرتبها الأصلي بغير العلاوات والإضافات زهيداً نسبياً بالمقارنة بالأجر الكلي الذي يتقاضاه المدعي فعلاً بسائر مشتملاته والذي لا يتمثل في هذا الراتب الرمزي فحسب بل يرقى إلى رقم عريض في نهاية كل شهر تبعاً لعدد السفن التي يتولى مهمة إرشادها؛ ذلك أن هذه الإضافات إنما هي معتبرة مكملة للراتب الأصلي. بيد أنه لما كان حدها الأعلى مرنا دائب التفاوت وغير ثابت, وكانت تصعد بالراتب إلى مستوى يناهز أعلى المرتبات في الدولة أو يفوقها قدراً, فقد اقتضى وضعها الخاص الذي انفردت به إغفال تبويبها بين وظائف كادر موظفي هيئة القناة ودرجاته, والاكتفاء بإدراج مبلغ إجمالي للإرشاد في ميزانية الهيئة. وحسب وظائف المرشدين دليلاً على أهميتها أن المبلغ الذي اعتمد لها في البند 942 ص 26 من ميزانية السنة المالية 1957/ 1958 هو مليون من الجنيهات, وهو مبلغ طائل لو قورن بالاعتمادات المرصودة لسائر الوظائف الدائمة الأخرى في الهيئة. على أن المرتب الرمزي المجرد للمدعي في حد ذاته هو داخل في نطاق المرتبات المقررة لوظائف الفئة العالية بحسب قانون نظام موظفي الدولة. ومتى كان هذا هو وضع المدعي فلا يغير من الأمر فيما يتعلق بتعيين الهيئة المختصة بنظر دعواه الحالية كون علاقته بهيئة قناة السويس كانت تقوم على رابطة أساسها عقد استخدامه الذي ظل معاملاً بأحكامه؛ لأنه على فرض صحة هذا التكييف في الجدل المحض فإن أحكام العقد المقول به ذاتها - وهو ليس عقد عمل رضائي بالمعنى المفهوم في فقه القانون الخاص - تكون هي القاعدة التنظيمية التي تحكم حالته والتي تضعه في مركز لائحي يخضع لأحكام القانون العام. وهي مع ذلك لا منع سريان أحكام لائحة موظفي الهيئة في حقه فيما لا يتعارض مع ما هو وارد بهذا العقد طبقاً لنص المادة 95 من تلك اللائحة التي لا تزال قائمة ونافذة, بقطع النظر عن الطعن فيها أمام القضاء ما دامت لم تلغ بعد. ولا تنافر بين قيام العقد وبين كون الموظف داخلاً في الهيئة أو من الفئة العالية أو مشبهاً بذلك حكماً؛ إذ نصت المادة الرابعة من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة على أن "الوظائف الداخلة في الهيئة إما دائمة وإما مؤقتة حسب وصفها في الميزانية". ونصت المادة 26 منه في شقها الأخير على ما يأتي: "... أما الموظفون المعينون على وظائف مؤقتة أو لأعمال مؤقتة فأحكام توظيفهم وتأديبهم وفصلهم يصدر بها قرار من مجلس الوزراء بناء على اقتراح وزير المالية والاقتصاد وبعد أخذ رأي ديوان الموظفين". وقد صدر قرار مجلس الوزراء في 31 من ديسمبر سنة 1952 بالموافقة على الشروط الواردة بنموذج عقد الاستخدام الذي أعده ديوان الموظفين. ولما تقدم من أسباب فإن الاختصاص بنظر هذه المنازعة يكون لمحكمة القضاء الإداري دون المحاكم الإدارية.


إجراءات الطعن

في 17 من سبتمبر سنة 1958 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم 947 لسنة 4 القضائية في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية لرياسة الجمهورية ووزارات الداخلية والخارجية والعدل بجلسة 3 من أغسطس سنة 1958 في الدعوى رقم 174 لسنة 5 القضائية المقامة من: مصطفى محمد علوي ضد هيئة قناة السويس, القاضي "في طلب المدعي استمرار صرف مرتبه: (أولاً) برفض الدفع بعدم اختصاصها بنظره وباختصاصها. (ثانياً) برفض الدفع بعدم قبوله شكلاً وبقبوله. (ثالثاً) ومؤقتاً باستمرار صرف المدعي لجزء من مرتبه قدره مائة وخمسون جنيهاً في الشهر اعتباراً من تاريخ صدور هذا الحكم. (رابعاً) بإلزام هيئة قناة السويس مصروفاته وبأن تدفع للمدعي مبلغ عشرين جنيهاً مقابل أتعاب المحاماة. وأمرت بإحالة الدعوى إلى هيئة مفوضي الدولة لتحضيرها في موضوع الإلغاء". وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين - للأسباب التي استند إليها في صحيفة طعنه - "الحكم بقبول الطعن شكلاً, وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه, والقضاء بعدم قبول الدعوى, وبإلزام المدعي بالمصروفات". وقد أعلن هذا الطعن إلى كل من هيئة قناة السويس والمطعون عليه في 29 من سبتمبر سنة 1958, وعين لنظره أمام هذه المحكمة جلسة 11 من أكتوبر سنة 1958، وفي 30 من سبتمبر سنة 1958 أبلغ الطرفان بميعاد هذه الجلسة. وقد أودعت هيئة قناة السويس سكرتيرية المحكمة مذكرة بملاحظاتها انتهت فيها إلى طلب "إلغاء الحكم المطعون فيه, والحكم: أصلياً - بعدم اختصاص المحكمة الإدارية بنظر الطلب, واحتياطياً - بعدم قبوله لرفعه بعد الميعاد, ومن باب الاحتياط الكلي برفض الطلب, مع إلزام المطعون ضده بالمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة. وفي حالة قبول طلب التصدي للموضوع تطلب هيئة قناة السويس: إلغاء الحكم المطعون فيه, والحكم: أصلياً - بعدم اختصاص المحكمة الإدارية بنظر الدعوى. واحتياطياً - برفض الدعوى, مع إلزام المطعون ضده بالمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة". وبجلسة 11 من أكتوبر سنة 1958 وجلسة 18 منه التي أجل إليها نظر الطعن لاستمرار المرافعة في الدفعين بعدم اختصاص المحكمة الإدارية بنظر الدعوى وبعدم قبول الطلب لرفعه بعد الميعاد, سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة, ثم قررت إرجاء النطق بالحكم في هذين الدفعين إلى جلسة اليوم, مع الترخيص في تقديم مذكرات خلال أسبوعين.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إنه يبين من أوراق الطعن أن المدعي كان يعمل "رباناً مرشداً" في الشركة العالمية لقناة السويس منذ 15 من يناير سنة 1948 بوصفه حاصلاً في عام 1945 على شهادة ربان لأعالي البحار, وفي 26 من يوليه سنة 1956 صدر القرار الجمهوري بالقانون رقم 285 لسنة 1956 بتأميم الشركة العالمية لقناة السويس البحرية, كما صدر في 13 من يوليه سنة 1957 قرار جمهوري بالقانون رقم 146 لسنة 1957 بنظام هيئة قناة السويس, وعقب صدور هذا القانون أصدر مجلس إدارة الهيئة قراراً إدارياً بوضع لائحة وكادر لموظفيها. وقد ظل المدعي في عمله بعد صدور قانون التأميم وانتخب رئيساً لرابطة المرشدين ورئيساً لنقابة موظفي هيئة القناة. وعلى إثر اتهامات وجهت إليه عن أمور ثلاثة أسند إليه فيها: القيام بعمل من شأنه إظهار الهيئة بمظهر التقصير والاعتداء الجسيم على الرؤساء بسبب العمل والإخلال بسلامة العمل وتحريض الموظفين على عدم الثقة بالهيئة وعدم الاطمئنان إليها وبث روح التمرد والتفرقة بينهم, أجرى معه تحقيق بوساطة لجنة شكلت لهذا الغرض بأمر من رئيس مجلس إدارة الهيئة وأصدرت قرارها بإدانته في التهمتين الأوليين, فلما اعترض على تشكيل هذه اللجنة أمر الرئيس بتشكيل لجنة أخرى لإجراء هذا التحقيق, وامتنع المدعي عن الحضور أمامها, فأسندت إليه في قرارها تهمة ثالثة هي عصيان الأوامر وتعليمات الرؤساء. وبناء على هذه التحقيقات وبالتطبيق للمادة 79 من لائحة موظفي هيئة قناة السويس أصدر رئيس مجلس إدارة الهيئة وعضو المجلس المنتدب قراراً في 18 من فبراير سنة 1958 تحت رقم 12 بفصل المدعي من الخدمة بدون مكافأة اعتباراً من هذا التاريخ. وقد أبلغ هذا القرار إلى المدعي في 28 من فبراير سنة 1958 بكتاب رياسة الهيئة رقم 490/ 1467 موظفين المؤرخ 27 من فبراير سنة 1958, فتظلم منه في 6 من مارس سنة 1958 إلى كل من السيد رئيس الجمهورية والسيد رئيس مجلس إدارة هيئة قناة السويس والعضو المنتدب طالباً إعادة النظر فيه والعمل على إلغائه وإعادته للخدمة وصرف كافة ما يستحقه. ثم أقام الدعوى رقم 688 لسنة 12 القضائية أمام محكمة القضاء الإداري بعريضة أودعها سكرتيرية المحكمة في 17 من مارس سنة 1958 طلب فيها "الحكم بصفة مستعجلة ومؤقتاً باستمرار صرف مرتب الطالب كله ابتداء من شهر فبراير سنة 1958, مع إلزام المعلن بالمصروفات بما فيها أتعاب المحاماة". ونعى على قرار فصله أنه جاء مخالفاً للقانون ومشوباً بسوء استعمال السلطة؛ ذلك أنه لم ينسب إليه أي تقصير أو خطأ في عمله أو إخلال بواجبات وظيفته, ولم يطعن على صلاحيته للنهوض بأعباء هذه الوظيفة, وما كان نشاطه النقابي وشكواه من تدخل هيئة القناة في انتخابات نقابة موظفيها ليستوجبا مسئوليته, هذا إلى أن قرار فصله دون مكافأة شديد الخطر لعدم وجود أي مورد رزق آخر له سوى مرتبه الذي رتب عليه حياته والذي يقيم به أوده, وفي حرمانه من هذا المورد خطر شديد على استقراره سيؤدي حتماً إلى تشريده هو وأفراد أسرته التي يعولها. وأثناء نظر هذه الدعوى طلب الحاضر عن المدعي بجلسة 23 من أبريل سنة 1958 إحالتها إلى المحكمة الإدارية المختصة للفصل فيها, وعارضت هيئة قناة السويس في هذا الطلب, فأجلت المحكمة نظر الدعوى لجلسة 7 من مايو سنة 1958, مع الترخيص للطرفين في تقديم مذكرات. وقد أودع السيد مفوض الدولة تقريراً بالرأي القانوني مسبباً انتهى فيه إلى أنه يرى "إحالة الدعوى للمحكمة الإدارية المختصة", كما قدم المدعي مذكرة طلب في ختامها "إحالة الدعوى إلى المحكمة الإدارية لرياسة الجمهورية التي تتبعها هيئة القناة عملاً بالمادة 135 مرافعات". وبجلسة 7 من مايو سنة 1958 طلب المدعي إثبات ترك الخصومة في الدعوى مع تحمله مصروفاتها, فعارضت هيئة قناة السويس في هذا الطلب, وقررت المحكمة إرجاء النطق بالحكم إلى جلسة 21 من مايو سنة 1958, وقد أصرت هيئة القناة على رفض طلب الترك. وأودع السيد مفوض الدولة تقريراً آخر بالرأي القانوني مسبباً في هذا الطلب الجديد خلص فيه إلى أنه يرى للأسباب التي أوردها "إجابة المدعي إلى طلبه ترك الخصومة, مع إلزامه بالمصروفات". وبجلسة 21 من مايو سنة 1958 قضت محكمة القضاء الإداري (الهيئة الثانية) "بإثبات ترك المدعي للخصومة في الدعوى, وألزمته المصروفات". وبصحيفة مودعة سكرتيرية المحكمة الإدارية لرياسة الجمهورية ووزارات الداخلية والخارجية والعدل في 15 من مايو سنة 1958 أقام المدعي الدعوى رقم 174 لسنة 5 القضائية ضد السيد رئيس مجلس إدارة هيئة قناة السويس وعضو المجلس المنتدب طالباً "الحكم في موضوعها بإلغاء القرار المطعون فيه", وهو الصادر بفصله من الخدمة دون مكافأة, موضوع الدعوى السابقة, مع تحديد أقرب جلسة "للحكم مؤقتاً باستمرار صرف مرتبه اعتباراً من تاريخ صدور القرار المذكور, مع إلزام المقدم ضده بالمصروفات كافة في الحالين". وردد في هذه الدعوى ما سبق أن نعاه في دعواه السابقة من عيوب على القرار المطعون فيه مضيفاً إليها أن هذا القرار صدر بالتطبيق لنص لائحة باطلة لصدورها على خلاف القانونين رقمي 285 لسنة 1956 و146 لسنة 1957 من جهة عدم اختصاص هيئة قناة السويس بإصدارها, ومن جهة مساسها بالحقوق المكتسبة التي كفلها القانونان المذكوران لموظفي الشركة عند تأميمها, هذا إلى أن اللائحة المشار إليها غير جائز العمل بها لعدم نشرها في الجريدة الرسمية عملاً بالمادة 187 من دستور سنة 1956 الذي صدرت في ظله, وأن المادة 79 من اللائحة قصرت عقوبة الفصل من الخدمة دون سبق إعلان مع الحرمان من المكافأة على حالات وردت فيها على سبيل الحصر, وأنه ليس فيما نسب إليه خاصاً بالتظلم الذي قدمه بصفته نقيباً لموظفي الهيئة من قرارها باللائحة والكادر ما يكون جريمة تأديبية تقع تحت طائلة المادة 79 المذكورة أو أية مادة أخرى سواها من اللائحة, وأن السيد رئيس مجلس إدارة هيئة القناة استخدم سلطته الإدارية التأديبية لغرض آخر غير الغرض الذي منحها من أجله؛ الأمر الذي يعد من قبيل إساءة استعمال السلطة. واستطرد المدعي إلى القول بأن شروط قبول طلب الحكم مؤقتاً باستمرار صرف المرتب كله أو بعضه التي نصت عليها المادة 18 من قانون مجلس الدولة هي بعينها شروط قبول طلب وقف التنفيذ, وهي لا تعدو شرطين: الأول جدية الطعن في القرار, والثاني أن تكون نتائج التنفيذ مما قد يتعذر تداركها. وهذان الشرطان متحققان في حالته بوصفه موظفاً لا مورد لرزقه وعياله سوى مرتبه, وقد فصل من الخدمة وحرم من مرتبه بعد أن كان بحكم وظيفته ومرتبها الكبير يعيش في مستوى يناسبها. وقد عين لنظر الطلب المستعجل جلسة أول يونيه سنة 1958, وفيها دفعت الحكومة: (أولاً) بعدم اختصاص المحكمة الإدارية بنظر الدعوى, على أساس أن الاختصاص معقود لمحكمة القضاء الإداري. و(ثانياً) بعدم قبول الدعوى تأسيساً على أنها رفعت بعد الميعاد الذي استلزمه القانون رقم 165 لسنة 1955 في شأن تنظيم مجلس الدولة. وقدمت هيئة قناة السويسس مذكرتين بسطت فيهما أسانيدهما في هذين الدفعين. فقالت عن الدفع بعدم الاختصاص إن مبنى هذا الدفع هو أن موظفي هيئة قناة السويس هم موظفون عموميون داخلون في الهيئة بالتطبيق لنص المادة 13 من القانون رقم 32 لسنة 1957 بشأن المؤسسات العامة؛ ومن ثم تسري في حقهم أحكام الوظائف العامة الواردة في القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة فيما لم يرد بشأنه نص خاص في القرار الصادر بإنشاء هيئة قناة السويس أو اللوائح التي يضعها مجلس إدارتها. وقد صدرت لائحة موظفي هيئة قناة السويس خلوا من أي نص يخالف أو يتعارض مع الأحكام العامة التي تضمنها قانون نظام موظفي الدولة رقم 210 لسنة 1951. وتقضي هذه الأحكام بأن الموظف لكي يعتبر من الموظفين الداخلين في الهيئة يجب أن يكون شاغلاً لإحدى الوظائف الدائمة أو المؤقتة بحسب وصفها الوارد في الميزانية, وبالرجوع إلى ميزانية هيئة قناة السويس للسنة المالية 1957/ 1958 يبين أنها تضمنت وصفاً للوظائف بأنها دائمة, والمدعي يشغل إحداها؛ ولذا فهو من الموظفين الداخلين في الهيئة, وليس هذا فحسب بل إنه يشغل وظيفة من الفئة العالية؛ ذلك أن كادر موظفي هيئة قناة السويس قسم الوظائف في الجداول المرافقة له إلى وظائف فنية وإدارية وكتابية, وقسم الوظائف الفنية إلى نوعين: عالية ومتوسطة, وعليه فإن المذكور كان يشغل وظيفة مرشد وهي إحدى الوظائف الفنية العالية. وينبني على هذا أن الاختصاص بنظر الطعون التي يوجهها للقرارات التي تصدرها هيئة قناة السويس في حقه, ومن بينها القرارات التأديبية, ينعقد لمحكمة القضاء الإداري دون المحاكم الإدارية, وذلك إعمالاً لنص المادة 13 من قانون مجلس الدولة رقم 165 لسنة 1955. وقد رد المدعي على هذا الدفع في مذكرتين بأن موظفي هيئة قناة السويس - وإن أصبحوا بعد تأميم الشركة موظفين عموميين - إلا أن علاقتهم بالهيئة ظلت كما كانت قبل التأميم علاقة عقدية يحكمها القانون الخاص الذي لا يعرف التفرقة بين موظف داخل الهيئة وموظف خارج عنها, ومتى كان الأمر كذلك كان الاختصاص بنظر دعاوى موظفي الهيئة للمحاكم الإدارية التي هي بمقتضى المادة 13 من قانون مجلس الدولة صاحبة الاختصاص العام بنظر دعاوى الموظفين العموميين؛ ذلك أن المذكرة الإيضاحية للقانون رقم 285 لسنة 1956 بتأميم الشركة العالمية لقناة السويس البحرية أبانت أن احتفاظ الهيئة التي أنشأها هذا القانون بجميع موظفي الشركة وعمالها عند التأميم يكون "بالوضع القائمين عليه", وأكدت ذلك المنشورات التي أصدرتها الهيئة عملاً بالقانون المشار إليه, وكذا نموذج عقد العمل الذي أعدته, وما استند إليه القانون المذكور في ديباجته من إشارة إلى القانون رقم 317 لسنة 1952 في شأن عقد العمل الفردي, وما يستفاد من القانون رقم 146 لسنة 1957 بتنظيم هيئة القناة من أن المشرع وإن اتجهت نيته في المستقبل إلى تغيير المركز القانوني لموظفي هيئة القناة وعمالها إلى مركز لائحي يحكمه القانون العام, إلا أنه إلى الآن أبقى على مركزهم التعاقدي. على أنه إذا اعتبرت العلاقة التي تربط هيئة قناة السويس بموظفيها علاقة تنظيمية يحكمها القانون العام فإن هذا القانون هو لائحة موظفيها والكادر الخاص بهم اللذان لا يعرفان التفرقة بين موظف داخل في الهيئة وبين موظف خارج عنها, لا قانون نظام موظفي الدولة ولا الكادر الإداري العام الملحق به. كما أن لائحة موظفي هيئة قناة السويس وكادر موظفيها لا يفرقان بين موظف من الفئة العالية وموظف من الفئة المتوسطة. وعلى هذا الاعتبار يبقى المرجع في الاختصاص بدعاوى هؤلاء الموظفين إلى المحاكم الإدارية. وإذا كانت المادة 13 من قانون المؤسسات العامة قد نصت على سريان أحكام قانون نظام موظفي الدولة فيما لم يرد بشأنه نص خاص في القرار الصادر بإنشاء المؤسسة أو اللوائح التي يضعها مجلس إدارتها, فإن القانون رقم 146 لسنة 1957 بتنظيم هيئة قناة السويس قد احتفظ في المادة 17 منه بوضع تنظيم خاص لشئون موظفيها مستقبلاً, مما يفيد منع سريان قانون نظام موظفي الدولة في جملته وتفصيله على هؤلاء الموظفين, ولا سيما أن مجلس إدارة الهيئة قد وضع لائحة وكادراً يختلفان عن قانون نظام موظفي الدولة والكادر الملحق به في خصوص تقسيم الموظفين إلى داخليين في الهيئة وخارجين عنها, وإلى فئة عالية وأخرى متوسطة. هذا إلى أن المدعي مرشد, ولا تنتظم جداول كادر الهيئة الملحق بلائحة موظفيها جدولاً للمرشدين بحيث يستحيل القول باعتباره في حكم الموظفين الداخليين في الهيئة. وقد عقبت هيئة قناة السويس على هذا الدفاع بأن علاقة المدعي بها ليست علاقة عقدية بل هي علاقة تنظيمية تحكمها اللائحة والكادر اللذان صدرا تطبيقاً لأحكام القانون رقم 32 لسنة 1957 بشأن المؤسسات العامة والقانون رقم 146 لسنة 1957 بتنظيم هيئة القناة؛ ذلك أن مجال تطبيق قانون عقد العمل الفردي لا يكون إلا إذا كانت العلاقة قائمة على أساس عقد عمل رضائي بالمعنى المفهوم في فقه القانون الخاص, وليست خاضعة لتنظيم لائحي. وعلى أية حال فإن ميزانية الهيئة وصفت وظيفة المدعي بأنها دائمة, ولما كانت المادة الرابعة من القانون رقم 210 لسنة 1951 تنص على أن الوظائف الداخلة في الهيئة إما دائمة أو مؤقتة بحسب وصفها الوارد في الميزانية, فلا مندوحة من اعتبار الموظفين الشاغلين لهذه الوظائف ومنهم المدعي داخلين في الهيئة. وإذا كانت جداول كادر الهيئة الملحقة بلائحة موظفيها لم تتضمن النص على المرشدين فإن هذا لا ينفي أن هؤلاء يشغلون وظائف فنية عالية؛ إذ المعول عليه أصلاً في فهم الوظائف هو طبيعة العمل الذي يؤديه الموظف, فضلاً عن أن الوظائف الفنية في ذاتها هي دائماً داخل الهيئة؛ وبذا تتميز عن الوظائف الخارجة عن الهيئة وهي المخصصة للخدم والصناع. وليس منهم المرشدون الذين هم عصب نظام إرشاد السفن في قناة السويس والذين يقومون بأدق عمل فني في هذا المرفق. وبجلسة 3 من أغسطس سنة 1958 قضت المحكمة الإدارية لرياسة الجمهورية ووزارات الداخلية والخارجية والعدل في هذا الدفع بمناسبة حكمها في موضوع الطلب المستعجل الخاص باستمرار صرف مرتب المدعي "(أولاً) برفض الدفع بعدم اختصاصها بنظره وباختصاصها". وأقامت قضاءها في ذلك على أنه لما كانت سلطة وقف التنفيذ واستمرار صرف المرتب كله أو بعضه مشتقة من سلطة الإلغاء وفرعاً منها فقد عقدت المادة 18 من القانون رقم 165 لسنة 1955 في شأن تنظيم مجلس الدولة الاختصاص بنظر هذين الطلبين للمحكمة المختصة بنظر موضوع إلغاء القرار الإداري, التي تملك الفصل في ذلك بحكم وقتي يتناول الوجه المستعجل للنزاع فقط دون المساس بأصل الحق موضوع الدعوى, ويجوز لها العدول عنه كلياً أو جزئياً عند نظر موضوع طلب الإلغاء. وبالرجوع إلى القانونين رقم 285 لسنة 1956 ورقم 146 لسنة 1957 يبين أن موظفي ومستخدمي وعمال هيئة قناة السويس, من عين منهم قبل التأميم أو بعده, قد أصبحوا جميعاً موظفين عموميين, يستوي في ذلك من كانت علاقته خاضعة لتنظيم لائحي ومن كانت علاقته قائمة على أساس عقد عمل رضائي بالمعني المفهوم في فقه القانون الخاص؛ وبهذه المثابة فإن مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري يختص دون غيره بالفصل في الدعوى الحالية؛ ذلك أن المدعي كان موظفاً عمومياً من موظفي هيئة قناة السويس. ويخلص من استظهار المادتين 13 و14 من قانون مجلس الدولة أن المحاكم الإدارية هي المحاكم ذات الاختصاص العام بالنسبة للموظفين العموميين, ولا يخرج من اختصاصها إلى اختصاص محكمة القضاء الإداري إلا ما استثنى بنص, وهو ما تعلق بالموظفين الداخلين في الهيئة من الفئة العالية أو بالضباط. والمرجع في تحديد مدلول اصطلاح "الموظف الداخل في الهيئة من الفئة العالية" هو إلى القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة الذي استحدث هذا الاصطلاح من واقع ذات أوضاعه وأوضاع ميزانية الدولة التي تقام على أساسه. فإذا استعمل قانون مجلس الدولة هذا التعبير, واتخذه معياراً لتوزيع الاختصاص بين محكمة القضاء الإداري والمحاكم الإدارية, فلا شك أنه استعمله بمعناه في البيئة التي انبثق منها, لا كتعريف عام؛ الأمر الذي لا يجوز معه خلع هذه الصفة على موظف عمومي آخر في تنظيم لائحي مغاير لقانون نظام موظفي الدولة. ولا يغير من هذا النظر الاعتراف بصفة الموظف الداخل في الهيئة من الفئة العالية لموظفي الكادرات الخاصة بالقضاء الوطني ومجلس الدولة وإدارة قضايا الحكومة والجامعات المصرية؛ إذ أنهم كذلك في نظر القانون رقم 210 لسنة 1951, وإنما امتازوا بالكادرات الخاصة بهم. وإذا جاز افتراض عدم صحة اللائحة والكادر الموضوعين لموظفي هيئة قناة السويس وعدم نفاذهما قانوناً؛ فإن علاقة الهيئة بموظفيها تكون علاقة عقدية لا يصلح فيها معيار الاختصاص الوارد في المادتين 13 و14 من قانون مجلس الدولة, وتدخل المنازعات التي تثور بشأنها في اختصاص المحاكم الإدارية ذات الاختصاص العام بالنسبة للموظفين العموميين. كما أنه في حالة قيام اللائحة والكادر المشار إليهما لا يجوز قياس الوظائف الواردة فيهما على تلك المعنية بالقانون رقم 210 لسنة 1951 ودرجها في تقسيماته وتفريعاته؛ ومن ثم فلا يصلح فيها كذلك المعيار المذكور. هذا فضلاً عن أن وظيفة "مرشد" لم ترد في أي من جداول كادر موظفي الهيئة مما يوحي بأن العلاقة بين شاغلها والهيئة ما زالت عقدية لا لائحية, ولعل حالة المدعي تخضع لحكم المادة 15 من اللائحة التي تنص على أن "الموظفين المعينين بعقود قبل العمل بهذه اللائحة تستمر معاملتهم طبقاً لعقود استخدامهم, كما تسري عليهم أحكام هذه اللائحة فيما لا يتعارض مع ما هو وارد بتلك العقود, وذلك إلى ن تنتهي مدة خدمتهم". وبذلك يستعصى إرجاع وظيفته إلى أي تقسيم من تقسيمات القانون رقم 210 لسنة 1951 وتطبيق معيار الاختصاص بين محكمة القضاء الإداري والمحاكم الإدارية في خصوصها. وسواء كانت تلك الوظيفة تقوم على رابطة عقدية أو لائحية فإنها ليست موصوفة بأنها "وظيفة داخلة في الهيئة من الفئة العالية", وليس في النصوص والأوضاع ما يعين على خلع هذه الصفة عليها, ومتى انتفت عن المدعي صفة الموظف الداخل في الهيئة من الفئة العالية, وكان اختصاص محكمة القضاء الإداري في منازعات الموظفين العموميين هو الاستثناء, فإن المنازعة الحالية تدخل في اختصاص المحاكم الإدارية صاحبة الولاية العامة بالنسبة إلى هؤلاء الموظفين, ويكون الدفع بعدم الاختصاص في غير محله متعيناً رفضه, والقضاء باختصاص المحكمة بنظر هذه المنازعة لكون هيئة قناة السويس مؤسسة عامة ملحقة برياسة الجمهورية. وبعريضة مودعة سكرتيرية هذه المحكمة في 17 من سبتمبر سنة 1958 طعن السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة في هذا الحكم لا فيما قضى به من رفض الدفع بعدم الاختصاص, بل فيما قضى به من رفض الدفع بعدم قبول طلب استمرار صرف مرتب المدعي شكلاً وقبول هذا الطلب؛ إذ طلب السيد رئيس هيئة المفوضين "الحكم بقبول الطعن شكلاً, وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه, والقضاء بعدم قبول الدعوى, وإلزام المدعي بالمصروفات". وقد أودعت الحكومة مذكرة بملاحظات هيئة قناة السويس طلبت فيها "إلغاء الحكم المطعون فيه, والحكم: أصلياً - بعدم اختصاص المحكمة الإدارية بنظر الطلب. واحتياطياً - بعدم قبوله لرفعه بعد الميعاد. ومن باب الاحتياط الكلي - برفض الطلب, مع إلزام المطعون ضده بالمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة. وفي حالة قبول طلب التصدي للموضوع تطلب هيئة قناة السويس: إلغاء الحكم المطعون فيه, والحكم: أصلياً - بعدم اختصاص المحكمة الإدارية بنظر الدعوى. واحتياطياً - برفض الدعوى, مع إلزام المطعون ضده بالمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة". وقد رددت الهيئة في هذه المذكرة دفاعها الذي سبق لها إبداؤه في خصوص الدفع بعدم الاختصاص, وأضافت إليه, تعقيباً على الحكم المطعون فيه؛ أن هذا الحكم أخطأ إذ اعتبر المحاكم الإدارية هي المحاكم ذات الاختصاص العام بالنسبة للموظفين؛ إذ يبين من استقراء المادة الثامنة من القانون رقم 165 لسنة 1955 أنها حددت المسائل التي تختص محكمة القضاء الإداري بنظرها بالاشتراك مع المحاكم الإدارية, والاشتراك يقتضي التساوي والتعادل فلا تكون إحداهما أصلاً والأخرى استثناء. يؤيد ذلك ما ورد في المذكرة الإيضاحية لهذا القانون من أن "النظام المقترح يوزع العبء بين محكمة القضاء الإداري والمحاكم الإدارية على أساس أهمية النزاع". كما أخطأ الحكم المطعون فيه عندما اتخذ اصطلاحات القانون رقم 210 لسنة 1951 والجداول الملحقة به الخاصة بتقسيم الوظائف معياراً لتوزيع الاختصاص بين محكمة القضاء الإداري والمحاكم الإدارية؛ ذلك أن قانون مجلس الدولة جعل أهمية النزاع هي المعيار الوحيد لتوزيع هذا الاختصاص, وافترض أن المرجع في تحديد نوع الوظيفة هو إلى اللوائح التي يخضع لها الموظفون في كل مصلحة أو هيئة عامة, وبالنسبة إلى الهيئات العامة التي تستقل بأنظمة خاصة لموظفيها تكون العبرة بالتقسيم الموضوع لوظائفها, فإن لم يوجد كان المرد إلى طبيعة الوظيفة ذاتها. وبهذا يستقيم المعيار القائم على أساس أهمية النزاع؛ إذ يكون شاملاً للموظفين العموميين الخاضعين للقانون رقم 210 لسنة 1951 وغير الخاضعين له. والقول بغير ذلك يؤدي إلى إخراج موظفي المؤسسات العامة مهما علت وظائفهم من دائرة اختصاص محكمة القضاء الإداري لمجر اختلاف تقسيم الوظائف فيها عن التقسيم الذي التزمه قانون نظام موظفي الدولة, بل إلى إخراج موظفي الحكومة ذوي الكادرات الخاصة كرجال القضاء وأعضاء مجلس الدولة والجامعات من هذا الاختصاص أيضاً؛ لأنهم لا يعتبرون في خصوص القانون رقم 210 لسنة 1951 من الداخلين في الهيئة من الفئة العالية ولا يشغلون الدرجات المدرجة بجدول الدرجات والمرتبات الملحق به. ولا شك أن وظيفة المرشد التي كان يشغلها المدعي, وهي أعلى وظيفة فنية في الهيئة تعتبر من الوظائف العالية. وقد أغفل الحكم المطعون فيه القانون رقم 32 لسنة 1957 بشأن المؤسسات العامة, وبخاصة المادة 13 منه التي يؤدي تطبيقها إلى سريان الأحكام العامة الواردة في القانون رقم 210 لسنة 1951 على موظفي هيئة قناة السويس لعدم تضمن اللائحة التي صدرت خاصة بهم أي نص يخالف هذه الأحكام أو يتعارض معها. وإذا كان اسم المرشدين لم يرد بجداول كادر موظفي الهيئة فإن هذا لا ينفي أنهم يشغلون وظائف فنية عالية؛ إذ المعول عليه أصلاً في وضع الكادر وفي فهم الوظائف هو "طبيعة العمل الذي يؤديه الموظف"، والوظائف الفنية في ذاتها هي داخل الهيئة، والجهة الإدارية التي يتبعها المدعي هي مؤسسة لها شخصية مستقلة وميزانية مستقلة, كذلك تتبع في وضعها القواعد المعمول بها في المشروعات التجارية؛ ولا تطبق القواعد والنظم الحكومية؛ ومن ثم فهي ليست ملزمة بتقسيم وظائفها إلى درجات مماثلة لما هو وارد في القانون رقم 210 لسنة 1951 الخاص بالأنظمة الموضوعة لموظفي الدولة.
ومن حيث إن الطرفين قد ترافعا بما هو ثابت بمحضري جلستي 11 و18 من أكتوبر سنة 1958 في الدفع الذي أثارته هيئة قناة السويس بعدم اختصاص المحكمة الإدارية بنظر هذه المنازعة.
ومن حيث إن اختصاص القضاء الإداري بنظر المنازعة الحالية, وتعيين أي محكمة من محاكم هذا القضاء هي المختصة به, يستلزم البحث فيما إذا كان المدعي يعتبر موظفاً عمومياً أم لا؛ وإذا كان كذلك فما مرتبة وظيفته ومستواها من حيث الأهمية في التدرج الوظيفي.
ومن حيث إن قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 285 لسنة 1956 بتأميم الشركة العالمية لقناة السويس البحرية الصادر في 26 من يوليه سنة 1956 نص في الفقرة الأولى من مادته الأولى على أن "تؤمم الشركة العالمية لقناة السويس البحرية (شركة مساهمة مصرية) وتنتقل إلى الدولة جميع ما لها من أموال وحقوق وما عليها من التزامات, وتحل جميع الهيئات واللجان القائمة حالياً على إدارتها", كما نص في الفقرة الأولى من مادته الثانية على أن "يتولى إدارة مرفق المرور بقناة السويس هيئة مستقلة تكون لها الشخصية الاعتبارية... ويكون لها في سبيل إدارة المرفق جميع السلطات اللازمة لهذا الغرض دون التقيد بالنظم والأوضاع الحكومية". كذلك نص في مادته الرابعة على أن "تحتفظ الهيئة بجميع موظفي الشركة المؤممة ومستخدميها وعمالها الحاليين...". وفي 31 من يناير سنة 1957 صدر قرار رئيس مجلس الجمهورية بالقانون رقم 32 لسنة 1957 بإصدار قانون المؤسسات العامة, ونص في المادة الثالثة عشرة منه على أن "تسري على موظفي المؤسسات العامة أحكام قانون الوظائف العامة فيما لم يرد بشأنه نص خاص في القرار الصادر بإنشاء المؤسسة أو اللوائح التي يضعها مجلس الإدارة". وقد ورد في المذكرة الإيضاحية لهذا القانون "ونظراً لما يترتب على اعتبار المؤسسة شخصاً من أشخاص القانون العام من اعتبار موظفيها موظفين عموميين؛ فقد عنى بالنص على أن تسري عليهم الأحكام العامة في شأن التوظف التي تسري على موظفي الحكومة فيما لم يرد فيه نص خاص في قرار إنشاء المؤسسة أو لوائحها الداخلية التي قد تقتضي طبيعة العمل في المؤسسة تضمينها أحكاماً خاصة", كما صدر في 10 من يوليه سنة 1957 قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 146 لسنة 1957 بنظام "هيئة قناة السويس", مستنداً في ديباجته إلى القانون رقم 32 لسنة 1957 بإصدار المؤسسات العامة آنف الذكر, ونص في المادة الثالثة من قانون إصداره على أن "ينشر هذا القرار في الجريدة الرسمية وتكون له قوة القانون, ولمجلس إدارة هيئة قناة السويس إصدار القرارات واللوائح اللازمة لتنفيذه, ويعمل به من تاريخ نشره", كما نص في المادة السابعة من القانون ذاته على أن "تختص الهيئة دون غيرها بإصدار اللوائح المتعلقة بالملاحة في قناة السويس وغير ذلك من اللوائح التي يقتضيها حسن سير المرفق وتقوم على تنفيذها". وقد أصدرت الهيئة بعد ذلك لائحة موظفي هيئة قناة السويس وكذا كادراً خاصاً بهم. ونص في المادة الأولى من اللائحة على أن "تسري أحكام هذه اللائحة على كل موظف يعين بالهيئة, وذلك وفقاً للجداول المرافقة لهذه اللائحة. كما تسري على الموظفين الذين كانوا يعملون بالمرفق قبل وبعد يوم 26 من يوليه سنة 1956", كما نص في مادتها الثانية على أن "تتضمن ميزانية الهيئة بياناً بكل نوع من الوظائف...". كذلك نص في المادة الخامسة والتسعين من اللائحة المذكورة, وهي الواردة في الفصل التاسع وعنوانه "الموظفون المؤقتون والموظفون الأجانب"، على ما يأتي "الموظفون المعينون بعقود قبل العمل بهذه اللائحة تستمر معاملتهم طبقاً لعقود استخدامهم, كما تسري عليهم أحكام هذه اللائحة فيما لا يتعارض مع ما هو وارد بتلك العقود, وذلك إلى أن تنتهي مدة خدمتهم". كما نصت المادة الأولى من الكادر الخاص بموظفي الهيئة على أن "يطبق هذا الكادر على جميع موظفي الهيئة الشاغلين للوظائف المدرجة بالجداول المرفقة اعتباراً من أول يوليه سنة 1957. أما بالنسبة للموظفين المعينين في الفترة بين 26 من يوليه سنة 1956 حتى آخر يونيه سنة 1957 فيطبق من تاريخ تعيين كل منهم".
ومن حيث إنه يخلص مما تقدم أن هيئة قناة السويس هي شخص من أشخاص القانون العام يقوم على شئون مرفق عام من مرافق الدولة هو مرفق القناة لإدارته واستغلاله وصيانته وتحسينه. فنص القرار بالقانون رقم 285 لسنة 1956 بتأميم الشركة العالمية لقناة السويس البحرية في مادته الثانية على أن "يتولى إدارة مرفق المرور بقناة السويس هيئة مستقلة تكون لها الشخصية الاعتبارية وتلحق بوزارة التجارة, ويصدر بتشكيل هذه الهيئة وتحديد مكافآت أعضائها قرار من رئيس الجمهورية, ويكون لها في سبيل إدارة المرفق جميع السلطات اللازمة لهذا الغرض...". وقد جاء في المذكرة الإيضاحية لهذا القانون أن الشركة العالمية لقناة السويس البحرية "إنما تقوم على استغلال مرفق المرور بقناة السويس, وذلك العمل يعتبر مرفقاً عاماً وثيق الصلة بالكيان الاقتصادي والسياسي لمصر. وهي إنما تقوم بهذا الاستغلال نيابة عن الحكومة المصرية... وللأسباب المتقدمة كان واجباً العمل على تأميم الشركة العالمية لقناة السويس البحرية واسترداد المرفق القومي الهام من يدها لإدارته إدارة مباشرة... ونص في المادة الثانية على أن يعهد بإدارة المرفق إلى هيئة مستقلة تكون لها الشخصية الاعتبارية مزودة بجميع السلطات اللازمة حتى تتمكن من القيام على أكمل وجه بتحقيق الغرض الهام الذي يقوم به هذا المرفق والمرونة الكاملة للتمكن من استعمال أحدث الوسائل والأساليب في خدمة هذا المرفق العام بأعظم قدر من الكفاية, على أن تعمل هذه الهيئة باعتبارها ملحقة بوزارة التجارة". ولما صدر القرار بالقانون رقم 146 لسنة 1957 بنظام "هيئة قناة السويس" أشار في ديباجته إلى القانون رقم 32 لسنة 1957 بإصدار قانون المؤسسات العامة, وهو القانون الذي نص في المادة الثالثة عشرة منه على أن "تسري على موظفي المؤسسات العامة أحكام قانون الوظائف العامة فيما لم يرد بشأنه نص خاص في القرار الصادر بإنشاء المؤسسة أو اللوائح التي يضعها مجلس الإدارة", والذي نصت الفقرة الأولى من المادة العشرين منه على أن "تعتبر أموال المؤسسات العامة أموالاً عامة, وتجري عليها القواعد والأحكام المتعلقة بالأموال العامة", والذي جاء في مذكرته الإيضاحية "ونظراً لما يترتب على اعتبار المؤسسة شخصاً من أشخاص القانون العام من اعتبار موظفيها موظفين عموميين، فقد عنى بالنص على أن تسري عليهم الأحكام العامة في شأن التوظف التي تسري على موظفي الحكومة...". وقد نص القرار بالقانون رقم 146 لسنة 1957 آنف الذكر في مادته الأولى على العمل بأحكام القانون المرافق في شأن "نظام هيئة قناة السويس", وفي مادته الثانية على أن تلغى المادة الثانية من القانون رقم 285 لسنة 1956, وهي المادة التي كان من مقتضاها إلحاق الهيئة بوزارة التجارة, وكل نص يخالف أحكام القانون المرافق؛ وبذلك أصبحت تلك الهيئة من المؤسسات العامة التي تسري عليها أحكام هذا القانون فضلاً عن أحكام القانون رقم 32 لسنة 1957 الخاص بالمؤسسات العامة فيما لا يتعارض معها؛ إذ عاملها الشارع باعتبارها كذلك. وغنى عن البيان أن هذه الهيئة كمؤسسة عامة تتبع رياسة الجمهورية في التنظيم العام للدولة وما يدخل في إطارها. وقد نص القانون رقم 146 لسنة 1957 في المادة الثالثة منه على أن "يكون لهيئة قناة السويس مجلس إدارة يصدر قرار من رئيس الجمهورية بتعين أعضائه وبإعفائهم من مناصبهم وبتحديد مكافآتهم", كما نص في المادة الرابعة منه على أن "يصدر قرار من رئيس الجمهورية بتعيين رئيس مجلس إدارة (هيئة قناة السويس) وأعضاء مجلس الإدارة المنتدبين والمدير العام للهيئة وبتحديد مكافآتهم", ونص في المادة الثامنة منه على أن "تعتمد الميزانية والحساب الختامي للهيئة بقرار من رئيس الجمهورية", وكذلك نص في المادة التاسعة على أن "تدير (هيئة قناة السويس) ميناء بورسعيد", "وفي المادة الحادية عشرة منه على أن "يكون للهيئة في سبيل القيام بواجباتها ومباشرة اختصاصاتها جميع السلطات اللازمة لذلك. وبوجه خاص يكون لها تملك الأراضي والعقارات بأية طريقة بما في ذلك نزع الملكية للمنفعة العامة...".
ومن حيث إنه يبين مما تقدم أن هيئة قناة السويس هي هيئة مستقلة يصدر بتشكيلها وتعيين رئيس وأعضاء مجلس إدارتها وأعضائه المنتدبين ومديرها العام وتحديد مكافآتهم وإعفاء البعض منهم من مناصبهم واعتماد ميزانيتها وحسابها الختامي قرار من رئيس الجمهورية, وتقوم على إدارة مرفق المرور بالقناة الذي هو مرفق عام قومي من مرافق الدولة وثيق الصلة بالكيان السياسي لمصر متبعة في ذلك أساليب القانون العام, ومستخدمة من الوسائل هذا المجرى المائي الذي هو جزء من الملك العام للدولة وتوابعه بما في ذلك ميناء بورسعيد, مع تمتعها بالشخصية الاعتبارية وبسلطة إدارية هي قسط من اختصاصات السلطة العامة، مع قدر من الاستقلال في مباشرة شئونها يتيح لها المرونة اللازمة التي تقتضيها طبيعة نشاطها؛ ومن ثم فإن موظفيها يعتبرون موظفين عموميين بحكم تبعيتهم لمؤسسة عامة تقوم على مرفق عام من مرافق الدولة, وإن كانوا مستقلين عن موظفي الدولة, وتسري عليهم تبعاً لذلك الأحكام والأنظمة المقررة بالنسبة لموظفي الإدارة الحكومية فيها لم يرد بشأنه نص خاص في قانون التأميم أو اللوائح التي توضع لهم خاصة. وبهذه المثابة فإن الاختصاص بنظر المنازعة المتعلقة بالطعن في قرار فصل المدعي من خدمة الهيئة ينعقد لمجلس الدولة بهيئة قضاء إداري دون غيره, وذلك بناء على نص البند (رابعاً) من المادة الثامنة من القانون رقم 165 لسنة 1955 في شأن تنظيم مجلس الدولة, وهي التي تقضي بأن "يختص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري دون غيره بالفصل في المسائل الآتية, ويكون له فيها ولاية القضاء كاملة:.... رابعاً - الطلبات التي يقدمها الموظفون العموميون بإلغاء القرارات النهائية للسلطات التأديبية". إلا أنه لما كان القانون المشار إليه قد وزع الاختصاص في المسائل الداخلة في ولاية القضاء الإداري في المادتين 13 و14 منه بين المحاكم الإدارية ومحكمة القضاء الإداري, فإنه يتعين بحث أي هذه المحاكم هو المختص بنظر المنازعة الحالية في ضوء قاعدة الاختصاص التي قررتها هاتان المادتان والحكمة التي أسس عليها الشارع هذه القاعدة.
ومن حيث إن القانون رقم 165 لسنة 1955 في شأن تنظيم مجلس الدولة قد نص في المادة 13 منه على أن "تختص المحاكم الإدارية بصفة نهائية: (1) بالفصل في طلبات إلغاء القرارات المنصوص عليها في البنود "ثالثاً" "ورابعاً" "وخامساً" من المادة 8 عدا ما يتعلق منها بالموظفين الداخلين في الهيئة من الفئة العالية أو بالضباط, وفي طلبات التعويض المترتبة عليها. (2) بالفصل في المنازعات الخاصة بالمرتبات والمعاشات والمكافآت المستحقة لمن ذكروا في البند السابق أو لورثتهم". ونص في المادة 14 منه على أن "تختص محكمة القضاء الإداري بصفة نهائية بالفصل في الطلبات والمنازعات المنصوص عليها في المواد 8 و9 و10 و11 عدا ما تختص به المحاكم الإدارية". وقد ورد في مذكرته الإيضاحية خاصاً بهاتين المادتين "وغني عن البيان أن محكمة القضاء الإداري بحسب النظام الحالي الذي تتحمل فيه وحدها عبء الفصل في هذه الكثرة الهائلة من القضايا... لن تستطيع - والحالة هذه - الفصل في القضايا بالسرعة الواجبة مع أهمية ذلك كي تستقر الأوضاع الإدارية ولو زيد عدد دوائرها أضعافاً؛ لذلك كان لا بد من علاج هذه المشكلة, والنظام المقترح يوزع العبء بين محكمة القضاء الإداري وبين المحاكم الإدارية على أساس أهمية النزاع..". ويتضح من هذا أن مناط توزيع الاختصاص بين محكمة القضاء الإداري وبين المحاكم الإدارية - بمراعاة التدرج القضائي بينهما - هو أهمية النزاع. ويستند معيار الأهمية في هذا المقام إلى قاعدة مجردة مردها إلى طبيعة النزاع في ذاته ودرجة خطورته منظوراً إليها من حيث مرتبة الموظف المستمدة من مستوى الوظيفة التي يشغلها في التدرج الوظيفي وأهميتها. ومتى كان الفيصل في تعيين الاختصاص القائم على أهمية النزاع هو هذا المعيار المجرد فإنه ينطبق كلما تحققت حكمته التشريعية غير مرتبط بتعبير اصطلاحي خاص قصد به معنى محدد في إطار قانوني معين كالقانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة, وإلا فاتت هذه المحكمة, فتفهم عبارة "الموظفين الداخلين في الهيئة من الفئة العالية" الواردة في المادة 13 من قانون مجلس الدولة رقم 165 لسنة 1955 على أنها وصف عام - لا على سبيل الحصر - للضابط الذي يتخذ أساساً لتقدير الأهمية، سواء طابق هذا الوصف الاصطلاح الوارد في قانون نظام موظفي الدولة أو في ميزانية الدولة العامة أو صادف حالة واقعية مماثلة قائمة بموظف عمومي خاضع لأحكام قانون آخر؛ ذلك أن المشرع في قانون مجلس الدولة لم يخص بالعبارة أنفة الذكر الموظفين الداخلين في الهيئة من الفئة العالية بحسب تعريفهم في قانون نظام موظفي الدولة والجداول الملحقة به أو في ميزانية الدولة العامة الخاصة بالحكومة المركزية فحسب, وإنما اتبع هذه المصطلحات على حكم الغالب، وعنى بذلك من في مستواهم الوظيفي من حيث طبيعة العمل ونوع الوظيفة ومرتبتها في مدارجها, بما لا يمنع من تأويل هذا الاصطلاح بما يقابله ويتعادل معه معنى ومدلولاً في مفهوم القواعد واللوائح التي تحكم حالة الموظفين العموميين في كل مصلحة أخرى أو هيئة عامة من الهيئات التي تستقل بأنظمة خاصة لموظفيها وميزانيتها, ولا تلتزم النظام الوظيفي أو المالي المتبع في شأن الموظفين الحكوميين. وبذلك تشمل قاعدة توزيع الاختصاص الواردة في المادتين 13 و14 من قانون مجلس الدولة طوائف الموظفين العموميين كافة, وتتسع لهم جميعاً, الخاضعين منهم لأحكام القانون رقم 210 لسنة 1951 وغير الخاضعين, تحقيقاً للمساواة بينهم في المعاملة القضائية, كما هو الحال بالنسبة إلى الموظفين العموميين ذوي الكادرات الخاصة الذين تنظم قواعد توظيفهم قوانين خاصة كرجال القضاء وإدارة قضايا الحكومة وأعضاء مجلس الدولة وأعضاء هيئة التدريس بالجامعات ولا يحكمهم قانون نظام موظفي الدولة أساساً, وكما هو الحال كذلك بالنسبة إلى موظفي المؤسسات العامة الداخلة في إطار الدولة العام وفي نطاق وظيفتها الإدارية بعد إذ امتد نشاط هذه الأخيرة إلى مختلف المرافق, والتي يتبعها موظفون عموميون ولا تتقيد بالأوضاع والنظم المالية المقررة لموظفي الإدارة الحكومية, سواء في تبويب الميزانية أو في تقسيم الوظائف والدرجات, كما لا تلتزم مصطلحاتها بنصها وتعبيراتها, بل تنفرد بنظمها وتعبيراتها الخاصة, وإن تقارب فيها ترتيب الوظائف وطبيعتها ومستوياتها من نظائرها في الكادر العام؛ إذ نصت المادة 15 من قانون المؤسسات العامة رقم 32 لسنة 1957 على أن "يكون للمؤسسات العامة ميزانيات خاصة بها ويبين القرار الصادر بإنشائها نظامها المالي وكيفية تحضير ميزانيتها وتنفيذها ومراجعتها ومدى ارتباطها بميزانية الدولة", كما نصت المادة 8 من القانون رقم 146 لسنة 1957 بنظام "هيئة قناة السويس" على أن "تكون للهيئة ميزانية مستقلة يتبع في وضعها القواعد المعمول بها في المشروعات التجارية, وذلك مع عدم الإخلال برقابة ديوان المحاسبة على الحساب الختامي للهيئة..."؛ ومن ثم فإن صفة الموظف الداخل في الهيئة في عرف الاصطلاح الجاري في النظام الحكومي تتوافر في الموظف التابع للمؤسسة العامة, وإن لم تضف عليه بحرفيتها هذه التسمية, متى اجتمعت لديه مقوماتها وخصائصها حسبما يتلاءم مع طبيعة نظام المؤسسة وأوضاع ميزانيتها ومركزه منها, فهو في الحكومة غيره في المؤسسة, بيد أن المركز القانوني لكليهما واحد, وبالتالي فإن حكمهما من حيث الاختصاص باعتباره أثراً من الآثار المترتبة على هذا المركز واحد كذلك. وبالقياس ذاته تتحدد الفئة العالية, فما هذه التسمية إلا مظهر الأهمية التي هي معيار توزيع الاختصاص, وتتحقق هذه الأهمية بتوافر عناصرها بالفعل في أي صيغة ركبت, فيعرف نظراء الموظفين الداخلين في الهيئة من الفئة العالية في المؤسسات العامة بحقيقة أوضاعهم الوظيفية والمالية لا بوصفهم وتسمياتهم. ومتى كان الأمر كذلك فلا حجة في القول بأن لائحة وكادر موظفي هيئة قناة السويس, وقد صدرا بقرار من مجلس إدارة الهيئة - وهو أداة تشريعية أدنى من قانون نظام موظفي الدولة وقانون مجلس الدولة - لا تملكان تعديل قواعد الاختصاص الواردة بهذين القانونين أو تغيير المعايير والأوضاع التي نصا عليها, لا حجة في ذلك؛ إذ لا تعديل ولا تغيير في قواعد الاختصاص أو في المعايير المشار إليها, بل إعمال لها وتطبيق صحيح لضوابطها بروحها ومغزاها بما يتفق وحكمة التشريع ويتلاءم مع طبيعة نظم التوظف وتقسيم الوظائف والدرجات وأوضاع الميزانية التي تقررها اللوائح الخاصة بالمؤسسات العامة والتي تصدر بالأداة التشريعية التي نص عليها قانون إنشائها. أما الاستمساك بوجوب التزام حرفية تعبير "الموظفين الداخلين في الهيئة من الفئة العالية" بمدلوله اللفظي المحدد بالقانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة فلزوم ما لا يلزم, بل وانحراف عن جوهر قصد الشارع في قانون مجلس الدولة بما قد يفضي إلى الخروج على مفهوم القانون ذاته فيما يتعلق بالموظفين الشاغلين للوظائف العليا ذات المربوط الثابت الذين لا يدخلون في نطاق تقسيم الوظائف الداخلة في الهيئة المنصوص عليه في المادة الثانية من قانون نظام موظفي الدولة, وهو تقسيم هذه الوظائف إلى فئتين: عالية ومتوسطة, وتقسيم كل من هاتين الفئتين إلى نوعين: فني وإداري للأولى, وفني وكتابي للثانية؛ إذ لم ترد وظائفهم في الجدول الثاني المرافق لهذا القانون ضمن وظائف الكادر الفني العالي والإداري, وهو منطق غير مقبول أن يخرج أفراد هذه الفئة من الموظفين من اختصاص محكمة القضاء الإداري ويخضعوا في منازعاتهم الإدارية لولاية المحاكم الإدارية, مع أن وظائفهم أعلى في مدارج السلم الإداري من وظائف الكادر الفني العالي والإداري المقرونة بهذا الوصف في الجدول الثاني من القانون وأخطر منها أهمية؛ الأمر الذي يتنافى مع ما قصده الشارع من جعل أهمية النزاع المشتقة من مرتبة الوظيفة مناط تحديد الاختصاص.
ومن حيث إنه متى كان المرجع في تعيين اختصاص كل من محكمة القضاء الإداري والمحاكم الإدارية هو إلى أهمية النزاع, وكان تقدير هذه الأهمية يقوم على أسس واقعية منضبطة, على نحو ما سلف بيانه, مردها إلى المستوى الوظيفي وخطورة المسئولية والدرجة المالية ومقدار المرتب وما إلى ذلك من ضوابط ومعايير يراعى فيها الموازنة بين الوظائف ذات الأهمية والقليلة الأهمية ومثيلات كل منها لقيام الفارق بينهما بحكم طبائع الأشياء, فليس ثمت اختصاص عام أصيل واختصاص استثنائي لأي من هاتين الهيئتين, بل مشاركة في الاختصاص على قدم المساواة من حيث مبدأ الولاية فيما اتحدت فيه هذه الولاية من المنازعات الخاصة بالموظفين العموميين, وتوزيع لهذا الاختصاص بين الهيئتين المذكورتين بمراعاة التدرج القضائي بينهما وفقاً لأهمية النزاع, بما يجعل كلاً منهما أصيلة فيما أسند إليها الاختصاص بنظره معزولة عما سواه, وآية ذلك ما نصت عليه الفقرة الأخيرة من المادة الثامنة من القانون رقم 165 لسنة 1955 في شأن تنظيم مجلس الدولة من قولها (وكل ذلك بحيث تختص محكمة القضاء الإداري وحدها بالفصل نهائياً فيما نص عليه في البندين "أولاً" و"سادساً", وتختص بالاشتراك مع المحاكم الإدارية بالفصل فيما نص عليه في البنود "ثالثاً" و"رابعاً" و"خامساً" و"سابعاً"). وهذا الاختصاص المشترك بالفصل فيما نص عليه في البنود "ثالثاً" و"رابعاً" و"خامساً" من المادة الثامنة من القانون في شئون الموظفين العموميين هو ما تحدثت عنه المادتان 13 و14 منه, ووزعت فيه الاختصاص بين المحاكم الإدارية ومحكمة القضاء الإداري بصفة نهائية على أساس أهمية النزاع بما يتمشى مع التدرج القضائي بين كل من هاتين الهيئتين. ومما يؤكد هذا النظر ما ورد في كلتا المادتين المشار إليهما من قول الشارع "عدا ما يتعلق منها بالموظفين الداخلين في الهيئة من الفئة العالية أو بالضباط" في المادة الأولى, و"عدا ما تختص به المحاكم الإدارية" في الثانية؛ الأمر الذي يفيد تبادل الاستثناء بين الهيئتين, وما بدء الشارع بالمحاكم الإدارية بسبب سهولة حصر اختصاصها إلا اقتصاد في العبارة وإيجاز في السرد.
ومن حيث إنه ما من شك أن وظيفة مرشد التي كان يشغلها المدعي والموصوفة في الميزانية بأنها دائمة - هي في القمة من الوظائف الفنية بهيئة قناة السويس, وفي الذروة منها دقة وخطورة. وبداهة هذا النظر تتجلي من طبيعتها بحكم كونها عصب النشاط الملاحي في مرفق المرور بالقناة. ولا يقدح في هذا أو يجردها من أهميتها المستمدة من طبيعة خصائصها والتي هي مناط تعيين الاختصاص خلو الجداول الواردة بالكادر الخاص بموظفي هيئة القناة من النص عليها بين مختلف الوظائف الفنية والإدارية والكتابية التي تضمنها ومنها ما يشغلها موظفون معتبرون من الفئة العالية وهم دون المرشدين. كما لا يقلل من أهمية هذه الوظيفة كون مرتبها الأصلي بغير العلاوات والإضافات زهيداً نسبياً بالمقارنة بالأجر الكلي الذي يتقاضاه المدعي فعلاً بسائر مشتملاته والذي لا يتمثل في هذا الراتب الرمزي فحسب، بل يرقى إلى رقم عريض في نهاية كل شهر تبعاً لعدد السفن التي يتولى مهمة إرشادها؛ ذلك أن هذه الإضافات إنما هي معتبرة مكملة للراتب الأصلي. بيد أنه لما كان حدها الأعلى مرنا دائب التفاوت وغير ثابت, وكانت تصعد بالراتب إلى مستوى يناهز أعلى المرتبات في الدولة أو يفوقها قدراً, فقد اقتضى وضعها الخاص الذي انفردت به إغفال تبويبها بين وظائف كادر موظفي هيئة القناة ودرجاته, والاكتفاء بإدراج مبلغ إجمالي للإرشاد في ميزانية الهيئة. وحسب وظائف المرشدين دليلاً على أهميتها أن المبلغ الذي اعتمد لها في البند 942 ص 26 من ميزانية السنة المالية 1957/ 1958 هو مليون من الجنيهات, وهو مبلغ طائل لو قورن بالاعتمادات المرصودة لسائر الوظائف الدائمة الأخرى في الهيئة. على أن المرتب الرمزي المجرد للمدعي في حد ذاته هو داخل في نطاق المرتبات المقررة لوظائف الفئة العالية بحسب قانون نظام موظفي الدولة.
ومن حيث إنه ومتى كان هذا هو وضع المدعي فلا يغير من الأمر فيما يتعلق بتعيين الهيئة المختصة بنظر دعواه الحالية كون علاقته بهيئة قناة السويس كانت تقوم على رابطة أساسها عقد استخدامه الذي ظل معاملاً بأحكامه؛ لأنه على فرض صحة هذا التكييف في الجدل المحض فإن أحكام العقد المقول به ذاتها - وهو ليس عقد عمل رضائي بالمعنى المفهوم في فقه القانون الخاص - تكون هي القاعدة التنظيمية التي تحكم حالته والتي تضعه في مركز لائحي يخضع لأحكام القانون العام. وهي مع ذلك لا تمنع سريان أحكام لائحة موظفي الهيئة في حقه فيما لا يتعارض مع ما هو وارد بهذا العقد طبقاً لنص المادة 95 من تلك اللائحة التي لا تزال قائمة ونافذة بقطع النظر عن الطعن فيها أمام القضاء ما دامت لم تلغ بعد. ولا تنافر بين قيام العقد وبين كون الموظف داخلاً في الهيئة أو من الفئة العالية أو مشبهاً بذلك حكماً؛ إذ نصت المادة الرابعة من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة على أن "الوظائف الداخلة في الهيئة إما دائمة وإما مؤقتة حسب وصفها في الميزانية". ونصت المادة 26 منه في شقها الأخير على ما يأتي: "... أما الموظفون المعينون على وظائف مؤقتة أو لأعمال مؤقتة فأحكام توظيفهم وتأديبهم وفصلهم يصدر بها قرار من مجلس الوزراء بناء على اقتراح وزير المالية والاقتصاد وبعد أخذ رأي ديوان الموظفين". وقد صدر قرار مجلس الوزراء في 31 من ديسمبر سنة 1952 بالموافقة على الشروط الواردة بنموذج عقد الاستخدام الذي أعده ديوان الموظفين.
ومن حيث إنه لما تقدم من أسباب فإن الاختصاص بنظر هذه المنازعة يكون لمحكمة القضاء الإداري دون المحاكم الإدارية - وإذ قضى الحكم المطعون فيه برفض الدفع بعدم اختصاص المحكمة الإدارية وباختصاصها بنظر الدعوى - فإنه يكون قد جانب الصواب في تأويل القانون وتطبيقه, ويتعين القضاء بإلغائه, وبعدم اختصاص المحكمة الإدارية بنظر الدعوى لكونها من اختصاص محكمة القضاء الإداري, وذلك دون حاجة إلى التطرق إلى ما عدا ذلك من دفوع. إلا أنه لما كانت الدعوى قد رفعت في بادئ الأمر أمام محكمة القضاء الإداري المختصة بنظرها قانوناً, ثم ترك المدعي فيها الخصومة, فترى هذه المحكمة إحالتها إلى المحكمة المذكورة بحالتها للفصل فيها؛ إعمالاً لحكم المادة 74 من القانون رقم 165 لسنة 1955 في شأن تنظيم مجلس الدولة والمادة 135 من قانون المرافعات المدنية والتجارية.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً, وفي موضوعه بعدم اختصاص المحكمة الإدارية لرياسة الجمهورية بنظر الدعوى, وباختصاص محكمة القضاء الإداري بنظرها, وبإحالتها إليها للفصل فيها.


(1) : يراجع المبدآن بصفحة 189 و192 من هذا العدد.

الطعن 1 لسنة 4 ق جلسة 22 / 11 / 1958 إدارية عليا مكتب فني 4 ج 1 ق 17 ص 188

جلسة 22 من نوفمبر سنة 1958

برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة سيد علي الدمراوي والسيد إبراهيم الديواني وعلي إبراهيم بغدادي وعبد المنعم سالم مشهور المستشارين.

-----------------

(17)

القضية رقم 1 لسنة 4 القضائية

(أ) موظف عام 

- موظفو كلية فيكتوريا يعتبرون موظفين عموميين بحكم تبعيتهم لمؤسسة عامة تقوم على مرفق عام من مرافق الدولة - سريان الأحكام والأنظمة المقررة بالنسبة لموظفي الإدارة الحكومية عليهم فيما لم يرد بشأنه نص خاص في العقود المبرمة معهم - الاختصاص في نظر الطعن المقدم في قرار فصل موظف في كلية فيكتوريا ينعقد لمجلس الدولة بهيئة قضاء إداري دون غيره.
(ب) اختصاص 

- مناط توزيع الاختصاص بين محكمة القضاء الإداري وبين المحاكم الإدارية هو أهمية النزاع - استناد هذا المعيار إلى قاعدة مجردة مردها إلى طبيعة النزاع في ذاته ودرجة خطورته من حيث مرتبة الموظف ومستوى الوظيفة التي يشغلها في التدرج الوظيفي وأهميتها - انطباق هذا المعيار كلما تحققت حكمته التشريعية - عدم ارتباطه بتعبير اصطلاحي خاص قصد به معنى محدد في قانون معين كالقانون رقم 210 لسنة 1951 - عبارة "الموظفين الداخليين في الهيئة في الفئة العالية" الواردة في المادة 13 من قانون مجلس الدولة - وجوب فهمها على أنها وصف عام للضابط الذي يتخذ أساساً لتقدير الأهمية, سواء طابق هذا الوصف الاصطلاح الوارد في قانون نظام موظفي الدولة أو في ميزانية الدولة العامة أو صادف حالة واقعية مماثلة قائمة بموظف عمومي خاضع لأحكام قانون آخر - شمول قاعدة توزيع الاختصاص الوارد في المادة 13 و14 من قانون مجلس الدولة طوائف الموظفين العموميين سواء الخاضعين منهم لأحكام القانون رقم 210 لسنة 1951 وغير الخاضعين - صفة الموظف الداخل في الهيئة في عرف الاصطلاح الجاري في النظام الحكومي تتوافر في الموظف التابع للمؤسسة العامة وإن لم تضف عليه بحرفيتها هذه التسمية متى اجتمعت لديه مقوماتها وخصائصها - عدم التقيد بوجوب التزام حرفية تعبير "الموظفين الداخلين في الهيئة في الفئة العالية" بمدلوله اللفظي المحدد في القانون رقم 210 لسنة 1951 - حجة ذلك.
(ج) اختصاص 

- توزيع الاختصاص بين محكمة القضاء الإداري والمحاكم الإدارية - عدم وجود اختصاص عام أصيل واختصاص استثنائي لأي من هاتين الهيئتين - اشتراك كل من الهيئتين في الاختصاص على قدم المساواة من حيث مبدأ الولاية فيما اتحدت فيه الولاية من المنازعات الخاصة بالموظفين العموميين - توزيع هذا الاختصاص بمراعاة التدرج القضائي بينهما وفقاً لأهمية النزاع - حجة ذلك.
(د) اختصاص 

- وظيفة مدرس مادة الطبيعة بمرتب قدره 550 ج سنوياً مضافاً إليه 50 ج نظير الإشراف على المعامل - هي في القمة من الوظائف الفنية في مرفق التعليم - عدم وجود كادر خاص بموظفي كلية فيكتوريا - لا يجرد هذه الوظيفة من أهميتها التي هي مناط تعيين الاختصاص - افتراض قيام علاقة المدعي بكلية فيكتوريا على رابطة أساسها عقد استخدامه - أحكام هذا العقد قاعدة تنظيمية تضعه في مركز لائحي يخضع لأحكام القانون العام - عدم وجود التنافر بين قيام العقد وبين كون الموظف داخلاً في الهيئة أو في الفئة العالية أو مشبهاً بذلك - اختصاص محكمة القضاء الإداري دون المحاكم الإدارية بنظر المنازعة المتعلقة بالقرار الصادر بفصله.

---------------------
1 - إن كلية فيكتوريا منذ صدور القانون رقم 111 لسنة 1957 والعقد المرافق له قد أصبحت شخصاً من أشخاص القانون العام يقوم بالإسهام في شئون مرفق عام من مرافق الدولة هو مرفق التعليم؛ ومن ثم فإن موظفي كلية فيكتوريا يعتبرون موظفين عموميين بحكم تبعيتهم لمؤسسة عامة تقوم على مرفق عام من مرافق الدولة, وتسري عليهم تبعاً لذلك الأحكام والأنظمة المقررة بالنسبة لموظفي الإدارة الحكومية فيما لم يرد بشأنه نص خاص في العقود المبرمة مع هؤلاء الموظفين؛ وبهذه المثابة فإن الاختصاص بنظر المنازعة المتعلقة بالطعن في قرار فصل المدعي الصادر في 30 من يونيه سنة 1957 من خدمة كلية فيكتوريا بالإسكندرية ينعقد لمجلس الدولة بهيئة قضاء إداري دون غيره, وذلك بناء على نص البند (رابعاً) من المادة الثامنة من القانون رقم 165 لسنة 1955 في شأن تنظيم مجلس الدولة, وهي التي تقضي بأن "يختص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري دون غيره بالفصل في المسائل الآتية ويكون له فيها ولاية القضاء كاملة... رابعاً - الطلبات التي يقدمها الموظفون العموميون بإلغاء القرارات النهائية للسلطات التأديبية".
2 - إن القانون رقم 165 لسنة 1955 في شأن تنظيم مجلس الدولة نص في المادة 13 منه على أن "تختص المحاكم الإدارية بصفة نهائية: (1) بالفصل في الطلبات إلغاء القرارات المنصوص عليها في البنود "ثالثاً" و"رابعاً" و"خامساً" من المادة 8 عدا ما يتعلق منها بالموظفين الداخلين في الهيئة من الفئة العالية أو بالضباط وفي طلبات التعويض المترتبة عليها. (2) بالفصل في المنازعات الخاصة بالمرتبات والمعاشات والمكافآت المستحقة لمن ذكروا في البند السابق أو لورثتهم". ونص في المادة 14 على أن "تختص محكمة القضاء الإداري بصفة نهائية بالفصل في الطلبات والمنازعات المنصوص عليها في المواد 8 و9 و10 و11 عدا ما تختص به المحاكم الإدارية". وقد ورد في المذكرة الإيضاحية للقانون رقم 165 لسنة 1955 المشار إليه خاصاً بهاتين المادتين "... وغني عن البيان أن محكمة القضاء الإداري بحسب النظام الحالي الذي تتحمل فيه وحدها عبء الفصل في هذه الكثرة الهائلة من القضايا... لن تستطيع والحالة هذه الفصل في القضايا بالسرعة الواجبة مع أهمية ذلك كي تستقر الأوضاع الإدارية ولو زيد عدد دوائرها أضعافاً. لذلك كان لا بد من علاج هذه المشكلة, والنظام المقترح يوزع العبء بين محكمة القضاء الإداري وبين المحاكم الإدارية على أساس أهمية النزاع...". ويتضح من هذا أن مناط توزيع الاختصاص بين محكمة القضاء الإداري وبين المحاكم الإدارية - بمراعاة التدرج القضائي بينهما - هو أهمية النزاع, ويستند معيار الأهمية في هذا المقام إلى قاعدة مجردة مردها إلى طبيعة النزاع في ذاته ودرجة خطورته منظوراً إليها من حيث مرتبة الموظفين المستمدة من مستوى الوظيفة التي يشغلها في التدرج الوظيفي وأهميتها. ومتى كان الفيصل في تعيين الاختصاص القائم على أهمية النزاع هو هذا المعيار المجرد فإنه ينطبق كلما تحققت حكمته التشريعية غير مرتبط بتعبير اصطلاحي خاص قصد به معنى محدد في إطار قانون معين كالقانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة, وإلا فاتت هذه الحكمة. فتفهم عبارة "الموظفين الداخلين في الهيئة من الفئة العالية" الواردة في المادة 13 من قانون مجلس الدولة رقم 165 لسنة 1955 على أنها وصف عام على سبيل الحصر للضابط الذي يتخذ أساساً لتقدير الأهمية, سواء طابق هذا الوصف الإصلاح الوارد في قانون نظام موظفي الدولة أو في ميزانية الدولة العامة, أو صادف حالة واقعية مماثلة قائمة بموظف عمومي خاضع لأحكام قانون آخر؛ ذلك أن المشرع في قانون مجلس الدولة لم يخص بالعبارة آنفة الذكر الموظفين الداخلين في الهيئة من الفئة العالية بحسب تعريفهم في قانون نظام موظفي الدولة والجداول الملحقة به أو في ميزانية الدولة العامة الخاصة بالحكومة المركزية فحسب, وإنما اتبع هذه المصطلحات على حكم الغالب, وعنى بذلك من في مستواهم الوظيفي من حيث طبيعة العمل ونوع الوظيفة ومرتبتها في مدارجها بما لا يمنع من تأويل هذا الاصطلاح بما يقابله ويتعادل معه معنى ومدلولاً في مفهوم القواعد واللوائح التي تحكم حالة الموظفين العموميين في كل مصلحة أخرى أو هيئة عامة من الهيئات التي تستقل بأنظمة خاصة لموظفيها وميزانيتها ولا تلتزم النظام الوظيفي أو المالي المتبع في شأن الموظفين الحكوميين؛ وبذلك تشمل قاعدة توزيع الاختصاص الواردة في المادتين 13 و14 من قانون مجلس الدولة طوائف الموظفين العموميين كافة وتتسع لهم جميعاً, الخاضعين منهم لأحكام القانون رقم 210 لسنة 1951 وغير الخاضعين؛ تحقيقاً للمساواة بينهم في المعاملة القضائية, كما هو الحال بالنسبة إلى الموظفين العموميين ذوي الكادرات الخاصة الذين تنظم قواعد توظيفهم قوانين خاصة - كرجال القضاء وإدارة قضايا وأعضاء مجلس الدولة وأعضاء هيئة التدريس بالجامعات - ولا يحكمهم قانون نظام موظفي الدولة أساساً, وكما هو الحال كذلك بالنسبة إلى موظفي المؤسسات العامة الداخلة في إطار الدولة العام وفي نطاق وظيفتها الإدارية بعد إذ امتد نشاط هذه الأخيرة إلى مختلف المرافق والتي يتبعها موظفون عموميون ولا تتقيد بالأوضاع والنظم المالية المقررة لموظفي الإدارة الحكومية سواء في تبويب الميزانية أو في تقسيم الوظائف والدرجات, كما لا تلتزم مصطلحاتها بنصها وتعبيراتها بل تنفرد بنظمها وتعبيراتها الخاصة وإن قارب فيها ترتيب الوظائف وطبيعتها ومستوياتها نظائرها في الكادر العام. ومن ثم فإن صفة الموظف الداخل في الهيئة في عرف الاصطلاح الجاري في النظام الحكومي تتوافر في الموظف التابع للمؤسسة العامة وإن لم تضف عليه بحرفيتها هذه التسمية, متى اجتمعت لديه مقوماتها وخصائصها حسبما يتلاءم مع طبيعة نظام المؤسسة وأوضاع ميزانيتها ومركزة فيها, فهو في الحكومة غيره في المؤسسة بيد أن المركز القانوني لطلبهما واحد, وبالتالي فإن حكمهما من حيث الاختصاص باعتباره أثراً من الآثار المترتبة على هذا المركز واحد كذلك. وبالقياس ذاته تتحدد الفئة العالية, فما هذه التسمية إلا مظهر الأهمية التي هي معيار توزيع الاختصاص, وتتحقق هذه الأهمية بتوافر عناصرها بالفعل في أي صيغة ركبت, فيعرف نظراء الموظفين الداخلين في الهيئة من الفئة العالية في المؤسسات العامة بحقيقة أوضاعهم الوظيفية والمالية لا بوصفهم وتسمياتهم. ومتى كان الأمر كذلك فلا تعديل ولا تغيير في قواعد الاختصاص بل إعمال لها وتطبيق صحيح لضوابطها بروحها ومغزاها بما يتفق وحكمة للتشريع ويتلاءم مع طبيعة نظم التوظيف وتقسيم الوظائف والدرجات وأوضاع الميزانية التي تقررها اللوائح الخاصة بالمؤسسات العامة. أما الاستمساك بوجوب التزام حرفية تعبير "الموظفين الداخليين في الهيئة من الفئة العالية" بمدلوله اللفظي المحدد في القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة فلزوم ما لا يلزم, بل إعراض عن جوهر قصد الشارع في قانون مجلس الدولة بما قد يفضي إلى الخروج على مفهوم القانون ذاته فيما يتعلق بالموظفين الشاغلين للوظائف العليا ذات المربوط الثابت الذين لا يدخلون في نطاق تقسيم الوظائف الداخلة في الهيئة المنصوص عليه في المادة الثانية من قانون نظام موظفي الدولة, وهو تقسيم هذه الوظائف إلى فئتين: عالية ومتوسطة, وتقسيم كل من هاتين الفئتين إلى نوعين: فني وإداري للأولى وفني وكتابي للثانية؛ إذ لم ترد وظائفهم في الجدول الثاني المرافق لهذا القانون ضمن وظائف الكادر الفني العالي والإداري, وهو منطق غير مقبول أن يخرج أفراد هذه الفئة من الموظفين من اختصاص محكمة القضاء الإداري ويخضعون في منازعاتهم الإدارية لولاية المحاكم الإدارية, مع أن وظائفهم في مدارج السلم الإداري تتعادل وتتساوى مع وظائف الكادر الفني العالي والإداري المقرونة بهذا الوصف في الجدول الثاني من القانون, الأمر الذي يتنافى مع ما قصده الشارع من جعل أهمية النزاع المشتقة من مرتبة الوظيفة مناط تحديد الاختصاص.
3 - متى كان المرجع في تعيين اختصاص كل من محكمة القضاء الإداري والمحاكم الإدارية هو إلى أهمية النزاع, وكان تقدير هذه الأهمية يقوم على أسس واقعية منضبطة على نحو ما سلف بيانه مردها إلى المستوى الوظيفي وخطورة المسئولية والدرجة المالية ومقدار المرتب وما إلى ذلك من ضوابط ومعايير يراعى فيها الموازنة بين الوظائف ذات الأهمية والقليلة الأهمية ومثيلات كل منها؛ لقيام الفارق بينهما بحكم طبائع الأشياء. فليس ثمت اختصاص عام أصيل واختصاص استثنائي لأي من هاتين الهيئتين, بل مشاركة في الاختصاص على قدم المساواة من حيث مبدأ الولاية فيما اتحدت فيه هذه الولاية من المنازعات الخاصة بالموظفين العموميين, وتوزيع لهذا الاختصاص بين الهيئتين المذكورتين بمراعاة التدرج القضائي بينهما وفقاً لأهمية النزاع بما يجعل كلاً منهما أصيلة فيما أسند إليها الاختصاص بنظره معزولة عما سواه. وآية ذلك ما نصت عليه الفقرة الأخيرة من المادة الثامنة من القانون رقم 165 لسنة 1955 في شأن تنظيم مجلس الدولة من قولها: "وكل ذلك بحيث تختص محكمة القضاء الإداري وحدها بالفصل نهائياً فيما نص عليه في البندين أولاً وسادساً, وتختص بالاشتراك مع المحاكم الإدارية بالفصل فيما نص عليه في البنود: ثانياً وثالثاً ورابعاً وخامساً وسابعاً", وهذا الاختصاص المشترك بالفصل فيما نص عليه في البنود: ثانياً وثالثاً ورابعاً وخامساً من المادة الثامنة من القانون في شئون الموظفين العموميين هو ما تحدثت عنه المادتان 13 و14 منه, ووزعت فيه الاختصاص بين المحاكم الإدارية ومحكمة القضاء الإداري بصفة نهائية على أساس أهمية النزاع بما يتمشى مع التدرج القضائي بين كل من هاتين الهيئتين. ومما يؤكد هذا النظر ما ورد في كلتا المادتين المشار إليهما من قول الشارع "عدا ما يتعلق منها بالموظفين الداخلين في الهيئة من الفئة العالية أو بالضباط" في المادة الأولى, وعدا ما تختص به المحاكم الإدارية في الثانية؛ الأمر الذي يفيد تبادل الاستثناء بين الهيئتين, وما بدء الشارع بالمحاكم الإدارية بسبب سهولة حصر اختصاصها إلا اقتصاد في العبارة وإيجاز في السرد.
4 - إن وظيفة مدرس مادة الطبيعة التي كان يشغلها المدعي ومرتبه الذي كان يتقاضاه وقدره 550 جنيهاً سنوياً مضافاً إليه 50 جنيهاً نظير الإشراف على المعامل والمؤهل الذي يحمله - وهو الدكتوراه من جامعة شيفيلد - هذه الوظيفة هي في القمة من الوظائف الفنية في مرفق التعليم. ولا يقدح في هذا أو يجرد الوظيفة من أهميتها المستمدة من طبيعة خصائصها والتي هي مناط تعيين الاختصاص عدم وجود كادر خاص بموظفي كلية فيكتوريا؛ ذلك أن مرتب وظيفة المدعي يصعد إلى مستوى يناهز المرتبات العالية في الدولة؛ الأمر الذي يجعله في حد ذاته يدخل في نطاق المرتبات المقررة لوظائف الفئة العالية بحسب قانون نظام موظفي الدولة. ومتى كان هذا هو وضع المدعي فلا يغير من الأمر - فيما يتعلق بتعيين الهيئة المختصة بنظر دعواه الحالية - كون علاقته بكلية فيكتوريا كانت تقوم على رابطة أساسها عقد استخدامه الذي ظل معاملاً بأحكامه؛ لأنه على فرض صحة هذا التكييف فإن أحكام العقد ذاتها تكون هي القاعدة التنظيمية التي تحكم حالته والتي تضعه في مركز لائحي يخضع لأحكام القانون العام, وهي مع ذلك لا تمنع من سريان أحكام نظام التوظف في حقه فيما لا يتعارض مع ما هو وارد بهذا العقد. ولا تنافر بين قيام العقد وبين كون الموظف داخلاً في الهيئة أو من الفئة العالية أو مشبهاً بذلك حكماً. ولما تقدم من أسباب, فإن الاختصاص بنظر هذه المنازعة يكون لمحكمة القضاء الإداري دون المحاكم الإدارية.


إجراءات الطعن

في يوم 10 من أكتوبر سنة 1957 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية المحكمة عريضة طعن قيد برقم 1 لسنة 4 القضائية في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية بالإسكندرية بجلسة 13 من أغسطس سنة 1957 في القضية رقم 520 لسنة 4 ق المرفوعة من محمد أحمد عجلان ضد وزارة التربية والتعليم, القاضي باستمرار صرف مرتب المدعي لمدة غايتها آخر ديسمبر سنة 1957 ومع مراعاة حكم المادة 18 من القانون رقم 165 لسنة 1955 مع إلزام الجهة الإدارية بالمصروفات ومبلغ مائتي قرش مقابل أتعاب المحاماة. وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين للأسباب التي استند إليها في صحيفة طعنه - (أولاً) وبصفة أصلية الحكم بقبول الطعن شكلاً, وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه, والقضاء بعدم اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بنظر الدعوى, مع إلزام المدعي بالمصروفات. (ثانياً) وبصفة احتياطية بقبول الطعن شكلاً, وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه, والقضاء برفض الدعوى, مع إلزام المدعي بالمصروفات. وقد أعلن هذا الطعن إلى وزارة التربية والتعليم في 17 من أكتوبر سنة 1957, وإلى المطعون ضده في 22 من أكتوبر سنة 1957, وبعد أن انقضت المواعيد القانونية المقررة دون أن يقدم أي من الطرفين مذكرة بملاحظاته تحدد لنظر الطعن أمام هذه المحكمة جلسة 25 من أكتوبر سنة 1958. وفي 12 من يوليه سنة 1958 أبلغ الطرفان بميعاد هذه الجلسة, وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة, ثم قررت إرجاء النطق بالحكم في الطعن إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة - حسبما يبين من أوراق الطعن - تتحصل في أنه في 14 من يوليه سنة 1957 أقام المدعي الدعوى رقم 520 لسنة 4 ق ضد وزارة التربية والتعليم أمام المحكمة الإدارية بالإسكندرية, وضمن صحيفتها أنه كان يعمل بخدمة كلية النصر كمدرس منذ أول أكتوبر سنة 1955. وفي 30 من يونيه سنة 1957 أخطره مدير الكلية بالاستغناء عن خدماته اعتباراً من أول يوليه 1957, وينعى على قرار فصله أنه جاء مشوباً بعيب التعسف في استعمال السلطة, وأريد به الانتقام منه لترشيحه نفسه في الانتخابات الأخيرة رغم ما تقرر من استبعاد اسمه من قوائم الترشيح, ويضيف أنه موظف عمومي, وقد ثبتت له هذه الصفة منذ صدور القانون رقم 111 لسنة 1957. ويذكر أنه تظلم في 13 من يوليه سنة 1957 لوزير التربية والتعليم من القرار الصادر بفصله, وأنه يحتفظ لنفسه بالحق في طلب إلغائه, وطلب بصفة مستعجلة استمرار صرف مرتبه من تاريخ فصله استناداً إلى الفقرة الثانية من المادة 18 من القانون رقم 165 لسنة 1955 الخاص بتنظيم مجلس الدولة مع إلزام الجهة الإدارية بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وبجلسة 13 من أغسطس سنة 1957 حكمت المحكمة باستمرار صرف مرتب المطعون ضده لمدة غايتها آخر ديسمبر سنة 1957 ومع مراعاة حكم المادة 18 من القانون رقم 165 لسنة 1955, مع إلزام الجهة الإدارية بالمصروفات ومبلغ مائتي قرش مقابل أتعاب المحاماة. وأقامت المحكمة قضاءها على ما استخلصته من ظروف الحال, وعرضت لاختصاصها بنظر الدعوى فقالت إن المدعي كان يعمل مدرساً بكلية فيكتوريا البريطانية التي أخضعت للحراسة, ثم صدر قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 111 لسنة 1957 بالترخيص بالتعاقد مع الحارس العام على أموال الرعايا البريطانيين والفرنسيين والأستراليين على شراء المدارس الأجنبية التي كانت خاضعة لأحكام الحراسة نظراً لضمها للوزارة, وتضمن العقد إقرار الوزارة بتسلمها جميع هذه المدارس, وانتقال ملكيتها تبعاً لذلك للوزارة, وحلول الوزارة محل الحراسة العامة على هذه المدارس في جميع الالتزامات الواقعة عليها, وأن تلتزم الوزارة بجميع الالتزامات التي كانت المدارس المبيعة ملتزمة بها قبل موظفيها ومستخدميها وعمالها بما في ذلك مكافآت ترك الخدمة. وأنه نتيجة لضم هذه المدارس إلى وزارة التربية والتعليم اعتباراً من 30 أبريل سنة 1957 اعتبر المدعي موظفاً عاماً لارتباطه بالعمل بصفة منتظمة في مرفق التعليم الذي تباشره هذه الوزارة وإن لم ينته الأمر بعد إلى تحديد وضعه من حيث تعرف الكادر أو الدرجة المقررة أن يشغلها في ظل هذا التظلم الجديد, ومن سبق الحوادث القول بأنه يعتبر من الموظفين بالكادر الفني العالي بالنظر إلى المؤهل الدراسي العالي الذي يحمله. وانتهت المحكمة إلى أنها مختصة بنظر منازعة المدعي؛ لأنها تقوم على اختصام القرار الصادر بفصله من الخدمة عملاً بأحكام القانون رقم 165 لسنة 1955. ثم عرضت المحكمة لموضوع الدعوى وبينت أن الحكم باستمرار صرف المرتب طبقاً لمقتضى نص المادة 18 من القانون رقم 165 لسنة 1955 حكم مؤقت يقتضي استظهار مشروعية قرار الفصل دون الخوض في صميم الموضوع لتعرف ملابسات إصداره لتلمس ما إذا كان سليماً مما يشوبه من عدمه. وذكرت المحكمة أنه يبين من مطالعة ملف خدمة المدعي المقدم من الجهة الإدارية أنه عين في وظيفة مدرس بكلية فيكتوريا اعتباراً من أول أكتوبر سنة 1955 وتضمنت شروط استخدامه أنه يمكن إنهاء العقد إذا أخطر أحد الطرفين الطرف الآخر قبل ذلك بفترة (Term), وقد بعثت الكلية إلى المطعون ضده في 30 من يونيه سنة 1957 خطاباً تضمن إخطاره بالاستغناء عن خدماته اعتباراً من أول يوليه سنة 1957، وذلك بناء على إشارة تليفونية صادرة في 25 من يونيه سنة 1957 من مكتب المدير الفني لمكتب وزير التربية والتعليم, ولم تفصح الجهة الإدارية عن مضمون هذه الإشارة, غير أن مندوب الجهة الإدارية قرر بجلسة المرافعة أن إنهاء خدمة المطعون ضده كان لعدم صلاحيته في عمله. ثم استطردت المحكمة وقالت إن العقد وإن أجاز للجهة الإدارية إنهاء خدمة المطعون ضده استناداً إلى ما جاء بكتاب مدير الكلية إلى المطعون ضده المؤرخ 6 من أغسطس سنة 1955 متضمناً شروط توظفه بالكلية, غير أنه يتعين التزام ما جاء بهذا الشأن من أن إخطار أي طرف بالعقد للطرف الآخر بإنهاء العقد يجب أن يكون قبل الميعاد المحدد لإنهاء العقد بفترة (Term). وانتهت المحكمة إلى أن فترة العطلة الصيفية التي بدأت في أول يوليه سنة 1957 لا تعتبر بمثابة (Term) عند النظر في إنهاء عقد استخدام المطعون ضده, على أساس أن العام الدراسي بالكلية ينقسم إلى ثلاث فترات (Term): تبدأ الفترة الأولى من أول أكتوبر وتنتهي في 31 من ديسمبر, وتبدأ الفترة الثانية من أول يناير وتنتهي في 31 من مارس, وتبدأ الفترة الثالثة من أول أبريل وتنتهي في 30 من يونيه. وأن الفترة من أول يوليه حتى آخر سبتمبر عطلة دراسية ولا تعتبر بمثابة (Term) دراسي. وانتهت المحكمة إلى أن إخطار الجهة الإدارية للمطعون ضده بإنهاء خدمته جاء مخالفاً لعقد استخدامه؛ إذ كان يتعين أن يمنح مهلة قدرها فترة دراسية (Term) تمضي بين الإخطار وبين الموعد المحدد لإنهاء عقده. وتقول المحكمة إن أول (Term) بعد تاريخ الإخطار يبدأ من أول أكتوبر سنة 1957 وينتهي بآخر ديسمبر سنة 1957. ورتبت المحكمة على ذلك أن إخطار الجهة الإدارية للمطعون ضده بإنهاء خدمته قد جاء مخالفاً لما ورد بالبند السادس من تعاقد الوزارة مع الحارس العام في شأن ضم المدارس الأجنبية التي كانت خاضعة للحراسة إلى الوزارة من التزام الوزارة بتنفيذ جميع الالتزامات التي كانت المدارس المبيعة ملتزمة بها قبل موظفيها ومستخدميها وعمالها, واستطردت المحكمة إلى أن الجهة الإدارية قد ذهبت إلى أن فصل المطعون ضده من الخدمة كان لما تبين من عدم صلاحيته لمباشرة أعمال وظيفته؛ الأمر الذي يتنافى مع ما جاء بالتقرير المقدم في 27 من مايو سنة 1957 من مفتش مادة العلوم التي كان المطعون ضده يقوم بتدريسها بالكلية, وقد تضمن أن المطعون ضده (ذو شخصية قوية, مادته ممتازة, طريقته استقرائية ممتازة, يجيد مناقشة تلاميذه كما يجيد تحضير دروسه, أعمال تلاميذه التحريرية جيدة, إجابة تلاميذه جيدة, جيد التعاون جداً مع إدارة المدرسة, التقرير العام ممتاز)؛ بما لا يتفق والقول بأن إنهاء خدمة المطعون ضده كان مرده إلى عدم صلاحيته في أداء عمله, ويكون هذا التدليل مما يعيب قرار الفصل من الخدمة. وذكرت المحكمة أنها استظهرت من ذلك أن طلب المطعون ضده الحكم بصفة مستعجلة باستمرار صرف مرتبه يستند إلى أسباب جدية, وذكرت أنه إزاء ما للجهة الإدارية من الحق في إنهاء عقد استخدام المطعون ضده في ظل القاعدة التي حددتها أحكام عقد استخدامه طالما لم تصدر عنها قاعدة تنظيمية جديدة في هذا الشأن, وأن هذا الحق مرهون بأن يتم الإخطار بإنهاء العقد قبل التاريخ المحدد لذلك بفترة دراسية (Term)؛ ومن ثم فقد صح لها أن تخطر المطعون ضده في 30 من يونيه سنة 1957 بإنهاء عقد استخدامه اعتباراً من أول يناير سنة 1958. وانتهت المحكمة من ذلك إلى أن المطعون ضده يستحق صرف مرتبه على النحو الذي كان يصرف له قبل فصله حتى آخر ديسمبر سنة 1957. وقد طعن السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة في هذا الحكم طالباً: (أولاً) وبصفة أصلية الحكم بقبول الطعن شكلاً, وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه, والقضاء بعدم اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بنظر الدعوى, مع إلزام المدعي بالمصروفات. (ثانياً) وبصفة احتياطية الحكم بقبول الطعن شكلاً, وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه, والقضاء برفض الدعوى, مع إلزام المدعي بالمصروفات. واستند رئيس هيئة المفوضين في أسباب طعنه إلى أن المطعون ضده - حسبما يبين من الأوراق - كان يعمل معيداً بجامعة الإسكندرية, ثم فصل من الخدمة لأسباب سياسية, وفي 6 من أغسطس سنة 1955 تم الاتفاق بينه ويبن ناظر كلية فيكتوريا على أن يعمل مدرساً بهذه الكلية, وتضمن الاتفاق على حق كل من طرفيه في إنهائه بإخطار يوجهه إلى الطرف الآخر قبل الموعد بفترة دراسية (Term). وفي سنة 1956 وضعت كلية فيكتوريا تحت الحراسة على إثر العدوان على مصر. وفي 29 من أبريل سنة 1957 صدر قرار جمهوري بالقانون رقم 111 لسنة 1957 بالترخيص لوزير التربية والتعليم في التعاقد مع الحارس العام على أموال الرعايا البريطانيين والفرنسيين والاستراليين طبقاً للشروط المرافقة للقانون. وقد نص البند السادس من هذه الشروط على أن يلتزم وزير التربية والتعليم بصفته بجميع الالتزامات التي كانت المدارس المبيعة ملتزمة بها قبل موظفيها مستخدميها وعمالها, وبمقتضى ذلك اشترت وزارة التربية والتعليم كلية فيكتوريا بالإسكندرية التي كان يعمل بها المطعون ضده, وفي 30 من يونيه سنة 1957 أخطرت إدارة الكلية المطعون ضده بالاستغناء عن خدماته اعتباراً من أول يوليه سنة 1957. وتقول هيئة المفوضين إنه في هذا النطاق الذي رسمته الوقائع يبين أن مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري غير مختص بنظر هذه المنازعة؛ لأن وزارة التربية والتعليم - على مقتضى البند السادس من العقد المبرم بينها وبين الحارس العام - قد حلت محل كلية فيكتوريا في علاقتها العقدية بالمطعون ضده, مما ينتفي معه القول بأن المدعي قد أصبح موظفاً عاماً بأيلولة المدرسة إلى المرفق العام للتعليم, كما أنه لا يمكن أن ينشأ له هذا المركز القانوني العام طالما لم يصدر قراره بتعيينه من الجهة الإدارية, وأن إسهامه في إدارة المرفق عرضية غير مستمرة مما يتخلف عنه شط جوهر من شروط اعتباره موظفاً عاماً. وتستطرد هيئة المفوضين قائلة إنه لو سلم جدلاً بما ذهب إليه الحكم المطعون فيه من اعتبار المطعون ضده موظفاً عاماً وقضى باختصاص القضاء الإداري بنظر الدعوى فقد أخطأ الحكم حين جعل مناط الصلاحية تقرير التفتيش عن عمل المطعون ضده؛ إذ فات الحكم أن المطعون ضده كان موظفاً عاماً ثم فصل لأسباب سياسية، مما يتعين معه رد عدم الصلاحية إلى هذا السبب دون غيره. وترتب هيئة المفوضين على ذلك أن طلب المطعون ضده الحكم صفة مستعجلة باستمرار صرف مرتبه غير مستند إلى أسباب جدية, وأن الحكم المطعون فيه حين أخذ بغير هذا النظر يكون قد خالف القانون.
ومن حيث إنه يبين من الأوراق أن المدعي حاصل على بكالوريوس كلية العلوم سنة 1944, وعلى الدكتوراه من جامعة شيفيلد في 5 من مارس سنة 1954, وكان يعمل في وظيفة معيد بكلية العلوم بجامعة الإسكندرية منذ 22 من أكتوبر سنة 1944, وفصل من الخدمة تنفيذاً لقرار مجلس قيادة الثورة الصادر بجلسته المنعقدة في 21 من سبتمبر سنة 1954, ثم عين في 6 من أغسطس سنة 1955 في وظيفة مدرس لمادة الطبيعة بكلية فيكتوريا بالإسكندرية ابتداء من أول أكتوبر سنة 1955 بمرتب سنوي قدره خمسمائة وخمسون جنيهاً يضاف إليه مبلغ خمسين جنيهاً نظير الإشراف على المعامل.
ومن حيث إن كلية فيكتوريا قد أخضعت للحراسة باعتبارها من أموال الرعايا البريطانيين بالأمر رقم 5 لسنة 1956 الخاص بالاتجار مع الرعايا البريطانيين أو الفرنسيين.
ومن حيث إن ملكية كلية فيكتوريا قد انتقلت إلى الحكومة المصرية تنفيذاً للقانون رقم 111 لسنة 1957 الخاص بالترخيص لوزير التربية والتعليم في التعاقد مع الحارس العام على أموال الرعايا البريطانيين والفرنسيين والاستراليين بمقتضى عقد البيع المحرر بين الحارس العام على أموال الرعايا البريطانيين والفرنسيين والاستراليين, وذلك بموجب السلطة المخولة له من وزير المالية والاقتصاد بالقرار رقم 387 لسنة 1957 (طرف أول) وبين السيد وزير التربية والتعليم بصفته نائباً عن الحكومة المصرية بمقتضى التفويض الصادر له (طرف ثان). وقد تضمن العقد أن الحكومة المصرية قد تسلمت المدرسة بجميع موجوداتها وكافة أوراقها, وأن ملكية الأصول المبيعة قد انتقلت إليها منذ التوقع على العقد في 29 من أبريل سنة 1957, وأنها حلت محل الطرف الأول في جميع الالتزامات الواقعة على عاتق المدرسة المبيعة اعتباراً من تاريخ انتقال الملكية إليها, وأنها - أي الحكومة - تلتزم بجميع الالتزامات التي كانت المدرسة المبيعة ملتزمة بها قبل موظفيها ومستخدميها وعمالها بما في ذلك من مكافآت ترك الخدمة. وقد ظل المدعي في عمله بعد صدور القانون رقم 111 لسنة 1957 وعقد البيع المؤرخ 29 من أبريل سنة 1957 المشار إليهما إلى أن صدر القرار المطعون فيه في 30 من يونيه سنة 1957 بالاستغناء عن خدماته اعتباراً من أول يوليه سنة 1957.
ومن حيث إن طعن السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة يقوم بصفة أصلية على عدم اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بنظر الدعوى.
ومن حيث إن اختصاص القضاء الإداري بنظر المنازعة الحالية يستلزم البحث فيما إذا كان المدعي يعتبر موظفاً عمومياً أم لا, وإذا كان كذلك ما مرتبة وظيفته ومستواها من حيث الأهمية في التدرج الوظيفي.
ومن حيث إن عقد البيع - المبرم بين الحارس العام على أموال الرعايا البريطانيين والفرنسيين والاستراليين وبين وزير التربية والتعليم بصفته نائباً عن الحكومة المصرية والصادر تنفيذاً لقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 111 لسنة 1957 بالترخيص لوزير التربية والتعليم في التعاقد مع الحارس العام على أموال الرعايا البريطانيين والفرنسيين والاستراليين - قد تضمن في مادته الرابعة ما يفيد تسلم الحكومة المصرية المدرسة المبيعة بجميع موجوداتها وكافة أوراقها, كما نصت مادته الخامسة على انتقال ملكية الأصول المبيعة إلى المشتري بمجرد التوقيع على هذا العقد, كما يحل الطرف الثاني محل الطرف الأول في جميع الالتزامات الواقعة على عاتق المدرسة المبيعة, وكذلك في الدعاوى المرفوعة منه أو ضده, وذلك اعتباراً من تاريخ انتقال الملكية إليه, ونصت المادة السادسة على أن يلتزم الطرف الثاني (الحكومة المصرية) بجميع الالتزامات التي كانت المدرسة المبيعة ملتزمة بها قبل موظفيها ومستخدميها وعمالها بما في ذلك مكافآت ترك الخدمة.
ومن حيث إنه يخلص مما تقدم أن كلية فيكتوريا منذ صدور القانون رقم 111 لسنة 1957 والعقد المرافق له قد أصبحت شخصاً من أشخاص القانون العام يقوم بالإسهام في شئون مرفق عام من مرافق الدولة هو مرفق التعليم؛ ومن ثم فإن موظفي كلية فيكتوريا يعتبرون موظفين عموميين بحكم تبعيتهم لمؤسسة عامة تقوم على مرفق عام من مرافق الدولة, وتسري عليهم تبعاً لذلك الأحكام والأنظمة المقررة بالنسبة لموظفي الإدارة الحكومية فيما لم يرد بشأنه نص خاص في العقود المبرمة مع هؤلاء الموظفين؛ وبهذه المثابة فإن الاختصاص بنظر المنازعة المتعلقة بالطعن في قرار فصل المدعي الصادر في 30 من يونيه سنة 1957 من خدمة كلية فيكتوريا بالإسكندرية ينعقد لمجلس الدولة بهيئة قضاء إداري دون غيره وذلك بناء على نص البند (رابعاً) من المادة الثامنة من القانون رقم 165 لسنة 1955 في شأن تنظيم مجلس الدولة وهي التي تقضي بأن "يختص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري دون غيره بالفصل في المسائل الآتية ويكون له فيها ولاية القضاء كاملة:.... رابعاً - الطلبات التي يقدمها الموظفون العموميون بإلغاء القرارات النهائية للسلطات التأديبية"، إلا أنه لما كان قانون مجلس الدولة رقم 165 لسنة 1955 المشار إليه قد وزع الاختصاص - في المسائل الداخلية في ولاية القضاء الإداري في المادتين 13 و14 منه - بين المحاكم الإدارية ومحكمة القضاء الإداري, فإنه يتعين بحث أي هذه المحاكم هو المختص بنظر المنازعة الحالية في ضوء قاعدة الاختصاص التي قررتها هاتان المادتان والحكمة التي أسس عليها الشارع هذه القاعدة.
ومن حيث إن القانون رقم 165 لسنة 1955 في شأن تنظيم مجلس الدولة نص في المادة 13 منه على أن "تختص المحاكم الإدارية بصفة نهائية: 1 - بالفصل في الطلبات إلغاء القرارات المنصوص عليها في البنود ثالثاً ورابعاً وخامساً من المادة 8 عدا ما يتعلق منها بالموظفين الداخليين في الهيئة من الفئة العالية أو بالضباط وفي طلبات التعويض المترتبة عليها. 2 - بالفصل في المنازعات الخاصة بالمرتبات والمعاشات والمكافآت المستحقة لمن ذكروا في البند السابق أو لورثتهم". ونص في المادة 14 على أن "تختص محكمة القضاء الإداري بصفة نهائية بالفصل في الطلبات والمنازعات المنصوص عليها في المواد 8 و9 و10 و11 عدا ما تختص به المحاكم الإدارية". وقد ورد في المذكرة الإيضاحية للقانون رقم 165 لسنة 1955 المشار إليه خاصاً بهاتين المادتين: "... وغني عن البيان أن محكمة القضاء الإداري بحسب النظام الحالي الذي تتحمل فيه وحدها عبء الفصل في هذه الكثرة الهائلة من القضايا... لن تستطيع - والحالة هذه - الفصل في القضايا بالسرعة الواجبة مع أهمية ذلك؛ كي تستقر الأوضاع الإدارية ولو زيد عد دوائرها أضعافاً؛ لذلك كان لا بد من علاج هذه المشكلة, والنظام المقترح يوزع العبء بين محكمة القضاء الإداري وبين المحاكم الإدارية على أساس أهمية النزاع...".
ومن حيث إنه يتضح من هذا أن مناط توزيع الاختصاص بين محكمة القضاء الإداري وبين المحاكم الإدارية - بمراعاة التدرج القضائي بينهما - هو أهمية النزاع, ويستند معيار الأهمية في هذا المقام إلى قاعدة مجردة مردها إلى طبيعة النزاع في ذاته ودرجة خطورته منظوراً إليها من حيث مرتبة الموظفين المستمدة من مستوى الوظيفة التي يشغلها في التدرج الوظيفي وأهميتها، ومتى كان الفيصل في تعيين الاختصاص القائم على أهمية النزاع هو هذا المعيار المجرد فإنه ينطبق كلما تحققت حكمته التشريعية غير مرتبط بتعبير اصطلاحي خاص قصد به معنى محدد في إطار قانون معين كالقانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة, وإلا فاتت هذه الحكمة. فتفهم عبارة "الموظفين الداخلين في الهيئة من الفئة العالية" الواردة في المادة 13 من قانون مجلس الدولة رقم 165 لسنة 1955 على أنها وصف عام لا على سبيل الحصر للضابط الذي يتخذ أساساً لتقدير الأهمية, سواء طابق هذا الوصف الإصلاح الوارد في قانون نظام موظفي الدولة أو في ميزانية الدولة العامة أو صادف حالة واقعية مماثلة قائمة بموظف عمومي خاضع لأحكام قانون آخر؛ ذلك أن المشرع في قانون مجلس الدولة لم يخص بالعبارة أنفه الذكر الموظفين الداخليين في الهيئة من الفئة العالية بحسب تعريفهم في قانون نظام موظفي الدولة والجداول الملحقة به أو في ميزانية الدولة العامة الخاصة بالحكومة المركزية فحسب, وإنما اتبع هذه المصطلحات على حكم الغالب, وعنى بذلك من في مستواهم الوظيفي من حيث طبيعة العمل ونوع الوظيفة ومرتبتها في مدرجها بما لا يمنع من تأويل هذا الاصطلاح بما يقابله ويتعادل معه معنى ومدلولاً في مفهوم القواعد واللوائح التي تحكم حالة الموظفين العموميين في كل مصلحة أخرى أو هيئة عامة من الهيئات التي تستقل بأنظمة خاصة لموظفيها وميزانيتها ولا تلتزم النظام الوظيفي أو المالي المتبع في شأن الموظفين الحكوميين، وبذلك تشمل قاعدة توزيع الاختصاص الواردة في المادتين 13 و14 من قانون مجلس الدولة طوائف الموظفين العموميين كافة وتتسع لهم جميعاً, الخاضعين منهم لأحكام القانون رقم 210 لسنة 1951 وغير الخاضعين، تحقيقاً للمساواة بينهم في المعاملة القضائية, كما هو الحال بالنسبة إلى الموظفين العموميين ذوي الكادرات الخاصة الذين تنظم قواعد توظيفهم قوانين خاصة كرجال القضاء وإدارة قضايا وأعضاء مجلس الدولة وأعضاء هيئة التدريس بالجامعات ولا يحكمهم قانون نظام موظفي الدولة أساساً, وكما هو الحال كذلك بالنسبة إلى موظفي المؤسسات العامة الداخلة في إطار الدولة العام وفي نطاق وظيفتها الإدارية بعد إذ امتد نشاط هذه الأخيرة إلى مختلف المرافق والتي يتبعها موظفون عموميون ولا تتقيد بالأوضاع والنظم المالية المقررة لموظفي الإدارة الحكومية، سواء في تبويب الميزانية أو في تقسيم الوظائف والدرجات, كما لا تلتزم بمصطلحاتها بنصها وتعبيراتها، بل تنفرد بنظمها وتعبيراتها الخاصة وإن تقارب فيها ترتيب الوظائف وطبيعتها ومستوياتها نظائرها في الكادر العام؛ ومن ثم فإن صفة الموظف الداخل في الهيئة في عرف الاصطلاح الجاري في النظام الحكومي تتوافر في الموظف التابع للمؤسسة العامة وإن لم تضف عليه بحرفيتها هذه التسمية متى اجتمعت لديه مقوماتها وخصائصها حسبما يتلاءم مع طبيعة نظام المؤسسة وأوضاع ميزانيتها ومركزة فيها, فهو في الحكومة غيره في المؤسسة، بيد أن المركز القانوني لكليهما واحد وبالتالي فإن حكمهما من حيث الاختصاص باعتباره أثراً من الآثار المترتبة على هذا المركز واحد كذلك، وبالقياس ذاته تتحدد الفئة العالية, فما هذه التسمية إلا مظهر الأهمية التي هي معيار توزيع الاختصاص, وتتحقق هذه الأهمية بتوافر عناصرها بالفعل في أي صيغة ركبت, فيعرف نظراء الموظفين الداخلين في الهيئة من الفئة العالية في المؤسسات العامة بحقيقة أوضاعهم الوظيفية والمالية لا بوصفهم وتسمياتهم. ومتى كان الأمر كذلك فلا تعديل ولا تغيير في قواعد الاختصاص، بل إعمال لها وتطبيق صحيح لضوابطها بروحها ومغزاها بما يتفق وحكمة للتشريع ويتلاءم مع طبيعة نظم التوظيف وتقسيم الوظائف والدرجات وأوضاع الميزانية التي تقررها اللوائح الخاصة بالمؤسسات العامة، أما الاستمساك بوجوب التزام حرفية تعبير "الموظفين الداخلين في الهيئة من الفئة العالية" بمدلوله اللفظي المحدد في القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة فلزوم ما لا يلزم, بل انحراف عن جوهر قصد في قانون مجلس الدولة بما قد يفضي إلى الخروج على مفهوم القانون ذاته فيما يتعلق بالموظفين الشاغلين للوظائف العليا ذات المربوط الثابت الذين لا يدخلون في نطاق تقسيم الوظائف الداخلة في الهيئة المنصوص عليه في المادة الثانية من قانون نظام موظفي الدولة, وهو تقسيم هذه الوظائف إلى فئتين: عالية ومتوسطة, وتقسيم كل من هاتين الفئتين إلى نوعين: فني وإداري للأولى، وفني وكتابي للثانية؛ إذ لم ترد وظائفهم في الجدول الثاني المرافق لهذا القانون ضمن وظائف الكادر الفني العالي والإداري, وهو منطق غير مقبول أن يخرج أفراد هذه الفئة من الموظفين من اختصاص محكمة القضاء الإداري ويخضعون في منازعاتهم الإدارية لولاية المحاكم الإدارية, مع أن وظائفهم في مدارج السلم الإداري تتعادل وتتساوى مع وظائف الكادر الفني العالي والإداري المقرونة بهذا الوصف في الجدول الثاني من القانون, الأمر الذي يتنافى مع ما قصده الشارع من جعل أهمية النزاع المشتقة من مرتبة الوظيفة مناط تحديد الاختصاص.
ومن حيث إنه متى كان المرجع في تعيين اختصاص كل من محكمة القضاء الإداري والمحاكم الإدارية هو إلى أهمية النزاع, وكان تقدير هذه الأهمية يقوم على أسس واقعية منضبطة على نحو ما سلف بيانه مردها إلى المستوى الوظيفي وخطورة المسئولية والدرجة المالية ومقدار المرتب وما إلى ذلك من ضوابط ومعايير يراعى فيها الموازنة بين الوظائف ذات الأهمية والقليلة الأهمية ومثيلات كل منها لقيام الفارق بينهما بحكم طبائع الأشياء، فليس ثمت اختصاص عام أصيل واختصاص استثنائي لأي من هاتين الهيئتين بل مشاركة في الاختصاص على قدم المساواة من حيث مبدأ الولاية فيما اتحدت فيه هذه الولاية من المنازعات الخاصة بالموظفين العموميين, وتوزيع لهذا الاختصاص بين الهيئتين المذكورتين بمراعاة التدرج القضائي بينهما وفقاً لأهمية النزاع بما يجعل كلاً منهما أصيلة فيما أسند إليها الاختصاص بنظره معزولة عما سواه. وآية ذلك ما نصت عليه الفقرة الأخيرة من المادة الثامنة من القانون رقم 165 لسنة 1955 في شأن تنظيم مجلس الدولة من قولها "وكل ذلك بحيث تختص محكمة القضاء الإداري وحدها بالفصل نهائياً فيما نص عليه في البندين أولاً وسادساً, وتختص بالاشتراك مع المحاكم الإدارية بالفصل فيما نص عليه في البنود ثانياً وثالثاً ورابعاً وخامساً وسابعاً", وهذا الاختصاص المشترك بالفصل فيما نص عليه في البنود ثانياً وثالثاً ورابعاً وخامساً من المادة الثامنة من القانون في شئون الموظفين العموميين هو ما تحدثت عنه المادتان 13 و14 منه ووزعت فيه الاختصاص بين المحاكم الإدارية ومحكمة القضاء الإداري بصفة نهائية على أساس أهمية النزاع بما يتمشى مع التدرج القضائي بين كل من هاتين الهيئتين. ومما يؤكد هذا النظر ما ورد في كلتا المادتين المشار إليهما من قول الشارع "عدا ما يتعلق منها بالموظفين الداخلين في الهيئة من الفئة العالية أو بالضباط" في المادة الأولى, وعدا ما تختص به المحاكم الإدارية في الثانية؛ الأمر الذي يفيد تبادل الاستثناء بين الهيئتين, وما بدء الشارع بالمحاكم الإدارية بسبب سهولة حصر اختصاصها إلا اقتصاد في العبارة وإيجاز في السرد.
ومن حيث إنه ما من شك في أن وظيفة مدرس مادة الطبيعة التي كان يشغلها المدعي ومرتبه الذي كان يتقاضاه وقدره 550 جنيهاً سنوياً مضافاً إليه مبلغ 50 جنيهاً نظير الإشراف على المعامل والمؤهل الذي يحمله وهو الدكتوراه من جامعة شيفيلد، هي في القمة من الوظائف الفنية في مرفق التعليم, ولا يقدح في هذا أو يجرد الوظيفة من أهميتها المستمدة من طبيعة خصائصها والتي هي مناط تعيين الاختصاص عدم وجود كادر خاص بموظفي كلية فيكتوريا؛ ذلك أن مرتب وظيفة المدعي يصعد إلى مستوى يناهز المرتبات العالية في الدولة؛ الأمر الذي يجعله في حد ذاته يدخل في نطاق المرتبات المقررة لوظائف الفئة العالية بحسب قانون نظام موظفي الدولة.
ومن حيث إنه متى كان هذا هو وضع المدعي فلا يغير من الأمر فيما يتعلق بتعيين الهيئة المختصة بنظر دعواه الحالية كون علاقته بكلية فيكتوريا كانت تقوم على رابطة أساسها عقد استخدامه الذي ظل معاملاً بأحكامه؛ لأنه على فرض صحة هذا التكييف فإن أحكام العقد ذاتها تكون هي القاعدة التنظيمية التي تحكم حالته والتي تضعه في مركز لائحي يخضع لأحكام القانون العام, وهي مع ذلك لا تمنع من سريان أحكام نظام التوظف في حقه فيما لا يتعارض مع ما هو وارد بهذا العقد. ولا تنافر بين قيام العقد وبين كون الموظف داخلاً في الهيئة أو من الفئة العالية أو مشبهاً بذلك حكماً.
ومن حيث إنه لما تقدم من أسباب فإن الاختصاص بنظر هذه المنازعة يكون لمحكمة القضاء الإداري دون المحاكم الإدارية, وإذ قضى الحكم المطعون فيه باختصاص المحكمة الإدارية بنظر الدعوى فإنه يكون قد جانب الصواب في تأويل القانون وتطبيقه، ويتعين القضاء بإلغائه وبعدم اختصاص المحكمة الإدارية بنظر الدعوى لكونها من اختصاص محكمة القضاء الإداري, وذلك دون حاجة إلى التطرق إلى ما عدا ذلك من دفوع.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً, وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه, وبعدم اختصاص المحكمة الإدارية لمصالح الحكومة بالإسكندرية بنظر الطلب, وباختصاص محكمة القضاء الإداري به, وبإحالته إليها للفصل فيه.