جلسة 18 من يناير سنة 1966
برياسة السيد/ محمود توفيق إسماعيل نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: محمد ممتاز نصار، وحافظ محمد بدوي، وإبراهيم جبر الجافي، وإبراهيم عمر هندي، وأحمد حسن هيكل، ومحمد صادق الرشيدي، والسيد عبد المنعم الصراف، وعباس حلمي عبد الجواد، وإبراهيم حسن علام، وسليم راشد أبو زيد.
-------------------
(1)
الطلب رقم 2 لسنة 34 ق "تنازع على حكمين متناقضين"
(أ) اختصاص. "اختصاص الهيئة العامة للمواد المدنية". "التنازع بشأن تنفيذ أحكام محاكم الأحوال الشخصية".
المقصود بالأحكام الصادرة من محاكم الأحوال الشخصية في المادة 21 من قانون السلطة القضائية الأحكام التي سبق صدورها من المحاكم الشرعية قبل إلغائها. صدور حكمين متناقضين من محكمتين مختلفتين ولكنهما يتبعان جهة القضاء العادي. عدم قبول طلب الفصل في النزاع بشأن تنفيذهما.
(ب) اختصاص. "دوائر الأحوال الشخصية بالمحاكم".
دوائر الأحوال الشخصية المشكلة طبقاً للمادة الرابعة من القانون رقم 462 لسنة 1955 بإلغاء المحاكم الشرعية. اعتبارها من دوائر المحاكم وتابعة لها.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع تقرير السيد المستشار المقرر وبعد المرافعة والمداولة.
حيث إن الوقائع - على ما يبين من الأوراق - تتحصل في أن الطالب محمد إبراهيم عمر خليفة أقام في 8 من سبتمبر سنة 1953 على باقي ورثة والده المرحوم إبراهيم عمر خليفه ومن بينهم المدعى عليهما في هذا الطلب الدعوى رقم 1130 سنة 1953 مدني أمام محكمة المنصورة الابتدائية وطلب الحكم بثبوت ملكيته لـ 23 فداناً و16 قيراطاً و13 سهماً المبينة بالصحيفة مستنداً في ذلك إلى أن والده المذكور كان قد وقف هذا القدر بإشهاد لدى محكمة المنصورة الجزئية الشرعية في 17 من فبراير سنة 1943 وجعل الوقف على نفسه ثم من بعد وفاته على ابنه الطالب وأن ملكية هذه الأطيان قد آلت إلى الطالب بعد وفاة والده في 24 من إبريل سنة 1953 بالتطبيق لأحكام القانون رقم 180 لسنة 1952 بإلغاء نظام الوقف على غير الخيرات إذ أن استحقاقه في الوقف كان بعوض مالي ولم يكن للواقف حق الرجوع فيه. وقد أنكر المدعى عليهم في تلك الدعوى انفراد الطالب بملكية ذلك القدر وقالوا إنه طبقاً للمادة الثانية من المرسوم بقانون المشار إليه أصبح ما انتهى فيه الوقف ملكاً لمورثهم الواقف لأنه كان حياً وقت صدور ذلك المرسوم بقانون وكان له حق الرجوع في الوقف لعدم قيام مانع من الرجوع طبقاً للمادة 11 من قانون الوقف رقم 48 لسنة 1946 ولأن استحقاق الطالب لم يكن بأي عوض مالي - وبتاريخ 26 من إبريل سنة 1955 أصدرت محكمة المنصورة الابتدائية حكماً حضورياً في تلك الدعوى قطع في أسبابه بصحة دعوى المدعي (الطالب) وقضى في منطوقه بندب خبير لتقدير ما يضاهي نصيب الخيرات والمرتبات المشروطة لصالح المدعى عليهم بكتاب الوقف من الأرض الزراعية التي كانت موقوفة. وقد قام الطالب بإعلان هذا الحكم للمدعى عليهم في 15، 29 من يونيه سنة 1955 ولم يرفعوا استئنافاً عنه - بعد ذلك رفع ثلاثة منهم هن رقية محمد خليفة وعزيزة إبراهيم عمر خليفة المدعى عليهما في هذا الطلب وأنيسة إبراهيم عمر خليفة الدعوى رقم 123 سنة 1956 أمام دائرة الأحوال الشخصية بمحكمة المنصورة الابتدائية واختصمن فيها الطالب وطلبن الحكم بوفاة المرحوم إبراهيم عمر خليفة وأنهن من ورثته وتستحق زوجته رقية ثلاثة قراريط وتستحق كل من ابنتيه عزيزة وأنيسة قيراطين وثلث قيراط من 24 قيراطاً تنقسم إليها أعيان الوقف التي آلت ملكيتها إلى مورثهن الواقف، وأسسن هذه الدعوى على أنه بمقتضى المرسوم بقانون رقم 180 لسنة 1952 قد أصبح ما انتهى فيه الوقف ملكاً لهذا الواقف لأنه كان حياً وكان له حق الرجوع في الوقف وأنه تقدم فعلاً بطلب إلى هيئة التصرفات بمحكمة المنصورة الابتدائية الشرعية قيد برقم 278 سنة 1951 لسماع إشهاده بالتغيير في وقفه وجعله على ورثته الشرعيين جميعاً كل بحسب نصيبه الميراثي وقد وافق الطالب والده على سماع هذا الإشهاد وذلك بإقرار حرره بخطه ووقعه بإمضائه ضمنه أنه غير متمسك بعقد 26 يوليه سنة 1942 الذي كان يستند إليه في أن استحقاقه كان بمقابل مالي، وأنه إذ توفى مورثهن في 24 إبريل سنة 1953 (فقد آلت ملكية الأطيان التي كانت موقوفة إلى ورثته جميعاً وخصهن فيها النصيب المبين في صحيفة دعواهن - دفع الطالب تلك الدعوى بعدم جواز نظرها لسبق الفصل فيها بالحكم الصادر في القضية رقم 1130 سنة 1953 مدني كلي المنصورة والذي أصبح نهائياً وأنكر موافقته على سماع إشهاد التغيير من والده وطعن بالتزوير في محضر جلسة 2 يوليه سنة 1952 في مادة التصرفات رقم 278 سنة 1951 الثابت فيه حضوره في تلك الجلسة وصدور هذه الموافقة منه - كما دفع بعدم اختصاص المحكمة باعتبارها محكمة للأحوال الشخصية بنظر الدعوى لأنها دعوى ملكية - وبتاريخ 12 من مايو سنة 1958 حكمت تلك المحكمة حضورياً برفض الدفعين السابقين وبرفض دعوى التزوير وتغريم مدعيها خمسة وعشرين جنيهاً للخزانة وبوفاة المرحوم إبراهيم عمر خليفة في 24 من إبريل سنة 1953 وأن من تركته الأعيان التي وقفها بكتاب وقفه المؤرخ 17 فبراير سنة 1943 والتي أصبحت ملكاً له ابتداء من 14 سبتمبر سنة 1952 بصدور القانون رقم 180 لسنة 1952 وأن المدعيات من ورثته تستحق الزوجة ثلاثة قراريط وكل من بنتيه عزيزة وأنيسة قيراطين وثلث قيراط من 24 قيراطاً تنقسم إليها تركته وبمنع تعرض المدعى عليه (الطالب) لهن في هذا الاستحقاق - استأنف الطالب هذا الحكم أمام محكمة استئناف المنصورة وقيد استئناف برقم 22 سنة 1958 ق. وبتاريخ 3 من يناير سنة 1962 حكمت دائرة الأحوال الشخصية بتلك المحكمة بقبول الاستئناف شكلاً وببطلان الحكم المستأنف لعدم تضمينه اسم عضو النيابة الذي أبدى الرأي في القضية وبقبول الدفع وبعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها وبإلزام المستأنف ضدهما رقية وعزيزة (المدعى عليهما في هذا الطلب) بمصروفات الدرجتين ومقابل أتعاب المحاماة، فطعنت الأخيرتان في هذا الحكم بطريق النقض وقيد طعنهما في جدول هذه المحكمة برقم 6 سنة 32 ق أحوال شخصية وبتاريخ 27 من مايو سنة 1964 نقضت دائرة الأحوال الشخصية بهذه المحكمة الحكم المطعون فيه وأحالت القضية إلى محكمة استئناف المنصورة مؤسسة قضاءها على أن الحكم الصادر من محكمة المنصورة الابتدائية في القضية رقم 1130 سنة 1953 لا يحوز قوة الشيء المحكوم فيه لصدوره من محكمة غير ذات ولاية إذ أن الدعوى التي فصل فيها ذلك الحكم هي في جوهرها دعوى استحقاق إذ كان النزاع فيها يدور حول معرفة من انحل عليه الوقف من أطراف الخصوم وهل كان الوقف بغير عوض فيصبح ما انتهى فيه الوقف ملكاً للواقف أو كان بعوض مالي فيؤول إلى الطالب وحده وأن الدعوى بهذا الوصف مما كانت تختص المحاكم الشرعية بالنظر فيه - وبتاريخ 20 من يونيه سنة 1964 قدم الطالب هذا الطلب بعريضة أودعها قلم كتاب هذه المحكمة وانتهى فيها إلى طلب القضاء باختصاص المحكمة المدنية بنظر النزاع دون دائرة الأحوال الشخصية وباعتبار حكمها النهائي رقم 1130 سنة 1953 مدني كلي المنصورة مانعاً من اختصاص دائرة الأحوال الشخصية - وما يترتب على ذلك.
وحيث إن مبنى هذا الطلب قيام نزاع بشأن تنفيذ حكمين نهائيين متناقضين صادر أحدهما من محكمة مدنية والآخر من إحدى محاكم الأحوال الشخصية وأن هذا النزاع مما تختص الهيئة العامة للمواد المدنية بمحكمة النقض بالفصل فيه طبقاً للمادة 21 من قانون السلطة القضائية رقم 56 لسنة 1959 وفي بيان ذلك يقول الطالب إن الحكم الصادر من محكمة المنصورة الابتدائية في الدعوى رقم 1130 سنة 1953 كلي والذي قضى في أسبابه بملكيته وحده لجميع الأطيان التي كانت موقوفة قد أصبح نهائياً بإعلانه إلى الخصوم وفوات ميعاد استئنافه دون رفع استئناف عنه وأنه إذ كان الحكم الصادر من محكمة الأحوال الشخصية على خلاف الحكم الأول قد أصبح هو الآخر نهائياً بعد صدور حكم النقض لأن المحكمة التي أحيلت إليها القضية سوف تلتزم حتماً حكم النقض في مسألة الاختصاص التي فصلت فيها محكمة النقض فإنه يكون هناك حكمان متناقضان ويتضمنان تنازعاً على الاختصاص بين محكمة مدنية ومحكمة للأحوال الشخصية إذ أن الحكم الأول قضى باختصاص المحاكم المدنية بنظر النزاع في حين أن الحكم الثاني يقضي تبعاً لحكم النقض باختصاص محاكم الأحوال الشخصية بنظر ذلك النزاع عينه وأنه لما كان الحكم الأول الصادر من المحكمة المدنية قد أصبح نهائياً فإنه يحوز قوة الأمر المقضي ويصبح واجب الاحترام ولو كان قد خرج في قضائه على الولاية التي منحها المشرع للمحاكم المدنية لأن حجية الأمر المقضي تسمو على قواعد النظام العام.
وحيث إن الفقرة الأولى من المادة 21 من قانون السلطة القضائية رقم 56 لسنة 1959 التي يستند إليها الطالب تنص على أن "تختص الهيئة العامة للمواد المدنية بمحكمة النقض بالفصل في النزاع الذي يقوم بشأن تنفيذ حكمين نهائيين متناقضين صادر أحدهما من إحدى المحاكم والآخر من إحدى محاكم الأحوال الشخصية أو المجالس الملية أو صادر كل منهما من إحدى محاكم الأحوال الشخصية أو المجالس الملية"، وقد أفصحت المذكرة الإيضاحية لهذا القانون بأن المقصود هنا بالأحكام الصادرة من محاكم الأحوال الشخصية هي تلك التي سبق صدورها من المحاكم الشرعية قبل إلغائها - ومن ثم فإذا كان الحكمان المتناقضان اللذان ثار النزاع بشأن تنفيذهما قد صدرا من محكمتين مختلفتين ولكنهما يتبعان جهة القضاء العادي أي المحاكم فلا يقبل طلب الفصل في النزاع الذي يقوم بشأن تنفيذهما وإنما سبيل معالجة النزاع في هذه الحالة هو الطعن في الحكم الثاني سواء بالاستئناف إذا توافرت الشروط التي تستلزمها المادة 397 من قانون المرافعات أو بالنقض وفقاً لما هو منصوص عليه في المادة الثالثة من القانون رقم 57 لسنة 1959 بشأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض - لما كان ذلك، وكانت المادة الرابعة من القانون رقم 462 لسنة 1955 بإلغاء المحاكم الشرعية والمحاكم الملية قد "نصت على أن تشكل بالمحاكم الوطنية دوائر جزئية وابتدائية واستئنافية وفقاً لما هو منصوص عليه في قانون نظام القضاء لنظر قضايا الأحوال الشخصية والوقف التي كانت من اختصاص المحاكم الشرعية أو المجالس الملية" وكان مفاد ذلك أن دوائر الأحوال الشخصية التي شكلت عملاً بهذه المادة تعتبر من دائرة المحاكم وتابعة لها وإذ كان الحكمان المدعي بوقوع النزاع بشأن تنفيذهما قد صدر أولهما من الدائرة المدنية بمحكمة المنصورة الابتدائية والثاني من دائرة الأحوال الشخصية بتلك المحكمة واستؤنف أمام دائرة الأحوال الشخصية بمحكمة استئناف المنصورة فإن كليهما يكون صادراً من محاكم القضاء العادي وبالتالي فلا تختص هذه الهيئة بنظر طلب الفصل في النزاع القائم بشأن تنفيذهما.
(1) راجع نقض 30/ 5/ 1964 في الطلب رقم 6 لسنة 31 ق تنازع بمجموعة المكتب الفني س 15 ص440 ونقض 29/ 12/ 1964 س 15 ص 971.