جلسة 18 من أبريل سنة 1963
برياسة السيد المستشار/ الحسيني العوضي, وبحضور السادة المستشارين: محمود القاضي، وأميل جبران، ولطفي علي، ومحمد ممتاز نصار.
-----------------
(79)
الطعن رقم 58 لسنة 28 القضائية
(أ) فوائد. "بدء سريان الفوائد". تعويض. مسئولية تقصيرية. مسئولية عقدية. التزام. "محل الالتزام".
عدم سريان الفوائد من تاريخ المطالبة القضائية على المبالغ التي لا تكون معلومة المقدار وقت رفع الدعوى. مثال ذلك التعويض عن العمل غير المشروع. يكون محل الالتزام معلوم المقدار إذا كان تحديد مقداره قائماً على أسس ثابتة لا يكون معها للقضاء سلطة التقدير. عدم جواز القضاء بالفوائد من تاريخ المطالبة الرسمية بالنسبة للتعويض عن العمل غير المشروع، يقتضي تطبيق الحكم ذاته على التعويض عن عدم تنفيذ الالتزام بمعناه الدقيق أياً كان مصدره كلما كان تقدير هذا التعويض خاضعاً لمطلق تقدير القاضي، سريان الفوائد في هذه الحالة من تاريخ صدور الحكم النهائي في الدعوى باعتبار أنه التاريخ الذي يصبح فيه محل الالتزام معلوم المقدار.
(ب) فوائد. "بدء سريان الفوائد". تعويض.
استحقاق الفوائد من تاريخ الحكم النهائي بالتعويض. لا يحول دون الحكم بها القول بأنها لم تترتب بعد في الذمة. القضاء بها تقرير لحق الدائن فيها قبل مدينه إذا تأخر في الوفاء.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن واقعة النزاع تتحصل في أن مرسوماً صدر في 28 مايو سنة 1951 بنزع ملكية 17081 متراً مربعاً يملكها الطاعن بناحية شبرا لإقامة مدارس عليها وقدرت مصلحة المساحة ثمن المتر عن هذه الأرض بأربعة جنيهات ولما لم يقبل الطاعن هذا التقدير أودعت الحكومة مبلغ 68324 جنيهاً لخزانة المحكمة وأحالت الأوراق إلى محكمة القاهرة الابتدائية فندبت رياسة المحكمة لإجراء المعاينة والتقدير خبيراً هندسياً وقدم هذا الخبير تقريره محدداً فيه ثمن المتر المربع بمبلغ ثمانية جنيهات وعارض الطرفان في هذا التقدير فأقامت الحكومة الدعوى رقم 3261 سنة 1952 كلي مصر طلبت فيها الحكم بقبول المعارضة شكلاً وفي موضوعها بتقدير العقار المنزوعة ملكيته على أساس أربعة جنيهات للمتر المربع - كما أقام الطاعن الدعوى رقم 3985 لسنة 1952 كلي مصر بصحيفة معلنة في 25 سبتمبر سنة 1952 طلب فيها تقدير ثمن المتر بمبلغ 12 جنيهاً وإلزام وزارة المالية بأن تدفع إليه 136648 جنيهاً وهو الفرق بين الثمن على أساس سعر المتر 12 جنيهاً وبين ما صرفه الطاعن من خزانة المحكمة في 22 يوليه سنة 1962 مع الفوائد القانونية بواقع 4% عن كامل الثمن وقدره 204972 جنيهاً من تاريخ الاستيلاء الحاصل في 6 ديسمبر سنة 1950 حتى 22 يوليه سنة 1952 ومع الفوائد بواقع 4% من مبلغ 136664 جنيهاً من 22 يوليه سنة 1952 حتى السداد وقد ضمت المحكمة الابتدائية المعارضتين إلى بعضهما وأصدرت حكمها فيهما بندب مكتب الخبراء الهندسيين بوزارة العدل وقدم هذا تقريره محدداً فيه ثمن المتر بمبلغ 8 جنيهات و184 مليماً - وبتاريخ 25 يونيه سنة 1957 أصدرت محكمة القاهرة الابتدائية حكمها باعتبار ثمن المتر الواحد 8 جنيهات أي بمبلغ 136648 جنيهاً للأرض جميعها تلتزم الحكومة بأدائه بعد خصم ما سبق قبضه من خزانة المحكمة مع الفوائد القانونية بالنسبة لمبلغ 68324 جنيهاً بواقع 4% من تاريخ المطالبة الرسمية الحاصلة في 25 سبتمبر سنة 1952 حتى السداد مع إلزام كل من الطرفين بمصروفات معارضته والمقاصة في أتعاب المحاماة ورفضت ماعدا ذلك من الطلبات - استأنف كل من الطرفين هذا الحكم لدى محكمة استئناف القاهرة وقيد استئناف الطاعن راتب جرجس برقم 918 سنة 74 ق كما قيد استئناف الحكومة برقم 1187 سنة 74 ق وضم الاستئنافان إلى بعضهما وأصدرت محكمة الاستئناف حكمها في 11 يناير سنة 1958 بقبول الاستئنافين شكلاً وفي موضوعهما. أولاً - برفض استئناف وزارة المالية والمساحة موضوعاً وإلزامهما بمصاريفه ومصاريف معارضتهما. ثانياً - بتعديل الحكم المستأنف إلى مبلغ 139790 جنيهاً و904 مليمات يخصم منها ما سبق للمستأنف راتب جرجس قبضه من خزانة المحكمة وذلك على أساس سعر المتر 8 جنيهات و184 مليماً وذلك فيما يتعلق باستئناف راتب جرجس. ثالثاً - إلزام وزارة المالية والمساحة بالمصاريف المناسبة لمبلغ 71466 جنيهات و604 مليمات عن الدرجتين وقد طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض بتقرير مؤرخ 20 فبراير سنة 1958 وعرض الطعن على دائرة فحص الطعون فأصدرت قرارها في 30 أبريل سنة 1961 بإحالة الطعن إلى الدائرة المدنية وبعد استيفاء الإجراءات تحدد لنظر الطعن أمام هذه الدائرة جلسة 21 فبراير سنة 1963 وفيها صممت النيابة على مذكرتها المتضمنة طلب نقض الحكم.
وحيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه خطأه في تطبيق المادة 226 من القانون المدني إذ رفض الفوائد المقضي بها ابتدائياً بالنسبة للمبلغ الذي حكم بأحقيته فيه على أساس أنه غير معلوم المقدار وقت رفع الدعوى وأن الفوائد تستحق على كل التزام بدفع مبلغ عن النقود أياً كان مصدره إذ العبرة في استحقاقها هو بمحل الالتزام - وهذا المحل هو دفع مبلغ من النقود معلوم المقدار وقت الطلب - ولا عبرة بمصدر الالتزام فقد يكون عقداً أو عملاً غير مشروع والثابت في واقعة النزاع أن التزام المطعون عليهما هو التزام بدفع مبلغ من النقود - ثمناً لما نزعت ملكيته - وهذا المبلغ قد حدد في صحيفة الدعوى بل حدد من قبل رفعها وليس من شأن المنازعة في استحقاق المبلغ المطالب به في صحيفة الدعوى كله أو بعضه ما يجعله غير معلوم المقدار وقت الطلب ومما هو أمعن في مخالفة القانون أن الحكم المطعون فيه لم يقض بالفوائد من تاريخ صدور الحكم حتى السداد على أساس أن فوائد التأخير لم تترتب بعد في ذمة الخصم مع أن الأحكام مقررة للحقوق وليست منشئة لها.
وحيث إن الحكم المطعون فيه أسس قضاءه برفض الفوائد القانونية التي قضى بها الحكم الابتدائي على قوله "وحيث إن التعويض محل النزاع هو مبلغ غير معلوم المقدار وقت رفع الدعوى. ولا يصبح كذلك إلا بالحكم النهائي. فلا محل للحكم بالفوائد التأخيرية المطلوبة عن المدة السابقة على القضاء في النزاع نهائياً بهذا الحكم لعدم توافر هذا الشرط المقرر بالمادة 226 مدني. ولا محل كذلك للحكم بفوائد التأخير الذي قد يقع بعد صدور الحكم لأنها لم تترتب بعد في ذمة الخصم". وهذا الذي أسس عليه الحكم قضاءه في خصوص بدء سريان الفوائد من تاريخ الحكم النهائي صحيح في القانون - ذلك أن المادة 226 من القانون المدني تنص على أنه "إذا كان محل الالتزام مبلغاً من النقود وكان معلوم المقدار وقت الطلب وتأخر المدين في الوفاء به - كان ملزماً بأن يدفع للدائن على سبيل التعويض عن التأخير فوائد قدرها 4% في المسائل المدنية، 5% في المسائل التجارية. وتسري هذه الفوائد من تاريخ المطالبة القضائية إن لم يحدد الاتفاق أو العرف التجاري تاريخاً آخر لسريانها وهذا كله ما لم ينص القانون على غيره" ويبين من الأعمال التحضيرية لتلك المادة أن إيراد عبارة - "وكان معلوم المقدار وقت الطلب التي وضعت بدلاً من عبارة "وكان معلوم المقدار وقت نشوء الالتزام" التي وردت أصلاً في المشروع التمهيدي للقانون قد قصد بها منع سريان الفوائد على المبالغ التي لا تكون معلومة المقدار وقت رفع الدعوى كالتعويض عن العمل غير المشروع - والمقصود يكون محل الالتزام معلوم المقدار أن يكون تحديد مقداره قائماً على أسس ثابتة لا يكون معها للقضاء سلطة رحبة في التقدير - لما كان ذلك، وكان عدم جواز الحكم بالفوائد من تاريخ المطالبة الرسمية بالنسبة للتعويض عن العمل غير المشروع يقتضي تطبيق الحكم ذاته على التعويض المستحق من عدم تنفيذ الالتزام بمعناه الدقيق أياً كان مصدره كلما كان تقدير هذا التعويض خاضعاً لسلطة القاضي التقديرية - لما كان ذلك، وكان التعويض المستحق للطاعن عن نزع ملكية أرضه للمنفعة العامة هو مما يخضع للسلطة التقديرية للقاضي. فإن تحديد الطاعن لما يطلبه في صحيفة دعواه لا يجعله معلوم المقدار وقت الطلب بالمعنى الذي قصده القانون. وإنما يصدق عليه هذا الوصف بصدور الحكم النهائي في الدعوى - وإذ التزام الحكم المطعون فيه هذا النظر وقضى برفض طلب الفوائد القانونية التي طلبها الطاعن من تاريخ المطالبة الرسمية بالنسبة للبائع المقضي بها فإنه لا يكون قد خالف القانون - أما ما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه بأنه لم يقض بالفوائد من تاريخ الحكم فهو نعي في محله - ذلك أن تاريخ الحكم هو - كما سبق بيانه - الوقت الذي يصبح فيه محل الالتزام معلوم المقدار والذي يبتدئ منه بالتالي استحقاق الفوائد ولا يحول دون الحكم بها ما برر به الحكم المطعون فيه قضاءه في هذا الخصوص من أنها لم تترتب بعد في الذمة لأن القضاء بالفوائد إنما هو تقرير لحق الطاعن فيها قبل مدينه إذا تأخر في الوفاء ومن ثم يتعين نقض الحكم المطعون فيه في هذا الخصوص - ولما كان الموضوع فيما يتعلق بذلك صالحاً للفصل فيه فإنه يتعين تعديل الحكم المستأنف في هذا الخصوص والقضاء بجريان الفوائد عن مبلغ 71466 ج و604 م المقضي به للطاعن بواقع 4% سنوياً ابتداء من تاريخ صدور الحكم المطعون فيه حتى السداد.
(1) راجع نقض 15/ 2/ 1962 طعن 310 س 26 ق السنة 13 ص 253.